قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية الفريسة و الصياد الجزء الثاني للكاتبة منال سالم الفصل الخامس والثلاثون

رواية الفريسة و الصياد الجزء الثاني للكاتبة منال سالم الفصل الخامس والثلاثون

رواية الفريسة و الصياد الجزء الثاني للكاتبة منال سالم الفصل الخامس والثلاثون

في النادي
صدمت فريدة حينما رأت تسجيلا مصورا لها على هاتف زيدان، وهي تتفق معه على تفاصيل الايقاع بأختها، والترتيب لزواجه من ابنتها في مقابل الانتقام منها وتلقي أموالا نظير هذا...

لم تتخيل فريدة أن تجد نفسها واقعة في ذلك المأزق الخطير..
نظرت إليه بأعين زائغة مترقبة وحانقة في نفس الوقت، لا تعرف ما الذي ينبغي عليها أن تفعله، وما الذي يريده منها لكي تنجو بفعلتها..
-فريدة بنظرات مترقبة وهي تلوي فمها على مضض: انت، طلباتك ايه؟

أسند زيدان ظهره للخلف بأريحية شديدة، ثم نظر إليها بنظرات متكبرة، ومد يده إلى داخل جيب سترته الداخلي وأخرج منه سيجاره الكوبي، ثم أشعلها بتمهل بولاعته الذهبية، وبدأ يدخن السيجارة في هدوء قاتل لفريدة..
-زيدان وهو ينفث دخان سيجارته: كده تعجبيني
-فريدة بترقب شديد: عاوز ايه خلصني؟
-زيدان وقد مال بجسده قليلا ناحيتها: أي ملفات أطلبها تجيبهالي
-فريدة بعدم فهم: ملفات ايه؟

-زيدان بنبرة باردة: مشاريع، صفقات، حاجات محددة
-فريدة بقلق: اجيبهملك ازاي وأنا أصلا مش بروح الشركة.

ابتسم زيدان ابتسامة خبيثة من بين أسنانه، ثم نظر إليها بنظرات واثقة ومميتة و...
-زيدان بنظرات مميتة: من خزنة جوزك اللي موجودة في الفيلا
-فريدة فاغرة شفتيها: ايييييييييييه؟
-زيدان بابتسامة شيطانية: اللي سمعتيه..

صمت زيدان للحظات، ثم رمق فريدة بنظرات جارحة تمتع فيها بتعذيب فريدة وتلذذ في رؤيتها تتخبط حولها ثم أكمل ب...
-زيدان ببرود شديد وعنجهية مفرطة: لو مش عاوزة تنفذي أوامري براحتك، بس متلوميش إلا نفسك، وفكري بقى هاتقولي ايه لجوزك ولا للبهوات ولادك لما يشوفوا الفيديو ده.

شعرت فريدة أنها قد وقعت في شر أعمالها، شحب لون بشرتها، واعتلى وجهها الرعب القاتل..
حاولت فريدة أن تجد مهربا لها، ولكن للأسف لا جدوى..
-فريدة وهي تبتلع ريقها: ده، ده صعب أوي
-زيدان مبتسما بثقة: مافيش حاجة صعبة عليكي يا، يا هانم
-فريدة بتردد: بس آآآ..
-زيدان مقاطعا بنفس الثقة العارمة: من غير بس، وقت ما طلب ألاقي!

فكرت فريدة ألا تخسر كل شيء، أو على الأقل تربح مقابل خدماتها له، فهي لا تأمن شره، لذا...
-فريدة بنبرة خائفة: وأنا، وأنا هساعدك من غير مقابل.

زم زيدان شفتيه في اعجاب شديد بها و..
-زيدان بنبرة متعجبة: الصراحة كل مدى بتفاجئني يا فريدة هانم، وبتفوقي كل توقعاتي..
-فريدة بتوتر: ماهو أنا، انا مش هاضيع نفسي من غير ما آئمن مستقبلي، افرض، افرض انت غدرت بيا
-زيدان وهو يشير بإصبعه: انتي بتفكري صح..

ساد الصمت مجددا بين كل منهما، وظلت فريدة تنظر إليه بتوجس محاولة سبر أغوار عقله، وفي النهاية فتح زيدان فهمه وتكلم وعلى وجهه علامات الجدية و..
-زيدان بنبرة جادة: اتفقنا يا فريدة هانم، هتاخدي مقابل لكل حاجة هتعمليهالي
-فريدة بنبرة حادة: بس أنا عاوزة الفيديو اللي على موبايلك ده
-زيدان وهو يغمز بعينه: لأ، ده هتاخديه بعض ما أطمن انك عملتي اللي أنا عاوزه، وزيادة.

زفرت فريدة في ضيق، فهي قد صارت الآن في موقف لا تحسد عليه، ولكنها تسعى لكي تخرج منه بأقل الخسائر، وربح قليل لن يضيرها في شيء...

في شركة الصياد
في مكتب خالد
جمعت كارما متعلقاتها الشخصية، وتوجهت إلى مكتب السكرتارية الملحق بمكتب المهندس خالد نجل المهندس رأفت، وحملت في يدها ورقة بيضاء..
دلفت كارما إلى داخل المكتب، وسلمت الورقة إلى إحدى السكرتيرات الجالسة على أقرب مكتب لها..

فتحت السكرتيرة الورقة المطوية، وقرأتها على عجالة، ثم أشارت لكارما بالجلوس على الأريكة ريثما تدخل إلى مكتب المهندس خالد..

وبالفعل توجهت السكرتيرة إلى مكتب خالد، ومكثت فيه للحظات، ثم خرجت منه واستندت بجسدها على الباب وأشارت لكارما بعينيها لكي تدلف إلى الداخل..

ابتسمت كارما للسكرتيرة ابتسامة عذبة وهي تنهض من على الأريكة، ثم توجهت نحو باب المكتب..
أطرقت كارما رأسها في خجل وهي تدلف إلى داخل المكتب، وسارت بخطوات مرتبكة وهي تتقدم من مكتبه، في حين تابعها خالد منذ لحظة دلوفها إلى الداخل بنظرات متفحصة ممتعضة وهو يمط شفتيه في انزعاج كامل منها...
رمقها خالد بنظرات متأففة، وظل يطرق على سطح مكتبه بقلمه الحبر بعصبية ولم يبعد ناظريه عنها..

تأمل خالد هيئتها الكلاسيكية الراقية والغير متكلفة في نفس الوقت بنظرات ثابتة، وراقب حركاتها باهتمام شديد، ورغم أنه يمقتها منقبل أن يراها، إلا أنه وجدها فتاة مثيرة للاهتمام حقا..

كانت كارما ترتدي تنورة قصيرة تصل إلى ما بعد الركبة بقليل من اللون الرصاصي، ومعها قميص حريري من اللون الكحلي ينتهي عند العنق ب أشرطة معقودة كالفيونكة، ومن فوقه ارتدت سترة قصيرة من نفس لون التنورة، في حين جعلت شعرها ينسدل خلف ظهرها بطريقة منمقة إلا من بعض الخصلات المتمردة على جانبي أذنيها..

رفعت كارما رأسها تدريجيا في توتر ملحوظ لكي ترى رب عملها الجديد والذي كلفت بالعمل لديه بدون سابق إنذار..

لمحت كارما في وجه خالد نظرات غي مفهومة بالنسبة لها، ورغم أنها معتادة على العمل الجاد، إلا أنها لوهلة شعرت أنها ترى فيه ملامح زيدان الباشا، مديرها السابق، وقبل أن تفتح فمها بالحديث باغتها خالد ب..
-خالد بنبرة جافة: انتي بقى كارما؟

أومأت كارما برأسها دون أن تنطق، فأكمل هو ب...
-خالد بصوت رجولي قوي وهو يتفحصها بتمهل شديد: لأ فعلا واضح من شكلك انك بتعرفي توقعي الرجالة ازاي فيكي.

رفعت كارما بصرها ونظرت فيه عينيه مباشرة، بلى لقد نظرت إليه بنظرات مصدومة، متفاجئة، مشدوهة، لم تعرف بماذا تجيبه، لقد تجمدت الكلمات في حلقها، هي لم تتخيل أنها ستسمع تلك العبارات الجارحة من ابن زوج والدتها..
ظلت كارما متسمرة في مكانها للحظات، عجزت عن الرد رغم أنها كانت تستطيع أن تفعل هذا، ولكنها لم تعرف ما الذي ألجم لسانها، هل ضعفها وشعورها بالقهر، أم اعتيادها على مثل تلك الظنون السيئة...

لم يترك خالد المجال كثيرا لكارما لكي تستنتج وتخمن إجابة ما لظنه هذا، فقد اعتدل في جلسته، وأسند ظهره للخلف، وأكمل باقي حديثه ب...
-خالد بنبرة جافة: طبعا انتي مستغربة انا ليه بقول كده، بس كون اني عرفت حقيقة واحدة زيك يخليني اقول أد الكلام ده مليون مرة...

ظلت علامات الدهشة جلية على وجه كارما، حاولت أن تبريء نفسها من ظنونه و..
-كارما بنظرات مصدومة وصوت ضعيف: انت آآآ، ب، بتقول آآ...

ضرب خالد بقبضة يده بكل قوة على سطح مكتبه وهو ينهض عن مقعده لتنتفض كارما رعبا في مكانها، و...
-خالد مقاطعا بحدة وبنظرات مشتعلة من الغضب: انتي تخرسي خالص، أنا عارف كويس انتي مين، وجاية هنا ليه.

دار خالد حول مكتبه وهو مسلط بصره عليها، في حين ظلت كارما تنظر إليه بعدم فهم و...
-خالد مكملا بنبرة قاسية ومتهكمة: كارما هاشم، قريبة رحاب هانم مرات عدلي الباشا، اللي كانت شغالة عند عدلي الباشا لحد وقت قريب جدا، لأ وفي منصب مهم كمان، مديرة مكتبه، وفجأة جت واشتغلت هنا عندنا في شركة الصياد بدون سابق انذار، واللي صادف برضوه انها عارفة بمسألة عداوة عيلة الصياد مع عدلي.

أصغت كارما لكل ما قاله خالد وعلى وجهها علامات الصدمة، هي لم تكن تعرف بشأن وجود عداوة ما بين عدلي وعائلة الصياد..
ظلت صامتة، ولم تعقب، فالمفاجأة أكبر من قدرتها على الاستيعاب، ولكن بدأت عينيها في اللمعان، لقد عرفت الدموع طريقها إليها، ولكنها حاولت جاهدة أن تتغلب عليهم، وقاومت بشدة أن تذرف أمامه دموعها..

تحرك خالد بخطوات عصبية إلى أن وقف في مواجهة كارما، وأكمل حديثه وهو ينظر إليها بأعين تبرق من الغضب و...

خالد وهو يجز على أسنانه في حنق: لأ والبجاحة انها بتحاول تعمل علاقة، ده أن مكنتش عملتها أصلا، مع مدير الشركة.

لم تتحمل كارما أن يتم إهانتها بتلك الطريقة الشنيعة، فلم تجد نفسها إلا وقد رفعت ذراعها عاليا في الهواء، لتصفع به خالد وبحدة على وجهه..
تسمر خالد في مكانه، ونظر إليها بأعين مشتعلة، غاضبة، وكأن مقلتي عينيه قد تحولتا فجأة إلى جمرتين من الجحيم..

لم تعرف كارما من أين جاءتها تلك الشجاعة لكي تتجرأ عليه وتصفعه، ولكن لا شيء قد يمنعه من الاستمرار في إسلوبه المهين معها إلا تلك الطريقة.

لم يضع خالد يده على وجنته لكي يتحسس أثر الصفعة المدوية على وجهه، لم ترمش له عين، بل ظل ثابتا صلبا راسخا في مكانه، لدرجة أن كارما شعرت أنه على وشك الانفجار بها بين لحظة وأخرى...
-كارما بنظرات خائفة: أنا، أنا آ، آسفة.

أدركت كارما أنها تسرعت حينما فعلت فعلتها تلك معه، وأنها قد أشعلت مشاعر الرهبة لديها بدرجة لا تحسد عليها، فهي تصرفت برعونة، لذا عليها أن تتحمل العواقب..
ظلت كارما تحرك أصابع يديها في توتر شديد، في حين ظل خالد كالصنم الذي لا حياة فيه، فقط أعينه تزداد احمرارا واشتعالا..
في النهاية رفع خالد يده، فتراجعت كارما لا إراديا للخلف، فقد ظنت أنه سيرد لها الصفعة، ولكنه...

-خالد بنبرة حانقة للغاية: انا هادفعك تمن القلم ده غالي أوي..!

إبتلعت كارما ريقها بصعوبة بالغة، شعرت أن حلقها قد جف تماما، خفق صدرها بقوة، في حين توجه خالد عائدا إلى مكتبه والعصبية قد تملكته، ثم رفع سماعة الهاتف الموضوعة عليه و..
-خالدة بنبرة جادة تحمل في طياتها الإهانة: هاتيلي عقد اللي اسمها كارما هاشم ده حالا...

أيقنت كارما أنها خسرت عملها الجديد بالفعل من قبل أن يبدأ حتى، ولم يعد لها مكان هنا، فأسلم شيء لها الآن هو أن ترحل على الفور..

كانت على وشك الخروج من المكتب حينما استدار خالد فجأة بجسده، وبصوت رجولي مهيب تحدث ب...
-خالد بلهجة آمرة: استني عندك.

تسمرت كارما في مكانها، ولم تقو على التحرك خطوة اخرى للأمام
-كارما بتوتر بالغ: هه.

ثم استدارت هي الأخرى بجسدها لتواجهه، ولكنها أطرقت رأسها في قلق وتوتر شديدين..

بكل ما يجيش به صدره من غل، نفخ خالد في الهواء بحنق مبرر، ثم تحدث بنبرة حادة و...
-خالد بحدة: انا أذنتلك تخرجي.

هزت كارما رأسها في رعب، ولم تقو على رفع بصرها لتواجهه، في حين أكمل خالد ب...
-خالد بنبرة قوية: انتي مش هاتمشي من هنا غير لما آآآ...
-كارما مقاطعة وبنبرة مرتعدة: أنا، أنا م، مستقيلة، مافيش داعي انك، آآآ، انك تطردني
-خالد بصوت أجش: ومين قالك اني هاطردك.

عقدت كارما حاجبيها في دهشة، ثم رفعت بصرها تدريجيا لتختلس النظرات إلى وجه خالد الغاضب و...
-كارما بصدمة: اومال؟
-خالد بثقة ممتزجة بالغضب: مش قبل ماتشوفي العقد بتاعك الأول
-كارما باستغراب: عقد ايه؟
-خالد بنبرة قاسية: هتعرفي حالا.

مرت الثواني على كارما وكأنها دهر، ظلت واقفة على مقربة من الباب، تخشى أن ترفع بصرها أكثر لتتلاقى بأعين خالد الحانقة..
هي أخطأت في صفعه ولكنها ليست على استعداد لتحمل المزيد من الإهانات..

في مديرية الأمن
فكرت ناهد الرفاعي في أن تستعين بابنها جاسر لمساعدتها في تخليص ابنتها شاهي من براثن زيدان، خاصة وأنها عجزت عن رؤيتها، وكلما اقتربت من فيلته المدججة بالحرس الخاص، يتم طردها على الفور، حتى يئست من أن تراها..
هي ألقت بها في الجحيم، وعليها أن تستعيدها مجددا..

ظلت ناهد تتصل بجاسر هاتفيا مرات عديدة، ولكن للأسف دون جدوى، فهاتفه مغلق دوما، لذا قررت أن تذهب وتلتقي به في مكان عمله بمديرية الأمن..

دلفت ناهد إلى داخل المديرية وهي تترقب الناس من حولها، ثم توجهت ناحية الاستعلامات، وسألت عن مكتب ابنها جاسر، ولكن كانت الصدمة حينما علمت أنه قد انتقل توا من المديرية إلى مكان أخر...
حاولت ناهد أن تعرف إلى أين ذهب ولكنها فشلت، فقد شدد جاسر على الجميع بعدم إطلاع أي أحد مهما كان على مكان عمله وخاصة ( ناهد الرفاعي ) رغم علمهم بكونها والدته..

خاب ظن ناهد كثيرا، فقد كانت تعول على مساعدة جاسر لها، ولكن ما بيدها حيلة الآن، فهي من تسببت في إزاحته عن طريق سعادة ابنتها المزيف
-ناهد بنبرة يائسة: طب انا هاعمل ايه الوقتي؟ هاتصرف ازاي؟ جاسر ومش عارفة مكانه، وبنتي هتموت في ايد اللي مابيرحمش ده، يا ربي!

وقفت ناهد تفكر مع نفسها قليلا، ثم ركزت بصرها في نقطة ما بالفراغ و...
-ناهد بنظرات جاحظة وبنبرة متوعدة: مافيش إلا الزفتة فريدة، زي ما هي ورطتني في المصيبة دي، وباعتني بالرخيص للشيطان ده، ترجعلي بنتي، أيوه، وإلا، وإلا هاتشوف مني وش عمرها مكانت تتخيله في حياتها...!

في فيلا زيدان.

أزاحت شاهي منامتها الحريرية الحمراء قليلا عن عنقها ليظهر كتفها ذو البشرة البيضاء، والذي صار ملونا باللون الأزرق من آثر اعتداءات زيدان عليها، ثم التفتت قليلا بجسدها، ووقفت تتأمل جسدها المتورم من اللكمات في المرآة، ظلت تتحسس مواضع الآلم وهي تتحسر على حالها، هي لم تفعل أي شيء لكي تتلقى هذه النهاية الكارثية، خطئها الوحيد أنها سارت خلف والدتها، ورفضت أن تستمع إلى أخيها، ظنت أنها تفعل الصواب، ولكنها ألقت بنفسها و بلا تفكير منها في الجحيم...

أمسكت شاهي بالمرهم المسكن، وظلت تدعك به جسدها المتآلم وهي تتآوه تآوهات مكتومة من الآلم، هي تسكن آلم جسدها، ولكن كيف ستسكن آلم روحها..

وما إن انتهت حتى أعادت شاهي وضع المنامة من جديد على كتفها، وسقطت من عينيها عبرات الآلم، مسحتها بأطراف أناملها، ثم أخذت نفسا عميقا وحاولت التفكير في طريقة ما تمكنها من الهروب من هذا المكان للأبد، فهي لن تظل سجينته، ولن تتحمل البقاء معه مرة أخرى، كم تتقزز من نفسها حينما تتذكر لمساته القاسية على جسدها، كم باتت تخشى أن يأخذ روحها منها، هي ميتة معه لا محالة..

اقتربت شاهي من الدولاب وفتحت دلفته بيد مرتعشة، وعبثت بين ثيابها الموضوعة وانتقت شيئا أخرا لترتديه..
وتعمدت شاهي أن تختار ثياب طويلة محتشمة لا تظهر مفاتنها التي كانت تتباهى بها بدون قلق أو خوف، فهي باتت ترتعد من نظرات زيدان لها، ويكاد قلبها يموت رعبا من ملامسته لها، وكم تمنت أن تموت حينما اغتصبها بلا شفقة أو رحمة، فهو فقط قد تعمد فعل هذا التصرف الحيواني معها ليكسرها ويطفيء روحها للأبد...

في شركة الصياد
في مكتب خالد
ظل الوضع مشحونا بين خالد وكارما رغم الصمت التام الذي طغى على الأجواء..
جلس خالد على مكتبه وهو مشتعل من الغضب، أسند ذقنه على كفي يده وظل مسلطا بصره على كارما التي أطرقت رأسها في خوف وترقب..
طرقت السكرتيرة الباب، فالتفتت كارما تلقائيا برأسها للخلف، في حين صاح خالد ب..
-خالد بنبرة صارمة: اتفضلي...!

دلفت السكرتيرة وهي تحمل في يدها عقد ما، ثم صارت بخطوات ثابتة نحو مكتبه، ووضع العقد أمامه، فأشار لها خالد بعينيه الحمراوتين لكي تنصرف دون أن يتكلم، وبالفعل امتثلت السكرتيرة إلى أوامره، ولم تغفل عن رمق كارما بنظرات جانبية مليئة بالاستعلاء...

أمسك خالد بالعقد بعدم اكتراث بأطراف أصابعه، ثم ألقاه بعنف على الأرض و...
-خالد بلهجة قاسية: اقري العقد بتاعك.

نظرت إليه كارما بأعين خائفة، وخفضت بصرها إلى عقد عملها الملقى على الأرض و...
-كارما بصوت مرتعد وبتردد واضح: ما، ما أنا قريته قبل، آآ، قبل ما أمضي عليه.

لم يحرك خالد ناظريه عنها، بل ظل يرمقها بأعينه القاتمة و...
-خالد بنبرة صارمة: اقريه تاني!

اقتربت كارما بخطوات مرتعشة من مكتبه، ثم انحنت قليلا بجسدها، ومدت يدها لتمسك بالعقد الملقى على الأرض وبدأت تقرأه من جديد..

اعتلت الصدمة العارمة وجه كارما، وفغرت شفتيها حينما قرأت بنود العقد الذي قامت بالتوقيع عليه
كانت البنود في مجملها كالأتي:
- أن تعمل الموقعة أدناه في شركة الصياد في الوظيفة الملائمة لقدرتها وعلى حسب ما يترأى لصاحب العمل
- أن تكون مدة عملها شهر واحد فقط لا غير، وتكون مدة تدريبية لا تتقاضى عليها أي أجر
- أن تكون مدة العمل من السابعة صباحا وحتى السادسة مساءا، ويمكن أن تمتد في حالة طارئة.

- لا يجوز للموقعة أدناه أن تترك العمل تحت أي ظرف
- يجوز استدعاء الموقعة أدناه في أي وقت
- في حالة قرار الموقعة أدناه بترك العمل قبل انتهاء الشهر عليها رد قيمة ( الشيك ) الذي تقاضت قيمته بالكامل نقدا قبل مباشرتها بالعمل.

إنها بنود مجحفة بحق، وهي لم تقرأ تلك البنود أو توقع عليها بالمرة و..
-كارما بصدمة وهي ترفع حاجبيها في دهشة: أنا، أنا مامضتش على العقد ده.

ابتسم خالد رغم شعوره الجارف بالحنق ابتسامة لئيمة، و...
-خالد بنبرة جافة: لأ مضيتي وبرضاكي.

هزت كارما رأسها بالنفي، وعلى الرغم من البرودة التي سرت في جسدها إلا أنها استجمعت شجاعتها لتواجهه و...
-كارما بحدة رغم خوفها: محصلش
-خالد بتهكم ونبرة تحمل الإهانة: لأ بصي كويس على امضتك يا، يا آنسة!
-كارما بقلق: أه دي امضتي، بس مش ده العقد اللي أنا وقعت عليه.

أرجع خالد ظهره للخلف ليستند على مقعده الوثير، ثم نظر إلى كارما بنظرات قاتمة و...
-خالد بثقة مبالغة فيها: لأ هو..!
-كارما بنظرات أكثر ثقة: لأ، مش ممكن.

نهض خالد عن مقعده، ثم اتجه إلى الخزينة الموضوعة على مقربة من مكتبه، وضغط على بعض الأرقام وفتحها، ثم أخرج منها شيكا وأدار جسده قليلا ناحية كارما دون أن يتحرك، ثم ألقاه في وجهها بعنف وهو يلوي فمه في تأفف منها...

شدهت كارما من طريقة خالد الفظة والوقحة معها، رغم أنها لم تحاول استثارة أعصابه، ولكنه هو من بدأ معها واتهمها في عرضها، ورغم هذا هي مازالت صامدة أمامه..
-خالد وهو يرمقها بنظرات متعالية: شوفي الشيك ده يا هانم.

ظل خالد واقفا في مكانه كالجبل الشامخ، في حين تحركت كارما نحوه بخطوات بطيئة متوجسة، وانحنت مجددا بجسدها لتمسك بالشيك الملقى على وجهه على السجادة..

قرأت كارما قيمة المبلغ المكتوب في الشيك، وفغرت شفتيها في صدمة أكبر، رفعت بصرها تلقائيا لتنظر في عيني خالد مباشرة رغم خوفها المبرر منه و..
-شاهي بنظرات مصدومة: خ، آآ، خمسة مليون جنية! ده، ده محصلش
-خالد بنظرات غاضبة مليئة بالتحدي: لأ حصل، واثبتي العكس لو تقدري
-شاهي بعدم تصديق: ازاي؟ ازاي؟ مش ممكن!

سرد لها خالد ما تعمد فعله معها - وبمساعدة مدبرة ومحكمة من مدير مكتب شئون العاملين ومحامي الشركة - بنبرة تحمل من المكر والدهاء ما جعلها ترتعد بحق، وحذرها من عواقب تركها للعمل، والتي لن يتهاون في تنفيذها على الفور والتي تتضمن الحبس والسجن..
كما أشار إلى عدم وجود سلطان لوالده عليها من الآن، فهو رئيسها الوحيد والمباشر، لذا لن يتمكن أحد من مساعدتها..

طوال حديثه معها حاولت أن تخمن السبب الذي دفعه لفعل هذا، وحينما يئست...
-كارما وعلى وجهها علامات الاستنكار: طب ليه كل ده؟ ليييه؟
-خالد بوجه ممتعض: يعني مش عارفة ليه؟

أخفضت كارما رأسها، وحاولت أن تبرر موقفها وتوضح له الحقيقة و..
-كارما بتردد وهي مطرقة الرأس: أنا، أنا منكرش اني اشتغلت عند عدلي بيه وكنت، وكنت فعلا مديرة مكتبه و، آآ، و جيت اشتغلت هنا بس ده كان عشان المهندس رأفت آآ...
-خالد مقاطعا بنبرة متهكمة وهو يلوي فمه: عشان راجل طيب فقولتي صيدة سهلة توقعيه وتلفي عليه وأهو بالمرة تطلعي بقرشين من اللي مشغلك ومنه هو شخصيا.

رفعت كارما رأسها مجددا لتنظر إليه بعينيها لعله يرى صدق نواياه، وكذب ادعائه و...
-كارما وهي تشير بيدها: أبدا والله.

تقدم خالد خطوة للأمام وهو يشير بيده في وجهها بضيق واضح و..
-خالد مقاطعا بحدة: ماتحلفيش بالله يا بنت ال، ، ولو مفكرة أن البشمهندس رأفت هايحميكي مني تبقي بتحلمي، بابا مسافر ومش هيرجع دلوقتي، وانتي هاتشوفي الوش اللي تستاهليه!

ابتلعت كارما اهانتها هذه المرة ولم تنطق، فهي الآن مهددة بالسجن والفضيحة بدون أي ذنب.

صمت خالد وحاول أن يتحكم في أعصابه، في حين ظلت كارما تعيد ترتيب حسابتها..
وفي النهاية اضطرت كارما لأن...
-كارما بصوت خافت وخائف: والمطلوب مني ايه الوقتي؟

سلط خالد بصره على كارما ونظر إليها بنظرات جارحة، ثم وضع يديه في جيبه، وسار بخطوات بطيئة وواثقة نحوها إلى أن وقف تماما على بعد خطوتين منها و..
-خالد بنبرة صارمة: تروحي تشوفي شغلك الجديد
-كارما وهي تمط شفتيها بامتعاض: طيب.

مال خالد برأسه قليلا، ونظر إلى كارما شزرا و...
-خالد بنبرة جادة: بس انتي لسه مسألتنيش شغلك ايه هنا
-كارما بعفوية: أكيد في مكتب السكرتارية
-خالد بصوت رجولي ووجه عابس: لأ.

رفعت كارما أحد حاجبيها في دهشة بعد أن رفعت بصرها لتنظر إلى خالد مباشرة في عينيه و...
-كارما بأعين متسائلة: أومال فين؟
-خالد بنظرات حادة كالصقر: عند الحمام
-كارما فاغرة شفتيها: ايه؟
-خالد بنظرات ثابتة وأعين لا ترمش: ماسمعتيش، ده المكان الطبيعي للحثالة اللي زيك، مكتبك عن الحمام، وطبيعة وظيفتك هتلاقي في ورقة حقيرة مكتوب فيها بالظبط ايه اللي هاتعمليه..
-كارما بوجه مصدوم: آآآ...

-خالد مكملا بتهكم ونبرة مهينة: وأنا عاوزك بقى تركزي وتبلغي اللي مشغلك بكل اللي تشميه، قصدي تشوفيه..

ارتجفت شفتي كارما، وحاولت أن ترفض ذلك العمل المهين، ولكن باغتها خالد ب...
-خالد وهو يشير بيده، وبصوت صارم وكلمات هادرة ورنانة: اتفضلي على شغلك، يالا...!

ارتعدت كارما في أوصالها على آثر صوت القوي، وكادت أن تتعثر في خطواتها وهي تركض ناحية باب مكتبه..

وبالفعل أمسكت بالمقبض ويدها ترتعش بشدة، ثم أدارته بخوف وفتحت الباب وركضت للخارج..

انتشر خبر ما حدث مع الموظفة الجديدة كارما في الشركة كما تنتشر النار في الهشيم، فقد علم الجميع، وخاصة من الجنس الناعم، بحقيقتها – كما زعمت سكرتيرة مكتب المهندس رأفت - وبأنها الجاسوسة المرسلة من قبل أعداء عائلة الصياد للايقاع بالشركة والتجسس على المهندس رأفت وجره رغما عنه إلى طريق الرزيلة..

استنكر الجميع وجودها معهم، ولكن أعجبوا بما فعله معها المهندس خالد، وتمنى البعض منهم أن يكون الرد أكثر صرامة من هذا لأنها لا تستحق إلا الرجم لأنها خائنة ولعوب...

وقفت كارما في الطرقة لا تعرف كيف تتصرف، خانتها عبراتها وانهمرت رغما عنها حزنا وأسفا على ما صار بها..
لاحظت كارما أن الجميع يرمقها بنظرات ما بين احتقارية، أو ممتعضة، وأحيانا شماتة، ونظرات متشفية..
لم تعلم كارما ما الذي حدث لكي ينظر إليها كل من يمر بها بتلك الطريقة رغم أنها تبكي لظلمها البين...

ثم سمعت كارما صوتا صارما وقويا يأتي من على بعد، فأدارت رأسها في اتجاه الصوت و...
-خالد بأعين غاضبة وصوت جهوري يحمل في طياته التهديد والوعيد: روحي شوفي شغلك يا آنسة، وده أحسنلك.

ظلت كارما تنظر إلى خالد بأعينها الباكية، تحاول فهم الذنب الذي اقترفته ليهينها بتلك الطريقة الفجة..
-خالد مكملا بصلابة أكثر وهو يشير بيده: وريها مكانها الجديد يا ناصف...!

اقترب أحد السعاة من كارما – والذي يدعى ناصف – ثم أشار لها بيده و..
-ناصف بنبرة خافتة وهادئة: تعالي معايا يا استاذة على الحمام، قصدي على مكتبك اللي جمبه...!

أشاحت كارما بوجهها بعيدا عن خالد، ونظرت إلى ذلك الساعي والذي يبدو من ملامحه أنه لن يرفق بها هو الأخر..
تحرك الساعي ناصف أولا، ثم تبعته كارما وهي تسير بخطوات مخزية ومذلولة إلى حيث مكان عملها الجديد، بجوار المرحاض...!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة