قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية انشق قلب القمر للكاتبة شاهندة الفصل الرابع عشر

رواية انشق قلب القمر للكاتبة شاهندة الفصل الرابع عشر

رواية انشق قلب القمر للكاتبة شاهندة الفصل الرابع عشر

كان يقلب في محتويات مكتبته يبحث عن هذا الكتاب الذي سيستخلص منه المعلومات عن مشروعه الجديد المقرر عرضه علي مجلس الإدارة الشهر القادم، التمعت عيناه وهو يجده أخيرا فسحبه بسرعة ليقع كتابين كانا جواره أرضا، وضع كتابه علي المكتب ثم انحني يحمل الكتابين ليضعهما مكانهما فجذبه أحدهما، أعاد الآخر لمكانه في المكتبة ثم اتجه بالآخر إلى كرسيه، جلس يتلمس الكتاب بحنين جارف لأوقات شعر فيها بأنه حيا، أوقات كان فيها سعيدا كما لم يكن يوما، حين كان يتصفح هذا الكتاب ويناقشه معها فتتفتح عيونه علي معاني أعمق لقصائد لطالما قرأها وراقت له ولكن بعدما تناقشاها سويا رأي هذه القصائد بشكل جديد، كم بات الأدب علي يديها وكأن له مذاق خاص لا يحلو دونها، فتح الكتاب يطالع صفحاته، يقرأ عناوينه بعيون لانت شوقا، تتسلل إلى مسامعه بضع من كلماتها فيجد نفسه يبتسم تلقائيا، تجمدت أنامله حين رأي ورقة بيضاء مطوية بين الصفحات تناولها يفتحها ويقرأ سطورها.

في الليل يداعبني النسيم ويرافقني الخيال دون انذار
أراك تأتيني. تتجسد أمامي. تخرج من دائرة الأفكار
تتعلق بك روحي. أتمسك بطيفك وأبقيك بإصرار
تدللني حينها. تهتم بي. تخشي علي وتغار
أجعلك عاشقي. كما صرت معشوقتك دون إجبار
تراقصني علي معزوفة أنغامها دقات عشق والضلوع أوتار
أعيش معك سعادة العمر بلحظات ثم تختفي فأنهار
وحين أستعيد نفسي أقدم لها عن خيالي ألف إعتذار
لحلم يوقظه بداخلي ثم بحقيقة يمحوه ويسدل الستار.

أوقن من أنه القدر مايضع بيني وبين أحلامي الأسوار
أخضع مجبرة مرغمة. فكيف لضعيفة مثلي أن تتحدي الأقدار؟

تنهد وهو يطوي الورقة مجددا ويضعها في مكانها ثم يغلق الكتاب، كانت هذه الورقة آخر مارآه من مخطوطات فتاته الرقيقة في آخر لقاء بينهما، يومها وقعت الورقة من كتابها فأخفتها ولكن ليس قبل أن يأخذها منها ممازحا و يراها، مسته الكلمات وأشعرته بغيرة من صاحبها الذي كتبت عنه هذه الجميلة، سألها عن حبيبها فطالعته بنظرة لن ينساها طوال حياته، كشفت خبايا نفسها فشعر بالصدمة للحظة قبل أن يجد في نفسه زهو غريب وسعادة لاكتشافه مشاعرها تجاهه وقبل أن يحلل ماحدث رأتهما زوجته فتقدمت تجاههما بغضب وقامت بتقريع الفتاة الرقيقة وسبها وماكان منها سوي الهروب من المكان خاصة وقد باءت محاولاته العقيمة للدفاع عنهما بالفشل، ليعودا إلى المنزل وهناك قررت زوجته ترك فرنسا والعودة للوطن وحين اعترض أرجعت اعتراضه لرغبته في المكوث جوار الفتاة الوضيعة صائدة الرجال علي حد قولها فاضطر للرضوخ إليها والعودة رغبة منه في اثبات كم هي مخطئة في ظنونها.

نعم رحل.

عاد إلى مصر دون أن يوجه إلى مي أي كلمة أو يحصل علي وداع يريح ضميره الذي علق فتاة به دون أن يدري. يخرس هذا الضمير بأنها كانت تعلم أنه متزوج ولم يكن عليها الوقوع في غرامه ولكنه يعود ويتساءل. وماذا عنك؟ كنت تعلم أنك متزوج ومع هذا كنت تجد في صحبتها الراحة والسعادة، والحب. ألا تشتاق إليها الآن؟ ألا تتمني لو كنت هناك في هذا المقهي الباريسي جوارها؟ ألا تتمني لو تراها مجددا ولو لمرة واحدة لتوقن من مشاعرك التائقة إليها؟

زفر بقوة. يدرك أنه حتى وان رآها وتأكد من مشاعره تجاهها. ماذا كان ليفعل؟ هل يتخلي عن زوجته التي أوصلته لكل ما هو فيه الآن؟ ألم يكن يوما يحبها ويخشي علي مشاعرها وقلبها؟ ماالذي حدث؟

الجفاء. الأنانية. عدم الاهتمام. أشياء كثر فرقت بينهم وأقامت جدارا حال بين مشاعرهم وعليه هدم الجدار بنفسه حتى ينقذ زواجه فلو انتظر منها أي فعل لانقاذ زواجهما فسينتهي بهما الأمر كأباها وأمها. متزوجين في الظاهر ولكن في الحقيقة منفصلين، كل منهما له حياته الخاصة التي ينفر منها كرم وشجبها أمام جيهان مرارا ولكنها كانت دوما تقول أنها حياتهما وهما أحرار يفعلان مايشاءان ولا أحد له حق التدخل أو الاعتراض عليهما. تنهد وهو ينهض ويضع الكتاب مكانه يلمسه لآخر مرة بحنان ثم يعود إلى المكتب ويمسك الكتاب الآخر يفتحه ويحاول استذكاره بعقل عملي اعتاده. ولكن في هذه اللحظة وجد أنه تخلي عنه وعاد بالذكريات إليها مجددا. إلى فتاته الرقيقة. مي.

مازال لا يصدق أنها هنا أمامه تجلس جواره وتضع ذراعها علي كتفه بينما يحتضن الصغيرين بزراعيه، هل من الممكن أن نصف سعادة اللقاء بعد فراق؟ هل من الممكن أن نرسم دقات قلب تسارعت حد الانتشاء وشعور بالكمال يغمر الروح؟ هل من الممكن أن نعبر عن حياة عاد إليها الضوء بعد عتمة وآنست جنباتها بعد وحدة ورقصت أركانها سعادة بعد حزن؟ عن كون تساوت فصوله وصارت أحادية اللون فعادت تتلون من جديد وبدأت بالربيع الذي حلت نسماته مع وجودهم حده؟ إنهم زينة الحياة الدنيا ودونهم تبدو الحياة فقيرة معدمة وها هي عادت تتزين ماإن عادوا إليه. قال كريم وهو يخرج من حضن جده: احنا هنقضيها أحضان؟ فين ياجدو الملوخية بالأرانب اللي كنت بتعملهالنا وحشني أكلك قوي؟ ولا كبرت ومش هتقدر تطبخلنا زي زمان؟

ولد.
نهرته والدته بينما ضحك الجد قائلا: سيبيه يافيرو، أنا كمان وحشتني لماضته. الحقيقة مامتك فاجئتني ياكيمو ومكنتش عامل حسابي. هقوم دلوقتي أجيبلكم أحلي بيتزا وبكرة أعملك الملوخية بالأرانب اللي بتحبها. ها. إيه رأيك؟
موافق طبعا.
وأنا ياجدو عايزة محشي ورق عنب.
عيون جدو.
بقولكم ايه. قوموا فرغوا حاجتكم في أوضكم الجديدة وسيبوني أتكلم مع جدو شوية.
قالت كرملة: قوم ياكريم، ماما بتوزعنا.
أمرنا لله.

ليسبقها قائلا: أنا هاخد الأوضة اللي علي اليمين.
لأ انا اللي هاخدها.
تبعته تحت أنظار فيروز ووالدها المبتسمين قبل أن تعتدل فيروز قائلة للأخير بجدية: أخبار ماجد إيه يابابا؟ محاولش يتصل بيك؟
لأ يابنتي، ماأنا قايلك اني غيرت الرقم وكمان كنت مغير السكن بقالي فترة. معتقدش انه يعرف حاجة عني والا كان حاول يتصل بيا أو يهددني زي ماعمل قبل كدة، غالبا عرف انه خسر القضية فاستسلم للقمر الواقع.

مستحيل. ميبقاش ماجد اللي عارفاه كويس، هو غالبا بيدور علي حاجة جديدة يقدر بيها يحقق اللي هو عايزه، بس بإذن الله مش هيلاقي وأهم حاجة دلوقت ان معايا حكم محكمة بضم الولاد لحضانتي.
الحمد لله يابنتي وأخيرا كسبتي القضية وقدرتي ترجعي لحضني.
وحشني حضنك يابابا.
فتح لها ذراعيه قائلا: تعالي واسكني جواه ياقلب بابا.

اندفعت إلى حضنه يضمها إليه بحنان بينما استكانت بداخله للحظات تستشعر الأمان بالوطن لأول مرة منذ عادت إلى مصر، خطرت السيدة قمر علي بالها في هذه اللحظة فقالت بفضول: إلا قولي يابابا. أخبار طنط قمر إيه؟ وحشتني.
وجدها فرصة رائعة ليدعوها إلى منزله لأول مرة ويطعمها من صنع يديه ليقول بحماس: هعزمها تتغدي معانا بكرة عشان تشوفيها وتشوفك برة مكالمات الفيديو دي. إيه رأيك؟

ابتسمت بسعادة وقد استشعرت حماسة والدها ومشاعره التي لم يعترف بها بعد. لتغمض عيناها قائلة بارتياح وهي تندس أكثر بحضنه: فكرة حلوة قوي.
ابتعدي عني كريستين وإلا أخبرت يوسف عنك.
خلعت عنها شالها وألقته جانبا فظهر كتفها الأبيض العاري أشاح مالك بناظريه عنها بينما تقدمت منه قائلة بدلال: أنظر إلي مالك، لا تشح بعينيك عني، استسلم لفتنتي ودعني أسكرك بجمالي.

وقفت أمامه فطالعها بجمود وعيون امتلأت احتقارا وهو يقول بنفور: أمثالك لا أراهن يمتلكن أي قدر من الجمال، بل يطل قبحهن من ملامحهن كقبح قلوبهن وأخلاقهن.

مدت أناملها تمررها علي وجنتيه فنفضها متراجعا للخلف خطوة لتبتسم قائلة: لا آبه البتة لما تقوله عن جنسنا، أتظن انك كاره النساء الأول بحياتي، قابلت مثلك الكثير كانوا بالنسبة إلي تحديا لكينونتي كأنثي لا أكثر، معركة أخوضها فأنتصر لا محالة، ما من رجل قد يستطيع الصمود أمام فتنة إمرأة ولا أنت حتي. ربما أرهقتني أكثر من أي رجل ولكنك بالنهاية ستستسلم لي.
مستحيل.

لمعت عيناها بقوة وهي تقول: المستحيل ألا تكون لي وستري.
وماذا عن يوسف؟
جوزيف انتهي وقتي معه. تستطيع أن تقول أنني مللت منه.
دوي صوت من خلفها يقول بانكسار: ان فعلتي. لماذا لم تخبريني بذلك؟ لماذا تتظاهرين بحبي؟

استدارت بهدوء لمحدثها وكأنها لم تتفاجأ بوجوده وهي تقول: أردتني قريبة من صديقك حتى يقع تحت سحري وحين أيقنت استحالة ذلك طالما يدين بالولاء لك قررت الرحيل عنك، كنت سأخبرك حين ألقاك في المساء. حمدا لله أنك جئت لتسمعها مني بنفسك ويتأكد مالك من أن مابيننا قد انتهي. والآن سأترككما لتحتفلان بالخلاص مني كما خططت يامالك ولكن وعد مني سأعود ولن أتراجع حتى أنالك فلا تقاوم كثيرا فلم أخسر يوما تحديا.

سحبت شالها ومشت بهدوء حتى وصلت إلى يوسف الذي يقف بملامح مقهورة مالت لتلثم وجنته فابتعد نفورا لتطلق ضحكة صاخبة وهي تغادر، أسرع مالك إلى صديقه الذي كاد أن يسقط من الصدمة يسنده فتطلع إلى مالك بعيون أغروقت بالدموع قائلا: ليه ياصاحبي؟ ليه عملت فيا كدة؟
قطب مالك جبينه قائلا: كنت عايزني أسيبك مخدوع؟
هز يوسف رأسه وهو يستقيم واقفا يقول بألم: كنت قولي لكن متخلنيش أشوف بعيني.

مكنتش هتصدق مهما قالوا عن حبيبتك كنت هترفض تسمع ومش بعيد تتخانق عشانها وفي الآخر برضه هترفض تصدق انها محبتكش وخانتك مع واحد تاني رغم انك حبيتها من كل قلبك، مكنتش هتصدق غير لما تشوفها بعنيك وتسمعها بودانك، صدمة هتكسرك بس هتفوقك وتحولك من إنسان مخدوع لواحد تاني. معندكش ثقة في جنسهم، لان مفيش واحدة فيهم تستاهل حبك واخلاصك. كلهم خاينين.

لأ مش كلهم. انت جرالك ايه يامالك؟ مش معني ان تجربة واحدة فاشلة هتخليني أفقد الثقة في ان ألاقي القلب اللي يستاهل قلبي، مش كل الستات خاينة عندك أمي وأمك أختي وأختك وغيرهم كتير. التجربة دي كسرت قلبي صحيح بس هجبره وهعلمه لما يختار يختار صح، تجارب الحياة بتعلمنا الصح مش بتخلينا نمشي في سكة غلط هتضيعنا في الآخر، أنا مش مستعد أعيش عمري وحيد لإني مريت بتجربة فاشلة. الوحدة عاملة زي بحر من الرمل لو سبت نفسك فيه هتغرق لازم تحاول تتمسك بأمل. بحاجة تطلعك منه وتنقذ روحك وإلا هتموت ومحدش هيحس بيك ياصاحبي.

استدار مغادرا فأمسك مالك ذراعه قائلا: رايح فين دلوقت؟
أزاح يده عنه قائلا: محتاج أكون لوحدي عشان أدواي جرحي لكن من بكرة هرجع للناس وبينهم هلاقي نفسي من تاني، مش مستعد أبقي زيك وأسيب القسوة تغيرني. سلام ياصاحبي.

غادر بخطوات سريعة تاركا مالك يتخبط مابين مشاعره، جزء يدرك أنه كان محقا فيما فعل والجزء الآخر يشعر بأن صديقه أيضا محقا، لقد ترك نفسه وآثر الوحدة والابتعاد عن أحبته فصار قاسي القلب بعد لين، حتى أنه عرض صديقه لصدمة من أجل إفاقته فتسبب له في جرح ربما أعمق مما لو تركه يكتشف حقيقتها مع الأيام. شعر بالاختناق بدوره فسحب معطفه وأسرع بالخروج عل هواء لندن البارد أن يخفف من إحساسه ولكن هيهات.

غادة. حسام. استنوا عايزكم في موضوع.
انصرف باقي المعيدين بينما ظلا حسام وغادة جالسين ينتظران كلمات خال الأول الذي قال باستحسان: أنا عايز أهنيكم بشكل خاص عن البحث الأخير اللي اشتركتوا فيه وعايز أكون اول واحد يبلغكوا انه حاز علي اعجاب لجنة الجامعة وبسببه قرروا انكم الفايزين في المسابقة.

طالع كل من حسام وغادة بعضهم البعض بسعادة قبل أن يمسك حسام بيد غادة قائلا: مش قلتلك هنفوز، الظاهر ان اشتراكنا مع بعض ناجح جوة حياتنا الشخصية وبراها.
قطب صلاح حاجبيه وهو يطالع أيديهما المتشابكة بينما يقول: أنا مش فاهم حاجة، تقصد ايه بالكلام ده ياحسام؟

سحبت غادة يدها من يد حسام بارتباك وقد أدركت أنها في حضور رجل تدرك مشاعره تجاهها والتي ظهرت جلية علي ملامحه الآن بعدما ظنت أنه يأس منها فارتبط بزميلته الدكتورة عفاف ولكن من الواضح أنها كانت مخطئة وتقاربهما الأخير لايمت للمشاعر بصلة، تري ما رد فعله عندما يعلم بأمر خطبتها لحسام؟ بينما نهض حسام غافلا عن التوتر الذي ساد القاعة قائلا بمرحه المعتاد: ماهو ده الموضوع اللي كنت عايز أكلمك فيه.
موضوع إيه ده؟!

أمسك يد غادة مجددا يسحبها لتقف جواره قائلا بابتسامة: خطوبتي أنا وغادة عايزك تفاتح ماما في الموضوع انت عارف انها مصممة تجوزني ايمان بنت عمي عادل وأنا رافض و...

لم يستطع الاحتمال أكثر بعد سماعه ارتباط اسمها باسم ابن أخته، كم هو قاس هذا القدر مميت إن أراد، خاصة حين يفرق بينك وبين من تحب ويكتبه لغيرك، تربط كل كينونتك به فيصبح فقدانه فقدان للهوية، لا تسمع الآن سوي أنين قلبك يخبرك أنك تفقد مشاعرك وآمالك ويحتل البؤس أركانك وتجف روحك بعدما خرج منها ماء عشق كان يحييك، إنه قرب الردي إذا ولا مجال لإنقاذ.
خالي. يادكتور صلاح روحت فين بس؟

ها. لا أبدا مفيش. كنت بتقول إيه؟
يااااه. قلت كتير. الظاهر انك كنت سرحان. نقول تاني. الموضوع ياسيدي...
لا تدري غادة لما تشعر الآن بخطأ مايحدث، كيف لها أن ترتبط بحسام وخاله يكن لها المشاعر كما هو واضح عليه؟ صدمته وهذا الألم المرتسم علي وجهه رغم ابتسامة باهتة واجابات مقتضبة علي كلمات حسام جعلتها توقن من أنها لن تهنأ بهذه الخطبة وهي تعلم أنها خلفت ورائها قلب مكسور.

كل لما اشتكيلك تقوليلي استحملي ياميسون. كبري عقلك واستوعبي حماتك ياميسون، ده ابنها الوحيد وانت عارفة انها من الأول متحكمة في حياته يعني مش هتقدري تغيري تربية عمر في سنتين، وليد مش وحش كفاية انه بيحبك ومبيزعلكيش. استحملي عشان خاطر بنتك متترباش بعيد عنك. يعني انت عايزاني أستحمل وبس عشان خاطر وليد وهانيا، مش مهم اذا كنت بتخنق كل لحظة وكل يوم المهم اني أحافظ علي عيلتي، لا يامدام قمر أنا مستحيل أكون زيك وأموت بالحيا عشان خاطر ولادي.

ما ان نطقت كلماتها الأخيرة حتى شعرت بالذنب وبأنها تسرعت حين رأت ملامح والدتها تنطق بالحزن والألم وزاد من شعورها بالذنب كلمات والدتها المريرة وهي تقول: مكنش قدامي بديل تاني وباباكي ظابط وليه علاقاته وأنا مكنش ليا حد يساعدني، كان هياخدكم مني وبسهولة، مكنش ممكن أتحرم منكم وانتوا نور عيني، ضحيت عشان تفضلوا في حضني ومش ندمانة، الأم كدة ياميسون ممكن تضحي بحياتها عشان خاطر ولادها مش بسنين العمر وبس.

اقتربت ميسون منها تقبل يدها قائلة: سامحيني ياأمي والله ماكان قصدي، انا مش عارفة قلت الكلام ده ازاي؟
ربتت قمر علي رأس ابنتها قائلة بحنان: انا مش زعلانة منك بس خايفة عليكي، مش عايزاكي تخسري وليد وبنتك عشان حاجات بالصبر ممكن تعدي.
أيوة لكن...

قاطعتها قمر قائلة: مفيش لكن، وليد طيب وبيحبك، صحيح ماشي ورا مامته وبيسمع كلامها زيادة حبتين وصحيح حماتك صعبة لكن في نفس الوقت بتحب ابنها ومش هترضاله ينضر وكمان بتحب هانيا وطايرة بيها فوق في السما زي ماقلتيلي. ايه المشكلة في انها جايبالها مربية؟ ياستي بتخف عنك المسئولية. سيبيها تجيبلها اللي هي عايزاه وكوني انت أم لبنتك وبس. خليها معاكي قد ماتقدري هتاخد منك وتشبهلك. متبعديش عنها مش ممكن هتبعد عنك ولا إيه يابنتي؟

هزت ميسون رأسها وقد استطاعت والدتها كالعادة إقناعها بحكمتها وبقي فقط أن تتبع نصيحتها وتري النتيجة.

كان كريم وكرملة يلهوان بألعابهما الجديدة بمرح تريهم غادة كيف يفتحون التطبيقات الخاصة بهم بينما طالعتهم فيروز بابتسامة واسعة قبل أن تقول لقمر: والله ماكان ليه لزوم تجيبي الألعاب دي ياطنط قمر، واضح انها غالية جدا.
قالت قمر بطيبة: مفيش حاجة تغلي عليهم يابنتي، انت متعرفيش غلاوتهم عند مصطفي، أنا حبيتهم من قبل ماأشوفهم من كتر كلامه عنهم ولما اتكلمت معاهم فيديو حسيتهم أحفادي والله.

احنا كمان حبيناكي من قبل مانشوفك ياطنط من كلام بابا عنك ولما شفناكي في محادثة الفيديو كرملة قالتلي انك شبه صورة ماما الله يرحمها وانك طيبة قوي أكيد زيها.
الله يرحمها. القلوب بترتاح للي بتشبهلها يابنتي.
يعني قاعدين تحبوا في بعض ومقلتوليش رأيكم في طبيخي. معجبكوش ولا ايه؟

نهضت غادة تنضم إليهم قائلة بمرح: أقولك أنا ياعمي، طبيخك حكاية ولا الشيف الشربيني بنفسه والدليل علي كدة ان احنا مسحنا الأطباق وخلصنا علي الأكل كله.
ابتسم الجميع بمرح قبل أن تقول قمر: لازم نردلكم العزومة ولو اني هخاف دلوقتي تقارنوا بين طبيخي وطبيخه، أنا ست علي قدي وسفرتي تقليدية مش زي سفرة المطاعم اللي عملهالنا الشيف مصطفي.
كفاية انها هتكون من ايدك ياقمر.

طالعته للحظات بوجه احمر خجلا بعدما تسارعت خفقاتها بقوة لكلمات قد بدت بسيطة ولكنها أرسلتها إلى سماء السعادة لتظل هناك. فنحن النسوة لا نطلب الكثير لنشعر بالسعادة فقط ربتة خفيفة علي الكتف وكلمات بسيطة رقيقة مشجعة قد تحول مشاعرنا من الكآبة للفرح وتزيح من علي كاهلنا أي تعب، كلمات تقدير لم تسمعها قمر طوال حياتها ولكنها منذ عرفت هذا الرجل وهي تسمعها علي الدوام و لا تمل أبدا سماعها. أفاقت من أفكارها علي صوت فيروز وهي تقول بمرح: ايه رأيكم أقوم أعملنا قهوة نشربها في البلكونة مع التشيز كيك اللي أول مرة بنت الشيف مصطفي تعمله وأهو بالمرة تقولولي أنفع ولا أخليني في الطب وأسيب المطبخ لبابا؟

ضحك الجميع بينما نهضت فيروز تتجه إلى المطبخ لتقول غادة: خديني معاك يافيروز.
تبعتها بينما ابتسم مصطفي قائلا: البيت كان من غيرها ضلمة ونور بوجودها.
ربنا يباركلك فيها.
ويباركلك في ولادك ياقمر.
بالمناسبة صفاء كلمتني وعزمتني علي عيد جوازها وقالتلي أأكد عليك عشان متنساش.
مش ناسي، عصام اتصل بيا هو كمان وأكد عليا. ربنا يباركلهم في بعض.

يارب. الدنيا دي أرزاق. كل واحد بياخد رزقه، أوقات بتبقي صحة أو أولاد كويسين وأوقات بيبقي مال أو سلطان بس أحلي حاجة ان يكون رزق الواحدة راجل بيحبها ويقدرها، وقتها بتملك الدنيا ومافيها.
وانت رزقك إيه؟
زي رزقك أولاد بيحبوني وبيخافوا عليا. بس...
صمتت فقال متسائلا: بس إيه؟
بس ربنا ابتلاني في واحد منهم ضيع التاني ومفيش قدامي غير الصبر جايز ربنا يرفع عني ابتلائي ويرجعلي ولادي من تاني.

أكيد. الأمل في ربنا كبير. وطول ماعندك حسن ظن في ربنا هيحقق أملك، بس أنا شايف ان أملك في ولادك وبس. طيب مفكرتيش في انك تحبي من تاني؟
قطبت جبينها قائلة: أحب من تاني؟ هو أنا حبيت أولاني؟ الظاهر ان الحب مش رزقي.
مش قلنا الأمل لازم يكون موجود والرغبة في قلبك عشان تقدري تحققيها.
فات الأوان يامصطفي وحبي دلوقتي لولادي وبس. مفيش في قلبي مكان لحد تاني.

صمت لا يود الخوض أكثر في هذا الموضوع حتى لا تتشبث برأيها، يدرك كم هي مخطئة في اعتقادها فالقلب قد يسع أولادها ويسع حبا من نوع آخر ولدت لتحظي به، عشق ربض بأعماقه جعله يؤمن أنها قدره، خلقت لأجله حتى وإن أضاعا من العمر عمرا فمازال في العمر بقية طالما القلب مازال حيا.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة