قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية انشق قلب القمر للكاتبة شاهندة الفصل السادس والعشرون

رواية انشق قلب القمر للكاتبة شاهندة الفصل السادس والعشرون

رواية انشق قلب القمر للكاتبة شاهندة الفصل السادس والعشرون

أنا مش عارف أتأسفلك ازاي ياعمي علي اللي عمله الحيوان ده. هو أكيد اتجنن بس انا مش عايز حضرتك تقلق منه لإنه جبان ولو حاول بس يمسك بأذي أنا مش هسكتله.
أنا مش مهم يامالك. المهم فيروز بنتي. انت مشفتش بصلها ازاي؟ دي بصة صياد شاف فيها فريسته. بصة خوفتني عليها قوي.
قبض مالك يده بقوة يحاول السيطرة علي بركان من الغضب ثار بقلبه.
إلا هي.

إن مس شعرة واحدة منها فلن يتردد بإزهاق روحه في المقابل. ما إن تمالك نفسه حتى قال بهدوء: وعد مني قصاد ربنا إن مفيش مخلوق ممكن يقرب من بنت حضرتك أو يمس شعرة منها طول ماأنا عايش. لو وصلت هحميها بروحي.
ربت مصطفي علي يده يقول بامتنان: ربنا يحميك ياابني.

استندت فيروز بظهرها للباب ترفع يدها إلى قلبها تطالبه بالهدوء، بضع كلمات منه أثارت خفقاتها بالكامل وهزت كيانها. حزم واصرار وصدق نبراته مسوا قلبها فأحاطوه بمشاعر عديدة في هذه اللحظة. مشاعر أثارت اضطرابها وجعلتها توقن من شيء واحد. هذا الرجل الذي يجلس بالخارج مع والدها قد تسلل إلى قلبها رغما عنها. يحتله رويدا رويدا وقريبا سيعلن قلبها الاستسلام لغزوه ويرفع رايته البيضاء معلنا إياه ملكه ومالكه.

نظر مراد في مرآة السيارة عاقدا حاجبيه قبل أن يستدير بها في الشارع الجانبي ليعاود النظر في المرآة فتزداد تقطيبة جبينه، زاد من سرعة سيارته حتى وصل إلى الشركة فأوقفها ثم نظر إلى المرآة فوجد تلك السيارة التي تتبعه منذ الصباح تقف علي مسافة بعيدة بعض الشيء، هبط من السيارة واتجه إلى الشركة يلقي بنظرة أخيرة تجاه السيارة الأخري قبل أن يدلف من الباب، بينما فتح مسعود السائق هاتفه وأرسل رسالة إلى ناهد يخبرها فيها بخط سير زوجها مراد ووصوله للشركة ليفاجئ بالأبواب تفتح من الجهتين ويظهر اثنين من رجال الأمن لدي السيد مراد، يسحب أحدهم الهاتف من يديه ثم يسحبه من السيارة بينما يوجه له الآخر سلاحه قائلا: مراد بيه عايزك. امشي قدامنا من غير شوشرة أحسنلك.

هز السائق رأسه بخوف وقد أسقط قلبه بين قدميه هلعا، يتقدم تجاه مبني الشركة يحيطه الحارسين بوجوه باردة قاسية أرسلت الرعب في أوصاله.

كانوا يمرحون كثيرا في هذه اللعبة، يصرخون بأعلي أصواتهم فرحا حين تعلو الأرجوحة علي شكل مركب ثم تهبط فجأة بينما شعر مالك بالقلق وقد وجد فيروز شاحبة الوجه تجلس أمامه بالجهة الأخري من المركب تغمض عيناها بقوة، يرتعش ثغرها الذي صار أبيضا للغاية وكأن الدماء قد سحبت منه كلية، أراد أن يوقف اللعبة ولكن كيف السبيل إلى ذلك؟ وجد مدير اللعبة يتطلع تجاههم في هذه اللحظة فأشار له بإنهاء اللعبة وهو يشير إلى فيروز فتفهم الرجل في الحال مقصده وبدأ في إبطاء اللعبة حتى توقفت وسط تذمر اللاعبين، قفز مالك بسرعة من المركب قبل ان تتوقف تماما واتجه إلى فيروز التي لاحظ أولادها المجاورين لها وغادة حالتها فبدأت كرملة في البكاء، تجمهر الناس حولهم فأمرهم مالك بالابتعاد قليلا بينما تربت غادة علي وجنتها تقول بقلق: فيروز. مالك يافيروز؟ مالك ياحبيبتي.

اغسلي ايدك ومشيها بشويش علي وشها.
قالها مالك بلهفة فأسرعت غادة تبلل يدها من زجاجة ماء تحملها وتنفذ كلماته بينما قال كرم من وسط دموعه: جهاز التنفس، أكيد محتاجاه عشان تتنفس.
قطبت غادة جبينها بينما لمعت عينا مالك تفهما وهو يقول: ربو عندها ربو، دوري في شنطتها علي جهاز الاستنشاق.

أسرعت غادة تبحث في حقيبة فيروز عن الجهاز فوجدته لتسرع وتضعه علي أنفها تطلق منه بعض الرزاز، أخذت فيروز نفسا عميقا واللون يعود إلى وجهها تدريجيا لتنطلق الأنفاس التي احتبست خوفا عليها، وبدأ الجمع في الانفضاض من حولهم بينما فتحت فيروز عينيها ببطئ لتقابل عيون المحيطين بها، قالمالك الذي عادت خفقات قلبه إلى طبيعتها: ازاي يبقي عندك ربو وتجازفي بحياتك كدة؟

مش وقته يامالك، ساعدني نخرجها من المركب دي ونقعدها في حتة تانية.

تردد للحظة وهو يرفض ملامستها ولكنه وجد نفسه مضطر لذلك فاستغفر في سره وهو يمنحها ذراعه ليلاحظ ترددها كحاله ولكنها قبلت علي مضض كما يبدو لتستند بكفها علي ذراعه بينما تقوم غادة باسنادها من الجهة الأخري حتى قاما بانزالها من المركب يصطحباها هي وأطفالها إلى أقرب مقهي، طلب مالك بعض العصير بينما جلست فيروز بضعف فجلس الجميع حولها يظهر علي وجوه الصغار ملامح الحزن وتتساقط عبراتهم في صورة تشطر القلب لتقول غادة فجأة: أنا هاخد الولاد ياكلوا آيس كريم.

كاد مالك أن يرفض ولكن غادة أشارت له بعينيها تجاه الأطفال فتفهم سبب رغبتها الغريبة تلك، هي تريد أن ترفه عن الصغار وتبعد عنهم لحظات من الرعب عاشاها منذ قليل، ليقول: خليكي مع فيروز وأنا هاخدهم.
لأ خليك انت معاها.
لتميل عليه مردفة: مش هعرف أتصرف لو حصل حاجة، انت هتعرف.
هز رأسه قائلا: متبعديش كتير، انت عارفة الوضع.
ربتت علي يده هامسة: متقلقش.
ثم أردفت موجهة حديثها للصغار: يلا ياولاد.
أيوة بس ماما...

قاطعتها غادة قائلة بحنان: ماما كويسة أهي، هتشرب عصير وهتستنانا لحد مانرجع، مش كدة يافيروز؟

ابتسمت فيروز لطفليها بوهن توميء برأسها فنهض الصغار يمسكون بيدي غادة ويتجهان إلى محل الآيس كريم، ليحضر النادل ويضع العصير أمامهما ثم ينصرف، أمسك مالك كوب العصير ومنحها إياه إرتعشت يدها وكاد أن يسقط منها الكوب فأسرع يمسك الكوب فأحاط يدها التي تمسك الكوب، تقابلت عيناهما في هذه اللحظة فانتقلت ارتعاشة قلبيهما إلى يديهما فأفلت يدها علي الفور وهو يقول: آسف.

قالت بنبرات مضطربة: أنا اللي آسفة، كانت حركة طفولية مني جدا لما قررت أتجاهل حالتي وأركب معاكم، مكنتش أقصد أبوظ الفسحة عليكم وأنكد اليوم بالشكل ده، سمعت كلام قلبي اللي قاللي عيشي الحياة ولو للحظة ونسيت ان اللحظة دي ممكن تاخدني من ولادي.
بعيد الشر عنك.

قالها بلهفة جعلتها تطالعه بحيرة فأشاح بنظراته عنها وهو يأخذ كوب العصير خاصته قائلا بارتباك: كل واحد فينا بتيجي عليه لحظة بيفكر في نفسه وبس، بيجازف بحياته من غير مايفكر في الناس اللي ممكن يوجعهم فراقه عنهم، لو للحظة فكر مش هيخاطر بحياته ووقتها حاجات كتير هتتغير. أنا نفسي لو فكرت في كل مرة كنت بخاطر فيها بروحي عشان أكشف مجرم وأقدمه للعدالة أو أدخل جوة عصابة عشان أفضحها، لو فكرت ايه اللي ممكن يجرا لأمي واخواتي لو حصلي حاجة أكيد مكنتش هجازف، كلنا بنغلط بس اللي بيغفر غلطاتنا هو طيبة القلب اللي جوانا والنية الطيبة.

مش هتقارن بين واحد بيجازف بحياته عشان الحق وواحدة جازفت بحياتها عشان تشبع رغبة جواها في حاجات اتحرمت منها وهي صغيرة بسبب مرضها.
احنا الاتنين بنمشي ورا قلبنا ومبنسمعش كلام العقل، مش عيب فينا لأ دي ميزة، لكنها ميزة محتاجة شريك يوقفنا لما نجازف أو نضحي وندي أكتر من اللازم.
الشريك ده راح يامالك وأخد معاه كل حاجة حلوة.

شعر بغصة في قلبه حين تطرقت بالحديث عن زوجها الراحل بهذا الحنين، ليتساءل بصمت. أمازالت تحبه؟ هل أغلقت بابها بعد رحيله فلم يبقي هناك أمل لأن تفتحه لغيره؟
لا. لايوجد غيره. انه يعني نفسه بسؤاله. تري هل ضاع الأمل في أن تفتح قلبها له؟ أفاق علي ندائها له باسمه فنظر إليها متسائلا وهي تقول: مفيش جديد عن عم الولاد؟ كنت قلت لي انك بتدور وراه.

ابتسم قائلا: الحقيقة فيه ودي مفاجأة كنت سايبها لآخر اليوم لكن مادام سألتي فأحب أطمنك اني قدرت أوصل لفهمي من خلال ممدوح صاحبي الظابط اللي كلمتك عنه قبل كدة وبكرة هنروح له ووقتها وبشوية ضغط صغيرين باذن الله هنقدر نوصل للحقيقة ولو لقينا معاه شريط الفيديو يبقي مش بعيد يتقبض علي ماجد بتهمة القتل العمد وساعتها حق المرحوم هيرجع و حق ولادك كمان.
بتكلم جد يامالك؟

قلب مالك وخفقاته التي اشتعلت لمرأي اشراقة وجهك فيروزتي وسعادتك البادية علي ملامحك الملائكية.
لاحظ نظراته الولهة إليها فأشاح بوجهه عنها مرغما وهو يدرك أنه يقترف ذنبا دون قصد قائلا: أكيد طبعا، هي غادة والولاد راحوا فين؟ بيتهيألي اتأخروا، هقوم أشوفهم.
نهض يتجه صوب المكان الذي ذهبت إليه غادة بينما عقدت فيروز حاجبيها في حيرة، ترفع يدها وتضعها علي قلبها الذي تسارعت خفقاته تقول بصمت.

اهدأ أيها القلب قليلا ولا تتسرع، ربما تخبرك مقلتيه بما ترغب ولكنك قد تكون مخطئا وتعقد الآمال فتصحو يوما علي زيفها لتسقط من عليائك دون رحمة.
فقط تذكر.

هو قلب مازال مجروحا لم يطب جرحه بعد، قد هويته دون أن تشعر، كان قربه فتيلا لعشق أعلنت إطلاق سراحك منه للأبد فأحكم صاحبه حصاره حولك وأغراك بدفئه وأمانه ثم أحاطك بأسواره فسكنت مجبرا بين جدران قلبه بعد أن استسلمت لقيوده الدافئة الآمنة. والآن كتب عليك الانتظار إما أن يبادلك عشق بعد طيب أو تظل في خانة الصديق فإهدأ ولا تغوص أكتر في بحر العشق فتصير غريق. أيها الأحمق قد جلبت الهوي إلى خفقاتك دون ادراك المصير فلتنتظر حكم القدر اذا، إما سعادة للأبد وإما تعاسة وألم. تبتسم. راض بشعور يغمرك جواره، تقول أنها أجمل لحظات العمر، ستكتفي بها أبد الدهر.

حسنا...
لن أطلب منك هدوءا بعد الآن وسأترك مصيرنا لحكم القدر وتصريف الزمان.

كان يقلب في أوراق هذا المستند أمامه فعجز عن التركيز، منذ البارحة وهو صامت كالقبر، يقابل كل شيء بلا مبالاة حتى محاولات والدته فتح حديث معه ومعرفة ماحدث باءت جميعها بالفشل ليترك المنزل ويبيت بشقته أعلي مبني الشركة يحاول أن يطمث أفكاره بالنوم فلم يغمض له جفن وهو يشعر بحرقة قلبه، يتساءل بألم. كيف استطاعت ميسون أن تشك به بعد هذا الحب الذي يغدقه عليها؟ ألا تعرفه مطلقا؟ هو لا يمكنه أن يخونها أبدا. إنها أجمل وأحب النساء بل كل النساء في عينيه. كيف استطاعت اتهامه بهذه البساطة؟

ليجيبه قلبه.
ألم تنتابك الظنون تجاهها من قبل وأنت تعرفها حق المعرفة لتدرك أنها من المستحيل أن تغدر أو تخون؟ فلتعذر ظنونها اذا فما رأيت سوي رسالة فأحرقتك شكوكك بينما رأت هي صورة لك مع أخري واستمعت إلى كلمات والدتك فرغما عنها انصاعت لشكوكها.
عقد حاجبيه يتساءل للحظة عن حديث أمه لزوجته وما السبب وراءه؟
ليجيبه قلبه مجددا.
أيها الساذج انها لم تحب يوما زوجتك وعلي الأغلب أرادت تفريقكما.

لقد كان بالماضي غر يمشي وراء أمه وكان من الممكن وقتها ان يسمح لها بذلك كما فعلت مع صديقته بالماضي أما ومنذ أن عرف وأحب ميسون وهو يشعر باختلاف في روحه وتكوينه وشخصيته، يسير بخطوات ثابتة نحو غد أفضل له، يصير رجلا آخر بكل تأكيد ولم يكن ليسمح لوالدته بالتفريق بينهما ولكنها هي حبيبته من جرحته بكلامها فقطعت سبل التصالح بيديها.
صرخ قلبه.

لا. تذكر كلام والدتها. حديثها كان حديث قلب موجوع تدرك بيقين أنه كبرياء قلب يشعر بالغدر بينما حديث عينيها شيء آخر كان فيه توق امتزج بحزن، كان فيه رجاء بإنكار خيانته واثبات برائته، كان من الممكن أن تفعل ولكن الغضب أعماك وجرح كرامتك جعلك تغادر دون أن تبرئ نفسك وها أنت نادم الآن علي أنك لم تفعل.

انعقدا حاجبي مراد بشدة وهو يقف مطالعا الشارع من نافذة مكتبه عاقدا يديه خلف ظهره بينما يقول مسعود الجالس خلفه يحيطه الحارسين بتوسل: أبوس ايدك ياباشا تسامحني، أنا عبد المأمور، معقول يعني كنت هرفض أوامر ناهد هانم.
خدوه سلموه للأمن تحت لحد لما أشوف هعمل معاه إيه.

قالها بصرامة فسحبه الحارسين ليصرخ مقاوما إياهم وهو يقول: أبوس ايدك ياباشا، بلاش الأمن. هيضربوني وأنا مش حمل كف واحد ينزل علي وشي، طيب هقولك حاجة كمان تخص البيه الصغير بس توعدني يسيبوني أمشي وانا مش هوريك وشي تاني أبدا.
استدار مراد يطالعه ببرود قائلا: حاجة ايه دي؟
خليهم يسيبوني.

أشار مراد للحارسين فتركاه، اقترب منه مسعود قائلا: اوعدني ياباشا تسيبني أمشي لما أقولك وأنا ويمين الله هرجع بلدي وماهتشوف وشي تاني.
انطق يامسعود انا خلقي ضاق.
توعدني الأول، وعد مراد باشا معروف. مبيخلفوش أبدا.
أوعدك. انطق بقي.
ناهد هانم خليتني أكدب علي وليد بيه وأقوله ان ميسون هانم مكنتش موجودة عند مامتها وانها بعتتلي رسالة بس اللي كانت بعتاها هي الست ناهد من رقم تاني كانت كتبته عندي باسم الست ميسون.

ازداد انعقاد حاجبي مراد وظهر الغضب بعينيه قبل أن يخرج هاتفه ويتصل بولده يأمره أن يأتي علي الفور بكلمات مقتضبة.

يابنتي ياحبيبتي بطلي بكا بقا قطعتي قلبي.
مسحت ميسون دموعها وهي تقول بصوت متهدج: أنا مش عارفة ليه وقت السعادة صغير قوي قصاد الحزن ووجع القلب في عيلتنا ياماما؟ هو احنا مش مكتوب لنا وعاشوا في سعادة للأبد؟

دي نهاية الروايات ياميسون لكن الحقيقة مش كدة، الحقيقة ان كل يوم فيه الفرح مجاور الحزن وأوقات بيبقي يوم كله فرح ويوم كله حزن، الدنيا بتتمرجح مابين الاتنين والشاطر اللي ميقفش عند لحظات الحزن ولما ييجي الفرح يفرح والشاطر كمان اللي ميغضبش علي الدنيا لما يعيش لحظات الحزن ويكون متأكد ان بعد العسر يسرا، ربنا فرجه قريب ومفيش أقرب منه لينا لو صلينا ودعينا من قلبنا هيجيب دعواتنا ويفرحنا، تعرفي مشكلة الناس ايه يابنتي؟

طالعتها ميسون متسائلة فأردفت قمر: انهم بيبصوا للنص كوباية الفاضي ومبيشوفوش المليان، مشكلة الناس في الرضا، عايزين كل حاجة ومش راضيين يضحوا بحاجة، مبقاش حد بيفكر غير في نفسه وبس ودي النتيجة. مبقاش حد مبسوط في حياته والكل بيسأل عملنا ايه عشان ربنا يحرمنا من السعادة؟
بس انا كنت راضية مع وليد ولا انت قصدك اني كنت أنانية معاه ياماما؟

انت فكرتي في جرحك وحزنك وبس ياميسون، مفكرتيش في بنتك، مبقولش انك تقبلي الخيانة وتكملي عشانها، لأ بقول كان أبسط حاجة تتأكدي من الخيانة عشانها، مينفعش نخرب البيت من غير دليل ودليلك ضعيف، صورة حتى جوزك لما شافها منصدمش يبقي ميت علامة استفهام تتحط وشك لازم يتولد جواكي في برائته من الخيانة ان مكنش من ملامحه الموجوعة من اتهامك يبقي من حبه ليكي اللي احنا كلنا نشهد بيه، فيه حد بيحب كدة ممكن يخون بالبساطة دي؟ معتقدش. من جواكي عارفة انه بريئ بس بتكابري، الشيطان اتملك منك ووسوس لك وعماكي. خلاكي أنانية ومش عادلة في حكمك وأنا كأمك لازم أفتح عيونك وأحذرك وأطلب منك تواجهي نفسك وتسأليها بصراحة. وليد اللي انت تعرفيه وحبتيه ممكن يخون ميسون حبيبته وروحه وأم بنته واللي حارب الدنيا كلها عشان يرتبط بيها حتى أمه؟ نفسك هتجاوبك لو بعدتي عنها الشيطان لو غسلتي جسمك وقلبك من وساوسه وصليتي ركعتين طلب حاجة من ربنا ينور بصيرتك، وقتها هتعرفي الإجابة وكالعادة هقولك متتأخريش. هتفرق ثواني وتخسري وصدقيني مش هتتحملي لما تتأكدي وتندمي. ربنا يابنتي يهدي قلبك وينور بصيرتك.

طالعتها ميسون بحيرة فابتسمت والدتها بطيبة تربت علي يدها بحنان قبل أن تنهض وتتجه للخارج، ترددت ميسون لحظة قبل أن تعقد العزم وتنهض متجهة للحمام كي تغتسل وتتوضا وتلجأ إلى الله كما نصحتها والدتها ليقر قلبها.

كانت تجلس في الردهة تضع قدما فوق الأخري تطالع مجلة الموضة في ملل، تركتها جانبا وهي تنظر إلى ساعتها الماسية، تدرك أن زوجها قد تأخر عن موعده معها للذهاب إلى حفل عيد ميلاد صديقتها علوية، زفرت بحنق تعده في نفسها إن فاتها تقديم الهدايا ولم تري هدية رضوان زوج صديقتها فإن هذه الليلة لن تمر بسلام، سمعت صوت وصول السيارة بالخارج فنهضت علي الفور تستقبله بوجه غاضب زال عنه غضبه وحل محله القلق علي ملامحها حين رأت عيونهم الحادة وملامحهم المتجهمة وهما يتجهان صوبها لتقول متوجسة: فيه ايه يامراد؟ مالك ياوليد؟ حصل حاجة في الشغل؟

قال وليد بغضب امتزج بقهر ظهر في كل حرف: ليه ياماما. ليه عملتي فيا كدة، قوليلي بس ليه أي أم ممكن تعمل في ابنها كدة؟
قالت باضطراب: تقصد ايه ياوليد؟
ابنك عرف اللي عملتيه عشان تفرقي بينه وبين مراته، فهمي قاله علي كل حاجة ياهانم.
أسرعت تمسك يد ولدها بلهفة قائلة: كداب. صدقني ياوليد كداب. اوعي تصدق أي حد يقول عني حاجة. أنا ماما، ماما اللي بتحبك وبتخاف عليك ياحبيبي.

نفض عنها يده قائلا: اللي بتحب ابنها تتمناله السعادة من كل قلبها مش تدمر سعادته بايديها، الأم اللي بتخاف علي ابنها متتهمش مراته بالتهمة البشعة دي ولا ترضي تتربي بنته بعيد عنه. لما قلتي لميسون ان نفين بنت عمي شكري كانت خطيبتي قلت غيرة أم، حاجة بسيطة بتغيظها بيها لكنها عارفة اني بسهولة هقدر أثبت انها مكنتش خطيبتي لكن تزرعي الشك جوايا من ناحيتها زي مازرعتيه في قلبها من ناحيتي فده ملوش الا معني واحد انك قاصدة تفرقي بينا رغم انك عارفة ان روحي فيها ودي متعملهاش أم بجد، بتعملها ست أنانية ميهمهاش غير نفسها وبس. ست ميشرفنيش أكون ابنها أو أعيش معاها تحت سقف واحد.

اغروقت عيناها بالدموع وهي تقترب منه فتراجع للخلف لتقول هي بألم: أنا غلطانة بس أبوس ايدك ياوليد متسيبنيش ولا تقول الكلام ده عني، انا. انا مكنش قصدي. سامحني ياابني. سامحني عشان خاطري.
نظر اليها وليد نظرة طويلة مفعمة بالحزن والمرارة وهو يقول: للأسف مش هقدر أسامحك انت دمرتي حياتي ياناهد هانم وأنا اللي يمس حياتي بأذي بخرجه منها للأبد.
لأ ياوليد متقولش كدة ياابني.

استدار علي عقبيه مغادرا بخطوات سريعة مريرة بينما تصرخ والدته: استني ياوليد ماتمشيش، وليد. قوله حاجة يامراد مالك واقف كدة ليه؟ ياولييييييييييد.
غاب عن بصرها فجلست علي أقرب كرسي تنخرط في بكاء مرير ليقول مراد بقسوة: للأسف حذرتك كتير من أفعالك لكنك أصريتي عليها ودلوقتي بتجني النتيجة.
رفعت إليه عينان مغروقتان بالدموع تقول بحزن: انت شمتان فيا يامراد؟

البيت بقي قبر ومحدش فيه بيفرح ياهانم والسبب كان أنانيتك و أفعالك وتصرفاتك الغلط، وعلي فكرة بقي انت مش بس خسرتي ابنك، انت خسرتيني أنا كمان ومن زمان ياناهد.
عقدت حاجبيها قائلة: قصدك ايه؟
قال بجمود: قصدي ان فهمي اللي مشتيه ورايا عشان يراقبني مكنش هيقولك أكتر من اللي هقولهولك دلوقتي. مراد باشا متجوز عليكي ياست ناهد ومبسوط قوي مع مراته اللي عوضته عن حاجات كتير ملقهاش معاكي ياهانم.

اتسعت عينا ناهد وهي تنهض ببطئ تقول بصدمة: انت بتقول ايه؟
بقول اللي كان لازم أقوله من زمان، حياتي وياكي انتهت ولازم نكتب النهاية. انت طالق يامدام. روحي بقي حفلة صاحبتك لوحدك. خلصت المسرحية وللأسف النهاية بايخة. بايخة قوي ياناهد هانم.

وضعت ناهد يدها علي قلبها تشعر بألم فيه ودوار من المشاعر ضربها كإعصار بينما ألقي مراد نظرة أخيرة عليها يهز رأسه بأسف قبل أن يستدير علي عقبيه مغادرا مدت يدها تريد أن تطالبه بالتوقف ولكن لسانها عجز عن الكلام وألم قلبها يزداد قوة قبل أن يلفها السواد وتقع مغشيا عليها.

كانت تجلس علي سجادة الصلاة بعد أن أدت صلاتها، تشعر براحة نفسية تشمل روحها، لقد أعادت التفكير الآن بصفاء نفس وسريرة، تدور كلمات والدتها في عقلها مرارا وتكرارا، تدرك الآن أن لديها كل الحق فيما قالته. وليد الذي عرفته وأحبته وأحبها لايمكنه أن يخونها أبدا، فكيف لمحب أن يخون حبيبه بعد أن اختارها من بين النساء وجعلها ملكة علي قلبه؟ وكيف لقلب يصلي الفروض في أوقاتها ويخشع بعد كل صلاة ينادي ربه أن يحفظ عائلته من كل أذي أن يقوم هو بأذيتهم؟ بالتأكيد لم يخن. تستطيع أن تري الآن ماحدث. لقد فعلتها حماتها مجددا بعد أن فشلت في اقناع زوجها بأنها تخونه قامت بالمثل معها وكم كانت من الغباء بحيث وقعت في مصيدة حماتها وآذت زوجها بشكها وكلماتها الجارحة، تبا. ماالذي فعلته بحياتها؟ تري هل هدمت جدران منزلها بالكامل أم أنها لم تفعل وبإمكانها رأب صدوع صنعتها يداها؟ بالتأكيد ستحاول. ستذهب إليه وستتوسل غفرانه عنها مرارا وتكرارا حتى يغفر لها ذنبها في حقه ويعيدها إلى كنفه.

نهضت بسرعة وخلعت عنها اسدال الصلاة، تبدل ملابسها بسرعة وتحمل حقيبتها تتجه إلى الخارج فكادت أن تصطدم بوالدتها التي قالت بدهشة: رايحة علي فين بالسرعة دي ياميسون؟
قبلتها في وجنتها قبل أن تقول بسعادة: رايحة لوليد ياماما. خلي بالك من هانيا و ادعيلي.
أسرعت تغادر المنزل بينما تقول والدتها في إثرها: ربنا يسعدك ويريح قلبك يابنتي.

كان يجلس علي كرسي في ردهة المنزل يحيط به ظلام دامس كظلام روحه الآن حزنا بعد صدمته في والدته، عندما غادر منزال والديه كاد أن يتجه إليها حبيبته ميسون ولكنه آثر عدم الذهاب إليها وهو في هذه الحالة من الضعف و الحزن، كم تاق ليبكي بين ذراعيها ألما ولكنه يعلم أنها مازالت غاضبة منه، ربما حين ينفض عنه ضعفه سيستطيع أن يزيل عنها غضبها ويعيدها إلى حضنه ولكنه الآن لا يستطيع، فلن يقوي علي الحديث والتبرير وقد أعجزه الألم عن فعل أي شيء.

سمع جرس الباب فنهض متثاقلا إلى الباب يفتحه. رآها هناك تقف أمامه تطالعه بشوق، هل هي وهم اخترعه عقله أم حلم؟ خرج صوتها من ثغرها مرتعشا بالندم يمتزج بأمل: عارفة انك زعلان مني وعارفة اني غلط في حقك بس طمعانة تسامحني، مكنش ينفع أشك فيك وأنا عارفة انك مستحيل تخوني. مكنتش محتاجة أفكر عشان ألاقي دليل برائتك جوة قلبي. اللي بيحب حد مش ممكن يخون واللي بيخاف ربنا مش ممكن يخون واللي بيدعيه ليل ونهار عشان يحفظ عيلته مش ممكن يخون. كانت مسرحية اتعملت عشان تفرق بينا وكنت من الغباء عشان أصدقها بس بعد ماخلصت واتأثرت بيها اكتشفت انها مش حقيقية. مسرحية بايخة مليانة زيف ووهم بدعي ربنا اني أكون فقت منها قبل ما أخسرك. طمني ياوليد. قولي اني مخسرتكش...

غمرها مقاطعا كلماتها بتوق شديد فضمته بقوة وعيناها تطفر بدموع السعادة، بينما اعتصرها هو بين ذراعيه يشعر بقلبه يتضخم حبا لهذه الفتاة يغمض عيناه علي دمعة تسللت إلى وجنته من فرط الشوق بينما لسانه يردد حمدا لله علي عودتها إلى حضنه تثبت له بأفعالها وكينونتها الرقيقة المحبة أنها رزق من الله سيحمده عليها طوال عمره.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة