قصص و روايات - قصص بوليسية :

رواية العميلة دي للكاتبة إسراء أحمد الفصل الرابع عشر

رواية العميلة دي للكاتبة إسراء أحمد الفصل الرابع عشر

رواية العميلة دي للكاتبة إسراء أحمد الفصل الرابع عشر

بعد مرور شهرين
ترقد مقيدة الأيدي خلف ظهرها وأيضا الساقين، مكممة الفاه، وضعت غمامة تخفي الضوء عن عينيها..
تشعر بجسد يرقد فوقها و يستند عليها بثقل كبير..
حاولت التركيز وبقوة من الحديث الجاري بين رجلين تسمع صوتيهما بوضوح..
( دي أخر شحنة وصلت، بس البنت اللي لابسة أسود غريب إنها من مصر)..
تساءل الشخص الأخر: -
ليه؟!، إيه اللي مخليك تقول كده؟! ..
يعني، تلاحظ ملامحها لا تدل إن ليها أصول عربية. ..

أجابه بلهجة ساخرة: -
ده على أساس إنك روحت كل الدول العربية عشان تعرف الفرق في الملامح؟! ..
لا، بس دي يمكن الشحنة العشرين من دولة عربية، أكيد تحسهم متشابهين إلى حد ما، لكن دي أنا مش عارف حاسسها غريبة وبس ..
كانت منصتة لحديثهم بإهتمام شديد، تجاهد النوم بقوة، حيث إن رحلة إختطافها هي والفتيات الآخريات إستغرقت خمسة أيام، يحمل جسدها ما بين قطار، سيارة، سفن..

خمسة أيام لم يذق جفنها النوم ( وذلك بفضل بعض الحبوب المنشطة المصنعة خصيصا لها ) محاولة الإنتباه لكل صوت، حركة، حتى إنها كانت تستمع إلى شهيق وزفير من حولها.

يخترق أذنها صوت إرتطام الأمواج ببعضها البعض، طيور النورس محلقة في الأجواء، موسيقى آلة الجيتار وغناء تطرب له الأذان، أجراس الكنائس تصدح عاليا، شعرت بتحرك السيارة على منحدر قوي وصوت إرتطام بابا حديدا ضخم وبقوة بعد ثوان قليلة، يبدو أنه صوت إرتطام الباب الحديدي بجدار، أيقنت أنها بمحطتها الأخيرة قبل بلوغ هدفها حتى تقتحم عرين الأسد.

أقسمت أنها لن تبرح هذا المكان حتى تقضي على كل قدم شر به حتى وإن أزهقت روحها..
توقفت السيارة، سريعا ضمت ساقيها إلى معدتها ممررة جسدها بين ذراعيها المكبلتين، جلبت كيسا صغيرا مخبأ في حذائها به بعض العقاقير وتناولت أحدها وأعادته سريعا، تنبأت بما سيحدث كما في المرات الأربع السابقة، من يدس بجسدها حقنة مخدرة تجبرها رغما عنها بالنوم، بنفس الحركة أعادت ذراعيها خلفها كوضعها السابق..

أخذت شهيقا قويا ثم زفرته بهدوء حتى تجعل أنفاسها تنتظم حتى لا يشك أحدا بأمرها ويكتشف بأنها مستيقظة بعدما سمعت صوت أقدام تقترب من الباب الخلفي للسيارة حيث ترقد هي والآخرين من حولها..
فتح الباب الخلفي للسيارة، ظنت أنه سيتسرب ضوء النهار، وفق حساباتها أن الوقت الآن منتصف الظهيرة ولكن شعرت ببرودة تسري بجسدها وعتمة تغلق عينيها قسرا..

شعرت بأيد تلامسها وتحملها عاليا على كتفه فأصبحت رأسها تتدلى خلف ظهره، استشعرت حجم هذا الضخم الذي يحملها وكأنها بوزن الريشة مقارنة به..
بعد مرور دقيقة وأحد عشر ثانية كما قامت بحساب الوقت حتى عبروا ذلك السرداب كما استنتجت بعدما شعرت بإنخفاض بدرجة حرارته، أصوات قطرات ماء ترتطم ببركة صغيرة من تلك القطرات المتجمعة ويصدح صدى صوتها عاليا مما يعني بأنهم يسيروا داخل فوهة..

وأخيرا أصوات أقدامهم التي تضرب الأرض ويسمع لها صدى تارة وتارة لا تصدر إلا صوتا هينا وجسد حاملها الذي يعلو ويهبط مما أخبرها حدثها أيضا بأنهم يخطوا فوق طريق غير ممهد، أرضا طينية لا يسمع لها أصوات أقدام..
تحفظ كل تفصيلة صغيرة داخل عقلها كعقل الحاسوب فقد تحتاجها فيما بعد..

انحنى ذلك الشخص إنحناءة طفيفة، صوت فتح باب وما هي إلا ثوان معدودة وهوت عنه وارتطمت بقوة أرضا، نجحت بكتم تتأوتها حتى لا ينكشف أمرها..
هدوء شديد عقب إنتهاء هؤلاء الأشخاص من جلب جميع الفتيات داخل الغرفة..
( أي أوامر تاني يا باشا ).
أشار له بالإنصراف، سمعت صوت إغلاق الباب من خلفه..
عقب تلك الجملة علمت بأن هناك من يراقبهم، وبالفعل ما هي إلا لحظات وشعرت بتحركه تجاههم..

رائحة ملمع الأحذية تخترق أنفها وبشدة مما يعني أنه يقف أمامها مباشرة، حيث أن رأسها تستند أرضا..
ضرب الهواء صفحة وجهها والمنبعث من تحرك ساقه من فوقها ليتفحص الآخريات..
كانت تردد داخلها كلمة واحدة أنا نائمة، حتى توحي لعقلها بالنوم ليحكم إغلاق جفنيها وينظم تنفسها..
ثوان معدودة وشعرت به مرة أخرى ولكن هذه المرة استنشقت رائحة عطره النفاذ إثر إتكائه على الأرض بجانبها.

لامست يده تلك الغمامة على عينيها وتسرب القليل من الضوء إليها، بحركة لا إرادبة تحرك جفنها حركة لا تذكر لإقتحام الضوء ظلمتها..
دول من مصر بردو؟!

تسائلت سمر بهدوء وهي تجلس على أحد المقاعد، ترتدي فستانا من اللون الازرق لا يكاد يخفي إلا القليل من ساقيها، تترك شعرها منسدلا على ظهرها من يقترب منها، تضع الكثير من مساحيق التجميل، تنفث دخان لفافة التبغ خاصتها، فقد تحولت تلك الهرة الناعمة لنمرة ذات أصابع حادة تنهش جسد من يقترب منها.
لم يعرف الفشل ل جاك طريقا، أمرها أن تقتلع قلبها من بين ضلوعها حتى تشق جدران عالمهما، وها هي تطيعه بأفعالها وهيئتها.
آه.

أجابها بإختصار بينما يدقق بملامحها بقوة مما أثار القلق داخل ديالا التي ترقد في سكون تام..
اقتربت سمر بعدما لاحظت تعلق عيناي جاك بها، فقالت بنبرة ساخرة: -
إيه عجبتك؟!
مرر أصابعه على وجنتها القمحية، أجابها بهدوء: -
إنتي عارفة أنا مابيعجبنيش حد من البضاعة، أنا بعاين بس..

قطع حديثه بصفعة قوية على وجه ديالا فانتفضت فزعا، حاولت مرارا الإعتدال من رقدتها ولكن باءت محاولاتها بالفشل، اصطنعت الخوف والبكاء بينما تردد: -
اا، أنا فيين؟!، إنتواا مين؟!
قبض على خصلاتها وبقوة اقترب من أذنها ليهمس بها ولكن
ابتعد عنها وتركها بقوة فارتطمت رأسها أرضا فزادت في البكاء المصطنع
ابتعد بخطوات سريعة ويصيح: -
( ريتشااااااارد )..

انتفضت سمر عن مقعدها بتعجب شديد، لم تستطع أن تفسر سبب غضبه المفاجئ، فلم يتمكن أحد من معرفة ما يدور بخلده مطلقا، فأصبحت تدور بعينيها بين جاك وبين تلك الراقدة أرضا..
عدة طرقات تبعها دخول الأخير الحجرة على عجالة، ففزع هو الآخر من حدة صوت جاك، تسائل بتعجب: -
تحت أمرك يافندم، حصل حاجة؟!
أجابه بهدوء مناقض لحالته منذ بضع دقائق، أشار بإصبعه نحو فتاة ترقد خلف ديالا، يكسو اللون الأزرق وجهها وشفتاها: -.

في بنت هنا بتتخنق، شكل الرجالة اللي مشغلينهم معانا أدوها جرعة مخدر زيادة وبتتخنق..
هرول ريتشارد نحوها، وضع إصبعيه على عنقها حتى يستشعر نبضها فوجده ضعيفا جدا مما يؤكد شكوك جاك.
تتابع الموقف بهدوء خلف عينيها المغلقتين بإحتراف، بينما الأخرى جلست مرة أخرى ريثما هدأ من غضبه..
التقط هاتفه من أعلى مكتبه ليهاتف أحدهم، وضع الهاتف على أذنه ليستمع إلى رنين الإتصال، بينما قال: -.

أظن ده ميعاد دوا الباشا، روحي عشان تديهوله، واستعدي عشان البار هيفتح بعد ساعتين....
قطع حديثه بشروعه بالتحدث عبر الهاتف، أما سمر فقد انصاعت له ورحلت بهدوء بعدما ألقت نظرات الريبة عليهما..

يجلس أمامه بهدوء بعد أن وضع أكواب الشاي الساخن، ينظر إليه بتساؤل، ينتظر كلمات تهدئ من روع قلبه المتهالك من الخوف والقلق على صغيرته..
أما خالد فلم يكن أفضل حالا، فقد إعتراه الضيق مما عرف وما يحاول أن يبلغ صديقه المقرب من بلوغه لطريق مغلق بشأن مبتغاه..
كان يفرك كفيه ببعضهما بقوة وتوتر مما جعلهم أكثر حرارة، توتره بعث رسائل ل بدر بما يود إخباره به..
أخفض عيناه بحزن للأسفل وردد بهدوء: -.

مالقتهاش بردو يا خالد؟
زفر الآخر بضيق، هز رأسه يمينا ويسارا معلنا خيبة أمل أخرى لكلاهما..
وضع كفه على ساق بدر لبعث أمل جديد لصديقه وشقيق زوجته بإبتسامة مصطنعة: -
ماتقلقش يا بدر، أنا صعدت الموضوع لقيادات كبيرة وصدقني هم مش ساكتين..
فزع بدر ونظر له بقلق: -
هو الموضوع خطير اوي كده؟!، هو إحنا ممكن مانلاقيهاش؟!، ممكن يكون حصل لها حاجة؟!.
علم أنه فشل بطمأنته وما زاد الأمر إلا سوءا، فزفر بضيق ثم تابع: -.

إهدى بس يا بدر، هنلاقيها هي وأختها..
امتعض وجه بدر بقوة بينما يضرب بكفيه على ساقه بغضب ويردد: -
خلاص كده!، إنتوا إتأكدتوا إن خلاص ( سامية ) أخت هناء مختفية هي كمان؟!
التقط خالد كوب الماء من أمامه ليبلل شفتاه حتى تلفظ الكلمات، ارتشف القليل ثم قال: -
هو الموضوع مبقاش بس على هناء وسامية، حوالي خمس بنات مختفيين وكلهم في محيط منطقتنا..

لمعت عيناه فجأة ببريق أمل بعد أن استغرق بعض الوقت في التفكير، صاح فجأة: -
هو، أكيد مفيش غيره، مسعود..
أجابه بتساؤل: -
قصدك الراجل اللي بيجيب لهم شغل؟!.
نهض وجال في الحجرة، وضع إبهامه أسفل ذقنه يتمعن في التفكير وهو يردد: -
مفيش غيره مشغل أغلب بنات البلد، ده غير إني مشوفتش سامية من ساعة ما اشتغلت، ولا شوفت البت مجيدة اللي كانت بتشتغل عندنا من بعد ما أصرت تنزل مصر..

جمع خالد متعلقاته الشخصية من أعلى الطاولة، أردف بهدوء: -
أنا هروح أخد الأذن بالتحري عن الموضوع ده، وأنت تجهز عشان هنسافر الليلة..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة