قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية امرأة وخمسة رجال للكاتبة شاهندة الفصل السادس والعشرون

رواية امرأة وخمسة رجال للكاتبة شاهندة بجميع فصولها

رواية امرأة وخمسة رجال للكاتبة شاهندة الفصل السادس والعشرون

رفع عزت ياقة معطفه يخفى بها ملامح وجهه.. وهو يمشى فى الطرقات بسرعة.. يتلفت حوله بحذر.. ليتأكد من خلو تلك الطرقات من المارة فى هذا الوقت المبكر.. فهو لايخرج لجلب الأشياء الضرورية التى يحتاجها سوى فى هذا الوقت.. حتى لا يتعرف عليه أحد بعد أن نشرت له صورة من قبل السلطات فى الجرائد ومن قبل عم صافى والذى عرض مكافأة مالية كبيرة لمن يتعرف عليه.. تبا.. لقد فقد حريته..

تلك الحرية الغالية والتى لطالما تشدق بها.. ولكن مهلا.. أيام قليلة تفصله عن حصوله على تلك الحرية والهروب من تلك البلد ليذهب إلى أي بلد أوروبية يتمتع فيها بما سرقه من تلك الحيزبونة صافى.. أو ربما عاد لباريس.. فقط ينتظر مكالمة من صديقه الذى سيقوم بتهريبه ليتحرر من جديد.. إقترب من هذا الكشك لبيع الجرائد ثم أمسك إحدى الجرائد الوطنية ومنح الرجل حقها بسرعة ثم ذهب.. توقف فجأة وهو يلمح صورة وليد فى الجريدة..

مكتوب بأسفلها (القبض على رجل أعمال شهير بتهمة التهريب ومنح رشاوى لتسهيل أعماله الغير مشروعة).. عقد حاجبيه بغضب.. تبا.. لقد كان وليد داعمه فى سجنه ومؤنسه والآن قد ذهب بلا عودة فماذا تراه فاعلا؟.. عبر الطريق فجأة فلم ينتبه لذلك الزمور الذى إنطلق من لا مكان.. وقبل أن يستوعب ما يحدث.. وجد نفسه يرفع من على الأرض ثم يسقط ليشعر بالألم قبل أن تسود الدنيا من حوله ويلفه الظلام.

نظر إسماعيل إلى سعاد التى تجلس على السرير فى حجرتها تبكى فى صمت ليقول فى حدة:
يعنى برده مش عايزة تخرجى للناس برة وتقفى جنب بنتك فى يوم زي ده؟
نظرت إليه سعاد فى ألم قائلة:
إنت عايزنى أقوم وأهنى بنتى على إيه؟.. ها.. على إنها خطفت عريس أختها منها؟

قال إسماعيل فى ضجر:
إحنا مش هنخلص من الموال ده بقى.. أختها دى فين دلوقتى؟ مش ماتت وشبعت موت.. نحكم بقى على المسكينة اللى عايشة دى بقلة الفرح طول عمرها.. ومنسيبهاش تتهنى بعريسها.
قالت سعاد بدموع تمزق نياط القلب:
بنتى مماتتش.. تمارا مماتتش.. قلبى حاسس إنها لسة عايشة.
قال إسماعيل:
ولما هي عايشة مرجعتش البيت ليه ياهانم؟

نظرت إليه سعاد فى عتاب مرير قائلة:
ترجع لمين؟ للى ظلموها وجرحوا فيها.. وحسسوها إنها الجانية مش الضحية.. وبعدين ياإسماعيل مش ده العريس اللى كنت رافضه ومش طايقه؟.. فجأة كدة بقى كويس ومناسب لريم.. مش ده الراجل اللى إتخلى عن تمارا بدون شفقة ولا ضمير.. دلوقتى بقى عريس لقطة ومفيهوش غلطة؟

قال إسماعيل فى حدة:
آه.. عريس لقطة.. راجل كسيب وزي الفل وإن كنت مش طايقه زمان فعشان كنت مستخسره فى تمارا.. لكن ريم.. بنتى حبيبتى.. تستاهل كل خير.. أقولك.. متخرجيش.. بناقص سحنتك المقلوبة دى واللى هتخرجى بيها للناس تنكدى عليهم.. ومعطلكيش بقى أصلى إتأخرت ع الناس اللى برة..
ثم تركها مغادرا لتنظر فى إثره بإنكسار قائلة:
روح ياشيخ.. منك لله.

قال عامر بإبتسامة ملأت وجهه:
تسلم إيدك يامدام ميار.. من زمان مأكلتش أكل بيتى بالطعامة دى.
إبتسمت قائلة:
مبسوطة إنه عجبك ياباشمهندس.
ثم نظرت إليه بتردد ليدرك أن بداخلها شيئا تود أن تسأل عنه ليستحثها قائلا:
لو فيه حاجة حابة تسألى عنها فأنا مستعد أجاوبك على كل أسئلتك.
زفرت قائلة:
فيه حاجات.

قال عامر بإبتسامة:
زي... ؟
نظرت مباشرة إلى عينيه قائلة:
زي لإمتى هقعد هنا؟
أحس بالألم فى قلبه وهو يدرك انها تريد الرحيل والإبتعاد عنه.. هل ملت منه حقا؟.. ليقول بهدوء:
خلاص هانت.. المفروض إن وليد اتقبض عليه بس عشان الأمان هنستنى لما يتحكم عليه قبل ما ترجعى لأهلك.
قالت بألم:
مكنتش حابة إنى أشوف نهايته كدة.. بس مع الأسف أفعاله هي اللى وصلته للى هو فيه دلوقتى.
سألها بقلب يرتجف:
لسة بتحبيه؟

نظرت إلى عينيه.. تدرك من دقات قلبها التى تخفق بقوة فى وجوده أنها ماأحبت وليد قط.. لتهز رأسها نافية وهي تقول:
عمرى ما حبيته.. بس رضيت بالقسمة والنصيب.. محستش أبدا معاه إنى ست ممكن تتحب أو تكون مرغوبة.. كنت دايما بحس إنه مغصوب علية.. ولما إتأكدت.. كان فات الأوان.. لكن موضوع البيبى اللى نزل وتمارا وشغله المشبوه خلونى آخد قرار نهائى ومش ممكن أندم عليه فى يوم من الأيام.

شعر عامر بقلبه ترتاح خفقاته لكلماتها.. ولكنه كان يلعن فى كل لحظة ذلك الغبي الذى ترك تلك الجوهرة تفلت من يده فلو كانت معه لأصقلها وجعلها تضوى وتنير بضيها كل مكان.. أفاق على صوتها وهي تسأله بتردد:
وإنت؟
نظر إليها فى حيرة قائلا:
أنا إيه؟
قالت بإرتباك:
ليه.. يعنى ما إتجوزتش لحد دلوقتى؟وليه البيت هنا فى حتة بعيدة عن العمران؟

قال بهدوء وهو يتراجع فى مقعده:
متجوزتش لإنى ملقتش الإنسانة اللى تخطفنى.
نظرت إليه بدهشة ليستطرد قائلا:
متستغربيش.. أنا فعلا كنت مستنيها تخطفنى.. تطير النوم من عينى.. أبقى متأكد إنها اتخلقت لية بس وأنا اتخلقت ليها.
قالت ميار فى نفسها.. محظوظة من ستجعلك تشعر بكل ذلك.. لتنتبه لكلماته وتقول بحيرة:
كنت؟

اعتدل قائلا بإرتباك:
قصدى يعنى.. كنت ومازلت..
ليستطرد مغيرا مجرى الحديث كي لا تكتشف أنه يقصد فعلا بأنه كان ينتظر من تخطف مشاعره ولكنه الآن توقف عن الانتظار وقد وجدها.. متمثلة فى شخصها هي.. قائلا بهدوء:
أما بقى ليه البيت متطرف فده لإنى بحب الهدوء بطبيعتى ولما بحس إنى إتخنقت من زحمة العمران بتلاقينى باجى هنا علطول.. أقضى كام يوم الأجازة وبعدين أرجع لشغلى من تانى.

أومأت برأسها فى هدوء توافقه.. ثم نهضت لتأخذ طبقها إلى الحوض لتغسله.. لتتلبك وتندفع إلى الأمام ولكن قبل أن تسقط وجدت يد تحيط بخصرها تمنعها من السقوط وتضمها لتستند على صدر صلب أحست بخفقات قلبه تدوى فى ظهرها لتغمض عينيها للحظة تدرك أنها فى حضنه الآن تستمتع بهذا الشعور الرائع والذى منحها إياه قربه بينما إستنشق هو عبيرها وهو يشعر بدقات قلبه تنطق بكل كلمات الحب وهي الآن بين ذراعيه.. ليفيق من مشاعره وهو يدرك مجددا أن وجودها بين ذراعيه خطأ كبير . ليتركها على الفور مبتعدا خطوة إلى الوراء وهو يقول:
إنتى كويسة؟

اومأت برأسها بصمت دون أن تلتفت إليه ثم وضعت طبقها فى الحوض بهدوء قائلة:
أنا.. هطلع أرتاح فى أوضتى.. عن إذنك.
قال على مضض:
اتفضلى.
تابع ذهابها بعينيه.. يدرك خجلها منه ويدرك أيضا أنه يقع أسيرا لعشقها...وبقوة.

دلفت وفاء من الباب لترى ماجد جالسا بجوار ريم، تبدو فرحته جلية على ملامحه، لتشعر بالغيظ والحقد يملأ قلبها.. ظهر فى عينيها التصميم وهي تتجه بخطوات هادئة بإتجاههما.. وقفت أمامهما تماما تطالعهما.. ليشعر ماجد بالإرتباك.. ولكنها رسمت على وجهها إبتسامة ساخرة وهي تمد يدها قائلة:
مبروك ياعريس.

مد يده إليها يسلم عليها بهدوء قائلا:
الله يبارك فيكى ياوفاء.
تركت يده لتمدها إلى ريم قائلة:
مبروك ياعروسة.. وعقبال الليلة الكبيرة.
قالت ريم بإبتسامة باردة:
ميرسى ياوفاء.. عقبالك.

اقتربت وفاء من ريم وهي تميل عليها قائلة:
ما خلاص بقى.. عريسى راح.. بح.. والله وطلعتى شاطرة وقدرتى تاخديه منى ياريم.. بس الشاطر بجد اللى هيضحك فى الآخر ياحلوة.
ثم تركت يدها وهي تلقى عليهم نظرة أخيرة.. قبل أن تتجه للخارج مغادرة بهدوء.. تتابعها أربعة عيون متوجسة.

خرجت سهام من الحجرة لينهض حامد على الفور ويسألها قائلا فى قلق:
منيرة أخبارها إيه دلوقت؟
قالت سهام من وسط دموعها:
زي ماهي يا حامد.. مبتتكلمش.. ياحبيبتى ياأختى.. من ساعة ماسمعت الخبر.. وهي طبت ساكتة.. ومن ساعة ما فاقت لا قادرة تحرك رجليها ولا قادرة تتكلم..
ربت حامد على كتفها قائلا:
معلش ياسهام.. الموضوع برده مكنش سهل عليها.. ده ابنها الوحيد واللى روحها فيه.. فى يوم وليلة متلاقيهوش جنبها.. يترمى فى السجن زي المجرمين واحتمال كمان يقضى عمره كله فيه.

اومأت سهام برأسها موافقة.. ثم سألته قائلة:
مفيش خبر عن ميار؟
هز حامد رأسه نفيا وهو يقول:
لأ.. بس انا متأكد إنها بخير.. تعرفى.. أنا حاسس كمان إنها ورا البلاغ اللى اتقدم فى وليد.
هزت سهام رأسها قائلة:
وأنا كمان.. هو إذاها كتير ربنا يسامحه وأكيد أذاها أكتر عشان تقوم بخطوة زي دى.
قال حامد:
هي مقالتلكيش حاجة؟

هزت سهام رأسها نفيا قائلة:
لأ.. انت عارف بنتك كتومة أد إيه.
هز حامد رأسه موافقا لتقول سهام:
طب عملت إيه فى الشغل؟
قال حامد:
روحت الشركة وظبطت الدنيا قبل ما آجى.. مفاضلش غير نطمن على ميار ومنيرة تتحسن وكل شئ يبقى تمام.
قالت سهام فى رجاء:
ربنا يطمنا عليهم ياحامد.
قالت حامد:
ياااارب.. ياسهام يارب.

استيقظ ريان على صوت أنين خافت.. فتح عينيه ليجد أن مصدر الأنين هي تمار التى تتململ فى نومتها.. نهض على الفور متجها إليها شاعرا بقلق يغمر كيانه.. خشية ان يكون هناك وجعا ألم بها ولهذا يصدر منها ذلك الأنين المكتوم.. أصبح قبالتها ليراها مغمضة العينين.. يغرق العرق جبينها.. تعقد حاجبيها بشدة مصدرة ذلك الأنين.. نادى عليها فلم تجيبه.. ولم تفتح عينيها.. أدرك انها تحلم بكابوسا ليميل عليها يهزها برفق قائلا:
تمارا.

لم تستجيب له ولكن إزدادت إنعقادة حاجبيها وزادت حدة أنينها.. ليهزها بقوة أكبر مناديا بإسمها لتفتح عينيها على إتساعهما ليظهر الفزع فيهم وهي تمسك بالغطاء ترفعه حتى رقبتها منكمشة برعب.. ابتعد ريان عنها على الفور وهو يقول بسرعة:
تمارا اهدى.. أنا ريان.

حدقت به لثوان ومازالت ملامحها فزعة ثم بدأت بالهدوء رويدا رويدا لتترك الغطاء الذى تتمسك به وتعتدل جالسة.. بدأت تبكى فجأة.. فتركها تفرغ مشاعرها المكبوتة يدرك ان كابوسها متعلقا بحادثها الأليم فمنذ الصباح ومنذ أن رأت الجريدة وهي فى حالة غريبة من جمود الملامح والمشاعر.. حتى الآن.. مزق بكائها نياط قلبه.. كاد أن يقترب منها مواسيا ولكنه خشي من ردة فعلها أو ان يزيد الأمر سوءا.. ليقف مراقبا إياها فى ألم حتى بدأ بكاءها يتحول لشهقات صغيرة ما لبثت أن سكنت تماما.. اقترب منها الآن قائلا بصوت خافت:
إنتى كويسة؟

اومأت برأسها بصمت وهي تمد يدها تمسح دموعها.. ليجلس بجوارها على السرير قائلا:
كنتى بتحلمى بيهم؟
أومأت برأسها مجددا وهي تطرق برأسها قائلة:
نفس الكابوس.. الحادثة بكل تفاصيلها.. قبل ما آجى عندك المستشفى.. كنت كل يوم بشوف الكابوس ده.. مكنش بيفارقنى.. و من بعد ما جيت عندك البيت هنا.. مبقتش أشوفه خالص.. بس النهاردة.. النهاردة بشوفه من جديد.. والألم بحسه من جديد.. أنا تعبانة أوى ياريان.. تعبانة.

مد يده يربت على يديها المتشابكتين بقوة فى حجرها قائلا:
شئ طبيعى ياتمارا.. ألمك وكوابيسك.. شئ طبيعى.. مش معنى انهم إختفوا لفترة يبقى راحوا.. اللى حصلك مش حاجة سهلة.. أكيد هتعيش معاكى فترة.. بس فى الآخر ومع الأيام هتكونى أحسن.. وأنا جنبك لغاية ده مايحصل وده وعد منى.
نظرت إلى يده الموضوعة على يديها لتتمسك بها وهي تنظر إليه بإمتنان.. إبتسم قائلا لها:
حاولى بقى تنامى وبكرة الصبح هتكونى أحسن..

أومات برأسها لينهض ولكن يدها تمسكت بيده تمنعه لينظر إليها بحيرة فقالت بنبرات خجولة:
ممكن متسيبنيش؟
عقد حاجبيه وقد ازدادت حيرته.. هل تقصد ما فهمه من كلماتها؟.. لتومئ برأسها وقد قرأت عينيه قائلة:
أيوة محتاجالك جنبى.. ضمنى عايزة أحس بالأمان ياريان.. عارفة إنى بطلب حاجة كبيرة منك بس غصب عنى والله.

همس ريان لنفسه.. (تطلبين شيئا كبيرا؟إنك تحققين لى حلما).. ليتمدد على السرير بجوارها ثم يمد يده يسحبها إلى صدره.. يضمها بيده ويحتويها داخل أضلعه فلم تعترض.. أخفت وجهها فى صدره.. تستمع إلى دقات قلبه وتستنشق رائحته وهي تغمض عينيها لتغرق فى سبات عميق على الفور.. أدرك انها نامت من أنفاسها المنتظمة.. ليضمها إليه أكثر وهو يمرر يده على خصلات شعرها الناعمة يترك نفسه لهذا الشعور الرائع بالحياة والذى لم يشعر به سوى الآن... وهي بين ذراعيه..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة