قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية المتمردة (نساء متمردات ج1) للكاتبة منى لطفي الفصل السادس عشر

رواية المتمردة (نساء متمردات ج1) للكاتبة منى لطفي الفصل السادس عشر

رواية المتمردة (نساء متمردات ج1) للكاتبة منى لطفي الفصل السادس عشر

.

شعر ادهم بحركة خفيفة بجانب رأسه الملقى على حافة الفراش حيث قضى ليله ساهرا بجوارها رافضا الابتعاد عنها قيد أنملة ولم يكن قد أبلغ أيًّا من عائلتها او عائلته انه وجدها الى ان تستقر حالتها الصحية كي لا تجزع أمها، رفع رأسه بلهفة ليرى اصابعها وهي تتحرك ببطء فرفع نظره اليها ليرى عينيها وهما تنظران اليه بلونهما العسلي فابتسم واقترب منها قائلا بلهفة: حمدلله على سلامتك يا ريتاج، هزت رأسها هزة طفيفة وقالت بصوت ضعيف: عاوزه.

أشرب.
قال لها بلهفة حاضر.
ثم سكب بعضا من الماء في كوب وساعدها لتشرب منه رافعا اياها قليلا وبعد انتهت ابعدت رأسها فوضعها ثانية على الوسادة ووضع الكوب بجانبه ثم امسك يديها الاثنتين بيديه وقال: عامله ايه دلوقتي يا ريتاج؟
قالت وهي تهز برأسها بصوت خافت: احسن الحمدلله، قال لها: طيب ثواني انده الدكتور علشان ييجي يشوفك.

ثوان، خرج ادهم من الغرفة وقابل الممرضة التي ابلغها باستيقاظ ريتاج فسارعت لابلاغ الطبيب المعالج الذي حضر وقام بفحصها ثم قال موجها كلامه اليها وادهم: الحمد لله الجرح زي الفل بس هتحتاجي تغيري عليه كل شوية هكتب لك على بعض الادوية والمراهم والمسكنات طبعا علشان الجرح هيشد عليكي في الاول شوية لغاية ما ينشف خالص وهتجيلنا بعد اسبوعين ان شاء الله علشان نفك الخيط انت ممكن تغيري على الجرح لو عندك حد بيعرف لو اقرب مستشفى مثلا او تيجي لنا هنا مافيش مشكلة.

سلامتك كمان مرة وانا دلوقتي هبلّغ حضرة الظابط انك فوقت لانه منتظر مني تليفون علشان ييجي يقفل المحضر.
عن اذنكم.
خرج الطبيب من غرفتها بعد ان امر الممرضة باحضار الطعام لها مشددا عليها في الاعتناء بصحتها وان تتغذى جيدا لتعوّض ما فقدته من دم...

جلس ادهم على كرسيه بجوار فراشها ونظر اليها وقد رفعت ظهر السرير قليلا وابتدأت هي الكلام قائلة بشبح ابتسامة ضعيفة: ايه، غريبة يعني، مش عاوز تقول حاجه؟
قال لها وهو يتنهد بقوة: ليه؟

قطبت حاجبيها وقالت باستفهام: ليه ايه؟ قال لها وهو ينظر جيدا الى عينيها: ليه عملت كدا؟ ايه اللي خلاّكي تروحى مكان زي دا ولوحدك؟ نظرت الى اصابع يديها قليلا ثم قالت بهدوء: حسيت اني عاوزة اكون معاه، حسيت انه هو اللي هيفهمني.
حسيت اني، اني لوحدي!
رفعت نظرها اليه وقالت بعينين غائمتين من الدموع: حسيت اني اول مرة فعلا بابا مش معايا.

ابتلعت الغصة التي تخنقها وقاومت دموعها التي تهدد بالانهمار واكملت بابتسامة مُرّة: عارف، اول مرة اعترف فيها ان.
بابا.
خلاص مش موجود.
هتستغرب لما تعرف ان من ساعه ما، بابا راح.
وانا مش راضية افكر في الموضوع دا.
زي ما اكون ادِّيت اوامر لعقلي انه مايفكرش في الموضوع دا.
أي شئ كان بيصادفني كنت بآخد رأي بابا!
ابتسمت وهي تراه ينظر اليها بدهشة وقالت: آه.

ما تستغربش كدا، انا بقعد كتير معاه اووي واحكيله على اللي بيحصلي وآخد رأيه كمان، بابا عايش جوايا ماراحش، كنت مقنعه نفسي انه مسافر بس سفرية طويلة واني هشوفه اكيد بس لسه وقت اللقا ماجاش.
دا الشئ اللي خلاني قدرت اقف واصمد مش لاني قوية او لاني جامده.
لا.
لأني ضحكت على نفسي.
لغاية ما ماما ضربتني بالقلم.
القلم دا هو اللي فوَّئني، خلاّني ولأول مرة اعترف ان، واهتزت شفتيها بينما تقول بصوت مبحوح مهزوز: بابا.

خلاص.
خلاص.
م، ما، ماات!
ثم انهمرت دموعها كالسيل مما دعا بأدهم بان ينهض من مكانه ويجلس بجوارها على السرير وهو يحاول تهدئتها بينما تنظر اليه بعينين مبللتين بدموعها وهي تقول بين شهقاتها: تص.
تصدق يا أد، يا أدهم اني اول مرة اقولها، من ساعه اللي حصل وانا مش بقولها ابدا.
لساني مش قادر ينطقها، لكن لحظة ما ماما ضربتني لحظة ما عرفت انه خلاص، اني بكدب على نفسي.
تصدق انى ما نزلتش دمعه واحده عليه؟

كانت دموعها تنهمر كالسيل وهي تتكلم وتابعت قائلة: عينيّا كانت ناشفة يا ادهم.
ماعيّطتش علشان كنت لاغية الموضوع من دماغي مارضيتش افكر فيه علشان ما اتجننش لكن انا عامله دلوقتي زي اللي اتحط قدام الامر الواقع.
بابا.
بابا وحشني.
وحشني اووي.
اووي اووي يا ادهم.
لم يتمالك ادهم نفسه فاحتضنها بين ذراعيه مهدهدا ايّاها مربتا على ظهرها وهي تعانقه بذراعيها غير واعية لما تفعل وتقول بين شهقاتها: نفسي اشوفه يا ادهم.

عاوزة اشوفه دقيقة واحده بس، لحظة واحده.
اكلمه كلمه واحده.
انا تعبانه اووي اووي يا ادهم.
حاسة انى مش هقدر اكمل من غيره، اعمل ايه.
اعمل ايه.
انا ماعيطتش علشان كنت بفتكر كلمته انى سند امي من بعده وانه مش سايب بنت لا سايب راجل مكانه لكن.
انا مش قادرة والله ما قادرة.

وانخرطت في بكاء حار لم يقاطعها ادهم وتركها تُخرج ما بداخلها من دموع مكبوتة ظلت حبيسة عينيها لما يزيد عن 6 اشهر، شعر بدموعها بدأت تهدأ وشهقاتها تخفُت تناول منديلا من جانبه ومسح به وجهها فتناولته منه ومسحت انفها مبتعدة عنه قليلا ثم نظرت اليه بعينين مبللتين وأنف أحمر من البكاء وقالت: معلهش يا ادهم.
معرفش ايه اللي جرالي.
انا عمري ما عيطت.

بابا كان دايما بيقول اوعي تعيطي العياط مش للرجاله وانت راجلي وسندي، قال ادهم محاولا اخراجها من جو الحزن الذي طغى عليها: هو فيه راجل حلو كدا؟
ابتسمت ابتسامة ضعيفة وقالت: كان عاوزني راجل وسيد الرجالة طلعت واد وخِرِع كمان، ابتسم ادهم قليلا ثم قال بهدوء: بصي يا ريتاج.
عمر الاحساس ما كان عيب.
الدموع مش للستات بس لأ. الدموع كمان للرجالة، صحيح نادر لو لاقيتي راجل بيعيّط لكن بتحصل.

الدموع دي نعمه من عند ربنا بتنفسي بيها عن حزنك، وبعدين مين اللي قال انك مش قوية.
لا انت قوية، باباكي قدر يزرع فيكي قوة شخصية بجد ناادر انك تشوفيها في ولد دلوقتي فمابالك بنت.
قالت له وهي تنظر اليه برجاء: طيب ليه بابا خلّاك وصي عليا؟ انت عارف انه من يوم الموضوع دا وانا متلخبطه؟ كون ان بابا حاطك وصي عليا يبقى ماكانش واثق فيا وحاسس انى ممكن اضيع تعبه، انا بنت ابويا هو اللي علمني وحببني في المصنع.

عارف فسحتى كانت المصنع.
ما كنتش احب اتفسح لا ملاهي ولا نادي ولا جنينة.
يوم ما احب اتفسح اروح المصنع.
كون ان بابا يحط وصي يبقى انا فشلت انى اثبت له انى سنده.
واعتبر انى بنت زيها زي أي بنت ما تنفعش تشيل مسؤولية بيت وأم زي الولد!
هز ادهم رأسه نافيا وقال: لالا يا ريتاج انت غلطانه.
باباكي متأكد انك هتسدي مكانه بس هو عارف ان خبرتك قليلة.
انت ما احتكيتيش باصناف كتير من البشر.

حتى لو عمرك كله قضيتيه في المصنع فالخبرة اللي انت اكتسبتيها كانت التعامل مع آلآت مش مع البشر، والتعامل مع الالات أسهل 100 مرة من التعامل مع البشر.
تنهدت بعمق وقد مسحت انفها وعينيها ونظرت اليه باسمة وهي تقول: تصدق انى عمري ما اتكلمت مع حد ولا حكيت معاه زي دلوقتي؟
ثم تابعت غير منتظرة لاجابته: هي ماما فين صحيح ماجاتش ليه؟ ثم سألته بنبرة قلقة: هي تعبانه ولا حاجه؟ او.
يمكن مش عاوزة تشوفني؟

قال لها نافيا بقوة: لا مامتك ماتعرفش اساسا باللي حصل انا ما قولتش لحد خالص استنيت لغاية ما اطمن عليكي قبل ما ابلغهم علشان ماتتخضش.
ثم تابع في قرارة نفسه: وعلشان اكون معاكى لوحدى اطول وقت ممكن، مش عاوز حد يشاركنى الوقت دا، عاوز انا اللي اراعيكي بس ولا حتى مامتك، ثم تنهد في داخله سائلا نفسه بصمت: انت رايح على فين يا ادهم؟ واخداك على فين المتمردة الصغيَّرة اللي قاعده قدامك دي؟

قطبت ريتاج قائلة وهي تلاحظ شروده: ادهم.
ادهم انت تعبت معايا.
كلم ماما قولها انا بئيت كويسة الحمدلله وانت قوم روّح ارتاح شوية انت من امبارح على الكرسي دا اكيد تعبان!
قال ادهم رافضا عرضها بقوة: لالا انا هكلم مامتك علشان اطمنها عليكي بس مش هخليها تيجي الدكتور بيقول انك كويسة يعني ممكن يكتب لك خروج انهارده.
انا هشوفه.

سمعا صوت طرقات على الباب ثم دخلت الممرضة حاملة لصينية الطعام طالبة من ريتاج ان تتناول طعامها كاملا ليعطيها طاقة وانصرفت بعد ان وعدها ادهم انه سيشرف بنفسه على اطعامها...

خلاص يا ادهم.
انا حاسة اني زي البطة وانت ناقص تحطني تحت رجلك وتزغطني.
بطني مش قادرة.
، هز ادهم رأسه رافضا بعناد وقال: لأ، لازم تخلصي اكلك كله.
انت نزفت دم كتير ما تشوفي وشّك اصفر وعامل ازاي، لازم كورس غذا ومقويات علشان تعرفي تقفي على رجليكي ولاّ استحليتي نومة السرير.
آه قولي كدا بأه.
تعبت من الشغل وعاوزه تريحي؟

نظرت اليه بنصف عين وقالت مغتاظة: انا؟ انا زهئت من الشغل وعاوزة أريّح انا؟ طيب ايه رأيك بأه اول ما اشم نفسي بس لا اكون في الشغل ومن بكرة كمان ايه رايك بأه؟ انا الحمد لله بئيت كويسة واقدر اقوم اهو حتى شوف.

وقامت فجأة فشعرت بدوار مفاجئ مما جعلها تمسك في حافة الفراش فسارع ادهم باسنادها وارجاعها الى السرير ثانية وهو يقول بسخط: انت مافيش فايده فيكي ابداا العناد اللي فيكي دا هو السبب في اللي انت فيه دا كلوُّ!

سمع صوت طرقات على الباب فسمح للطارق بالدخول بينما عاد الى كرسيه بجانب فراشها فدخل الطبيب يرافقه شرطي ليكمل التحقيق في الحادثة، في نهاية التحقيق قال لها الشرطي: سؤال اخير يا آنسة ريتاج، مين اللي انقذك منه؟ انا عارف ان الناس اتلموا لما سمعوا الصوت ومسكوه لكن في الاول مين اللي ضربه بالشكل دا قبل ما الناس تيجي؟
نظرت اليه ريتاج قائلة بهدوء: أنا يا حضرة الظابط!

اعتدل الشرطي في جلسته وقال بدهشة: ايه؟ انت؟ انت اللي ضربتيه بالشكل دا؟
هزت رأسها موافقة وأقرّت قائلة: ايوة انا، حرامي وبيتهجم عليا كنت لازم ادافع عن نفسي.
يعني الناس اللي اتلموا على الصوت أنقذوه هو ّ من ايديا مش انا، انا ضربني بالمطواة وانا بضربه وكانت زى حلاوة الروح بالنسبة له لانه ضربني وماقدرش يقف ولا يجري لما الناس اتلمت عليه، قال ادهم للشرطي: دي حالة دفاع عن النفس واضحة يا فندم.

قال الشرطي لمن يسجل اقوالها: كريم.
ماتكتبش الكلام دا دلوقتي.
ثم التفت اليها وقال: بصي حضرتك تمام زى ما الاستاذ بيقول كدا حالة دفاع عن النفس بس دا اخد علاج اكتر من 21 يوم يعني قضية وتحقيق، سأله ادهم قاطبا: اكتر من 21 يوم علاج؟ ليه هو حصل له ايه بالظبط؟

قال الشرطي وهو يعد على اصابعه: كسر 3 اضلاع، نزيف داخلي، تربنة في دماغه لان واضح ان الضرب كان اكتر على الدماغ، في الحاله دي بيكون فيه قضية والمحكمة هيا اللي بتفصل فيها بس طبعا هي موقفها قوي علشان حالة دفاع واضحة عن النفس وفي وجود شهود ففي الغالب هتاخد براءة ولو عاوزين الموضوع مايوصلش للمحكمة ممكن نعمل صلح!
استنكرت ريتاج قائلة: نعم؟ صُلح؟ صلح مع مين؟ مع مجرم؟

امسك ادهم يدها بقوة ونظر اليها شزرا لتصمت ثم تكلم قائلا: بص يا حضرة الظابط حضرتك زي ما انت شايف هو اللي حاول انه يسرقها ويتهجم عليها فهي كانت بتدافع عن نفسها وبصراحه احنا مش عاوزين الموضوع يوصل للمحكمة ويبقى فيه قضية هيّا طرف فيها بأي شكل من الأشكال حتى لو في الآخر هتاخد براءة.
انا مش عاوز اسمها يتمسّ!

ابتسم الشرطي وقال: اطمن حضرتك، انا زي ما انت شايف ما سجلتش الجزء دا من اقوالها، يعني مش هيبقى فيه قضية، الانسة زي اختي تمام وانا مقدر الوضع اللي هيا كانت فيه وحظها حلو انها بتعرف رياضة دفاع عن النفس الله اعلم لو ماكانتش دافعت عن نفسها كان ممكن ايه اللي يحصل على ما الناس كانو خدوا بالهم؟ الصنف دا من المجرمين بيبقى خطر جداا ربنا وقف معاها بس ماتبئاش تروح اماكن زي دي بالليل ولوحدها.

المدافن خطر لبنت لوحدها في عز الضهر مابالك اخر النهار؟
طمأنه ادهم انها لن تكرر فعلتها ناظرا اليها بقوة فأشاحت بنظرها عنه وشكرت الشرطي على حسن تفهمه لها ووقوفه بجانبها، استأذن الشرطي وصافحه ادهم شاكرا ايّاه على ما فعله معهما.
آنسة ريتاج دا اذن بخروجك من المستشفى.
وحمدلله على سلامتك كمان مرة ، انصرفت الممرضة بعد ان اعطتها اذن الخروج.
نظرت الى ادهم وقالت متنهدة: يااه.
الحمدلله.

اخيرا هروح البيت، ثم نظرت الى ادهم قائلة بلهفة: انت كلمت ماما يا ادهم مش كدا؟
مال عليها وهي لا تزال جالسة في فراشها وقال بابتسامة خفيفة: ايوة كلمتها من امبارح وقلتلها انك في فندق وكلمتها دلوقتي قولتلها انك راجعه معايا وهي هتستنانا، قالت له وهي تهم بالوقوف: طيب ممكن تنادي الممرضة علشان تساعدني اغير هدوم المستشفى والبس هدومى و، وشهقت قائلة: يا خبر؟ هلبس نفس لبسي ازاي الهدوم مش نضيفة ومليانه دم؟

سار ادهم حتى الخزانة الموضوعه على الحائط المقابل وفتحها مخرجا حقيبة بلاستيكية شفافة وضعها بجانبها على الفراش وقال: انا عملت حسابي وقلت لراندا وهي اتصرفت وباعتت الحاجه دى مع عم حمزة السواق واكدت عليها ماتجيبش سيرة لماما علشان ماتغلطش في الكلام قدام مامتك!

امسكت الحقيبة البلاستيكية وفتحتها ناظرة بداخلها ثم قطبت وقالت بتساؤل: مامتك تغلط بالكلام قدام مامتى؟ طيب عادي انا نفسي هحكي لماما على اللي جرالي اومال هغيّر على الجرح ازاي؟
تجاهل ادهم تساؤلها وقال وهو يتجه للخروج من الغرفة: انا هسبقك وابعتلك الممرضة تساعدك...

الله، سبحان من خلق وصور.
قمر.
الاستاذ خطيبك هينبهر بيكي بجد! ، قالت ريتاج نافية: لا، أدهم مش، قاطعتها الممرضة قائلة بابتسامة: جوزك مش كدا؟ انا بردو قلت كدا، لهفته وخوفه عليكي مالهاش حل بصراحه، فضل قاعد جنبك طول الليل على الكرسي ما رضيش حتى يفرد نفسه على الكنبة ماكانش هاين عليه تبعدي عن عينيه لحظة واحده بجد ربنا يباركلكم في بعض.

خلّي بالك منه وحطّيه في عينيكي الرجاله اللي زيُّه قليلين اووي في الزمن دا...

خرجت الممرضة ودخل ادهم وهو يقول: خلصت لبس، وبتر عبارته لدى رؤيته لها وهو يراها لاول مرة ترتدي فستان!
كان الفستان باللون السماوي اكمامه تصل الى منتصف الساعد وطوله الى منتصف الساق بفتحة رقبة مربعة الشكل أظهرت لون بشرتها الذهبي وكانت الممرضة قد ساعدتها في جمع شعرها بجديلة فرنسية رمتها على كتفها الايمن، سار حتى وصل اليها ووقف امامها وقال بتلعثم خفيف: انت، انت.
انت ريتاج؟

هزت راسها مبتسمة ولاول مرة تشعر بالخجل فيما استمر قائلا: لا بجد.
ريتاج ريتاج؟
اشارت براسها ايجابا بينما ألح عليها قائلا: طيب ممكن تتكلمي؟ اسمع صوتك على الاقل؟ ممكن؟
قالت له ضاحكة: جرى ايه يا ادهم، ايه هو انا متنكرة ولا ايه؟
قال وهو يدور حولها: بصراحه ايه! اول مرة اشوفك لابسة فستان لأ، وايه شعرك دا؟ حكاية لوحده!
بس بردو لمّاه.
انما احسن من الاول ضفيرة احسن من تسريحة ابلة الناظرة اللي كنت بتعمليها دي.

قالت له مبتسمة: ماشي يا ادهم ممكن بأه نمشي انا ماما وحشتنى اووي.
اشار اليها لتتقدمه بينما امسك الحقيبة التي تحتوى على اشيائها وسار وراؤها خارجيْن من الغرفة.

ادهم.
انت موديني على فين.
انا عاوزة اروح لماما عاوزة اشوفها؟!
نظر اليها بينما يقود السيارة ثم اعاد نظره الى الطريق وقال مبتسما: هتشوفيها.
نص ساعه بالكتير ان شاء الله وهتكونى معاها، سكتت متأففة ثم ما بثت ان اغمضت عينيها مريحة رأسها على مسند الكرسي!

ريتاج.
ريتاج، احنا وصلنا، ، امممم، افاقت ريتاج من غفلتها ونظرت الى ادهم الذي كان يميل عليها محاولا ايقاظها ثم مالبثت ان انتبهت فاعتدلت في جلستها بينما ابتعد عنها وهو يقول ضاحكا: بس عاوزة ماما عاوزة ماما ونامت.
اللي يسمعها يقول هتنط من العربية اول ما تقف مايقولش انها هتنام وتشخّر كمان!
قطبت قائلة بحنق: اييه؟ بشخّر؟ انا مابشخرش يا استاذ.
قال لها غامزا بمكر: عموما هنشوف!

خرج من السيارة بينما قالت بدهشة وحنق: ايه هتشوف؟ هتشوف ازاي يعني؟
فتح بابها مشيرا اليها لتخرج، خرجت من السيارة وقفت لتفاجئ بوجودها امام فيلا ادهم فنظرت اليه بدهشة متسائلة: انت جبتني هنا ليه يا ادهم؟ انا عاوزة اروح لماما؟
تقدم اليها وفتح الباب مشيرا اليها بالدخول وهو يقول: ادخلى الاول وانت تعرفي.
دخلت الى البهو الواسع لتفاجئ بوالدتها وهي تندفع اليها حاضنة اياها وهي تقول: تاج.
حبيبتي.

حبيبة قلبي، الحمد لله انك رجعتي لي بالسلامة يا اغلى حاجه في عمري، ثم قبّلتها على وجنتيها وابعدتها عنها ناظرة الى وجهها من خلال دموعها المتدفقة ومالبثت ان احتضنتها ثانية وهي تقول بصوت متحشرج من البكاء: كانت ايدي تتقطع قبل ما أمدّها عليكي يا حبيبتي!
شهقت ريتاج وابعدت رأسها عن حضن والدتها وقالت بهلع: ألف ألف بعد الشر عليكي يا احلى ام.

ثم رفعت يدها التي صفعتها وقبّلتها قائلة: ايدك دي اللي ربتني ولو غلطت تاني تربيني تاني.
ونظرت الى والدتها قائلة بصوت حزين: انا، انا آسفة يا ماما.
ارجوكى ماتزعليش مني انا غلطت معلهش سامحيني؟
ابتسمت والدتها واحتضنتها قائلة بحنان امومي: مسامحاكي يا اغلى حاجه في عمري مسامحاكي يا تاج، فقالت لها ريتاج بابتسامة: اعتبريني عيّل وغلط وليكي عليّا مش هزعلك منّي تاني ابداااا!

ضحك الجميع ومالبث ان همست راندا الواقفة بجانب ادهم الذي كان يتابع ما يدور بين ريتاج وأمها بابتسامة حانيه: أفلح ان صدق!
قال ادهم ناظرا اليها بتساؤل: يعني ايه؟
قالت راندا بابتسامة: يعني استنى بس لما تاج تعرف وشوف رد فعلها هيكون ايه؟
ثم تركته وذهبت لتحية ريتاج التي كانت تسلم على كوثر ومحمود وكانت مها بجوارها محتضنة اياها بذراعها...

جلس الجميع وقد قصّت عليهم ريتاج ما حدث لها ونظرت سعاد بلوْم وعتاب الى أدهم لعدم مصارحتها بما حدث لابنتها فقال: معلهش يا ريت حضرتك ماتزعليش منّي.
انا كنت خايف عليكي احسن تتعبي لو عرفتي وفضلت اكون جنبها ولما لاقيتها الحمدلله كويسة مافيهاش حاجه قلت لما تعرفوا الخبر وهي في وسطكم مش هتتخضوا غير لو كنتو عرفتوه وهي مش معاكم اكيد كنتِ هتتخضِّي جامد عليها.

ابتسمت سعاد واحتضنت كتفي ريتاج بذراعها وقالت: عموما انا مش ممكن ازعل منك كفاية انك رجّعت لي بنتي يا ادهم.
انت ابني اللي انا ماجبتوش.
من هنا ورايح ياريت تقولي ماما.
انت فخر لكل أم يا ابني.
ثم نظرت الى كوثر قائلة: بسم الله ما شاء الله عليه يا كوثر ربنا يباركلك فيه ويحميه يارب هو واخواته.
نظر محمود الى ريتاج وقال: ألف حمدلله على سلامتك يا ريتاج انت غالية عندنا اووي.

ماكنتش اقدر اتصور لو جرالك حاجه بعد الشر كان ايه هيجرالي، وتدارك قائلا بتلعثم: هيجرالنا كلنا يعني.
شعر ادهم بالضيق من كلام شقيقه وتململ في جلسته بينما قالت مها الجالسة بجوار ريتاج من الناحية الاخرى: حمدلله على سلامتك يا تاج.
الحمدلله ان ربنا نجاكي انت اختى يا تاج.

ربنا مايحرمني منك ابدا يا حبيبتي، ثم امسكت حقيبتها اليدوية مستأذنة في الانصراف فعارضت ريتاج ولكنها وعدتها قائلة انها ستراها في الغد فضحكت ريتاج قائلة: بكرة؟ بكرة ايه؟ انت تنامي عندي انهارده!
قالت مها: لا ماينفعش يا تاج.
اولا بابا مش هيوافق ولا ماما كمان.
تاني حاجه انت لسه تعبانه، قالت ريتاج: وبابا وماما مش هيوافقوا ليه؟ دي مش اول مرة تباتي عندنا؟ عموما انت مستعجلة ليه خليكي واحنا نروح سوا؟

قالت مها بتلعثم وهي تنقل نظراتها بين الموجودين: لا، ما هو، اصل ماينفعش! قالت ريتاج: هو ايه اللي ماينفعش؟ قالت مها باضطراب خفيف: معلهش يا تاج وقت تاني اكيد انا مضطرة استأذن.
قالت لها: طيب استني بس.
ثم نظرت الى محمود قائلة: معلهش يا محمود ممكن توصل مها؟
قام محمود قائلا: اكيد.
نظرت مها الى ريتاج وقالت بارتباك: مالوش لزوم انا هاخد تاكسي من هنا هيوصلني قدام باب البيت.

قال محمود بحزم: لا طبعا مايصحش انا هوصلك اتفضلي، مالت لتقبّل ريتاج التي همست لها ضاحكة: سجّلي اللي هيحصل صوت وصورة لو سمحت.
كل حاجه تتحكي لماما تاج ماشي؟
نظرت اليها شزرا وقالت: ماشي يا ماما تاج.
وانصرفت مع محمود...

ماما احنا مش هنروح؟ بيتنا وحشني اوي انا حاسة انى بعيده عنه من زمان! ، قالت امها وهي تنظر اليها بتقطيبة خفيفة: بس احنا، قاطعها صوت ادهم قائلا: انتو هتقعدوا معانا هنا يا ريتاج!
نظرت اليه وقالت جاهلة بما يقصد: احنا قعدنا كتير يا ادهم وانا فعلا تعبانه وعاوزة ارتاح في سريري.
وقف ادهم قائلا ببساطة: بس كدا، اتفضلي ارتاحي، ثم نظر الى راندا قائلا: راندا وصلي ريتاج لاودتها!

قامت ريتاج واقفة وقالت باستفهام: أودتها؟ توصلني لأودتي؟ ازاي يعني مش فاهمه؟
قال ادهم بهدوء ناظرا اليها بعمق: الموضوع سهل وبسيط يا ريتاج.
انتو هتقعدوا معانا هنا، قالت ريتاج بحدة ودهشة: اييييه! هنقعد هنا؟

قالت امها لتهدئتها: تاج حبيبتي ادهم اقترح اننا نقعد معهم هنا فترة على ما صحتك تتحسن وباعت لي محمود جابني هنا قبل ما تيجي معاه وما اعترضتش بصراحه لأني شايفاكي محتاجه تغيير وانا العدّة بتاعتي فاتت من زمان، ايه رأيك يا تاج؟
قالت ريتاج بقوة: هتحسن في بيتي.
بيت بابا، انت عارفة يا ماما انى مش بعرف انام غير في سريري ومش بحس براحه غير في بيتي!

تقدم منها ادهم قائلا: وبيتنا اعتبريه زي بيتك بالظبط، اودتك هنا شبه اودتك تمام وكل حاجتك مامتك جابتها.
بس انت مش هتخرجي من هنا يا ريتاج.
ودلوقتي ممكن تطلعي تستريحي فوق في اودتك لانك فعلا شاكلك تعبان ومش عاوز مناقشة كتير.
قالت وهي تحاول ألاّ تصرخ في وجهه مراعاة لوالدته: انت بأي حق تتصرف كدا وبالشكل دا؟ عموما شكرا للضيافة بس انا مش هنام غير في بيتي.

ثم نظرت الى امها وهي تهم بالسير من امامه قائلة: ياللا يا ماما، قال ادهم وهو يهز كتفيه: انت اللي اخترتِ، قطبت تقول: يعني ايه مش فاهم، وبترت جملتها حيث فوجئت بحمل ادهم لها فجأة على كتفه مما جعل رأسها وراؤه وقدميها امامه وقالت بشبه صراخ وهو يسير بها: نزلني يا ادهم.
قال لها ببرودة: لا، انت اللي اخترت.
راندا قدامي لو سمحت علشان تكوني مع المجنونة دي وانا بوديها اودتها.

ضحكت راندا وسبقتهما الى غرفتها بينما هددته وتوعدته ريتاج وسط ضحكات امها وأمه...

ترى كيف ستتقبل صافي وجود ريتاج في المنزل حيث ستفاجئ بها لدى عودتها من رحلة قصيرة الى الاسكندرية؟ هل ستتطور علاقة محمود ومها؟ ماذا سيفعل نزار في موضوعه مع سهام؟ و، كيف ستكون العلاقة بين أدهم ومتمردته الصغيرة الحسناء؟
تابعوني في القادم من، المتمرّدة...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة