قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية انشق قلب القمر للكاتبة شاهندة الفصل الرابع

رواية انشق قلب القمر للكاتبة شاهندة الفصل الرابع

رواية انشق قلب القمر للكاتبة شاهندة الفصل الرابع

الأم كقمر منير في السماء، مثلما يضيء لنا عتمة الليل تضيء هي عتمة قلوبنا بالأمل، هي رحمة مهداة من رب العالمين، روح ملائكية بعثها الله لتسعد أبنائها، ماإن تضمهم بين ذراعيها حتى يشعرون بالراحة وحين تسكب دموعهم بين أضلعها يتجردون من الهم ويشعرون أنهم يولدون من جديد.

كانت غادة تبكي بداخل حضن أمها بينما تبكي قمر بدورها وهي تملس بيدها الحانية علي خصلات شعر ابنتها الصغري، ترتاح خفقاتها الملتاعة لأول مرة منذ البارحة، رغم أنها تعلم بوجود ابنتها في منزل مالك وتحت سقف أمانه إلا أنها ظلت تشعر بغصة في القلب لم يمحها سوي ضمتها لصغيرتها وإحساسها بها بين ذراعيها، قالت قمر بألم: سامحيني يابنتي. ياريت ايدي كانت اتقطعت قبل ماأمدها عليك.

خرجت غادة من حضن والدتها تقول بلهفة: بعيد الشر عنك ياأمي. أرجوك سامحيني انت، أنا غلطت وكنت أستاهل القلم ده عشان يفوقني.
رفعت قمر اناملها تمررها علي وجنة ابنتها قائلة بحنان: يعني مش زعلانة مني؟
قال مالك الذي كان يطالعهما بحنان: ماقالتلك ياست الكل انها مش زعلانة وانها كانت محتاجة القلم ده عشان تفوق، لو مش مصدقاها إديها قلم كمان.

نظرا له الإثنان فأسرع يقول: خلاص خلاص متبصوليش كدة. عارف. هبقي أنا الغلطان في الآخر وياداخل بين البصلة وقشرتها. مش كدة؟
قالت قمر باستنكار: بذمتك دي أمثال يقولها صحفي محترم؟
شد مالك من هامته قائلا بمرح: دي أقل حاجة عندي، قعدتي في البيت ياأمي علمتني حاجات. يلا بلاش أقولك عليها لتنصدمي.

اتسعت عينا قمر قبل ان تنفجر بالضحك تشاركها غادة لينتفضا علي صوت عزيز يقول بغضب: إيه اللي رجع البنت دي البيت بعد اللي عملته لأ وكمان قاعدين بتضحكوا.
بابا...
قاطع عزيز مالك قائلا بغضب: اخرس انت.
نهضت غادة تحاول أن تتمالك نفسها بعد أن شعرت بالغضب يجتاحها مجددا لمرآه وسماع كلماته، لتقول بهدوء: أنا رجعت عشان أعتذر لحضرتك...
قاطعها قائلا بحدة: وأنا مش قابل اعتذارك.
يا بابا.

قلتلك تخرس انت، وانت ياهانم يلا روحي شوفي كنت قاعدة عند مين وخليكي قاعدة عنده. مش عايز أشوف وشك هنا مفهوم؟

اغروقت عينا غادة بدموع القهر لتنقل بصرها بين مالك الذي ظهر في عيونه الحزن وبين والدتها التي نهضت عن الأريكة بدورها وقد جرت دموعها علي وجنتيها قبل أن تهرول مغادرة المكان يتبعها مالك، بينما ضمت قمر ياقة عبائتها بقوة وقد شعرت بألم حارق في صدرها لتجلس علي الأريكة مجددا وقد عجزت قدماها عن حملها بينما تعالت شهقاتها بصوت مذبوح من القهرة، يقطع نياط قلب من يستمع إليها فيما عدا هذين الاثنين، أحدهما يجلس علي كرسي قد جمدت ملامحه تماما والآخر خرج من غرفته علي صوت والده ليطالع مايحدث دون مبالاة قبل أن يدلف إلى حجرته مجددا ويغلقها خلفه وكأن مايحدث لا يعنيه، البتة.

ياجيهان بلاش خروج النهاردة واقعدي معايا، أنا مليت.
طب ماتيجي تخرج معانا إنت أحسن من قعدة البيت دي.
حقيقي مش قادر، دور البرد ده ضعفني قوي. محتاج يومين علي الأقل علي ماأقدر أخرج من البيت.
لأ ده انت بتدلع بقي.
رمقها بعتاب قائلا: أنا بدلع برضه. أمال لو مكنش الدكتور قايل الكلام ده قدامك. وبعدين انت عارفة ان الشركة والشغل فيها وحشوني، يعني لو قادر أكيد هنزل.

نظرت جيهان إلى ساعتها ثم حملت حقيبتها قائلة بسرعة: أنا إتأخرت ومضطرة أنزل، مش هتأخر ياكرم وهقضي بكرة معاك ياسيدي، طلبتلك أكل جاهز فيه شوربة عشان صدرك.
لترسل له قبلة هوائية قائلة: باي mon cheri
قال بإحباط: باي.

تابعها وهي تغادر ثم توجه إلى حجرة النوم ينوي ان يتمدد قليلا وقد شعر ببعض الدوار، ليتذكر أمه في هذه اللحظة. ارتسمت علي شفتيه ابتسامة حنين. كانت حين يمرض تجعله يشعر وكأنه محور الكون ولاشيء لديها أهم منه. وكأنها تكرس وقتها بالكامل له رغم انشغالها بأعمال البيت وأبيه وإخوته. تعد له كل الطعام الذي يساعد علي شفاءه وتمنحه الدواء في وقته وتجلس جواره كثيرا تسليه حتى لا يمل المكوث بالفراش، وحتى حين ينام يشعر بها جواره تضع يدها الحانية علي جبهته تتحسس حرارته أو تدثره بالغطاء، حقا يمكنك أن تمتلك كل شيء بالمال إلا حب الأم ووجودها حدك، حين تغيب لا شيء قد يعوضها ولا حتى كنوز الأرض جمعاء. هي نهر من الحب والعطاء لا ينضب تنهل منه ماتشاء. يبعث الحياة في وجدانك ويعزف علي أوتار قلبك أنشودة سلام.

كانت غادة تهرول في الطرقات تتخبط في المارة يتبعها مالك الذي انتابه الهلع عليها وهو يراها تنتوي عبور الطريق وسط السيارات المسرعة، ليهرع إليها ويجذبها من يدها بقوة فطالعته بدموع منهمرة تقول له بإنهيار: بتوقفني ليه؟ سيبني يامالك أرتاح من حياتي أنا تعبت، ده مش ممكن يكون أب. مش ممكن يكون أب.

قال مالك بألم: فيه إيه في الدنيا يستاهل نرجع لربنا بالشكل اللي كنتي هتعمليه ده؟ ده قنوط من رحمة ربنا وجهنم بتنتظر المنتحر ياغادة ولا نسيتي اتعلمنا إيه في دروس الدين؟ أنا معاكي. هو مش أب فعلا بس احنا ولاده، وده بيفرض علينا واجبات كتيرة منقدرش نتهرب منها.

طالعته بعيون مستنكرة قائلة: تاني يامالك. تاني هتكلمني عن عقوق الوالدين وعن واجباتي ناحيته. آسفة مش هقدر أسمعلك تاني ولا هقدر أهين كرامتي تاني وأرجعله. هو مات بالنسبة لي وملوش عندي حتى حق الدعوة.
طيب اهدي دلوقتي وبعدين نتكلم.
نتكلم في إيه خلاص. الحكاية خلصت.
ماشي ياستي. تعالي نمشي الناس بدأت تتلم حوالينا.
هروح فين بس دلوقتي؟
بيت أخوك ياهابلة. بيتك التاني اللي لو ضاقت بيكي الدنيا هتساعك حيطانه وتضمك.

طالعته بتردد فأردف: يلا ياغادة امشي معايا الله يرضي عنك. تبات نار تصبح رماد ياحبيبتي.
هزت رأسها ومشت جواره بإستسلام حتى وصلا لسيارته فركباها ثم انطلق بها مالك بإتجاه منزله يطالع بشفقة هذه التي مالت برأسها علي زجاج النافذة جوارها تتساقط دموعها بصمت.

كانت قمر اليوم علي غير العادة تسير بخطوات بطيئة وكأنها تجر قدمها جرا تجاه أم إبراهيم بائعة الفول والفلافل لم يعد الصباح يعدها بميلاد أمل جديد بل بات صباح موحش غابت فيه صورة إبنتها عنها واختفي فيه صوتها مع فراقها. خاصة بعد أن أخبرها مالك بما كادت تفعله غادة البارحة لتدرك أنها كانت علي وشك فقدانها للأبد، رفعت قمر كم عبائتها لا لتمسح عنها عرق جبينها من هذه الشمس الحارة التي تسطع فوقها بل لتمسح عنها دموع عادت وسقطت علي وجنتيها دون إرادة منها، وصلت إلى السيدة أم إبراهيم تمنحها المال لتأخذ طلبها المعتاد فلاحظت شحوب وجهها وهذا الحزن المرسوم علي ملامحها لتقول بقلق: صباح الخير ياست قمر، مالك يااختي؟ فيكي ايه؟

أبدا ياأم إبراهيم. تعبانة شوية.
ولما انت تعبانة مرتاحتيش في البيت ليه وكلمتيني أبعتلك الواد حسن ابني بطلباتك؟
حاولت الخروج من حزنها وقد لاحظت قلق السيدة عليها لتقول: مش مستاهلة القعاد في البيت ياست إحسان. وبعدين ياستي بحب أشوفك. بتحلي يومي ياست ياطيبة.

تهللت أسارير السيدة إحسان وظهر البشر علي وجهها وهي تقول: ياجمالك وجمال كلامك يااسم علي مسمي، صباحك منور بطلتك ياحبيبتي. يسعدك دايما ويحلي أيامك يارب. أحلي فول بالخلطة والقشطة للست قمر.
ناولتها علبة الفول بابتسامة فأخذتها منها بابتسامة بدورها، غادرت بإتجاه المنزل فاستوقفها صوت هذا الرجل الذي قطع الطريق أمامها وهو يقول: صباح الخير يامدام قمر.

رمقت هذا الرجل بملامح حائرة. ملامحه وسيمة وجسده رشيق رغم سنه الذي أفصحت عنه بضعة تجاعيد بالوجه واليدين، تبدو ملامحه مألوفة بعض الشيء رغم أنها تثق بأن هذه هي المرة الأولي التي تراه فيها. عبرت عن حيرتها قائلة: هو أنا أعرف حضرتك أو شفتك قبل كدة؟
ابتسم الرجل قائلا: الحقيقة محصليش الشرف بمقابلة حضرتك شخصيا قبل كدة بس أنا جاركم الجديد واسمي مصطفي. مصطفي المنياوي.

أهلا وسهلا. عشان كدة اتهيألي اني أعرفك. مالك ابني قابل حضرتك و حكا ليا ولوالده عنك. نورت العمارة ياأستاذ مصطفي.
ده نوركم يامدام قمر. مالك ابن حضرتك قابلته فعلا في أول يوم ليا في العمارة وساعدني كتير. انسان محترم ربنا يباركلك فيه.
تسلم ياأستاذ مصطفي.

انتهي الحديث علي مايبدو بينما شعرت قمر بأن هناك حديثا في عيون جارها يبغي الخروج ولكنه اختار الصمت وعدم البوح به لسبب لا تدري كنهه. آثرت بدورها إنهاء الحديث عند هذه النقطة وقد حملت اليوم بقلبها هموما كبيرة لذا إستأذنت بالإنصراف يتابعها مصطفي بعينيه قبل أن يتنهد ويتجه إلى أم إبراهيم ليحصل علي علبة الفول خاصته والتي أدمن بدوره الحصول عليها والتهامها بالكامل منذ حضوره إلى هذا المكان.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة