قصص و روايات - قصص بوليسية :

رواية العميلة دي للكاتبة إسراء أحمد الفصل السابع

رواية العميلة دي للكاتبة إسراء أحمد الفصل السابع

رواية العميلة دي للكاتبة إسراء أحمد الفصل السابع

يجلس ذلك الرجل الخمسيني قبالة خالد داخل مكتبه، وأمامه شابا يافعا يحمل وجهه الكثير من الحزن والغضب..
وعلى الجانب الأخر من المكتب يجلس أحمد على الأريكة كعادته في صمت..
ارتشف (الحاج عبدالله ) الماء الذي أحضره أعد له مسبقا.
تنهد بهدوء وهو يقول: -
ها يا حاج عبدالله هديت شوية؟!
طأطأ رأسه للأسفل وهو يجيب: -.

هديت عكس النار اللي جوايا يابني، أنا بنتي مش عارف لها طريق، والحكومة مش بتعمل لي حاجة، وجوزها ضيعنا أكتر، خلى كلام الناس سكاكين بتنهش في لحمنا أكتر وأكتر، أنا عايز بنتي، عايز سمر الله يبارك له يا بيه..
عقد ذراعيه واستند بهما أعلى مكتبه، قائلا بتساؤل: -
طب بس فهمني إيه اللي حصل وأنا هبذل كل اللي في جهدي وأساعدك إن شاء الله..

ملئ صدره المطبق على رئتي بقليل من الهواء ثم زفره بهدوء: -
أنا يابني عامل في مصنع، عايشين بستر ربنا، على أد حالنا وماشيين في الدنيا دي بستر وتساهيل ربنا، لا عمري ضايقت أو أذيت حد، المهم..

من حوالي سنة بنتي خلصت الثانوية العامة، ودخلت كلية الحقوق، كان نفسها تبقى محامية أد الدنيا، بعدها بشهرين إتقدم لها واحد محترم كده، الولد كان أخلاق وشفت فيه إنه زوج كويس لبنتي ده غير إنه يتيم مالوش لا أب ولا أم، ووافقت بعد ما وعدني ووعدها إنها تكمل دراستها، مر شهرين واتجوزوا جوازة على الأد بردو والبنت كانت فرحانة، شهر وبدأت المشاكل ما بينهم، وبقى كل يوم خناق معاها وضرب بسبب وبدون سبب، وأما جت اشتكت لي حاولت معاه كذا مرة وهو دماغه يابس، مكنش بيغلط نفسه أبدا، فضلنا شهر ورا شهر نسايس فيه ومرة تغضب عندي، لحد ما جت في مرة كلمني الفجر يقولي بنتك هربت وسابت البيت.

بدأت عبراته تغزو عينيه، وما هي إلا لحظات ثم انفجر باكيا، تابع بقهر: -
والله يابني بنتي ماتعملش كده، هي معندهاش مكان تروحه، حتى اسأل محمود لو مش مصدقني..
ربت محمود على كتفه بحزن شديد، ثم تابع بالنيابة عن والده الذي أجهش بالبكاء: -
يا بيه أنا اللي مربي (سمر )، دي زي أختي بالظبط..
حاول جاهدا أن يخفي ذلك العشق الذي يشع من عينيه ولكن كان جليا لكلا من أحمد وخالد..

الحتة كلها تشهد لها بالأخلاق والأدب، لا عمرنا شفنا عليها حاجة وحشة ولا طلعت منها العيبة، حتى بعد ما جوزها الندل ده بهدلها بردو كانت بتكتفي بإنها تشتكي لأبوها وبس، ضعيفة، مكسورة الجناح دايما، يمكن بتحاول تاخد حقها بس دايما كانت بتاخد على دماغها، سمر مهربتش يا سعادة البية، جوزها ده اللي عمل فيها حاجة، لا ومن بجاحته هو اللي عامل فيها محضر إنها هربت وعايز يطلبها في بيت الطاعة.

بعد أن انتهى محمود من دفاعه المستميت عن حبيبته والتي يبقى حبها سجين داخله، جلس على المقعد بضعف فانقلب الوضع فأصبح عبدالله هو من يهدئ من غضبه وحزنه..
مر الكثير من الوقت أثناءه قص فيها عبدالله ومحمود كل ما يخص سمر عن حياتها وزوجها وقصة إختفائها، ومدحها بكافة الوسائل..
نهض أحمد بهدوء وهو يقول: -.

بعد إذنك يا خالد بيه، بعد إذنك يا حاج اتفضل بره للصول فتحي وهو هياخد منك بياناتك وبيانات بنتك وجوزها، تحكي أي حاجة ممكن تخص القضية وتقدرتساعدنا بيها وإحنا هنشتغل على القضية دي من دلوقتي..
نهض عبدالله راكضا حيث يقف أحمد أمسك بكفيه ليقبله بشكر وإمتنان، سحب أحمد كفه سريعا وقبل رأس عبدالله وهو يقول: -
العفو يا والدي، ماتعملش كده، أنا مابعملش أكتر من واجبي..

رافق المجند الذي إستدعاه خالد منذ لحظات كلا من الحاج عبدالله ومحمود إلى الخارج حيث الصول فتحي، وقد إنهال على كليهما بالدعاء حتى إنقطع صوته عندما أغلق الباب خلفه..
تنهد خالد بتعب شديد وهو ينظر إلى أحمد بتساؤل: -
ها؟!
شرد أحمد للحظات وهو يقول: -
ها إيه؟!، أنا شايف إنها قضية عادية حتى الآن..
بدأ بجمع أشيائه من على المكتب وهو يأمر خالد: -
يالا عشان هتيجي معايا، نشوف جوز سمر ده، الإجابة عنده هو..

قفز خالد فرحا بعد تصريح أحمد الغير مباشر أنه سوف يتخذه كمساعد له، فأجابه: -
حالا وهتلاقيني ورا حضرتك..
غادرا الأثنين، استقلا سيارة أحمد بعد أن أخذ عنوان زوج سمر من التحقيق الرسمي من الصول فتحي..

رقدت الفتيات على الأرض تبكي وتأن بصمت خوفا من زيادة بطشه، فقد أبرحن ضربا من قبل مساعديه حتى تراخت قواهم تماما..
وقف أمام الباب، نظر إليهن نظرة تحمل الإنتصار بين طياتها قائلا بهدوء: -.

قلت لكم هتسمعوا الكلام هريحكم وأبسطكم على الآخر، هتتنمردوا دي جزاتكم، وعلى فكرة بقى، البنت اللي أنتوا مبهدلين الدنيا عشانها اللي إسمها (سمر) دي، أحب أقولكم إنها مبسوطة جدا ولا فاكراكم أصلا، وشوية وهتنزل تقولكم كده بنفسها..
أما بقى الكام يوم الدلع دول خلصوا خلاص، نيجي بقى للجد، هتبدأوا عيشة جديدة، نعيم وما بعده نعيم، وطبعا بإيديكم أنتوا اللي تخلوه نعيم أو جحيم..

بحث بعينيه عن ( كيم )، حين وجدها تقف خلفه على بعد بضع خطوات، أشار لها أن تأتي، وقفت بجانبه فوع يده على كتفيها وهو يقول: -
كيم هي اللي هتقولكم تعملوا إيه، هي بدأت بالفعل وإشتكت من عدم طاعتكم ليها، إنتوا لسه لحد دلوقتي محدش جرب غضبي ومانصحكوش توصلوني للمرحلة دي..
مال ناحية كيم وهو يحادثها بخفوت: -.

( عايزك تختار لي كام بنت كده بنظرتك اللي متخبيش دي عشان مزاد أخر الأسبوع، الزباين المرة دي تقال أوي ومش عايز أخسرهم، فاهمة؟! )..
أشارت له بعينيها أنها تريد محادثته بالخارج، فإنصاع لها، سار متبعا لها بعد أن رمق الفتيات بنظرة تحذيرية صارمة..

كيم: - ( جاك، أرجوك بلاش مزاد تاني، البنات اللي بيرجعوهم عشان ياخدوا بدالهم بيبقوا نفسيتهم متدمرة وأغلبهم إذا مكنش بيموت لوحده بينتحروا، وطبعا ده بيخلي عندي عجز في عدد البنات وبنضطر نخطف غيرهم، وإنت مش بتجيب غيرهم بسهولة، وبعدين من بعد ما (سو ) تعبت ومفيش حد يساعدني وأنا خلاص تعبت. )..
زفر بضيق، أخذ بضع لحظات وهو يفكر ثم أجابها: -.

( بصي موضوع إني أجيب غيرهم ده استني عليا شوية، في عين مركزة معانا أوي ومقدرش أجيب غيرهم دلوقتي، المهم إنتي بس خلي القدام يظبطوا الجداد شوية وشوفي حل عشان يفهموا بعض ده عشان اللغة وكده، وسيبي لي أنا حوار المزاد ده أتكلم فيه مع الباشا )..
أومأت له بطاعة ثم إنصرفت إلى غرفة الفتيات مرة أخرى.
أتى إليه أحد الحراس، همس له: -
(الباشا رايح لأوضة (سو) )..

أومأ له جاك ثم انصرف متجها إليه هو الأخر، إرتسمت على شفتيه إبتسامة ماكرة تشير لعدم توقف هذا العقل عن شروره..

ترقد بإعياء شديد على فراشها، كان يجلس أمامها ممسكا بوعاء مملوء بالحساء، يقرب الملعقة من شفتيها ويطلب منها برجاء:
( أرجوكي سو، كلي دي بس. ).

أشاحت بوجهها بعيدا وتزيح يده للخلف بإعتراض وإعياء: -
( لا مش قادرة. ).
وضع الوعاء جانبا على الطاولة جانبها، زفر بنفاذ صبر وهو يقول: -
( وبعدين معاكي بقى، إنتي هتفضلي تعباني كده، مش عايزة تخفي ولا إيه؟!، ماوحشتكيش؟! ).

تحاملت على نفسها بقدر كبير حتى تستطيع الإعتدال من رقدتها، ساعدها بقبضة على ذراعها خفيفة بيد، وبالأخرى أسندها خلف ظهرها، إقتربت منه فجأة ثم ارتمت في أحضانه وشرعت في بكاء حار.
إحتضنها بحنان بخلاف طبيعته القاسية، فبداخل كل قاس نقطة بيضاء يملؤها الحب والرحمة، فتلك فطرة بنوا آدم التي خلقوا عليها.
مسد على شعرها البني بهدوء وهو يهدئها، قالت بصعوبة من بين شهقاتها: -.

( إنت اللي عوضتني عن الضياع اللي كنت فيه بعد ما اتخطفت من أهلي وفقدت الأمل في العودة، والبهدلة اللي شوفتها هنا بسببك إنت بعدت عنها، وعيشت أحسن عيشة وبعدت عن الأرف اللي تحت ده كله. ).

إبتعد عنها بهدوء، مسح عبراتها بسبابتيه بحب بينما ينظر لتلك البنيتين اللتان أسرتا قلبه من أول لقاء، قال لها بهدوء: -.

( وإنتي كمان أدتيني كتير، الحب والإهتمام، عيشتيني الحياة اللي فقدتها بعد ما مراتي اتقتلت، حسستيني إني إنسان، قومي لي بقى بالسلامة وعايزك بقى في خدمة كده. ).
ساعدها بإراحة جسدها مجددا، سعلت بشدة وقبضت على معدتها بألم، تسائل بخوف: -
(إنتي كويسة؟، أنادي الدكتور؟! ).
أشارت بيدها بإعتراض، فتابع بهدوء: -.

( في بنت جديدة هنا اسمها سمر، تشبهك في كل حاجة، نفس كلامك، فيها ملامحك، ونفس شقاوتك كده وعنادك اللي اشتقت له. ).
ابتسمت بتعب، فبادلها الإبتسامة ثم تابع: -
( بس عايزك بقى تنقلي خبرتك كلها ليها عشان تساعد كيم في الشغل عشان إنتي مش هتنزلي الشغل تاني ولا هتشرفي عليه خالص، هتفضلي فوق في أوضتك سيدة القصر والمكان، )..

قاطعه عدة طرقات على الباب ثم دلف جاك إلى الداخل بعد أن وصلت إلى مسامعه تلك الكلمات فامتعض وجهه بشدة.
يحمل قلبه الكثير من المقت تجاه (سو )، لما تحتل من مكانة كبيرة في قلب والده، فهل سيزيد من الأمر سوءا بعدم توليها لأي مهمة مرة أخرى
قاطع شروده الغاضب والذي يكاد أن يشعل الغرفة بأكملها بنداء والده المتسائل عن مبتغاه.
أجابه بهدوء نجح في أداؤه: -.

( لا، ولا حاجة، أنا عرفت إنك هنا فكنت بس جاي أطمئن على (سو) أنا كمان. ).

ابتسم بهدوء، أمسك بكفها بحنان بالغ، قبله بهدوء، نظر لعينيها المرهقتين وهو يقول: -
( هتخف وهتبقى كويسة طول مانا معاها وجنبها ).

جز جاك على أسنانه حتى كاد أن يسمع لهم صريرا، قبض على كفيه حتى برزت عروقه، أبطن تلك العاصفة التي اجتاحته وبقوة، أكد على تمنيات والده: -
( أكيد هتقوم، أي خدمات يا باشا. ).
وكانت القشة التي قسمت ظهر جاك إشارة والده له بالرحيل دون أن يلتفت إليه، فبدى كمن ألقي عليه تعويذة أودت به إلى الهلاك..

غادر جاك وأغلق الباب، هرب الغضب من داخله حتى احتل جميع قسمات وجهه وعقله، ضيق عيناه السوداوتان بغضب جلي وهو يردد بداخله: -
( كفاية عليكي أوي كده يا (سو)، عيشتي معانا ما يكفيكي، )
أشار بعينيه لأحد الحراس المكلفين بحراسة غرفتها أن يتبعه، سار جاك بهيبته المعتادة ويتبعه الحارس فيبدوان كمن يسير بخطوات تحرق ماخلفها..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة