قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية الفريسة و الصياد الجزء الثاني للكاتبة منال سالم الفصل الثالث والخمسون

رواية الفريسة و الصياد الجزء الثاني للكاتبة منال سالم الفصل الثالث والخمسون

رواية الفريسة و الصياد الجزء الثاني للكاتبة منال سالم الفصل الثالث والخمسون

في فيلا رأفت الصياد
دلفت فريدة إلى داخل الفيلا، وشعرت أن هناك حركة ما غير عادية بها، وأصوات ما صاخبة تأتي من الطابق العلوي، فرفعت بصرها للأعلى، وظلت تترقب ما يحدث...
لمح عمر والدته وهي تقف بجوار الدرج، فاختبيء على الفور و...
-عمر وهو يغمغم بصوت خافت: أوووبا، هولاكو جه!

أمسكت فريدة بالدرابزون وصعدت الدرج، ثم وصلت إلى الطابق العلوي وتفاجئت ب يارا وهي تدلف خارج غرفتها وتتجه هي الأخرى للدرج..
شهقت يارا حينما رأت فريدة أمامها، وانتفض جسدها فزعا، وارتسمت علامات القلق عليها، رمقتها فريدة بنظرات مغتاظة وهي ترفع أحد حاجبيها و...
-فريدة بنبرة متهكمة: ايييه، شوفتي عفريت قصادك..؟!

تنحنحت يارا أمامها، ورمقتها بنظرات ثابتة، ثم عقدت ساعديها أمام صدرها و...
-يارا وهي تبتسم في غرور: ودي تيجي برضوه، ده انتي يا خالتي أفظع من كده بمراحل
-فريدة بنبرة صارمة: أخرسي، والزمي حدودك معايا، وماتنسيش انتي بتتكلمي مع مين!
-يارا بعدم اكتراث: هه، هاتكوني مين يعني، خلاص النبرة دي حفظناها، وقرفنا منها..!
-فريدة بحنق: نعم! انتي ازاي تتجرأي عليا تاني، ايه نسيتي نفسك؟

-يارا بوجه ممتعض، ونبرة جادة: وهو أنا عملت حاجة، ولا انتي اللي بتقولي شكل للبيع..!
-فريدة وهي تلوي فمها في ضيق: ما هو العيب مش عليكي، العيب على أدهم ابني اللي اتجوز واحدة زيك، أخرها تكون شغالة تخدم عليا.

احتقن وجه يارا بالدماء، واشتعلت نيران الغيظ في دماؤها، ونظرت إليها بأعين مشتعلة من الحنق، ثم أرخت ساعديها و...
-يارا بنبرة مختنقة من الغيظ: أهوو الشغالة دي تقدر تعمل اللي انتي متقدريش تعمليه، لأ وبقت من أصحاب الملايين كمان، وعندها راجل هايموت عليها ويتمنالها الرضا ترضى، وفوق ده كله هاتجيب بيبي يملى عليها حياتها، لكن الدور والباقي عليكي، أخرتك هاتبقي لوحدك لما المولد ده كله ينفض..!

أصابت يارا بعباراتها فريدة في مقتل، فرمقتها بنظرات قاتلة، وكانت على وشك الرد عليها بحدة، ولكنها لمحت أدهم وهو يدلف خارج غرفته، وينظر إلى كلتاهما بنظرات مترقبة، لذا عمدت إلى أن تبدل ملامحها، ورسمت ابتسامة مزيفة على وجهها و...

-فريدة بنبرة شبه هادئة: بجد أنا مش مصدقة اني هايبقى عندي بابينو صغير، اول حفيد لعيلة الصياد والرفاعي، لازم تخلي بالك من نفسك، وتاكلي كويس يا بنتي، أنا عاوز حفيدي يبقى صحته كويسة.

نظرت يارا إلى فريدة باستغراب شديد وهي فاغرة شفتيها من الصدمة و..
-يارا بنبرة استنكار: انتي طبيعية؟ ولا بتتحولي فجأة!
-فريدة بنبرة شبه حزينة: ليه كده بس، ولا انتي مش عاوزاني أخاف على حفيدي
-يارا بتهكم: وهو من أمتى الحداية بتحدف كتاكيت...!

أطرقت فريدة رأسها في حزن مصطنع و...
-فريدة بخفوت: الله يسامحك
-يارا فاغرة شفتيها في استهجان: ايه الايمان اللي نزل عليكي مرة واحدة ده...!
-فريدة بصوت حزين: ليه بتظلميني يا بنتي، ده انا من ساعة ما عرفت انك حامل، وأنا الفرحة مش سيعاني، بالعكس أنا حاسة ان البيبي ده هايعوضني كتير عن موت اختي ناهد
-يارا بنظرات مهينة: وهو انتي أصلا عندك قلب عشان تفرحيلي، بلاش كدب..!

هنا صدح صوت ادهم في الرواق عاليا و، -
-أدهم بنبرة حادة: يارا!

التفتت يارا برأسها للخلف، وتفاجئت بوجود أدهم، وفهمت للتو لماذا غيرت فريدة في أسلوبها معها في لحظة، و...
-يارا بنظرات مصدومة: آآ، ادهم!

سار أدهم بخطوات غاضبة نحو يارا ووالدته، فأشارت فريدة برأسها لأدهم ولم تتحدث، ونجحت في رسم علامات الحزن والآسى على وجهها، ثم أولتهما ظهرها، وانصرفت في اتجاه غرفتها، في حين رمق أدهم يارا بنظرات قاتمة، و..
-أدهم بنبرة صارمة: يارا، أخر مرة تتكلمي بالاسلوب ده مع أمي، ماشي
-يارا بحنق: بس أنا مغلطش فيها، ده هي اللي آآآ...

-أدهم مقاطعا بنبرة مغتاظة وهو يشير بيده: مش عاوز أسمع حاجة، أنا كنت واقف هنا من بدري وسامع كل حاجة، وشايف بعينيا انتي بتعملي ايه.

نظرت يارا إلى أدهم بنظرات غاضبة، و..
-يارا بضيق: يعني سمعت كلامي، وماسمعتش كلامها
-أدهم بنبرة حادة: أنا بحذرك، أنا مش عاوز مشاكل، وبعدين هي خايفة على حفيدها، وده حقها، ولا انتي عندك اعتراض؟!

زفرت يارا في ضيق، ورمقت أدهم بنظرات منزعجة، ثم سارت مبتعدة عنه، فاغتاظ هو منها، وأسرع خلفها، وأمسكها من ذراعها بحدة بقبضة يده، ثم أوقفها و...
-أدهم بنبرة قاتمة: لما اكون بكلمك ماتمشيش وتسيبني..!

تأوهت يارا من الآلم، وحاولت أن تحرر ذراعها من قبضة أدهم، ولكنه ضغط عليها بقسوة و...
-يارا متآلمة: آآآه، سيب دراعي يا أدهم، انت بتوجعني
-أدهم بنظرات حادة، ونبرة محذرة: زي كلامك عن امي ما بيوجعني، لازم تراعيني ماشي، مش كل حاجة هاتمشي على مزاجك
-يارا بضيق: في ايه يا أدهم؟ مالك متعصب عليا كده ليه؟ هو أنا عملت ايه لكل ده؟ مكانتش كلمتين اتقالوا.

أرخى أدهم قبضته عن يارا، وأشاح بوجهه بعيدا عنها، ثم تركها وسار مبتعدا عنها، واتجه ناحية الدرج، في حين تسمرت يارا في مكانها وظلت تتابعه وهي تفرك ذراعها من الآلم...

لم يعرف أدهم ما الذي أصابه لكي يعنف يارا بتلك الطريقة، ولكنه يشعر بالاختناق، فوجود زوجة أبيه الثانية مع والدته في نفس المكان يسبب له الضيق الشديد، وهو لا يريد لوالدته أن تعاني من هذا الأمر، فهي كانت الأقرب إليه، ومازال يكن لها الكثير..
دلف أدهم إلى خارج الفيلا، وتوجه إلى عمله بالشركة، وهو غير راض تماما عما يحدث..

أدركت يارا أن أدهم لن يقتنع بسهولة بأن والدته هي أفعى بحق، وليست كما تدعي أمامه أنها تبدلت للأفضل، لذا عليها أن تتوخى الحذر أكثر حتى لا تقع في مصيدتها مجددا...

في منزل كارما هاشم
قرر خالد أن يعرج على كارما من أجل الاطمئنان على أحوالها أولا، ثم اصطحابها معه للفيلا، فهو لن يقبل أن تمكث بمفردها في منزلها، حتى لو كانت والدتها موافقة على هذا...

صف خالد سيارته أمام مدخل البناية، ثم ترجل منها، وسار بخطوات ثابتة في اتجاه المدخل، ومن ثم توجه إلى المصعد، ودلف إلى داخله، وضغط على زر المصعد، وصعد إلى الطابق المتواجد به منزلها..

أخذ خالد نفسا عميقا وهو يدلف خارج المصعد، ثم زفره في عجالة، وتوجه نحو باب منزلها، ومن ثم رفع يده ووضعها على جرس الباب وقرعه..

في نفس التوقيت كانت كارما جالسة على الآريكة تشاهد أحد البرامج على شاشة التلفاز، وممددة لساقها أمامها..
ارتدت كارما منامة قطنية تصل إلى ركبتيها - من اللون الأبيض والمنقط ببقع حمراء صغيرة – وذات أكتاف تصل لمنتصف عضديها، أما فتحة الصدر فكانت على شكل دائري..

كما عقصت شعرها على شكل كحكة، وربطت ( وشاحا ) حول شعرها يشبه ( التيربون ) نوعا ما من نفس لون المنامة، وما إن سمعت صوت الجرس حتى أنزلت ساقها على الأرض، ثم نهضت عن الأريكة، وسارت بخطوات بطيئة نحو الباب..
كانت كارما تعرج قليلا في مشيتها بسبب الجبس الذي مازال محاوطا لساقها..

وصلت كارما إلى الباب، ثم مدت يدها، وأمسكت بالمقبض وفتحته بعد أن أدارت المفتاح..
فتحت كارما الباب لتتفاجيء بخالد أمامها، فنظرت إليه بنظرات مشدوهة، في حين نظر هو إليها بتمعن شديد، حيث مرر عينيه عليها، وتفحصها ببطء حتى ثبت عينيه على وجهها..

اضطربت كارما حينما رأته أمامها، وشعرت أن وجوده وهيبته قد خطفت أنفاسها فجأة، وأن صدرها قد بدأ يعلو ويهبط في ارتباك واضح، لذا حاولت جاهدة أن تسيطر على انفعالاتها و...
-كارما بصوت متحشرج: آآآ، انت!

ابتسم خالد ابتسامة عذبة من زاوية فمه، ثم رفع يده وأسندها على جانب الباب و..
-خالد بنظرات واثقة: أيوه انا.

استجمعت كارما شجاعتها، وحاولت أن تبدو أمامه ثابتة، فحدقت فيه بنظرات جادة و...
-كارما بصوت شبه حاد: انت جاي هنا ليه؟
-خالد بصوت رجولي هاديء وقوي: عشانك.

خفق قلب كارما بقوة، وشعرت أن دوارا ما قد أصاب رأسها، فاضطربت أنفاسها، ونظرت إليه بأعين قلقة، ثم عضت على أحد شفتيها و..
-كارما بصوت مرتكب: آآ، نعم!
-خالد بنبرة واثقة: بقولك جاي عشانك، ما هو مش معقول هاسيبك تقعدي هنا لوحدك من غير ما يكون معاكي حد.

نظرت إليه كارما بنظرات ضيقة، ثم رسمت ملامح التجهم على وجهها و...
-كارما بضيق: ليه ان شاء الله؟ لأحسن تكون مفكرني ضعيفة ومقدرش أحمي نفسي!

اقترب خالد من كارما فجأة، فتراجعت هي للخلف في توتر ملحوظ، وابعدت يديها عن الباب، فوقف هو عند مدخله و...
-خالد بنبرة عميقة ونظرات متحدية: القوة والضعف دي هانبقى نشوفها بينا بعدين لما آآآآ...
تقف خالد فجأة عن الكلام، وظل ينظر إلى كارما بنظرات ذات معني، فنظرت هي إليه بنظرات زائغة وقلقة، فقد شعرت أن التوتر قد احتل كل زاويا كيانها، فتابع هو كلامه بثقة و...

-خالد بنظرات ثابتة، وصوت رجولي رخيم: بس الوقتي جهزي نفسك عشان هاتيجي معايا الفيلا
-كارما فاغرة شفتيها: هه.

تقدم خالد أكثر في خطواته نحو كارما التي تسمرت في مكانها، وظلت ترمقه بنظرات متوجسة..
وقف خالد على بعض خطوة واحدة من كارما، وحدق مباشرة في عينيها، ولم يرفع عينيه عنها، في حين عجزت هي الأخرى عن ابعاد ناظريها عنها..
نزل خالد ببصره على عنقها، وظل يتأمل نبضات عروقها المتوترة، فابتسم لها مجددا ابتسامة رومانسية و...

-خالد بصوت هامس وآجش يحمل نوعا من التهديد: احسنلك تلبسي وتجهزي حاجتك في ربع ساعة وإلا، آآآ، مش هاقولك هاعمل ايه!

ابتلعت كارما ريقها في توتر ملحوظ، ونظرت إليه بنظرات مرتبكة أكثر، ثم أومأت لا إراديا برأسها موافقة، وكأنها تحت تأثير سحر ما عجيب يجذب كل حواسها رغما عنها إليه..
ابتسم خالد عفويا لها، ثم أولاها ظهره، وسار مبتعدا عنها في اتجاه باب الغرفة وفجأة التفت لها برأسه و...
-خالد بصوت هاديء: أنا مستنيكي تحت، وهي ربع ساعة بس...!

دلف خالد خارج المنزل، وأغلق الباب خلفه، في حين ظلت كارما متسمرة في مكانها للحظات، لا تصدق ما حدث للتو، ولم تستوعب أنها قد امتثلت لا إراديا لأوامره، واطاعته دون أن تبدي اعتراضها، وكأن ارادتها قد سلبت منها...

في فيلا رأفت الصياد
تملك فريدة الفضول لكي تعرف ما الذي يحدث في الطابق العلوي الجديد، خاصة حينما سمعت أصواتا نسائية تأتي منه..
دلفت فريدة خارج غرفتها بعد أن بدلت ملابسها، ثم سارت ناحية الدرج الجديد - والذي صمم بدون درجات سلم لكي تستطيع صفاء الصعود والنزول عليه بواسطة مقعدها المدولب – وسارت عليه بخطوات مترقبة..

وصلت فريدة إلى الطابق العلوي، وتفاجئت بوجود كنزي امامها، تبدلت ملامح فريدة إلى التجهم الصريح والامتعاض، و..
-فريدة بنظرات حانقة: انتي ايه اللي جابك هنا في فيلتي؟
-كنزي بنظرات جافة، ونبرة باردة: هو انتي متعرفيش ان انا ومامي هنعيش هنا على طول
-فريدة بنظرات مصدومة: ايييييييه
-كنزي ببرود أكثر ونبرة ساخرة: اللي سمعتيه يا طنط، احنا أعدين هنا على قلبك، أصل أنكل رأفت قالنا ان ده بقى بيتنا خلاص...

-فريدة بنظرات حانقة، ونبرة غاضبة للغاية: انتي اتجننتي، بيت مين ده؟ امشي اطلعي برا من هنا
-كنزي وهي تهز رأسها بالنفي: لأ، مش هايحصل.

رفعت فريدة يدها عاليا في الهواء، وكانت على وشك أن تهوى بها على وجنة كنزي، ولكن أوقفتها قبضة يد عمر الذي نظر إلى والدته بإنزعاج، في حين صدمت كنزي حينما رأت عمر يفعل هذا أمامها، وبلا تردد أو خوف و...
-عمر بنرفزة: ماما، ايه اللي بتعمليه ده؟

نظرت فريدة إلى عمر بنظرات قاتلة، وبأعين مشتعلة من الغضب الجم و..
-فريدة بنبرة عصبية: انت اتجننت يا ولد، ازاي تمسك ايدي بالشكل ده، اوعى، سيب ايدي..!

حاولت فريدة أن تحرر معصمها من قبضة يد ابنها الصغير، ولكنه أصر على الامساك به و...
-عمر بنبرة متحدية: لأ يا ماما، أنا مش هاسيبك تمدي ايدك على كنزي.

رفعت فريدة يدها الأخرى عاليا، ثم صفعت عمر صفعة قوية على وجهه، انتفضت على إثرها كنزي، وجفلت عينيها في خوف...
ورغم أن الصفعة كانت قوية إلا أن عمر ظل ثابتا في مكانه، ولم يرمش، ونظر إلى والدته بأعين حمراء غاضبة ومحتقنة، ولم ينطق بكلمة.

دلف رأفت إلى خارج غرفة زوجته الثانية على أثر الصوت العالي، وتفاجيء بما يحدث في الخارج، فنظر إلى فريدة بنظرات صارمة و...
-رأفت بصوت عالي: فريدة..!

أرخى عمر قبضة يده عن والدته، في حين اقترب رأفت منها و...
-رأفت بنبرة حادة: ايه اللي عملتيه ده يا فريدة؟
-فريدة بحنق: انت، انت هتعلمني ازاي اربي ابني.

لم يطق عمر البقاء، فانصرف من أمام والديه، وسار بخطوات راكضة بعيدا عنهما، في حين نظرت إليه كنزي بإشفاق، ثم ركضت خلفه لتلحق به..

نزل عمر غاضبا على الدرج، ثم دلف إلى خارج الفيلا، وجلس في الحديقة الخلفية على الأرجوحة، وظل يتأرجح عليها في عصبية شديدة.

أدمعت عيني عمر، فقد شعر بالحرج الشديد والإهانة لأنه تعرض للصفع أمام كنزي التي يحبها..
كان يمكنه أن يتحمل أي شيء، التطاول بالألفاظ، السخرية، الاستهانة به، أو حتى الاستهزاء من دعاباته، ولكن ما لم يتحمله حقا هو أن يتم ضربه أمامها..

لحقت كنزي بعمر ووقفت من بعيد، وظلت تراقبه وهو يهز الأرجوحة بعصبية مفرطة..
ترددت كثيرا قبل أن تقترب منه، ولكنها لم تكن لتتركه في تلك الحالة
سارت كنزي بخطوات مرتبكة ناحيته، وظلت تفرك في يديها في توتر شديد، ثم وقفت خلفه و...
-كنزي بصوت خافت: آآآآ، عمر.

توقف عمر عن التأرجح، و ظل موليا ظهره لكنزي..
ابتلعت كنزي ريقها، ثم سارت بخطوات محسوبة إلى أن وقفت أمامه..
لم يستطع عمر النظر في عيني كنزي، فأطرق رأسه في خزي، فمدت هي يدها نحو وجهه، ووضعت أطراف أصابعها على ذقنه ورفعته للأعلى في خجل و...
-كنزي بخفوت: آآآ، عمر.

نظر عمر إلى كنزي بعينيه الدامعتين، ولم ينبس بكلمة، فعضت كنزي على شفتيها و..
-كنزي بصوت ناعم: أنا، انا مش عارفة أقولك ايه عن اللي انت عملته، بس آآ..
-عمر مقاطعا بنبرة حزينة: أنا مكونتش عاوزك تشوفيني وأنا آآآ...

ابتسمت كنزي لعمر ابتسامة رقيقة و...
-كنزي مقاطعة بصوت هاديء: انت عليت في نظري أوي بعد اللي انت عملته ده.

فغر عمر شفتيه في عدم تصديق، ونظر إليها بنظرات غير مستوعبة و...
-عمر بنظرات مصدومة: هه
-كنزي مبتسمة في خجل: أنا مش عاوزاك تزعل، بالعكس القلم ده خلاك آآآ...

ارتسمت ابتسامة عريضة على وجه عمر، وجفف دموعه بأطراف أصابعه و...
-عمر بنبرة متلهفة: بجد؟

أومأت كنزي برأسها إيجابيا، وقد بدأت حمرة الخجل تكسو وجهها بالفعل، فتهللت أسارير عمر، وعادت السعادة من جديد على وجهه و...
-عمر بنبرة فرحة: يا ما انت كريم يا رب، أول مرة ضربي يجي بفايدة، ألف حمد وشكر ليك يا رب.

نهض عمر من على الأرجوحة، وأمسك بيد كنزي، ثم دفعها للجلوس على الأرجوحة، وبدأ في تحريكها بفرحة..

احتدم الجدال والشجار مجددا بين رأفت وفريدة، ولم تكف فريدة عن إهانة زوجها، وزادت من إهانتها له ولصفاء حينما رأتها، وتيقنت أنها قعيدة، فرمقتها بنظرات غاضبة و...
-فريدة بنظرات احتقار، ونبرة منزعجة وهي تشير بإصبعها: بقى دي اللي اتجوزتها عليا يا رأفت بيه!
-رأفت بنبرة هادرة: دي اشرف منك ومن أمثالك.

-فريدة بغضب جم، ونبرة عالية متهكمة: بقى المكسحة دي تفضلها عليا أنا بنت الحسب والنسب، ملاقتش إلا المشلولة دي، وأنا اللي فكرتك اتجوزت بنت صغيرة، يعني نزوة من نزوات مراهقتك المتأخرة اللي طلعت فجأة علينا..!

شعرت صفاء بالإهانة الشديدة في نفسها، وأشفقت على حالها، ولم تعقب أو ترد حتى عليها، بل عبرت عينيها عما يدور بداخلها، وما يجيش به صدرها..

لم يطق رأفت أن تتعرض زوجته صفاء للإهانة، فرفع يده عاليا في الهواء وهوى بها على وجنة فريدة، وصفعها بقسوة، ونظر إليها بأعين مغلولة و...
-رأفت بصوت صادح: اخررررسي، مراتي دي ماتجبيش سيرتها على لسانك ده أبدا مهما حصل! وأنا هاخليها ست البيت ده كله غصب عنك، وهاتشوفي أيام سودة يا فريدة، ويالا غوري من هنا في داهية تاخدك.

تسمرت فريدة في مكانها غير مصدقة لما فعله رأفت للتو معها، ثم تركها وانصرف ناحية صفاء التي هزأت رأسها في أسف شديد، وجثى على أد ركبتيه أمامه، وامسك بكف يدها وقبلها في حنية مبالغة، مما ضاعف من الحنق والحقد لدى فريدة...

كادت فريدة أن تموت كمدا مما يفعله رأفت مع صفاء، ثم تركها الاثنين، ودلفا إلى داخل غرفتهما، وصفع رأفت الباب خلفه بقوة، فانتفضت فريدة فزعا من الصوت..

كورت فريدة قبضتي يدها في عصبية بالغة، وتوعدت لصفاء بالرد القاسي على ما حدث، بلى لقد التهبت نبران الانتقام لديها، وتعهدت لنفسها بأن تأتي بالخراب عليها، فالذي دفعها للتخلص من أختها، لن يمنعها من التخلص من صفاء...

في فيلا زيدان
ظلت شاهي على وضعها الثائر الهائج لأيام عدة بعد وفاة والدتها، ولم تكن تهديء إلا حينما يرهق جسدها، فتنهار تماما على الأرض وتتمدد عليها، فتهرع الممرضات إليها، وتعاونها على النوم مجددا في فراشها...

صبر زيدان على حالة شاهي النفسية، وأوصى الأطباء على رعايتها وعدم التراخي في علاجها، وعلى الرغم من أن الأطباء قد طلبوا منه أن تمكث بالمشفى الخاص بالأمراض النفسية إلا أنه رفض رفضا قاطعا أن تذهب إلى هناك، وأصر على أن تبقى في فيلته...

وبمرور الأيام بدأت حالة شاهي تتحسن، ولكن ببطء شديد وملحوظ، وخفت حدة انفعالاتها، وظلت صامتة شاردة للذهن مع نفسها...

وطوال تلك الأيام لم يقترب زيدان من زوجته، بل كان يتابعها كل ليلة وهي نائمة وغافلة عن الوعي لساعات وهو جالس على طرف الفراش يتأملها في صمت طامعا راغبا فيها، ثم يدلف بعدها إلى خارج الغرفة، وينام في غرفة أخرى مجاورة..

كانت شاهي نائمة في فراشها، وترتدي قميص نوم قصير من اللون الفيروزي، ومستكينة تماما عليه...

عاد زيدان إلى الفيلا، ثم دلف إلى الداخل، وهو ينفث دخان سيجارته الكوبية، ثم صاح في الخادمة لكي تأتي إليه، وبالفعل ركضت الخادمة نحوه، ثم سأل الخادمة عن حال زوجته فأخبرته أنها نائمة منذ فترة، والوضع هاديء نوعا ما في الفيلا..
أشار لها زيدان بالانصراف، ثم رفع بصره للأعلى، وأطفىء سيجارته المشتعلة في المنفضة القريبة منه، وسار ناحية الدرج، ثم صعد على الدرابزون بثقة..

وصل زيدان إلى باب غرفة نومه، ثم أمسك بالمقبض، وفتحه في هدوء، ودلف إلى داخل الغرفة في خطوات حذرة..

سلط زيدان بصره على زوجته النائمة على جانب الفراش، ونظر إليها بنظرات اشتياق ورغبة، ثم دنى من فراشها، وجلس عليه بهدوء، ومد يده ناحية رأسها، ثم مسد على شعرها برفق شديد..
انحنى زيدان بجزعه عليها، ثم قبلها بحنية بالغة على وجنتها، ونهض بعدها عن الفراش، ثم سار في اتجاه المرحاض لكي يغتسل ويبدل ثيابه..

فتحت شاهي عينيها فجأة، وظلت ثابتة على وضعها في الفراش، ولم ترمش بعينيها...

بدل زيدان ملابسه، وارتدى بنطالا رياضيا من اللون الأزرق القاتم، ومن فوق صدره تي شيرتا أسود اللون..
كان زيدان على وشك أن يدلف إلى خارج الغرفة، ولكنه عدل عن قراره في أخر لحظة، وقرر أن ينام الليلة بجوار زوجته التي اشتاق كثيرا لها..
سار زيدان نحو الفراش، ثم بهدوء حذر صعد عليه، وتمدد إلى جوارها، ومد ذراعه أسفل عنقها، ووضع الأخر حول خصرها، واقترب منها وضمها إلى صدره، وبدأ يستنشق رائحة شعرها الذكية..

تنهد زيدان بحرارة، ثم أغمض عينيه ليغفو إلى جوارها..
ظلت شاهي في مكانها، لم تتحرك قيد أنملة إلى أن تأكدت أن زيدان قد غفا تماما وذهب في النوم العميق..
أزاحت شاهي يد زيدان عن خصرها، ثم إنسلت بجسدها من بين أحضانه، ونهضت عن الفراش..
سارت شاهي ناحية التسريحة، ثم فتحت أحد الأدارج، وعبثت في محتوياته بحذر إلى أن أخرجت منه مقصا..

نظرت شاهي إلى زيدان بنظرات قاتلة، ثم أمسكت بالمقص في قبضة يدها، وعلى وجهها علامات الانتقام...

اقتربت شاهي من الفراش، ثم صعدت عليه، وجلست فوق زيدان، ثم رفعت يدها بالمقص عاليا في الهواء، وكادت تهوي به على عنقه لتقتله، ولكن زيدان فتح عينيه فجأة حينما أدرك أن هناك ثقلا ما على صدره، فوجد شاهي تحاول قتله، فأمسك بكلتا يديها بقبضتي يده، وحاول اخذ المقص عنوة منها، وبالفعل نجح في هذا، وعجزت شاهي عن قتله، ثم في مهارة وخفة أدار زيدان شاهي وألقاها إلى جواره على الفراش، وثبت كلتا ذراعيها في الفراش..

حاولت شاهي أن تتخلص من قبضتيه، وظلت تصرخ فيه و...
-شاهي بصوت عالي: هاقتلك يا زيدان، مش هاسيبك، زي ما قتلت مامي، هاقتلك
-زيدان بنظرات غاضبة، وصوت قوي: أنا مقتلتهاش، مش انا
-شاهي بنظرات مميتة، ونبرة صادحة: انت كداب، قتلتها عشان تخليني أتعذب، عشان أموت كل يوم من اللي بتعمله فيا، أنا هموتك وأرتاح
-زيدان بنبرة حادة: محصلش، أنا لو كنت عاوز اقتلها كنت عملت ده من زمان، بس أنا مش كده يا شاهي.

-شاهي متابعة بأعين حمراء، ونبرة قوية: لأ انت كده، انت شيطان في صورة بني آدم، انت معندكش رحمة انا بكرهك.

صمت زيدان للحظات، وظل محدقا بها، هو يدرك تماما أنها على حق، فقد كان هو السبب فيما عانته من قبل، ولكنه قرر ان يصارحها بالحقيقة و...
-زيدان بنبرة جادة وصلبة: أنا عارف اني كنت قاسي أوي معاكي، بس ده عشان كنت فاهم كل حاجة غلط، لكن والله يا شاهي أنا ندمت على كل حاجة عملتها، بس أنا، انا آآآ...

تردد زيدان قليلا قبل أن يتابع باقي حديثه، و...
-زيدان بنبرة جادة، وصوت آجش: أنا بحبك يا، يا بنت عمي..

حدقت شاهي في زيدان بعد كلمته الأخيرة، ونظرت مباشرة في عينيه بعدم تصديق و...
-شاهي بنظرات مصدومة: ايييه
-زيدان وهو يوميء برأسه: أيوه بنت عمي عدلي.

أرخى زيدان قبضتي يده عن معصمي شاهي، ثم نهض بعيدا عنها، ووقف ينظر إليها بنظرات دافئة، ثم سرد لها ما يخص حقيقة نسبها، وما أخفته والدتها عمدا عن الجميع، في حين أصغت هي إليه بإنصات تام غير مصدقة لكل ما يقال...

اعتدلت شاهي في جلستها على الفراش، ونظرت إلى زيدان بأعين دامعة، أعين مصدومة..
دفنت شاهي وجهها بين راحتي يدها، وظلت تبكي ببكاء حار، فهي لم تتخيل أن تفعل بها والدتها هذا..
تعالت شهقات شاهي عاليا، فوضع زيدان يده على فروة رأسه وظل يحكها في عصبية، ثم هز رأسه في ضيق، وسار في اتجاه شاهي.

وقف زيدان على مقربة من شاهي، ومد ذراعه ليضعه على كتفها، ولكنها رفعت وجهها، ونظر إليه بحدقتي عينيها الباكية، ثم أزاحت ذراعه بيدها، ونهضت عن الفراش وهي غاضبة..

سارت شاهي بضعة خطوات للأمام، ثم رفعت يدها ووضعتها على طرف رأسها، وفجأة شعرت أن الغرفة تدور من حولها، والدنيا أظلمت في عينيها، ثم انهارت قواها، وسقطت على الأرض فاقدة للوعي.

انتفض زيدان فزعا، وركض ناحية شاهي، وجثى على ركبتيه، وحاول افاقتها، ولكنه عجز عن هذا، فمد أحد ذراعيه أسفل ظهرها، والأخرى أسفل ركبتيها، ثم حملها بقلق بالغ بين ذراعيه، ووضعها على الفراش، وركض ناحية التسريحة، وأمسك بهاتفه المحمول، ثم اتصل هاتفيا بأحد الأطباء، وطلب منه الحضور فورا إلى فيلته...
حضر الطبيب لاحقا إلى الفيلا، وصعد إلى غرفة شاهي، وظل ماكثا لبرهة في الداخل ليفحصها..

وقف زيدان في الخارج وعلى وجهه علامات القلق والاضطراب، ظل يجوب في الرواق ذهابا وإيابا، والقلق يكاد يقتله عليها..
كان زيدان يعلم أن مسألة علمها بالحقيقة لن تكون هينة، ولكنه لم يتوقع أن تنهار شاهي تماما هكذا، هي بالفعل أضعف من أن تتحمل كل هذا..

خرج الطبيب من الداخل، ويعلو وجهه ابتسامة خفيفة، فاقترب منه زيدان، ونظر إليه بنظرات صارمة و...
-زيدان متسائلا بنبرة جادة، ونظرات قاسية: مالها؟
-الطبيب بصوت هاديء: اطمن يا زيدان باشا، دي حاجة عادية
-زيدان بنرفزة: اطمن ازاي وهي واقعة من طولها قصادي؟! اتكلم على طول ولا أنا هاخد الكلام منك بالقطارة..!

توجس الطبيب خيفة من زيدان، ومن إسلوبه الصارم في الحديث، لذا..
-الطبيب وهو يبتلع ريقه في توتر: آآآ، انا اقصد يعني إن الهانم حامل يا باشا..

نظر زيدان إلى الطبيب بنظرات مشدوهة، ورفع حاجبيه في صدمة و...
-زيدان وهو يعقد حاجبيه في دهشة بالغة: اييييه، شاهي ح، حامل...!
في المشفى الراقد به عدلي
بدأ جاسر في ترتيب أوراقه من جديد، وربط الأحداث ببعضها البعض، ووضع في عين الاعتبار حديث رحاب زوجة عدلي عن زيارة والدته لها، وندمها على ما فعلت لذا قرر أن يزور عدلي في المشفى، ويتأكد بنفسه من صحة ما قيل..

توجه جاسر إلى الطبيب المتابع لحالة عدلي، وسأله عن اخر تطورات حالته الصحية، وبالفعل أخبره الطبيب أنه لا يوجد أي تحسن يذكر في حالته، فهو يعاني من غيبوبة دائمة، ولن يفيق منها حاليا..

انزعج جاسر كثيرا، فقد ظن أنه ربما يوجد طريق يسلكه من خلاله قد يساعده في الوصول إلى الحقيقة، ولكن للأسف كانت مساعيه دون جدوى...

فكر جاسر في أن يذهب إلى النادي، فلعله يجد هناك خيطا ما قد يمكنه من الوصول إلى الحقيقة التي ينشدها...
بعد مرور يومين
في فيلا رأفت الصياد
كانت الأوضاع في الفيلا مزعجة للغاية بالنسبة لفريدة، حيث تعمد رأفت تجاهلها تماما وكأنها نكرة، في حين أنه كان يهتم ب زوجته وابنتيها اهتماما مبالغا فيه، مما جعلها تثور اكثر و...
- فريدة باستهجان: ده مابقاش بيت، ده بقى موريستان.

ظل عمر صامتا وهو يرى والدته محتقنة من الغيظ، ورمقها بنظرات غير مكترثة و...
-عمر بصوت خافت: لأ ماخور يا حاجة..!
تحسنت الأوضاع كثيرا بين كنزي وعمر، وكان بين الحين والأخر يعاونها في استذكار دروسها – ولكن في حضور والدتها – ورغم أنه كان فاشلا للغاية في الشرح إلا أن كنزي كانت تدعي أنها تفهم منه، فقط ليقضي كلاهما الوقت معا...

حاولت كارما قدر الإمكان أن تتجنب اللقاء صدفة بخالد، خاصة أنها شعرت بمشاعر ما تتحرك بداخلها..
ورغم أن خالد كان يتلهف لرؤيتها إلا أنه فضل ألا يفرض نفسه عليها، وحاول أن يفكر في طريقة ما لكي يجعلها بقربه أكثر..

قررت فريدة أن تتخلص من أعدائها، وستبدأ أولا بيارا لأنها ترى أنها السبب الرئيسي في تحول حياتها إلى جحيم...
وخلال اليومين المنصرمين تعمدت فريدة أن تعامل يارا – خاصة أمام أدهم – بعاملة راقية حانية جعلت يارا تشك في قوى فريدة العقلية...

خططت فريدة للتخلص من يارا، حيث اتصلت بالطبيب عزت الذي قابلته من قبل في منتجع بورتو السخنة، وطلبت منه مجددا أن يرسل لها اسم ذلك الدواء الذي يساعد في عملية الإجهاض، وبالفعل تمكنت فريدة من الحصول عليه..

أمسكت فريدة بعلبة الدواء في يدها، وارتسم على وجهها علامات شيطانية لئيمة و...
-فريدة بنظرات متوعدة، ونبرة مخيفة: جه الدور عليكي يا بنت الخدامين عشان أرميكي برا الفيلا..!
دلفت فريدة إلى خارج غرفتها، ثم توجه إلى الدرج وأمسكت بالدرابزون، ونزلت عليه وتوجهت إلى المطبخ..
بدأت فريدة في إعداد مشروبا باردا ليارا، وقامت بطحن قرص الدواء وأذابته فيه، ثم قلبت المشروب جيدا، وصبته في كوب زجاجي..

ولكي تضمن فريدة سريان مفعول الدواء قررت أن تزيد من الجرعة، وطحنت قرصا أخرا وأضافته للكوب، ثم أخذت تقلب بالملعقة مرارا حتى تأكدت من امتزاجه بالمشروب...

انتظرت فريدة في غرفة الصالون ريثما يأتي ادهم من الخارج، فهو الوحيد الذي سيساعدها - دون قصد منه - في تنفيذ مخططها..

عاد أدهم إلى الفيلا، وهو مرهق تماما من العمل، فقابلته فريدة وأوقفته قبل أن يصعد إلى غرفته وظلت تحكي معه في أحاديث فارغة وكأنها تطمئن على أحواله.

تعمدت فريدة أن تبدي ترددها وتوترها أمام أدهم، مما استرعى انتباهه و..
-أدهم بنظرات متسائلة: في ايه يا ماما، شكلك عاوز يقول حاجة؟
-فريدة بتردد: آآآ، أصل أنا كنت عاملة عصير فريش لمراتك، بس هي مرضتش تاخده مني
-ادهم باستغراب: طب ليه؟

-فريدة بنبرة خافتة ويائسة: مش عارفة، رغم ان الدكتور موصيها على صحتها، انت عارف انها اليومين دول مطنشة خالص انها تاخد بالها من نفسها، وأنا بحاول أنبهها لده بس هي رافضة تسمعلي، ومركزة كل مجهودها في السنتر بتاعها ده.

زفر أدهم في انزعاج واضح، فأيقنت فريدة أنها قد أصابت هدفها، وبالفعل تعمدت أن تزيد من الإشارة إلى اهمال يارا عن صحة الجنين، وإغفالها عن قواعد الرعاية الصحية الخاصة بالسيدة الحامل والتي يمكن أن تسيء إلى صحتها...

تنهدت فريدة بيأس، وأطرقت رأسها في حزن مصطنع و...
-فريدة بخفوت: والله ده أنا تعبت في عمايله، وكان نفسي تشرب منه، يالا مش مهم، هاروح أرميه
-ادهم وهو يشير بيده: هاتيه يا فيروو، انا هخليها تشربه
-فريدة بعدم اكتراث: خلاص يا أدهومة مش مهم، اطلع انت ارتاح
-أدهم بجدية وبإصرار: لأ يا ماما، هاتيه، وملكيش دعوة..!

ارتسم على وجه فريدة ابتسامة خبيثة، ثم توجهت إلى المطبخ، وأمسكت بدورق المشروب البارد، وأفرغت كوبا لأدهم لكي يتذوقه أولا حتى تجعله يطمئن، ثم أحضرت الكوب الموضوع به الدواء وأعطته لأدهم، ووقفت تتابع أدهم في مكانها، وهو يصعد إلى الدرج ومعه المشروب
-فريدة بنظرات شيطانية: هانت يا بنت ال، كلها شوية وهارتاح منك للأبد..!
توجه أدهم إلى غرفته، ووضع يده على مقبض الباب، ثم أداره، ودلف للداخل بعد أن فتحه...

وجد أدهم يارا جالسة على الفراش وهي واضعة حاسبها المحمول على حجرها، وترتدي قميص نوم قصير من اللون السماوي..
نظر أدهم إلى يارا بنظرات مغتاظة، وتأملها بضيق، ثم اقترب منها و..
-ادهم بصوت آجش: يارا.

كانت يارا منشغلة بالنظر إلى شاشة حاسبها المحمول، فلم تحيد ببصرها عنه، و..
-يارا بنبرة طبيعية: ايوه يا بيبي
-أدهم بجدية: سيبي اللي في ايدك ده شوية، وكلميني.

لوت يارا فمها في انزعاج، ثم وضعت حاسبها المحمول جانبا، ونظرت إلى أدهم بنظرات ثابتة، وعقدت ساعديها أمام صدرها و..
-يارا على مضض: ايوه يا أدهم، عاوز ايه.

اقترب أدهم من الفراش ثم مد يده بكوب المشروب، فنظرت هي إليه باستغراب و...
-يارا وهي ترفع أحد حاجبيها في دهشة: ده ايه بالظبط؟
-أدهم بلهجة آمرة: اشربيه
-يارا باستغراب: ليه يعني؟
-ادهم بنبرة صارمة: من غير ليه، مش كفاية انك مهملة في صحتك، وجاية على نفسك عشان خاطر الزفت السنتر اللي ماسكاه.

-يارا بحنق: الله يا أدهم، ماله السنتر، ماهو شغال كويس، ومش عامل مشاكل، وبعدين مين قالك إني مهملة في صحتي، ما أنا الحمدلله بتابع مع الدكتور، وكل حاجة تمام
-أدهم وهو يلوي فمه في تهكم: لا والله، انتي مش شايفة نفسك يا هانم، وشك دبلان، وشكلك خاسس وآآآ...
-يارا مقاطعة بانزعاج: ده الطبيعي يا أدهم، اي واحدة في شهور حملها الأولى بتكون كده.

-أدهم بنبرة صلبة: ده كلام فارغ! وبعدين هو أنا بقولك روحي انتحري، لكن انتي غاوية تتعبيني معاكي.

أخذت يارا نفسا عميقا، ثم زفرته في ضيق، و...
-يارا على مضض: يعني انت اللي هيريحك اني اشرب العصير ده..!
-أدهم إيجاز، ونظرات حادة: ايوه
-يارا وهي تعض على شفتيها في عصبية: ماشي، هاته..!

مدت يارا يدها وأمسكت بكوب المشروب، وبدأت ترتشف منه بعض القطرات وهي ترمق أدهم بنظرات مغتاظة، وما إن انتهت من شرب معظم ما في الكوب الزجاجي حتى أعادته له..
-يارا بنبرة ممتعضة، ونظرات منزعجة: يا رب تكون ارتحت الوقتي...!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة