قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية القناع الخفي للعشق (مافيا الحي الشعبي) للكاتبة آية محمد رفعت الفصل الثلاثون

رواية القناع الخفي للعشق (مافيا الحي الشعبي) للكاتبة آية محمد رفعت الفصل الثلاثون

رواية القناع الخفي للعشق (مافيا الحي الشعبي) للكاتبة آية محمد رفعت الفصل الثلاثون

توقفت السيارة أمام المشفي فحملها أدهم وهبط مسرعاً للداخل ليصرخ بغضب بمن حوله: عايز دكتور فوراً..

أنقطعت الهمسات فيما بينهم ليتطلعوا له بأهتمام فأسرع إليه أحد الممرضات لتنقلها لغرفة الجراحه على الفور، لحق بهم عبد الرحمن ليستعلم عن حالتها بعد أن أخبرهم بأنه طبيب هو الأخر بينما ظل أحمد لجوار النمر الساكن بنيران تتأجج بداخله، يحتضن وجهه بيديه ونظراته تكاد تحطم الفراغ من شدة حقده على هذا اللعين ليقطع وعده له بالهلاك ولكن عليه أولاٍ أن يطمئن علي من ملكت أسارير قلبه، وصل رجال المنياوي وعلى رأسهم الحاج طلعت المنياوي الذي جلس لجوار أدهم فى محاولة لكبت أحزانه على ما حدث فقال بثباته المعتاد: هتبقى بخير يا ولدي متقلقش..

رفع أدهم عيناه بأشارة حاملة لليأس كأنه بحاجة للحديث أو الشكوى أو الصراخ فربما الحل الأمثل لما يشعر به..
دقات القلب بترطم صادح كلما يمر الوقت كأنه عهد من الزمان، صفون الآنين ينجيه بأن يثور يصرخ يبكي لعله ينال الشفقة والوجدان...

عيناه تراقب الغرفة كالصقر ذو البصر الحاد، يريد الركض بأقصى سرعة لديه ليحطم ذلك الحاجز ويحتضنها بقوة لعلها تستمع لخفق القلب المجنون فتنهض مسرعة لترتمى بأحضان العاشق المتيم، عاشق ميزه العشق بتاج الكبرياء ليصبح كالنمر المطعون بهوسٍ سحره خاص، سكنت الضربات وتعال الفزع حينما خرج الطبيب من الداخل، شعر بأن قدميه قد بترت فلم يعد بقادر على الحركة، بقى ساكناً كما هو يتراقب كلمات الطبيب التى ستكون بمثابة نهاية لمصير أو منحه الآذن للحياة مجدداً، مرت الثواني كالجمرات المشتعلة وهو يرى أحمد يتقدم منه بقى كما هو يتأملهم بصمت وعدم قدرة على الحركة لينهى الأمر سريعاً حينما ركض للغرفة غير عابئ بصيحات الطبيب له، ليرى معشوقته غافلة على الفراش، أقترب منها غير عابئ لمن يحاولون الصراخ عليه بالخروج ليقترب منها بصدمة وهو يضمها لصدره قائلاٍ بصوتٍ محطم: لو فاكرة أني ممكن أنساكِ أو هقدر أعيش من غيرك تبقى غلط يا جيانا، العشق الا بقلبي دا أنتِ السبب فيه ومستحيل هتخلى عنه بسهولة...

حاولت الممرضة الحديث فهى تعد المريضة للخروج من العمليات فصمت حينما منعها الطبيب من ذلك، نعم وقف الطبيب عاجزاً عن الحديث حينما أستمع لكلمات النمر وهو بحد علمه المتواضع أنهم من الطبقة البسيطة فخيل له أن العشق يترابط بطبقات المجتمع!.

بدأت بأستعادى وعيها بعدما زال مفعول المخدر لتصدر آنين خافت بين أحضانه ويدها تتحسس جسدها المغفل عن الحركة، شعر بهمسها الخافت فأبعدها عنه بخفة ليجدها تجاهد بفتح عيناها، تسللت السعادة لعيناه فأحتضنها بقوة قائلاٍ بعشق: كنت عارف أن ربنا كريم مستحيل هيأخدك مني وأنتِ سبب حياتي يا جيانا..
أقتربت منه الممرضة قائلة بحذر: لو سمحت يا أستاذ عايزة أجهز المريضة عشان تخرج لغرفة عادية..

أستدار بوجهه قائلاٍ بثباته الفتاك: أنا هجهزها.

كادت بالغضب فأبتسم الطبيب مشيراً لها بالخروج وبالفعل خرجت، تقدم منها أدهم ليبدل ثيابها فألقى الثياب الخاصة بالجراحة ليلبسها ملابس أخري ثم وضع الحجاب على رأسها بعدما طبع قبلة عميقة على جبينها، كانت بعالم أخر مظلم تجاهد بالخروج منه، مع فتح عيناها كانت تراه أمامها يعاونها على أرتداء ملابسها، جاهدت لتبقى الرؤيا واضحة فتزين برؤياه ولكن مازال المخدر أقوى منها..

هبطت دمعة خائنة منها وهى تستمع لكلماته، تلون وجهها بحمرة الخجل حينما طبع قبلة على جبينها فذهل أدهم كثيراً ليبتسم قائلاٍ بسخرية: حتى وأنتِ غايبة عن الوعي!.
حملها برفق ثم خرج بها ليجد الممرضة أمامه تكاد تفتك من نظراتها الغاضبة فتطلع لها ببرود: فين الأوضة؟
أشارت له بتأفف فتوجه لها بخطى بطيئة حتى لا تتأذي معشوقته...

وضعها برفق وهدوء ثم داثرها جيداً ليأتي الطبيب ويشرع بتعليق المحاليل الطبية بيدها الهزيلة، وهو لجوارها يتألم لرؤية أنكماش ملامح وجهها ليحاول جاهداً بالأ يحطم عنقه!..

خرج الطبيب من الغرفة تاركه لجوارها ليجلس جوارها ويقترب ليهمس بأذنيها فتلفح أنفاسه وجهها بكلماته العطرة: عارف أنك سمعاني وعارف أنك بتحسي بيا زي ما بحس بيكِ، وعدتك أني هكون الحمى ليكِ لأخر يوم بعمري وللأسف فشلت الا حصل دا خالني أعرف الفرق بين حب أي زوج لزوجته وبين عشقي ليكِ المميز يا جيانا...

ثم رفع يديه يلامس ملامح وجهها بأصابع يديه الحنونة: أنا كنت بره بموت أكتر منك وبتعذب أكتر من وجعك عشان كدا ربنا رأف بيا..
تساقطت الدموع من عيناها كأنها أشارة له بأنها تستمع إليه ليقترب منها ويجفف دمعاتها الثمينة بسحره الخاص قائلاٍ بعشق: أنا جانبك وهفضل جانبك لأخر أنفاسي...
لمعت عيناه بشرارة غامضة فأقترب ليهمس مجدداً: هسيبك دلوقتي عشان قبل ما ترجعي لوعيك أكون نفذت وعدي ليكِ..

ونهض النمر بعد أن طافت به شرارة غامضة تجعله كالثائر المتأهب للأنتقام.

بفيلا زين...
تألق ببذلته الأنيقة ليطل بسحره الفتاك بعدما صفف شعره الحريري واضعاً البرفنيوم الخاص به، هبط للأسفل وعيناه تبحث عنها بتسلية، طافت عيناه القاعة فخطي ببطئ للداخل ليتسمر محله بصدمة أستحوذت عليه حينما وجدها تقف أمام البراد، تتناول الطعام بطريقة أفزعته وما جذب أهتمامه خصلات شعرها المربوطة بحذم لينتهي مصيرها بحبات الجزر كأنهن الرابط البديل!..

تناولت همس الشوكلا ثم وضعت العلبة بالبراد لتجذب ثمرة من الفاكهة بضيق وتتناولها بنهم...
جذبت المقلاة ووضعت شرائح الدجاج ثم شرعت بالطهي وبيدها قطعة من الحلوي لتضعها بجانبها وتجذب الجزر فيتدلى بعض الخصلات على عيناها، تناولتها مرددة بغضب وتذكر: ماشي يا زين بتخوني لا وكمان أيه بتنكر بس على مين دانا هوريك صبرك عليا بس...

وجذبت الجزر تتناوله بنهم وغيظ، إبتلع زين ريقه برعب حقيقي فأنسحب برفق للخارج مردداً بصدمة من أمرها: فى حاجة غلط
ثم أنحني بجسده ليراها مجدداً قائلاٍ بذهول: مستحيل اللي بيحصل دا..
شعرت بحركة خافتة بالخارج فتوجهت لترى ماذا هناك؟، رأته يقف على بعد منها يتحدث بصوتٍ يكاد يكون مسموع لها، أقتربت منه لترفع يدها على كتفيه قائلة بغضب: واقف كدليه؟!

أنتفض بفزع ولكن سرعان ما عاد لثباته الزائف قائلاٍ بصوته الرجولي الحاد: وأنتِ شاغله نفسك بوقفتي ليه خاليكي بنفسك وفى الا بتعمليه
تطلعت له بنظرات كالسهام المشتعلة قائلة بغضب: أنت ليك عين تكلمني بالطريقة دي بعد اللي عملته!
رمقها بنظرة مطولة ثم تقدم منها ليحاصرها بين ذراعيه والحائط قائلاٍ بسخرية: عندك حق أنا فعلا عملت غلطة كبيرة جداً عارفة هى أيه؟

تطلعت له كالبلهاء فأخذت تشق غبارها برحلتها المجهولة بين طواف عيناه الزرقاء، إبتلعت ريقها بصعوبة وهى تشير بكتفيها بعدم معرفتها ما يقوله ليكمل بغضب وغيظ: غلطتي أني أستحملت جنانك دا من الأول...
هوت نظراتها ليحتلهم الغضب القاطع فدفشته بعيداً عنها بضيق لتصبح بصراخ: بقى أنا مجنونة يا زين عشان قفشتك على حقيقتك..
تبلدت ملامحه مردداً بسخرية: قفشتك! أنتِ ليه محسساني أنك أتبدلتي بالغلط؟

ضيقت عيناها بغرور: أنا لسه زي مأنا يا حبيبي شوف نفسك الأول...
كبت غضبه بثبات فأقترب منها ببطئ لتتراجع للخلف بأرتباك وتوتر جاهد للتخفي بحديثها: عايز أيه؟.
ظهرت بسمة الخبث على وجهه ليقترب أكثر مردداً بهمسٍ ساخر: عايز أشوفك وأنتِ متلخبطة كدا ووش القوة المصطنع دا بيتشال مع كل خطوة بقربها منك..

تأملت حركات شفتيه بفضول لمعرفة ما يقول ولكن فشلت بنهاية الأمر فكانت أسيرة لعيناه، رفع يديه لجوارها والمكر يحفل على ملامحه قائلاٍ بسخرية: كنتِ بتقولي أيه؟
حاولت الحديث ؛ فرفع يديه يحتضن بها وجهها لتغمض عيناها سريعاً فى محاولة بائسة بالتحكم بذاتها، تطلع لها زين بعشق أنقلب لهوس وجنون، فشعر بأنه أن ظل لجوارها أعواماً متفارقة لن يشعر بالأمر...

دفشته بخجل وسحبت نظراتها سريعاً فأعتدل بوقفته بأبتسامة مكر ليرفع يديه ويجذب أخر ثمرات الجزر من بين خصلات شعرها المموج ليضعها أمام عيناها بسخرية: متنسيش تزرعي المرة الجاية بتنجان..
جذبتها منه بنظرات نارية لتلتهمها بغضب بعدما توجهت للأعلى بتوعد له لتتعالى ضحكاته وهو يتبعها بنظراته الدافئة مشيراً برأسه بأستسلام لجنونها، رفع معصمه ليرى ساعة يديه بأستغراب: أدهم أتاخر أوي كدليه؟!.

ضيق عيناه بغضب: أكيد راح هناك ونسى أني بستناه..
مرر يديه بين خصلات شعره الغزير كمحاولة للتحكم بثباته ليجذب مفاتيح سيارته ويغادر بهدوء...

فتحت عيناها ببعض التعب لتتضح لها الرؤيا بوضوح ؛ فوجدت الجميع لجوارها، مررت عيناها على الجميع ببطئ ولهفة لتراه ولكن أنتهت جولتها بالحزن، تفهم أحمد ما تريد فأقترب لينحني لمستواها قائلاٍ بأبتسامة هادئة: حمدلله على سلامتك حبيبتي أدهم شوية وجاي...
أكتفت بالأشارة له لتستدير لوالدتها التى صاحت ببكاء: كدا يا جيانا تعملي فى ماما كدا أنا كنت هموت يابنتي..

رفعت يديها الهزيلة على يد والدتها تحتضنها كمحاولة للمواساة فلم تقدر على الحديث بعد.
أقتربت منها نجلاء سلوي بدموع: خضتينا عليكِ يا ضنايا..
صاحت نجلاء بحذم: ما خلاص بقى منك ليها أحمدوا ربنا أنها جيت على أد كدا...
ولج عبد الرحمن ليقدم الهاتف لنجلاء بغضب: شوفيهم بدل ما أتعصب عليهم.
تناولت منه الهاتف بستغراب: هما مين يابني.

أقترب من جيانا يتفحص المحاليل بعناية مشيراً لها بغضب: البنات عايزين يجوا هنا وأنا بحاول أفهمهم أنه مينفعش جدكم مش هيسمح بوجودهم وكل شوية يزعق عشان مرتات عمي موجودين هنا معانا بس مفيش فايدة خرجوني عن شعوري..
أشارت له بتفهم وخرجت لتتحدث معهم بهدوء لتبث الراحه بنفوسهن بأن رفيقة الدرب بخير..
أنهى عبد الرحمن عمله لينحني قليلاٍ قائلاٍ بحزن: حاسة بأية يا جيانا؟.

أستدارت بوجهها له لتهوى الدمع بلا توقف قائلة بصعوبة بالغة بالحديث: أ د ه م. (أدهم).
أشار لها بأبتسامة بسيطة: متقلقيش هشوفه فين وأطلبه يجي حالا..
أشارت بوجهها بدمع يتلألأ بعيناها، أستقام عبد الرحمن بوقفته ليستدير لأحمد بنظرات فهمها على الفور فأشار له بعدم معرفته بمكان النمر، زفر عبد الرحمن بغضب مما سيفعله أدهم بمفرده فخرج من الغرفة سريعاً ليتابعه أحمد على الفور للخارج.

عبد الرحمن بغضب: أزاي تسيبه يخرج من هنا لوحده يا أحمد..
أجابه الأخر بحزن: مجاش فى دماغي حاجه غير أني أطمئن على أختي..
زفر بمحاولات التحكم بذاته: ربنا يستر وميكنش وصل للحيوان دا..
: أيه الا حصول..
كلماته منبع للثبات تبث الرهبة بمن يستمع لصوته الصارم، أستدار احمد وعبد الرحمن على صوته ليجدوه يقف أمامهم بثبات، آبتلع أحمد ريقه بأرتباك: مفيش يا جدي.

ضرب الأرض بعصاه الأنبوسية كدليل على غضبه العاصف: هتكذب عاد!..
ثم تقدم ليقف أمامهم قائلاٍ بنبرة لا تحتمل نقاشات: واد عمك فين؟.
حسم عبد الرحمن قراره ليقص عليه ما أخبره أدهم به ليتكور الغضب عين طلعت المنياوي فأخرج هاتفه سريعاً ليطالب معاونة رفيق الدرب...

بقصر حازم السيوفي ..
أنهت الترتيبات بالقصر بزواج حنين وحمزة فتبادل البعض التهاني، وقف زين لجوار حازم قائلاٍ بقلق: مش معقول أن محدش منهم يجي كدا أكيد فى حاجة
أعتدل حازم بوقفته قائلاٍ بلهفة: ربنا يستر كلم أدهم وشوف فى أيه؟
أجابه بضيق: تلفونه مقفول
أردف الأخر سريعاً: خلاص كلم أحمد..
جذب زين الهاتف وبالفعل طلب أحمد ليخرج صوته الغاضب: أزاي يا أحمد متقولش..
طب أنت فين دلوقتي؟

خاليكم مكانكم أنا جايلكم حالا..
وأغلق الهاتف ليسرع لسيارته بعد أن قدم التهاني لحمزة ليرحل سريعاً، صعد لسيارته وكاد بالتحرك ليجد حازم لجواره، أشار له بغضب: مش هينفع يا حازم لازم تكون جانب أخوك..
رفع عيناه الرومادية بضيق: لو فاكر أني ممكن أتخل عنكم فى الظرف دا تبقى هتضيع كل وقتك هنا..
إبتسم زين بسخرية: مع بعض للجحيم..

تعالت ضحكات حازم ليقطعها صوت السيارة بعدما تحرك بها زين سريعاً ليلحق باحمد وعبد الرحمن...

ظلت لجوارها تشاركها البسمة حتى أنتهي الحفل فبحثت عن معشوقها بأستغراب من عدم وجوده، اقتربت من حمزة قائلة بتوتر: حازم فين يا حمزة؟
رفع عيناه الهائمة بشرارة غامضة: معرفش يا رهف بس تقريباً خرج مع زين، متقلقيش..
أشارت له ببسمة هادئة فكادت الصعود لغرفتها لتركهم بمفردهم، توقفت عن الصعود حينما صاح: رهف..
أستدارت قائلة بثبات: أيوا..
تطلع حمزة لمن تجلس جواره بصمت قائلاٍ بغموض: عرفي حنين مكان الأوضة.

تعجبت كثيراً فكادت الحديث ولكنها صعقت حينما تركهم حمزة وغادر بصمت، دمعاتها تخفت خلف ستارها الأبيض وهى ترى بعيناها مصيرها المجهول الذي كان أختيارها، نهضت عن الأريكة المزينة لتقترب منها بأبتسامة باهتة، أردت رهف الحديث معها لمعرفة الأمر الغامض بينهم ولكن فضلت الصمت حتى لا تكون غير مرغومة على الحديث..
أتابعتها حنين للأعلي فأشارت لها رهف على الغرفة ثم توجهت لغرفتها هى الأخري...

، جذبت النقاب عن وجهها لتنفجر بنوبة بكاء حادة تخرح بها ما يكبت بذلك القلب، لا تعلم لما تشعر بذاك الشعور المميت، كلماته تترنح بعقلها كأنها تتعمد أن تدعسها بلا رحمة، تعلم الآن بأنه سيتزوج بها للأنتقام عما تفوهت به فربما الآن صارت شكوكها حقيقة...
أما بالأسفل...
خلع عنه جاكيته والجرفات الخاص به بضيق ليجلس أرضاً بالهواء الطلق، يسارع هذا القلب العاشق والعقل المنتقم..

لا يعلم كم ظل هكذا من الوقت كل ما يراه أمامه طريقان أحداهما يسلكه قلبه والأخر أنتقامه اللعين، نعم هو بحاجة للقرار فالآن لم يعد هناك مفر له...

نهض حمزة بعد أن طال وقته بالتفكير الغامض فصعد للأعلى بخطاه المترنحة، فتح باب الغرفة ليجد الظلام الدامس حائل بالمكان والغرفة يطوفها السكون، لمحها تجلس أرضاً بركناً صغير محتضنه جسدها بذراعيها، أقترب منها حمزة بخطوات ثابتة بعض الشيء، تطلع لها طويلا ليتمكن من رؤية ملامحها بوضوح ولكن الظلام لم يمنحه الفرصة لذلك، قلبه عُصف بقوة وهى يرى تلك الفتاة التى لا طالما زرع صوراً لها وها هى أمام عيناه ولكن لا يتمكن من تحديد ملامح وجهها!، يرى فقط حورية تحتضن ذاتها بحزن، ملامح وجهها غامضة بعض الشيء ولكن شعرها الغزير كان أشد سواد من الظلام الكحيل فكأنه تعمد أن يحميها حينما أخفى حصرها ببراعة...

أقترب حمزة ليجلس بالقرب منها فكان الضوء متسلط عليه قليلاٍ كان يجلس بصمت مستنداً برأسه على الحائط متعمداً عدم النظر إليها...
طال الصمت بينهم لتقطعه هى حينما قالت بدموع: مستنى أيه يالا خد حقك مني بعد الكلمتين الا قولتلهم أو الحقيقة الا وجهتك بيها عشان كدا قررت تتجوزني تاني..
إبتسم بسخرية لتكمل بدموع وهى تهم بالنهوض: مفيش فايدة من الكلام مع أمثالك لأنك أحقر ما يك...

إبتلعت باقي كلماتها بصرخة مداوية حينما جذبها إليه بقوة وغضب، أغلقت عيناها برعب من مصيرها على يديه، شُلت أصابعه وهو يرأها عن قرب، بقي ساكناً للحظات يتراقب ملامحها ببطئ كأنه يختم صورتها بعيناه قبل أن يختمها بذاك القلب المهوس بعشقها قبل رؤية هذا الوجه، شعرت بتحرر يديه ففتحت عيناها لتراه أمامها، عيناه تتأملها بنظرات كالمشروب فجعلها كالفاقدة للوعى تحت تأثير تلك النظرات الفتاكة، بقيت تتأمله وهو هكذا، غامت العينان ببعضهم البعض فشعرت بطوافة من الآنين تقذفها بقوة لأحضانه الدافئة...

نهض حمزة ليجذبها إليه فقطع تلك اللحظة قائلاٍ بألم: رغم ظلمك المتواصل ليا مش قادر أكرهك كل ما بحاول بفشل للأسف...
أنتفض جسدها بين يديه فتركها قائلاٍ بنبرة محطمة كحاله: حبي ليكِ خالني ضعيف لدرجة أني بكره نفسي بجد..
وتركها وغادر بصمت لتجلس على الأريكة ببسمة رسمت تلقائياً بعدما أستمعت لسحر كلماته، ترنمت الكلمات بقسوة لتجعلها تفق على حقائق أعتقدت بأنها أطالت الأمور..

بمكانٍ أخر...
صاح بخوف: المعلم لو شم خبر أن البضاعه أتمسكت ممكن يخلص علينا كلنا..
أجابه الأخر برعب: طب والحل مهو كدا كدا لأزم يعرف..
زفر بضيق: يعرف بطريقته هو أحسن ما نقوله أحنا.
كاد الأخر أن يجيبه ولكن سرعان ما تخلي عن كلماته حينما ولج آسلام السلاموني للداخل ليجلس على مقعده المقزز قائلاٍ بغضب: فاكر أنك بقيت معلم وهتعرف تتحكم برجالتي يالا...

آبتلع ريقه برعب فى محاولات عديدة بالحديث ليقطعه بأشارة من يديه قائلاٍ بغضب: مش عايز أسمع صوتك غور هاتلي حاجة أشربها..
أنصاع له برعب: عيوني يا معلم..
وتوجه للخارج سريعاً قبل أن يطوف به الموت، شُعلت نظراته بضيق بعد ما حدث بأمواله الملوثة بدماء الأبرياء، طال أنتظاره فزفر بغضب: شوف الحيوان الا بره دا أتاخر ليه؟

أشار له سريعاً وخرج يتفحص هذا الأحمق الذي حطم أحد قواعد هذا اللعين آسلام السلاموني ولكنه صعق حينما رأه جثة هامدة، تراجع للخلف بصدمة حينما أقترب منه هذا النمر القاسي بعيناه الشييهة لزفاف الموتى، تعثرت أقدامه ليسقط أرضاً بعدما تراجع ليصبح بالداخل...
أستدار أسلام السلاموني قائلاٍ بستغراب: فى أيه يا زفت؟

طالته بعدما ولج للداخل كانت رداً على كلمته لينهض عن مقعده برعب حينما رأى أدهم أمام عيناه، نظراته تكاد تحرق من أمامه من شدة غضبه، طالت صدماته قائلاٍ بصدمة: أنت؟
رفع قدميه ليحطم عنق أخر رجاله قائلاٍ دون النظر إليه: كنت متوقع حد تاني؟
إبتلع ريقه برعب فأستدار لجواره يتفحص السلاح الأبيض ليحمله قائلاٍ بصدمة: وصلت هنا أزاي؟

أقترب أدهم بخطاه الثابتة ليستند بقدمياه على المقعد قائلاٍ بسخرية: هو أنت كنت فاكر أن العشة دي هتقدر تحميك بعد الا عملته ولا أفتكرت أن مكاتك لغز خفي صعب الوصول له..
أرتعب كثيراً ليبدأ بالحديث بعنف: جيت لقدرك..
أستكمل حديثه الساخر: مستعجل على موتك وأنا هكرمك..
وصاح بصوت مرتفع ليلبي أحد من رجاله نداءه الحامل للجبن ولكن الخذلان كان مصيره حينما لم يستجيب له أحد..

إبتسم أدهم بسخرية: الميت أحياناً بيبقى سمعه تقيل..
تراجع للخلف برعب فكيف تمكن من القضاء على رجاله الأقوياء!.
جذبه أدهم ليلتقى بعيناه الهائمة قائلاٍ بغضب: هديتك وصلتني بس وأنت جبان ومستخبي هنا زي الفار أنا حبيت أوصلك هديتي أنا كمان بس وش لوش زي أيه راجل
ولكمه أدهم بقوة ليستلقى أرضاً فى محاولة للهروب ولكنه قد سقط ضحية نمر طاف به الغضب ليجعله كالفهد..

ناوله لكمات قاتلة فكان مغيب لا يرى أحداً أمامه سوى أخر نظرات لمعشوقته قبل أن تفقد الوعى كأنها تذكره بوعده لها، رؤية جسدها الهزيل بين يديه منحته قوة تفوق قوته ليحمله بذراعيه على أحد الحوائط لينهي حياته...
طوفت الشرطة المكان فولج حازم وزين سريعاً ليتخشب كلا منهم من الصدمة، أسرع زين إليه فى محاولة بائسة بتحرير الرجل بينما صرخ به حازم بجنون: سيبه يا أدهم متوديش نفسك فى داهية..

لم يستمع لهم فكان مأسور من قبل نظراتها القاتلة، نظرات تمنى الموت والهوان على أن يتذكرها مجدداً..
نجح زين بصعوبة بمساعدة حازم بشل ذراعيه لتسرع الشرطة بالقبض عليه بعدما تمدد أرضاً يلتقط أنفاسه بصعوبة ونظراته تخترق أدهم بخوف كأنه رأى شبحاً ما يتوعد له!.
خرج مع أحد عناصر الشرطة للسيارة بصعوبة بعد أن لقى جزائه من الضرب المميت..
حاول حازم تهدئة أدهم بينما وقف زين مع المقدم يستمع له بثبات...

المقدم بهدوء: وصلنا بالوقت المناسب والا كان أدهم ممكن هيكون له وضع تاني، الا حصل للحيوان دا أنا هسجله بالشرطة أنه حاول يهرب وأحنا قومنا معاه بالواجب
إبتسم زين بأمتنان: بشكرك جداً يا سيادة المقدم..
أجابه الاخر بضيق: مفيش داعي للشكر الا زي دا حلال فيه الموت...

وغادر المقدم ليقترب زين من أدهم، جلس لجواره بفترة من الصمت يوزع نظراته بين النمر تارة وحازم تارة أخري ليقطع سيل الصمت بملل: متقولش أنك بتعز الحيوان دا لدرجة تخليك حابب تقعد بالمكان الزبالة دا كتير..
أستدار أدهم بوجهه له وكذلك فعل حازم لتطول نظراتهم لتنتهي بسيل من الضحكات الرجولية...

حازم بصعوبة بالحديث: هو بيعزه بس دا هيفتكره طول العمر، بعد الا شافه النهاردة أعتقد هيختم الأجرام بشهادة موقعة من وزير الصحة والبيئة..
زين بسخرية: أنا خايف المقدم يتوه عن الا حصل ويدخل سلاموني بسجن النسا..
لم يتمالك النمر زمام أموره لتتعال ضحكاته لأول مرة بينهم فكان فتاكٍ حقاً، شركوه الضحكات ليجذبه حازم بضيق مصطنع: قوم يا عم شوف مراتك ومتقلقش خالص حقك رجعلك كامل بدون تداخل الشرطة..

نهض النمر وتتابعهم للخارج ليصعد كلا منهم بسيارة زين ليتواجه للمشفي...

بالمشفي..
أحمد بقلق: مفيش جديد يا عبد الرحمن
وضع الهاتف بسرواله قائلاٍ بأبتسامة هادئة: زين طمني الشرطة قبضت على الكلب دا هما بطريقهم لهنا..
سعد أحمد كثيراً ولكن سرعان ما تبدلت ملامحه للأستغراب: بس أزاي زين وحازم عرفوا مكان أدهم والحيوان دا؟
أجابه الأخر بذهول: والله الوقتي كل حاجه هتكون على المكشوف..

بالداخل...
تراقبت عيناها الغرفة بتلهف لرؤياه غير عابئة بأوجاع جسدها المؤلمة، دقات قلبها تخترق صدرها بقوة لتلتقي به بعد أن شعرت بأن الموت كاد أن يفرقهما، منحها الله الصبر لتكون مكافأته رؤياه...

ولج للداخل بخطاه الثابت ليجدها أستعادة وعيها ونظراتها مركزة عليه كأنه لم يعد بالعالم أمامها سواه، أقترب منها أدهم ببطئ فرفعت يديها بتعب شديد وهى تردد حروف أسمه ببطئ شديد ودموع أشد، أحتضن يدها بين يديه ثم جلس لجوارها يحتضن وجهها بحنان يديه الأخري..
بكت نجلاء قائلة بصوت متقطع: هي كدا من ساعة ما فاقت منطقتش غير أسمك ورافضه تأخد أيه دوا..

تركتهم بمفردها وأغلقت باب الغرفة لتدع العاشق المتلهف من التوق برؤياها، جاهدت للحديث ولكن فشلت فأكتفت بالتطلع له بدموع وهمسٍ متقطع..
حملها لصدرها ليدفن رأيها بين رقبته حتي يتمكن من سماعها لتتعلق به كالطفل الصغير قائلة بدموع: ك ن ت خ ا ي ف ة ا م و ت و م ش ف ك ش ت ا ن ي (كنت خايفة أموت ومشفكش تاني )..

أغلق عيناه بقوة للفظها ذكر الموت فردد جوار أذنيها بهمسٍ حزين لآلمها: قولتلك قبل كدا مستحيل أتخل عنك وربنا عارف أد أيه بعشقك مستحيل يقبل يكسر حد بيقول يارب وأنا على طول بدعي يكون يومي قبل يومك يا حياتي ودنيتي وكل حاجة بملكها.
أبتسمت بوهن وهي تتعلق برقبته لتهمس بأذنيه بضعفٍ أشد: أم ن ت ي ك ا نت أ نت د ل وقتي ما ليش امني ات تا نية...
(أمنيتي كانت أنت ودلوقتي ماليش أمنيات تانية ).

أرتعب قلبه لحديثها فسعلت بقوة لتحاول الحديث مجدداً: أخ ر أ م ن ي ة أتمنتها من ك ا م ي و م كانت طفل منك، (أخر أمنية أتمنتها من كام يوم كانت طفل منك )..
عاد الأنهاك ليشكل معالم وجهها لتشدد من أحتضانه بجنون كأنها تحتمي من شيء ما يخترق جسدها، أخرجها من أحضانه قائلاٍ برعب: فى أيه يا حبيبتي؟ حاسه بأية؟.

رفعت يدها بصعوبة على وجهه كأنها بمحاولة مستميتة للبقاء فأردت بهم أن تحفظ عيناها وأصابعها ملامح وجهه لتسقط يدها ومعه جسدها على الفراش وهو بصدمة من أمرها ليحملها لصدره مجدداً بهدوء: جيانا..
لم يأتيه الرد فتطلع لملامحها المستكينة ليصيح بقوة وصراخ: جياناااا فوقي، أنتِ مستحيل تسيبني ردي علياااا...

ولجوا جميعاً من الخارج فأسرع إليها عبد الرحمن يتفقد أمرها بزعر بينما تمسك أدهم بذراعيها يقبله بجنون وعيناه تراقب أشارات وجه إبن عمه، تصنم محله ليكون وجهه أشارة للجميع حتى زين وحازم لتصيح بالغرفة نوبة صراخ وعويل، أغمض أدهم عيناه بقوة لتعصف دمعتين من عيناه كأنهن عهداً من الزمان فلأول مرة كان ضحكاته لها واليوم دمعاته لأجلها هي...
صرخت ريهام بجنون وعدم تصديق: لاااا بنتي لاااااا.

حاول أحمد بالتحكم بها ولكن لم يستطيع فخر أرضاً مستسلم للبكاء فهى شقيقته وصديقته المقربة...
وقف طلعت المنياوي يتأمل الوجوه بثبات مصطنع فأمر أحد الممرضات أن تخرج جيانا من الغرفة سريعاً حتى يتمكن من السيطرة على الجميع، أشار لعبد الرحمن فتفهم الأمر ليضع على رأسها الغطاء الأبيض كأعلان نهاية حياة للنمر...
كان يجلس أرضاً جوار الفراش، يدها بيديه وكلماته تترنح بعقله فأغمض عيناه بألم لتصدح كلمات بداخله...

جذبت الممرضة التخت بقوة لتخرجها من الغرفة فلم يتمكن أحد من منعها فالجميع بصدمة مريبة مما يحدث، تخشب التخت محله فتصنمت الممرضة وأستدارت لترى ماذا هناك؟، تعلقت نظرات الجميع بصدمة بذلك الرابط القوي بين الفراش وأدهم، تمسك يديه بيدها كان حاجز للجميع، ظنوا أن أدهم من منع التخت بالتحرك ولكن زادت صدمتهم حينما فتح عيناه المغلقة بصدمة لينهض ويقترب من الفراش برجفة تسري بجسده فرفع الغطاء عنها ليجد نظراتها تطوفه ويدها مازالت تتشبس بيديه هكذا هو العشق، زرع بأعين الجميع الدمع والبسمة الصادمة، زاح الدمع بأعين الجبل طلعت المنياوي، سجل بتاريخ العشق ليكون مميزاً من نوعه، عشقٍ عصف بالأمد وتخطى الصعاب لتربطهن رابط عاصف ليس تعلق النبضات ببعضهم البعض ولا حاجز الروح السائدة عشقٍ بث من الأعماق فكان بحاجة لمن يزيح عنه الغمامة ليظهره للنور، ليحطم القناع الخفي عنه ليظهر بقوة لا مثيل لها...

أقترب منها أدهم غير عابئ بمن حوله ليحملها بين ذراعيه عن ذلك الفراش اللعين ومن ثم يطوف بها لأحضانه بدمع تناثر علي كتفيها فجعلها تعلم كم هي أغلي منه إليه كم هى أنشودة يختلط بها الدمع والوجدان كم هى أقصوصة عشقها وسيظل يعشقها للأبد...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة