قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية الفريسة و الصياد الجزء الثاني للكاتبة منال سالم الفصل السادس والثلاثون

رواية الفريسة و الصياد الجزء الثاني للكاتبة منال سالم الفصل السادس والثلاثون

رواية الفريسة و الصياد الجزء الثاني للكاتبة منال سالم الفصل السادس والثلاثون

في النادي
حاولت فريدة أن تستفيد من زيدان قدر استطاعتها، فهي لا تريد أن تخرج من تلك الورطة الكبيرة التي وقعت بها دون شيء..
انتصبت فريدة في مقعدها، ونظرت إلى زيدان بأعين واثقة وجادة و..
-فريدة بنبرة شبه جادة: أنا عاوزة منك خدمة.

قهقه زيدان من الضحك عقب عبارة فريدة الأخيرة، وأسند ظهره للخلف، ثم نظر إليها بنظرات جامدة و..
-زيدان ببرود وهو يدخن سيجارته الكوبية بشراهة: الصراحة انتي بجحة
-فريدة بحنق: نعم؟
-زيدان بصوت قاتم: اللي سمعتيه، واحدة زيك بدل ما تحاول تصلح اللي عملته، بتطلب خدمات، أنا مقابلتش حد زيك
-فريدة وهي تمط شفتيها في تهكم: أهوو أستفيد بأي حاجة منك، بدل ما انت ناوي تخسرني كل حاجة.

-زيدان وهو يزم شفتيه في تعجب: ممم، منطق برضوه!

اقترب أحد الندلاء من الطاولة وهو يحمل صينية بها مشروبات ساخنة، ثم مد يده وأمسك ب قدح الشاي الساخن، وأسنده أمام فريدة، وأمسك بفنجان القهوة السادة ووضعها أمام زيدان، ولم ينس وضع كوبين زجاجين مملوءين بالمياه...

انصرف النادل، ثم اقترب زيدان بجسده من الطاولة، ونفض بقايا سيجاره الكوبي المحترق في المنفضة، وعاد بظهره إلى الخلف و..
-زيدان ببرود تام: عاوزة ايه.

مدت فريدة يدها وامسكت بقدح الشاي الساخن وبدأت ترتشف منه بعض القطرات و...
-فريدة وهي تنظر إليه بأعين جادة: دي خدمة لواحدة صاحبتي، مش ليا
-زيدان بتهكم: وهو من امتى انتي بتخدمي أي حد؟
-فريدة بضيق: انت متعرفنيش كويس
-زيدان وهو يرفع أحد حاجبيه: لأ عارفك، وفاهم دماغك صح، فيا ريت تتكلمي معايا بوضوح..

قاطع حديثهما وجود إحدى صديقات فريدة والتي أصرت على الجلوس والترحيب بفريدة والمباركة لزيدان – زوج ابنة أختها..

في شركة الصياد
على مقربة من المرحاض
اصطحب ناصف كارما إلى مكتبها الموجود في طرقة صغيرة تفصل ما بين المرحاض الخاص بالموظفين، وغرفة السعاة..
نظرت كارما إلى مكتبها الرث بنظرات مصدومة، هي لا تستحق مثل هذا العمل، هي مجتهدة، ولم تخطيء في حق أحد، فكيف يتم إهانتها بتلك الطريقة الوضيعة، وهي ليس أمامها أي مفر لكي تترك حتى العمل
قاطع ناصف شرود كارما بصوته الخشن و..

-ناصف بنبرة جادة وهو يشير بيه: ده مكتبك يا أستاذة.

أومأت كارما برأسها ايجابيا، ولم تنطق بكلمة، توجهت نحو مكتبها بخطوات ثقيلة وذليلة، ثم مدت يدها لتسحب المقعد الخشبي شبه المتهالك وجلست عليه في حرج شديد..

لم تسلم كارما من نظرات كل من يدلف إلى المرحاض، فالكل يرمقها بنظرات متشفية أو شامتة..

دفنت كارما رأسها بين كفي يدها وظلت تبكي بحرقة حتى تورمت عيناها من كثرة البكاء، هي ليس أمامها أي خيار سوى تحمل تلك المهانة من خالد حتى ينتهي الشهر أو ريثما يعود زوج والدتها المهندس رأفت..

انتفض جسد كارما فزعا حينما وجدت من يلقي ببعض علب المناشف الورقية على مكتبها فأصدرت دويا مفزعا لها، جففت كارما على عجالة دموعها بأطراف أصابعها، ثم نظرت إلى ماهو موضوع على مكتبها باستغراب و...
-كارما بنظرات مرتعدة: ايه ده
-ناصف ببرود: دي عهدتك يا أستاذة.

رفعت كارما حاجبيها في دهشة، ونظرت إلى ناصف بعدم فهم و..
-كارما بصوت خافت: أفندم!
-ناصف بصوت قاتم: البشمهندس خالد قال أسلمك العهدة دي، وكل يوم تبعتي تقرير بكمية المناديل اللي ناقصة، وهيحاسبك لو في نقص أو عجز عندك بدون ما يكون متسجل.

تجمدت الكلمات في حلقها، واختنقت الكلمات في صدرها، وابتلعت بمرارة تلك الإهانة المتعمدة، اذن فخالد تعمد الاساءة إليها واتهامها بأنها لصة بالإضافة إلى كونها جاسوسة..

لم تعقب كارما، وظلت تنظر إلى ناصف بأعين ذليلة..

وقف على مقربة من مكتب كارما بعض الموظفات واللاتي تعمدن أن يغمغمن بكلام مسيء عنها، حاولت كارما قدر الإمكان ألا تعيرهن الاهتمام، فهي لا تريد أن تفتعل المشاكل معهن، وخاصة أنها لن تسلم من لسانهن السليط، يكفيها ما قيل عنها – بسوء ظن – طوال هذا اليوم الطويل...

وفي خضم كل هذا رن هاتفها، أخرجت كارما الهاتف من حقيبتها، ثم نظرت إلى شاشته، فوجدت أن المتصلة هي اختها الصغرى كنزي، أمسكت كارما بالهاتف، وحاولت أن تبدو طبيعية أثناء حديثها معها، لذا أخذت نفسا عميقا و..
-كارما بصوت شبه مختنق هاتفيا: الوو، ايوه يا كارما
-كنزي هاتفيا باستغراب: ايه يا بنتي مال صوتك
-كارما وهي تتنحنح: مافيش
-كنزي بتعجب أكثر: ازاي مافيش، ده واضح اوي من صوتك ان في حاجة.

صمتت كارما لثوان معدودة محاولة اختلاق عذر ما شبه مقبول حتى تقتنع اختها الصغرى به، فهي لا تريد أن تخبرها بما حدث لها في العمل، وإلا ستثور ثائرتها - وستقيم الدنيا ولن تقعدها - وهي ليست بحاجة إلى تلك المشاكل حاليا..
-كارما بتردد: آآآ، أصل، أصل مامي وحشتني أوي
-كنزي وهي تمط شفتيها في عدم اقتناع: ممم، بجد وحشتك؟
-كارما بصوت خافت: أها
-كنزي بنبرة هادئة: ان شاء الله ترجعلنا بالسلامة.

-كارما بنظرات راجية: يا رب.

رفعت كنزي يدها على رأسها، وظلت تعبث في فروة رأسها و...
-كنزي وهي تعبث بشعرها: كوكا أنا زهقانة أوي، هاطق من أعدة البيت، مش لاقية حاجة أعملها
-كارما بصوت خافت: أنا في الشغل الوقتي يا كنزي، وصعب اني أخد اذن عشان أجيلك
-كنزي بضيق: يعني هافضل محبوسة في البيت؟
-كارما بنبرة راجية: معلش يا كنزي اصبري لحد ما أروح البيت
-كنزي على مضض: ماشي، بسانتي هترجعي امتى؟

-كارما وهي تزفر في ضيق: المفروض هامشي من هنا على الساعة 6
-كنزي بنبرة مصدومة: اييييه؟ 6! ليه ان شاء الله؟
-كارما وهي تبتلع مرارة حلقها: ظروف الشغل كده
-كنزي بضيق: ظروف ايه اللي تخليكي تقعدي كل ده، وبعدين مش المفروض جوز مامي مديكي exception ( استثناء )؟
-كارما وهي تزم شفتيها في تهكم: هه، من ناحية اني خدت exception، فأنا خدته فعلا.

-كنزي وهي تزفر في انزعاج: اوووف، بس كده أوفر أوي يا كارما، بجد أنا مش هاقدر أعد كل ده لوحدي في البيت، مامي وجودها كان فارق معايا.

فكرت كارما للحظات في حل لتلك المشكلة، فكنزي دائما كانت تشغل وقتها بتلبية طلبات والدتها، والمكوث معها لأطول فترة، وبالتالي لم تشعر بذلك الفراغ الرهيب في حياتها، لذا...
-كارما بصوت عذب: ايه رأيك لو روحتي النادي شوية؟
-كنزي وهي ترفع أحد حاجبيها: النادي
-كارما وهي توميء برأسها: أها، غيري جو، واقعدي مع صحباتك شوية لحد ما انا أخلص واجيلك
-كنزي وهي تمط شفتيها: ممم...
-كارما متسائلة: ها قولتي ايه؟

صمتت كنزي لثانيتين، ثم أطرقت ب..
-كنزي بنبرة عادية: اوكي، ماشي، بس اوعي تتأخري عليا.

أخذت كارما نفسا عميقا، ثم زفرته في انزعاج، ووضعت إصبعيها أعلى أنفها وضغطت عليه قليلا و..
-كارما بنبرة منزعجة: ربنا يسهل
-كنزي مبتسمة: ان شاء الله، باي يا كوكا
-كارما وهي مطرقة الرأس: باي.

أنهت كارما المكالمة مع اختها، ثم أسندت هاتفها على طرف سطح مكتبها، ثم دفنت مجددا وجهها بين راحتي يدها وهي تزفر في ضيق..
-كارما في نفسها: يا رب نجيني من اللي أنا فيه..!

في فيلا رأفت الصياد
ارتدى عمر بدلته الرياضية، واستعد للذهاب إلى تدريب التنس الخاص به، ثم نظر إلى نفسه في المرآة ليتأكد من أن هيئته متناسقة..
نزل عمر على الدرج، وبحث بعينيه عن والدته ولكنه لم يجدها، مط شفتيه في تعجب، ثم أكمل نزوله حتى لمح صباح و..
-عمر بنبرة عالية: يا صباح
-صباح من بعيد: أيوه يا عمر بيه
-عمر متسائلا: اومال فين ماما؟
-صباح بنبرة هادئة: خرجت من بدري.

-عمر وهو يلوي فمه في استغراب: خرجت، ومن بدري! مش بعوايدها يعني، طب مقالتش رايحة فين
-صباح باقتضاب: الله اعلم
-عمر وهو يشير بيده: ماشي يا صباح، اتوكلي انتي على الله
-صباح متسائلة: هتتغدى هنا يا عمر بيه
-عمر وهو يهز رأسه: لأ.

دلف عمر خارج الفيلا وهو يحمل حقيبته الرياضية، ثم توجه ناحية الجراج وتذكر أن والدته قد أخذت السيارة معها، وأخيه الأكبر في عمله، ولا يوجد من يوصله إلى النادي، لذا
-عمر بضيق: طب والعمل ايه الوقتي؟ مافيش قدامي غير ان أكلم فريدة هانم تبعتلي العربية.

أخرج عمر هاتفه المحمول من جيبه، ثم اتصل مرارا بوالدته، ولكنها لم تجيب على اتصالاته المتكررة، فزفر في ضيق، ثم مسح على شعره بيده، وقرر أن يتصل بأخيه خالد و...
-عمر هاتفيا: ألوو، خالد باشا
-خالد بضيق: عاوز ايه يا زفت
-عمر وهو يتنحنح: احم، آآآ...
-خالد بلهجة صارمة: اخاص أنا مش فاضيلك
-عمر بصوت خافت: أنا، انا كنت عاوزك توصلني النادي لأحسن أمك أخدة العربية من الصبح وسارحة مع نفسها.

-خالد بتهكم وهو يلوي فمه: وانت نغة عشان تستنى حد يوصلك
-عمر بنبرة عالية نسبيا: طب هاتولي عربية وأنا هاعيش مع نفسي
-خالد بنبرة جادة: بس ياله، روح اتنيل اركب تاكسي وحل عن ماغي السعادي.

ثم أغلق الهاتف في وجهه، فنظر عمر إلى شاشة الهاتف في حنق و..
-عمر بتهكم: بقى دي أخرتها، يبقى عندنا اسطول عربيات، وفي الأخر أروح أركب تاكسي ولا أتشعبط في الاتوبيس!

ثم سار عمر بخطوات منزعجة نحو بوابة الفيلا، فوجد العم راضي جالسا على مقعده، فاقترب منه و...
-عمر وهو يشير بيده: منور يا عم راضي
-راضي مبتسما وقد نهض من على مقعده: ده نورك يا عمر بيه.

كان عمر على وشك الدلوف خارج الفيلا تماما حينما استدار فجأة بجسده نحو العم راضي و...
-عمر وهو يعقد حاجبيه: بقولك ايه يا عم راضي
-راضي وهو يهز رأسه: ايوه يا بيه
-عمر متسائلا: هو انت بتروح مشاويرك ازاي
-راضي بنبرة هادئة: بالفيسبة يا بيه
-عمر باستغراب: فيبسة ( موتوسيكل )
-راضي وهو يوميء برأسه: ايوه يا بيه
-عمر وهو يلوي فمه: ودي كويسة يا راضي.

-راضي وهو يشير بيده: أيوه يا بيه، ما هي حمارتك العارجة تغنيك عن سؤال اللئيم
-عمر وهو يهز رأسه: على رأيك، وربنا أنت راجل بتفهم...!

ثم انصرف عمر خارج الفيلا، وأشار بيده لإحدى سيارات الأجرة ليستوقفها، ثم استقلها إلى النادي...
-عمر بصوت عالي: استنى يا أسطى، خدني في سكتك الله يكرمك..!

في ألمانيا
في أحد المصالح الحكومية
انتهت يارا تماما من التوقيع على أوراق استلامها لميراث والدها بالكامل، والذي تخطى حاجز الملايين..
لم تتوقع يارا أنها ستملك مثل تلك الثروة الطائلة، وطلبت من مستر شرودر أن يعاونها في تحويل تلك الأموال وإيداعها في حسابها الشخصي في أحد البنوك الشهيرة بالقاهرة..
نظرت يارا إلى أدهم وعلى وجهها ملامح السعادة، كما فرح أدهم كثيرا لحصولها أخيرا على حقها الضائع..

أمسك أدهم بكف يد زوجته، ثم رفعه إلى فمه وقبلها في حنية بالغة و..
-أدهم مبتسما: الحمدلله يا بيبي، حقك رجع
-يارا بنبرة فرحة: الحمدلله
-أدهم غامزا: بيتهيألي احنا معدتش لينا قعاد هنا
-يارا وقد فهمت ما يرمي إليه: الله بقى.

مال أدهم برأسه قليلا ناحية يارا، ثم همس في أذنها ب...
-أدهم بصوت خافت: يا بت دي فرصة، دي مناسبة مش بتكرر غير مرة في العمر، واحنا لازم نحتفل بده
-يارا هامسة: تؤ، وبعدين خلي بالك الناس واخدة بالها مننا
-أدهم بعدم اكتراث: مايخدوا بالهم، هو أنا بيهمني
-يارا مبتسمة: مجنون..
-ادهم وهو يبادلها الابتسامة: بيكي!

وعلى مسافة ليست بعيدة منهما، وقف شخص ما يراقب كل ما يحدث بتركيز شديد، شخص قد تم تكليفه بمتابعة يارا ومراقبتها منذ لحظة سفرها من القاهرة ومجيئها إلى برلين...
-شاهين بنظرات ثاقبة ومتفحصة: لازم زيدان باشا يعرف بده كمان...!

في فيلا رأفت الصياد
وصلت ناهد إلى فيلا رأفت الصياد وعلى وجهها علامات الغضب العارمة..
دلفت إلى الداخل بعد أن فتحت لها صباح الباب و...
-ناهد بنبرة غاضبة وبصوت عالي: فريدة.

سارت ناهد نحو الدرج وأمسكت بالداربزون، ووقفت تصيح في أختها عاليا و..
-ناهد بصراخ حاد: ردي عليا فريدة، انزلي حالا من فوق.

لحقت صباح بناهد وحاولت أن توضح لها أن فريدة غير متواجدة بالفيلا حاليا، ولكنها رفضت الانصات إليها، وركضت كالمجنونة على الدرج وظلت تبحث عنها في أرجاء الفيلا...

في شركة الصياد
في مكتب خالد
استدعى خالد الساعي ناصف لكي يلقاه في مكتبه، دلف الساعي إلى المكتب، وأطرق رأسه احتراما وهو يقف في مواجهة المهندس خالد..
نظر خالد إليه بنظرات جادة، ثم تحدث بصرامة و...
-خالد بنبرة قوية وصارمة: بص يا ناصف
-ناصف بصوت خافت: ايوه يا باشا
-خالد بنبرة جادة: عاوزك تعمل اللي هاقولك عليه بالظبط
-ناصف وهو يوميء برأسه: أومرني يا باشا.

كلف خالد الساعي ناصف بمتابعة ومراقبة كارما عن كثب بجانب وظيفته الرئيسية، وأوصاه أن يتوخى الحذر منها، كما أمره بأن ينظف غرفة السعاة حالا وينزح مياه التنظيف ناحية مكتب كارما حتى يضمن إزعاجها ومعاناتها...

وافق الساعي ناصف على الفور، ووعد المهندس خالد بأن يبلغه بكل ما يخصها وما يقال عنها، بالإضافة إلى نقل ما تفعله حرفيا له..

أشار له خالد بعد هذا بالانصراف، وما إن خرج ناصف من مكتبه حتى وضع خالد كلتا يديه في جيبي بنطاله، وسار بخطى ثابتة نحو مكتبه وعلى وجهه علامات الرضا و..
-خالد بنبرة متوعدة: ده انتي هاتشوفي أيام أسود من قرن الخروب..!

في فيلا رأفت الصياد
تأكدت ناهد أن فريدة ليست موجودة بالفيلا، ظلت تفرك يديها في عصبية مفرطة، وعلى وجهها علامات الحنق الحادة، ثم أمسكت حقيبة يدها بغل وأخرجت هاتفها المحمول منها، وقامت بالضغط على عدة أزرار لكي تهاتف فريدة..
وضعت ناهد الهاتف على أذنها، وتحركت بخطوات عصبية في غرفة الصالون، ولكن لم تجب فريدة على اتصالها، لذا أعادت الكرة من جديد...

في نفس التوقيت، دلفت صباح وهي تحمل صينية الحلوى في يدها، ولكن دفعتها ناهد بيدها بغضب جم لتتساقط محتوياتها، وتتبعثر على أرضية الغرفة الرخامية...
-ناهد بنبرة متعصبة: اطلعي براااااا، أنا مش عاوزة حاجة
-صباح بقلق: ط، آآآ، طيب.

سارت صباح خارج الغرفة بخطوات مسرعة، في حين ظلت ناهد تتصل بأختها وهي تشتعل كالبركان...

في النادي
نظرت فريدة إلى شاشة هاتفها الذي لم يكف عن رنينه المتواصل و...
-فريدة وهي تزفر في ضيق: اووووف، مش وقتك يا ناهد
-زيدان ببرود: ردي عليها
-فريدة على مضض: لأ
-زيدان باستغراب: ليه
-فريدة وهي تلوي فمها في امتعاض: عادي.

إستند زيدان بظهره إلى مقعده، ووضع ساقا فوق الأخرى و...
-زيدان بنظرات وقحة وابتسامة مزيفة: ممممممم، ايه مش عاوزاها تعرف اننا سوا؟
-فريدة بنبرة هادئة: لأ مش كده، وبعدين ما تعرف عادي يعني، بس أنا مش ناقصة وجع دماغ على الصبح.

ابتسم زيدان ابتسامة لئيمة من بين أسنانه و...
-زيدان بتنهيدة ارتياح: طب قبل ما أنسى، ناهد عرفت كل حاجة.

نظرت فريدة إلى زيدان بنظرات مصدومة، فغرت شفتيها في دهشة و...
-فريدة بصدمة: ايييه!
-زيدان بثقة مميتة: يعني اللعب على المكشوف الوقتي، كله عارف حقيقة بعضه.

لم تصدق فريدة أذنيها، فزيدان لم يدخر وسعه في الايقاع بين الأختين، وجعل التحدي جليا للجميع..
-فريدة بنظرات مشدوهة: انت، انت عملت كده ليه؟
-زيدان بعدم اكتراث: نصيبها تعرف بقى
-فريدة بنبرة غاضبة: انت عارف انت عملت ايه
-زيدان ببرود قاتل: عارف كويس
-فريدة وهي تزفر في ضيق واضح: اوووف، يادي النصيبة، أنا أصلا مش ناقصاها، تقوم انت تعرفها كل حاجة.

-زيدان بصوت هادر ومخيف: ماليش فيها الهرتلة دي كلها، أنا كلامي واضح معاكي، تنفيذي بالحرف كل اللي انا عاوزه، ماشي، وده أخر ما عندي.

رن هاتف زيدان، فمد يده في جيب سترته وأخرجه منه، ثم نظر إلى شاشته، وتبدلت ملامحه إلى شكل مخيف، ولكنه لم ينطق بحرف..

استغربت فريدة من تبدل ملامح زيدان، ولكنها لم تعقب، بل ظلت تنظر إليه وهي تهز ساقيها في عصبية...
وصل عمر بعد معاناة إلى النادي، ظل يزفر في ضيق، ويغمغم بعبارات تحمل السباب..
التفت عمر برأسه وظل يتابع الجالسين في النادي إلى أن لمح والدته وهي تجلس بصحبة زيدان – زوج شاهي ابنة خالته – فابتسم عفويا وهو يقترب من الطاولة ظنا منه أنه سيقابله بالترحاب..

أسند عمر حقيبته الرياضية على المقعد البلاستيكي، ثم مد يده ليصافح زيدان، ولكنه نظر إليه شزرا ورمقه بنظرات مخيفة قبل أن يضع نظارته القاتمة من جديد على عينيه..
نهض زيدان عن مقعده وهو يرمقه بنظرات متأففة، ولم ينبس بكلمة، ثم أدار جسده، وسار مبتعدا عنهما، ومن خلفه رجال حراسته الخاصة..

سحب عمر يده في حرج، ونظر إلى والدته باستغراب شديد وهو رافع لأحد حاجبيه في تهكم واضح و..
-عمر بدهشة وضيق: ماله ده؟
-فريدة باقتضاب: ملكش دعوة بيه
-عمر بتهكم: والنبي بلاش يعيشلنا في دور الرجل المهم ده كتير، ده احنا بقينا نسايب يعني
-فريدة متسائلة: انت جيت ليه أصلا؟
-عمر وهو يلوي فمه: أفندم؟
-فريدة بحدة: انت بتعمل هنا ايه
-عمر باستغراب: ايه يا ماما، أنا عضو معاكو في النادي ده، يعني من حقي أجي في أي وقت.

-فريدة وهي تزفر في ضيق: أوووف، قول جيت ليه؟
-عمر بإيجاز: عندي تدريب
-فريدة وهي تشير بيدها: طب اتفضل روح عليه
-عمر على مضض: ماشي...!

سار عمر نحو الملاعب بعد أن مد يده وأمسك مجددا بحقيبته الرياضية و...
-عمر بضيق واضح: أنا عرفت ليه فريدة هانم غاوية تقعد مع الثقييل ده، اهوو شبهها.

في مكان أخر بالنادي، جلس صديقي أدهم المقربين باسل وهيثم على أحد المقاعد الجبسية المقاربة لمنطقة الملاعب الخلفية وهما يتابعان كل الفتيات التي تمر بجوارهما وبالطبع كانت تعليقاتهما الفجة والفظة هي سيدة الموقف، ورغم هذا كانت الفتيات تبادلهما التحية والابتسامات وأحيانا الرد بنفس الطريقة...
ثم لمح باسل أحد الفتيات وهي تسير بخطوات رشيقة من بعيد و..
-باسل وهو يشير بيده: هيثم.

-هيثم وهو ينظر لأحد الفتيات: ايه يا عمنا
-باسل: ركز معايا كده
-هيثم بضيق: في ايه
-باسل وهو يشير بعينيه: شايف المزة الصغيرة اللي طايرة هناك دي
-هيثم وهو يبحث عما يشير إليه باسل بعينيه: فين؟
-باسل وهو يضع يده على كتف هيثم: ياض هناك أهي
-هيثم وقد لمحها: اها، مالها يعني
-باسل غامزا: باينه وجه جديد
-هيثم وهو يشير بعينه: طب ما تيالا
-باسل بغمزة: اشطا...

وفي نفس الوقت وصلت كنزي إلى منطقة الملاعب الخلفية، ظلت تنظر حولها بأعين متفحصة باحثة عن رفيقاتها، واصطدمت في طريقها بدون قصد بأحد الأشخاص، والذي تعمد الاصطدام بها...
-كنزي بنبرة معتذرة: سوري
-باسل مبتسما: اخبطي براحتك يا مزة، حقك
-كنزي بوجه ممتعض: أفندم
-هيثم بصوت رخيم وهو يغمز لها: ده انت اللي فندم وباشا وبيه
-كنزي بحدة وهي تشير بيدها: ايه الوقاحة دي، ما تحترم نفسك!

-هيثم وهو يلوي فمه بتهكم: مممم، وقاحة
-باسل بنظرات جريئة: اوووبا، ده انت بتعرف تخربش.

مد هيثم أطراف أصابعه ليلمس وجنة كنزي، ولكنها تراجعت للخلف في فزع و..
-هيثم وهو يعض على شفتيه: صغنن بس لسانك طويل.

وصل عمر إلى منطقة الملاعب، وبالمصادفة وهو يدير رأسه للجانب لمح عمر من على بعد ما يحدث، فألقى بحقيبته الرياضية وركض مسرعا ناحية كنزي وعلى وجهه علامات الغضب...

-عمر بنبرة حادة: هيثم، باسل في ايه اللي بيحصل عندكم
-باسل وقد التفت ناحيته: عمر الصياد، أهلا بأخو الغالي
-هيثم مازحا: منور يا عم الشباب والرياضة
-عمر بنبرة منزعجة ونظرات جادة: انت بتضايقوا كنزي ليه
-باسل وهو يعقد حاجبيه في استغراب: ايه ده هو انت تعرف المزة دي؟
-عمر بحدة: أه، تبعي
-هيثم وهو يرفع كلتا يديه عاليا في الهواء: يبقى احنا كده OUT، سلام يا باشا!

رمقت كنزي عمر بنظرات نارية قاتلة، فقد ظنت أنه قد افتعل هذا الموقف الوقح من أجل إظهار نفسه أمامها بأنه شاب شهم وشجاع، وذلك فقط بغرض التقرب منها مجددا، لم تنتظر كثيرا في مكانها، وإنما سارت مبتعدة عنه، فلحق بها عمر و..
-عمر بصوت مضطرب: ك، كنزي، استني
-كنزي بضيق واضح: ابعد عني احسنلك.

وقف عمر أمام كنزي فسد عليها الطريق و..
- عمر بنبرة راجية: استني بس، أنا كنت عاوز أقولك آآآ...

لم يكمل عمر جملته لأنه قد تلقى صفعة قوية على وجهه من كنزي الذي نظرت إليه باستنكار و..
-كنزي بنظرات حانقة: مكونتش اتخيل انك بالوضاعة، تخلي أصحابك يقلوا أدبهم عليا عشان تعمل عليا فيلم وتكلمني، انت فعلا بني آدم مش محترم...

صدم عمر من كلام كنزي الجارح له، فحاول أن يبرر موقفه، ولكنها أشارت بإصبعها في وجهه محذرة ب...
-كنزي بنبرة تهديد: اقسم بالله لو ما بعدت عن سكتي السعادي لهتشوف يا عمر يا صياد..

تنحى عمر جانبا حينما وجد كنزي تتحدث بتلك الطريقة الجادة والمهددة معه، و...
-عمر بنبرة آسى: أنا أسف ان كنت ضايقتك، بس صدقيني والله ما ليا يد في اللي حصل من شوية.

لم تعر كنزي عمر الانتباه، وإنما سارت مبتعدة عنه وهي تتمتم بكلمات غير مفهومة...

في شركة الصياد
على مقربة من المرحاض
ظلت كارما جالسة على مكتبها القديم وهي لا تفعل شيء سوى متابعة كل من يدلف أو يخرج من المرحاض بإحراج شديد..
وتعمدت بعض الموظفات أن تآمرها بمسك المناشف الورقية لهن وانتظارهن ريثما ينتهين من قضاء حاجتهن أو سوف يشتكين عليها عند المدير في حالة اعتراضها..

لأول مرة تشعر كارما أن كرامتها باتت مهدورة، وأن عليها أن تتحمل ما لا يطيقه بشر وذلك بسبب ذنب لم ترتكبه، وأن خالد يتعمد أن يحني إرادتها إن لم يكن كسرها...

دلف ناصف إلى غرفة السعاة، ثم بدأ في تنظيفها بمواد التنظيف ذات الرائحة القوية..
وضعت كارما منشفة ورقية على أنفها لتقلل من تسرب تلك الرائحة النفاذة إلى أنفها..
ولكنها تفاجئت بمن يلقي أسفل قدميها بمياه متسخة فانتفضت على الفور من مقعدها، وبدون وعي منها أزاحت بيدها هاتفها المحمول وهي تنهض ليسقط في سلة القمامة الموضوعة بجوار مكتبها...

صاحت كارما بضيق واضح في ناصف، ولكنه رمقها بنظرات غير عابئة، وأكمل ما يفعله دون أن يرد عليها، مما زاد من حنقها واشتعال الغيظ بها..
في شرم الشيخ
في أحد المطاعم الفاخرة.

اتفق جاسر مع نهى على أن يلتقيا سويا بأحد المطاعم الفاخرة ليتناولا الغذاء سويا، وظنت نهى أنها فرصة مناسبة لكي تحاول اقناع جاسر بأن يعيد العلاقات مع شقيقته، فمهما حدث هي ستظل أخته رغم الظروف، وأن عليه أن يتحلى بالصبر ويتصرف بحكمة في مثل تلك الأمور...
وصل جاسر إلى المطعم أولا، جلس على الطاولة التي حجزها مسبقا وانتظر وصولها..

ارتدت نهى بنطالا من الجينز الأزرق، ومن فوقه كنزة بيضاء ذات فتحة صدر مثلثة، وأكتاف قصيرة وواسعة أبرزت جمال ذراعيها، وأمسكت في يدها حقيبة يد كبيرة من اللون الجملي، في حين تركت شعرها القصير ينسدل خلفها حتى يتمكن الهواء من العبث في خصلاته اللولبية..

دلفت نهى إلى داخل المطعم، وجابت ببصرها المكان، وبالفعل لمحت جاسر وهو شارد الذهن جالسا على إحدى الطاولات القريبة من الشاطيء، فتوجهت ناحيته وعلى وجهها ابتسامة عذبة و..
-نهى مبتسمة: هاي، اتأخرت عليك؟
-جاسر وقد نهض عن مقعده: لأ أبدا.

صافح جاسر نهى، ثم تحرك ناحية مقعدها، وسحبه لها، فأومأت له برأسها في امتنان وهي تجلس عليه، ثم عاد جاسر مجددا ليجلس على مقعده..
-جاسر بصوت رجولي هاديء: تحبي تاكلي ايه
-نهى مبتسمة بخجل: أي حاجة انت بتحبها.

أمسك جاسر بقائمة الطعام، وظل يتفحص ما كتب فيها، بينما سلطت نهى بصرها عليه تراقب كل تصرفاته بأعين عاشقة
لاحظ جاسر أن نهى تحدق به، فابتسم لها و..
-جاسر مبتسما: ايه فيا حاجة غريبة؟
-نهى بإحراج وهي تتنحنح: آآآ، احم، لأ عادي
-جاسر بصوت ناعم: ماشي، ع العموم أنا هاطلب مكيس جريل
-نهى وهي توميء برأسها: أوكي، وأنا كمان..

أشار جاسر للنادل الذي حضر على الفور، ودون ما طلبه جاسر في ورقة صغيرة، ثم انصرف ليحضره...
أطرقت نهى رأسها، وظلت تنظر إلى أدوات الطعام الموضوعة أمامها فهي تحاول ايجاد طريقة ما تفاتح بها جاسر فيما عقدت العزم عليه..
لاحظ جاسر ارتباكها، فبدأ هو بالحديث و...
-جاسر بنبرة هادئة: مالك يا نهى؟
-نهى بتردد وقد انتبهت إليه: آآ، هه، أنا كويسة
-جاسر مبتسما نصف ابتسامة: شكلك عاوز يقول حاجة، صح ولا أنا غلطان.

-نهى وقد أخفضت بصرها: بصراحة كده آآآ..
-جاسر وهو منتبه لها: ها
-نهى بصوت خافت: أنا عاوزاك يا جاسر تكلم مع أختك شاهي.

زفر جاسر في ضيق، وأرجع ظهره للخلف، وأدار وجهه للناحية الأخرى..
مدت نهى يدها وأمسكت بكف يده المسنود على الطاولة وضغطت عليه قليلا و...
-نهى بنبرة راجية: بليز يا جاسر، أنا مش عاوزاك تكون سلبي، مش معنى ان شاهي غلطت انك تتخلى عنها كده بكل سهولة، برضوه دي اختك و، آآ..

ظل جاسر صامتا ولم يعقب، سلط عينيه فقط على يد نهى الموضوعة فوق كف يده، فلاحظت هي إلى أين يوجه بصره، فسحبت يدها في خجل، وأسبلت جفنيها في احراج، ثم رفعت يدها الأخرى وعبثت بإصبعيها بخصلة من شعرها ووضعتها خلف أذنها..
-نهى بخجل: آآ، سوري.

ابتسم لها جاسر ابتسامة فاترة، وأخذ يدير ما قالته في رأسه، فقد نجحت هي في بلوغ هدفها، وحثه على أن يتخذ موقفا ما مع شقيقته الصغرى، فرغم كل شيء هي مازالت جزءا منه، ومهما بلغ الأمر بينهما لا يصح أن ينهي رابطة دموية بسبب مسألة زواجها..

أخذ جاسر نفسا عميقا، ثم زفره في بطء شديد، وكأنه ينفث عما يختنق في صدره من آلام وأحزان...
رفع جاسر بصره، ونظر إلى نهى بنظرات جادة و...
-جاسر بنبرة جادة: خلاص يا نهى، هاعمل اللي انتي عاوزاه، مبسوطة.

لم تصدق نهى أذنيها، وكأن روحها عادت للحياة من جديد، ابتسمت ملامحها بالكامل و...
-نهى بنبرة سعيدة: ب، بجد يا جاسر؟
-جاسر مبتسما: اه يا نهى
-نهى بسعادة: أنا مش عارفة اقولك ايه، انت، انت مافيش زيك والله، يا بختها اللي هاتكون من نصيبك.

شعرت نهى بالحرج عقب عبارتها الأخيرة، فأطرقت رأسها في خجل، بينما أكمل جاسر حديثه ب...
-جاسر غامزا: ويا بختي أنا بيها لو هي زيك...!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة