قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية امرأة وخمسة رجال للكاتبة شاهندة الفصل الرابع عشر

رواية امرأة وخمسة رجال للكاتبة شاهندة بجميع فصولها

رواية امرأة وخمسة رجال للكاتبة شاهندة الفصل الرابع عشر

طرق ريان الباب بتردد.. يلعن قلبه الذى جعله يترك الفراش بعد ان كان نائما بجانب صغيرته تاركا الحجرة فى هذا الصباح الباكر ليطمئن فقط عليها.. ضاربا بعرض الحائط كل قسم أقسمه البارحة بأن يدعها وشأنها.. أن يطوى صفحتها لتصبح ذكرى.. أن يبتعد عن حجرتها ولا يقربها فيجب ان يعتاد بعدها.. ليجد نفسه عند انفلاج عينيه بالصباح يسرع إليها ليراها فقط.. يطمئن أنها بخير بعد مواجهتها البارحة.. ثم يغادرها بلا رجعة..

استمع إلى صوتها تسمح للطارق بالدخول ليدلف ويتسمر فى مكانه من الصدمة .. فهناك كانت تجلس على الكرسي الذى اعتاد هو الجلوس عليه عندما كان يزورها..  مرتدية فستانا بسيطا للغاية وقد سرحت شعرها ولملمته على جنب واحد .. وكانت تكتب شيئا ما فى ورقة ولكنها انتبهت إليه فتركت القلم وقد ظهر عليها الإرتباك.. تخلص من صدمته بسرعة وهو يقترب منها بخطوات متمهلة يحاصرها بعينيه.. بينما ابتلعت ريقها بصعوبة وهي تنهض ببطئ لتواجهه.

تأمل ملامحها .. ملامح غزل التى تجسدت أمامه الآن.. فملابسها وتسريحتها ونظرتها الآن ماثلت محبوبته تماما..  ليقول بصوت وجده بصعوبة:
انتى جبتى اللبس ده منين؟
قالت بصوت مرتبك وهي تمسد فستانها:
الفستان ده.. ده.. طلبته من الممرضة ميرفت.. وهي كتر خيرها جابتهولى.

أومأ برأسه متفهما وهو يقول:
خلاص ماشية .. مش كدة؟
اومأت برأسها قائلة:
أيوة.
قال فى مرارة:
يعنى كنتى ماشية من غير ما تودعينى؟

رفعت يدها تظهر تلك الورقة بها قائلة بابتسامة باهتة:
كنت بكتبلك كلمة وداع .. متوقعتش أشوفك بدرى كدة.
قال وقد أحس بغصة اجتاحت قلبه:
طب كنتى استنيتى لما أجيلك قبل ما تقررى تمشى.

هزت كتفيها قائلة فى مرارة وقد بدأت عيونها تلمع بالدموع:
احنا اتفقنا من انبارح انى خلاص لازم أمشى.. وبصراحة انا كنت حابة أشكرك بنفسى على كل حاجة عملتهالى.. انت الوحيد اللى وقفت جنبى بجد واديتنى أمل تانى فى الحياة.. بس أنا مبحبش لحظات الوداع.. وعشان كدة كنت همشى دلوقتى وأسيبلك شكرى فى ورقة..

قال فى ألم:
يعنى خلاص.. نويتى تمشى وتنفذى انتقامك ياتمارا..

أومأت برأسها فى تصميم قائلة:
لازم آخد بتارى من اللى دبحونى وآخد بتارى كمان من اللى ظلمونى.. مبقتش تمارا الضعيفة اللى الكل نهش فى لحمها.. أنا بقيت واحدة تانية خالص.. والمرة دى ياقاتل يامقتول.

شعر بقبضة تعتصر قلبه وهو يتخيلها تسقط صريعة فى سبيل تحقيق انتقامها.. ليقول فى لهفة ممزوجة بالقلق:
انا مستعد أساعدك.
نظرت إليه فى دهشة ليستطرد قائلا فى ارتباك:
أنا يعنى.. أعرف وليد معرفة شخصية.

قست عيناها ليسرع قائلا:
مش شخصية أوى يعنى .. أنا عملت لوالدته عملية تجميل، ومن يومها وهما بيعزمونى على أي حفلة بيعملوها وانا بصراحة دايما برفض، بس ممكن اقبل مرة وآخدك معايا وأهي فرصة تعرفيهم من قريب.

أحست بالحيرة والتردد للحظة وهي تراها خطة مناسبة.. بل أكثر من مناسبة ولكن قربها من ريان وهذا الألم الذى يحيط به من قربها حسم رأيها لتهز رأسها نفيا قائلة:
مش هينفع ياريان.. عشان أحقق انتقامى محتاجة أفضل بملامح غزل وأنا بكدة هعذبك معايا.. انت بجد إنسان عظيم لإنك حابب تساعدنى.. بس دى تضحية انا مش ممكن أقبلها أبدا..

شعر بالإعجاب بشخصيتها يجتاح كيانه.. فلم تفكر فى نفسها أو مشاعرها أو فى ما يمكن تقديمه من أجلها.. بل فكرت فى مشاعره هو.. ولكن إدراكه أيضا أنها على حق فى كل كلمة قالتها جعله يومئ برأسه موافقا على ماقالته.. فقربها منه سيكون عذابا لكليهما.. لتبتسم بضعف قائلة:
أشوف وشك بخير ياريان.

ابتسم ابتسامة باهتة وهو يقول:
أشوفك بخير ياتمارا.
تقدمت باتجاهه بخطواتها تجرها جرا.. ثم تجاوزته لتخرج من غرفتها يتبعها هو بألم.. ليفاجأوا سويا بصراخ طفلة تقول فى سعادة:
مامى.

رايحة فين ياهانم؟
قال عزت ذلك السؤال بحدة.. لتلتفت إليه صافى ناظرة إليه ببرود قائلة:
رايحة النادى ياعزت.

وضع عزت قدما فوق الأخرى وهو يقول:
مفيش مرواح النادى ومفيش خروج خالص ياصافى.
ابتسمت صافى ابتسامة ساخرة وهي تقول:
ومين بقى اللى هيمنعنى؟

أشار عزت بإصبع يده إلى صدره قائلا:
أنا.. جوزك.. عزت.
أطلقت صافى ضحكة ساخرة عالية.. ليعتدل عزت على الفور وقد عقد حاجبيه فى غضب لينهض مقتربا منها بخطوات سريعة وهو يمسك ذراعها قائلا فى حدة:
انتى الظاهر اتجننتى ياصافى.

نفضت ذراعه بقوة وهي تنظر إلى عيونه بحقد قائلة:
انت اللى الظاهر نسيت نفسك ياعزت.. نسيت انت كنت إيه وأنا خليتك إيه.. انت كنت وهتفضل ولا حاجة..  وبتليفون صغير منى أخليك ورا الشمس.. أنا لحد دلوقتى ساكتة عليك عشان العشرة اللى بينا لكن هتزودها . فقسما بالله هخرج دفاترك القديمة وانت فاهمنى كويس.. وساعتها هتروح فى ستين داهية وابقى ورينى ساعتها هتستقوى بإيه وبمين؟

عقد عزت حاجبيه قائﻻ:
انتى بتهددينى ياصافى؟
رمقته ببرود كسى ملامحها وهي تقول:
سميه زي ما تسميه ياعزت.. مش صافى اللى واحد زيك يحبسها فى أوضتها ويمنعها تخرج وفى الآخر هتعديها.. لأ.. أنا حبيت بس أديك فرصة أخيرة بس لو ضيعتها متلومش غير نفسك..

لتبتسم بسخرية قائلة:
سلام يا... عزت
ثم التفتت مغادرة.. لينظر فى إثرها بحقد قائلا:
بقى كدة.. طب مش هتلحقى تعملى حاجة ياصافى.. وان كان على حد فينا هيندم فهيكون انتى ياحبيبتى.. مش عزت اللى واحدة زيك تهدده وميعلمش عليها.. سلام يا... يا صافى.

تنحنح كمال لتسمعه علياء وتسرع بالخروج من الشقة لتجده واقفا بالخارج مطرق الرأس.. لتقول بقلق وهي ترى شحوب وجهه:
إنت كويس ياكمال؟

رفع عينيه إليها ينظر إلى ملامحها الحبيبة ليهز رأسه نفيا قائلا:
أنا مش كويس أبدا ياعلياء.. إحساس غريب واحنا بنزل خالتى عايدة القبر سيطر علية.. أد إيه الموت قريب مننا.. وأد إيه اللى بيشوف القبر ده واللى آخرتنا بتكون فيه.. ساعتها بتهون عليه الدنيا كلها.. لما شفت القبر سألت نفسى.. ياترى عملى كويس وهيبقى روضة من رياض الجنة ولا هيبقى حفرة من حفر النار؟

ربتت علياء على كتفه قائلة بسرعة:
استهدى بالله ياأخويا.. وصلى على النبى.
قال كمال فى حزن:
عليه الصلاة والسلام.

نظرت إلى عينيه قائلة فى حنان:
انت طيب ياكمال و طول عمرك آخد بالك من أهلك،واللى معاك مش ليك.. تفتكر حد زيك هيكون قبره إيه بعد عمر طويل بإذن الله غير روضة من رياض الجنة.. ولا إيه ياأخويا؟

نظر إلى عينيها لايدرى بم يجيبها.. أيقول لها أنه فعل ذنبا عظيما.. عقابه فى الدنيا شديد أما عقابه فى الآخرة فهو يخشى مجرد التفكير فيه؟أيخبرها بمصيبته فيخسرها كما خسر كل شئ.. كلا لن يخبرها.. سيتركها تظن أنه صالحا.. ويعلم الله أنه ما فعل جريمته وهو فى كامل وعيه.. ولكن هل هذا عذرا كافيا ليغفر له إثمه عند بارئه؟.. بالطبع لا.. فلم يكن من المفترض أصلا أن يمس ما حذره منه الله ورسوله.. فكل ما يغيب عقله ويجعله يتخطى حدود الله كان يجب أن يظل بعيدا عنه.. أطرق برأسه فى خجل من نفسه وربه قائلا:
انا نازل تحت أقعد مع الرجالة ياعلياء.. لو احتجتوا أي حاجة رنيلى.

قالت علياء:
ربنا يخليك لينا يارب.. وما يحرمناش منك.
إلتفت مغادرا تتبعه بعينيها لتنظر إلى السماء قائلة:
ربنا يريح قلبك زي ما انت مريحنا ياكمال ياابن عزيزة.

اندفعت طفلة جميلة الملامح إلى أحضان تمارا التى أصابتها المفاجأة بصدمة لتقول الطفلة بسعادة:
انتى جيتى من السفر عشانى؟ .. انا فرحانة اوى.. وحشتينى يامامى.. وحشتينى أد الدنيا.

فهمت تمارا ما يحدث على الفور .. لتدرك أن تلك الطفلة هي إيلين ابنة غزل.. لابد وأنها تظنها هي بسبب تلك الملامح التى تحملها والتى تخص والدتها.. نظرت إلى ريان تستنجد به فوجدته يقف متجمدا.. فعادت بنظراتها إلى الطفلة التى نظرت إلى عينيها بحب خلب لبها لتجد نفسها رغما عنها تقع فى حب تلك الطفلة الجميلة لتنزل على ركبتيها كي تصبح فى مستواها قائلة بحب:
انتى كمان وحشتينى ياإيللى.

رفعت الطفلة يدها تتلمس وجه تمارا قائلة فى عتاب:
كل الوقت ده مسافرة يامامى.. انا كتبتلك جواب أقولك فيه ترجعى عشان وحشتينى وكنت هديه لبابى عشان يبعتهولك زي جواباتى التانية بس هو مجاش .. انا استنيته كتير وبعدين وقعت من على المرجيحة واتعورت وسبت الجواب هناك.

أحس ريان بالذنب يأكل قلبه وهو يستمع إلى كلمات الصغيرة وقد بدأ يتمالك نفسه بعد صدمة لقاء إيلين بتمارا.. شبيهة أمها.. ليستمع إلى صوت تمارا الحنون وهي تقول:
بابى اتصل بية ياإيللى وأول ما قاللى على حادثتك جيت أوام.. مبقاش ليه لازمة الجواب.

عقدت إيللى حاجبيها قائلة:
انتى صوتك متغير كدة ليه يامامى؟
إرتبكت تمارا ولم تدرى بما تجيبها لينقذها ريان قائلا:
مامى هي كمان عملت حادثة ياحبيبتى وده خلى صوتها يتغير شوية صغيرين بس نفس التون بتاع صوت مامى هتلاقيه موجود.. صح؟

اومأت الصغيرة برأسها ثم نظرت إلى تمارا قائلة:
شفتى يامامى.. احنا الاتنين عملنا حادثة واتعورنا عشان كنا بعاد عن بعض.. من النهاردة مش هتسيبينى أبدا ولا هتسافرى تانى.
نهضت تمارا متمتمة بصوت خافت:
بإذن الله ياإيللى .. بإذن الله.

ليقول ريان بعتاب موجها حديثه لإيلين:
بس إنتى سايبة أوضتك وخارجة ليه منها ياإيللى .. أنا مش قلتلك متخرجيش برة أوضتك أبدا.
قالت إيلين بعتاب طفولي:
كنت بدور عليك ياسى بابى.. صحيت ملقتكش نايم جنبى.. مش انتى قلتلى برده انك هتفضل نايم جنبى لحد ما اقوم من النوم؟

ابتسم ريان قائلا بهدوء:
كنت بشوف العيانين ياقلب بابى.
ابتسمت تمارا وهي تتابع هذا الحديث.. تشعر بالدفء العائلي لأول مرة منذ زمن.. تثائبت إيلين ليقول ريان:
انتى شكلك لسة عايزة تنامى.. تعالى معايا وأنا أنيمك فى أوضتك .

تمسكت إيلين بيد تمارا قائلة:
لأ.. مامى اللى هتنيمنى .. وحشنى حضنها.. روح انت يا بابى للعيانين بتوعك وسيبلى مامى شوية.
نظر ريان إلى تمارا بارتباك لتومئ له برأسها ..  اومأ برأسه بدوره قائلا:
خلاص ادخلوا إرتاحوا شوية فى الأوضة وأنا هروح أشوف العيانين بتوعى ياست إيللى وهرجعلكم كمان شوية.

ابتسموا لتسحب إيللى يد تمارا وهي تتجه لغرفتها.. بينما يتابعهم ريان بعينيه قبل ان يهز كتفيه فى قلة حيلة.. ويذهب ليتفقد مرضاه.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة