قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية الفريسة و الصياد الجزء الثاني للكاتبة منال سالم الفصل الأربعون

رواية الفريسة و الصياد الجزء الثاني للكاتبة منال سالم الفصل الأربعون

رواية الفريسة و الصياد الجزء الثاني للكاتبة منال سالم الفصل الأربعون

في فيلا رأفت الصياد
ظل عمر مستيقظا ولم يرغب في النوم مجددا بعد ما حدث، طرأ بباله فكرة ما ( مجنونة )، ورغم أنه يعلم خطورتها، إلا أنه قرر أن ينفذها، لقد عقد عمر العزم على أن يبرر لكنزي سوء الفهم الذي وقع بينهما، ونوى أن يقوم بزيارتها في منزلها، بدون ان يخبر أي أحد، فقط أبلغ السائق الخاص بأن يستعد لإيصاله...

ركض عمر على الدرج، واسرع ناحية غرفته، ثم بدل ملابسه على عجالة، وارتدى بنطالا من النوع الباجي ذي لون بيج، ومن فوقه تيشيرتا ذو لون بني..
انحنى عمر ليربط الرباط الخاص بحذائه الرياضي، ثم وقف أمامه المرآة ومشط شعره بسرعة، ولم ينسى أن يضع من عطر أخيه ادهم المفضل لديه، ثم دلف خارج غرفته، وركض على الدرج للأسفل، ثم انطلق خارج باب الفيلا حيث السائق الذي ينتظره في الخارج بالسيارة..

آمر عمر السائق أن ينطلق بالسيارة إلى منزل كارما، وظل يترقب اللقاء بها بوجه متفائل..

في شركة الصياد
في غرفة السعاة
صاح خالد بحدة في كارما التي حاولت أن تدافع عن نفسها، خاصة بعد أن اتهمها بالسرقة، ولكنه كاد أن يتهور عليها، فخشيت هي منه، وسقطت عن السلم الحديدي وارتطمت ارتطاما قويا بالأرض، وتعرضت رأسها لإصابة بالغة..

في البداية تسمر خالد في مكانه، ولم يتحرك حينما رأى كارما تسقط أمام ناظريه، ظن للحظة انها نالت ما تستحق، ولكن تبدلت ملامحه للقلق الشديد حينما رأى الدماء تنزف بغزارة من فروة رأسها...

ركض خالد ناحيتها وعلى وجهه علامات الخوف والاضطراب، انحنى خالد بجذعه ناحية السلم الحديدي ثم أزاحه عن كارما، وأسنده بعيدا عنها، ثم جثى على أحد ركبتيه، ومد ذراعيه نحوها، وحاول رفع جسدها عن الأرض قليلا حيث وضع أحد ذراعيه أسفل ظهرها، وأسنده على ركبته، وباليد الأخرى تحسس رأسها، فوجد دماءا تتدفق منها، فارتبك كثيرا و..
-خالد بنبرة قلقة: كارما، كارما!

لم تجب كارما عليه، بل ظلت ساكنة لا روح فيها، جسدها مرتخي، وبشرتها شبه باردة، فخشي أن يكون قد تسبب في إلحاق ضرر جسيم بها، فهو كان يريد توبيخها وإهانتها فقط، ولكنه لم يتخيل أن يتطور الأمر لهذا..

لم يمهل خالد نفسه الفرصة للتفكير أو لمراجعة نفسه على ماحدث، بل وضع يده الأخرى أسفل ركبتيها، ثم حملها وعلامات القلق جلية على وجهه، ودلف بها خارج غرفة السعاة وهو يحملها..

تملك الرعب كل من يمر بخالد - ويراه وهو يحمل كارما والدماء تتساقط منها - حيث كان يسير مهرولا ناحية المصعد.

لمحت السكرتيرة الخاصة بالمهندس رأفت خالد ومعه كارما بحالتها تلك، فركضت خلفه، فهي لا تريد أن تفوت الفرصة لتعرف ما صار، حتى تتمكن من إطلاق الإشاعات من جديد عنها..

ضرب خالد المصعد بقدمه بعنف، وكأنه يريد حثه على الصعود بسرعة، وحينما فتح الباب، شهق من كان متواجدا بالداخل حينما رأوا حالة كارما السيئة، ضغط أحد الأشخاص على زر إغلاق المصعد، وقبل أن ينغلق الباب تماما كانت السكرتيرة قد انضمت إلى المتواجدين بالداخل...

شعر خالد أن الوقت يمر كالدهر بداخل المصعد، وهنا بدأت السكرتيرة في استغلال الفرصة و...
-السكرتيرة وهي تدعي قلقها: ايه اللي حصل يا خالد بيه؟
-خالد بضيق واضح وبنظرات حادة: انتي هترغي معايا!
-السكرتيرة باحراج: آآآ، لأ، م، ماقصدش، أنا بس عاوزة اطمن على آآآ...
-خالد بلهجة آمرة: اسكتي خالص، مش عاوزة أسمع كلمة من حد.

-السكرتيرة وهي تتنحنح في حرج: احم، آآ، طب، أنا هاجي مع حضرتك أساعدك، يعني ما، مايصحش تكون معاها لوحدك و، آآ، حضرتك عارف اللي بيتقال.

لم يعقب خالد على جملة السكرتيرة الأخيرة، وإنما زفر في ضيق، وأشاح بوجهه للناحية الأخرى لينظر إلى وجه كارما الفاقدة للوعي بين ذراعيه...
خفق قلب خالد بقوة حينما وجد لونها يشحب تدريجيا، فرفع رأسها بذراعه قليلا، وأدار رأسه للأمام، ثم مال بأذنه ناحية فمها ليسمع صوت تنفسها ويتأكد من انتظامه..
كان صوت تنفسها ضعيفا للغاية، فاضطرب قلبه أكثر..

كانت السكرتيرة تتابع بأعين فاحصة متفحصة كل ما يقوم به خالد وهي تزم شفتيها، وتلوي فمها في انزعاج واضح..

وصل المصعد إلى الجراج، فركض خالد بها ناحية سيارته المصفوفة على مقربة، حاولت السكرتيرة اللحاق به، ولكنه كان الأسرع في الوصول إلى السيارة
صاح خالد في السائس بكل حدة لكي يحضر مفتاح السيارة، وبالفعل ركض السائس بلهفة ناحية السيارة وفتحها لخالد الذي انحنى بجسده ليضع كارما على مقعد السيارة الخلفي..

ركبت السكرتيرة في المقعد الأمامي، ولم تجلس في الخلف كما توقع خالد، ولكنه لم يعلق على ما فعلت، فقد كان شاغله الأكبر هو إنقاذ كارما...
جلس خالد خلف المقود، ثم أدار محرك السيارة، وضغط على دواسة البنزين، وانطلق بالسيارة مسرعا خارج جراج الشركة...
في منزل كارما هاشم.

تململت كنزي في الفراش، ثم تثاءبت، ونهضت عن الفراش، ثم دلفت بعد هذا إلى المرحاض لتغتسل، وبدلت ثيابها وارتدت منامة من اللون البامبي الفاتح..
مشطت كنزي شعرها، ثم رتبت فراشها، وتوجهت بعد ذلك خارج غرفتها لكي تذهب إلى المطبخ..
فتحت كنزي باب الثلاجة ولم تجد رغبة في إعداد أي شيء لنفسها، رغم أنها كانت تشعر بالجوع...
مر بعض الوقت على كنزي وشعرت أن الجوع قد تملك منها.

ولأنها لم تكن ترغب في أن تطهو شيئا لنفسها، قررت أن تطلب طعام ( تيك أواي ) عن طريق خدمة التوصيل للمنازل، وبعد أن طلبت ما تريد قامت بترتيب المنزل، وتنظيفه حتى لا ينتشر الغبار به..
وانتظرت أن يصل عامل توصيل الطلبات بين لحظة وأخرى..

في مطار القاهرة الدولي
وصلت الطائرة القادمة من مطار بيجيل إلى مطار القاهرة، وما هي إلا لحظات حتى نزل الجميع من الطائرة، وتوجهوا إلى المنطقة المخصصة لإنهاء الاجراءات..

ابتسمت يارا لأدهم وشبكت أصابعها في أصابع كف يده، وسار سويا وهما يجران حقائب سفرهما إلى خارج المطار...
-أدهم مبتسما: حمدلله على السلامة يا قلبي
-يارا بابتسامة صافية: الله يسلمك يا حبيبي
-أدهم بنبرة هادئة وهو يغمز لها: على بيتنا ان شاء الله
-يارا وهي تعقد حاجبيها: اوعى تكون ناوي على حاجة
-أدهم بنبرة فرحة: أه طبعاااا هنحتقل بوصولنا بالسلامة
-يارا بضيق: انت مش بتتعب.

-أدهم بحدة ونبرة متهكمة: الله أكبر يا شيخة، الحاجات دي بتتنظر، يالا خلينا نطلع على البيت، أل بتعب أل، ده أنا ولا طرزان في زمانه...!
لحق بهما شاهين، وظل مسلطا بصره عليهما، وما إن تأكد من استقلالهما لسيارة الأجرة حتى أخرج هاتفه المحمول من جيبه، واتصل برب عمله زيدان الباشا..
في شركة Territorial
رن هاتف زيدان فمد يده وأمسك بالهاتف الموضوع على سطح مكتبه، ثم نظر إلى الشاشة، وضغط على زر الايجاب و...

-زيدان هاتفيا بنبرة جادة: أيوه يا شاهين
-شاهين بلهفة: الطير رجع لعشه يا باشا
-زيدان وقد انتصب في جلسته: عظيم أوي، روح انت بقى يا شاهين، وبعد كده نتكلم
-شاهين وهو يوميء برأسه: حاضر يا باشا!

أنهى زيدان المكالمة مع شاهين وعلى وجهه ابتسامة شيطانية، سلط بصره في نقطة ما بالفراغ و...
-زيدان بنبرة مخيفة ونظرات خبيثة: كده اللعب احلو على الأخر، ولسه الجايات أكتر...!
في منزل كارما هاشم
قرع أحد الأشخاص باب منزل كارما، فظنت كنزي أنه عامل توصيل الطلبات إلى المنازل، لذا أحضرت النقود من حقيبتها، وتوجهت إلى الباب لتفتحه دون أن تنظر من ( العين السحرية )..

فتحت كنزي الباب لتتفاجيء بعمر يقف أمامها، فغرت شفتيها في صدمة، ونظرت إليه بعدم تصديق وبأعين مشدوهة و...
-كنزي بصدمة: آآآ، انت
-عمر مبتسما ابتسامة بلهاء: أيوه أنا.

همت كنزي بغلق الباب في وجهه، ولكنه وضع قدمه ليسد عليها الطريق فلم تتمكن من إغلاق الباب
-كنزي بحدة: اوعى!
-عمر بنبرة راجية: استني بس يا كنزي، والله العظيم أنا مظلوم معملتش حاجة
-كنزي بنبرة قوية وهي تزفر في ضيق: أوووف، انا مش هاخلص منك، بجد أنا هاشتكي لأبوك على عمايلك السودة دي كلها معايا، وهو يتصرف معاك..!

حاول عمر فتح باب المنزل ودفعه و...
-عمر بتحدي: قولي لطوب الأرض، برضوه مش هامشي قبل ما تسمعيني.

استند عمر بجذعه على الباب، ثم دفعه بكتفه بقوة شديدة نسبيا، فارتدت على أثر الدفعة كنزي للخلف وسقطت على ظهرها، فتمكن عمر من الدخول إلى المنزل..
دلف عمر إلى المنزل، واغلق الباب من خلفه، بينما نظرت إليه كنزي بغضب شديد، ونهضت عن الأرض، وعقدت العزم على الانقضاض عليه..

ضربت كنزي عمر بكلتا يديها بقوة على صدره، فمد هو كلا ذراعيه وحاول أن يمسكها من معصميها و...
-عمر بنبرة متوترة: يا بنتي اهدي بس
-كنزي بعصبية: اطلع برا بدل ما أصوت وألم عليك الناس وأقول بتهجم عليا.

تمكن عمر من إمساك كنزي من معصميها، ثم دفعها قليلا للخلف لكي تجلس عنوة على الأريكة، وحاول تثبيتها، وانحنى قليلا بجسده عليها لينظر مباشرة في عينيها و...
-عمر بلهجة آمرة: استهدي بالله كده
-كنزي وهي تتلوى في يديه وبنبرة حانقة: يووووه، سيبني اموتك
-عمر مازحا: يا ريت تموتيني، والله ده أنا يبقى أمي دعيالي، رغم ان هي عمرها ماعملتها.

زفرت كنزي في انزعاج واضح و...
-كنزي على مضض: سيب ايدي بعد اذنك
-عمر بلهجة جادة: مش قبل ما توعديني انك تسمعيني
-كنزي وهي تلوي فمها في ضيق: طيب
-عمر مبتسما: طب قولي وعد
-كنزي بحدة: ياباي، ده انت رزل
-عمر بابتسامة بلهاء: ما أنا عارف، ونفسي انتي تعرفيني أكتر، والله هتلاقيني كيوت
-كنزي بنفاذ صبر: إخلص بقى..!
-عمر وهو يوميء برأسه: حاضر..

أرخى عمر قبضتي يده عن كنزي، وتركها، ثم اعتدل في وقفته، بينما أمسكت كنزي بمعصميها وظلت تفرك فيهما...
ثم نظرت إليه بأعين حانقة، في حين ابتسم هو لها ابتسامة عذبة و...
-عمر بنبرة هادئة: أنا عاوز أفهمك اللي حصل بهدوء
-كنزي باقتضاب: طب اخلص
-عمر مبتسما: حاضر...

بدأ عمر في سرد تفاصيل ما حدث في النادي، وحاول قدر المستطاع أن يوضح لها ملابسات الأمر وسوء الفهم الذي دار، وطبيعة اصدقاء اخيه أدهم، وأنه بطبيعة الحال يعرفهما
في فيلا ناهد الرفاعي
عادت ناهد إلى فيلتها وهي في قمة عصبيتها، ظلت تحطم المزهريات الموضوعة على الأرفف أو الطاولات الزجاجية بطريقة غاضبة، خافت الخادمة منها، واختبأت في المطبخ، فهي لا تريد أن تتلقى ضربة ما بالمزهرية في رأسها..

توقفت فريدة بعد برهة عما تفعل، ونظرت أمامها بأعين حانقة غاضبة مشتعلة من الغضب، ففريدة قد خدعتها وهربت بعيدا عنها، وهي الآن بمفردها تحاول ايجاد طريقة تمكنها من تخليص ابنتها من براثن زيدان الذي لن يكف عن إلحاق الأذى بها..

فكرت ناهد بشخص ما تلجأ إليه لكي يساعدها، ولكنها لم تجد اي أحد سوى..
-ناهد بنظرات غاضبة: مقداميش إلا الحل ده، وإلا، وإلا بنتي هاتضيع مني!
في المشفى
وصل خالد بسيارته إلى أقرب مشفى، وطوال الطريق لم يسلم خالد من أسئلة السكرتيرة المتلاحقة ولا من تعليقاتها المستفزة، ورغم هذا ظل مركزا بصره ما بين المرآة الأمامية والطريق..

صف خالد السيارة، ثم ترجل منها، ودار بجسده نحو الباب الخلفي ثم فتحه، وانحنى بجذعه قليلا للداخل، ومد ذراعيه ورفع كارما قليلا، ثم سحبها بهدوء للخارج، وما إن تمكن من إخراجها من السيارة، حتى أسندها بذراع، وانحنى قليلا ليضع ذراعه الأخر أسفل ركبيتها، وحملها بين ذراعيه، وركض ناحية مدخل المشفى..
عقدت السكرتيرة ساعديها، وفغرت فمها في تعجب وهي ترى لهفة خالد على كارما..

-السكرتيرة بصوت هامس وهي تلوي فمها بتهكم: الظاهر ان البت رسمت عليك انت كمان يا، يا بشمهندس.

دلف خالد إلى داخل المشفى وهو يصيح بحدة في الموجودين و..
-خالد بنبرة عالية ومخيفة: حد يلحقني، كارما بتروح مني
-ممرض ما وهو يشير بيده: طب هاتها هنا لو سمحت.

أسند خالد كارما برفق على أحد ( السرائر ) المتحركة، وأمسك رأسها بكفي يده، ونظر إليها بأعين قلقة ومضطربة، بينما تجمع حولها عددا من الممرضين، وقام أحدهم بإبعاد خالد عنها، ودفع الباقي السرير المتحرك إلى داخل غرفة الطواريء..
أسرع خالد ورائهم، ولكن منعه ممرض من الدلوف، وأشار له لكي يجلس على كراسي الانتظار بالخارج..

وضع خالد يده على رأسه، وظل يحك فروته في عصبية شديدة..
تأمل خالد قميصه الأزرق الزاهي والذي امتزج لونه الأصلي بلون دماء كارما، فإزداد اضطرابه..
دلفت السكرتيرة هي الأخرى إلى الداخل، وسارت ناحية خالد بخطوات متثاقلة..
رمقها خالد بنظرات ممتعضة، ولم يرغب في الحديث معها..
-خالد في نفسه بنبرة متوارة: استر يا رب!
في لندن
في المركز الطبي.

طلب الطبيب وحيد ملاقاة المهندس رأفت قبل أن تخرج زوجته السيدة صفاء من غرفة الفحص..
وبالفعل جلس الاثنين سويا و..
-رأفت بقلق: خير يا د. وحيد؟
-وحيد بنبرة هادئة: ماخبيش عليك يا بشمهندس، احنا محتاجين وقت عشان نقدر نحدد المطلوب بالظبط
-رأفت بنظرات متوجسة: يعني مافيش أمل في علاجها؟

-وحيد وهو يشير بيده: لأ أنا مقولتش كده، بس في فريق متخصص هيجي هنا كمان يومين في المركز وأنا هاعرض عليهم صور الأشعة، وإن شاء الله خير
-رأفت بنبرة راجية: أرجوك صارحني يا دكتور، خليك واضح معايا، في أمل ولا لأ؟
-وحيد وهو يعض على شفتيه: والله ماقدرش أجزم، احنا لسه في الأول، والرأي النهائي هيبان بعد أسبوع من الكشف على العينة اللي هنجري عليها التجربة.

-رأفت بلهفة: مش مهم الوقت، المهم النتيجة صح ولا أنا غلطان!
-وحيد مبتسما ابتسامة مصطنعة وهو يربت على فخذه: خير..
في منزل أدهم ويارا
أوصل سائق سيارة الأجرة كلا من ادهم ويارا إلى منزلهما، ترجل الاثنين من السيارة، ثم توجها نحو البناية التي يقطنان بها ودلفا إلى الداخل، وصعدا في المصعد ووصلا إلى منزلهما...

فتح أدهم باب المنزل، ودلف أولا إلى الداخل وهو حامل للحقائب في يده، ثم لحقت به يارا، واغلقت الباب من خلفهما..
جلس أدهم على أقرب أريكة وهو يلهث من التعب والإرهاق، فنظرت إليه يارا باستغراب شديد و..
-أدهم بنبرة مجهدة وهو يشير بيده: مش قادر، هاموت من التعب.

لوت يارا شفتيها في تهكم، وعقدت ساعديها أمام صدرها و...
-يارا بتهكم: هو ده طرزان اللي مش هنلاحق عليه
-أدهم بصوت خافت: أنا اتنشيت عين، أنا حسدت نفسي
-يارا وهي تلوي شفتيها: يا راجل
-ادهم وهو يوميء برأسه: اه طبعا، وبعدين الحسد موجود في القرآن، أنا لازم أبخر نفسي، آآآآه مش قادر، لأ أنا أخش أنام أحسن، وبعد كده أشوف موضوع البخور ده.

نهض أدهم من على الآريكة وهو يتأوه من الآلم و...
-أدهم متألما: آآه يا وسطي، مش قادر آآآه، الله يكرمك شوفيلي عود بخور وولعيه لأحسن جسمي قفش في بعضه، ولو استنيت أكتر من كده مضمنش هايحصل ايه
-يارا مازحة: ده انت مش محتاج عود بخور، انت محتاج زار..!
-أدهم ساخرا: على رأيك، جهزيلي بقى لقمة وصحيني لما تخلصي
-يارا بنبرة جادة: انت هتنام بجد؟
-أدهم مبتسما: لأ بهزار، تصبحي على خير.

تابعت يارا أدهم وهو يسير بخطوات ثقيلة ومترنحة نحو غرفة النوم، وما إن دلف إلى الداخل حتى ألقى بجسده على الفراش دون أن يبدل ملابسه..
-يارا بحدة: اقلع الجزمة يا أدهم، انت هتنام بيها
-ادهم بصوت ناعس: بكرة يا يارا، بكرة سيبها لأحسن رجلي تبرد
-يارا وهي تزفر في ضيق: اوووف، انت أصلا نومك تقيل.

ثم اقتربت يارا من الفراش، ومدت يديها لتمسك بقدمي أدهم، ونزعت عنهما حذائه، ثم انحنت بجسدها قليلا للأسفل لكي تسنده على الأرضية، ولكنها تفاجئت به يضع يدها على ذراعها، و يجذبها بقوة منه ويلقي بها على الفراش إلى جواره و...
-ادهم مبتسما وبنظرات راغبة: احنا الشقاوة فينا بس ربنا هادينا
-يارا وهي تنظر إليه بحنق: بقى كده، بتشتغلني يا أدهم! طب أوعى.

-أدهم بنبرة ماكرة: أوعى ايه يا قطة، هو دخول الحمام زي خروجه، ده احنا ورانا كلام إنما ايييييييه، للصبح!

في المشفى
خرج الطبيب من غرفة الطواريء، فلمحه خالد فأسرع ناحيته وأوقفه و...
-خالد بنبرة قلقة: خير يا دكتور؟ كارما عاملة ايه؟ هي كويسة صح؟
-الطبيب بنبرة هادئة: للأسف حالتها صعب شوية
-خالد بتوجس: هي مالها بالظبط؟
-الطبيب وهو يشير بيده: عندها ارتجاج في المخ، وكسر في الساق اليسرى، والتواء في المعصم، ونتمنى أن الموضوع ما يتطورش.

نظر خالد إلى الطبيب بأعين مفزوعة، و...
-خالد فاغرا شفتيه: ايييه؟ يتطور!
-الطبيب بصوت خافت: في احتمال كبير انها تدخل في غيبوبة، الخبطة كانت قوية.

رفع خالد ذراعيه عاليا ووضعهما على رأسه و..
-الطبيب وهو يضع يده على كتفه: ربنا موجود، واحنا موجودين وهنتابعها، بس ياريت تبلغوا أهلها بحالتها..

لم يستمع خالد إلى أي كلمة إضافية من الطبيب، فقد تملك الشعور بالذنب منه، وأدرك أنه كان السبب فيما حدث لها بسبب عصبيته المفرطة معها!

وقفت السكرتيرة إلى جواره وهي تتأمل عن كثب تبدل ملامح وجهه، وتأثره الشديد بما قاله الطبيب، مطت شفتيها في تأفف، ثم..
-السكرتيرة على مضض: بيتهيألي يا بشمهندس وجودنا مالوش لازمة، هي أهلها هايجوا ويتعاملوا معها.

نظر خالد إلى السكرتيرة بنظرات حانقة، ورمقها بنظرات قاتلة من حدقتي عينيه المشتعلتين من الضيق و..
-خالد بحدة وهو يشير بيده: انتي تسكتي خالص، واتفضلي ارجعي على الشركة
-السكرتيرة بتوتر: آآ، ح، حاضر، بس أنا غرضي أساعد وآآآ...
-خالد مقاطعا بنبرة صارمة: بقولك امشي، ومالكيش دعوة بالموضوع ده...!

أومأت السكرتيرة برأسها، وانصرفت من أمامه وهي تنظر إليه بتوجس شديد...

وقف خالد يفكر مع نفسه – والتوتر الشديد يعتري كل ذرة في كيانه – في كيفية التصرف في تلك المصيبة التي حلت عليه، هو لا يعرف لعائلتها أي رقم هاتف لكي يتصل بهم ويخبرهم بما صار معها، كما تذكر أن هاتفها المحمول مازال موضوعا بداخل أحد أدراج مكتبه، وأنه نسى تماما أن يعطيها اياه بسبب رؤيته لها وهي غافلة..

مر كل ما حدث بينهما للحظة أمام عينيه، وفجأة تذكر امر هام، هو بالفعل يعرف أين تقطن، فقد أوصلها بالأمس إلى منزلها و...
-خالد بنبرة جادة: أنا هاورح عند بيتها وأبلغ أهلها، وربنا يعديها على خير...!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة