قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية الفريسة و الصياد الجزء الثاني للكاتبة منال سالم الفصل الثاني والخمسون

رواية الفريسة و الصياد الجزء الثاني للكاتبة منال سالم الفصل الثاني والخمسون

رواية الفريسة و الصياد الجزء الثاني للكاتبة منال سالم الفصل الثاني والخمسون

في فيلا رأفت الصياد
احتدم الجدال بين رأفت وفريدة بسبب مسألة زيجته الثانية و...
-فريدة بنبرة هادرة: خلاص يا رأفت معدتش فيك عقل عشن تجري ورا نزواتك
-رأفت بحنق: اتعدلي وانتي بتكلمي معايا
-فريدة بنبرة مهددة، ونظرات مشتعلة من الغضب: لأ مش هاتعدل، انت أصلك نسيت نفسك، ونسيت انت متجوز مين
-رأفت بنبرة شرسة: لأ فوقي من النعرة الكدابة والوهم اللي انتي معيشة نفسك فيه ده.

-فريدة بنبرة قوية: اوعى تكون مفكرني هفوت اللي عملته ده بدون ما أحاسبك...!
-رأفت بعدم اكتراث، ونبرة باردة: اعملي اللي تعمليه، معدتش يهمني، أنا خلاص اتخنقت منك ومن عمايلك السودة
-فريدة بنبرة محذرة وهي تشير بيدها: والله لتندم يا رأفت، فيها ايه أحسن مني عشان تتجوزها عليا.

-رأفت بنبرة صادحة: يا شيخة ده انتي كرهتيني في عيشتي، بقالي سنين مطنش وساكت وعمال اكتم في نفسي، وانتي البعيدة معندكيش دم، سايقة فيها على الأخر، لا بتعملي اعتبار لا لقريب ولا لغريب، اييييه، انتي مفكرة نفسك مين؟ واحدة غير كل البشر، لأ فوقي كويس..!
-فريدة بنظرات ممتعضة، ونبرة حادة: أيوه أنا غير أي واحدة، واستحالة أتحط في مقارنة مع أي حد مهما كان مين.

-رأفت وهو يشيح بيده في وجهها، وبنبرة غاضبة: يا شيخة ده انتي يتفاتلك بلاد، انا أحسن حاجة أعملها إني أغور من وشك، واسيبلك الدنيا تولعي بيها...!

وجد المهندس رأفت أن الحوار مع فريدة قد وصل إلى نهايته، ولم يعد بإمكانه التحمل أكثر من هذا، فقرر أن يترك الفيلا ويرحل عنها، وسار بخطوات سريعة نحو باب الفيلا، ولكن أوقفه صوت فريدة الصارخ ب...
-فريدة بنبرة شرسة، ونظرات جارحة: يا ريت تمشي برا الفيلا، عشان أعرف أحجر عليك كويس، ما هو أنا م هاسيب مليم واحد من فلوسي تتمتع بيه واحدة من الشارع...!

توقف رأفت عن الحركة، وتسمر مكانه، ثم أدار جسده ناحيتها، ونظر إليها بنظرات استنكار واستهجان شديدة..
كور رأفت قبضة يده في غضب جم، وسار نحوها ووجهه يكسوه علامات الاحتقان الشديد من الغضب و...
-رأفت بنظرات قاتلة: انت بتقول ايه؟
-فريدة بنبرة صارمة: اللي سمعته يا رأفت، أنا هاحجر عليك، ومش هاخليك تطول مليم واحد من الفلوس، وابقى شوف هتعيش ازاي.

صمت رأفت للحظات، وجز على أسنانه في غضب واضح، ونظر إليها بنظرات مميتة و...
-رأفت بصوت هادر: طب بالعند فيكي يا فريدة، أنا هاقعد في الفيلا هنا، وهاجيب مراتب حبيبتي صفاء هي وبناتها يقعدوا هنا، وابقي وريني هتحجري عليا ازاي يا بنت ال...!

فغرت فريدة شفتيها في صدمة، ونظرت إليه بعدم تصديق و...
-فريدة بنظرات مصدومة: ايييييييه..!
-رأفت بنظرات حادة، ونبرة تهديد: اللي سمعتيه يا، يا بنت الأصول..!

ترك رأفت فريدة متسمرة في مكانها، ثم سار بخطوات غاضبة نحو باب الفيلا، وقبل أن يدلف للخارج التفتت برأسه لها و...
-رأفت بنبرة قوية: ومن بكرة هتلاقيها هنا أعدة فوق دماغك، ولعلمك هابنيلها دور بحالها، وهخليها ست الفيلا دي كلها، وانتي يا فريدة دوري على أتخن حيطة في الفيلا هنا، واخبطي رأسك فيها...!

نجح رأفت بالفعل في إثارة حنق فريدة، وجعل دمائها تغلي من الغيظ الممزوج بالغضب الشديد، ثم تركها على حالتها الهائجة تلك، وانصرف وقد حسم أمره تماما...

وقفت فريدة في مكانها وهي تتعهد وتتوعد بالانتقام من رأفت وزوجته الجديدة، وأن تجعله يندم أشد الندم هو الأخر على تحديه لها واستهانته بها...
في منزل كارما هاشم
وصل رأفت إلى منزل زوجته الثانية، وقرع الجرس ففتحت له كنزي الباب ورحبت به، وأشارت له بيدها لكي يدلف إلى الداخل..
لاحظت كنزي امتعاض وجه المهندس رأفت، وتبدل ملامحه للانزعاج الواضح، لكنها لم تسأله..

طلب رأفت مقابلة صفاء التي كانت تستريح في الداخل، فأسرعت كنزي لإيقاظها، وما هي إلا لحظات وخرجت صفاء إليه، ودفعت مقعدها المدولب إلى غرفة الصالون، ودلفت إلى الداخل، واقتربت منه، و..
-صفاء مبتسمة: ازيك يا رأفت
-رأفت باقتضاب: الحمدلله..!

لاحظت صفاء تبدل ملامح رأفت، ووجهه العابس، فعقدت حاجبيها في استغراب و..
-صفاء بنبرة قلقة: خير يا رأفت؟ في حاجة حصلت؟ الولاد كويسين؟
-رأفت بإيجاز: اه الولاد الحمدلله بخير
-صفاء متسائلة باستغراب: اومال في ايه مضايقك؟

زفر رأفت في انزعاج واضح، ونظر إلى صفاء بأعينه الممتلئة بالحزن والضيق، ثم بدأ في سرد ما حدث بينه وبين زوجته الأولى فريدة من صدام حاد انتهى إلى اعلانها نيتها بالحجر على أمواله...
صدمت صفاء حينما سمعت ما قاله رأفت، ولم تتخيل أن تكون هناك امرأة بهذا الشكل الشنيع...

مد رأفت يده وأمسك بكفي يد زوجته، وربت عليهما، ثم نظر إليها بأعين راجية و..
-رأفت بخفوت، ونظرات متوسلة: آآآ، صفاء، أنا ممكن أطلب منك طلب
-صفاء بنظرات مرتبكة: اتفضل.

ابتلع رأفت ريقه في تردد ملحوظ، ثم أجفل بصره للأسفل، و...
-رأفت بتوتر: أنا، أنا كنت عاوزك آآآ...
-صفاء بترقب: ها...

طلب رأفت من زوجته السيدة صفاء أن تنتقل للعيش معه – هي وابنتيها – إلى الفيلا الخاصة به..
شدهت صفاء حينما سمعت بطلب رأفت الغريب، وسحبت يديها بهدوء من كفي يده، ونظرت إليه بنظرات جادة وممزوجة بالاعتراض و...
-صفاء بنبرة هادئة نسبيا: انا أسفة يا رأفت، بس مش هاقدر أعمل كده
-رأفت بنبرة متوسلة: ليه بس؟

-صفاء بتوتر ملحوظ: مقدرش أروح أعيش هناك! انت عارف أنا لو مكانها مش هاستحمل إن جوزي يتجوز عليا وآآآ...
-رأفت مقاطعا بحدة: دي أصلا مش انسانة عشان تخافي على مشاعرها، ده انتي لو جربتي تتعاملي معاها هتعذريني
-صفاء بنبرة معترضة: طب ذنبي ايه أنا وبناتي نعاني منها
-رأفت على مضض: انتو مالكوش ذنب، بس أنا عاوز أربيها، واعلمها إن في ناس احسن منها بأخلاقهم وتربيتهم المحترمة والراقية.

-صفاء بإصرار: ارجوك يا رأفت بلاش تحطني في المواجهة دي معاها..

لوى رأفت فمه في ضيق، وظل صامتا لفترة، لم يجد ما يقوله، حاولت صفاء التهوين عليه، ولكنه كان حزينا للغاية، فالمسألة لم تعد تتعلق بمجرد أمر زيجة ثانية، وإنما هي تتعلق بضياع تعب السنوات، وجهد مضني، وما أفنى فيه عمره بسبب قسوة قلب زوجة لا تعرف المشاعر الطريق إليها...

أشفقت صفاء على حال زوجها، فهي لم تتعود على أن تتخلى عن أي أحد في وقت الأزمات، لذا...
-صفاء بخفوت: خلاص يا رأفت، أنا، أنا موافقة.

وكأن الحياة قد دبت من جديد في جسد رأفت، حيث رفع بصره ناحيتها، ونظر إليها بنظرات ممتنة و...
-رأفت بنبرة حماسية: ب، بجد يا صفاء؟ يعني انتي موافقة.

أومأت صفاء برأسها ايجابيا، فانحنى رأفت عليها بجسده وضمها إلى صدره بحنية بالغة و...
-رأفت بنبرة دافئة: ربنا يخليكي ليا يا حبيبتي، ومايحرمنيش من طيبة قلبك، ولا حنيتك، انتي فعلا النعمة اللي ربنا رزقني بيها، وعوضني خير.

طلبت صفاء من رأفت أن يمهلها عدة أيام لكي ترتب أمورها مع ابنتيها، وتمهد لهما مسألة الانتقال للعيش بصورة دائمة في فيلا الصياد..
شكر رأفت زوجته كثيرا على ما تفعله من أجله، فهي بالفعل كما يقول دائما ( نعمة الزوجة ).

بعد مرور عدة أيام
اعترضت كلا من كنزي وكارما على طلب المهندس رأفت في الانتقال للفيلا، والإقامة هناك، فلم تضغط عليهما صفاء أو تجبرهما على تقبل طلبه دون اقتناع منهما، وحاولت معهما لأكثر من مرة بإسلوبها اللين الدافيء في طرح الموضوع، كي تتمكن من الحصول على موافقتهما...

خشيت كنزي على والدتها من بطش فريدة لأنها لم ترتاح لها، وتعلم في قرارة نفسها أنها تجسد المعنى الحقيقي للشر، طمأنت صفاء ابنتها كنزي بأنها لن تستطيع المساس بهما أو حتى بها، لأن رأفت لن يترك لها المجال لكي تمارس ألاعيبها عليهن، ونوعا ما استطاعت اقناعها بالمجيء إلى هناك...

في حين خافت كارما من وجودها في نفس المكان مع خالد، فهي مازالت تحمل في صدرها ضيقا مما فعل بها على مرأى ومسمع الجميع في الشركة، فأثرت أن تظل بمفردها في المنزل وتحججت بأنها ستظل باقية ريثما تستطيع الوقوف مجددا على قدميها، وفك التجبيرة ( الجبس ) عن ساقها...

انزعجت صفاء من طلب ابنتها كارما، فهي لا ترغب في تركها بمفردها مهما تكلف الأمر، ولكن وعدتها كارما بأن تأتي بين الحين والأخر لزيارتها حينما تطمئن أن أبناء رأفت غير متواجدين بالفيلا – وتحديدا خالد...

طلبت كارما من كنزي أن تذهب مع والدتها، وألا تتركها بمفردها، وأنها ستنضم إليهما لاحقا، وافقت كنزي على مضض رغم صعوبة أن تتركها، ولكنها لن تدع والدتها تعاني مع تلك السيدة البغيضة، لذا ستكون لها بالمرصاد.

قابلت يارا صاحب المركز الرياضي، واعجبت كثيرا بتصميمه المبتكر الذي يقارب وجهة تصورها، واتفقت معه على معظم التفاصيل، وطلبت منه التواصل مع المحامي الخاص بمجموعة شركات الصياد من أجل الاتفاق على التفاصيل المتعلقة ببيع المركز..

كانت يارا على تواصل مع كنزي وكارما، وأبلغت كلتاهما بما جد في تلك المسألة، وطلبت منهما أن تعاونها في تجهيزه من جديد..

كان المركز الرياضي شبه معد بكل شيء، حيث تواجدت به كافة المعدات والأجهزة الرياضية، بالإضافة إلى وجود صالات واسعة خاصة بتدريبات الآيروبيك، والتي قررت يارا أن تقسمها إلى صالات خاصة بالأطفال، وصالة للسيدات، ولكبار السن..
فضلت يارا أن تجعل هذا المركز الرياضي مخصص للسيدات فقط حتى تضمن حصول السيدات على راحتهن، وعدم وجود أي مشاكل لاحقة تتعلق باختلاط الرجال معهن..

رحبت كنزي بتلك الفكرة ووافقت يارا عليها، خاصة أن المركز كان على مستوى عال وراق للغاية...
لم يتقبل أدهم ما تفعله يارا، وظل في جدال معها، ولكنها كانت تستخدم معه اسلوب الإرخاء حتى لا يحدث الشجار بينهما..

كما أصر أدهم على أن تنتقل يارا إلى الفيلا، ولكنها كانت تماطل في حزم قرارها معه، وفي النهاية أجبرها أدهم على أن تعد نفسها للانتقال إلى الفيلا خلال يومين كحد أقصى بعد أن علم بقرار والده في جعل زوجته الثانية تأتي هي الأخرى للإقامة في الفيلا.

لم ينكر أدهم انزعاجه من قرار والده هذا، خاصة وأنه لم يتقبل بعد بمسألة زيجته الثانية، ولكن المهندس رأفت لم يدع الفرصة لأي من أبنائه لكي يناقشوه في قراره، فقد أصبح الأمر بالنسبة لهم مسألة أمر واقع...
حاول أدهم أن يلهي نفسه في أعمال الشركة مع أخيه خالد، وظل كلاهما يديران الشركة بكل همة ونشاط في محاولة لتعويض ما فات، وتطرق خالد إلى صفقتين جديدتين في نفس الوقت، ونجح في الحصول على كلتاهما بمهارة...

عاد رأفت هو الأخر إلى الشركة، وتابع عن كثب التطورات التي حدثت في غيابه، وبلغ إلى مسامعه كل ما فعله خالد مع كارما وما ترتب عليه، وما وصلت إليه الأمور بعدها..
حمد رأفت الله في نفسه أن خالد حينما يخطيء فإنه يسعى لإصلاح خطأه، وهذا ما يجعله واثقا في قراراته رغم قسوتها في بعض الأحيان...
مكث رأفت خلال تلك الأيام عند زوجته صفاء، وشعر معها ومع ابنتيها بجو الأسرة الدافيء..

كما تقرب رأفت من كنزي كثيرا، وأدركت بالفعل أنه يحبها كأبيها، وليس طامعا في شيء، وأن وجود والدتها معه كان قرارا صائبا بحق..

توسم رأفت خيرا في كارما حينما وجدها تجتهد مع يارا في تجهيز المركز الرياضي رغم خبرتها القليلة في هذا المجال، ونظر إليها من منظور انها الزوجة المناسبة لابنه خالد، حيث يمكن الاعتماد عليها حتى في مرضها، وتعشم أن يدرك خالد هذا الأمر قبل فوات الآوان...

كان ادهم بين الحين والأخر يذهب إلى النادي لممارسة هواية الرماية التي انقطع عنها لفترة، ولكنه للأسف لم يمارسها بنفس الشغف حيث كان يشغله التوتر السائد في الفيلا...
حاول بعض رفاقه الترفيه عنه، ودعوته للخروج كما كان يفعل من قبل، ولكنه كان يتنصل من دعوتهم...

في حين كان عمر هو الشخص الوحيد الذي فرح كثيرا لقرار والده بجعل زوجته الثانية وابنتيها يمكثن مع عائلته في الفيلا، فهو بالفعل كان يفتقد لجو الأسرة الدافئة والمستقرة، وبوجود صفاء وابنتيها سيتحقق مطلبه، بالإضافة إلى رغبته في تقريب روابط الود بينه وبين كنزي، تلك الفتاة التي آسرته لتشابهها كثيرا مع يارا..

ظل عمر يحتسب الأيام ويعدها بلهفة في انتظار اليوم المنشود، وتجنب كليا الاختلاط مع والدته حتى لا تكشف أمر فرحته العارمة فينال منها التوبيخ اللاذع الذي مل منه..

أشرف عمر مع مهندس الديكور وبعض العمال على تجهيز الغرف الجديدة والتي ستكون خاصة ب عائلة السيدة صفاء، حيث استعان المهندس رأفت بمتخصصين، ودفع لهم أموالا طائلة لكي ينتهوا من تجهيز سطح الفيلا، واعداده بحيث يكون طابف كامل خاص بهن..

تعمد عمر أن يشارك في انتقاء و تجهيز غرفة كنزي بكل ما بناسبها و..
-عمر بنبرة حماسية متلهفة: مش هوصيك يا هندسة، عاوز الأوضة دي تبقى ولا في الأحلام
-مهندس الديكور متسائلا في استغراب: اشمعنى دي بالذات
-عمر بتنهيدة حارة: أصل دي هتبقى آآآ...
تنحنح عمر في حرج، ثم رمق مهندس الديكور بنظرات جادة و...
-عمر وهو يلوي فمه: احم، لا مؤاخذة أصل دي دواخليات تخصيني!
-مهندس الديكور وهو يعيد رأسه للخلف: أها، طيب.

اغتاظت فريدة كثيرا مما يفعله رأفت، واتصلت بصديقتها نادين وطلبت منها أن تساعدها في التواصل مع محام معروف لكي تجهز لإجراءات الحجر على رأفت..
-فريدة هاتفيا بنبرة جادة: لالالا مش مهم التكاليف، أنا اللي يهمني النتيجة في الأخر..!
-نادين هاتفيا بتوجس: بس، آآ، الموضوع ده ممكن يعملك مشاكل
-فريدة بنبرة متجهمة: المشاكل حصلت خلاص، وهو لازم يعرف مين فريدة الرفاعي.

-نادين بنبرة قلقة: أنا خايفة عليكي يا فريدة، بجد انتي ممكن تخسري كل حاجة بعنادك ده
-فريدة بنبرة فاترة، ونظرات قاسية: لأ اطمني، أنا عارفة كويس أنا بعمل ايه..!

لم تبلغ فريدة خالد أو أدهم بنيتها فعل هذا حتى لا يقف كلاهما في طريق إذلال رأفت وكسره، لذا أثرت الكتمان في تلك القضية تحديدا..
هي تعلم أنه فور علمهما بهذا ستثور ثائرتهما، ولكن سيكون الأمر قد تم، ولن يكون هناك بديل عن التراجع...

عادت فريدة لطبيعتها المتسلطة وكا، شيئا لم يحدث، وإدعت أنها لم تنس فراق اختها وستجاهد من أجل القصاص من الخادمة القاتلة، رغم أنها كانت قد اطمأنت تماما على ثبات موقفها القانوني، وخاصة حينما علمت أنه تم تجديد حبس الخادمة صباح على ذمة التحقيقات مجددا، ولكن ما أثار حفيظتها هو أن من يتولى قضيتها حاليا هو محام مرموق ومعروف للجميع، فإندهشت من هذا، فالخادمة صباح ليست تملك قوت يومها، فكيف تتمكن من دفع تكاليفه...

-فريدة في نفسها بتوتر: أكيد في حد وراها، بس يا ترى هو مين، وبيعمل كده لييييه!
ظل جاسر يتقصى الحقائق الخاصة بوالدته، وما يتعلق بأمر قتلها على يد الخادمة..
حيث ذهب إلى بيت الخادمة صباح، وتفاجيء أن حياة عائلتها بسيطة، وافراد أسرتها ليس لديهم أي مطلب في الحياة سوى الستر، وعلامات الرضا تسود على أوجههم جميعا رغم الظروف القاسية التي يمرون بها، فهم واثقون في أن الله سوف يظهر برائتها.

وما أثار دهشة جاسر بحق هو علمه بأن زيدان الباشا هو من أرسل لهم ذلك المحامي، فتسائل في نفسه عن...
-جاسر متسائلا: طب ليه بيعمل كده؟ هيستفاد من ده ايه؟ لأ الموضوع في حاجة غريبة، وأنا هاعرف إزاي اوصلها...!
وبعد مرور عدة أيام أخرى
في فيلا رأفت الصياد
كان كل شيء قد تم تجهيزه في الفيلا، وبالفعل انتهى مهندس الديكور من تجهيز الطابق الجديد، وعاد رأفت إلى الفيلا ومعه زوجته السيدة صفاء...

ترجل رأفت من السيارة أولا، ثم دار حولها، واتجه للباب المجاور لزوجته، وفتحه ثم أسندها بيده لكي تجلس على مقعدها المدولب بعد أن وضعه لها...
اضطربت صفاء، وشعرت بالقلق الشديد وهي تتجه إلى مدخل الفيلا..
ترجلت كنزي هي الأخرى من السيارة، ونظرت إلى الفيلا بنظرات متوجسة و...
-كنزي بخفوت: استر يا رب من اللي جاي..!

دفع رأفت زوجته بيديه وسار بها نحو باب الفيلا، ثم وجد عمر في انتظارهم..
ارتسم على وجه عمر علامات الفرحة والسعادة، وصافح السيدة صفاء بيده، والتي ربتت على ظهره وابتسمت له في حنية دافئة..
ظل عمر واقفا في مكانه منتظرا قدوم كنزي، كاد قلبه يرقص طربا حينما رأها تتمايل في خطواتها وهي تتجه للفيلا، وتعبث بخصلات شعرها..
ابتسم عمر ببلاهة لها، فرمقته هي بنظرات ضيقة و..

-عمر بنبرة حماسية: يا أهلا وسهلا، والله الفيلا نورت أكتر ماهي منورة
-كنزي باقتضاب: ميرسي.

حاولت كنزي المرور إلى داخل الفيلا، ولكن سد عليها عمر المدخل بجسده، فنظرت إليه بنظرات متجهمة و..
-كنزي بضيق: ما توسع خليني أدخل
-عمر بنبرة مازحة: ما السكة واسعة اهي
-كنزي بتهكم: واسعة ازاي وانت قافلها كلها بجسمك ده
-عمر مبتسما: عشان تعرفي إني بدرب كتير
-كنزي باستغراب: ليه إن شاء الله
-عمر بابتسامة عريضة: عشان لما نتجوز وأشيلك يكون فيا صحة لده، بدل ما أقع من طولي مع أول محاولة.

-كنزي بنظرات حادة، وهي تلوي شفتيها: طب وسع من سكتي بقى بدل ما أخليك مكسح لا تنفع تشيل ولا تقيم..!
-عمر غامزا: يا واد يا شرس...!

أفسح عمر المجال لكنزي لكي تمرق إلى الداخل، وظل متابعا إياها وهي تحاول اللحاق بوالدتها..

في نفس التوقيت، وصل أدهم بسيارته، ومعه زوجته يارا إلى الفيلا، تفاجئ عمر بدخول سيارة ادهم للفيلا، وارتسم على وجهه علامات الفرحة...

-عمرة بنبرة سعيدة: الله، ده الحبايب كلهم هنا، يا سلام، والله وهترجع أيام زمان...

ترجلت يارا من السيارة، وسارت في اتجاه مدخل الفيلا، واستقبلها عمر بالترحاب الشديد..
لحق أدهم بها، وسلم على عمر بفتور، ثم ألقى في وجهه الحقيبة، و...
-أدهم بنبرة جادة: خد شيل دي ياض
-عمر متآلما: آآآآي، هو احنا فينا من كده!
-ادهم باقتضاب: انجز في يومك.

دلف كلا من أدهم ويارا إلى الفيلا، واقفهر وجه أدهم، وتبدلت ملامحه للعبوس الشديد حينما وجد عائلة صفاء موجودة في غرفة الصالون...

رمق أدهم صفاء وابنتها بنظرات حادة، ولم يجب على والده حينما ناداه، وتوجه نحو الدرج، وأمسك بالدرابزون، وصعد إلى غرفته...
تنحنحت يارا في حرج و...
-يارا بنبرة حرجة: سوري يا جماعة، هو ادهم بس تعبان شوية..!
-صفاء بخفوت وهي تهز رأسها: أها
-كنزي وهي تلوي شفتيها على مضض: لأ واضح.

استأذنت يارا بالانصراف لكي تصعد إلى زوجها، في حين طلب رأفت من زوجته صفاء أن تتجه معه إلى سلم جانبي منزلق – كان قد طلب تصميمه خصيصا لها - لكي تستطيع الصعود والنزول عليه حتى تصل إلى غرفتها في الطابق الجديد...
ابتسمت كنزي في رضا لأن رأفت لا يدخر وسعه في إرضاء زوجته بكافة الطرق، ويسعى إلى إرضائها..

وصل خالد بعد فترة هو الأخر إلى الفيلا، وعرج على راضي أولا لكي يستفسر عن الأوضاع في داخل الفيلا، وتفاجيء بوصول أدهم ويارا ومن قبلهم المهندس رأفت وامرأة كبيرة في السن ومعها كنزي، فأيقن خالد أنها الزوجة الثانية لأبيه...

دلف خالد إلى الفيلا، ووجد عمر جالسا في غرفة المعيشة وينظر إلى الأعلى بنظرات غريبة، فتعجب من حالته و...
-خالد باستغراب: مالك يا عمر بتبص لفوق كده ليه؟
-عمر بتنهيدة: هاه، أصل الجو حلو أوي فوق
-خالد وهو يمط شفتيه: لا والله، قولتلي بقى!

صمت خالد للحظات يفكر في شيء ما، في حين ظل عمر على حالته وفي النهاية عقد عزمه على الاستفسار منه عن...
-خالد وهو يتنحنح في خشونة: احم، بقولك يا عمر، آآ، هما الجماعة وصلوا؟
-عمر وهو يوميء برأسه: ايون، كلهم جوم ماعدا كارما.

عقد خالد حاجبيه في اندهاش، ونظر إلى أخيه بنظرات متفحصة و...
-خالد بنظرات ضيقة، ونبرة جادة: اشمعنى هي
-عمر بنبرة طبيعية: أصلها مش عاوزة تيجي تقعد هنا، مالهاش مزاج
-خالد بنبرة منزعجة: يعني هي تقعد لوحدها في بيتها
-عمر وهو يوميء برأسه: اكيييييد، إلا اذا آآآ...
-خالد بنظرات ممعنة: إلا اذا ايه؟
-عمر بصوت هامس: إلا إذا كانت مخاوية، فهتلاقي الجن أعد معاها مونسها في وحدتها.

نظر خالد إلى عمر بنظرات مغتاظة، ثم أمسك بأحد الوسائد الموضعة على الأريكة، وقذف بها في وجهه، و...
-خالد وهو يلوي فمه في تهكم: تصدق انك عيل هايف..!
-عمر وهو يتأوه من الآلم: آآآآه، هو الكل بيطول ايده عليا ليه، هو أنا ملطشة البيت ده ولا ايه..!
-خالد بإقتضاب، ونظرات مغتاظة: ده تمامك.

ثم ترك خالد غرفة المعيشة، وسار بخطوات سريعة نحو باب الفيلا، ودلف إلى الخارج، واتجه نحو الجراج، ومن ثم استقل سيارته، وأدار محركها، وقداها إلى خارج الفيلا وهو عاقد النية على أن يأتي بكارما معه لكي تمكث في الفيلا...
في تلك اللحظة وصلت فريدة إلى الفيلا، فارتبك حارس البوابة العم راضي على الفور، وتوجس خيفة مما قد يحدث حينما تدلف للداخل و...
-راضي بنبرة متوترة: آآآ، حمدلله ع السلامة يا، يا هانم.

رمقت فريدة راضي بنظرات ضيقة متفحصة و...

-فريدة بنبرة صارمة وبنظرات مترقبة: مالك؟ مش على بعضك ليه؟
-راضي بقلق بالغ: هه، آآآ، ولا حاجة يا هانم
-فريدة بنبرة ممتعضة وهي تشير بيدها: طب شوف وراك ايه، متفضلش واقفلي كده..!
-راضي وهو يبتلع ريقه في توتر: آآآ، ح، حاضر!

سارت فريدة بخطوات ثابتة نحو باب الفيلا، في حين تابعها الحارس راضي بقلق شديد، أخذت فريدة نفسا عميقا وزفرته في ثقة تامة، ثم وصلت للباب، وأمسكت بمقبضه، وأدارته بهدوء، ثم فتحته ودلفت للداخل و...!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة