قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية انشق قلب القمر للكاتبة شاهندة الفصل الثاني

رواية انشق قلب القمر للكاتبة شاهندة الفصل الثاني

رواية انشق قلب القمر للكاتبة شاهندة الفصل الثاني

وقف مالك أمام الباب يطالع زوجته بحزم قائلا: قلتلك مش هتخرجي يعني مش هتخرجي.
قالت هيام بعصبية: وأنا قلت لك هخرج يعني هخرج.
اتسعت عينا مالك باستنكار قائلا: انت بتزعقيلي ياهيام؟
أشاحت بيدها قائلة: ماانا اتخنقت يامالك، حابسني في البيت ليل ونهار، انا مش متعودة علي كدة، حاسة روحي بتطلع ياأخي.

هو أنا حابسك بمزاجي؟ مش دي أوامر الدكتور؟ مش هو اللي قال قدامك راحة تامة لغاية ما يتم الحمل 3 شهور، هانت ياستي كلها أسبوعين ونرتاح، ماأنا قاعد جنبك أهو وسايب شغلي عشان أراعيكي وأسليكي، هعمل ايه أكتر من كدة بس؟

طالعته بحنق قبل أن تتجه إلى الأريكة وتضع حقيبتها علي الطاولة ثم تجلس دون كلمة، فاتجه صوبها ثم جلس جوارها يمسك يديها بين يديه فنفضت يديها بعيدا، ليعيد الكرة ويمسك يديها مجددا قائلا بحنان: عارف ان اصحابك واحشينك والنادي كمان، الخروج والفسح وكل حاجة اتحرمتي منها بسبب البيبي، بس الطفل ده استنيناه كتير ياحبيبتي وعشانه لازم نضحي شوية ولا إيه؟

طالعت للحظات بنظرات احتار في تفسيرها فهي تحمل الكثير والكثير وكأن هناك حديثا طويلا ترغب في إجرائه معه ولكنها تراجعت في اللحظة الأخيرة تهز رأسها موافقة ببطئ، ليبتسم قائلا: مفيش خروج مش كدة؟
هزت رأسها مجددا، فنهض بحماس قائلا: يبقي هروح أعملك أحلي عشا يليق بحبيبتي، انت عارفاني. في المطبخ ببقي أحسن من الشيف الشربيني وابنه. ساعة يافندم ويكون قدامك أحلي سفرة وبالشموع كمان.

مال مقبلا جبهتها برقة قبل أن يبتعد عنها، تابعت انصرافه حتى اختفي من أمامها لتتنهد ثم تسحب حقيبتها وتخرج هاتفها، تترك رسالة لأحدهم ثم تغلق الهاتف وتنهض لتبدل ملابسها.

آنسة غادة.
توقفت غادة عن السير إثر سماعها نداء دكتور صلاح لها، إستدارت له فاقترب منها بخطوات واسعة حتى وقف أمامها لتقول بحيرة: خير يادكتور. فيه حاجة؟
عدل صلاح من وضع نظارته وهو يناولها كتاب قائلا بارتباك: ده الكتاب اللي كنت محتاجاه من المكتبة وملقيتهوش. مش كدة؟
فتحت الكتاب تقول بدهشة: هو فعلا.
لترفع عيونها تطالعه بحيرة مردفة: وحضرتك عرفت منين اني دورت عليه في المكتبة؟

عدل من وضع نظارته مرة أخري وهو يقول: سامح قاللي.
وهو أمين المكتبة يقول لحضرتك علي حاجة زي دي بمناسبة إيه؟
ها. أصل الكتاب كان معايا ولما سألتي عنه كلمني عشان لو خلصته أرجعه المكتبة عشان تقدري تستعيريه.
والله كتر خيره ومتشكرة قوي يادكتور علي الكتاب. معلش مضطرة أمشي عشان المحاضرة هتبدأ وزي ماانت شايف فاتن صاحبتي بتشاورلي.
آه طبعا اتفضلي.

هزت رأسها ثم سارت بإتجاه صديقتها يتابعها صلاح بعينيه قبل أن يستدير متجها لمكتبه، بينما قالت فاتن لصديقتها: شفتي وشه محمر ازاي وهو بيكلمك، قلتلك معجب بيك مصدقتنيش.
قالت غادة ببرود وهي تسير جوار صديقتها: حتى لو كلامك صح. ميهمنيش. أنا كل تفكيري في دراستي وبس، لازم أنجح السنة دي بامتياز عشان أتعين معيدة وأقدر أستقل بحياتي بقي وأبعد عن البيت واللي فيه.
هم لسة بيتخانقوا برضه؟

خناقهم زاد طبعا بعد ما بابا اتشل وقعد في البيت ليل ونهار لما بجد اتخنقت. بهرب في أوضتي لكن صوتهم بيوصلي، كلام بسد وداني عنه. مش قادرة أتخيل ازاي ماما بتستحمله منه وفي الآخر تقعد تعيط في المكان بتاعها لحد ماتنام من البكا، فاكرانا مبنشوفهاش ولا بنسمعها. ازاي بس واحنا من صغرنا شايفين وسامعين ومستغربين انها كملت معاه وهو بالشكل ده.
أكيد عشانكم.

قالت غادة بمرارة: عشانا. طب استفدنا ايه؟ مشاكل نفسية عند كل واحد فينا، أخ كان كبير بس مش قادر يحميها فاكتفي بالطبطبة، وأخ بقي آخد والده قدوة وبقي تقريبا نسخة منه وفي الآخر مراته كانت أنصح من أمي واتطلقت وأخ لا بيهش ولا ينش وماشي ورا مراته زي اللعبة في ايديها تتحكم فيه زي ماهي عايزة وأخت فكرت تهرب في جوازة من واحد شبه أخويا كرم، لعبة تتحكم فيها بس الهبلة مش آخدة بالها إن خيوط اللعبة مش في إيديها هي، لأ. في ايدين مامته وفي الآخر هتلاقي نفسها كمان لعبة في ايد الست الوالدة. بيت غريب مش لاقية نفسي فيه. بقيت بحس اني نفسي اعيش في كون لوحدي مفيهوش حد غيري.

طب وأنا ياغدغودة مش عايزاني معاكي؟
قالت فاتن عبارتها بمرح تحاول أن تبعد الحزن عن كاهل صديقتها فبادلتها صديقتها مرحها قائلة: أهو بسبب غدغودة دي مش هاخدك معايا وامشي بسرعة بقي عشان المحاضرة هتبدأ ولو مدخلتهاش اعتبري عزومتي ليك علي ساندويتش الشاورما ملغية.
لأ كله إلا الشاورما. عض قلبي ولا تعض رغيفي. ده أنا هسبقك كمان علي السيكشن.
لتسرع في خطواتها تتبعها غادة وابتسامة هادئة ترتسم علي شفتيها.

ياقمر. انت ياهانم.
سمعت قمر نداء زوجها الغاضب فجففت يدها في هذه المنشفة التي تضعها علي كتفها وأسرعت تخرج من المطبخ بإتجاه الردهة حتى وقفت أمام زوجها الذي طالعها بنظرات حانقة وهو يقول: طبعا ولا علي بالك، واقفالي في المطبخ ليل ونهار وكأن مواراناش غير الطفح.
قطبت قمر جبينها قائلة: فيه إيه بس؟ وإيه لازمته الكلام ده دلوقتي؟
بنتك فين ياهانم؟
في الجامعة.
وهي فيه جامعة لحد الساعة 7؟

جامعتها بتعمل سكاشن بتقعد لبعد ميعاد الجامعة وهي بتشترك فيهم عشان تجيب التقدير اللي نفسها فيه.
وانت صدقتي الكلام ده؟ طبعا ماهم عارفين انك هبلة وبتصدقي أي حاجة.
عزيز.
إيه مش دي الحقيقة؟
طب وطي صوتك شوية لو سمحت مش عايزة رياض يسمع الكلام ده.
قال بسخرية: رياض. آه. ما الهانم في التراوة ومش عارفة مين موجود في بيتها ومين نزل من غير ما يعبرها.
عقدت حاجبيها قائلة: قصدك إيه؟
ابنك ياست هانم مش في أوضته.

مش في أوضته في الوقت ده. غريبة. يبقي أكيد راح الشغل.
التوي فم عزيز بسخرية وهو يقول: شغل! ابنك آخد أجازة من شغله انت نسيتي ولا إيه وبعدين هيرجع الشغل ازاي من غير ماأعرف؟ أهو ده اللي ناقص. ده بيشتغل في نفس القسم اللي كنت بشتغل فيه؟ يعني بتوصلي كل كبيرة وصغيرة عنه. الظاهر ان عقلك بقي بيخرف. انا مش عارف أستحمل منك إيه ولا إيه؟

قالت قمر بمرارة وقد بدأت دموعها تتساقط تباعا: حرام عليك ياعزيز. ارحمني من كلامك اللي زي السم ده بقي أنا تعبت. كل يوم أقول لنفسي أصبري ياقمر بكرة ربنا هيهديه وهيقدر اللي بتعمليه عشانه وعشان ولاده، بكرة هيعرف انه غلطان ويندم علي معاملته ليا، بكرة هيتقي ربنا فيك وهترتاحيلك يومين، لكن الظاهر مفيش فايدة. هفضل مهما عملت مقصرة وغلطانة طول الوقت. هفضل مش عاجباك لحد ماأموت. كنت مستحملة علي أمل في يوم هلاقي السعادة اللي حلمت بيها، بس هتيجي السعادة منين وانا قضيت حياتي مع واحد مفيش في قلبه غير القسوة، لا داق الرحمة ولا هيقدر في يوم يرحم.

انت بتعايريني ياقمر بالماضي وبتفكريني بيه، حقك.
ليضرب الكرسي بقوة مردفا بحنق: ماهو الكرسي ده اللي خلاكي تبيعي وتشتري فيا.
اقتربت منه بسرعة تجثو علي ركبتيها أمامه قائلة: تاني ياعزيز؟ والله ماأقصد حقك عليا...

قاطع كلماتها لطمة قوية من يده نفضتها بعيدا ليصطدم جسدها بالأرض بقوة، طالعته بصدمة وصوته يهدر بغضب: لو فاكرة الكرسي ده هيمنعني أأدبك زي زمان فالقلم ده هيفكرك. صوتك ميعلاش عليا تاني يابنت فريدة، وكلامك يتعدل أحسنلك، ولو فاكرة ان التوكيل اللي معاكي ده هينفعك تبقي عبيطة، التوكيل ده تبليه وتشربي ميته لانه توكيل مشروط متقدريش تعملي بيه أي حاجة من غير موافقتي. روحي ربي عيالك اللي معرفتيش تربيهم وخافي علي اللقمة اللي بتاكليها والبيت اللي لمك حيطانه أحسن تلاقي نفسك في يوم من غيرهم.

طالعته قمر بعيون مقهورة أغرقتها الدموع بينما ترفع يدها تمسح به خيط الدم من جانب شفتيها في اللحظة التي دلفت فيها غادة إلى المنزل لتتطلع إليهما للحظة لم تستطع فيها اخفاء الألم حين طالعت والدتها الملقاة أرضا تنز الدماء من شفتيها ثم تنظر إلى أباها بنظرة خالية نهضت قمر بصعوبة وهي تحاول ان تبدو طبيعية قائلة: حمد الله علي السلامة ياغادة، أحضرلك تاكلي ياحبيبتي؟

للحظة ظهرت سخرية مريرة علي وجه غادة قبل أن تقول ببرود: كلت مابين المحاضرات. أنا تعبانة وداخلة أنام.
سارت بإتجاه حجرتها بينما يقول عزيز بغضب ساخر: بدل ما تسأليها كانت فين. نبع الحنية عندك فاض وعايزة تحضريلها تاكل. مش قلتلك كبرتي وخرفتي.
توقفت يد غادة قبل أن تلمس مقبض الباب لتضمها بقوة قبل ان تستدير عائدة إليه تقف قبالته تقول ببرود: ومسألتنيش انت ليه؟ لسانك اتشل هو كمان؟

اتسعت عينا عزيز بغضب بينما نهرتها قمر قائلة: غادة انت اتجننتي؟
استدارت غادة بوجهها إلى والدتها قائلة بمرارة: ومتجننش ليه؟ ايه في البيت ده ممكن يخلي الواحدة بعقلها؟

أدركت قمر من احمرار وجه عزيز وانتفاخ أوداجه أن الأمر لن ينتهي بصفعتين وبعض السباب ككل مرة، فلقد تخطت غادة حدودها بقوة، لتفضل ان تكون هي من يؤنب ابنتها علي خطأها في حق والدها وإلا نال صغيرتها أذي كبير علي يده، لتسرع إليها وتجذبها من يدها قائلة بوعيد: اعتذري لباباك حالا ياإما مش هتكوني بنتي اللي ربيتها ولا هكلمك. انت فاهمة ولا لأ؟

انت هتترجيها عشان تعتذر، يمين الله ماهتنام النهاردة غير لما تاخد علقة من علق زمان، الظاهر نسيتهم ومحتاجة حد يفكرها بيهم.
قالت غادة بسخرية: علقة مرة واحدة، ده انت طموح قوي.

لطمة علي وجهها من والدتها التي لم ترفع يوما إصبعا عليها جعلتها تطالع والدتها بصدمة وإستنكار، ضمت قمر كفها إلى صدرها بقوة، عيونها مغرقة بالدموع وهي تقول: مربتكيش علي القسوة ياغادة ولا ربيتك علي العقوق، اطلبي من ربنا يسامحك قبل ماتطلبي من باباك، وأنا هدعيلك بالهداية يابنتي.

كانت عيون غادة بدورها مغرقة بالدموع تطالع والدتها بفم مرتعش عاجز عن الكلام قبل أن تسرع تجاه باب المنزل مغادرة إياه بينما تناديها قمر بلوعة، ليطالعهما عزيز ببرود قبل أن يلف كرسيه متجها إلى حجرته بهدوء وكأن أمرهما لا يعنيه البتة، سحبت قمر حجابها وهرولت تجاه الشرفة، تتطلع إلى الخارج بألم، تنادي ابنتها بلوعة فلم تجيبها وهي تسرع الخطوات حتى اختفت من الشارع، جرجرت قمر قدميها إلى مكانها الذي يحتوي عبراتها وألمها دوما، تجلس علي كرسيها وتضع يديها علي وجهها تاركة لدموعها العنان. غافلة عن عيون طالعها صاحبهما بحيرة قاطبا حاجبيه بقوة وهو يتعجب من حال هذه السيدة التي تجلس دوما بهذا المكان تنسكب دموعها تزامنا مع ملامحها المقهورة، تجعله يتساءل عن سبب بكائها المستمر، يعلم من بواب البناية التي سكن بها منذ فترة قريبة انها متزوجة ولديها ثلاثة أبناء وابنتين، حالها يثير فضوله وتعاطفه، يتساءل باستمرار. تري هل السبب في حزنها زوجها أم أبنائها أم هناك سببا آخر يجهله؟ لايدري ولكن مايعلمه علم اليقين انه كل يوم يزداد فضولا فيما يخص هذه السيدة التي تدعي قمر. قمر عز الدين.

مال صوتك ياماما؟
غادة سابت البيت يامالك؟
نهض مالك عاقدا حاجبيه وهو يقبض علي السماعة بقوة قائلا: سابته وراحت فين؟
مش عارفة ياابني، كلمت فاتن قالتلي مراحتش عندها، غادة ملهاش صاحبات تانيين ومش معقول هتروح لميسون.

ربما هذا المكان الذي تستبعدين وجودها فيه هو أول مكان سيخطر في بالها إن أرادت الإبتعاد عن البيت. هكذا فكر مالك بسرعة قبل ان يقول: متقلقيش ياماما أنا هعرف هي فين وهرجعها البيت المهم قوليلي هي سابت البيت ليه، بابا مد إيده عليها؟
لأ. انا اللي مديت ايدي عليها.
قطب مالك جبينه بقوة قائلا: انت؟!

قالت قمر بمرارة: غصب عني والله. غادة في الفترة الأخرانية بقت واحدة تانية خالص وكأن القسوة اللي شافتها من عزيز طول حياتها قست قلبها عليه، مبقتش واخدة جنب زي ما اتعودت من سنين، لأ بقت بتستني أي فرصة وتسمعه كلمتين، عارفة انها شافت المر علي ايديه زينا كلنا، بس ياابني لا هرضي فيكم حد يزعل أبوه لا بنظرة ولا بكلمة، ما أنا خايفة عليكم من العقوق وعشان كدة ضربتها عشان أفوقها، والله كنت خايفة عليها. خفت عليها من غضب ربنا وخفت عليها من أذي باباك اللي كان مش هيكتفي بقلم علي وشها وانت عارف.

عارف ياماما. ربنا يهديه. عموما قلتلك متقلقيش أنا هتصرف.
ربنا يباركلي فيك ياابني وينور طريقك ويريحك ويجبر خاطرك زي ما بتجبر خاطري وتريحني.
تسلمي ياأمي، هسيبك دلوقتي وهطمنك أول ما أوصلها. لا إله إلا الله.
محمد رسول الله.
أغلق مالك الهاتف قبل أن يتنهد ثم يتجه إلى حجرة نومه يطالع هيام المتمددة في سريرهما تطالع كتابا عن شهور الحمل، ليقول مالك: هيام. أنا نازل مشوار مش عايزة حاجة أجيبهالك وأنا جاي؟

رفعت عيناها عن الكتاب قائلة: لأ شكرا. هتقعد قد إيه؟
مش عارف. ممكن ساعتين أو تلاتة ويمكن أكتر. عموما خلي التليفون جنبك ولو احتجتي أي حاجة اتصلي بيا.
هزت رأسها بهدوء فاقترب منها يقبل قمة رأسها قبل أن يأخذ مفاتيحه من علي الكومود ويتجه للخارج، فأسرعت تفتح هاتفها وتكتب رسالة لأحدهم، وما ان جائتها الإجابة حتى ابتسمت وهي تضم الهاتف لصدرها بسعادة.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة