قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية المتمردة (نساء متمردات ج1) للكاتبة منى لطفي الفصل الرابع والثلاثون

رواية المتمردة (نساء متمردات ج1) للكاتبة منى لطفي الفصل الرابع والثلاثون

رواية المتمردة (نساء متمردات ج1) للكاتبة منى لطفي الفصل الرابع والثلاثون

وقف ادهم مكتفا ذراعيه ساندا رأسه على الحائط خلفه، وضع محمود يده فوق كتفه وقال له بهدوء: ان شاءالله هتقوم بالسلامة يا ادهم، خليك متفائل وادعي لها، نظر ادهم اليه بعينين حمراوتين كلون الدم ووجه شاحب وخدين غائرين وشبه لحية نامية تغطي وجهه بينما أثر كدمة زرقاء كبيرة تلون جانب وجهه وقال بحزن وألم: يارب يا محمود، انا معرفش لو تاج جرالها حاجه هعمل ايه؟ دي فادتني بروحها يا محمود.

المفروض كنت انا اللي جوا دلوقتي بين الحياة والموت مش هيَّا، تنهد محمود وقال: ان شاء الله هتقوم منها بس انت لازم تكون قوي علشان طنط سعاد.
شوف من ساعه اللي حصل وهي قاعده ماسكة المصحف مابطلتش قراية قرآن ودموعها نازلة مغرقه خدها وماما ماسبتهاش لحظة واحده خايفة عليها وعلى تاج، نظر ادهم بعيدا وقال: مش قادر أبص في وشها.
انا وعدتها اني أخلِّي بالي من تاج.
ومقدرتش أوفي بالوعد.
قال محمود: دا أمر الله يا ادهم.

دا قدرها وماحدش يقدر يهرب من قدره.
انت بس ادعي ان ربنا يسلمها...

جلست راندا في غرفة الانتظار الملحقة بالطابق الذي يحوي غرفة العمليات في ركن منزو منها بينما الباقون في الركن الآخر البعيد نسبيًّا وكان ادهم قد أبلغ محمود الذي قام بتبليغ الباقين وحضروا فورا الى الغردقة بينما أبلغ ادهم سعاد بالهاتف ان ريتاج متوعكه قليلا وقد ذهب بها الى المشفى ولم تعرف ماحدث فعلا الا بعد قدومها المشفى...

كانت دموع راندا تغسل وجنتيها وتسيل من تحت جفونها المغلقة عندما شعرت بشخص يجلس بجوارها وصوت رخيم يقول: ادعي لها يا راندا.
ان شاءالله هتبقى بخير وتقوم بالسلامة، فتحت عينيها والتفتت ناظرة إليه وقالت بهدوء: نزار، انت جيت امتى؟

قال لها ولهجة لوم خفيفة في صوته: لسه جاي حالا اول ما عرفت الخبر طلعت ع المطار على طول، انا مش هعاتبك دلوقتي واقولك انك لازم كنت قولتيلي علشان اقف جنبك علشان انا مقدر حالتك كويس.
قالت راندا وقد اشاحت بنظرها ناظرة أمامها: معلهش.
عقلي ماكانش فيَّا لما سمعت الخبر.
كنت زي التايهه.
وانت عرفت منين؟

قال لها: ابدا كلمتك في البيت ردِّت عليَّا بدور وقالت لي ع اللي حصل، هزت راندا رأسها ولم تجبه فوضع يده على كتفها وقال مواسيا: راندا انا مش عاوز اشوفك بالحالة دي.
انت دايما قوية.
ادعي لها وانا متأكد ان ربنا هيسمع دعانا، قالت بحزن بينما دموعها تسيل بهدوء مغرقة وجنتيها: يارب يا نزار.
مش قادرة أتخيل ان ممكن ما اشوفش تاج تاني، تصدق الواحد فعلا مش بيحس باللي معاه غير لو قرَّب يفقده.

تاج من ساعه ما عرفتها وانا بحبها وحسِّيت انها أختى وكنت بتعامل انه وجودها معايا دا امر مفروغ منه وخصوصا بعد ما اتجوزت ابيه ادهم، يعني لما سافرت وبعدت عن ادهم قلت هي قالت هترجع ما اهتميتش انى اعرف ليه واضغط على مها، حتى في محنتها اللي فاتت وكنت حاسة ان حكاية تعب مها وعلشان كدا هي قاعده معاها ما كنتش مصدقة الموضوع دا بس عاملت نفسي مش واخده بالي وماشغلتش بالي.

كان بيتهيألي ان تاج مهما بعدنا عن بعض لكن هرجع هلاقيها موجودة.
بس للأسف يا نزار احنا بناخد حاجات كتير اووي من المسلَّمات وبيظهر لنا بعد كدا اننا ممكن في ثانية نفقدها، قال نزار محيطا كتفيها بذراعه ممسكا يدها بيده الأخرى: انت عندك حق يا راندا.

للأسف احنا مش بنحس بغلاوة الناس اللي قريبين مننا الا لو دخلنا في احتمال اننا نفقدهم، لم تتمالك راندا نفسها وأجهشت بالبكاء فاحتواها نزار بين ذراعيه ممسدا على شعرها بينما قالت بصوت متقطِّع بين شهقاتها: مش قادرة يا نزار، خايفة أووي تاج تروح مننا، معقولة يا نزار في ثانيه كدا في ثانيه؟! قال بصوت مواسياً: ان شاءالله هتقوم بالسلامة حبيبتي.
ادعي لها انت بس، وعلشان خاطري ماتعمليش في نفسك كدا يا راندا.

مش قادر اشوفك قدامي بالمنظر دا وانا مش عارف اعملك حاجه، انت ماتعرفيش دموعك غاليه عندي أد ايه! ابتعدت راندا قليلا عن ذراعيه ونظرت اليه متفاجئة ومندهشة بينما تابع وهو يحيط وجهها بكفيه: ايوة يا راندا.
انت غالية اووي.
واغلى حاجه عندي، راندا انا عارف انه دا مش وقته لكن اللي احنا بنمر بيه دلوقتي دا خلاَّني اغير حاجات كتير اووي كنت معتقد انها صح، راندا انا.
انا بحبك!
شهقت متعجبة بينما تابع: ايوة بحبك.

انا عارف انك كنت بتتعذبي الفترة اللي فاتت علشان ماكنتيش عارفة انت ايه بالنسبة لي.
انت كل حاجه بالنسبة لي يا راندا، قالت بحزن: نزار ماتخاليش زعلك علشان تاج او لأني صعبت عليك بدموعي تقول كلام انت مش قاصده فعلا.
صدقني اني اعرف ان ارتباطك بيَّا كان عادي بعيد عن أي مشاعر أهون عليَّا من انك تسمعني كلام الحب شفقة منك وعطف بس!

هتف بحدة ثم انتبه للموجودين في نفس الغرفة معهم فأخفض صوته قائلا: انت بتقولي ايه يا راندا؟ انا لا مشفق عليكي ولا فيه عطف ولا أي حاجه أبدا من اللي انت بتقوليها دي، انا فعلا بحبك.

وعلشان بحبك جريت اخطب سهام من غير ما افكر كويس على اساس انه طالما ارتبطت بإنسانه تانية يبقى مش ممكن هفكر في غيرها بس للاسف ماعرفتش وعلشان بحبك سيبتها وعلشان بحبك كنت كل ما اشوفك مع محمود وانا مش عارف انه اخوكِ كانت النار بتقيد فيَّا وعلشان بحبك أصريت على كتب الكتاب علشان تاخدي عليا براحتك وعلشان بحبك ماكنتش بقدر ألمس ايدك حتى خايف لمشاعري تغلبني وماقدرش أتحكم في نفسي وعلشان بحبك خايف من فرق السن اللي بيننا انت السكينة سرقاكي دلوقتي وممكن انبهارك بيا كأستاذك هو اللي أثر عليكي وخلاكي توافقي عليا وبعد ما نتجوز وتبقي انت في عز شبابك انا هكون على اعتاب الكهولة ولما فكرت اني اعفيكي من ارتباطنا ماقدرتش لأني بحبك وماقدرتش أتخيل انك ممكن تكوني لحد تاني غيري.

عرفتِ بأه أد ايه أنا بحبك!
نظرت اليه راندا ودموعها تسيل على وجنتيها وابتسامة شقت طريقها الى شفتيها وارتمت في ذراعيه بقوة فتلقفها محتضنا اياها بكل ما أوتي بقوة وسمعها وهي تقول: وانا علشان بحبك كنت هتجنن لما خطبت سهام، وعلشان بحبك ماصدقتش نفسي لما أبيه قالي انك اتقدمت لي.
وعلشان بحبك أصريت اننا نكتب الكتاب مع ان ابيه وماما كان ليهم تحفظات وعلشان بحبك كنت بتعذب وانا حاسة انك بعيد عنِّي.

نزار انا عمري ما بصيت لفرق السن اللي بيننا بالعكس دي اول حاجه شدتني ليك.
انا كان نفسي في انسان يحتويني واكون بنته ومراته وحبيبته ومن اول محاضرة ليك وانا قلبي كان بيدق دقات غريبة وانا رافضة افسرها الا انها اعجاب لغاية ما خطبت سهام.
كنت هموووت يا نزار!
شدد من احتضانه لها بينما تابعت وهي مبتسمة: ولما فسخت الخطوبة كنت عاوزة اتحزم وارقص.

ولما اتقدمت لي لو كنت أقدر كنت انا اللي اقترحت على ابيه انه يقولك خليها جواز على طول خفت أحسن ترجع في كلامك بعدين.
علشان كدا كل لما كنت بحس انك بعيد عني كنت بتقطع من جوايا، نزار انا.
انا بحبك.
بحبك اووي اووي يا نزار لدرجة اني كنت على استعداد اني اسيبك لو كانت دي رغبتك.
لأن اللي بيحب بجد مايهموش أكتر من سعادة حبيبه!

قال نزار بقوة: وانا كنت ممكن اموتك فيها دي لو كنت قولتيلي نسيب بعض، ثم أبعدها قليلا عن ذراعيه وقال لها بتصميم: تاج هتقوم بالسلامة ان شاء الله وأول ما نطمن عليها هنتجوز على طول ولا مستني لا أجازة نص سنة ولا رُبع سنة نتجوز وكملي وانت في بيتي قدام عيني، انا خلاص ما عدتش أقدر استحمل بعدك عنِّي اكتر من كدا، مفهوم؟

هزت برأسها ايجابا وقالت بهمس والابتسامة ترتسم على شفتيها: مفهوم، نظر اليها نزار مطولا ثم اقترب منها وقال بهمس: ممكن نختم اتفاقنا بأه؟ لم تستوعب مايقصد وما ان همت بالكلام حتى سارع بإسكاتها مقبلا ايَّاها بقوة مودعا قبلته كل حبه وشوقه ولوعته، ابتعد واضعا جبهته على جبهتها وهو يتنفس بعمق وقال: اوعي تاني مرة تشكي في حبي ليك، انا مش بس بحبك لا، انا بعشقك!

ابتمست وقالت بهمس: وانا بموت فيك، ابتسم ضاماً ايَّاها بقوة ثم ابتعد عنها وقال: تعالي نقعد مع مامتك ومدام سعاد، قاما متجهين الى الجانب الآخر من غرفة الانتظار جالسين بجوار البقية...

دخل الطبيب غرفة الانتظار وكان أدهم أول من لمحه فانطلق اليه سائلا في لهفة: خير يا دكتور طمنَّا؟
قال الطبيب: ان شاء الله خير.
الطعنه كان بينها وبين القلب 2 سم والحمدلله ربنا ستر.

بس المشكلة دلوقتي انها نزفت دم كتير جدا وفصيلة دمها نادرة ومحتاجين نقل دم حالاً فلو حد فصيلة دمُّه موافقه لدمَّها ياريت يتبرَّع لها، هبَّ محمود ونزار والباقين متجهين للطبيب وسمعوا ادهم وهو يقول بعزم: ممكن تتأكد من فصيلة دمِّي يا دكتور وانا متأكد انها هتطلع متطابقة، طلب الباقين من الطبيب ان يقوم باختبار فصائلهم ان كانت تتطابق ليتبرعوا الى ريتاج فوافق الطبيب ولكنه رفض ان تقوم سعاد أو كوثر بالتبرع لكبر عمريهما...

ظهرت النتائج ولم تتطابق سوى فصيلتي أدهم ومحمود، قال الطبيب بحبور: الحمدلله انتو الاتنين ممكن ناخد منكم.
الكمية اللي احنا عاوزينها كبيرة ان واحد بس يتبرع بيها، قال محمود بسرور: وانا مستعد يا دكتور للكمية اللي انتو عاوزينها، قاطعه ادهم بجدية: معلهش يا دكتور بس ماحدش هيتبرع لريتاج غيري!

نظر اليه الطبيب مقطبا في حين استغرب محمود والباقين وقال الطبيب: انت بالذات لو اخدنا منك دم مش هناخد الاَّ كمية بسيطة انت مش شايف شكلك عامل ازاي؟ انا اساساً مستغرب انك لسَّه واقف على رجليك لغاية دلوقتي.
والكدمات اللي ماليه وِّشِّك وجسمك، أصر ادهم قائلا: مافيش حد هايدِّي ريتاج دم غيري وماحدش هيجري دمه في عروقها إلاَّ أنا!

لم يستطع الطبيب الوقوف أمام إصرار أدهم الواضح وكان يريد اسعاف المريضة في أقرب وقت فتنهد قائلا بحدة وهو يشير اليه ليلحق به: انت حُر.
اتفضل معايا.

تم أخذ كامل الكمية من أدهم الذي أضطروا لاعطائه محاليلا مغذية تعويضا لما فقده من دم، كان مترنحا يشعر بالدوار ولكنه تماسك وصمم على البقاء في غرفة الانتظار للاطمئنان على ريتاج ورفض طلب الطبيب منه ان يعود الى المنزل ليأخذ قسطاً من الرَّاحة.

تم نقل ريتاج الى غرفة الرعاية المركزة حتى تستقر حالتها وقال الطبيب: هي دلوقتي بين ايدين ربنا، ادعوا لها...

وانصرف تاركاً الجميع يدعون الله أن يتمم لها الشفاء ولا يحرمهم من وجودها بينهم فهي الضحكة التي تنير حياتهم ولا يستطيعون تخيُّل خلو حياتهم من ضحكتها ومرحها...

ادهم يا حبيبي قعدتك كدا مامنهاش فايده، روَّح ارتاح وتعالى الصبح هي في الرعاية وماحدش هيقدر يدخل لها، كان ادهم يهز برأسه يمينا ويسارا رفضا اثناء سماعه لسعاد وقال فور ان انتهت من حديثها: انا مش هتنقل من هنا لغاية ما اطمن عليها.
اتفضلي حضرتك روحي، انت تعبانه وصحتك مش مستحملة وانا ان شاء الله أطمنك عليها، قالت كوثر التي وقفت بجوارهما: أدهم بيتكلم صح يا سعاد.

انت يا حبيبتي تعبت انهارده وقاعدتك هنا مش هتزودها ولا هتنقصها حاجه انا رأيي من رأي أدهم.
تعالي نروح ترتاحي شوية ومن الصبح بدري هخلي محمود يجيبنا، هزت سعاد رأسها ودموعها تترقرق في عينيها وهي تقول: مش قادرة امشي واسيبها، حاسة انى لو مشيت وسيبتها اني مش هشوفها تاني...

قالت كوثر بإندفاع: بعد الشر يا سعاد.
تفائلي خير ان شاء الله هتقوم بالسلامة وهتبقى زي الفل كمان، قالت سعاد وصوتها يحمل نبرة ترجي: يارب يا كوثر يارب، لو جرالها حاجه أنا مش هقدر أعيش بعدها ثانية واحده، قال ادهم شاردا: ومين اللي هيقدر يعيش بعدها؟!..

ذهب الجميع ماعدا ادهم الذي ظل في المشفى ليكون بجوار نصفه الآخر وتوأم روحه.
ريتاج...

كان بنفس ملابسه منذ الحادث رفض ان يبدلها الاّ عندما تنتقل ريتاج من هذه الغرفة المخيفة، وقف امام الزجاج العاكس لغرفة الرعاية ينظر اليها، لم يستط ان يرى سوى الاسلاك المغذية التي تصل الى جسدها الضعيف، وقف واضعا يده على الزجاج مناجياً ايَّاها: قومي يا تاجي، قاومي، انا عارفك متمرِّدة إوعي تضعفي، قاومي، ارجعي لي يا متمردتي، ارجعي لي!

مر يومين و ريتاج لا تزال في الرعاية وادهم على حالته يرفض الابتعاد قيد أنملة بعيدا عنها وكان يطمئن سعاد على حالة ريتاج هاتفيا ورفض ان تأتي فهي لا تزال في الرعاية المركزة ولن تستطيع رؤيتها وطلب منها ان تلازم الصبر والصلاة وقراءة القرآن وان تدعو الله لها كثيرا...

أتت الممرضة لتدخل لتطمئن على ريتاج وسألها ادهم بلهفة حال خروجها: عاملة ايه يا نيرس؟ قالت له بعمليَّة: ادعي لها، هي محتاجه دعواتكم دلوقتي، والتفتت لتغادر ثم وكأنها قد أشفقت على هذا العاشق الحزين فالتفتت اليه ثانية وقالت: حضرتك جوزها مش كدا؟
أومأ برأسه موافقا بينما عيناه لا تزالان معلقتان بجسد ريتاج امامه، قالت الممرضة: عاوز تشوفها؟
التفتت اليها بقوة ناظرا بدهشة وقال: هو، ممكن أشوفها؟

قالت الممرضة بإبتسامة صغيرة: هو ممنوع لكن ممكن أخليك تشوفها دقيقتين اتنين بس؟
قال بلهفة: متشكر أووي اووي يا نيرس دا جميل عمري ما هنساه!

دخل ادهم بعد ان ارتدى غطاءا للرأس وكمامة، تقدم من الفراش بينما همست الممرضة: دقيقتين اتنين بس لو سمحت.
علشان ما اتئذيش أنا فيها.

أومأ موافقا فانصرفت بينما اقترب من الفراش ليطالعه جسد ريتاج المحاط بالأسلاك المغذية وقناع الأكسجين فوق أنفها، رفع الكمامة اعلى رأسه ومال فوقها مقبلا جبهتها وقال لها وهو ينظر الى ملامحها يلتهمها بعينيه: وحشتيني، وحشتيني أووي يا تاجي، جلب كرسيا كان بعيدا وجلس ثم مد يده ممسدا يدها الموضوعه بجانبها يصل اليها الابر المغذية وقال بهمس: عارفة، أول مرة من يوم ماشوفتك اتكلم وانت ماترديش عليَّا، أنا مش همشي من المستشفى غير رجلي على رجلك.

أسند جبهته على الفراش بجانب يدها وهو يتنهد بعمق، شعر بحركة تكاد لا تُلاحظ بجانب رأسه، قطب رافعا رأسه ليشاهد أصابع يدها تتحرك ببطء تفاجيء ونظر اليها ليراها وقد فتحت عينيها قليلا ثم ابتسمت من وراء قناع الأكسجين ابتسامة شاحبة ومالبثت أن أغمضت عينيها ثانية مستسلمة للظلام!

دخلت الممرضة وقالت بلهفة وهي تقف بجوار باب الغرفة: لو سمحت يا أستاذ كفاية كدا.
الدكتور هيمر دلوقتي ولو شافك هتأذي، قال ادهم وهو في حالة وجوم: فتحت عينيها!
ثم قام متجها الى الممرضة وقال بلهفة: فتحت عينيها يا نيرس وابتسمت لي، قطبت الممرضة قليلا ثم اتجهت لتفحص ريتاج وما لبثت ان اسرعت مغادرة وهي تقول: لازم أنده الدكتور حالا!
خرج ادهم وراءها وقال لها بتساؤل: ليه؟ مش هي طالما فتحت عينيها يبقى فاقت؟

قالت له باستعجال: الدكتور لازم يشوفها مقدرش اقولك حاجه قبل ما الدكتور يقرر، واندفعت لتبلغ الطبيب المعالج لريتاج...

فوجيء أدهم الواقف بجوار غرفة الرعاية باندفاع الطبيب وطاقم التمريض الى الداخل وبعد برهة خرج الطبيب وقال وهو يقف امامه: حضرتك جوزها مش كدا؟
ابتلع أدهم ريقه بصعوبة ولم يستطع النطق فأشار برأسه بالإيجاب وقلبه يرجف في صدره لا يستطيع تخمين ماذا يريد الطبيب ان يبلغه؟ لقد فتحت عيناها ونظرت اليه مبتسمة قبل ان تغيب عن الوعي ثانيه ترى هل هذا ما يسمى بحلاوة الروح؟

انتظر كلام الطبيب بوجه مرسوم عليه آيات القلق وهو يسمع الطبيب يقول وقد بدأت أساريره بالانفراج مربتاً على كتفه: حمدلله على سلامة المدام.
نظر اليه ادهم وقال بتردد غريب عنه: يعني مرحلة الخطر.

قاطعه الطبيب مبتسما: مرحلة الخطر عدِّت الحمدلله ومؤشراتها الحيوية ممتازة وأول ما تفوق هننقلها أودة عادية، أشرقت اسارير أدهم وقال بفرح: بجد؟ ثم اندفع محتضنا الطبيب لفرحته وقال: انا مش عارف أقولك ايه يا دكتور انت ردِّيت فيَّا الروح.
قال الطبيب وقد ابتعد عن ادهم ضاحكا: انا ماعملتش غير واجبي.
بس ياريت انت تغير هدومك كدا وتحلق دقنك علشان لما تصحى وتشوفك ماتتخاضيش!

أومأ ادهم برأسه وقال: فعلا عندك حق انا هروح احلق واغير واجيلها على طول...

انصرف ادهم متجهاً الى المنزل ليزف اليهم بشرى اجتياز ريتاج مرحلة الخطر ويبدل ثيابه ثم يعود ثانية الى المشفى.

دخل ادهم المنزل وسأل سيّدة التي تعمل لديهم في منزلهم المطل على البحر بالغردقة بلهفة عن الجميع فأخبرته انهم في حجرة الجلوس ثم سألته في لهفة عن حال ريتاج فقال لها بسعاده: تعالي معايا وانت تعرفي!
سار الى حجرة الجلوس تلحقه سيِّدة، دخل الغرفة مندفعا وهو يصرخ قائلا: تاج عدت مرحلة الخطر!

سكت الجميع ثم ما لبث ان استوعبوا ما يقول ليهللوا بعد ذلك وقالت سعاد ودموعها تنهمر من الفرح: بجد يا ادهم؟ تاج عدت مرحلة الخطر خلاص؟
قال ادهم مؤكدا: ايوة.
انا رجعت افرحكم واغير هدومي وهرجع لها تاني، قامت سعاد تقول بلهفة: خدني معاك يا ادهم، قالت كوثر: هو انتو بس؟ احنا كلنا هنروح.

قالت راندا وهي تركض لتحدث نزار: انا هقول لنزار ونحصلكم ع المستشفى، في حين قال محمود: وانا هبلغ مها علشان اطمنها كان نفسها تكون موجودة بس ما نفعش رجعت مصر وأمنتني اني ابلغها أول ما تاج تفوق، قال ادهم: طيب اجهزوا على ما اروح اخد دش واغير هدومي، وصعد سريعا الى غرفته تاركاً إيَّاهم ليجهزوا أنفسهم للذهاب الى ريتاج...

تم نقل ريتاج الى غرفة عادية وحضر الجميع للاطمئنان عليها، دخلوا اليها بعد ان ابلغتهم الممرضة بعدم اطالة الزيارة لتجنب الارهاق للمريضة، فتحت ريتاج عينيها ليطالعها عيني سعاد التي مالت عليها مقبلة اياها وقالت بدموع الفرح: حمدلله على سلامتك يا احلى حاجه في عمر مامتك، يارب ما عدت اشوف فيكي حاجه وحشة تاني ابدا يارب، تحمَّد الجميع لريتاج بالسلامة وتقدم منها ادهم في الاخير ومال عليها مقبلا جبهتها وهو يقول بابتسامة حانية: حمدلله على السلامة يا تاجي، ابتسمت ريتاج ابتسامة شاحبة وقالت بضعف: الله يسلمك يا ادهم، أغمض أدهم عينيه وتنفس عميقا ثم فتحهما ونظر اليها قائلا: ربنا ما يحرمني من سماع اسمي منك تاني يا قلب ادهم، ابتسمت بضعف ثم انتبهوا الى راندا التي قالت بمرح: ماكنتش أعرف انك رومانسي اووي كدا يا أبيه!

نظر اليها ادهم بنصف عين ثم قال موجها حديثه الى نزار المبتسم: نزار خلِّي مراتك تبعد بعيد عني وعن مراتي لو سمحت، قال نزار وهو يسحب راندا ناحيته: جبتيلي الكلام.
اسكتي بأه!
تصنعت راندا الحزن وقالت ناظرة الى نزار ببراءة مصطنعه: انا؟ انا جبت لك الكلام يا نزار؟ وانا اللي كنت فاكرة انك هتقف في صفي؟!
ثم مالت اليه هامسة بمكر: خلاص شوف مين هيوافق ان الفرح يتقدم!
همس لها قائلا برجاء: لالالا كُلُّو الاَّ دا!

ثم وجه كلامه الى ادهم قائلا: حمدلله على سلامة ريتاج يا ادهم معلهش انت عارف راندا بتحب ريتاج أد ايه وفرحانالكم اووي، ضحك الجميع مسرورون بنجاة ريتاج.

غادر الجميع المشفى وصمم ادهم على البقاء وكان الطبيب قد ابلغهم انها قد تستطيع الخروج في غضون ايام قليلة ولكن ليس قبل أن يتأكد من شفاؤها بالكامل...

جلس ادهم يطالع ريتاج الراقدة امامه في الفراش وابتسمت قائلة: هتفضل تبص لي كتير كدا يا ادهم؟
مد يده مبعدا خصلة من شعرها شاردة على جبينها وقال بخفوت: تصدقي انى خايف أغمض عيني وأفتحها الاقي نفسي بحلم!
ابتسمت ريتاج وخفضت نظرها خجلة فوضع ابهامه تحت ذقنها رافعا وجهها اليه ونظر اليها لوهلة قبل ان يميل مقبلا اياها على جبهتها ثم قال: عارفة انا عاوز ايه دلوقتي؟ هزت برأسها يمينا ويسارا وقالت: لا معرفش!

قال بابتسامة: عاوز أنام! بئالي 4 ايام عيني ماشافتش النوم!
ابتسمت متعجبة وقالت: طيب ماروحتش ليه معهم وكنت جيت لي الصبح؟
قال لها: لا طبعا انا مش هتحرك من هنا من غيرك.
رجلي على رجلك!

ابتسمت ثم قالت له بخفوت: طيب ممكن أطلب منك طلب؟
ابتسم قائلا: انت مش تطلبي انت تؤمري!
قالت وقد نظرت اليه وعينيها تلمعان: ممكن تاخدني في حضنك لغاية ما انام؟
تفاجيء من طلبها ولكن سرعان ما ارتسمت ابتسامة واسعه على وجهه وهويقول: ممكن جدا طبعا!
ورقد بجوارها واضعا ذراعه تحت راسها ومحيطا خصرها بالأخرى بينما استكانت واضعه يدها على صدره وقد شعرت بدقات قلبه القوية...

تكلم ادهم بخفوت قائلا: عارفة.

انا عمري ما كنت اتصور اني ممكن أحب حد اووي كدا؟! بس اللي حصل اني حبيت أوووي واتحبيت اووي كمان، انك تحب دا شيء جميل بس الأجمل انك تحب وتتحب، لحظة ما خدتيني في حضنك علشان تفاديني لحظتها حسيت ان روحي بتتسحب مني في ثانيه قلت لو بعد الشر جرالك حاجه هعيش من غيرك ازاي؟ رفعت نظراتها اليه وقالت: انا كمان يا ادهم ما كنتش اعرف انا بحبك أد ايه غير لحظة ما لمحته وهو عاوز يضربك باللي معاه.

ساعتها خدت قراري في ثانية.
انا من غيرك ماقدرش اعيش.
انت كل حياتي يا ادهم وشيء عادي انى افديك بروحي لما تكون انت الروح دي يا ادهم!

ضمها بقوة اليه مقبلا شعرها وقال بهمس: انا هقول للدكتور يكتب لك خروج من بكرة وانا اللي هاخد بالي منك ان شالله حتى اجيبلك كونسلتو دكاترة في البيت بس تكونى جنبي وقدام عيني وفي حضني، ابتسمت وقالت: وانا كمان نفسي ارجع البيت يا ادهم خلاص تعبت من المستشفى، قال لها: قريب اووي ان شاءالله يا حبيبتي، اغلقت عينيها وهي تنام على صدره وابتسامة خفيفة ترتسم على شفتيها فها هي في حضن حبيبها وحصن أمانها من جديد...

خرجت ريتاج من المشفى بعد اسبوع وكان ادهم قد سأل الطبيب عن سفرها الى القاهرة فوافق الطبيب فالرحلة ليست بالشاقة فكان أن اخذها من المشفى الى المطار رأسا وكان الباقون قد سبقوهم الى منزلهم بالقاهرة، كما أن أدهم قد قرر اقامة حفلة كبيرة بمناسبة شفاؤها وعودتها الى المنزل بالسلامة.

وقفت السيارة التي كانت بانتظارهم في المطار امام البوابه الداخلية وسارع ادهم للنزول ليساعد ريتاج على النزول من السيارة من دون ان ينتظر حمزة السائق ان يفتح لهما باب السيارة، فتح لها باب السيارة وهو يقول مشيرا اليها بالخروج: نورت بيتك يا تاجي، خرجت ريتاج من السيارة وجالت بنظرها في انحاء حديقة المنزل وتنشقت عاليا رائحة الزهور العبقة ثم نظرت الى ادهم مبتسمة وقالت: منورة بيك يا أدهمي!

ضحك ادهم ثم اقترب منها قائلا بهمس: حلوة اووي أدهمي دي!
و، رفعها فجأة حاملا ايَّاها بين ذراعيه ما جعلها تشهق عاليا وهي تقول له: نزلني يا ادهم مايصحش كدا!
لم يستمع اليها وسار حتى الباب الداخلي وهو يقول: هو ايه دا اللي ما يصحش؟ لا طبعا دا ما يصحش الَّا دا!

ثم قرع جرس الباب لتفتح بدور التي ما ان طالعها ادهم حاملا ريتاج حتى أطلقت زغرودة طويلة ثم قالت بفرح: حمد لله على سلامتك يا ست تاج، دخل ادهم بينما جاء الجميع لاستطلاع سبب زغرودة بدور وكان ادهم قد أخفى نبأ خروج ريتاج من المشفى لمفاجئتهم...

بعد ان رحب بها الجميع وجلسوا حولها يباركون لها بالشفاء قال ادهم: بالمناسبة دي، ان تاجي رجعت لنا بالسلامة وليَّا انا مخصوص علشان كدا انا هعمل حفلة كبيرة هنا في الفيلا وهعزم كل اهلنا واصحابنا وحبايبنا من الآخر انا هعمل فرح تاني ليَّا أنا وتاجي، وبعد الفرح هنطلع شهر العسل اللي اتأجل كتير اووي، تنحنح محمود قليلا ثم قال: مبروك يا بوس ألف مبروك.

طيب هو ينفع الفرح دا يكون جماعي؟ يعني انا كمان نفسي اتجوز.
عارف انك هتقولي وكليِّتك ماتخافش يا بوس انا كلها شهرين وامتحن وعموما انا واخد بالي اووي من مذاكرتي، هز أدهم برأسه رافضا وهو يقول: يعني انت عاوز تتجوز من هنا وتنشغل عن عروستك بالمذاكرة من هنا؟ لالا يا ابو حنفي فرحكو هيكون بعد ما تخلص امتحانك علشان تكون مرتب لشهر عسل حلو كدا ولا ايه يا راندا؟

التفتت أنظار الموجودين الى راندا التي تفاجئت من سؤال ادهم وقالت بتردد وخجل: وانا مالي يا أبيه دا موضوع محمود؟
نظر اليها أدهم قائلا بخبث: لا ما هو مش محمود اللي مستعجل ع الجواز لوحده خطيبك كمان كلمني عاوزكم تتجوزوا انهارده قبل بكره بس انا قلت له ان امتحاناتك بعد شهرين وافق بالعافية خصوصا لما قلت له ان فرحك انت ومحمود هيكون في ليلة واحده، ابتسمت راندا وقالت بخجل: اللي تقول عليه يمشي يا أبيه!

ضحك الجميع وقالت كوثر والدموع تترقرق في عينيها: ألف ألف مبروك يا حبايبي، وقالت سعاد: ألف مبروك يا ولاد الفرح شيء جميل أووي ربنا ما يحرمنا من السعادة دي ابدا يارب، في حين نظرت ريتاج الى ادهم وقالت: معقوله يا ادهم؟ هتعمل لي فرح تاني؟ انت هتخلي الناس تضحك علينا ويقولوا اننا اتجننا!
قال بإعتداد بالنفس: والله ماحدش له حاجه عندنا.
احنا هنعمل فرح ونعزم اهلنا وجيراننا واصحابنا بس.

عاوز افرح معهم ان عروستي رجعت لي من تاني بفضل الله، ثم التفت الى أمه قائلا: انا كلمت عم علي في المزرعه انهارده يا ماما قلت له يدبح عجلين ويفرقهم لله شكر لربنا لشفاء تاجي وانها قامت لي بالسلامة، دعت له كوثر قائلة: ربنا يزيدك كمان وكمان يا ادهم يا حبيبي، قالت ريتاج بخفوت: بس انا مش موافقة يا ادهم؟
نظر الجميع اليها في دهشة بينما ادهم يقول: ايه؟ مش موافقة؟ ليه يا تاج؟

قالت وعينيها تغشاهما سحابة رقيقة: عاوزة ارجع بيت بابا!
تفاجئ ادهم وصاح قائلا: ايه؟ ترجعي بيت بابا؟..

لِم رفضت ريتاج عرض ادهم بإقامة فرح ثان لهما؟ لما طلبت العودة الى منزل والدها؟ ترى ما هو قرارها الذي ستبلغه لأدهم بكل عزم وتصميم؟ تابعوني في أحداث الحلقة الأخيرة من، المتمردة...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة