قصص و روايات - قصص بوليسية :

رواية العميلة دي للكاتبة إسراء أحمد الفصل السابع عشر

رواية العميلة دي للكاتبة إسراء أحمد الفصل السابع عشر

رواية العميلة دي للكاتبة إسراء أحمد الفصل السابع عشر

كعادته كل ليلة، عقب إنقضاء مدة عمله يقضي ما تبقى من يومه داخل إحدى المساجد القريبة من منزله حتى يغلبه الإرهاق فيهم راحلا، ليعاود بدء يوما أخر على شاكلة روتينه المعتاد.
أنهى ركعة أخيرة طلبا للعون من الله برد شقيقته سالمة.
تقبل الله يا أستاذ معتز.

فزع الأول بشدة لخلو المكان من حوله كما يظن، يجده يجلس متربعا خلفه بحلته الرسمية، وخلفهما على الباب يقف رجلان من ضخامتها تظن أنها يمنعان الهواء من العبور.
تسرب القلق إلى قلب معتز ممن يحيطون به، تتهد الأخر بهدوء قائلا: -
حضرتك مابلغتش عن إختفاء أختك مي خوفا من الفضيحة، بس مفكرتش إن صمتك ده ممكن يكون سبب أذيتها؟!، زي ما كان غضبك عليها بردو سبب ضياعها منك؟!.

مال بجسده محاولا تقبيل كفي أكمل برجاء وقد غلبه البكاء: -
أبوس إيدك يا بيه، إنت تعرف مكان مي أختي؟!، أرجوك انا ماليش غيرها، أرجوك رجعهالي وأنا مستحيل أزعلها تاني، أبوس إيدك يا باشا..
ربت أكمل بهدوء على كتفيه بينما يردف: -
صدقني إحنا بنحاول إنها ترجع بس كله بوقته..
مسح عبراته بعدما هدأ قليلا، ثم قال: -
يعني حضرتك عارفين مكانها ومش قادرين ترجعوها!

إحنا لو كنا حاولنا نرجعها كنا هنخسرها، لأن اللي خطفها لو حس بمراقبتنا ليه كان زمان أختك في عداد الموتى، صمتنا ده مش ضعف بس عشان منخسرش اختك ولا اللي معاها..
أحاب بفزع: -
اللي معاها؟!
اختك انخطفت يا أستاذ معتز ومن عصابة كبيرة، أنا مش بقولك كده عشان تتفزع بس حبيت أطمنك هي تحت عنينا، بس أرجوك الموضوع سري جدا وماينفعش حد يعرف بيه عشان سلامتها..

أومأ موافقا بحزن، شرع مرة أخرى بالبكاء فقد أثار بداخله القلق كثيرا، ابتعد عنه قليلا وشرع بالصلاة مرة أخرى.
تنهد أكمل بحزن على حال معتز ثم نهض، سار مبتعدا خارجا..

حل وثاقهن قبل يوم، وفي دخول مهيب كعادته دوما، صاحت بهم كيم لتوقظهم من غفلتهم القصيرة ليقفن في صفين.
اقترب ريتشارد من نور التي كانت تقف بأول الصف قبض على عنقها، ارتعدت وحاولت الهرب بعيدا فأحكم قبضته حول عنقها حتى شعرت بهرب أنفاسها.
لامس جهازا صغيرا كان يحمل مسبقا عنقها، ضغط على زر فأصدر الجهاز ومضة حمرا شعرت عقبها كأنها صعقت بتيار كهربائي فسقطت أرضا..

عاود الكرة مع جميع الفتيات وأصبح حالهن كحال نور..

يقدم إليهم الطعام كوليمة، فمن يراهن يعي جيدا بحسن ضيافتهن، على الرغم من تناقض أحوالهم، حيث يتم إعدادهم لملاقاة حتفهم بأبشع الصور..
تجلس ديالا بأحد الأركان تتابع ما يدور حولها بإهتمام شديد، لم تدرك سبب خلو قلبها من الخوف.
هل اعتادت على خوض الصعاب؟!
أم شعرت بصعوبة إنتصارها وسط كل تلك القوة..
أما على الجانب الأخر من الحجرة..

زحفت حتى رقدت بجانبها، وضعت رأسها على ساقيها الممتدتان أمامها، ما إن لامستها حتى أطلقت صرخة مدوية..
هبت هناء فزعة من صراخ شقيقتها، فقد إلتقتها هنا بتلك الغرفة الصغيرة منذ أن خطت قدمها هذا المكان، ولكن حالها ليس كما هو الحال..
تحسست هناء ساقي شقيقتها بخوف: -
سامية حبيبتي إنتي كويسة؟!
حركت رأسها يمينا ويسارا بضعف شديد مشيرة بإصبعها نحو ساقها اليمني.

أزاحت هناء رداء الأخرى لتسقط للخلف من هول ما رأت، وضعت كفها على شفتيها تمنعه من إطلاق صرخات أخرى مرعبة، فقد كشف رداء شقيقتها أثار حروق وجروح عميقة..
اقتربت منها مرة أخرى تمسح برفق على رأسها وعبراتها تغزو صفحة وجهها، ولم تدرك ما الذي يتوجب عليها فعله..
فأخذت تصيح بقوة طلبا للنجدة..

عودة للماضي
كانت تقف أعلى خشبة عرض كأنها دمية تعرض للبيع، تفترسها الأعين بقوة تكاد عظامها تنخر من خوفها، عقب ما رأت ذلك الأشقر يحادث أحدهم ويشير نحوها..
إقترب منها ريتشارد يجذبها من معصمها بقوة ويلقيها أمامه حتى لامست صفحة وجهها حذاءه..
سقطت عبراتها على قدمه، قبض علي ذراعها بلطف حتى استقامت أمامه فسار بها مبتعدا.

تسير بلا وجهة، وما أن كاد يعبر بسيارته الفارهة بوابات ذلك الملهى حتى أطلقت صرخات مدوية متألمة مما أجبره علي التوقف القصري..
أشار ل ريتشارد الذي يتبعهما بعينيه، ركض سريعا نحوه متسائلا فوجد جسدها يهتز بقوة ويسيل من جانب فمها سائلا أبيض اللون..
ضرب على رأسه بضجر، رفع كفه بإشارة للأخر أن ينتظره..
بعد عدة دقائق عاد يحمل جهازا صغيرا أبيض اللون، قربه من عنقها ثم ضغط عليه ضغطة خفيفة فإستكان جسدها بالحال..

نظر له ذلك الثري متعجبا، أردف ريتشارد بإبتسامة: -
( ده جهاز ليه شفرة مطبوعة على رقبتهم عشان مجرد ما يحاولوا يهربوا الشفرة دي تشل حركتهم ومايعرفوش يهربوا اللي كان مستر جاك قال لحضرتك عليه قبل كده )..
مد كفه بذلك الجهاز الصغير نحوه، قائلا: -
( هتخليه مع حضرتك عشان لو حاولت تهرب، دوس دوسة بسيطة على الجهاز هيوقف حركتها تماما ويعرفك مكانها ).

تبسم بخبث ينظر لذلك الجهاز الصغير، رفع زجاج نافذته ورحل سريعا حتى صدح صوت إحتكاك إطارات السيارة وعلا معها عاصفة ترابية شديدة..
بعد يوميان تعرضت فيهم لأقصى أنواع العنف الجسدي عادت حيث كانت وسط تلك الفتيات وكل منهم تداوي جراحها مما تعرضت له خلال يومين فقط.

عودة للحاضر
فتح الباب على مصرعيه من قبل ( كيم و سمر ) عقب سماع صرخات هناء، اقتربا من سامية بينما كانت ديالا تجاورها محاولة إنقاذها، رأتها سمر فاشتعلت غيظا عندما تذكرت موقف جاك معها وتقربه الغير مبرر منها حيث كانت سمر تسعى لكسب قلب جاك، ركلتها بقوة بكتفها مما جعل ديالا ترتطم أرضا بقوة..
في تلك الأثناء أشارت كيم للحارس أن يحمل سامية
مبتعدا والأخر يفصل بينها وبين هناء..

لمعت عيناها بغضب موجه نحو سمر، نهضت تقبض على كتفها الذي تساقطت منه الدماء من حدة نعل حذاء الأخرى..
فاجئتها بصفعة مدوية مما جعلها تبتعد خطوات للوراء، اقتربت منها محذرة: -
ماتشوفيش نفسك عليا، عشان أنا ممكن أخليكي عبرة لكل الموجودين..
إضربيها، وريني هتخليها عبرة إزاي؟!
كانت تلك كلمات الذئب جاك المتابع لهم مستندا على حافة الباب يعقد ذراعيه أمام صدره..

رأى التحدي ينير عتمة عينيها فإقتربت مرة أخرى من سمر تصيبها بوابل من الصفعات، جذبتها من خصلاتها وتحاصرها بركلاتها وصفعاتها.
لم يتحرك إنشا واحدا بل ظل يتابعها بإستمتاع حتى خارت قوى سمر وارتمت أرضا.
وقفت ديالا تلهث بقوة، سار بضع خطوات حتى أصبح يقابلها تماما، وضع كفه على مؤخرة رأسها جاذبا إياها، فكان وجهها يقابل منكبيه.
همس بجانب أذنها: -
قولتي لي إسمك إيه؟!.

لم تضع هذا السؤال في الحسبان، فتركت نفسها على سجيتها مجيبة: -
ريم، إسمي ريم
أحب أقولك إنك عجبتيني أوي يا ريم، بس إنتي غلطتي غلطة صغيرة، إنتي خالفتي القواعد..
تركها بهدوء ثم دار عليها الكأس وأصبحت تتجرع ما أسقته ل سمر منذ قليل، ولكن تلك المرة كانت من قبل جاك..
حل حزامه من حول خصره ثم أبرحها ضربا، بعد عدة دقائق ألقاه بعيدا، عاود الكرة فأصبح يكيل لها الصفعات والركلات ردا على ما قامت به منذ قليل.

بعد مرور عدة دقائق من الضرب المبرح، قبض على خصلاتها يسحبها بينما كانت منهكة القوى ولم تقاومه..
ألقى بها بزنزانة ثم أحكم إغلاقها: -
يومين هنا بدون أكل لحد ما تتعلمي الأدب.

مرت سبعة أيام بتباطؤ شديد على تلك الفتيات، كما مر بجهد وحنق على سمر التي تعمل جاهدة على تحويل حياة الفتيات إلى أخرى مليئة بالأعمال الدنيئة التى تزهق أرواحهن وبرائتهن، كما كانت توجه نظرات الإنتصار الدائمة نحو ديالا وتلك التي تقابلها بالتجاهل..

كان (جاك ) يتابعهن عبر شاشته المتصلة بأحد العدسات المعلقة عاليا على جدران غرفتهن، لا تكاد (ديالاأو ريم كما أخبرته مسبقا ) تغيب برهة من تفكيره، فقد رأى فيها تلك الهرة المتمردة التي كانت تعترض على كلما يملى عليها من سمر، فكانت ترهق سمر بالإعتراض الدائم والثورة ضدها، الأمر الذي ما كان ينتهي بعقاب (ديالا ) بالعنف على يد ( جاك ) إما عن طريق سجنها بمفرها أو منعها من الطعام أو الشراب ليوم أو ربما أكثر، وأخيرا وليس أخرا الضرب المبرح، مما كان يقذف الرعب في قلب الأخريات فيرتعدن من التفكير في تقليدها..

استحوذت بشدة على عقله، لم يستطع تفسير السبب وراء توقف ذاكرته عند لمعة عينيها الواسعتين، والتي كلما زاد من بطشه أكثر لمعت بغضب أكثر..
شعر بتدخل قلبه في تفكيره المستمر فهم فزعا عن مقعده، اقترب من خزانته فتحها، ثم التقط صورة قديمة مطوية، لمعت عينيه بحزن فور رؤية حبيبته التي فقدها في أحد الأيام..

لكن سرعان ما لاح وجه ديالا أمامه تعلو صورة حبيبته، طوى الصورة مجددا ثم ألقي بها داخل الخزانة كرة اخرى بفزع، ارتدى معطفه وخرج مغادرا المبنى كاملا..

اليوم الأول لدخولهم تلك الصالة المهيبة، إضاءات صارخة، موسيقى صاخبة، فتيات يلهين ويتراقصن على أنغام الموسيقى الصاخبة أمام أعين الرجال بشكل تقشعر له الأبدان، وعلى الجانب الأخر يقفن بضع فتيات كأنهن طابور عرض في إحدى سوق الرقيق، تكسو وجهوههن ملامح الحزن والضياع، يشوبه عبراتهم البريئة التي تكاد أن تنتهك.

ضربات قلوبهن تكاد تحدث شقا في صدورهن من الخوف من هول ما رأت أعينهن، تحركت الفتيات الأخريات من طابور العرض ليدفعهن ( خوسيه ) ليتبادلن الأدوار،
يتحسسن بأيديهن على جسدهن في محاولة فاشلة لإخفاء ما تظهرتلك القماشات القليلة المسماه بالفساتين، فهي لا تخفي شيئا مذكورا.

ثابتة بهيبتها كجبل لا تعصف به الريح، مصوبة نظراتها بتحد إلى ذاك الواقف على الجانب الأخر يبادلها النظرات، لا تلوح في عينيها شيئا من الضعف والحزن أو الخوف.
لا يعرف ما الذي يجول بخاطره، يتمنى في نفسه ألا يختارها أحد من هؤلاء الأغنياء الذين يتاجرون بالفتيات من أجل متعتهم ورغباتهم مقابل بضعة نقود وكأنهم يبتاعون الطعام.

لا يعلم لما يشعر وكأن الدنيا تعتصر قلبه اعتصارا، لم يعرف الشعور لقلبه طريقا، فهو ميت القلب منذ أن فارقته صغيرته وحبيبته (صوفيا )، حاول كثيرا نفض هذا الشعور وتوجه ناحية (سمر) بجانب الفتيات.
شايف إنك المرة دي الشغل فلت منك، البنات مفيش واحدة فيهم عارفة تلفت إنتباه زبون واحد؟!
مطت شفتيها بضيق، جلست على المقعد بجانبها وهي تشعل إحدى لفافات التبغ خاصتها، قالت بحنق: -.

كلهم بنات صغيرين، مش عارفين لسه أصول الشغل، وبعدين أنت مديني أسبوع بس أجهزههم وجاي بتشتكي دلوقتي.
نفثت الدخان بوجهه ثم أشاحت بوجهها بعيدا وهي تلعن حياتها التي جمعتها بهذا المريض.
هم أن يعنفها ولكن أستوقفه ذاك الذي صعد بجانب الفتيات وتوقف أمام ديالا، كان يخترقها بنظراته البذيئة، ومن ثم تجرأ على لمسها.
لا يعرف كيف؟ ولم؟ ولكنه وجد ينساق إليها ممسكا بذراعها بقسوة ثم انتشلها من بينهم وهو يردف له: -.

(أنا أسف يا باشا بس البضاعة دي مش للبيع. )
ظل قابضا على ذراعها بقسوة، أجادت دور الضعيفة الخائفة هذه المرة، فقد شعرت بنجاح خطتها، دلف إلى غرفته وألقاها بقوة فاصطدمت أرضا.
نظرت له بضعف والدموع تتلألأ بعينيها، فصاح بها: -
إنتي لسه عقابك معايا بعدين، وأنا اللي هعرف أمشيكي كويس..
وقفت بوهن مستنده على فراشه، أعقبت بصوت يغلب عليه الوهن والبكاء: -.

هو أنا عملت إيه؟!، أنا كنت بعمل كل اللي قالت عليه مس سمر بالحرف.
دفع الباب مغلقا إياه مرة أخرى بغضب، قبض على خصلات شعرها، اقترب منها، فوجد نفسه يغرق بعينيها البنيتين، هربت الكلمات من عقله، كانت تحمل بعينيها الكثير، لم يستطع المقاومة عقب هروب الكلمات من حلقه.
مدت له سمر القشة التي أنقذته من دوامات الغرق بها بعدة نقرات على الباب واندفعت داخل حجرته قائلة بحرج: -.

الزباين عايزين حضرتك عشان يتمموا مع حضرتك صفقة البنات.
لم يلتفت إليها بل ظل ممسك بخصلات ديالا، فأجابها بغضب جم: -
أنا جاي، اطلعي برة.
هربت مسرعة خوفا من بطشه، فهي قد عانت سابقا من غضبه المفرط خالي الآسباب، أسرعت نحو مقر عملها وهي تدعو من قلبها ل (ريم ) فريسة الذئب بحجرته.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة