قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية انشق قلب القمر للكاتبة شاهندة الفصل الأول

رواية انشق قلب القمر للكاتبة شاهندة الفصل الأول

رواية انشق قلب القمر للكاتبة شاهندة الفصل الأول

الفصل الأول
آمنت قمر هذه السيدة الطيبة التي تشق طريقها بهمة إلى مرادها أن كل صباح هو ميلاد جديد ينبثق فيه الأمل مع إشراقة شمسه، تستيقظ باكرا فتستمتع بهواءه المنعش وتطرب روحها بصوت العصافير، تنظر إلى إبداع الخالق فتمتلئ نفسها بالأماني، تثق أنها ربما تنالها في هذا اليوم وإن مر ولم تحقق فيها شيء من أمنياتها لا تحزن بل تدعهم في جوفها وتنتظر إشراقة شمس جديدة لتفعل.

رفعت قمر كم عبائتها تمسح عنها عرق جبينها، ترتسم إبتسامة ارتياح علي شفتيها ومرأي عربة أم إبراهيم تلوح أمامها، لقد مرت علي العديد من المحلات التي تبيع الفول والفلافل ولكنها تركتهم جميعا من أجل أن تشتري من هذه السيدة التي تشبع الروح قبل المعدة بطيبة قلبها وحلاوة لسانها وجمال ماتقدمه من طعام نظيف شهي وسعره مناسب للجميع حتى أن العشرات من الموظفين والطلاب يتوافدون عليها تاركين المحلات المجاورة، تماما مثلما تفعل قمر.

وصلت قمر إلى العربة فلمحتها أم إبراهيم التي ابتسمت علي الفور، تتجاهل كل الزبائن قائلة: صباح الفل ياست قمر. أجيبلك زي كل يوم.
هزت قمر رأسها قائلة بإبتسامة: أيوة ياأم إبراهيم، صباح الهنا علي عيونك.

اتسعت ابتسامة أم إبراهيم وهي تسرع بتحضير ماتريده هذه السيدة التي تشتهر بين الجميع بطيبة قلبها وكرم أخلاقها، ناولتها الطعام بينما نقدتها قمر المال بابتسامة واسعة ثم غادرت بسرعة تجاه منزلها تتبعها عيون أم إبراهيم تهمس قائلة: ست بميت راجل زيك ياإحسان، ربنا يصلح حالي وحالك ياست قمر.
لتعود بعينيها إلى زبائنها تتلقي طلباتهم بذات الابتسامة البشوشة التي كانت سر من أسرار تميزها وإقبال الزبائن عليها.

في منزل جميل يزين الحي، وفي شقة واسعة الجنبات كثيرة الحجرات مرتبة وأنيقة وقفت قمر تضع علي طاولة الطعام كل ماجلبته قبل أن تتنهد وهي ترفع عيناها وتجول علي جنبات منزلها الهادئ.
المنزل هو مكان القلب، فيه يسكن أحبتنا، عائلتنا الصغيرة التي تكبر مع مرور الأيام، المنزل هو المكان الوحيد الذي لا نشعر فيه بالخوف خاصة في زمن ضاع فيه الأمان وأصبح تراق علي جوانبه الدماء.

اتجهت بخطواتها تجاه حجرة ابنها، فتحت باب الحجرة فسعلت بقوة لتسرع علي الفور إلى النافذة تفتحها علي مصراعيها، تململ النائم بإنزعاج وهو يضع ذراعه علي عيناه قائلا: اقفلوا الشباك عايز أنام.
قالت قمر من خلال أنفاسها اللاهثة: أقفل الشباك إيه بس يارياض؟ ده أنا هتخنق ياابني من ريحة السجاير. انت شربت كام علبة؟
يوووه ياماما بقي، الله يرضي عنك بلاش موال كل يوم، أقولك سيبيني أنام دلوقت ولما أصحي ابقي سمعيهولي.

سحب الغطاء عليه ليداري وجهه فذهبت قمر إليه تسحب الغطاء عنه قائلة بحنق: قوم يارياض الفطار جاهز وباباك دقايق وهيقعد يفطر ومش عايزة أسمعلي كلمتين ملهمش لازمة بسببك. يلا ياحبيبي ربنا يهديك.
طالعها بنفاذ صبر فربتت علي صدره ثم غادرت الحجرة، زفر بقوة قبل أن ينهض ويذهب ليغلق النافذة قائلا بحنق: يعني عايزاني أقوم أفطر عشان أسمع أنا الكلمتين دول، لا ياستي. آسف. بناقص خالص.

لينام علي السرير ويسحب الغطاء مردفا: النوم أحسن طبعا.
يعني مش شايف ابنك قاعد معانا يفطر ياست قمر، انت مش بتقولي صحتيه؟
والله صحيته ياعزيز بس الظاهر نام تاني، أصله كان سهران طول الليل.
قال عزيز بسخرية: والباشا كان سهران يعمل إيه؟ يعد النجوم ولا بيفكر في شغله اللي آخد منه أجازة؟
أستغفر الله العظيم. ابتدينا.

همست بهذه الجملة بحنق ابنتهما الصغري غادة قبل أن تحمل أجندة محاضراتها وتنهض فطالعها والدها بحنق قائلا: رايحة فين انت كمان؟ كملي فطارك.
طالعته ببرود قائلة: نفسي إتسدت. أسيبكم بقي تتخانقوا براحتكم. سلام.
غادرت بخطوات سريعة لينظر عزيز إثرها في صدمة قبل أن يلتفت إلى قمر التي شحب لونها قائلا بغضب: شايفة بنتك ياست قمر؟ شايفة تربيتك؟

أسرعت قمر تقول: معلش ياعزيز. حقك عليا. أنا مش عارفة بس إيه اللي جري لرياض وغادة؟
اللي جرالهم دلعك فيهم، بوظهم ياهانم وآدي النتيجة قدامك. واحد طلق مراته وقاعدلنا في البيت لا شغلة ولا مشغلة والتانية أهي بتفرغ عينها مني وبتزعق قدامي.

وهل أنا من فعلت هذا؟ أم أنها قسوة نشأوا عليها في كنفك؟ لقد ترعرعت يازوجي علي يد أب ظالم لذا أتفهم كم عانيت في صغرك ولكن كان من الأولي ألا تمارس الظلم علي عائلتك. لقد جعلتهم يخشونك ويشاركوني سجن بلا جدران، يشاركوني فقط الخوف من جلاد لا يرحم.
انتفضت علي طرقة قوية غاضبة من قبضة عزيز ليد كرسيه المتحرك وهو يقول بحدة: هو أنا مش بكلمك؟ مبترديش عليا ليه؟ اتخرستي ولا اتشليتي؟

اغروقت عيناها بالدموع قائلة بحزن: لا اتخرست ولا اتشليت، انا بس مش عارفة أقولك إيه؟ هسألك يمكن سؤال واحد وطالبة من ضميرك يجاوبني. أنا قصرت في إيه؟ بتقول تربيتي. ماشي. ربيتهم علي ايه؟ علي الصلاة والصيام وحق ربنا اللي لازم يكون قدامهم قبل أي حاجة. ربيتهم علي ان الدنيا رحلة قصيرة وآخرتهم هي اللي هتفضلهم. ربيتهم علي حب الغير واحترام الكبير. غلط في ايه قولي؟ ذنبي ايه ان ابنك خان مراته ورجعت شقتها لقت واحدة تانية في سريرها؟ ده انا مرضيتش بالظلم لواحدة مش من دمي. لما طلبت الطلاق مقدرتش حتى أقولها سامحيه وكملي لاني عارفة ابنك ممكن يغلط تاني وتالت، لا غلطته ذنبها ولا ذنبي دي غلطته هو وهو اللي كان لازم يتحمل عقابها لإنه مش صغير وعارف الصح من الغلط والحلال من الحرام. أما بنتك فشافت زي ما شافوا ولادك، قسوة واهانة علي أقل غلطة ممكن يعملوها طول عمرهم وحتى لما كبروا واتجوزوا لسة شايفهم صغيرين ولازم يتهانوا ويتهزأو قدام أي حد وفي أي وقت، شافوا كل يوم والتاني خناق ما بينا من مفيش.

شافوا كمان معاملتك ليا واستهانتك بيا، شافوا ضرب وإهانة مستاهلهاش علي حاجات تافهة، أمهم بتتهزق وبتترمي برة الشقة وتقعد علي السلم تبكي عشان قللت ملح في طبق ملوخية أو زودته شوية. منتظر منهم بعد ده كله إيه؟ خليني ساكتة ياعزيز الله يرضي عنك لإني شايلة في قلبي كتير والقلب خلاص تعب من قلة التقدير. تعب من شيل الهم والنكد اللي حط سنين فوق سنين عمري.

كان عزيز يقبض علي يدي كرسيه بقوة يطالعها بعيون اتقدت شرارة بينما تخرج ما في قلبها أمامه ليقول ما ان أنهت كلماتها: الكرسي اللي قعدت عليه هو اللي خلاكم تستقلوا بيا وكل واحد فيكم يسمعني كلمتين ملهمش لازمة. مش كدة؟
اتسعت عيناها قائلة بسرعة: لا ياعزيز...

قاطعها قائلا بحدة وهو يضرب قبضة كرسيه بقوة: متفكريش ان الكرسي ده ممكن يمنعني عنك؟ لمي نفسك ياقمر انت وولادك ولا عشان في لحظة ضعف كتبتلك كل حاجة بإسمك عشان تقدري تمشي أمور البيت. لا. ده أنا في ثانية أجبرك ترجعيلي كل حاجة ووقتها هظبطكم من تاني.
ياعزير مقصدش حرام عليك متظلمنيش.

تجاهلها وهو يقول بغضب: أوعوا تفكروا اني بقيت ضعيف. لأ. ده انا عزيز السكري. اللي كان موقف القسم كله علي رجل. أنا الرائد اللي كانت شبرا كلها بتعمله حساب. فوقوا كدة ياإما والله أطربق البيت علي دماغكم. مفهوم؟

انتابه سعال فجأة فأسرعت قمر إلى حجرة نومهما تسحب شريط دوائه وتسرع إليه من جديد، تمنحه حبة منه وكوب من الماء قائلة: اهدي بس ياعزيز والله ماكنت أقصد أزعلك. أنا بس فضفضت معاك شوية، حقك عليا ياأخويا. متزعلش مني أنا غلطانة.

هدأ سعال عزيز وبدأ لونه الطبيعي يعود إلى وجه الذي كان محتقنا بشدة، ليطالعها بحنق ثم يستدير بكرسيه تجاه حجرته دون كلمة، لتنظر في إثره بحزن قبل أن تهز رأسها بألم، تدرك أن الحديث معه بلا طائل وأنه لن يقر بأخطاءه أبدا، سيظل ينظر إليها علي أنها الفتاة الصغيرة التي تزوجها ليشكلها كما يشاء ويحركها كيف يشاء ويهينها متي يشاء دون اعتراض منها، لذا فلتصمت وتكمل حياتها كما اعتادتها، تصبر وتحتسب صبرها عند الله. فقط من أجل أولادها.

صباح الخير ياأمي.
قال كرم هذه العبارة بإبتسامة بشوش حين رأي وجه أمه عبر شاشة اللاب توب خاصته، فابتسمت قمر بحنان قائلة: صباح الهنا ياحبيبي، عامل إيه دلوقتي؟
مسح أنفه بالمنديل قائلا: زي ماانت شايفة، البرد صحيح خف شوية بس لسة الترشيح وشوية وجع في العضم.
ياحبيبي ياابني، ألف سلامة عليك. ربنا يشفيك ويعافيك. ياريتك جنبي. كنت هبقي مطمنة عليك أكتر.

آه والله ياأمي شوية شوربة من ايديكي تقويني وتخليني زي الحصان. عموما إحنا فيها، تعاليلي ياأمي ده حتى باريس بينها وبين مصر فردة كعب.
بقي أنا اللي آجيلك ياكرم، تعالي انت ياحبيبي خليني آخدك في حضني، ده انت بقالك أكتر من سنتين هناك منزلتش مصر، انت مش كنت قلت هتنزل أجازة.
ها. آه والله نفسي بس انت عارفة اني ماسك مكتب والد جيهان في باريس وعشان أثبتله إني قدها لازم أتعب شوية في الأول وأضحي حبتين.

بتضحي عشان شغلك بحاجات كتير ياابني. أولها دفا العيلة ووجودك مابين باباك ومامتك واخواتك.
قال بمرح مفتعل: وهي دي عيلة أساسا.
نهرته قائلة: ولد.
ابتسم قائلا: خلاص ياستي متزعليش هانت وأنزل أجازة مخصوص عشان خاطرك ياست الكل.
ابتسمت قائلة: وحشتني ياكرم ووحشني هزارك البايخ.
انت كمان وحشتيني. كلكم والله وحشتوني. أخبار إخواتي إيه؟

تنهدت قمر قائلة: مفيش جديد. هيام مرات أخوك حامل زي ماانت عارف ومالك حبيبي مبيسيبهاش، آخد أجازة من الشغل وقاعد معاها ليل ونهار بيراعيها لإن الحمل لسة في بدايته وتاعبها. ورياض من يوم ماطلق حنان وهو مقضيها من الشغل للسهر مع صحابه وشرب السجاير اللي هتضيع صحته، غلبت معاه عشان يبطلها أو يخفها حتى بس مفيش فايدة. ربنا يهديه، أختك ميسون بقي رجعت من شهر العسل مع جوزها وليد وروحنالهم الفيلا اللي ساكنة فيها مع حماتها وحماها، والله ياابني لولا حب وليد ليها وحبها ليه ماكنت قبلت تعيش مع حماتها، ست صعبة قوي وبتكلمنا من طرف مناخيرها. يلا ربنا يهديها هي كمان، أما غادة فالسنة دي آخر سنة ليها في كلية الإعلام ولو جابت تقدير زي كل سنة يبقي هتتعين معيدة زي ما كانت عايزة...

عطسة قوية من كرم قطعت حديثها لتقول بقلق: انت شكلك لسة تعبان ياكرم، فين جيهان تعملك كوباية جنزبيل باللمون تريح صدرك ده شوية؟
ها. جيهان. مش هينفع، أصلها مش هنا.
عقدت قمر حاجبيها قائلة: مش هنا يعني ايه؟
زهقت من قعدة البيت فنزلت تقعد مع صاحباتها في كافيه قريب من البيت.
اتسعت عينا قمر بصدمة لتضع يدها علي صدرها قائلة: ياحبيبي ياابني، سابتك عيان ونزلت تقعد مع صاحباتها؟ بقي ده اسمه كلام برضه؟

ماقلتلك ياماما أنا بقيت كويس متقلقيش عليا، سيبك مني وقوليلي عاملة ايه مع بابا؟
استطاع بالفعل إلهائها عن أفعال زوجته التي لا تعجب والدته هذه التي كرست حياتها من أجل زوجها وأولادها فكيف لها أن تتفهم أن الزوجات في هذه الأيام قد تهتم بشيء عدا الزوج والأطفال؟

افاق علي صوتها وهي تقول بعتاب: احنا كويسين بس أنا بعتب عليك ياكرم، اتصل بيه ياحبيبي واتطمن عليه بنفسك، متخليش زعلك منه قبل ماتسافر يخليك تقصر في حقه، باباك زعلان من جواه بس مابيتكلمش، مستني منك أكيد مكالمة علي الأقل تتطمن فيها عليه، خصوصا في حالته دي.

قال كرم بملامح خالية: مش هينفع دلوقت ياماما، أنا لسة مش قادر أسامحه علي اللي عمله فيا قدام جيهان، لما أحس إني نسيت اللي حصل منه وقتها بس هقدر أتكلم معاه.
ياابني عشان خاطري...
قاطعها قائلا: عشان خاطري انت متضغطيش عليا. أنا هقفل دلوقت عشان محتاج أرتاح وهكلمك بعدين. سلام.

أغلق الاتصال فتنهدت وهي تغلق اللاب توب خاصتها، تدرك تهربه منها، تعلم أنه مازال غاضبا من أباه لصفعه إياه أمام زوجته ولكنها أملت أن تجد في قلبه غفرانا، لتعود وتتساءل. كيف تبحث عن الغفران لوالد قاس أذاق أولاده المر طوال حياتهم، زرع فيهم القسوة وعاملهم بلا رحمة فبات يحصده نفورا وكرها بينما تقف هي في المنتصف عاجزة عن تقبل مايحدث، تأمل يوما في أن ينتصر مازرعته فيهم علي كل شيء رغم أن مايحدث في الفترة الأخيرة يشعرها بصعوبة ذلك. وربما استحالته أيضا.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة