قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية الفريسة و الصياد الجزء الثاني للكاتبة منال سالم الفصل التاسع والأربعون

رواية الفريسة و الصياد الجزء الثاني للكاتبة منال سالم الفصل التاسع والأربعون

رواية الفريسة و الصياد الجزء الثاني للكاتبة منال سالم الفصل التاسع والأربعون

في المشفى
دلف أحد الأطباء خارج غرفة العمليات، وهو مطرق الرأس، ثم نزعت الكمامة الطبية عن فمه و...
-الطبيب بنبرة حزينة: شدوا حيلكم يا جماعة، البقاء لله
-خالد مصدوما: ايييه!
-فريدة بنظرات حادة: هاه، ناهد ماتت!
-شاهي بنظرات جاحظة وصراخ حاد: مامي، لألألألألألأ...!

وفجأة شعرت شاهي أن الدنيا أظلمت أمام عينيها، وأن ساقيها لم تعد قادرة على حملها، ودوار ما رهيب قد أصابها، فرفعت يدها عاليا لتمسك برأسها، ثم خارت قواها فجأة وترنحت للخلف، وكادت أن تسقط وترتطم بالأرض ارتطاما قويا، ولكن انتبه زيدان لها، فأسرع ناحيتها وأمسكها بذراعيه، واسندها على صدره...

تجمدت تعابير خالد من الصدمة، ولم يعرف بماذا يجيب، في حين اكملت فريدة تمثليتها المزيفة و...
-فريدة بحزن مصطنع: مش معقول، اختي كده تروح مني، آآآآه...!
أسند خالد والدته، وجعلها تجلس على المقعد الحديدي، حيث قامت فريدة بدفن رأسها بين راحتي يدها، وظلت تبكي بصوت عالي...

لم يعبئ زيدان بحزن فريدة المزيف، ولا صراخها الزائف، بل كان كل همه هو شاهي التي فقدت الوعي بين ذراعيه..
انحنى زيدان قليلا بجزعه، ثم وضع ذراعه أسفل ركبتيها، وحملها بين ذراعيه..
أوقفه خالد قبل أن يتحرك و...
-خالد بنظرات حادة وصوت مختنق من الحزن: انت، انت واخدها ورايح فين
-زيدان بنظرات قاسية: ملكش فيه، دي مراتي، وأنا حر معاها..!
-خالد وقد أمسك بكتفه: لأ مش حر، وآآآ...

-زيدان مقاطعا وهو يرمقه بنظرات قاتلة، ونبرة حادة ومحذرة: أحسنلك تشيل ايدك، بدل ما تندم..!

لمحت إحدى الممرضات شاهي الفاقدة للوعي، فاقتربت من زيدان و...
-الممرضة بتوجس: مالها المدام؟
-زيدان بنبرة قوية: أمها ماتت، وماستحملتش الخبر
-الممرضة بفزع: البقاء لله، طب هاتها معايا بسرعة.

سارت الممرضة، ومن خلفها زيدان وهو يحمل شاهي بين ذراعيه، في حين ظل خالد متسمرا في مكانه، وتوجه كلاهما إلى غرفة أخرى بالمشفى..
تابع خالد ببصره زيدان حتى اختفى عن أنظاره وهو مكور قبضتيه من الحنق الشديد، ولكن ليس هذا وقت الشجار، فالظروف لا تسمح..
أخرج خالد هاتفه المحمول ثم اتصل هاتفيا ب أدهم، و...
-خالد هاتفيا بصوت حزين: ايوه يا أدهم.

-أدهم هاتفيا بنبرة متلهفة: الوو، ايوه يا خالد، انا خلاص كلمت جاسر، وهو زمانته جاي ان شاء الله
-خالد بنبرة آسفة: كويس
-أدهم بتوجس: في ايه يا خالد؟ مال صوتك؟ في حاجة حصلت.

صمت خالد للحظات محاولا السيطرة على انفعالاته و...
-أدهم بنبرة قلقة: ما تتكلم يا خالد، في ايه؟
-خالد بصوت حزين: طنط ناهد آآآ، ماتت!
-ادهم بصدمة: اييييييييه! وده حصل امتى الكلام ده؟
-خالد بنبرة أشد حزنا: لسه من شوية
-ادهم بنبرة آسفة: لا حول ولا قوة إلا بالله، إنا لله وإنا إليه راجعون، طب جاسر عرف؟
-خالد بخفوت: لأ
-أدهم بنبرة منزعجة: مافيش داعي تبلغه الوقتي وهو سايق، اصبر لحد ما يوصل عندك.

-خالد بضيق: طيب..!

أنهى خالد المكالمة الهاتفية مع أدهم، ثم سار ناحية الغرفة المتواجدة بها شاهي..
وبالفعل وقف في الخارج ووجد زيدان متواجدا بالداخل ومعه بعض الأطباء والممرضات ويتحدث إليه..
اقترب خالد من باب الغرفة بخطوات هادئة وبحذر و...
-أحد الأطباء بنبرة جادة: لازم تتعرض على دكتور نفسي متخصص
-زيدان وهو يحك ذقنه: ممم...
-طبيب أخر بنبرة هادئة: الصدمة كانت قوية عليها، ولازم تفضل فترة تحت الملاحظة.

-طبيب ثالث: انا برضوه شايف كده
-زيدان بنبرة جادة: شوفوا ايه اللي تحتاجه وأنا هنفذه على طول.

لم يرد خالد أن يتدخل الآن، وتراجع للخلف، في حين التفت زيدان فجأة برأسه ليلمحه وهو يبتعد، فجز على أسنانه في غيظ و...
-زيدان بضيق جلي: ماشي..!

عند مدخل المشفى
وصل جاسر بسيارته إلى مدخل المشفى، وصف سيارته على عجالة، ثم ترجل منها، وركض إلى الداخل..
ظل جاسر يبحث كالمجنون عن مكان والدته إلى أن وصل إلى غرفة العمليات حيث وجد خالته فريدة جالسة وهي تبكي..
انقبض قلب جاسر بشدة، واقترب من فريدة بخطوات مرتجفة و...
-جاسر بتوتر: خالتي، ماما آآآ، مالها؟

نهضت فريدة عن المقعد الحديدي، واقتربت من جاسر، ثم ارتمت في أحضانه، وإدعت البكاء بحرقة و...
-فريدة بصراخ حاد: ناهد راحت يا جاسر، ناهد ماتت، مامتك قتلوها!

تجمدت ملامح جاسر، وتسمر في مكانه ووجه عليه علامات الذهول والصدمة، لم يستوعب في البداية ما قالته فريدة، وظل غير مدركا لما يدور حوله..
استمرت فريدة في النحيب والعويل الزائف، وجاسر صامت..
عاد خالد ليجد جاسر واقفا بصحبة والدته، فركض ناحيته، ثم مد يده، ووضعها على ظهره وربت عليه و...
-خالد بصوت خافت وحزين: البقاء لله يا جاسر..!

لم يعقب جاسر بل ظل صامتا غير مصدقا لما حدث..
أشفق خالد على حالة جاسر وأخته شاهي، وتفهم الحالة التي يمر بها كلاهما...

في فيلا رأفت الصياد
أخرجت يارا هاتفها المحمول، واتصلت بأدهم لتبلغه بما حدث في الفيلا، وتفاجئت بعلمه لكل ما دار في الفيلا، بل أنه أخبرها بوفاة ناهد، فشهقت يارا، ووضعت يدها على فمها و...
-يارا هاتفيا بنظرات مصدومة: اييييه، ماتت!
-أدهم هاتفيا بنبرة حزينة: ايوه
-يارا متسائلة بلهفة: وجاسر وشاهي عرفوا؟
-ادهم بنبرة منزعجة: اه عرفوا، وحالتهم الاتنين وحشة.

-يارا بنبرة جادة: طب أنا جاية المستشفى، مش هاينفع نسيبهم كده..!
-ادهم بحنق: مافيش داعي
-يارا بإصرار: لا والله، ابدا، انت ناسي جاسر يبقى مين؟
-أدهم على مضض: طيب، هاتي عمر معاكي
-يارا بنبرة خافتة: اوكي، وهاجيب كنزي، من أنا مش هاسيبها لوحدها في الفيلا وآآآ...
-أدهم وهو يزفر في ضيق: اووووف، هو احنا من هنرتاح
-يارا بنبرة جادة: الله يا أدهم..! دي ضيفة عندنا
-ادهم وهو يمط شفتيه: ماشي، سلام..!

أنهت يارا المكالمة مع أدهم، ثم توجهت إلى عمر وكنزي لتبلغهما بما جد..
صدم عمر حينما علم بخبر وفاة خالته ناهد، وترحم عليها، في حين لم تتبدل ملامح كنزي كثيرا، فهي لم تعرفها..
توجه الجميع إلى خارج الفيلا، وأشار عمر بيده لأحد سيارات الأجرة، ثم استقلها ثلاثتهم، وطلب عمر من السائق إيصالهم إلى المشفى...

في المشفى
وصل عدد من رجال الشرطة ومن النيابة إلى مبنى المشفى، وبدأوا في استجواب فريدة عما صار، ولكنها تعمدت أن تزيد من حالة هياجها العصبي لكي تنجو ببدها من محاصرتها بالأسئلة، مما استدعى تدخل كلا من خالد و جاسر و...
-خالد بحدة: من فضلكم، مافيش داعي للأسئلة دي دلوقتي
-وكيل النيابة ببرود: يا استاذ ده شغلنا.

-جاسر بنبرة منفعلة وهو يشير بيده: شغلكم على عيني وراسي، بس دي امي اللي ماتت جوا، مش حد من الشارع.

أطرق وكيل النيابة رأسه في احراج و..
-وكيل النيابة وهو يتنحنح في حرج: أنا اسف، بس انت عارف ان ده شغلنا وآآ...
-جاسر بضيق واضح: انا مش محتاج أعرف، لأني رائد في الشرطة، بس في مواقف محتاجة تقدير.

اعتذر وكيل النيابة عما بدر منه، وأشار للمرافقين معه و...
-وكيل النيابة بنبرة فاترة: يالا يا حضرات، احنا هنبعت استدعاء للمدام في النيابة، وهانكمل شغلنا هناك.

ثم التفت مجددا إلى جاسر و...
-وكيل النيابة بنبرة جادة: بس لازم حضرتك يا سيادة الرائد تبقى عارف ان جثة المرحومة مش هتدفن غير بعد التشريح
-جاسر بنبرة غاضبة: لأ مش هايحصل، أنا أمي هتدفن، ومش هاستنى حد يقرب منها
-خالد وهو يربت على كتفه: اهدى يا جاسر شوية
-جاسر وهو يزيح يده بعيدا عنه، وبنبرة منفعلة: لأ مش ههدى..!
-وكيل النيابة بنظرات ثابتة: ده اجراء متبع، وعن اذنك..!

انصرف وكيل النيابة، ومعه بعض رجال الشرطة، في حين رمق جاسر وكيل النيابة بنظرات مميتة، ثم أدار رأسه في اتجاه فريدة و..
-جاسر بنبرة حزينة: قسما بالله لولا إن الواحد ماسك نفسه بالعافية كان طبق في زومارة رقبته.

حاولت فريدة أن تستغل فرصة اندفاع جاسر لكي تبلغه ب...
-فريدة بصوت مختنق: شوفت اللي جرى لأختك
-جاسر متسائلا بنظرات مترقبة: هي عرفت؟
-فريدة بصوت حزين: أه، وعيني عليها، وقعت من طولها، وجوزها خدها في أوضة هنا
-جاسر بنظرات متفحصة: يعني شاهي هنا؟
-خالد متدخلا في الحوار: انت عارف الأول جوزها مين؟
-جاسر وهو يهز رأسه نافيا: لأ..!
-خالد وهو يزم على شفتيه في ضيق: جوزها يبقى زيدان الباشا
-جاسر بعدم فهم: مين ده؟

-خالد بنبرة ممتعضة: ابن أخو عدلي الباشا...!
-جاسر بنظرات مصدومة: مييييييين؟

في نفس التوقيت دلف زيدان خارج غرفة شاهي، وأخرج هاتفه المحمول من جيبه ثم اتصل بشاهين ليطلب منه التحقق من بعض الأمور...

أنهى زيدان المكالمة ثم سار في اتجاه فريدة الرفاعي، فهو إلى الآن غير مصدق لما تفعل، فهو متيقن أنها متورطة بشكل أو بأخر فيما حدث لأختها..

تفاجيء زيدان بوجود جاسر مع فريدة وخالد، ورغم هذا لم تتبدل ملامحه كثيرا، بل سار بكل ثقة في اتجاههم و...
-زيدان بصوت قوي: البقاء لله يا، يا جاسر بيه.

التفت جاسر بجسده ليرى صاحب الصوت و...
-جاسر بنظرات متسائلة: انت مين؟
-خالد بنظرات حانقة، وهو يجز على أسنانه: ده جوز أختك، زيدان ابن اخو المجرم عدلي.

حدق زيدان بنظرات قاتلة في وجه خالد، ثم..
-زيدان بصوت هادر وهو يشير بيده في وجهه: عندك...!

تملك الغضب جاسر، ولم يستطع السيطرة على نفسه حينما تأكد من هويته، وأسرع في اتجاه زيدان، ثم رفع يديه عاليا، وأمسك بزيدان من ياقته، وجذبه بقسوة منها، وهو ينظر إليه بمقلتي عينيه المشتعلتين من الغضب...
لم يتحرك زيدان من مكانه، أو يهتز، بل وضع يديه على قبضتي جاسر بكل ثقة، ونجح في إزاحتهما عن ياقته، ثم دفعه للخلف و...
-زيدان بنبرة قوية متهكمة: ده الرد بتاعك على تعزيتي ليك.

صمتت فريدة، ووقفت في مكانها تشاهد ما يحدث بتوجس وقلق شديدين..
بينما اقترب جاسر مجددا من زيدان ووقف أمام وجهه، ونظر في عينيه مباشرة و...
-جاسر بصوت هادر: انت لسه مشوفتش ردي، طلق اختي أحسنلك
-زيدان بنظرات متحدية، ونبرة صارمة: مش هايحصل
-جاسر بنظرات شرسة ونبرة قاتمة: هايحصل غصب عنك وعن اللي خلفوك..!

-زيدان غامزا وهو يبتسم في تهكم: مش هاتقدر تاخدها مني، لأنها قبل ما تكون مراتي فهي بنت عمي، وأنا مش هاسيبها.

أمسك جاسر مجددا بزيدان، ثم باغته بلكمة غاضبة في وجهه، فتراجع زيدان على أثرها للخلف، ووضع يده على فكه يفركه من الآلم و...
-زيدان بنبرة باردة: مقبولة منك يا، يا أبو نسب..!

تابعت فريدة عن كثب تطورات الوضع، وتمنت لو تمكن جاسر من الفتك بزيدان حتى تخلص من تهديداته..

تحرك خالد ووقف بجسده كالحاجز أمام جاسر، ومنعه من الاقتراب من زيدان حتى لا يتطور الأمر أكثر من هذا و...
-خالد بنبرة جادة: خلاص يا جاسر، احنا مش هانسيب شاهي، هناخدها منه
-جاسر بغضب وهو يدفع خالد: ابعد عني يا خالد، خليني أموته
-زيدان بتهكم: لأ راجل يا بيه
-جاسر بنظرات مشتعلة، ونبرة حانقة: غصب عنك راجل، سيبني آخالد عليه، خلينه أدفنه بالحيا...!

-زيدان بنبرة قوية: قبل ما تعمل راجل عليا، روح الأول شوف مين اللي ليه مصلحة في قتل أمك ال، آآآ، ولا بلاش، هي ماتت خلاص!

ابتعلت فريدة ريقها في خوف شديد، ونظرت إلى زيدان بنظرات مضطربة، وحاولت جاهدة أن تخفي فزعها من أن يكشف أمرها...

-جاسر بنبرة غاضبة وهو يشير بيده: ماتجيبش سيرتها على لسانك ال*** ده...!

لم يعقب زيدان على كلام جاسر الأخير، بل رسم على وجهه ملامح البرود التام، ثم التفت بجسده، وسار مبتعدا عنهم جميعا...

حاول خالد السيطرة على جاسر ومنعه من اللحاق بزيدان و...
-خالد بنبرة جادة: سيبك منه يا جاسر، ده كلب ولا يسوى
-جاسر بنبرة مغتاظة: يقصد ايه باللي قاله ده؟
-خالد بضيق: ده بيبعبع على الفاضي، عاوز يولع الدنيا.

اضطربت فريدة حينما أدركت أن عبارة زيدان الأخيرة تردد صداها في عقل جاسر، فحاولت أن تموه عليها و...
-فريدة بصوت خافت: آآآآه، مش قادرة، الحقوني، آآآه..

أسرع كلا من جاسر وخالد في اتجاهها، وأسندها كلاهما، فإدعت الإغماء حتى تضمن إنشغالهما بها...
وصلت يارا هي الأخرى إلى المشفى ومعها كنزي وعمر، ودلفوا إلى الداخل، ثم ظنت يارا أن ناهد قد تم نقلها إلى المشرحة، لذا سار الثلاثة في اتجاهها...

انقبض قلب يارا وهي تقترب من المشرحة، وتوجست كنزي خيفة من المكان، في حين ارتعد عمر في نفسه...
لقد كانت إضاءة الرواق المؤدي إلى المشرحة خافتة نوعا ما، والهدوء القاتل يسود المكان إلا من صوت لبعض قطرات الماء المنهمرة، وتأتي من مكان مجهول...
سار ثلاثتهم بخطوات حذرة وعلى أطراف أصابعهم و...
-عمر بصوت خافت: ربنا يستر ومايطلعلناش ghost
-كنزي متسائلة بقلق: مين جوست ده؟
-عمر بصوت أقرب للفحيح: عفريت يعني.

-كنزي برعب: يا مامي...!
-يارا بنظرات حانقة، وبصوت خافت: لموا نفسكم انتو الاتنين، ده مش وقت هزار، المكان ليه حرمته برضوه
-كنزي وهي تبتلع ريقها في خوف: سوري.

جاب عمر ببصره المكان، وظل يرمق رواق المشفى بتوجس و...
-عمر بنظرات مترقبة: إني مافي صريخ ابن يومين هنا
-كنزي بقلق وتوتر واضح: واضح كده ان المكان ده اللهم احفظنا آآآ...
-عمر مكملا بصوت هامس ومخيف: مسكون بالأشباح.

ارتعدت كنزي في أوصالها، وتشبست بذراع يارا، التي حاولت أن تتملص من كنزي، في حين اقترب عمر هو الأخر من يارا، و أمسك ع بذراعها الأخر وتشبس بها...

حاولت يارا أن تتخلص من كليهما، ولكنها عجزت فقد كان كلاهما ملتصقا بها و...
-يارا بضيق: ايييه انتو مالكم لازقين فيا كده ليه
-كنزي بنبرة مرتعدة: اصل أنا، آآآ، خايفة أوي
-عمر بصوت هامس: وأنا هاموت من الرعب
-يارا بنبرة متهكمة: وحد قالكم إن أنا قلبي ميت لا سمح الله، ما أنا زيكم
-عمر بصوت خافت: بسم الله الرحمن الرحيم، ابعد يا شيطان ابعد يا شيطان
-كنزي بنبرة هامسة: على فكرة دول عفاريت مش شياطين.

-عمر متابعا: يبقى نخش على أشتاتا أشتوت، علقة تفوت ولا حد يموت
-يارا بنبرة منزعجة: انت جاي تهزر هنا.

وفجأة سمع ثلاثتهم صوتا هادرا صدح في أرجاء المكان و..
-شخص ما من الخلف بنبرة صارمة: بتعملوا ايه هناك؟

توقفت قلوب ثلاثتهم من الرعب، وتملكت الدهشة والذهول أوجههم، ثم صرخ ثلاثتهم بصراخ فزع للغاية و...
-يارا بصراخ حاد: عاااااا
-كنزي بنبرة مرتعدة: عفررررررريت
-عمر بخوف: يامه...!
-كنزي بنبرة خائفة: احنا هنموت ولا ايه؟
-عمر بنبرة مازحة: طب وافقي تتجوزيني قبل مانموت عشان اطمن.!

لقد كان هذا الشخص هو المسئول عن حراسة المشرحة، واقترب بخطوات ثقيلة منهم، ثم رمقهم بنظرات إزدراء وهو يلوي فمه في امتعاض..
ابتلع ثلاثتهم ريقهم في رعب بالغ، وحينما علموا هويته، تنفسوا الصعداء إلى حد ما..
أوضح لهم حارس المشرحة أن جثة ناهد لا توجد هنا حاليا، وعليهم الصعود إلى الأعلى للسؤال عن مكانها...

ركضت كنزي ويارا بخطوات سريعة، وابتعدت كلتاهما عن ذلك المكان، في حين ظل عمر عالقا مع حارس المشرحة الذي أراد ( مبلغا من المال ) نظير مساعدته لهم..
-عمر بنظرات ضيقة وبصوت خافت: أه يا ولاد اللذينا، خلعتم وسيبتوني مع صديق الأرواح..!
-الحارس بنبرة ممتعضة: بتقول حاجة يا آخ؟
-عمر وهو يبتلع ريقه: بقول الله يعينك يا قاهر الأشباح..!

حضرت نهى هي الأخرى إلى المشفى بعدما سألت حارس فيلا الصياد عن عنوان المشف، وظلت تبحث عن جاسر إلى أن وجدته، وقبل أن تتوجه ناحيته، سألت أحد الممرضات عن حالة المريضة ناهد، وصدمت حينما علمت بخبر وفاتها..
لم تعرف نهى كيف ستتصرف، ولكنها متواجدة الآن في المشفى، ولا بديل عن الذهاب إلى جاسر وتعزيته..
رمقت نهى جاسر بنظرات متفحصة، فقد كان يقف بجوار سيدة ما كبيرة في السن، وشخص أخر...

سارت نهى بخطوات مرتبكة، ثم أخفضت بصرها وهي تقترب من جاسر الذي نهض عن مقعده حينما رأها...
نظرت نهى إلى جاسر بأعين دامعة و...
-نهى نبرة حزينة: البقاء والدوام لله يا جاسر
-جاسر باقتضاب: شكرا
-نهي هي تبتلع ريقها: أنا كنت والله رايحالها بس للأسف عرفت باللي حصل وآآآ...
-جاسر بضيق: خلاص يانهى، الحمدلله على كل حال
-نهى بنبرة حزينة: ان شاء الله ربنا هيرحمها وهيغفرلها، ادعيلها انت بس.

-جاسر بنبرة جافة: ربنا يتولاها برحمته
-نهى بصوت خافت: أنا، أنا هفضل هنا في اوتيل، يمكن تحتاج حاجة كده ولا كده
-جاسر بنظرات حزينة: مافيش داعي، ارجعي على شغلك
-نهى بإصرار: مافيش داعي ازاي، لأ، ده واجب..!
-جاسر بنبرة حادة: نهى أرجوكي، أنا مش عاوز أتعبك معايا وأعطلك عن شغلك، وآآ...

مدت نهى يدها، وأمسكت بكف جاسر وربتت عليه، ثم نظرت إليه بأعين راجية ودامعة
-نهى مقاطعة بنبرة متوسلة: بليز جاسر، متعملش فرق بيني وبينك، وأنا مش هاينفع أسيبك في الظروف دي...!

أطرق جاسر رأسه، ولم يعقب، في حين رمقت فريدة تلك الفتاة بنظرات ضيقة وجادة و...
-فريدة متسائلة في نفسها: دي مين دي كمان؟
في لندن
اتصل خالد هاتفيا بوالده لكي يبلغه بما حدث في القاهرة، صدم رأفت حينما علم بخبر وفاة ناهد عقب محاولة قتلها و..
-رأفت هاتفيا متسائلا بنبرة آسفة: ربنا يرحمها، بس محدش عرف صباح عملت كده ليه؟
-خالد هاتفيا بنبرة منزعجة: لأ، لسه.

-رأفت وهو يمط شفتيه: على العموم يا بني بلغ جاسر وشاهي تعازيا
-خالد بخفوت: طيب هابلغهم
-رأفت وهو مطرق الرأس في حزن: أنا هحاول أرجع بدري
-خالد عى مضض: يا ريت يا بابا، لأن الوضع بقى صعب أوي هنا
-رأفت وهو يذم شفتيه: ماشي، ماشي!

أنهى رأفت اتصاله الهاتفي مع ابنه خالد، ثم توجه إلى السيدة صفاء زوجته، و...
-رأفت بنبرة مترددة: صفاء، أنا، كنت آآآ
-صفاء بنظرات مترقبة: في ايه يا رأفت؟
-رأفت وهو مطرق الرأس: ناهد اخت فريدة اتقتلت!

فغرت صفاء شفتيها في صدمة، ثم وضعت يدها على صدرها، ونظرت إلى رأفت وهي تعقد حاجبيها باندهاش شديد و...
-صفاء بنظرات مصدومة: ايييه؟ اتقتلت! يا ساتر يا رب، طب، طب مين عمل كده؟
-رأفت وهو يهز رأسه: الخدامة بتاعتنا، ولو إني مش مقتنع إن صباح تعمل كده
-صفاء بنبرة آسفة: لا حولولا قوة إلا بالله، طب هي قتلتها ليه؟
-رأفت وهو يلوي فمه: مش عارف! بس أنا، آآآ...
-صفاء بنظرات ثابتة: بس ايه؟

-رأفت بتردد: أنا، يعني، آآ، لازم أنزل مصر فورا!
-صفاء بنبرة جادة: حقك، احنا وجودنا هنا معدتش ليه داعي.

جثى رأفت على ركبته، وأمسك بكف يد زوجته صفاء، ونظر إليها بنظرات ممتنة و...
-رأفت بنبرة دافئة: انا مش عارف أقولك ايه
-صفاء وهي تربت على كتفه: مافيش داعي تقول حاجة
-رأفت بنبرة حانية: ربنا يخليكي ليا، ومايحرمنيش منك، أنا هاكلم شرطة الطيران، وهحاول أجهز في أقرب طيارة راجعة للقاهرة
-صفاء مبتسمة: ماشي..

في فيلا ناهد الرفاعي
في المساء تم إقامة سرادق للعزاء في فيلا ناهد الرفاعي، وأقبل القريب والبعيد على السرادق من أجل أداء واجب العزاء..

استقبل جاسر ومعه أدهم وخالد جميع الحضور، ووقف ثلاثتهم جنبا إلى جنب من اجل تلقي واجب العزاء..
كما حضر بعض من أصدقاء جاسر في العمل، ومندوبين من الشرطة، وكذلك رجال الأعمال وغيرهم من ذوي الصلة بعائلة الصياد.

أخفض جاسر رأسه في حزن بالغ، وظل يصافح الجميع بجفاء وبرود..
لم يجب على أحد إلا بكلمات مقتضبة..
لقد رحلت والدته، ولم يحرز هو أي تقدما في موضوع اثبات نسبه، وهو لن يستطيع أن يسيء إلى سمعة والدته بعد أن انتقلت إلى جوار ربها، لذا سيظل موضوعه في طي النسيان...
جلست فريدة في داخل الفيلا، وظلت هي الأخرى تتلقى واجب العزاء في أختها، ونجحت في إيهام الجميع بأن قلبها قد انفطر حزنا على فراقها..

جلس في الأريكة المقابلة لها يارا وكنزي، وإلى جوارهما نهى..
ظلت يارا ترمق فريدة بنظرات متفحصة، فهي تستشعر أن فريدة تبالغ في ردة فعلها، فهي شخصية قاسية، ومتحجرة القلب، ولا يهون عليها أي شخص
كما حدقت كنزي هي الأخرى بها، وظلت تنظر إليها بنظرات استهجان..
مالت كنزي على يارا قليلا بجسدها واقتربت من اذنها و...
-كنزي بصوت خافت: أنا مش مرتاحة للحرباية دي، حساها أوفر أوي.

-يارا بصوت هامس: شششش، وطي صوتك لأحسن تسمعك
-كنزي بعدم اكتراث: ماتسمع، هو أنا هخاف منها
-يارا بخفوت: انتي عارفة ان صباح دي لا بتهش ولا بتنش، فاللي أنا مستغرباه انها هتقتل ناهد ازاي
-كنزي بنظرات مترقبة: الموضوع ده فيه إن..

لاحظت فريدة متابعة ومراقبة كلا من يارا وكنزي لها، فنظرت إلى كلتيهما شزرا و...
-فريدة بصوت باكي، وشبه عالي: لولا إني بنت ناس محترمين كان زماني طردت الأوباش ولاد الخدامين اللي جايين يشمتوا في موت أختي من هنا...!

-يارا بنظرات مغتاظة وهي تجز على أسنانها: أه يا بنت ال...
-كنزي متسائلة بحنق و بصوت خافت: هي تقصدنا احنا؟
-يارا وهي توميء برأسها: أها
-كنزي بنظرات ممتعضة: والله ما هاسيبها.

أمسكت يارا بذراع كنزي وجذبتها للأسفل و..
-يارا بنبرة محذرة: معلش يا كنزي، ده عزا، مافيش داعي للفضايح فيه، احنا هنا عشان خاطر شاهي وجاسر، لكن إن كان على الولية دي محدش هيعبرها بدعوة حتى..!
في الخارج
وصلت سيارة زيدان إلى سرادق العزاء، ومن قبله سيارة حراسته الخاصة..

نظر كلا من جاسر وخالد إلى تلك السيارات الفارهة التي تقف أمام مدخل العزاء، وانتبه إلى نظراتهما أدهم، وظن ثلاثتهم أن مسئولا ما هاما قد وصل..
ولكن تفاجئ خالد وجاسر ب زيدان وهو يترجل من السيارة، وممسكا بسيجارته الكوبية ينفث دخانها في الهواء..
تملك الحنق والغضب من خالد، في حين تسائل أدهم عن هوية ذلك الشخص الغامض، بينما نهض جاسر من مقعده وعلى وجهه علامات الاحتقان...

سار جاسر مبتعدا عن السرادق، ووقف في مواجهة زيدان، ثم لحق به خالد وكذلك أدهم...

وقف جاسر أمام زيدان - الذي أشار بيده لحراسته الخاصة لكي يتراجعوا للخلف قليلا - و رمقه بنظرات شرسة و...
-جاسر بنبرة حادة: جاي هنا ليه؟ عاوز تشمت في موت أمي
-زيدان ببرود: حاشا لله، هو أنا بتاع كده برضوه
-خالد بنبرة جادة وهو يشير بيده: امشي من هنا
-أدهم متسائلا: ده مين ده؟
-خالد وهو يلوي فمه في تهكم: ده ابن أخو عدلي!
-ادهم بنظرات مصدومة: مييييييين؟

التفت زيدان برأسه ناحية ادهم، ثم أخذ ينفث دخان سيجارته المشتعل عاليا في الهواء، ونظر إليه بنظرات جافة و...
-زيدان بنبرة هادئة نسبيا: وجوز شاهي الباشا!
-أدهم وهو يمط شفتيه في تعجب: أفندم؟

عاود زيدان النظر إلى جاسر بنظرات قوية و..
-زيدان بنبرة فاترة تحمل نوعا من التهكم: انت مقولتش لأدهم بيه الصياد إني أبقى جوز أختك، مش عيب عليك نبقى نسايب ومش عارفين بعض...!

وقف خالد مجددا حائلا بجسده أمام جاسر الذي كان على وشك الفتك بزيدان، في حين تحركت حراسة زيدان للأمام، ولكن أشار لهم زيدان مجددا بيده لكي يتراجعوا للخلف و...
-جاسر بحنق: امشي من هنا، واختي أنا هطلقها منك بالذوق بالعافية مش هاسيبها على ذمة واحد زيك..!
-زيدان بنظرات متحدية: مش هاتقدر، مراتي أنا مش هاسيبها...

صمت زيدان للحظات، ثم نظر إلى جاسر بنظرات جادة و...
-زيدان بنبرة محذرة: وأنا لتاني مرة بقولك بدل ما تركز معايا، ركز مع اللي قتل أمك أحسن...!
-جاسر بحنق: نعم؟
-زيدان ببرود تام: وده أخر ما عندي..!

أدار زيدان جسده للخلف، ثم سار مبتعدا ومن خلفه حراسته، ولكنه توقف فجأة والتفت برأسه ناحية ثلاثتهم و...
-زيدان بنبرة واثقة ونظرات جادة: اه بالمناسبة، متقلقش على شاهي مراتي حبيبتي، أنا خدتها تاني في حضني، وهراعيها كويس، ماهو برضوه الضفر ما يطلعش من اللحم، ودي قبل ما تكون مراتي، فهي آآ، بنت عمي...!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة