قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية الفريسة و الصياد الجزء الثاني للكاتبة منال سالم الفصل السادس والخمسون

رواية الفريسة و الصياد الجزء الثاني للكاتبة منال سالم الفصل السادس والخمسون

رواية الفريسة و الصياد الجزء الثاني للكاتبة منال سالم الفصل السادس والخمسون

في شركة الصياد
في مكتب خالد
تجنبت كارما الانفراد بخالد على قدر المستطاع، وكلما طلب مقابلتها تملصت منه بشكل أو بأخر، ولكن تلك المرة لم تنجح حيث أصر خالد على حضورها فورا إلى مكتبه...

لوت كارما شفتيها في ضيق، وأجبرت نفسها على تحمل وجودها معه، وأخذت نفسا مطولا لأكثر من مرة من أجل السيطرة على انفعالاتها وارتباكها الذي يظهر جليا أمامه...
سارت كارما نحو غرفة مكتبه وهي تقدم خطوة وتؤخر الثانية، وما إن وصلت إلى باب مكتبه حتى طرقت الباب، فسمعت صوته يأتي من الداخل يسمح لها بالدخول..

أمسكت كارما مقبض الباب ويديها ترتعش، ثم أخذت نفسا عميقا مرة أخرى، وأدارت المقبض، وفتحت الباب، ودلفت إلى الداخل، وأغلقت الباب خلفها بهدوء..
سارت كارما بخطوات حذرة في اتجاه مكتب خالد..
لمحت كارما خالد وهو يتطلع إليها بنظرات دافئة وحنونة، فارتبكت في مشيتها وشعرت أنها ستتعثر في خطواتها، ولكنها ضبطت انفعالها أمامه..

ابتسم خالد ابتسامة عفوية وهو يرى ارتباك كارما أمامه، وظل يتأمل هيئتها الكلاسيكية الراقية...
كانت كارما ترتدي قميصا حريريا من اللون الذهبي، وذو فتحة صدر صغيرة مثلثة تبرز جمال عنقها، ومن الأسفل ترتدي تنورة كلاسيكية تصل للركبة من اللون البني الداكن، وتغطي ساقيها بجوارب قاتمة، وترتدي في قدميها حذاءا عاليا من نفس لون التنورة..

تركت كارما شعرها ينسدل خلف ظهرها، وأرخت خصلة صغيرة على جبينها، تفحص خالد كارما بنظرات متمهلة، فجمالها بالنسبة له مهلك يأسر القلوب قبل العقول، تنبه خالد أنها لاتزال واقفة أمامه، فأشار لها بيده و..
-خالد بصوت رخيم: اتفضلي اقعدي.

جلست كارما على المقعد المقابل لمكتب خالد، ولم تنظر في اتجاهه، بل سلطت بصرها على نقطة ما أمامها، مما دفع خالد للشعور بالحنق منها، فنهض عن مقعده بهدوء، ثم دار حول مكتبه وجلس في مواجهتها، ثم مال بجذعه قليلا ناحيتها و..
-خالد بصوت هاديء وواثق: بما انك مش عاوزة تبصي ناحيتي، فأجي أنا قصادك عشان متعرفيش تبصي غير عليا وبس.

ارتبكت كارما أكثر، وظلت تفرك يديها في عصبية قليلة و..
-كارما بصوت متحشرج: حضرتك عاوز ايه يا بشمهندس
-خالد وهو يمط شفتيه في تعجب: ممممم، حضرتي، وبشمهندس!
-كارما بنبرة جدية: أظن ان ده مكان شغل، ويعني مايصحش اني أقول غير كده.

أرجع خالد ظهره للخلف، ثم وضع ساقا فوق الأخرى، وظل يتأمل كارما بنظرات متمعنة و..
-خالد بصوت رخيم: عندك حق، لكل مقام مقال، وده اللي عاجبني أوي فيكي!

تنحنحت كارما في حرج واضح عقب كلماته الأخيرة، وبدأت تتسرب حمرة الخجل إليها، فأمال خالد رأسه قليلا للجانب ليتابع نبضات عروقها المتوترة و...
-خالد بخفوت: وقريب أوي هنصلح الأوضاع بينا.

رفعت كارما عينيها ونظرت مباشرة في عينيه بعدم فهم، في حين أكمل هو حديثه ب...
-خالد متابعا بنفس الهدوء: أنا عاوزك معايا.

ضيقت كارما نظراتها، ورمقته بأعينها المغتاظة و...
-كارما بنبرة منزعجة: أفندم
-خالد بنبرة خافتة: انا عاوزك في شغل معايا.

نهضت كارما فجأة عن المقعد، وعقدت ساعديها أمام صدرها، واشاحت بوجهها بعيدا عنه و...
-كارما بنبرة جادة وهي تلوي شفتيها: سوري مش فاضية.

نهض خالد هو الأخر عن مقعده ووقف أمامها، ونظر إليها بنظرات جادة و...
-خالد بنبرة حادة: احنا مش طالعين نتفسح يا آنسة، ده شغل
-كارما بنبرة ممتعضة: وأنا مش عاوزة أطلع معاك في حتة لوحدنا
-خالد بنبرة جادة: ومين قالك اننا لوحدنا، ده مؤتمر شغل
-كارما بعدم اكتراث: شوف حد غيري
-خالد بنبرة صارمة: لأ مش هاينفع، انتي مديرة مكتبي، ووجودك معايا أمر مفروغ منه
-كارما وهي تزفر في ضيق: أوووف.

-خالد بلهجة آمرة: جهزي نفسك عشان 5 دقايق وماشيين..!

زفرت كارما في انزعاج ثم بدأت تسير مبتعدة عنه...

ولكن تعثرت كارما في خطواتها، والتفت ساقها على الأخرى وهي تتحرك للأمام وكادت أن تسقط على وجهها، ولكن أسرع خالد في الامساك بها من خصرها، وأسندها على ذراعه، في حين تشبست هي به ووضعت كلتا يديها على صدره، وظل الاثنين يتأملان بعضهما البعض لبرهة، والتقت الأعين بالأعين وسرحا في سحرها..

ابتسم خالد ابتسامة دافئة من بين أسنانه و...
-خالد بصوت هامس: مقدرش أنا على كده.

شعرت كارما بالحرج الشديد، واخفضت بصرها في احراج واضح، ثم اعتدلت في وقفتها، في حين أرخى خالد ذراعيه عنها، فسارت هي مبتعدة عنه بخطوات مرتبكة، فوضع هو كلتا يديه في جيبه وظل يتابعها وهي تمرق من أمام ناظريه إلى خارج الغرفة...

في منزل أدهم ويارا
عادت يارا إلى منزلها من الخارج، ثم نزعت حذائها عن قدميها، وألقته في ضيق على الأرضية، وتوجهت نحو غرفتها وأغلقت الباب خلفها، في حين دلف عمر ورائها وهو يحمل حقائب الطعام الجاهز، ثم سار في اتجاه غرفة الطعام ليضعهم على الطاولة..

سمع عمر صوت شخص ما يقرع الجرس، فتوجه ناحية باب المنزل، ثم أمسك بالمقبض، وفتح الباب..
تفاجيء عمر بوجود باقة ضخمة من الورود الحمراء والمزدانة بقطع الشيكولاته الفاخرة يحملها أحد ما في يد، وتخفي وجهه بالكامل بالأضافة إلى جزء كبير من صدره، وفي اليد الأخرى يحمل ( دبدوبا ) كبيرا من اللون الأحمر...
نظر عمر إلى تلك الأشياء وهو يعقد حاجبيه في استغراب، و..

-عمر بنظرات مندهشة: احنا مش طالبين الحاجات دي، وبعدين لسه بدري على جو الفلانتين ده
-ادهم بصوت آجش: وسع ياض من سكتي.

عرف عمر أدهم من صوته، فرمقه بنظرات ضيقة ومغتاظة، ثم...
-عمر بنبرة باردة: لأ مش هامشي.

أزاح أدهم الباقة قليلا للجانب ليبرز وجهه الغاضب والمتجهم أمام عمر و..
-عمر مبتسما ببلاهة: مش تقول انه انت، عنك يا عم أدهم الحاجات دي.

عاون عمر أدهم في إدخال باقة الورد ومعها الدبدوب إلى الداخل، ثم وجد عمر ادهم يدفعه في اتجاه الباب و...
-أدهم بنبرة جادة: طرقنا ياض
-عمر بنظرات لئيمة: لأ، أنا قاعد هنا زي العزول.

وضع أدهم يده في جيبه ثم أخرج ورقة عملة من فئة المائة جنية، وامسك بكف عمر وطواها في يده و...
-أدهم بنبرة صارمة: خد دول ووريني عرض قفاك.

أدار عمر جسده، ثم أمال رأسه قليلا للأمام و...
-عمر وهو يشير بيده على قفاه: أهووو، واسع وحلو.

ضرب أدهم عمر بحدة على قفاه، ثم...
-أدهم بنبرة مغتاظة: طب امشي بقى بدل ما أخلي وشك زي قفاك مالوش ملامح
-عمر وهو يتأوه من الآلم: آآآي، ايدك تقيلة، وأنا مش ماشي من هنا بقى.

أعطى أدهم عمر مبلغا أخرا من المال في يده و..
-أدهم بنبرة حانقة: اتمشى بقى.

نظر عمر إلى المال الموضوع في يده، ثم رفع بصره في وجه أدهم و..
-عمر بنبرة مازحة: طب دول حق القهوة، فين حق السجاير بقى؟
-أدهم بنظرات غاضبة: بتشرب سجاير ياله، طب تعالالي.

كاد أدهم أن يفتك بعمر الذي ركض مسرعا في اتجاه الباب، وابتعد عنه و..
-عمر بنظرات متحدية: هييييه، مالحقتنيش!

كور ادهم قبضة يده، ونظر إليه بنظرات مغلولة و..
-أدهم بنبرة غاضبة: طب لو انت جدع اقف في مكانك.

فتح عمر الباب، ودلف إلى الخارج، ثم أطل برأسه من الباب و...
-عمر مبتسما ابتسامة عريضة: لأ أنا في الحاجات دي مش جدع، باي يا كوتش..!

أغلق عمر الباب من خلفه، في حين أدار أدهم جسده، وتنهد في ارتياح، ثم سار بخطوات بطيئة ناحية باب غرفة نومه..

طرق أدهم الباب، فسمع صوت يارا يأتي من الداخل ب...
-يارا بصوت عالي: عمر بليز سيبني أنام، أنا ماليش مزاج للأكل، ارجع انت الفيلا، وابقى عدي عليا على بكرة ولا حاجة.

لم يجبها أدهم، وإنما طرق الباب بيده مجددا بطرقات خفيفة، مما جعل يارا تنهض عن الفراش، وتمسك بالمقبض وتفتح الباب لتتفاجيء بأدهم أمامها..

فغرت يارا شفتيها في صدمة، وعقدت حاجبيها في اندهاش شديد، في حين ابتسم أدهم ليارا ابتسامة رومانسية و...
-أدهم بصوت خافت وآجش: وحشتيني.

جزت يارا على أسنانها في حنق، وتبدلت ملامحها للانزعاج والضيق، وأمسكت الباب بيدها، ثم دفعته لتغلقه في وجه ادهم، ولكنه وضع قدمه ليسد عليها الطريق، و..
-ادهم بنبرة متوسلة: استني بس يا يارا، أنا أسف يا حبيبتي
-يارا بحنق: امشي من هنا.

استغل أدهم فارق القوى الجسمانية بينه وبينها، ثم دفع الباب بقوة أكبر، فارتدت يارا للخلف، وكادت أن تسقط، ولكن مد أدهم يده، وأمسك بمعصمها، وجذبها ناحيته لتسقط هي في أحضانه، ومن ثم حاوطها من خصرها بكلا ذراعيه، وأطبق عليها بقبضتي يده كل لا تفلت منه..
حاولت يارا أن تبتعد عنه، وتتحرر من قبضته، ولكنه أصر على الامساك بها و...
-يارا بنبرة غاضبة: عاوز ايه تاني مني، انت مش خلاص سيبتني.

-أدهم بنبرة آسفة: والله كانت ساعة شيطان
-يارا بنبرة منزعجة: ابعد عني
-ادهم بنظرات متحدية، ونبرة هامسة: لأ، ابعد ايه بس، هو أنا مجنون
-يارا بنبرة متعصبة: اه
-أدهم بنبرة هادئة: بس مجنون بحبك.

رمق أدهم يارا بنظرات مشتاقة، وحالمة، وظل يتأمل ملامح وجهها وهي تثور غضبا منه، و..
-يارا بنبرة حانقة: ازاي بتقول انك بتحبني، وانت بعد اللي حصل بعدت عني، ومهمكش اني آآآ...

لم تكمل يارا عبارتها، حيث انحنى أدهم برأسه فجأة على يارا، ثم أطبق بشفتيه على شفتيها، وقبلها قبلة مطولة منعتها عن الكلام نهائيا، وأغمضت عينيها للحظات تاهت فيها في بحور العشق..

ابعد أدهم رأسه عنها، وأرخى أحد قبضتي عن خصرها، ثم رفعها عاليا ووضعها على رأسها، ومسد بها على شعرها في حنية، في حين نظرت هي إليه بنظرات معاتبة و..
-يارا بصوت أقرب للبكاء: سبتني ليه؟

أمسك أدهم بكف يد يارا، ورفعه إلى فمه ثم قبله و..
-أدهم بنبرة نادمة: أنا أسف..
-يارا بنظرات متسائلة: ايه اللي رجعك تاني؟ ولا عشان عمي قالك إني آآآ...

رفع أدهم إصبعه ووضعه على فم يارا ليسكتها و...
-أدهم مقاطعا بصوت دافيء: أنا رجعت عشان بحبك، عشان مقدرش أستغنى عنك، أنا عارف اني كنت مندفع، ومصبرتش، بس الحمدلله ان ربنا رد العقل فيا، ولحقت نفسي قبل ما أعمل حاجة اندم عليها طول العمر
-يارا بنبرة مترددة: طب وال آآ، والبيبي اللي راح
-أدهم بنبرة شبه حزينة: قدر الله وماشاء فعل، الحمدلله، أكيد دي مشيئة ربنا، وهو سبحانه هيعوضنا بغيره.

-يارا متسائلة بتوجس: يعني انت، انت مش زعلان انه راح مننا؟
-أدهم بصوت خافت: مكدبش عليكي اني كنت زعلان، بس أكيد ربنا هيكرمنا بالأحسن.

تنهدت يارا في ارتياح، ثم أمسكت بيده أدهم، ووضعتها على وجنتها وظلت تفركها به، ثم انحنت بشفتيها ناحية راحة يده وقبلتها برفق، وأنزلت يدها الممسكة بيده ووضعتها على بطنها، وظلت تمسح بكف يده على بطنها
نظر ادهم إلى يارا بعدم تصديق، وهو فاغر شفتيه، في حين أومأت هي بعينيها و..
-يارا بصوت شبه باكي، وأعين دامعة من الفرحة: انا لسه حامل..!

لم يصدق أدهم اذنيه، وأبعد كف يده عن بطن يارا، ثم اقترب منها وضمها إلى صدره بقوة واحتضنها، فشعرت أن جسدها ذاب في صدره، ثم أرخى أدهم أحد ذراعيه، وانحنى بجذعه قليلا للأسفل، ووضع ذراعه أسفل ركبتيها، وحملها بين ذراعيه، في حين لفت هي كلتا ذراعيها حول عنقه، وأحاطته بكل اشتياق...

في شركة الصياد
في الجراج
انتظر خالد قدوم كارما في سيارته في الجراج، وبالفعل لمحها وهي تدلف خارج المصعد، وتسير في اتجاه سيارتها الحمراء الصغيرة..

ترجل خالد من سيارته، وترك باب سيارته مفتوحا، ثم سار في اتجاه كارما..
أمسكت كارما بمفتاح السيارة بيدها، وكانت على وشك فتح الباب حينما تفاجئت بخالد يقف ورائها، ويستند بيده على الباب فيمنعها من فتحه..

التفتت كارما بجسدها ناحيته، فمد خالد كلا ذراعيه أمامها، وحاصرها بينهما، فنظرت إليه كارما بنظرات متوجسة و...
-كارما بنبرة قلقة: آآآ، انت بتعمل ايه؟
-خالد بنظرات ثابتة، وصوت هاديء: انتي ليه مصممة تعاندي معايا
-كارما وهي تبتلع ريقها في توتر: أنا، أنا مش بعاندك، انت اللي بتقف في طريقي و آآ...

أرخى خالد ذراعيه، ثم مد يده وأمسك بمعصم كارما بقوة و...
-خالد بنبرة صارمة تحمل نوعا من التحذير: طالما مش بتعاندي، يبقى تيجي معايا بالرضا أحسنلك.

حاولت كارما أن تخلص يدها من قبضة خالد، وظلت تلوي في معصمها لتتحرر منه، ولكنها عجزت عن هذا، فرمقها هو بنظرات متحدية و..
-خالد بنبرة خافتة: ماتحوليش، أنا مش هاسيبك، ويالا بينا!

جذب خالد كارما من معصمها، وسحبها خلفه نحو سيارته، في حين اعترضت هي بشدة على ما يفعل معها..
فتح خالد باب المقعد الأمامي، وأرخى قبضته عن كارما، وأشار لها بعينيه و..
-خالد بلهجة آمرة: اتفضلي اركبي
-كارما بنبرة عنيدة: لأ.

اقترب خالد من كارما، وحاصرها مجددا بجسده، فارتبكت هي من اقترابه الشديد منها و...
-خالد بنظرات جريئة وصوت هامس: من فضلك يا كارما اركبي العربية.

توجست كارما خيفة من نظرات خالد لها، لذا...
-كارما بنظرات مترقبة: آآآ، حاضر يا، آآآ، خالد.

ركبت كارما السيارة، فأغلق خالد الباب خلفها وعلى وجهه تعلو ابتسامة عفوية، ثم دار حول السيارة، وركب خلف المقود، وأدار محرك السيارة، ثم ضغط على دواسة البنزين بهدوء، وانطلق بالسيارة..

التفت خالد برأسه ناحية كارما والتي كانت تنظر إلى الطريق أمامها بتركيز شديد، ثم رمقها بنظرات رومانسية و..
-خالد بصوت دافيء: تصدقي دي أول مرة أحب فيها اسمي
-كارما وهي تلوي فمها في تهكم: ليه يعني
-خالد بنظرات متفحصة: عشانه طالع من بؤك..!

التفتت كارما لا إراديا نحوه، فوجدته مسلطا بصره عليها، وعلى ثغره ابتسامة عذبة، فأطرقت رأسها في خجل، فنظر خالد أمامه وهو يتنهد تنهيدات حارة...

في أحد الفنادق الشهيرة
في قاعة المؤتمرات الملحقة به
بدأ الحضور يتوافدون على قاعة المؤتمرات من أجل حضور المؤتمر المقام فيه، والذي يتناول أخر مستجدات الاستثمار والتطوير العقاري..
في البداية كان الجميع يتبادل التحية ويتصافحون فيما بينهم، ثم بعدها بدأوا يدلفون إلى الداخل..

وصل زيدان هو الأخر إلى القاعة، وبدأ بعض رجال الأعمال المرموقين في الترحيب به، ثم أشار له أحدهما بالدخول لكي يجلس على الطاولة الخاصة به.

في نفس التوقيت كان خالد هو الأخر قد وصل إلى الفندق، وترجل هو وكارما من السيارة، وسار سويا نحو القاعة...
دلف خالد إلى داخل القاعة، وظل يجوب ببصره المكان..
اقترب من خالد أحد الأشخاص ورحب به، وكذلك بكارما، ثم اقترب عددا أخرا من رجال الأعمال وتبادلوا التحية معه..
التفت خالد برأسه، وتسمر في مكانه حينما وجد أخر شخص يتوقع أن يراه في القاعة...

لاحظت كارما تبدل ملامح خالد إلى الضيق الشديد، والتجهم، فنظرت إلى حيث ينظر، فوجدت زيدان جالسا أمامها على أحد الطاولات..
تفاجيء خالد بوجود زيدان، فامتعض وجهه على الفور، وتبدلت ملامحه للانزعاج الواضح، في حين اضطربت كارما، وارتبكت من رؤيته أمامها...

لمح زيدان هو الأخر خالد وهو يقف على مقربة منه، فنهض عن مقعده، وظن أنها الفرصة المناسبة لكي يبدأ في النيل من فريدة..
سار زيدان بخطوات ثابتة نحو خالد وهو ممسك بسيجارته الكوبية وينفث دخانها في الهواء، ثم لمح طيف فتاة ما تقف إلى جواره، فدقق زيدان النظر جيدا فيها، و اعتلت شفتيه ابتسامة لئيمة، حيث أيقن انها كارما سكرتيرته السابقة..

اقترب زيدان من خالد، ثم مد يده لكي يصافحه، ولكن تجمدت ملامح خالد ولم يرفع يده إليه، فأخفض زيدان يده، ثم وضع السيجارة مجددا في فمه، ونفث دخانها..
-زيدان ببرود: وماله.

التفت زيدان بعينيه ناحية كارما التي ارتعدت أوصالها حينما رأته، ونظرت إليه بتوجس شديد و...
-زيدان متابعا بنبرة جافة: اهلا بآنسة كارما، واضح انك مبسوطة في الشغل الجديد مع خالد بيه.

ابتلعت كارما ريقها في خوف شديد، في حين قاطعه خالد ب..
-خالد بنبرة حادة: سيبك منها، وقولي انت جاي هنا ليه؟
-زيدان بنبرة باردة: الله مش ده مؤتمر لرجال الأعمال ولا أنا غلطان، وبعدين أنا عاوز أمدحلك شوية في كارما وشغلها، الصراحة الواحد خسرها.

رمق خالد زيدان بنظرات مشتعلة، وضيق عيناه في حنق و...
-خالد بنبرة ممتعضة: ملكش دعوة بيها، وآآآ...
-زيدان مقاطعا بنبرة جادة ومتعجرفة: هي أصلا ماتهمنيش في حاجة، أنا بس بقولك إنها كانت ممتازة عندي في الشركة، وبعدين انت كده هتخليني أنسى أبعت شكر وتحية لأمك عن الخدمة اللي عملتهالي.

التفت خالد إلى كارما ونظر إليها بنظرات متوجسة، ثم سلط بصره مجددا على زيدان و...
-خالد متسائلا في حيرة: قصدك ايه؟
-زيدان بعنجهية مفرطة: قصدي ان فريدة هانم الرفاعي خدمتني في ملف شركة ( توريدس) وجابته لحد عندي!

فغر خالد شفتيه في صدمة، ونظر إلى زيدان بعدم تصديق، ثم مد كلتا يديه وأمسك بزيدان من ياقته، وكاد أن يشتبك معه، و...
-خالد بنبرة غاضبة، ونظرات حانقة: انت بتقول ايه؟

أزاح زيدان يدي خالد عنه، ثم رمقه بنظرات شرسة و...
-زيدان بنبرة قاسية: قبل ما تتجرأ وترفع ايدك عليا، روح عاتب أمك الأول، اللي ناوية على خراب عيلة الصياد
-خالد بنبرة عصبية: اخرس خالص، وماتجيبش سيرة أمي بحاجة على لسانك ده.

-زيدان وهو يلوي فمه في تهكم: أنا مايشرفنيش اني اجيب سيرتها أصلا، وبعدين كفاية حبوب الاجهاض اللي اديتها لمرات اخوك، ويا عالم ناوية على ايه تاني مع البلطجية الجداد اللي بتقابلهم كل يوم، اقولك على حاجة، اشبعوا ببعض..!

أشعلت كلمات زيدان الأخيرة نيران الغضب والحقد في نفس خالد، فقد صدم صدمة كبيرة في والدته، ولم يصدق حرفا مما قيل..

سار زيدان مبتعدا عن خالد، وقبل أن يبتعد تماما عنه، التفت برأسه ناحيته ووزع نظره ما بين خالد وكارما و...
-زيدان بنبرة قوية: نسيت أقولك، شاهي بنت عمي حامل، وقريب أوي هأبقى أب، عقبالك انت وآآآ، هه...

ظل خالد متسمرا في مكانه، وانفصل عن العالم المحيط به، وأخذ يعيد في رأسه ما قاله زيدان من ارسال التحية لوالدته لأنها ساعدته في ملف صفقة توريدس، وبالتالي كارما بريئة من تهمة السرقة، ولم يكن لها علاقة بتلك المسألة من البداية، ولكن ما أقلقه حقا هو أن تكون والدته متورطة في مسألة إجهاض يارا، وعلاقتها بمحترفي الإجرام، وأخيرا حمل شاهي من زيدان وإصراره على إدعائه بأنها ابنة عمه..

لاحظت كارما شرود خالد، وتجمد ملامحه، فمدت يدها وأمسكت بكف يده، وهزته قليلا و...
-كارما بنظرات قلقة: آآآ، خالد.

انتبه خالد إلى صوت كارما، ونظر إليها بأعين فارغة، فجذبته برفق من يده و..
-كارما بخفوت: تعالى معايا.

سحبت كارما خالد من يده، وسار معها مستسلما إلى خارج القاعة..

توجهت كارما بخالد إلى المطعم الملحق بالفندق، وأشارت له بيدها لكي يجلسا سويا على طاولة منزوية في أحد الأركان..

شعر خالد أن إرادته سلبت منه، وأنه ليس في وعيه كي يجادل أو يعترض حتى، فالصدمة أكبر من طاقته...
جلس خالد على المقعد، وأسند رأسه على يديه، وظل شاردا للحظات، حاولت كارما أن تلفت انتباهه مجددا و...
-كارما بصوت ناعم: خالد، انت معايا؟
-خالد وهو يهز رأسه: أها.

حاولت كارما أن تهون قليلا على خالد، وتهديء من روعه، فقد لاحظت أن وجهه صار عابسا متجهما، وخافت أن يرتكب حماقة ما خلال انفعاله، لذا عمدت إلى أن تحدثه بطيب الكلام، في حين ظل هو مسلط بصره عليها، ورغم أنه لم ينطق بكلمة إلا أنه شعر بأن في صوتها ذلك المخدر العذب الذي جعل روحه الثائرة تستكين نوعا ما، ظل يتابعها والكلمات تخرج من شفتيها المكتنزتين، وراقب عينيها وهي تحاول اقناعه بالتريث وعدم استباق الأمور أو افتعال المشاكل دون دليل ملموس حتى لا يتسبب في إحداث أي كوارث كما حدث معها من قبل...

لم يزح خالد عينيه عنها، فقد كانت هي الملاذ الذي فر إليه، وهون عليه الكثير...
في النادي
ذهب جاسر إلى النادي مجددا لتقصي الأخبار عن علاقة زيدان بوالدته الراحلة ناهد وأختها فريدة...
وأثناء سيره في اتجاه المطعم قابل عمر الذي كان متوجها إلى تدريب التنس، استفسر عمر عن سبب اختفاء جاسر عن الأضواء، وعن سبب زيارته للنادي و...
-جاسر بنبرة فاترة: يعني بحاول أعرف شوية حاجات كده تخص المرحومة.

-عمر متسائلا في حيرة: حاجات ايه؟
-جاسر وهو يلوي فمه في انزعاج: ماتشغلش بالك
-عمر بنبرة جادة: يا عم جاسر قول، يمكن أفيدك، دعه بيوضع سره في أضعف خلقه
-جاسر على مضض: كنت عاوز أعرف أمي عرفت زيدان منين
-عمر بنظرات مترقبة: جوز أختك
-جاسر بنبرة متجهمة وهو يجز على أسنانه: أه هو..
-عمر بنبرة طبيعية: بكل بساطة من أمي
-جاسر بنظرات متفحصة: أفندم! انت هتهزر.

-عمر بنبرة جادة: لا والله، أمي الست فريدة هانم الرفاعي هي اللي عرفت طنط ناهد على زيدان
-جاسر متسائلا بحيرة: طب وانت عرفت إزاي؟ انطق..!

سرد عمر لجاسر عن مشاهدته لوالدته مرارا وتكرارا وهي جالسة مع زيدان يتحدثان سويا في أمور غامضة، وبعدها تفاجثم بعدها تم الترتيب لمقابلة شاهي، وبعدها تم الاتفاق على ترتيبات الزواج بين كلا من زيدان وناهد.

تفاجيء جاسر بالعلاقة الوثيقة التي ربطت بين فريدة وزيدان، وأن خالته فريدة هي من دبرت لأمر تلك الزيجة المريبة لأنها كانت تقابله لعدة مرات قبل أن تتعرف شاهي به...
لم يتوقع جاسر أن تكون خالته الوحيدة على علاقة بكل ما حدث لعائلته، وضع جاسر كلتا يديه على رأسه، وظل يحك رأسه في صدمة كبيرة، في حين نظر إليه عمر بعدم فهم، وعقدت حاجبيه في استغراب شديد، ولكنه لم ينبس بكلمة...

في مطعم الفندق الشهير
حاولت كارما تهدئة خالد، ورغم أنه كان صامتا إلى انها نجحت نوعا ما في التهوين عليه...

عقد خالد النية على مواجهة والدته بكل ما سمعه، وإفشاء كل شيء أمام الجميع، فهي إن أخطأت عليها أن تتحمل نتيجة أخطائها، خاصة وأن تلك الأخطاء قاتلة، ولا يمكن التهاون فيها لأنه ترتب عليها تدمير عمل الشركة، بالإضافة إلى عائلته...

ظلت كارما تتحدث، وفجأة توقفت عن الحديث حينما...
-خالد بنبرة هادئة: كارما، أنا بحبك!
-كارما بنظرات مصدومة: هه...!

اعترف خالد بدون أي مقدمات بحبه لكارما رغم أن الظرف كان غير مناسبا بالمرة لهذا..
في حين فغرت كارما شفتيها في صدمة، ونظرت إليه بأعين زائغة، فمد يده ناحيتها، وأمسك بكف يدها وضغط عليه و...
-خالد بنظرات ثابتة: أنا مش قادر أقاوم أكتر من كده، لكن أنا فعلا بحبك، وهاعمل كل حاجة عشان نكون سوا.

لم تجد كارما ما تجيب به على خالد، حيث تجمدت الكلمات في حلقها، وعجزت عن النطق أمامه، في حين توردت وجنتيها بحمرة الخجل، ونهضت فجأة عن الطاولة، ولكن ظل خالد ممسكا بيدها رافضا تركها و..
-خالد بنبرة جادة: مش بحب لما أكلم مراتي انها تسيبني وتمشي قبل ما أخلص كلامي...!
في شركة الصياد
في مكتب رأفت.

ورد إلى رأفت اتصالا هاتفيا من الطبيب وحيد، حيث أبلغه بنجاح العينة التجريبية الثانية في الاستجابة للعلاج، فتهللت أسارير رأفت، ونهض عن مكتبه و...
-رأفت هاتفيا بنبرة فرحة: انت، انت بتكلم جد يا دكتور؟
-وحيد هاتفيا: ايوه يا بشمهندس، أنا في ايدي النتيجة، ان شاء الله تشرفني قريب انت والمدام عشان نجري العملية
-رأفت بنبرة حماسية: بأمر الله، ألف شكر يا دكتور.

أنهى رأفت المكالمة الهاتفية مع الطبيب وحيد وهو يكاد لا يصدق أذنيه، فحلم شفاء زوجته الحنون صفاء على وشك أن يتحقق...

جمع رأفت متعلقاته، ووضعها في حقيبته الجلدية، ثم دار حول مكتبه، واتجه ناحية الباب بخطوات مرتبكة من الفرحة..

في منزل أدهم ويارا.

عاتب أدهم يارا لاحقا على ما فعلت من إدعائها كذبا أنها فقدت جنينها، وكيف تسبب هذا في معاناة كلاهما لأيام، ولكنها أخبرته بأنها تعرضت بالفعل لمحاولة إجهاض عن طريق تناول أقراص خاصة بالإجهاض بدون علمها، وأن هناك من حاول أن يفعل بها هذا، ولولا أنها تقيأت ما في جوفها لكانت تعاني الآن، كما أخبرته أنه يمكنه التأكد من صدق ما تقول من الطبيب المعالج لها، بالإضافة إلى والده الذي كان على علم مسبق بكل هذا، وأنه من دبر لتلك الخطة كي يحميها.

تفاجيء أدهم بكل ما قالته يارا، ولم يظن أنها كانت تعاني كل هذا بمفردها، فقد اعتقد أن جهدها المتواصل في العمل تسبب لها في الإجهاض...
اعتذر أدهم ليارا كثيرا عن سوء ظنه بها، ومسد على رأسها وقبلها في حنية على جبينها، ثم أخذ يفكر مليا في الجاني الرئيسي وراء هذا...

أول ما طرأ في بال أدهم هو والدته، حيث تذكر أنها هي من أعطته المشروب البارد لكي يقدمه ليارا وترتشف منه، وبعدها صار ما صار..
لم يرد أدهم اخبار يارا بشكوكه حتى لا يثير مشكلة من لا شيء...

عرض أدهم على يارا أن يعودا إلى الفيلا مجددا، ولكنها رفضت رفضا قاطعا، فهي تخشى على حياتها، ثم بثت إليه مخاوفها بشأن فقدان جنينها مرة أخرى إن كانت متواجدة هناك، وأخبرته بهدوء مصطنع أنها تفضل المكوث هنا في منزل الزوجية، ورغم أن أدهم حاول إقناعها إلا أنه لم يرغب في إجبارها على فعل شيء لا تحبه، وفي النهاية امتثل أدهم لطلبها، ووعدها بأن يظل إلى جوارها، وأن يمكث كلاهما في المنزل..

احتضنت يارا أدهم لأنه وافق على طلبها، وقبلته من وجنته، و..
-يارا بنبرة فرحة: أنا بحبك أوي
-أدهم بصوت رخيم: وأنا دايب في كل حاجة فيكي يا أم العيال..

اتجه أدهم ناحية الأريكة، ثم أمسك بيد زوجته، وسحبها برقة خلفه، ثم جلس هو على الأريكة، وأجلس زوجته على حجره، وأحاطها بذراعيه و...
-أدهم بنظرات عاشقة: بصي بقى أنا عاوز أورطة عيال، أنا راجل بحب العزوة
-يارا بنبرة حماسية: ربنا يسهل ويكمل حملي على خير، وبعد كده نشوف موضوع أم العيال دي.

مالت يارا برأسها على صدر أدهم، وعبثت بأصابعها في صدره ثم...
-يارا بصوت خافت: بقولك ايه يا بيبي
-أدهم بصوت هاديء: ايوه يا حبيبتي
-يارا بنبرة ناعمة: انا كنت عاوزة أروح السنتر شوية
-أدهم باستغراب: ليه؟

أخبرت يارا أدهم أنها ستذهب إلى المركز الرياضي لتوقع على قوائم صرف رواتب الموظفين، ومن ثم ستعود للمنزل، وافق أدهم على طلبها بشرط أن تحاول الانتهاء من هذا على عجالة، كما قرر هو أن يعرج على الفيلا ليحضر متعلقاته الخاصة، بالإضافة إلى رغبته في شكر السيدة صفاء شخصيا على نصيحتها له، والتي تسببت في عودته إلى أحضان زوجته، وتأكده من أن كلا من يارا وجنينها بخير...

-ادهم بنبرة طبيعية: خلاص متفقين، بس ماتمشيش من السنتر، أنا هاخلص وأعدي عليكي هناك
-يارا وهي توميء برأسها: أوكي يا بيبي
-ادهم وهو يربت على ظهرها: طب يالا يا حبيبتي، عشان تلحقي تروحي وتخلصي أوام أوام..
-يارا مبتسمة في سعادة: حاضر يا قلبي...!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة