قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية انشق قلب القمر للكاتبة شاهندة الفصل التاسع والعشرون

رواية انشق قلب القمر للكاتبة شاهندة الفصل التاسع والعشرون

رواية انشق قلب القمر للكاتبة شاهندة الفصل التاسع والعشرون

كانت تقف أمام قبره تتلمس شاهد القبر بعيون تنهمر منها العبرات يصرخ قلبها بألم.

ابني صغيري، هكذا أتذكرك. طفلا بريئا لم تلوثه الآثام، وليس هذا الرجل الذي كبرته وتنكر له الجميع. حتى أنا. غضبت عليك و آثرت الفراق عنك ظنا مني أن فراقي سيعيدك يوما لرشدك ولكنك لم تعد ولم يمهلني القدر لأرضي عنك قبل الرحيل. أعلم أنك تسمعني الآن. تري نفسي الملتاعة لرحيلك وعيني الباكية علي فقدانك. تري أنك كنت بقلبي كإخوتك وأني لم أؤثرهم عليك كما ظننت ولكنك انت من آثرت البقاء بعيدا عني بأفعالك، دعوت الله كثيرا أن يهديك، رجوته ألا تصير كأبيك ولكنك صرت دون ارادة مني، وحتى حينها لم أفقد الأمل في أن تعود يوما إلى رشدك فتعود إلي، إلى هذا الحضن الذي ضمك صغيرا وبيتك الذي ملأت جنباته بتذمرك ولهوك وصراخك يوما، إلى قلبي الذي تسارعت خفقاته يوم ناديتني أمي فطابت لي الحياة رغم مرارها، ذهب نصف الروح بفراقك حيا وذهب النصف الآخر مع كفنك يوم وضعوك فيه، قد ذهب غضبي عليك في اليوم الذي رحلت فيه عن دنيانا وأدمعت عيني بعد جفاف فسقطت دموعي أنهارا، احترق قلبي ومزق الكبد حزنا علي صغير كبر تائها مابين قسوة وحقد أبيه وضعف أمه، أمسك بصورك صغيرا فأشعر بسكاكين تضرب جسدي وتصنع فيه ألف جرح ينزف، كنت بريئا لم يكن لناظرك تخيل هكذا نهاية لحياتك، ذهبت البراءة مع الزمن واسود قلبك مع سواد أفعالك فدعوت الله أن ينقي قلبك كما ينقي الثوب الأبيض من الدنس فكانت حكمة الله يأخذك مني قبل غفرانا أمنحك إياه ياصغيري فاشهد ياالله أني منحته الغفران مسامحة إياه فسامحه لأجل أم كانت تري نفسها في القبر يذرف أبنائها الدمع لفراقها ولم تراها قط تذرف الدمع علي احدي فلذات أكبادها، فراق الابن يحرق القلب ياالله فبرد ناري بأن تغفر له وتعفو عنه وترحمه وتسكنه الجنة برحمتك.

أحاطت وجهها بكفيها تنهمر دموعها ويعلو نشيجها، ظلت هكذا للحظات قبل أن يهدأ نشيجها رويدا رويدا لتنتفض علي صوته الذي قال بحزن: تفتكري البكا هيرجع اللي راح؟
استدارت تطالعه قائلة بألم وحسرة: أكيد لأ.
ولا بيريح القلب زي مابيقولوا، اللي بيريح القلب ذكر ربنا والدعاء.
ذكرته ودعيته ولسة قلبي والع نار يامصطفي.
وتفتكري مجيتك قبره كل يوم مش هتزيد من نارك؟ انت لازم تنسي وتكملي حياتك اللي وقفت من يوم ما مات.

مش قادرة. والله حاولت بس مش قادرة، احساس بالذنب ناحيته قاتلني، احساسي باني قصرت معاه مموتني.
انت عمرك ماقصرتي مع حد فيهم، رياض كان عمل غير صالح من والده، وربنا عشان بيحبك اختاره يروحله، زي سيدنا الخضر لما قتل الغلام وسيدنا موسي سأله قتله ليه، قاله ان أبويه كانا صالحين فربنا أراد أن يبدلهما خيرا منه.
وليه مااستجابش لدعائي وهداه؟

استغفري ربك ياقمر، دي حكمته وقالها لرسوله. إنك لاتهدي من أحببت والله يهدي من يشاء.
أطرقت برأسها قائلة: ونعم بالله. حكمتك يارب. لكن الفراق صعب قوي.
وهيفضل صعب لإنك أم، رياض مش محتاج منك دموع دلوقت هو محتاح دعواتك بالغفران وبس، ده غير انك لازم تفوقي م اللي انت فيه عشان خاطر ولادك اللي معيشاهم في قلق وخوف عليكي، بصي كدة شكلهم عامل ازاي؟

نظرت إلى حيث أشار فرأت أربعتهم يستندون إلى بعضهم البعض دامعة أعينهم يطالعونها بقلق وحزن، نعم. مصطفي علي حق. لابد وأن تستسفق من أحزانها لأجلهم، انها تستيقظ كل يوم علي ألم ينخر بقلبها يحملها إلى هذا المكان قبر ولدها فتجد فيه راحة وهي تخبره أنها جواره وأنها ستكون حده بدعواتها واستغفارها تنجيه من عذاب قبره، أنه لن يكون وحيدا في اللحد كما كان وحيدا في الدنيا ونسيت تماما أن هناك من يحتاجها، بقية أبنائها الذين يرون في شقائها شقائهم وفي سعادتها سعادتهم، إنها تؤمن بالقدر خيره وشره، وتؤمن أن لله حكمة في أقداره، لابد وأنه اختار رياض قبل أن يتمادي في أفعاله فيصير إثمه أكبر، لذا هي لن تنسي أن تدعوا له ليلا ونهارا ولكن ستفعل من هناك، من بيتها دون أن تجرجر أولادها ورائها وتصيبهم بالقلق عليها وعلي سلامة حالتها العقلية، لتمسح دموعها وتفتح ذراعيها علي مصراعيهما فاندفع أبنائها إليها تضمهم جميعا بحنان فتشعر لأول مرة منذ زمن بعيد براحة وطمأنينة لا يجلبها سوي ضمة أبنائها إلى صدرها.

بعد مرور عام...
كان يمشي علي أطراف أصابعه متجها للخارج حين استوقفه صوتها: استني هنا رايح فين؟
استدار مالك إليها قائلا: انت صحيتي! انا حاولت والله أنزل من غير ماأقلقك.
اقتربت منه قائلة بمشاكسة: يعني بتعترف انك كنت عايز تنزل قبل ماأشوفك وأحضرلك الفطار وبعدين أودعك. تفتكر ممكن أعاقبك إزاي؟

ابتسم قائلا: مذنب يافندم بس والله ليا أسبابي، انت تعبتي في عزومة امبارح وقلت أسيبك تنامي براحتك من غير ماأزعجك أو أتعبك.
وقفت أمامه ترفع نفسها علي أطراف قدميها تقترب برأسها منه هامسة بأذنه: تعبك راحة ياحبيبي. ثواني وأحضرلك أحلي فطار.
وضعت قبلة رقيقة علي وجنته وكادت أن تبتعد فأمسك خصرها يمنعها ويقربها منه قائلا: أنا بقول آخد أجازة النهاردة ونفطر في السرير.

طالعت مقلتيه العاشقتين بعينين أطل منهما العشق بدورهما وهي تقول: واجتماعك المهم؟ وشغلك؟
اقترب بثغره من ثغرها قائلا بنبرات حملت عاطفة كبيرة: انت عندي أهم يافيروزتي.
أغمضت عيناها تستقبل قبلته بعد أن أثارتها همساته و لفحتها أنفاسه الساخنة ليتركها ويبتعد هامسا: الولاد.
فتحت عيناها تشعر بالتخبط لاتدري سر ابتعاده عنها أو تفهم كلمته حتى سمعت الصغار يقتربان منهما قائلين بحب: بابا مالك. رايح فين؟

هبط إلى مستواهما يضمها بحنان بينما تقول فيروز بتذمر بعد ان تمالكت نفسها التي بعثرتها المشاعر: طب مفيش صباح الخير يامامي الأول.
خرجا من حضن مالك يحتضنان خصر والدتهما يقولان بعجلة: صباح الخير يامامي.
قبل أن يعودا لحضن مالك وسط دهشة فيروز، لتقول كرملة: انت رايح فين يابابا؟ مش وعدتنا تودينا الملاهي.

ابتسم قائلا: أنا وعدتكم ووعد الحر دين عليه، هروح الشغل احضر الاجتماع وأستأذن وآجي آخدكم، أنا حجزت خلاص التذاكر في دريم بارك.
هلل الصغيران ثم قبلاه في وجنتيه يقول كريم: انت أحلي أب في الدنيا.
ثم اندفعا إلى حجرتهما تقول كرملة: أنا هاخد عروستي.
وأنا هاخد مسدسي.

بينما تابعتهما فيروز بحنان قبل ان تعود بعينيها إلى مالك الذي استقام واقفا يتابعهما بحنان بدوره لتقول بحب: انا عمري ماشفتهم متعلقين بحد كدة ولا سعدا بالشكل ده وكله بفضلك يامالك.
طالعها قائلا: من يوم مادخلتوا حياتي وانتوا عوضتوني عن كل ألم عشته قبلكم وخلتوني أسعد راجل في العالم فمش كتير عليكم أسعد قلوبكم قد مابتسعدوني، انت مش سعيدة معايا بجد ولا أنا بحلم يافيروزتي؟

اقتربت منه ترفع أناملها وتمررها علي وجنته قائلة بعيون اغروقت بالدموع: أنا أسعد واحدة في الدنيا ياحبيبي.
أمسك أناملها يطبع قبلة علي باطن كفها قبل ان يمد أنامله ويمسح دمعة سقطت علي وجنتها قائلا: طب ليه الدموع دي بس ياقلب حبيبك؟
أنا مش قلتلك إنك آخد واحدة تفرح تعيط تحزن تعيط.
وأنا بحبك في كل حالاتك بس عشان خاطري بلاش بكا وابتسمي بقي عشان أقدر أنزل الشغل.

سحبته من يده تجاه المطبخ قائلة: مش قبل ماتفطر وأتأكد ان معدة حبيبي مليانة عشان يقدر يركز في شغله.

لم يستطع الرفض وهو يتبعها بابتسامة اعتلت وجهه، إنها فيروزته الغالية التي أضاءت حياته بلون جديد وفتحت له أبواب الجنة ليشعر حقا أنه أكثر الرجال حظا علي وجه الأرض. ينوي من أجلها أن يذهب للطبيب فربما كان هناك علاجا لحالته فجل مايريده هو طفل يجمعهما يدعوا الله ليلا ونهارا أن يرزقهما إياه. ربما كان أملا مستحيلا ولكن لا مستحيل مع الله.

والله انت مكسب لأي شركة بتكون فيها ياكرم، شفت شركة عمي توفيق بعد مامسكتها بقت ازاي وشركة اللي اسمه سامي نجيب بقت ازاي، ده أنا سمعت انه بيبيعها وهيسافر برة.
رفع كرم عيونه عن الأوراق التي أمامه ينتبه لكلام هذا الثرثار لأول مرة منذ دخوله المكتب، هو علاء ابن خالة زوجته مي ورئيس الحسابات بالشركة ولكنه لايطيقه منذ أن عرف أنه أراد يوما الزواج منها، عقد كرم حاجبيه قائلا: انت عرفت الكلام ده منين؟

من عماد صاحبي، ماانت عارفه.
انه المدير المالي لشركة حماه السابق، ليشرد قليلا فقال له علاء: روحت فين؟ صعبان عليك ولا إيه؟ انسي. هيخرج منها كسبان برضه، كفاية اسم الشركة للي هيشتريها، ده لوحده هيتباع بمبلغ وقدره.

أحمق هذا العلاء، هو لا يهمه أمر حماه السابق خاصة بعد آخر مقابلة له في احدي اجتماعات الشركات، حين عرض عليه نصيحته كرجل أعمال محنك يدرك بنظرته المستقبلية مايحدث في السوق من تغيرات فقابل الأخير نصيحته بكلام ساخر ومعايرة له كما فعلت طليقته من قبل مما جعله يقسم علي البقاء بعيدا وأن لا يعير العشرة اهتماما مادامت قوبلت بالجحود والنكران، ولكن مايهمه حقا هو خبر بيع الشركة، قد تستفيد شركة التوفيق من شراء شركة حماه الأسبق واضافتها للمجموعة خاصة وأنه من خلال الخسارة التي تعرضت لها الشركة واضطرار الأخير إلى بيعها مايدل علي أنه يحتاج إلى المال وبشدة لذا سيبيعها بثمن معقول يناسبهم بكل تأكيد، أفاق من أفكاره علي صوت علاء وهو يقول: انت روحت فين؟ بالمناسبة فيه خبر كمان عندي اكيد هيفرحك، طليقتك اتطلقت للمرة التالتة، مش نافعلها جواز، بتبدلهم زي الشوزات بالظبط.

جز كرم علي أسنانه قائلا: وايه اللي يفرحني بخبر زي ده؟
اتسعت عينا علاء قائلا: انك تعرف ان مفيش حد مالي عينها بعدك ياكرم ده خبر ميفرحكش.
لا يفرحني ولا يخصني أصلا، الماضي انا نسيته خالص من اللحظة اللي ارتبطت فيها بمي ومبقاش يهمني في شيء.
هز علاء رأسه قبل أن يقول بسرعة: كنت هنسي ميوش قالتلي...
سيقتل هذا الصلاح. قاطعه قائلا بحزم: اسمها مدام مي.

مدام مي ياسيدي قالتلي أفكرك بحفلة الليلة اللي عاملاها الشركة لعملائها والعاملين فيها بمناسبة النجاح اللي حققته الشركة في السنة الأخرانية.
وهي مفكرتنيش بنفسها ليه؟
أصلها مش موجودة في الشركة. خرجت من ساعة كدة.
عقد كرم حاجبيه بقوة يقول: خرجت راحت فين؟
هي قالتلي أقولك انها رايحة ميتنج بس بصراحة هي تعبت شوية وراحت للدكتور.

نهض يشعر بقلبه ينتفض خوفا وهو يقول باستنكار: تعبت وراحت للدكتور ولسة جاي تقولي دلوقت ياعلاء؟
نهض علاء بدوره يقول بارتباك: بصراحة هي منبهة عليا مقولكش عشان متقلقش والظاهر كان معاها حق.
طالعه باستهجان وهو يحمل هاتفه ومفاتيحه ويتجه إلى الخارج يتصل بها ليسألها عن مكانها وماإن فتح الباب حتى وجدها أمامه أمسكها من كتفيها يقول بلهفة: انت تعبانة مالك؟ فيكي ايه وليه خبيتي عليا؟

نظرت إلى علاء بلوم فأسرع بالمغادرة باضطراب، بينما أزاحت يديه عن كتفيها دون أن تتركهما تقول: هقولك كل حاجة بس ندخل وأقعد لإني لسة دايخة.
ندخل ايه. أنا هاخدك دلوقت علي الدكتور ناجي هو اللي هيطمني عليكي.
مش مستاهلة رأي الدكتور ناجي ياكرم وبعدين أنا كشفت خلاص وعرفت فيا إيه. خليني أدخل بس وأقعد وانا هقولك علي كل حاجة.

أفسح لها الطريق فتقدمت إلى الداخل وجلست علي اقرب كرسي تشير له بالجلوس جوارها ففعل، لتمسك يديه بين يديها قائلة: أنا بقالي فترة تعبانة ومليش نفس للأكل وحاسة بوجع في بطني.
كل ده ومقلتليش حاجة.
كنت فاكراه دور برد وهيعدي ولما دوخت النهاردة خفت وقررت أروح للدكتور وهو هيقولي عن سبب الحالة اللي أنا فيها دي، دكتور ناجي لما روحتله حولني لمراته الدكتورة وفاء وهناك عرفت السبب ولغاية دلوقتي مش قادرة أصدق نفسي.

تمسك بيديها قائلا بعاطفة قوية: مش عايزك تخافي أو تقلقي، أي حاجة هنواجهها مع بعض...
أنا حامل.
اتسعت عيناه بقوة وهو يستوعب جملتها القصيرة قبل أن تنير وجهه سعادة لاتوصف وهو يتطلع إلى بطنها ثم يرفع عينيه إليها لتطالعه بسعادة وعيونها تغرقها الدموع تهز رأسها قائلة: حامل في توأم كمان وكلها 6 شهور ونشيل ولادنا بين ايدينا ياكرم.
أنا بحلم مش كدة، اقرصيني يامي.

رفعت أناملها ومررتها بنعومة علي وجهه قائلة: مبتحلمش ياحبيبي، دي أحلي حقيقة في حياتنا.
أمسك كفها يطبع قبلة حانية في باطنه قبل أن يرفع إليها عينان تجمعت الدموع فيهماوهو يقول: لأول مرة ألاقي نفسي عاجز عن الكلام.
فرحتك واصلالي ومست قلبي وفرحتني بزيادة ياحبيبي.

مي انت من يوم مادخلتي حياتي وخليتيها منورة بسعادة مبتخلصش، كل ماأقول أنا وصلت لأقصي درجات السعادة أكتشف معاكي ان سعادة الحب ملهاش حدود، سعادة بتتجدد مع كل لحظة بنعيشها سوا.
قالت بحب: يارب ياحبيبي تبقي أيامك كلها سعادة علي قد حبي ليك.
وحبي ليكي.
أمسكت يده تضعها علي بطنها وهي تقول: يارب أيامنا كلها سعادة علي قد حبنا لبعض وحبنا ليهم.
ابتسم بسعادة قائلا: يارب.
الهانم الكبيرة فطرت ياسعدية؟

لأ ياهانم. الجليسة بتاعتها مجتش النهاردة.
ومقلتليش ليه لحد دلوقت؟
انا كنت هقولك حالا ياهانم.
تجاهلتها ميسون وهي تصعد علي الفور إلى حجرة حماتها، تطرق الباب وتدخل، بعد دقائق هبط وليد إلى الردهة يبحث بعينيه عن أمه وزوجته فلم يجد أيا منهما، نادي سعدية فلبته علي الفور بادرها قائلا: الهانم الكبيرة والهانم الصغيرة فين؟
الهانم الكبيرة منزلتش لإن حنان مجتش النهاردة يابيه والهانم الصغيرة أول ما عرفت طلعتلها.

عقد وليد حاجبيه يصرفها بيده وهو يتجه بدوره إلى حجرة والدته وماإن فتحها حتى تجمد واقفا وهو يري زوجته قد وضعت والدته علي الكرسي الخاص بها تمنحه ظهرها وهي تميل علي والدته قائلة: الأول هنغسل وشك ياقمر وبعدين نغير ونفطر مع بعض، ايه رايك نخرج النهاردة مع بعض نروح أي مكان تحبيه؟
قالت ناهد بحروف متعثرة: لأ. مش ع عايزة. أأخرج. وأنا. ك ك كدة.

انت ناهد هانم، انت الست اللي اتحدت مرضها وقدرت تفوق منه وبإذن الله بعد العملية اللي اتحددت بعد شهرين هترجعي تقفي علي رجليكي من تاني، مفيش حاجة ممكن تضعفك ولا فيه حد ممكن يحسسك بحاجة انت مش حاساها من جوة، اخرجي وافرحي وشوفي الناس وانت عارفة انك أقوي من أي حاجة ممكن تكسرك وانا معاكي مش هسيبك لحظة واحدة.
رفعت ناهد يد مرتعشة وضعتها علي يد ميسون قائلة: ش ش شكرا يا ب بنتي.

قبلت ميسون رأسها واستقامت فأغلق وليد الباب بعيون اغروقت بالدموع، يدرك للمرة التي لا يدري عددها كم هو محظوظ بدلوف ميسون إلى حياته لتضيف النور إلى دربه المظلم وتبدل ظلمائه بطيبة قلبها وكرمها وأخلاقها لتستحق قلبه وتسكنه دون منازع.

قال ممدوح: ياغادة اعقلي هتروحي فين بس ببطنك دي؟ يابنتي انت في الشهر الأخير. خدي أجازة عشان خاطر ابننا علي الأقل، انا أعصابي مبقتش متحملة. أركز في شغلي ولا أخاف عليكي وعلي اللي في بطنك.
ياممدوح انت حبيتني وأنا كدة. الشغل عندي زي روحي مقدرش أبعد عنه، لو بعدت عنه أموت.

وضع يده علي فمها قائلا بخوف: متقوليش كدة تاني. عشان خاطري متجيبيش سيرة الموت قدامي تاني، أنا مبقيتش أفكر غير فيه. مبقيتش أنام من خوفي عليكي وعلي ابني. لو جرالي حاجة هسيبكم لوحدكم ازاي ولو جرالكم حاجة هعيش أنا ازاي؟

رفعت يده عن فمها تضعها علي بطنها المنتفخة تقول بحنان بعد أن أفصح لأول مرة عن مكنون صدره الذي جعله يتصرف بغرابة في الشهرين المنصرمين: سامع ابنك. حاسس بيه بيقولك ايه؟ متخافش يابابا علينا. اهتم بس بنفسك واحنا كمان هناخد بالنا من نفسنا والباقي هنتوكل فيه علي اللي خالقنا. الخوف ممكن يقتل أكتر من أي حاجة في الدنيا ولو سمحنا لنفسنا يملكها الخوف هتموت مع موت كل حاجة حلوة كان ممكن تعيشها ومن خوفها مقدرتش. يابابا ده انت مؤمن بقضاء الله وقدره وعارف ان لن يصيبنا إلا ماكتب الله لنا، احنا بس ناخد بالنا من نفسنا زي ماربنا أمرنا وهو هيتكفل بالباقي. نتوكل عليه من غير تواكل وكفي بالله وكيلا. بطل تخاف يابابا لإن الخوف مقبرة بتقتل جوانا كل حاجة حلوة وبتدفنا واحنا عايشين.

طالعها بعينين عاشقتين وهو يقول: الظاهر ان ابني طالع أعقل مني.
ابتسمت قائلة: مفيش أعقل منك في الدنيا ياحبيبي.
ابتسم بدوره قائلا: يعني هتاخدي بالك من نفسك ومنه؟
هحطهم في عينيا.
ولو فيه أي حاجة قلقانة منها هتتصلي بيا؟
وأنا ليا مين غيرك أقوله.
وهتعمليلي المحشي والبط اللي نفسي فيهم؟
اتسعت ابتسامتها قائلة: انت كدة داخل علي طمع. أقولك حاجة ماما عزمانة يوم الجمعة هقولها تعملنا محشي وبط.

تطلع إلى ملامحها الجميلة بعشق قائلا: أنا مش عايز حاجة م الدنيا غيرك انت ياغادة.
وأنا مش عايزة غيرك ياحبيب غادة.
أخذها في حضنه يضمها بقوة، يغمض عيناه وينفض الخوف عن جوارحه، يستودعها الله هي وابنه وعند الله لا تضيع الودائع.

بعد مرور بضعة أشهر
كانا يجلسان في النادي يتطلعان إلى فريق كرة القدم في تدريباته، حين التفت مصطفي إلى قمر وقال فجأة: مش كفاية كدة ياقمر؟
طالعته متسائلة فأردف: الولاد اتجوزوا وكل واحد منهم استقر في حياته. مالك و فيروز مفيش أسعد منهم، وغادة جابت لنا فهد الصغير. ميسون و مي علي وشك الولادة والدنيا حلوة معاهم. احنا بقي فين؟
قالت قمر: احنا أهو عايشين ومبسوطين بولادنا وأحفادنا يامصطفي.

الحياة مش بس ولاد وأحفاد ياقمر، احنا لينا مشاعر لسة حية جوانا والدليل علي كدة اني بحبك وانت بتحبيني بوحشك وبتوحشيني. بتمني أقضي معاكي كل لحظة في عمري اللي باقي وده عندي ملوش غير حل واحد بس. الجواز.
مش هينفع يامصطفي. جواز ايه بعد العمر ده كله؟ الولاد هيقولوا ان احنا اتجننا.

الحب والجواز ملهمش عمر ياقمر ولا بيتقاسوا بسن. ومعتقدش ولادنا ممكن يقفوا في طريق سعادتنا لو عرفوا ان احنا بنحب بعض و عايزين نتجوز. تعرفي أنا متأكد انهم حاسين ومعندهمش مانع. وحاسس كمان انك بتتحججي بيهم وانك مش عايزة تكرري تجربة الجواز. يمكن لسة خايفة وده جارحني من جوة.
يامصطفي أنا...

قاطعها قائلا: مش هسمع تاني أعذار ياقمر، قدامك فرصة يومين تفكري فيهم وتبلغيني بقرارك النهائي لاني مبقتش قادر أتحمل وضعنا ده، لو حابة تخوضي التجربة معايا ونعيش فرصتنا التانية في الحياة فانت كدة هتحققيلي حلم غالي قوي عليا وتسعديني بجد ولو مسمعتش منك خبر فده هعتبره رفض منك ووقتها مش هقعد في القاهرة لحظة واحدة، هسافر ياقمر ومش هرجع تاني هنا، لان وجودي جنبك بالشكل ده بيوجع قوي وانا مبقتش حمل وجع.

نهض فقالت قمر بحزن: رايح فين؟
مروح. قلتلك وجودي جنبك من غير أمل بيوجعني ياقمر، قدامك يومين. ياريت وقتها يكون قرارك في صالحي ومتضيعيش اللي باقي من عمرنا عشان أوهام في دماغك وبس.
ألقي عليها نظرة أخيرة ملتاعة قبل ان يبتعد تتابعه بعينيها بحزن. تتساءل بقلب ملتاع. هل تستسلم لقلبها أم ترفض خشية كلام الناس وتأثيره علي أبنائها وربما فراقهم عنها بسببه؟ حقا لا تدري ماذا تفعل؟

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة