قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية الفريسة و الصياد الجزء الثاني للكاتبة منال سالم الفصل التاسع عشر

رواية الفريسة و الصياد الجزء الثاني للكاتبة منال سالم الفصل التاسع عشر

رواية الفريسة و الصياد الجزء الثاني للكاتبة منال سالم الفصل التاسع عشر

في صباح اليوم التالي
استقل منذ طلوع شمس فجر هذا اليوم كلا من أدهم ويارا الحافلة للذهاب إلى القاهرة...
ولأن الوقت لم يكن كافيا للعودة إلى منزلهما، طلب أدهم من يارا أن تأخذ فقط ما ستحتاج إليه خلال سفرها لأمانيا، والباقي سيقوم بشرائه من أحد المحال الموجودة بالمطار..
حاولت يارا جاهدة أن تتحدث مع أدهم وتبرر له ما حدث، ولكنه رفض الانصات إليها، وظل صامتا...

عاتبت يارا نفسها كثيرا لأنها من وضعت نفسها في مثل ذلك الموقف حينما زرعت الشك في نفس زوجها بشأن حبها له..
أدركت يارا حينما أوشكت على خسارته أنها بالفعل تحبه، بل إنها تعشقه بجنون، ظلت تنظر إليه بأعين راجية، ولكنه كان يشيح بوجهه بعيدا عنها...

في فيلا رأفت الصياد
أعد خالد حقيبته، ثم ارتدى حلته، واستعد للسفر، رتب كل شيء وتأكد من وجود التذاكر معه، ثم دلف خارج الغرفة وهو يحمل حقيبته في يده..

نزل خالد الدرج وعلى وجهه الضيق، فهو يعلم أن الوقت غير مناسب للسفر، ولكنه الوحيد المعني بكل ما يخص ميراث يارا بالخارج، وبالتالي كان لزاما عليه أن يصاحبها هي وأخيه في سفرتهما تلك، على الأقل ريثما يتعرفان إلى ما هو مطلوب منهما ثم يرتكهما ويعاود أدراجه للقاهرة...

تعجبت فريدة من نزول خالد للأسفل ومعه حقيبة سفر صغيرة، نظرت إليه بدهشة و...
-فريدة وهي تمط شفتيها في تعجب: ايه ده؟
-خالد باقتضاب: مسافر
-فريدة وهي تعقد حاجبيها: مسافر فين؟
-خالد: ألمانيا!

فغرت فريدة شفتيها في دهشة و...
-فريدة: ايه؟ ألمانيا!
-خالد هو يوميء برأسه: أها..
-فريدة: طب ليه؟
-خالد: موضوع يارا وميراثها.

لوت فريدة شفتيها، وامتعض وجهها فور سماعها لاسم تلك الفتاة التي تبغضها و...
-فريدة وهي تزفر في ضيق: اوووف، مافيش إلا البت دي وسيرتها
-خالد بحدة: ماما! من فضلك، دي مرات أخويا وبنت عمنا قبل أي شيء
-فريدة وهي تشير بيدها: خلاص، خلاص، أنا مش ناقصة حرقة دم على الصبح
-خالد بضيق: لا حول ولا قوة إلا بالله.

صمتت فريدة قليلا، ثم أكملت بضيق و...
-فريدة بنبرة منزعجة: ده من يوم ما لفت على أخوك واتجوزته وهو مفكرش حتى يكلم مامته الي تعبت في تربيته!
-خالد: الله أعلم بظروفهم، وع العموم لما هاشوفه هابقى أقوله..
-فريدة وهي تشير بيدها: طب تعالى افطر معايا قبل ما تسافر
-خالد باقتضاب وهو ينظر في ساعته: لأ، ده أنا يدوب ألحق الطريق
-فريدة: طب خلي بالك من نفسك يا حبيبي
-خالد: ان شاء الله، وابقي سلميلي على بابا وعمر.

-فريدة مبتسمة: ماشي يا حبيبي..!

أمسك خالد بحقيبة سفره بيده بعد أن انحنى قليلا عليها، ثم دلف للخارج، وتوجه نحو سيارته المصفوفة في جراج الفيلا ووضعها حقيبته في صندوق السيارة الخلفي ثم أغلقه، وركب سيارته، وضغط على دواسة البنزين بعد أن أدار محرك السيارة، وانطلق في اتجاه المطار...

في شركة الصياد
في مكتب المهندس رأفت
جلس رأفت على مكتبه يستعيد ذكريات يوم أمس مع عائلة كارما، ويتذكر أسلوب السيدة صفاء الراقي في الحوار وفي التعامل مع الأخرين..
-رأفت بصوت خافت: سبحان الله! بجد خسارة الست دي تفضل كده لوحدها من غير راجل!

سمع رأفت صوت طرقات على باب مكتبه، فسمح للطارق بالدخول، وكانت السكرتيرة هي من دلفت للداخل و...
-السكرتيرة: اتفضل يا فندم، البوسطة
-رأفت مبتسما: شكرا
-السكرتيرة بتردد: آآآ، كنت عاوزة أقول لحضرتك آآ..
-رأفت وهو ينظر لها بتركيز: خير، قولي على طول
-السكرتيرة: اصل الموظفة، قصدي الآنسة كارما ماجتش النهاردة
-رأفت مبتسما وهو يطالع الأوراق: أها، انا عارف وقايلها متجيش النهاردة.

رفعت السكرتيرة حاجبيها في تعجب شديد، ونظرت إلى رأفت وهي فاغرة شفتيها و...
-السكرتيرة باستغراب: هه، بس آآآ، حضرتك عارف انها جديدة وممنوع الأج...
-رأفت مقاطعا بحدة: أظن أن ده شغلي يا أستاذة، اتفضلي شوفي وراكي ايه!

أطرقت السكرتيرة رأسها في إحراج ثم دلفت خارج المكتب وهي مسرعة الخطى...
-السكرتيرة في نفسها بضيق: الراجل البت هبلته على كبر، بكرة يجي خالد بيه ويديها على دماغها بنت الأفاعي دوول...!

في فيلا ناهد الرفاعي
طلبت ناهد من ابنتها شاهي أن تستعد وترتدي أفخم ثيابها لكي يذهبا إلى أحد المطاعم الفاخرة لتناول الغذاء، استغربت شاهي من طلب والدتها، فعادة هي ترتدي ما تريد، ولكن اليوم هي تصر إصرارا غريبا على أن تتأنق...
-شاهي وهي تعقد جبينها: مامي ما انا طول عمري شيك
-ناهد مبتسمة: انا عارفة يا قلبي، بس بليز النهاردة اتشيكي أوي
-شاهي وهي تمط شفتيها في تعجب: مممم، اوكي.

-ناهد بنبرة فرحة: حبيبتي يا شوشو، دايما كده مريحاني
-شاهي بتردد: مامي..!
-ناهد وهي تنظر إليها: أيوه يا شوشو.

ترددت شاهي في سؤال والدتها عن شقيقها، فرغم خلافها معه، إلا أنها تعلم تماما أنه يحبها ويسعى لما فيه صالحها..
-شاهي متسائلة: مامي، هو آآ، هو جاسر كلمك فون ولا حاجة؟
-ناهد على مضض: لأ.

اخذت شاهي نفسا عميقا و..
-شاهي: طب مافيش أخبار عنه
-ناهد بضيق: بصي يا شوشو، أخوكي ده دماغه صعب أوي، ومش هيدور غير على مصلحته وبس، ويوم ما هيلاقي حاجة هتتعارض مع مصلحته هيقف ضدها، زي موضوع خطوبتك الأولى.

اعترى وجه شاهي الدهشة عقب عبارات والدتها الأخيرة، فنظرت إليها باستغراب و...
-شاهي مندهشة: مامي! انتي بتقولي ايه؟

لم يكن أمام ناهد سوى الإدعاء كذبا على ابنها جاسر حتى تضمن أن تكون شاهي تحت طوعها، وإلا ستنهار كل مخططاتها المستقبلية..
-ناهد بنبرة هادئة: أخوكي لما لاقى اسلام خطيبك هيترقى في شغله وياخد مكانه راح عمله مشكلة فيه واتسبب في أذيته، وطبعا ده خلال يضطر يفركش الخطوبة قبل ما تتعمل
-شاهي بأعين مشدوهة: ده أكيد كذب.

-ناهد: أنا مكونتش عاوزة أقولك عشان متزعلش، وهو قال انه سابب عشان مستواه المادي مش اد كده، لكن الحقيقة ان أخوكي آذاه جامد في شغله، وده كان رد فعله الطبيعي
-شاهي: لألألأ، جاسر يعمل كده، استحالة..
-ناهد وهي تربت على كتفها: جاسر أخوكي بيدور على مصلحته، ولو كان عنده الشجاعة انه يقولك على اللي حصل كان جه وقالك، لكن هو خاف تعرفي حقيقة جشعه وطمعه
-شاهي بصدمة: مامي، استحالة جاسر يكون كده.

-ناهد بنظرات حادة ونبرة هادئة: بصي يا حبيبتي، أنا عاوزاكي تفكري في مصلحتك، وملكيش دعوة إلا بنفسك وبس، اخوكي مش هاينفعك.

نجحت ناهد في بث سمومها في رأس شاهي التي صارت الآن متخبطة في قراراتها، لا تعلم أيهما الصادق وأيهما الكاذب..

ولما تأكدت ناهد من ارباك شاهي، أصرت على أن..
-ناهد: يالا يا حبيبتي نغير جو، مش عاوزين نفضل في وجع القلب ده كتير
-شاهي بضيق: ممم...
-ناهد وهي تدفعها برقة: يالا يا شوشو، يالا..!

في مطار القاهرة الدولي
جلس أدهم بجوار يارا على مقاعد المطار صامتا ملامحه باردة، كانت يارا تحاول اختلاس النظر إليه، ولكنه كان جامد الملامح، لا يعبر عما يدور بداخله، كان كالشخص الغريب بالنسبة إليها، وهي لم تعهد أدهم معها هكذا من قبل...

حاولت يارا أن تختلق الأعذار لكي تتحدث معه، ولكنه يكتفي فقط بالاشارة برأسه أو الصمت..
وفي النهاية تملك يارا اليأس من كثرة محاولاتها الفاشلة، ولكن ربما ستأتي الفرصة لها لتوضيح ما جرى خلال تلك الرحلة، فلم ينتهي الوقت بعد...

لمح خالد أدهم ويارا وهما جالسان بالمطار، فاقترب منهما وسلم عليهما بحرارة..
لاحظ خالد أن الأجواء متوترة بينهما، وخاصة أن ملاحمها توحي بأن هناك شيئا ما قد حدث و...
-خالد مندهشا: في ايه مالكم؟

كانت يارا على وشك الحديث، ولكن سبقها أدهم ب...
-أدهم مقاطعا بصوت خشن وباقتضاب: مافيش يا خالد، تعبانين من السفر والطريق
-خالد بعدم اقتناع: ولو إن شكلكم بيقول غير كده
-أدهم وهو يشير بيده وبحدة: يالا هات التأشيرات والتذاكر خلينا نخلص باقي الاجراءات ونتوكل على الله.

نظر خالد إلى يارا متفحصا إياها، ومحاولا أن يفهم منها ما جرى، خاصة وأنه لاحظ تورم عينيها واحمرارهما و..
-خالد: قوليلي انتي يا يارا في ايه؟
-يارا بنبرة خافتة: آآآ، مافيش
-أدهم بضيق: يالا بقى، مش هنرغي كتير!
وبالفعل توجه ثلاثتهم إلى الداخل لينتهوا من باقي الإجراءات..

في أحد المطاعم الفاخرة
وصلت ناهد ومعها ابنتها إلى أحد المطاعم الفاخرة الذي يمتاز بإضاءته المريحة للعينين، وبديكوره الكلاسيكي الفخم والراقي..

ارتدت شاهي فستانا قصيرا من اللون الكحلي الداكن، وصل إلى ركبتيها، وأبرز جمال ساقيها، أما كتفيه فهما صغيران مكتنزان، ويبرزان بشرتها البيضاء من خلال ذراعيها، بينما أمسكت في يدها حقيبة رفيعة من نفس اللون، في حين كان شعرها مربوطا للخلف بدبوس فضي رقيق..
أشار أحد الندلاء بيده لناهد وابنتها لكي يسيرا معه حتى الطاولة المخصصة لهما..

أعجبت ناهد بتلك المعاملة الراقية معها، وخاصة أنها كانت استثنائية ومميزة..
-ناهد باعجاب: واو، مكان تري شيك
-النادل: احنا كلنا هنا في خدمة معاليكي يا هانم..
-ناهد مبتسمة: ثانكس.

لاحظت شاهي خلو المطعم من رواده، ولكنها ظنت أن المطعم ربما يكون قد فتح لتوه لذا سيأتي رواده لاحقا إليه...
وضع النادل قوائم الطعام على الطاولة، ووقف على مقربة ينتظر أن تشير إحداهما إليه ليدون طلباتهما...
تم تشغيل موسيقى هادئة لتضفي روعة ورونقا أكثر على المكان..

أمسكت شاهي بقائمة الطعام وظلت تنظر إليها بتفحص شديد لتنتقي منها ما تريد تناوله، ولكنها تفاجئت بقيام أحد الأشخاص بسحب المقعد الملاصق لها، والجلوس إلى جوارها..
نظرت شاهي بضيق إلى ذاك الشخص وتفاجئت بأنه...

في منزل كارما هاشم
ظلت كارما تمتدح في رب عملها المهندس رأفت، وما يفعله لها والامتيازات التي حصلت عليها في وقت قليل..
خشيت صفاء على ابنتها كارما أن تتعلق برجل كبير مثله وخاصة من الناحية العاطفية لذا...
-صفاء بنبرة هادئة وحانية: كارما أنا عاوزة أتكلم معاكي شوية بصراحة..
-كارما مبتسمة: ايوه يا مامي
-صفاء بتردد: انتي، انتي حاسة بايه ناحية المهندس رأفت؟

عقدت كارما حاجبيها في دهشة، ثم نظرت إلى والدتها باستغراب و..
-كارما بعدم فهم: تقصدي ايه يا مامي؟
-صفاء بنبرة خافتة: انتي بتحبيه؟
-كارما فاغرة شفتيها: هه!

في المطعم الفاخر
نظرت شاهي بضيق إلى ذاك الشخص الذي جلس عمدا إلى جوارها وتفاجئت بأنه زيدان..

نظر زيدان إلى شاهي بنظرات ممعنة، ظل يرمقها بنظراته الثاقبة المتفحصة التي أربكتها وجعلت قلبها يضطرب..
-شاهي باندهاش: آآ، انت؟
-ناهد مبتسمة: ايه رأيك في المفاجأة دي يا شوشو.

نظرت شاهي إلى والدتها بنظرات منزعجة، فأكملت ناهد حديثها دون اكتراث و...
-ناهد بابتسامة مصطنعة: زيدان باشا أصر أنه يعملك مفاجأة هنا في المطعم..

مد زيدان يده لكي يمسك بكف يد شاهي التي ارتعشت يدها فور ملامسته إياها، ولكنه ضغط على كفها بقوته وجذبه ناحيته، ثم رفعه ناحيه فمه، قبله قبلة صغيرة وهو مسلط نظرها عليها و..
-زيدان بنظرات ثاقبة: أنا فرحان اني شوفتك!

حاولت شاهي أن تسحب يدها من يده ولكنها عجزت عن فعل هذا، فقد كانت كالأسيرة بين يديه..

مد زيدان يده الأخرى في جيب سترته، ثم أخرج منها علبة صغيرة وحمراء اللون، وفتحها بطرف إصبعه، ثم مد العلبة أمام وجه شاهي التي نظرت إليه بأعين مصدومة و...
-زيدان بصوت رجولي عميق وهاديء: تتجوزيني!

كانت العلبة الصغيرة تحتوي على خاتم سولتير رفيع به فص موضوع في منتصفه مصنوع من الألماس..

شهقت ناهد حينما رأت الخاتم وعرض الزواج المصاحب له، ونظرت إلى ابنتها بعدم تصديق..
-ناهد وهي تمط شفتيها في فرحة: أوووه، مش معقول.

في حين تسمرت شاهي في مكانها، ونظرت بأعين مشدوهة للخاتم ولما يفعله زيدان معها...
-شاهي فاغرة شفتيها: هاه.

لم يترك زيدان كف يد شاهي، وإنما أسند العلبة أمامها، ثم أخرج الخاتم بإصبعه منها، وأمسكه بإصبعين، وألبس شاهي الخاتم في إصبع كف يدها الأيسر..
-ناهد مسرعة: شاهي أكيييد موافقة بس انت عارف البنات ببتكسف وخصوصا أنا موجودة معاها
-زيدان وهو يحدق بشاهي: أها
-ناهد: دي، دي طول اليوم بتتكلم عليك، بجد مش هتلاقي حد زيك
-زيدان بنظرات واثقة لشاهي: وأنا مش هاقبل غير إنها تكوني مراتي..

كانت المفاجأة كبيرة على شاهي، لم تتوقع هذا، شعرت أنها فقدت قدرتها على الكلام أو الإعتراض، ظلت فقط محدقة بزيدان وبما يفعله..

نظر زيدان إلى ناهد بأعين ثاقبة ثم أكمل حديثه ب...
-زيدان: أنا مش هاضيع وقت كتير، أنا هاتجوز شاهي على نهاية الأسبوع! وكل شيء هايكون جاهز، أنا مش عاوز إلا هي وبس!

اومأت ناهد بالايجاب، ورحبت بما قاله زيدان، ولم تجادله، بل إنها أعطته مباركتها على تلك الزيجة الملائمة..

لم تستوعب شاهي ما الذي يدور، فقد كانت في حيرة من أمرها، وحينما حاولت أن تعترض كان زيدان قد ترك يدها، ونظر إليها بثقة بالغة، ، ثم نهض عن مقعده الملاصق لها و...
-زيدان بنبرة واثقة: أنا هاستأذن عشان ألحق أطمن ان كل حاجة جاهزة، وعاوزك يا ناهد هانم تكوني مطمنة وجاهزة للجاي..
-ناهد بسعادة: اكييييد طبعا.

رحل زيدان عن الطاولة، وقبل أن يدلف لخارج المطعم رمق شاهي ووالدتها بنظرات ذات مغزى، جعلت شاهي ترتعد في نفسها، في حين باتت ناهد متيقنة أنها قد فازت بذاك الشباب، وأمواله صارت تحت تصرف ابنتها...
في منزل كارما هاشم
صدمت كارما من عبارة والدتها الأخيرة، هي لم تتوقع أن تظن والدتها أن اهتمامها الزائد بالمهندس رأفت ما هو إلى بداية قصة حب..
-كارما بحدة: لأ يا مامي، أنا، أنا مش بحبه.

-صفاء: أنا خايفة عليكي يا بنتي، خايفة تتعلقي بيه وآآآ...
-كارما بنبرة جادة: والله يا مامي ده أنا باعتبره في مقام بابي الله يرحمه، وكلامي عنه لأنه بيفكرني بيه وآآ..
-صفاء وهي تمسك بكف ابنتها: يعني يا بنتي مافيش في قلبك حاجة ناحيته؟
-كارما: لأ طبعا، اطمني يا مامي..
-صفاء بارتياح: الحمدلله
-كارما غامزة: طب أقولك بقى على حاجة انا حساها
-صفاء: ايه؟

-كارما مبتسمة: انا حاسة ان المهندس رأفت حاطط عينه عليكي انتي يا قمر.

اعتلى وجه صفاء علامات الاندهاش والصدمة عقب العبارة الأخيرة لابنتها، هي لم تتخيل أن تكون محط أنظار الغير، خاصة وأنها عاجزة وأرملة وتعاني من أزمات مالية، بالإضافة لكبر سنها، لذا كان مجرد تخيل ذلك الأمر صدمة لها...
-صفاء بنظرات مصدومة: بتقولي اييييييه؟

في الطائرة
ركب خالد وأدهم ويارا الطائرة بعد أن انتهوا من الاجراءات المتعلقة بالسفر، كان مقعد يارا مجاورا لأدهم وبجوار النافذة، في حين كان مقعد خالد في الجهة المقابلة..

دلفت يارا أولا للداخل، وجلست على مقعدها في توتر، في حين جلس أدهم إلى جوارها دون أي تعبير على وجهه، ارتبكت يارا وحاولت أن تربط الحزام الآمان الخاص بمقعدها، ولكنها فشلت في إحكام غلقه..
لاحظ أدهم توترها، وارتباكها، فمال قليلا ناحيتها، ثم أمسك بالحزام وأحكم اغلاقه، شكرته يارا على ما فعل، ولكنه لم ينبس بكلمة، فقط ظل مسلطا بصره للأمام..

وقفت المضيفة على مقربة من مقاعدهما ثم بدأت تشرح الاجراءات الخاصة بقواعد الآمان والسلامة أثناء إقلاع الطائرة وهبوطها..
لم تهتم يارا بما تقوله المضيفة، وإنما ظلت مسلطة بصرها على أدهم تراقبه عن كثب، لقد كان حقا جامدا في مشاعره، صلبا في نفسه، تعهدت يارا في نفسها على أن تعيد شعلة الحب من جديد بينهما..

أوشكت الطائرة على الاقلاع، وهنا اضطربت يارا، لقد كانت تلك هي المرة الأولى التي تستقل فيها الطائرة..
خافت يارا كثيرا، وحاولت جاهدة أن تخفي توترها، فأسندت مرفقيها على جانبي مقعدها، وظلت ترتعش قليلا...

أطرق أدهم رأسه لينظر في الكتيبات الارشادية الموضوعة في جيب المقعد المقابل له، فلاحظ انقباض يد يارا على المسند المجاور لمقعده، فرفع رأسه قليلا، ونظر إليها من زاوية عينه فوجد ملامحها متجمدة من الخوف، ورغم قسوته التي يظهرها متعمدا أمامها، إلا أنه يخشى عليها حقا...

لذا مد أدهم كف يده وأسنده فوق كفها محاولا بث الطمأنينة في نفسها، أغمضت يارا عينيها من الخوف، فشد أدهم على يدها أكثر حتى تطمئن..
وما إن استقرت الطائرة وحلقت في السماء، حتى أرخى قبضته عنها، ونظر إليها بجفاء ثم عاود النظر امامه مجددا وكأن وجودها لا يعني له شيئا..

شعرت يارا بمرارة الظلم والحزن في حلقها، وحاولت أن تمنع سقوط العبرات عنوة من مقلتيها ولكنها فشلت، لذا أشاحت بوجهها لتنظر عبر النافذة وتخفي الآسى الذي يظهر جليا عليها...

في شركة الصياد
في مكتب رأفت
ألغى رأفت كل الاجتماعات والمقابلات الخاصة بعمله طوال اليوم ليتفرغ للتفكير في مسألة هامة، مسألة مصيرية بالنسبة له، مسألة زواجه من السيدة صفاء.

لقد عقد العزم على أن تكون هي زوجته، وسوف يتحمل عواقب ذلك القرار لوحده، فهو لم يعد يطيق البقاء مع تحكمات فريدة وأسلوبها الفظ في التعامل، في حين أن بإمكانه أن يحظى بحياة أسرية مستقرة وينعم بالجو الأسري الدافيء الذي طالما نشده في عائلته...

ولن ينكر رأفت أنه أعجب بصفاء وبطريقتها، فهي استطاعت برقيها وأسلوبها المحترم في التعامل أن تدخل إلى قلبه بكل سهولة، وتسيطر على عقله، وتشغل تفكيره...
فبرغم عجزها وظروفها الصعبة التي مرت بها إلا أنها صمدت وحاولت أن تقهر الصعاب...
لقد اخترقت تلك السيدة الوقور قلبه، وهو لن يتراجع عن قراره في الزواج منها، ولكن أمامه عقبة واحدة حيث احتار رأفت كثيرا في أمر إبلاغ أبنائه بنيته الزواج من أخرى..

ولكنه حسم أمره بألا يخبر أي أحد إلا...!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة