قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية انشق قلب القمر للكاتبة شاهندة الفصل الثامن والعشرون

رواية انشق قلب القمر للكاتبة شاهندة الفصل الثامن والعشرون

رواية انشق قلب القمر للكاتبة شاهندة الفصل الثامن والعشرون

كانوا يجلسون جميعا معا لأول مرة في بيت قمر يحتفلون بالنجاح الذي حققه الشقيقان والذي ستعلنه كل الجرائد بالغد، يمازح كرم اخوته قائلا: هقول ايه لمي دلوقتي لما تسألني انت مطلعتش بطل زي اخواتك ليه؟
قالت ميسون مازحة: قولها أنا بطل لإني هتجوز تاني، هو اللي يجرب الجواز مرة يعملها بعقله تاني؟
وكزتها غادة قائلة: الكلام ده بتقولوا واحدة بتعشق التراب اللي بيمشي عليه جوزها.
أهو قرك ده اللي جايبني ورا.

قال مالك بابتسامة: سيبك منهم ياكرم واسمع كلامي، كل واحد فينا بطل في مجاله مادام بيشتغل بضمير وبيخاف ربنا وبيتقيه في الناس، اذا كان احنا بنحارب الفساد بكشفه فانتوا بتحاربوه بانكم بتوفروا للناس سلع كويسة بأسعار مناسبة ليهم علي عكس كتير غيركم استسهل الحرام وبقي يبيع حاجات فاسدة بأسعار خيالية مستغل حاجة الناس.

طالعته فيروز بنظرة إعجاب سارعت في إخفائها حين تعلقت عيناه بعينيها تطرق برأسها أرضا بينما قال كرم بسعادة: الله عليك يامالك، أحبك كدة وانت مقدرني. مش زي اخواتك اللي مش عارفين بقيمة أخوهم وقاعدينلي كدة زي ريا وسكينة.
تذمرت الفتاتين فابتسم الجميع، تقول فيروز: صحيح انت حددتوا ميعاد الفرح ياأستاذ كرم؟ ولا لسة؟

لما روحنا نتقدملها، ماما اتفقت معاهم ان الجواز يكون في اسرع وقت بس لسة محددناش اليوم، أنا لو عليا من بكرة.
مستعجل علي ايه بس؟ بكرة تقول ياريتني.
انت تاني؟
ضحك الجميع بينما مسحت قمر دمعتها التي سقطت علي وجنتها بسرعة قبل أن يلمحها أحد لتنتفض حين وصلها صوته الهامس وهو يقول: بتعيطي ليه بس دلوقتي ماولادك قدامك بخير أهم وزي الفل؟

أجابته هامسة بدورها: كل ماأتخيل ان كان ممكن أخسر حد فيهم قلبي يوجعني قوي ونفسي يضيق، أنا لما رضيت يدخلوا إعلام ويكونوا صحفيين مكنتش متخيلة إن الصحافة شغلانة خطيرة كدة، الخطر اللي مصاحب شغلهم في كل مرة بيدوروا فيها عن حق حد بيخليني علي أعصابي وبيخوفني، مبينيمنيش أصلا يامصطفى وهم حسوا بيا وعشان كدة المرة دي خبوا عليا تفاصيل مهمتهم والنتيجة أهي. اتخطفوا وكان ممكن الزفت اللي اسمه فاروق ده يقتل حد فيهم بس الحمد لله ربنا كان رحيم بيا وحفظهم بحفظه.

صحيح شغلهم خطر بس هدفه نبيل قوي ياقمر، دول عين العدالة وروحها، بيكشفوا الفساد ويسلطوا الضوء عليه ويحمونا من شرهم.
ده دور الشرطة مش دورهم.
كلنا لازم نساعد الشرطة ولو عرفنا عن حد شيء مش كويس وكان في ايدنا دليل لازم نحاول نعمل حاجة، دفاعنا عن الحق بيخلي ربنا راضي علينا وأكيد هيحفظنا بحفظه ولو لا قدر الله متنا واحنا بنحاول نكشف الحقيقة فبنبقي شهدا ودي مرتبة كبيرة قوي في الجنة معتقدش حد يرفضها.

بس صعب قوي علي الأم تتقبلها.
الأم قلب كبير قوي ياقمر ربنا خلقه بيستحمل اللي مفيش حد يستحمله، طبيعي تخافي عليهم بس كمان لازم تشجعيهم وانت واثقة ان ربنا معاهم بفضل طيبة قلوبهم والخير اللي زرعتيه فيهم وبفضل دعواتك اللي محاوطاهم دايما.

طالعتهم بحنان وهم يضحكون علي بضع كلمات قالها الصغار قبل أن تتطلع إليه قائلة: معاك حق يامصطفي، أوقات كتير حكمة كلامك بترجعني للطريق الصح وبتهدي قلبي، ربنا يحفظهم ويسعد قلبك.
أمسك يدها قائلا: سعادة قلبي معاكي انت وبس ياقمر.
سحبت يدها بإرتباك تقول باضطراب: أنا هقوم أجيب حاجة نشربها.

نهضت تتجه إلى المطبخ ولكنها توقفت للحظة واستدارت فرأته يطالعها بحب فمنحته ابتسامة رقيقة قبل أن تكمل طريقها، حملت له ابتسامتها شعورا لا يوصف جعل خفقاته تتسارع بقوة وروحه تطفو وكأنه صار خفيفا فجأة لا وزن له، سعادة انتشرت في كل كيانه مع إدراكه أن ابتسامتها حملت تأكيدا علي ماتحمله بقلبها من مشاعر تجاهه ولكنه تأكيدا لا يحمل وعدا بالزواج سيكتفي به، مؤقتا.

قال مصطفي: أخبار حماتك ايه دلوقتي ياميسون؟
لسة زي ماهي ياعمي. وليد وباباه حجزولها في مستشفي كبيرة في ألمانيا بتعالج الحالات اللي شبه حالتها وسافروا عشان يأكدوا الحجز ويتكلموا مع الدكتور عن حالتها. ربنا يسهل ويشفيها. بجد وضعها صعب قوي وحقيقي مكنتش حابة أشوفها في الوضع ده أبدا.
قالت غادة: ربنا يشفيها صحيح كانت ست مفترية بس محدش أبدا كان بيتمني ليها النهاية دي.

رن هاتف فيروز برسالة من رقم غريب ففتحتها.
بتتفقي عليا مع العيل اللي انت ماشية معاه مش كدة؟ بتدوروا ورايا وفاكرين انكوا ممكن توقعوني. حلم مستحيل هيتحقق واللي هيتحقق هو بس انتقامي منك في ولادك ياست فيروز. خدي بالك منهم كويس لإن في اللحظة اللي عينك هتغفل فيها عنهم، بووووووم.

شحب وجه فيروز وهي تري محتوي الرسالة وضاقت أنفاسها لتتركهم يتحدثون بينما اتجهت إلى الشرفة كي لا يلاحظ أحد مايحدث معها ولكنه رآها هذا الذي يتابع كل شاردة وواردة منها منذ أن وقع بحبها فتبعها ليجدها هناك تضع جهاز الاستنشاق علي فمها وأنفها وتأخذ نفسا عميقا، عاد إلى وجهها لونه الطبيعي فقال لها بقلق: انت كويسة يافيروز؟

استدارت إليه بسرعة تهز رأسها باضطراب، فأشار إلى هاتفها قائلا: ايه اللي شفتيه في التليفون وقلب حالك بالشكل ده؟

رآها إذا فلا داع لتواري الحقيقة عنه، منحته الهاتف فقرأ الرسالة بدوره، قست عيناه وهو يحكم قبضته علي هاتفها قبل أن يطالعها قائلا: أنا مش عايزك تخافي منه، ده بيطلع في الروح، عارف ان احنا قربنا نوصل لكل حاجة بتدينه، كل دي تهديدات فارغة بيحاول يخوفك بيها عشان نتراجع لكن احنا مش هنتراجع لحد مانقدمه للعدالة.

قالت بخوف: انت متعرفوش كويس يامالك، ده شيطان وايده طايلة، قتل أخوه قبل كدة ومش بعيد يقتل ولاد أخوه ويقتلكم وأنا خايفة عليكم.
هل تخشي عليه حقا؟ هل ضمته إلى أولادها؟ مست كلماتها قلبه فأراد تأكيدا منها ليقول بحزم: متخافيش علي ولادك أنا أفديهم بروحي.
قالت دون تفكير: روحك غالية زي روحهم عندي أنا لما عرفت انك كنت مخطوف حسيت...

صمتت وقد شعرت بتسرعها خاصة عندما رقت عيناه وطالعها بنظرة حانية فأشاحت بوجهها عنه وهي تستدير وتطالع الشارع قائلة: قصدي يعني ان مامتك روحها فيك وأكيد مش هفرح لما يجرالك حاجة عشان خاطر مامتك واخواتك.
تقدم يقف جوارها يمسك سور الشرفة الحديدي بكلتا يديه ويميل برأسه تجاهها قائلا: عشان خاطر ماما واخواتي وبس.
طالعته بحيرة امتزجت بالارتباك قائلة: مالك أنا...
صمتت فاستحثها قائلا: انت ايه؟

نظرت أمامها مجددا وهي تقول: أنا بفكر أرجع تاني لندن، أنا كنت مرتاحة هناك مع ولادي.
وباباكي وأنا.
طالعته مجددا قائلة: انت ايه؟
أنا بحبك.

اتسعت عيناها بصدمة فابتسم يهز رأسه قائلا: أيوة بحبك وأكيد حسيتي بيا لما بطلت أبعد عيوني عنك لإن في اللحظة اللي اعترف قلبي فيها بحبك اعتبرتك مراتي وجوازنا مسألة وقت مش أكتر عاهدت نفسي فيه اني أقدم قاتل عادل للعدالة الأول قبل مااعترفلك وأريح قلبك من ناحية كريم وكرملة بس مش قادر أسكت أكتر من كدة.
انت مش بتحبني، يمكن بتعطف عليا، حالة قدامك ضعيفة ومحتاجة حمايتك هي وولادها، شهامتك فرضت عليك...

قاطعها قائلا بحنان حزم: مفيش راجل في الدنيا بيتجوز شهامة منه يافيروز، الراجل بيتجوز عشان شاف في شريكته حبيبته وتوأم روحه اللي مش هيقدر يعيش من غيرها، الراجل مننا بيحب حريته ومستحيل يتخلي عنها إلا لو شاف ان حبيبته تستاهل، الراجل وخصوصا لو كان ليه ماضي زي الماضي بتاعي مش هيتجوز إلا لو شاف ان حبيبته هي ست تستاهل اسمه وقلبه وشرفه اللي هيحطهم بين ايديها من غير خوف.

اغروقت عيناها بالدموع وهي تقول: يعني انت بجد بتحبني؟
بحبك قوي.
وعايز تتجوزني.
من اللحظة دي لو حبيتي.
وكريم وكرملة هتقبلهم معايا؟
أنا حبيتهم قبلك.
أنا مش قادرة أصدق اللي بسمعه.
لأ صدقي. بحبك يافيروز. بحبك.
أنا كمان بحبك. بحبك قوي يامالك.
قلب مالك وعمره كله. طب ليه بس الدموع اللي مش قادر أمد ايدي وأمسحهملك؟
مسحتهم بأناملها تبتسم قائلة: لأ. ماانت تاخد بالك انك آخد واحدة تزعل تبكي وتفرح برضه تبكي.

طالعها بحب قائلا: عاجبني ياستي وراضي بيها ومبسوط كمان، ممكن بقي نفرح الناس اللي جوة بالخبر السعيد ده؟
هزت رأسها بابتسامة فاتجها إلى الداخل يعانق كفها بروحه بينما تستند علي كتفه بروحها في انتظار زواج يجمعهما للأبد.

كانوا جميعا يهنئون بحرارة كل من مالك و فيروز. تحمل قلوبهم مزيج عجيب من المشاعر، صدمة لإكتشاف قصة حب بين الثنائي المتنافر منذ بداية تعارفهما، كذلك السعادة لهما فلن يرغب مصطفي بأفضل من مالك زوج لابنته ولن تتمني قمر زوجة ابن خير من فيروز تعوض ولدها ماضيه الحزين، حين دق جرس الباب فجأة فذهبت قمر لتفتحه، وجدت علي الباب صديق ولدها مالك الضابط ممدوح يقف متأنقا في بذلة سوداء رائعة بينما يحمل بيده باقة ورود رقيقة، اتسعت ابتسامة قمر وهي تقول: ممدوح. اذيك ياابني. اتفضل ادخل.

كاد أن يتحدث ولكن مالك أطل برأسه يقاطعه قائلا: أهلا يا عريس. جيت في وقتك.
قطبت قمر جبينها بحيرة قائلة: عريس. انت خطبت ياممدوح؟ امتي طيب ومحدش قاللي ليه عشان أباركلك؟
هو مخطبش، لسة هيخطب ياأمي.
ليسحبه من ذراعه بعد أن لاحظ ارتباكه قائلا: ماتدخل ياابني، انت واقف كدة ليه؟

أغلقت قمر الباب خلفهما وهي تحاول استيعاب كلمات ولدها لتتسع عيناها في صدمة حين رأت تعلق عيون زائرهم بغادة التي طالعته بابتسامة خجولة قبل أن تتجه إلى حجرتها بسرعة تتبعها ميسون لتشعر بقلبها يكاد يخرج من مكانه من فرط السعادة، تدرك أن الليلة هي حقا ليلة من ألف ليلة وليلة. وأنها حقا ليلة تحقيق الأحلام.

فيه خبر مش كويس في الجرايد؟
أغلق حسام الجريدة قائلا: لأ مفيش. انت لابسة ورايحة علي فين كدة؟
اتفقت مع صاحباتي هنقضي يومنا في الاسبا بتاع آنطي ثريا. آه كنت هنسي متتأخرش في الشغل النهاردة، منير عامل لسوسو surprise party وعازمنا كلنا. باي ياحبيبي.

قبلته في وجنته ثم أسرعت مغادرة ليتنهد قبل ان يعاود النظر في الجريدة إليها هي حبيبته التي فقدها بجبنه هاهو نجمها يسطع بين زملائها من الصحفيين كما تنبأ لها تماما. تملك من الجمال والشجاعة مايجعلها في مقدمة صفوفهم، بينما اكتفي هو بعمله في الجامعة وادارة جريدة الموضة التي يمتلكها عمه. هكذا أرادته أمه، لا طموح لديه أو قلب يشغف بشيء عدا المال بينما غادة ظلت كما هي، يقودها الطموح ويزيد من لمعانها الشغف، لمس ملامحها بتوق يتمني لو اختلفت الظروف وكانت هي زوجته الآن، لصارت الحياة أكثر مرحا وحماسة ولبثت من شغفها وحماسها في روحه فأطلقت روحه المكنونة بصدره، كم يشعر بالملل وبرغبة عميقة في تغيير حياته، أوربما ترك كل هذا والعودة إلى حياته السابقة حين كان حيا معها هي وهي وحدها من استطاعت اظهار الوجه الآخر له وإطلاق حماسته، ولكنه تخلي عنها وعن كل هذا بحجج فارغة والحقيقة هي أنه لم يقوي علي الاعتراض ومخالفة أوامر والدته، لم يقوي علي اغراء المال فاستسلم له، ضعيفا كان وضعيفا لم يزل، يتبع والدته والآن زوجته التافهة ذات العقل الصغير. لا مجال لديه لمحو الماضي أو تعديله ليتحسن مستقبله، خسر هو بينما استطاعت هي المضي قدما من بعده وهاهي الآن علي وشك الزواج من الضابط المسئول عن القضية كما تلمح الصحيفة في آخر الخبر ليكون جزاؤه مشاهدة غيره يصبح زوجا لها. يفز بما لن يستطيع الفوز به يوما. شعلة من نار تضيء الحياة بنور لا ينضب.

كان يجلس علي الأريكة يملا كأسا من الشراب ويحتسيه مرة واحدة بغيظ قبل أن يمسك الجريدة ويطالع الخبر مرة أخري، يصفون أخاه بالبطل ويمدحون أخته، عجيب أمر هذه البلد، يمدحهم الجميع لكشفهم بعض فساد مسئوليها بينما يغفلون عن مدحه هو وقد قتل العديد من المجرمين وقدمهم للعدالة، ألا يستحق بعض التقدير بدوره؟ تبا. لقد وقع صديقه عاصم في أيدي الشرطة. ربما عليه أن يستغل بعض علاقاته ويخرجه من قبضتهم وإلا وشي به وجر قدميه في التحقيق نكاية بهذا الأحمق مالك الذي تسبب في سجنه، أو ربما بعث من يقبض روحه جزاء علي تخليه عنهم، اللعنة علي هذا المالك الذي يصر بكل غباء أن يدمر حياته كضابط شرطة ورجل، مرة بمثاليته ومرة أخري بتحقيقاته الغبية تلك، ثم لماذا لايكتفي بتغطية أخبار الفنانين ويترك للشرطة مهمة الكشف عن المجرمين؟

دق جرس الباب فحمل سلاحه واتجه إليه بحذر وماإن رأي وجه زائرته من عين الباب حتى استراح جسده المتشنج يفتح الباب بحنق قائلا: هو انت؟ عرفتي مكاني منين؟
تقدمت إلى الداخل تطالع الطاولة التي وضع عليها قنينة الشراب وطبق التسالي تقول ببرود: من صاحبك توفيق، كنت مستني حد غيري ولا ايه؟

سيقتل هذا التوفيق، ألم يحذره من التفوه بكلمة عن مكانه؟ لقد وشي بمكانه نكاية به علي مايبدو لذا سيقطع لسانه حين يراه بكل تأكيد، أغلق الباب وهو يتقدم ويضع السلاح علي الطاولة يصب لنفسه كأسا آخر وهو يقول: ولا انت ولا غيرك. أنا لا عايز أشوفك ولا طايق أشوف حد. أصلا كلكم شبه بعض.

سحبت الكأس من يده قبل ان يمس ثغره لتشربه دفعة واحدة ثم تضعه علي الطاولة يتابعها عاقدا حاجبيه، وقعت عيناها علي الجريدة التي توسطتها صورة مالك وأخته لتستقيم قائلة بسخرية وهي تشير إليها: محروق منه مش كدة؟ هتموت لإنه شريف وانت لأ، ابن بار بأهله وانت لأ، محبوب وانت لأ، راجل بجد وانت لأ.

أمسكها بيديه يضغط عليهما بقسوة بينما تلتمع عيناه غضبا قائلا: لو شايفاه كل ده خنتيه معايا ليه؟ دبحتيه وبعدين سبتيه واتجوزتيني ليه؟
اغروقت عيناها بالدموع وهي تقول: كنت هبلة. ست بطرانة مقدرتش النعمة اللي في ايديها وأهي زالت منها وأي ندم مش هيغير الحقيقة اللي بعيشها دلوقتي في كل لحظة. وهي اني خسرت. خسرت أحلي حاجة كانت في حياتي بسببك انت.

دفعها بعيدا عنه قائلا بغضب: أهو قدامك روحيله وبوسي رجليه عشان يرجعك بس مش هيرجعك عشان الراجل مبيآمنش لواحدة زيك في حياته بتبقي بالنسبة له غلطة مش ممكن يكررها أبدا.
هي كانت غلطة فعلا. غلطتي عشان آمنت لواحد زيك معندوش قلب ولا ضمير، ازاي كنت عامية بالشكل ده ومشفتش اللي الكل كان شايفه. ياريتني كنت فتحت عيوني من زمان وشفتك علي حقيقتك.
قال بملل: مش خلاص فتحتي؟ غوري بقي من وشي وسيبيني في حالي.

قالت بانكسار: بعد ايه؟ بعد ماخسرت ابني وأمي. بعد ماخسرت دنيا كنت عايشاها بسلام لحد مادخلها شيطان زيك.
طب لمي نفسك بقي أحسن ماتخسري حياتك بجد.

شهرت السلاح بوجهه فجأة فقطب جبينه بقوة وهو ينظر إلى الطاولة فلم يجد سلاحه، لابد وأنها أخذته في غفلة منه ليعاود النظر إليها باضطراب وهي تقول: أنا خسرتها خلاص، مبقاش فيه حاجة في الدنيا تستاهل أعيش عشانها، أنا رايحة لإبني وأمي اللي خدتهم مني من غير أي ذنب عملوه، بس قبل ماأروح هاخدك معايا. احنا الاتنين نستاهل الموت. انت قاتل وحقير ومعندوش قلب وأنا كنت هبلة وسلمتلك نفسي وخنت الراجل الوحيد اللي حبني بجد وخاف عليا وعلي اللي في بطني. احنا الاتنين مجرمين منستاهلش نعيش يارياض.

تقدم منها قائلا بحذر: اهدي بس و اسمعيني، صدقيني انت مش عايزة تقتليني انت لسة بتحبيني وانا كمان بحبك.
هدرت قائلة: انت متعرفش تحب غير نفسك، انت قتلت ابني وقتلت أمي وجيت تشمت فيا وانا بين الحيا والموت، اللي زيك حياته شر علي كل اللي حواليه ولازم يموت عشان يعيشوا بسلام من غير خوف.
هيام أنا...

أطلقت رصاصات السلاح كلها فاستقرت بصدره لتتسع عيناه بصدمة امتزجت بالألم وهو يطالع صدره الذي انبثق منه الدماء بينما تقول هي بانهيار: اخرس بقي ياأخي، مبقتش طايقة صوتك ولا عايزة أسمع اسمي منك. موت خلي روح ابني وأمي يرتاحوا. موت عشان أنا كمان ارتاح. موت. موووووت.

وقع علي الأرض وقد فارق الحياة فاقتربت منه هيام تركله بقدمها فلم يحرك ساكنا، ضحكت بقوة قبل أن تبكي بقوة أيضا يتعالي نشيج صوتها للحظات قبل أن ترفع السلاح وتضعه في فمها تغمض عيناها وتطلقه فلم يخرج منه أي رصاصة وقد نفذت زخيرته ألقته أرضا وهي تضحك بجنون لتفيق علي صوت طرقات بالباب فاتجهت إلى الشرفة بسرعة تقف مطالعة الطريق بخوف قبل أن تغمض عيناها تردد بندم: سامحني يامروان. سامحيني ياأمي. سامحني يامالك. سامحني ياااارب.

ثم مالت تلقي بنفسها من الدور الخامس بينما فتح الباب في هذه اللحظة ليكون آخر ماتسمعه هي صرخات فزع قبل أن تقع أرضا وتصبح جثة هامدة.

توقف مالك يجاوره ممدوح أمام هذا البيت الريفي الذي يتوسط مساحة خضراء تريح النفس رغم تجمع السحب في السماء لتنذر بقدوم عاصفة يودع بها العالم فصل الشتاء ويستعدون لاستقبال الربيع، طرق مالك الباب ففتح له رجل ريفي يرتدي جلبابا وعباءة، ماإن رآهم حتى ظهر علي ملامحه الخوف ليسرع ممدوح بطمأنته قائلا: الظابط ممدوح العفيفي من المباحث وده الصحفي مالك السكري. انت فهمي مش كدة؟

هز الرجل رأسه فأردف ممدوح قائلا: احنا جايينلك من طرف مدام فيروز وحابين نتكلم معاك.
قال الرجل بحذر: وايه اللي يثبتلي انكوا من المباحث وجايين من طرف الست فيروز؟
أشهر ممدوح بطاقته أمامه بينما منحه مالك رسالة بخط يد فيروز ماإن قرأها فهمي حتى أشرقت ملامحه يقول بسعادة: وأخيرا ياست فيروز، أنا استنيت اليوم ده كتير.
قال مالك بأمل: يعني هتساعدنا؟

أمال. بقولك مستني اليوم ده بفارغ الصبر، اتفضلوا يابهوات. بيتكم ومطرحكم.
أفسح لهما الباب ليدلفا إلى المنزل بينما يتبعهما فهمي ترتسم علي الوجوه راحة لقرب ظهور الحقيقة.

اتجه كل من ممدوح و مالك إلى سيارة الأول يقول مالك في سعادة وهو يمسك بشريط الفيديو: كدة ماجد وقع صوت وصورة. أنا مش مصدق ان فهمي كان بالذكاء ده عشان يعمل نسخة تانية من الشريط قبل ما ماجد يهدده ويخطف بنته عشان يديله الشريط الأولاني.
ده من رحمة ربنا بمدام فيروز، كدة بجد هتقدر تتخلص من عم ولادها وتأمن شره. وكدة هتعيش معاها في أمان يامالك.

وحتي لو كان فيه ألف خطر هيحاوطني لو اتجوزتها، أنا راضي لو كان ده تمن وجودي معاها.
وكأنك بتتكلم عني وعن أختك يامالك، بالمناسبة السعيدة دي هتجوزهالي امتي؟
مش قبل جوازي من فيروز ياخفيف.
كاد ممدوح أن يتذمر ولكن رنين هاتف مالك قاطعه ليجيبه قائلا بابتسامة: ست الكل بنفسها...
قاطعه صوت والدته وهي تقول بمرارة وقهر: رياض مات يامالك. رياض مات مقتول.
ليعقد مالك حاجبيه بقوة.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة