قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية الفريسة و الصياد الجزء الثاني للكاتبة منال سالم الفصل الثامن والأربعون

رواية الفريسة و الصياد الجزء الثاني للكاتبة منال سالم الفصل الثامن والأربعون

رواية الفريسة و الصياد الجزء الثاني للكاتبة منال سالم الفصل الثامن والأربعون

في المطعم الفاخر
دلفت شاهي إلى داخل المطعم، وتفاجئت بأنه خالي تماما من رواده، ولا يوجد به غير الندلاء، وفرقة ما مكونة من بضع رجال يرتدون حلات سوداء ويعزفون على الكمان موسيقى هادئة...

كانت الإضاءة خافتة نوعا ما، ومريحة للعينين، أما أرضية المطعم فكانت من خشب الماهوجني اللامع، ومقاعده جلدية من اللون الرمادي الباهت والطاولات زجاجية ومزدانة بمفارش قصيرة تتوسطها مزهريات فاخرة، أما حوائط المطعم فمقسمة إلى جزء أسمنتي ملون باللون النبيذي، والجزء الأخر زجاجي..

التفتت شاهي إلى زيدان برأسها، ونظرت إليها بنظرات متعجبة وهي ترفع أحد حاجبيها في استغراب شديد، ولكنها لم تعقب..
أشار لهما أحد الندلاء - وهو منحني قليلا بجسده – بيده لكي يتوجها إلى طاولة ما بالقرب من أحد الأركان..
كانت الطاولة مزودة بأشهى المأكولات الفاخرة، ومعدة مسبقا من أجل زيدان الباشا...

أرخى زيدان ذراعه لتتحرر شاهي منه، ثم سبقها في خطواته، ووقف أمام أحد المقاعد الجلدية وسحبه بذوق للخلف لها، رمقته شاهي بنظرات متعجبة وعضت على شفتيها في قلق، ثم اقتربت من المقعد وجلست عليه..
دار زيدان حاول الطاولة، ثم جلس في مواجهتها، وظل مسلطا بصره عليها..

لحق بعض رجال الحراسة الخاصة بزيدان، ولكن وقفوا على بعد منه، في انتظار تعليماته..

مدت شاهي يديها لتمسك بالشوكة والسكينة الموضوعين أمامها، ولن تنكر أن أناملها كانت ترتجف، فهي تظن أنه يضمر لها شيئا..
ظلت شاهي تعبث بالطعام دون أن تتذوقه، فلاحظ زيدان هذا، فنظر إليها بنظرات ضيقة، ثم نهض فجأة عن مقعده، فحدقت هي فيه بتوتر...

سار زيدان ناحيتها، ثم سحب مقعدا أخرا وجلس إلى جوارها، وأمسك بيدها المرتعشة - الممسكة بالشوكة – وأطبق عليها بقبضة يده القوية، ثم غرزها في صحن الطعام الموضوع أمامها، ورفع لقيمة الطعام إلى فمه ودسها فيه، ومضغها بتمهل وهو مسلط عينيه الثاقبة عليه وممسكا بكف يدها..
ظلت شاهي محدقة به، فقد ترمقه بنظرات مرتبكة..
-زيدان مبتسما من بين أسنانه: أكيد مش هاسممك يعني.

ابتعلت شاهي ريقها في توتر، وحاولت ابعاد يدها عنه، ولكنه ظل متمسكا بها، ثم عاود الكرة مجددا، ولكن تلك المرة دس الطعام في فمها، وأجبرها على ابتلاعه و...
-زيدان وهو يلوي زاوية فمه: عشان يبقى بينا عيش ولحمة.

أرخى زيدان قبضة يدها عنها، ثم نهض عن مقعده بهدوء و...
-زيدان بصوت هاديء وآمر: كملي أكلك.

أومأت شاهي برأسها ايجابيا، ثم شرعت في تناول الطعام، في حين ظل زيدان يراقبها عن كثب...

كانت شاهي تدعي التركيز في تناول الطعام، ولكن كان عقلها مشغولا في التفكير في أمر أخر..
فكرت شاهي في أن تستغل فرصة تواجدها في المطعم لكي تهرب من زيدان، ولكن عليها فقط أن تكتشف الطريقة المناسبة لفعل هذا دون أن يسترعي الأمر انتباهه...

في المشفى
انطلق خالد بسيارته بسرعة قصوى من أجل أن يصل إلى المشفى في أقل وقت ممكن...
لم يتحدث خالد مع أدهم طوال الطريق، بل ظل أدهم يحاول الاتصال بجاسر وشاهي، ولكن دون جدوى...

وصل خالد أمام مدخل المشفى، فترجل أدهم من السيارة و...
-خالد بنبرة جادة: اطلع شوف هي فين بالظبك، وأنا هاركن العربية وأحصلك
-أدهم بتوتر: اوكي.

انطلق خالد مجددا بالسيارة، وصفها في جراج المشفى، ثم ترجل منها، وتوجه نحو مدخل المشفى...
في نفس التوقيت استأذنت يارا بالانصراف، في حين أصر عمر على البقاء مع كنزي، ولكن امسكت يارا عمر من ذراعه ودفعته قسرا أمامها و...
-عمر متذمرا: أنا عاوز أقعد معاهم شوية
-يارا بضيق واضح: انت غتت، سيبهم على راحتهم
-عمر وهو يلوي فمه: ياباي يا يارا.

-يارا بنظرات ضيقة وبنبرة متهكمة: بقولك ايه أنا هطق من عمايلك، بقالي ساعة عمالة أغمزلك عشان تتنحرر وتقوم، وانت عملي فيها ودن من طين، وودن من عجين
-عمر على مضض: الله! مش عاوز أخد فرصتي وأقرب من البنية شوية يمكن تحس بيا
-يارا بنبرة مغتاظة: وانت لما هتلزقلها هتحس بيك
-عمر مبتسما بثقة: أه طبعا
-يارا وهي تلكزه: طب يالا قدامي
-عمر متسائلا: احنا رايحين فين؟

-يارا بنبرة هادئة: هانروح ناكل حاجة في كافيه قريب من هنا، وبعدين نرجع ناخد كنزي ونرجع الفيلا
-عمر وهو يمط شفتيه: ممممم، طب أجيبلها ايه؟
-يارا متسائلة باستغراب: هي مين دي؟
-عمر بنبرة جادة: كنزي طبعا
-يارا وهي تزفر في انزعاج: يووووه، انت مش بتهزق
-عمر مبتسما بلاهة: لأ طبعا، المهم أجيبلها كومبوت زي أختها ولا لأ؟
-يارا بنفاذ صبر: يا ختاي!

ركض أدهم في اتجاه غرفة العمليات المتواجدة بها خالته، وبالفعل وجد والدته تقف أمام باب الغرفة..
مد أدهم ذراعيه واحتضن والدته الباكية وربت على ظهرها بقوة و...
-أدهم بقلق بالغ: ايه اللي حصل ده يا ماما؟
-فريدة بنبرة بكاء: م، مش عارفة ايه اللي حصل، بس آآآ، ص، صباح قتلت اختي، آآآه..!
-ادهم بنظرات غاضبة: طب وحالتها الوقتي عاملة ايه؟
-فريدة بنظرات ضيقة: م، معرفش، الدكاترة معاها من بدري.

-أدهم بنظرات راجية: استر يا رب، عديها على خير.

لحق خالد هو الأخر بهما، ووجد والدته وأخيه يقفان أمام باب غرفة العمليات و..
-خالد بنبرة متوجسة: طنط ناهد عاملة ايه الوقتي
-أدهم بنبرة منزعجة: لسه مش عارفين
-خالد متسائلا بقلق: ده حصل ازاي يا أمي؟ انتي كنتي فين؟
-فريدة بنبرة عصبية: معرفش، معرفش! أنا كل اللي يهمني الوقتي أطمن على أختي..!

نجحت فريدة في إقناع ولديها بأنها منهارة نتيجة ما حدث مع أختها الوحيدة، فكف كلاهما عن ملاحقتها بالأسئلة...

في فيلا ناهد الرفاعي
وصلت نهى إلى فيلا جاسر بعد أن استقلت سيارة أجرة، وأعطت للسائق العنوان..
ترجلت نهى من السيارة، ثم سارت في اتجاه البوابة الحديدية، وقابلت حارس ما جالس على البوابة و..
-نهى بنبرة خافتة: لو سمحت
-الحارس بنظرات متفحصة: ايوه
-نهي وهي تبتلع ريقها في توتر: دي فيلا جاسر يسري؟
-الحارس وهو يوميء برأسه: ايوه
-نهى متسائلة في قلق: طب، آآ، هي ناهد هانم والدته موجودة؟

-الحارس وهو يهز رأسه: لأ، لسه مرجعتش
-نهي بتردد: طب، طب ماتعرفش هي فين؟
-الحارس بنبرة جادة: لأ
-نهى بخفوت: مم، على فكرة أنا خطيبة جاسر
-الحارس بفتور: يا أهلا!

نظرت نهى إلى الحارس بنظرات قلقة، فهو يتعمد عدم إعطائها أي إجابات مريحة، وهي في حاجة ماسة لمعرفة مكانها الحالي
-نهى متسائلة بتوتر: طب متعرفش عنوان فيلا عيلة الصياد؟
-الحارس بنبرة باردة: أه عارف
-نهى بنبرة متلهفة ونظرات راجية: طب ممكن تديهولي بليز؟ أصل أنا جاية من سفر ومحتاجة أقابل أي حد من العيلة ضروري
-الحارس على مضض: طيب..!

وبالفعل أعطى الحارس العنوان الخاص بفيلا عائلة الصياد، وعلى وجهه علامات الامتعاض، ودونت نهى العنوان في ورقة صغيرة معها..
لم تعبئ نهى به، ولا بنظراته المتهكمة، فما يهمها الآن هو الوصول لناهد تحت أي ظرف...

أوقفت نهى سيارة أجرة، ثم استقلتها، وطلبت من السائق إيصالها إلى العنوان المدون في الورقة..
أوميء السائق برأسه ايجابيا، ثم أمسك بالورقة وقرأ العنوان، وأعطاه مجددا لنهى، ثم انطلق بالسيارة نحو العنوان المذكور.

في المشفى.

عادت يارا ومعها عمر مجددا إلى غرفة كارما، وأحضرت يارا وجبة طعام خفيفة لكنزي حتى تتناولها، فشكرتها كنزي على ما فعلت و...
-عمر بابتسامة عريضة: وأنا ماليش شكرا طيب؟
-كنزي باقتضاب: ميرسي
-عمر بنبرة فرحة: ايوووه بقى، ابتدت تندع أهي
-يارا وهي تتنحنح: احم، آآآ، مش يالا بقى يا كنزي عشان نسيب اختك ترتاح شوية
-كنزي على مضض: لأ، انا ملحقتش اشبع منها.

-كارما بثوت خافت وهي تشير بيدها: روحي معاهم يا كنزي، أنا هبقى كويسة
-كنزي باعتراض: لأ طبعا، أنا مش هاسيبك
-كارما بصوت ضعيف: أنا، مش قادرة أتحايل عليكي يا كنزي، بليز، روحي معاهم
-كنزي بضيق واضح: يا كوكا أنا مش هايجيلي قلب أسيبك وآآ...
-كارما مقاطعة بنبرة خافتة: بليز يا كنزي، امشي وتعاليلي أخر اليوم، أنا كمان هنام
-يارا بنبرة طبيعية: اسمعي كلام اختك، احنا هانرجع الفيلا نقعد شوية، وهنجيلها تاني.

-عمر مبتسما: ايون
-كنزي بوجه ممتعض: ماشي، بس متتحركيش كتير.

ابتسمت كارما نصف ابتسامة، ثم أشارت إلى قدمها المجبرة و...
-كارما وهي تلوي فمها في تهكم: هاتحرك ازاي، انتي مش شايفة رجلي
-كنزي بانزعاج: اوووبس، سوري يا كوكا، أنا مقصدش والله
-كارما مبتسمة: ولا يهمك يا حبيبتي.

وضعت يارا ذراعها على كتف كنزي، وربتت عليه في حنية، فابتسمت كنزي لأختها كارما، وأرسلت لها قبلة في الهواء، ثم انصرف ثلاثتهم إلى خارج الغرفة..

أغمضت كارما عينيها لتسترخي قليلا، تنهدت بحرارة وهي تستعيد في ذاكرتها ما مرت به من أحداث، ثم حمدت الله أن قد نجاها، وتوسمت خيرا أن إصابتها هذه ربما سترحمها قليلا من تطاول خالد عليها، وعقدت العزم في نفسها أن تترك العمل، وتبلغ المهندس رأفت بما حدث، لذا فتحت عينيها، ومدت يدها إلى الطاولة الصغيرة المجاورة لها، ولكن للأسف لم تجده..

تذكرت كارما أن هاتفها المحمول ليس بحوزتها، وأنها فقدته في العمل..
-كارما وهي تزفر في ضيق: أوووف، طب أنا هاكلمه الوقتي إزاي؟ لازم أخلي كنزي تتصرف وتجيبلي موبايلي بأي شكل..!
أمال أدهم قيلا على أخيه الجالس على مقعد الانتظار الحديدي و..
-أدهم بصوت خافت: بقولك ايه يا خالد
-خالد بنظرات جادة: ايه.

-أدهم بنبرة خافتة: أنا هاقوم أطلع على مديرية الأمن أحاول أوصل لجاسر أبلغه، بيتهيألي لو عرف باللي حصل لأمه واحنا مبلغنهوش هيضايق كتير، وخصوصا إن حالتها صعبة
-خالد وهو يعض على فمه: ماشي، وانا هافضل أعد مع أمك هنا
-أدهم وهو ينهض من مقعده: طيب، ولوفي جديد بلغني
-خالد وهو يوميء برأسه: ان شاء الله.

انصرف أدهم على عجالة، في حين وضع خالد يده على ذقنه يحكها قليلا، ثم انحنى قليلا بجذعه للأسفل، وأسند رأسه، بل الأحرى دفنها بين راحتي كف يده، وظل يفرك في وجهه في ضيق..
نهض خالد هو الأخر عن المقعد، واقترب من والدته التي كانت مطرقة رأسها في حزن مزيف و..
-خالد وهو يضع يده على كتفها، وبصوت خافت: ماما
-فريدة بصوت متحشرج: ايوه
-خالد وهو يشير بيده: أنا، أنا هاروح اجيب حاجة من برا، أجيبلك حاجة معايا.

-فريدة وهي تشير برأسها: لأ، مش عاوزة حاجة
-خالد بضيق: طيب.

سار خالد بخطوات سريعة مبتعدا عن والدته، في حين اعتدلت فريدة في جلستها، ورفعت رأسها عاليا، ثم وضعت ساقا فوق الأخرى و...
-فريدة في نفسها بنبرة واثقة: أظن كده محدش هايشك فيا أبداااا..!
في المطعم الفاخر
تناولت شاهي الطعام بصعوبة بالغة، ورغم محاولات زيدان تجاذب الحديث معها إلا أنها لم تجبه إلا بكلمات مقتضبة، فقد كان عقلها مشغولا بدراسة المكان من حولها من أجل التخطيط للهرب...

مدت شاهي يدها وأمسكت بالمنشفة الصغيرة الموضوعة إلى جوارها، ثم رفعتها إلى شفتيها، ومسحت فمها به..
كان زيدان يراقب كل حركة تقوم بها وهو يشعر بلذة غريبة، استأذنت شاهي للذهاب إلى المرحاض، فأومىء زيدان برأسه موافقا..

نهضت شاهي عن مقعدها، وسألت أحد الندلاء عن مكان المرحاض، وبالفعل سارت بخطوات مرتبكة ناحيته..
ظل زيدان متابعا إياها بنظرات ضيقة، ووجه مترقب...
وصلت شاهي إلى المرحاض، وأغلقت الباب من خلفها، وصدرها يعلو ويهبط من الارتباك الشديد، أخذت نفسا عميقا محاولة تهدئة نفسها به، نظرت حولها وتأكدت أن المرحاض خالي، ثم رفعت يدها إلى جبينها لتضربه و..
-شاهي بصوت خافت: أنا هبلة، ده مافيش في المطعم إلا احنا بس..

ظلت شاهي تبحث بعينيها عن مخرج ما داخل المرحاض، ولكن للأسف لم تجد أي شيء..
زفرت في ضيق واضح، ثم وضعت كلتا يديها في فروة رأسها، وظلت تعبث في خصلات شعرها بأصابعها و...
-شاهي بنبرة ممتعضة: يعني مش هاعرف أهرب منه، اوووف!

سارت شاهي ناحية باب المرحاض، ثم أمسكت بالمقبض وأدارته، وفتحت الباب..
كانت على وشك أن تدلف إلى الخارج حينما تفاجئت بزيدان يدفع الباب ويدلف هو الأخر إلى الداخل، ويجذبها من خصرها معه إلى الداخل.

شهقت شاهي فزعا، في حين أوصد زيدان الباب من خلفه..
أحاط زيدان خصر شاهي بكلا ذراعيه، وضمها إلى أحضانه و..
-زيدان متسائلا بنبرة دافئة: بتهربي مني ليه؟

تملك الارتباك كل ذرة في كيان شاهي، وخفق قلبها بقوة، وارتعشت وهي بين يديه، وحاولت جاهدة أن تبتعد عنه و...
-زيدان متابعا بنبرة هادئة: ماتحوليش، برضوه مش هاسيبك.

ظلت شاهي تتلوى بين أحضانه، محاولة التخلص من قبضته، ولكنها عجزت، فقد كان هو مطبقا عليها، ضاما إياها إليه بقوة و..
-شاهي بنبرة ضائقة: ابعد عني، سيبني لحالي أنا، أنا بكرهك
-زيدان بنظرات واثقة: وأنا مش هابعد، ومش هاسيبك تبعدني عني لحظة واحدة
-شاهي بنبرة حادة: انت ايه؟ عاوز تعمل فيا ايه
-زيدان بتردد: أنا، أنا.

-شاهي بنبرة حانقة ونظرات غاضبة: أنا مأذتش عمك عشان تعمل فيا كده، ارحمني بقى، أنا بكره نفسي، وبكره جسمي، وبكره كل مرة بتقرب فيها مني.

أرخى زيدان قبضته عن شاهي، لتتراجع هي فورا إلى الخلف وتنظر إليه بنظرات مغتاظة و...
-شاهي متابعة بضيق: حرام عليك، ربنا هينتقم منك على اللي بتعمله فيا.

أشاح زيدان بوجهه بعيدا عنها في غضب، ثم كور قبضة يده في ضيق، و...
-زيدان بنبرة آمرة: لو خلصتي يالا بينا!

أمسك زيدان بمفتاح الباب وأداره ثم فتح الباب بعنف، ودلف إلى الخارج، في حين ظلت شاهي متسمرة في مكانها للحظات، تحاول مسح دموعها التي ذرفت رغما عنها..

في فيلا رأفت الصياد
وصلت نهى إلى فيلا عائلة الصياد، وتفاجئت بالحشد المتواجد من رجال الشرطة عند البوابة..
سارت نهى بخطوات متوجسة نحو البوابة، ثم اقتربت من الحارس راضي و..
-نهى متسائلة بقلق: مش، مش دي فيلا الصياد؟
-راضي بنبرة حزينة: أيوه هي
-نهى وهي تجوب ببصرها المكان: طب ينفع أقابل مدام ناهد أو مدام فريدة
-راضي بضيق: لأ مش هاينفع
-نهى باستغراب: ليه؟

-راضي بنظرات منزعجة، ونبرة متهكمة: يعني حضرتك مش شايفة البلوى السودة اللي عندنا
-نهى على مضض: لأ شايفة، بس عاوزة أقابل حد فيهم ضروري
-راضي بنبرة استنكار: مش هاينفع يا مدام
-نهى مقاطعة وهي تشير بيدها: أنا آنسة
-راضي وهو يلوي فمه: لا مؤاخذة
-نهى متسائلة بإصرار: يعني هما موجودين، طب مش هاينفع أقابل مدام ناهد حتى؟ ده أنا جاية من سفر
-راضي بضيق: لأ معدتش ينفع، ادعيلها ان ربنا يقومها بالسلامة وينجيها.

-نهى وهي تعقد حاجبيها في دهشة: يقومها بالسلامة! ليه؟
-راضي بنبرة متجهمة: لأن البت صباح وقعتها من البلكونة، وحالتها خطرة.

شهقت نهى في فزع، ووضعت يدها على فمها في صدمة، ونظرت إلى راضي بنظرات مصدومة و...
-نهى بنبرة فزعة: اييييه، مش ممكن!
-راضي وهو يهز رأسه في آسى: اهوو ده اللي جرى
-نهى بنظرات زائغة: ده، ده لازم جاسر يعرف باللي حصل..!

في المشفى
اتجه خالد إلى غرفة كارما لكي يطمئن على أحوالها، ولكنه تفاجيء بأنها لم تعد متواجدة في غرفة العناية المركزة، لذا سأل أحد الممرضات عن مكان غرفتها، وبالفعل دلته الممرضة عليها..
شكر خالد الممرضة، ثم سار بخطوات سريعة نوعا ما ناحية غرفتها، وما إن وصل إلى باب غرفتها، حتى طرق الباب..

ظنت كارما أن اختها كنزي قد عادت مجددا، لذا..
-كارما بصوت خافت: تعالي يا كنزي.

دلف خالد إلى داخل الغرفة، و..
-خالد وهو يتنحنح: احم آآآ، انا مش كنزي!

نظرت كارما إلى خالد بنظرات مغتاظة، وعضت على شفتيها من الضيق و..
-كارما بنبرة منزعجة: جاي ليه؟ عاوز تتأكد إن كنت مت ولا لسه، الحمدلله أنا لسه عايشة.

أطرق خالد رأسه في احراج، ثم سار بخطوات بطيئة نحو فراشها و...
-خالد بصوت خافت: أنا، أنا أسف.

نظرت كارما إلى خالد بنظرات مصدومة، وفغرت شفتيها في دهشة، فهي لم تتوقع منه هذا، في حين أخذ هو نفسا عميقا، ثم زفره على عجالة و..
-خالد متابعا بنبرة جادة: أنا بتأسفلك عن أي حاجة عملتها فيها إساءة ليكي، وأتمنى انك تسامحيني
-كارما فاغرة شفتيها: هه!
-خالد وهو يتنحنح: وآآ، احم، وحمدلله على السلامة.

أدار خالد جسده للخلف، وسار بخطوات راكضة نحو باب غرفتها، ثم فتحه ودلف للخارج في عجالة بحيث لم يترك الفرصة لكارما لكي تجيبه...
ظلت كارما متابعة أثره حتى بعد أن انصرف وهي غير مصدقة لما حدث للتو و..
-كارما بنظرات مصدومة: هو، هو اتأسفلي؟ ولا أنا آآ، أنا بيتهيألي؟!
زفر خالد هواءا حارا من صدره وهو يدلف إلى خارج، وشعر أنه قد أزاح ثقلا ما عن صدره..

ثم انصرف مبتعدا عن غرفتها لكي يعود إلى والدته، ويطمئن على حالة خالته الخطرة
في مديرية الأمن
وصل أدهم بسيارة أخيه إلى مبنى مديرية الأمن، وهناك قابل أحد المعارف، وساعده في الوصول إلى أحد الضباط المرافقين إلى جاسر في مكان عمله الجديد..

تمكن أدهم من الاتصال بجاسر عن طريق هاتف أحد الضباط المتواجدين معه، اضطر جاسر أن يجيب على الاتصال و...
-جاسر هاتفيا بنبرة جادة: ألوو، خير يا أدهم
-أدهم هاتفيا بنبرة حزينة: للأسف مش خير
-جاسر بتوجس: في ايه اللي حصل عندك
-أدهم وهو يمط شفتيه في آسى: مامتك
-جاسر بقلق: مالها؟
-أدهم بنبرة مرتبكة: آآ، هي للأسف وقعت من البلكونة و، وآآآ، حالتها
-جاسر مقاطعا بصدمة: ايييييه؟ بتقول ايه، طب هي فين دلوقتي؟

أبلغ أدهم جاسر بمكان والدته، والذي جن جنونه حينما علم بما أصابها، ثم أنهى معه المكالمة الهاتفية، وأخبر رئيسه بما صار مع والدته، وبالفعل وافق رئيسه على إعطائه أجازة مطولة لكي يطمئن على أحوال والدته..

استقل جاسر سيارته، وضغط على دواسة البنزين بكل قوة، وانطلق بالسيارة بسرعة قصوى لكي يعود إلى القاهرة...

في سيارة زيدان
ركبت شاهي السيارة بعد أن آمرها زيدان بأن تنتهي من تناول طعامها في الفيلا بدلا من المطعم..
ظلت شاهي صامتة، ولم تنطق بحرف، في حين كان زيدان يزفر في ضيق وملامح وجهه تسودها الامتعاض والتجهم
رن هاتف زيدان، فمد يده في جيب سترته، واخرجه منه، ثم نظر إلى شاشة هاتفه..
أجاب زيدان على الاتصال و..
-زيدان بنبرة فاترة: نعم
-شاهين بنبرة مرتبكة: في نصيبة حصلت يا باشا
-زيدان بترقب: خير.

أبلغ شاهين زيدان بما حدث مع ناهد، وأنها في حالة خطرة، وتم نقلها إلى المشفى بين الحياة والموت، والخادمة المتواجدة بفيلا الصياد هي المتهمة بمحاولة قتلها..
اصغى زيدان بإنصات تام لكل ما قاله شاهين ولم يعقب إلا بكلمات مقتضبة..

ثم أنهى زيدان المكالمة معه، ونظر في اتجاه شاهي للحظات، وفكر قليلا في طريقة ما ليبلغها بما صار مع والدتها، ولكنه فضل أن يبلغها هناك في المشفى، لذا أمر زيدان السائق بالتوجه نحو المشفى.

تعجبت شاهي من طلب زيدان الغريب هذا، ونظرت إلبه بطرف عينيها، ولم تعلق...

في فيلا رأفت الصياد
عادت يارا ومعها كنزي إلى الفيلا ولحق بهم عمر وتفاجئ ثلاثتهم بحالة الهرج والمرج السائدة في الفيلا و...
-يارا متسائلة باستغراب: ايه اللي بيحصل في الفيلا؟
-عمر وهو يرفع كتفيه: مش عارف
-كنزي بتهكم: يمكن امك اتشلت ولا حاجة
-يارا بنبرة مازحة: لأ دي كاوتش مابتموتش
-عمر بتوتر: استنوا أنا هاروح أشوف في ايه.

توجه عمر إلى حارس البوابة العم راضي، ثم اقترب منه وهو يرمق رجال الشرطة بنظرات متسائلة، واستفسر منه عما يحدث في الفيلا...
صدم عمر حينما علم بأن هناك جريمة قتل قد وقعت في داخل الفيلا، وحينما سأل راضي عن...
-عمر متسائلا: مين قتل مين؟
-راضي بنبرة حزينة: دي، دي الست ناهد
-عمر بنظرات مصدومة: ايييه؟ طنط ناهد قتلت مين؟
-راضي وهو يشير برأسه: لأ دي هي اللي اتقتلت
-عمر فاغرا شفتيه: مش ممكن، ازاي ده حصل؟

لاحظت يارا تبدل ملامح عمر، فسارت هي الأخرى نحو العم راضي، ولحقت بها كنزيو..
-يارا بنظرات متسائلة: في ايه يا عمر
-عمر بنظرات مصدومة: ده، آآآ...
-كنزي بنظرات متعجبة: هو اتشل ولا ايه؟

التفتت يارا إلى راضي حارس البوابة برأسها واستفسرت منه عما حدث و...
-يارا متسائلة: في ايه يا عم راضي؟
-راضي بنبرة حزينة: الست ناهد اتقتلت
-يارا بنظرات مصدومة ونبرة متفاجئة: اييييييييييييه؟
-كنزي بعدم فهم: ناهد مين؟
-راضي بنبرة حزينة: اخت الست فريدة هانم، أصلها وقعت من البلكونة، البت صباح زقتها
-عمر فاغرا شفتيه: ميتن
-يارا بنظرات جاحظة: مش معقول، صباح! استحالة!

-كنزي بصوت خافت وبنبرة متهكمة: الست دي حظها حلو، مش كانت هي اللي وقعت وكنا كلنا ارتحنا...!

في المشفى
وصلت سيارة زيدان إلى المشفى، ظلت شاهي تنظر بنظرات مترقبة المكان من حولها، التفت زيدان لها برأسه، ثم مد يده وأمسك بكف يدها وأخفض بصره، و..
-شاهي متسائلة باستغراب: انت جايبنا هنا ليه؟
-زيدان بنبرة جادة: أصل أمك آآآ...

خفق قلب شاهي في رعب شديد، و...
-شاهي بنظرات قلقة: م، مالها ماما؟!
-زيدان بنبرة هائة نسبيا، وبنظرات ثابتة: أمك في حد حاول إنه، آآ، يقتلها!

فغرت شاهي شفتيها، وظل صدرها يعلو ويهبط في ارتعاد واضح، ونظرت إلى زيدان بنظرات حادقة مذهولة، ثم أشاحت بوجهها عنه وسحبت يدها من كفه، ثم أمسكت بالمقبض، وفتحت باب السيارة، وترجلت منها، وركضت في اتجاه مدخل المشفى
ترجل زيدان هو الأخر من السيارة، وركض خلفها محاولا اللحاق بها..

سألت شاهي في الاستعلامات الملحقة بالمشفى عن مكان والدتها، وعلمت من أحد الممرضات أن والدتها موجودة حاليا بغرفة العمليات..

ركضت شاهي بخطوات سريعة، وعلى وجهها علامات الخوف الشديد، في اتجاه غرفة العمليات..

وبالفعل وصلت شاهي إلى مكان الغرفة، ووجدت خالتها فريدة، وبجوارها خالد منتظران بالخارج
حاولت شاهي أن تلتقط أنفاسها، ونظرت إلى كليهما بتوجس شديد و..
-شاهي بنبرة مرتعدة، ونظرات فزعة: مامي، مالها؟

اقترب خالد من شاهي، ووضع يده على كتفها و..
-خالد بنبرة حزينة: ادعيلها يا شاهي
-شاهي بصوت باكي: هي هتبقى كويسة صح؟
-فريدة مدعية البكاء: آآآ، قولي يا رب.

وقف زيدان على مقربة منهما، ونظر إلى خالد شزرا، ثم رمق فريدة بنظرات ممتعضة، وابتسم في تهكم، فهو على يقين تام أن فريدة هي وراء ماحدث لأختها، ولن يخيب ظنه أبدا لأنه على دراية تامة بها، ثم سار في اتجاهه، وأزاح يد خالد عن زوجته شاهي، فنظر خالد إليه باستغراب و..
-خالد متسائلا بدهشة: انت مين؟
-زيدان بنبرة منزعجة: أنا جوز الهانم اللي انت حاطط ايدك عليها!

تنحنح خالد في حرج، وتراجع خطوة للخلف، في حين نظر زيدان إلى فريدة بنظرات باردة و..
-زيدان بحنق ونظرات بغيضة: ايه يا فريدة هانم، هو ابنك مش عارف اني بغير على مراتي ولا إيه؟ ولو مكانش عارف أنا ممكن أعرفه.

نظرت إليه فريدة بتوجس شديد، وابتلعت ريقها في صعوبة بالغة، فأكثر من تخشاه حاليا هو ذلك الشخص، ولكنها حاولت أن تتغلب على هذا الشعور بأن اقترب من شاهي واحتضنتها وظلت تربت على ظهرها برفق..

نظر خالد إلى والدته، ولاحظ ارتباكها الشديد و..
-خالد وهو يتنحنح بخشونة: احم، آآ، على فكرة أنا، أنا مقصدش.

ثم اقترب خالد من زيدان ومد يده لكي يصافحه، فمد زيدان هو الأخر يده، ونظر إليه بنظرات ثاقبة جادة و..
-خالد مبتسما بحذر: أنا خالد الصياد
-زيدان وهو يبتسم في تهكم: غني عن التعريف
-خالد بنظرات مترقبة: وحضرتك مين؟
-زيدان وهو يضغط على كف يده، وبنظرات ثابتة: أنا زيدان الباشا..!

صدم خالد حينما سمع اسم زوج شاهي، ولم يتخيل أنه سيكون ابن عدو عائلته اللدود، وأنه ممدد يده لكي يصافحه بحرارة، في حين اعتلت ابتسامة متهكمة زاوية فمه...

وفجأة دلف أحد الأطباء خارج غرفة العمليات، ثم أنزل كمامة ما عن وجهه، وأطرق رأسه في حزن و...
-الطبيب بنبرة حزينة: شدوا حيلكم يا جماعة، البقاء لله
-خالد مصدوما: ايييه!
-فريدة بنظرات حادة: هاه، ناهد ماتت!
-شاهي بنظرات جاحظة وصراخ حاد: مامي، لألألألألألأ...!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة