قصص و روايات - قصص بوليسية :

رواية العميلة دي للكاتبة إسراء أحمد الفصل الثالث

رواية العميلة دي للكاتبة إسراء أحمد الفصل الثالث

رواية العميلة دي للكاتبة إسراء أحمد الفصل الثالث

تمر حياتنا بهدوء، ونكاد نشعر أن الملل تسرب إلى نفوسنا من روتينها الممل..
ولكن..
ماذا يحدث إذا انقلب فجأة كياننا رأسا على عقب، تقع على رؤوسنا المصائب من حيث لا ندري، تعبث بنا الحياة كتلك العرائس التي تحرك بالحبال على مسرح كبير ( الدنيا )..
حينها نتمني لو يعود بنا الزمن للملل الذي طالما هربنا منه..

هذا ما تشعر به سمر، تلك الفتاة ذات التسعة عشر ربيعا، كافة أحلامها أن تنهي دراستها الجامعية وتقابل من يمتلك قلبها..
( سمر طالبة بكلية الحقوق، تبلغ من العمر تسعة عشر عاما، ذات ملامح مصرية أصيلة، من أسرة متوسطة الحال تمتاز بين أصدقائها وجيرانها بأخلاقها الحسنة ومعاملتها الطيبة لكل من حولها )..
هذه الشابة الجميلة بفطرتها تنتظر أن يمتطي فارسها حصانه الأبيض ليأخذها من سجن والدها إلي حياة الحرية..

فكان الاب دائم الخوف على ابنته، ليس لديها إخوة، لا يسمح لها بالخروج إلا للدراسة أ لا أصدقاء، بمفردها في عالمها الخاص..
إلى أن جاء من أخرجها من هذا العالم بأكمله..
ترقد على الارض مكبلة اليدين والساقين مغمضة العينين،
تبكي وتنعي نفسها على ما وصل إليه حالها، تحاول أن تستعيد ما حدث معها..
ولكن
قطع شرودها عندما سمعت صوت خطوات أقدام تقترب منها..

بدأت ضربات قلبها تزيد وكأن قلبها يريد الخروج من صدرها هربا، تلاحقت أنفاسها خوفا، تبكي وتأن بصمت، شعرت بأنفاس تقترب منها..
وإذا بجسد يلقى بجانبها بعنف شديد مما تسبب بأنينها المرتفع ومن إصطدم بها..
صرختا كلا منهما بخفوت بتآوه: آآآآه..
لم يعلما لم شعرت كلا منهما بطمأنينة حينما ارتطما ببعضهما، فقد توقعت ( سمر ) أن من إصطدمت بها فتاة، وتتحدث العربية مثلها من تأوتها.

مالت بأذنها ناحية ( نور ) الملقاة معها أرضا وقالت بهمس: انتي، يااااا
تراقص قلب نور فرحا، بالرغم ما تمر به من مصائب تكاد تودي بها للهلاك، الا أنها فرحت عندما فهمت احدا..
أجابتها باندفاع: انتي مصرية؟!، زيي!
وما أن سمعها ( جاك) حتى إقترب منهما بغضب وخاصة سمر، ثم أمسكها من ذراعيها بقوة وأجبرها على النهوض.

بدأ يتفحصها من أعلى رأسها الى أخمص قدمها بجرأة كبيرة، وما أن شعرت بيديه على خصلات شعرها الناعمة ليزيحها عن وجهها حتى انتفض جسدها وارتعش بشدة، نفضت يديه عن وجهها بقوة مما جعله يبتسم في سخرية ثم قال: -
( خوسيه، مش معقولة؟!، ما مصر فيها حاجات حلوة أهي )..

إقترب منه خوسيه بثقة وقد لاح على وجهه ملامح الإنتصار، ثم إقترب منها محاولا إزاحة كنزتها عن كتفها وسط إعتراضتها المكتومة بقوة، ولكن قبضته المحكمة على ذراعيها كقبضة من حديد..
خوسيه: - (تحب تشوف بنفسك؟! )..
أجابه برفض قاطع وهو يعيد كنزتها الى وضعها مرة أخرى: ( لالالالا، مش عايز. وبعدين ده مش ذوقي، بس انا متاكد انها هتعجب الباشا أوووي ).
ثم نظر إليها وعلت وجهه إبتسامة يكسوها المكر: -.

( الباشا محتاج التغيير، وده وقته ).

في إحدى القرى الفقيرة الصغيرة، حيث الهدوء والحياة التي تتسم بالبساطة الشديدة، وفي أحد المنازل الصغيرة البسيطة..
خارج المنزل..

يجلس رجلا يبلغ الخمسين من عمره يتكئ على أريكة خشبية، يرتدي جلبابا قديما
متسخا، بالرغم من تلك الهيئة الفقيرة إلا إنه يجلس في كبرياء وشموخ..
سعل بقوة من تناوله لبعض المواد المخدرة، أتاه شابا عشرينيا مهندم الثياب، يبدو عليه الإرهاق ومشقة الحياة، جلس بجانبه وهو يقول: -
السلام عليكم، ازيك يا عم رضا؟.

إمتعض وجهه بضيق والتقط كوب الشاي الساخن بجانبه، ارتشف القليل منه بصوت مرتفع ثم أعاده لمكانه مرة أخرى مجيبا: -
أهلا يا بدر، ازيك وازي أبوك؟!
أصابه القلق والتوتر من رد العم رضا ولكنه حاول الحفاظ على ربطة جأشه، أخذ نفسا عميقا وزفره بهدوء وهو يقول: -
أنا جيت لحضرتك عشان أسمع رأيك في اللي طلبته منك؟!

ومن خلف الباب تقف ( هناء ) ابنة رضا تستمع إلى حديثهم بهدوء، يتراقص قلبها فرحا بمجرد سماع صوت من قضت معه زهرة طفولتها وبداية ريعان شبابها، جل ما تحلم به اليوم الذي سيجمعهما عش زوجية واحد، وها هو اليوم المنتظر عندما تقدم بدر لخطبتها وبداية تحقيق أحلامها..
اعتدل رضا في جلسته وأخفض جلبابه وتحدث بلهجة حادة: -
شوف بقى يا بدر يا ابني، هو لما هناء تتجوزك أنا هكسب ايه؟.
نظر له بتعجب شديد واستفهام مجيبا: -.

يعني ايه هتكسب ايه يا عم رضا؟!، بنتك هتتجوز ابن اخوك، حاجة بيتمناها كل أب لبنته!
ضحك ساخرا ومتهكما، تقف هناء خائفة من فهمها لمقصد والدها..
رضا: بص يا بدر أنت شايف الحال، وهناء وأخواتها أنا استنيت عودها يشد عشان أبعتها مصر تشتغل وتجيب لي فلوس، أما تتجوزوا أنا هكسب ايه؟!، مش هستفاد غير إن القرشين اللي هتجيبهم لي أنت هتمنعهم عني، إلا بقى لو أنت هتديني شهرية بعد جوازكم، فهمت ولا أقول كمان؟!

نهض فزعا عن مقعده، هدر بغضب: -
لولا أنك عمي أنا كان ليا تصرف معاك تاني؟!، أنت مستحيل تكون أب، وهناء مش هتشتغل في بيوت، وجوازنا هيتم
قاطعه رضا ببرود شديد: - أما أبوك يديني ورثي أبقى أديك بنتي، غير كده ملكش حاجة عندي..
أجابه بحدة شديدة وقد اجتمع من حوله بعض المارة: -
أنت ملكش ورث عندنا، حقك وأخدته وصرفته على الهباب اللي بتطفحه دي مش مشكلتنا.

قاطعه رضا مرة أخرى ولكن بصفعة قوية قد هدرت رجولته وكرامته ودعستها أرضا، ثم صاح به معنفا: -
أخر مرة أشوف وشك هنا يا ابن اخوي، كلامي مش معاك، كلامي مع اللي معرفش يربيك، غور من وشي، غووور..

نظر له شزرا وهنا يجب أن يتوقف الشجار لحفظ ما تبقى من كرامة العائلة، أولاه ظهره وهم راحلا ولكنه استوقفته عبرات هناء المطلة من خلف الباب، أرسل لها ابتسامه ناعمة تبعث الطمأنينة بقلبها، وتخبرها بأنه لم ولن يتركها أبدا..
يالا انتوا واقفين كده هو مولد؟!
صرخ رضا بتجمع البعض من حوله، فأنفضوا سريعا.
أخرج هاتفا صغيرا قديم الطراز من جيبه، أجرى إ تصالا، حين أتاه الرد صاح بغضب: -.

ايه يا عم مسعود؟!، أنت بقيت تتأخر عليا كده ليه؟!، ، البت جاهزة المهم أنت تجهز باللي اتفقنا عليه، ، ، يومين بالكتير أكتر من كده انا هشوف حد غيرك..
اتكأ مرة أخرى وتابع ما كان يفعل سابقا..

في صباح يوم جديد، لم تشرق الشمس بعد، يرقد على فراشه في ثبات عميق بجسد متعب مرهق ولا يشعر بأي شئ من حوله ولا حتى اقترابها منه..
اقتربت من اذنه هامسة: ( ماكس، مااااااكس، إصحى )..
نفض بيده نحوها ثم صاح ماكس بنعاس: (اممممم، بس بقى عايز انام. ).
هزت جسده عدة مرات عله يفيق ولكن لا فائدة..
نظرت له بمكر بينما تومئ برأسها بضيق، صاحت بصوت مرتفع بجانب اذنيه: ( مااااااااااااكس )..

إنتفض بشدة من فراشه فارتطم راأسه بالفراش أعلاه..
صاح متألما: ( ااااااااااه )..
أمسك راسه بألم، محاولا النظر إلي من قام بهذه الفعلة بتوعد، وجدها تنظر اليه بضيق عاقدة ذراعيها، نهض بسرعة ويترنح، أدى التحية العسكرية..
ماكس: ( تمام يافندم )..
ديالا بإنفعال: -
( في ظابط في وضعك يبقى نومه تقيل كده؟!، ده إنت لو عدوك هجم عليك هيقتلك ولا هتحس بيه )..
ماكس بجدية: ( أنا أسف يا فندم )..

ديالا بضيق متعجبة: ( أسف؟! من الواضح إن إنت بقالك كتير بعيد عن التدريبات، عامة أنا هتصرف، فين المجند اللي قولتلك يبقى صاحي قبل زمايله بساعتين؟! )..
ماكس بتعجب ويبحث بنظره عن أي شئ يدله علي الوقت متمتما: ( ليه هي الساعة كام؟!)..
إستمر بالبحث حتى أوقفته نظراتها الحادة الغاضبة، توقف ولا يدري ماذا يفعل حتى لا يثير غضبها أكثر..
ديالا بغضب: ( قدامك خمس دقايق وتكونوا عندي في الساحة الخارجية ).

سارت بضع خطوات مبتعدة حتى أوقفها سؤاله المتعجب: ( الساحة الخارجية؟!، في الوقت ده والجو ده؟! ).
استدارت إليه وعادت مرة أخرى، تشنجت عضلاته من القلق، شدد من وقفته وإستقامته..
ديالا: -(في اعتراض؟! ).
ماكس بإندفاع: ( أبدا، أبدا، ).
تطلعت إليه لبضعة ثوان ومازال بنفس هيئته، تركته مغادرة حيث الساحة الخارجية، تنفس الصعداء فور مغادرتها..

أسرع من خطواته للإستعداد وهم يهمهم: ( إنتي بقيتي صعبة أوي ( دي )، مبقاش في حد قادر عليكي)..

ظلت تسير في الساحة الخارجية ذهابا وايابا، لا تعبأ ببرودة الطقس، ولا بالرياح الشديدة..
تركت نسمات الهواء الباردة تداعب صفحة وجهها، نظرت إلى السماء بشرود..
( ظلت تركض وتركض بأنفاس لاهثة، ضربات قلب متزايدة، ترفض ساقيها أن تحملها من شدة خوفها..
ركضت حتى وصلت إلى حديقة منزله، إطمئن قلبها لرؤيته يعتلي درجاته إستعدادا للذهاب..
فصاحت بخوف: استني..

التفت سريعا عقب سماع صوتها والذي يبدو عليه الخوف الشديد كمن حلت به كارثة، وما أن وقع نظره عليها فزع وألقى بدراجته بعيدا، ثم ركض إليها بفزع..
مالك فيكي ايه؟!
أجابته بخوف وبصوت متقطع: ناس، ناااس كتير، ودم، وماما
وما ان نطقت بكلمة ( ماما ) حتى تذكرت ما حدث وشرعت بالبكاء بشدة..
قام باحتضانها وربت على ظهرها بهدوء محاولا ان يهدئ من روعها..

وما هي الا لحظات واخرجها من بين احضانه وامسك بكتفيها وقال بحنان وحب ظاهرين:
، واحدة واحدة كده وإحكي لي اللي حصل..
حاولت أن توقف سيول عبراتها وشهقاتها بصعوبة، تحدثت بنبرة حزينة منكسرة..
مامااا..
ولكن توقفت كلماتها عندما انتشلها أحدهم من بين يديه وهي تصيح بإسمه أيقن انه لم يكن محض كابوس، حاول منعهم ولكن كيف تضاهي قوته الضعيفة كل هؤلاء الرجال، ).

ماكس: ( دي، ديالاااااا، دي، سمعااااااااني )..
أفاقت من شرودها على صياحه المستمر..
ديالا بضيق: ( إيييييه؟! سمعاك )..
ماكس: (كنتي سرحانة في ايه؟! ).
عبثت بالرمال أسفل قدميها، ترسم بلا وعي وتيه، ثم أجابته بهدوء: -
( معرفش، حاجات كده بتيجي علي بالي )..
ماكس بنفاذ صبر: -(تاااااني يا (دي )؟! )
طأطأت رأسها للأسفل بحزن: (مش بإيديا يا ماكس، بلاقيها بتهاجمني كده ومبقدرش أمنع تفكيري عنها، بحاول ).

توقفت عن الحديث عندما لمحت المجند (توم) الذي يقف على بعض خطوات بعيون ناعسة وجسد يرتجف من برودة الطقس..
يحتضن ماكس جسده محاولا تدفئته وقال: ( المجند أهو، أروح أنا بقى أنام الساعتين الباقيين دول قبل الطابور )..
قهقهت ديالا على حديثه بعد أن قبضت علي بدلته العسكرية: ( مفيش نوم، إنت هتعمل تمارين معاه دلوقتي عشان تاخيرك ونومك التقيل)..
فتح فمه بصدمة مما تفوهت به..
ماكس: ( أناااا؟!).

صاحت ديالا بجدية بعد أن عقدت يديها وراء ظهرها: ( ثااااابت )..
ومن هنا بدأت التمارين لكلا من ماكس وتوم بطريقة قاسية وكانها إحدى طرق التعذيب وليست بتمارين..

في إحدى الغرف ذات الطابع الملكي، حيث السقف العالي الممتلئ بالنقوش المزخرفة، أعمدة كبيرة وسط مساحة كبيرة جدا..
وفي وسط الحجرة فراش ضخم يرقد عليه رجلا ذو جسد ممشوق ولكن بعض علامات الشيب تظهر على وجهه تنفي منطقية تملكه لجسد شاب في العشرينيات من عمره..

أشعل إحدى سجائره الموضوعة على الطاولة بجانبه ونظر لها نظرة خاطفة وهي تبعد عن الفراش بضعة سنتيمترات، ترتدي ملابسها علي عجالة للهرب من بطشه، قائلا بسخرية: -
(انزلي وماشوفش وشك تاني، وقولي ل ( كيم ) تطلعلي، أنا هعرف أتصرف معاها في اللي حصل ده. ).
نظرت له ببكاء قائلة: -
(يا باشا أبوس إيدك سامحني)..

ركضت نحوه وجذبت يده لتقبلها فما كان منه إلا أن جذب يده بغضب ثم صفعها بقوة ونهرها بقدمه بعيدا فسقطت بجانب الفراش..
لم يلقي لتألمها بالا، فصاح بغضب: -
( أول وأخر مرة تقربي مني كده، إنتي فاهمة؟!)..
نهض بغضب، إلتقط ملابسها ثم جذبها من خصلاتها وألقاها خارج الحجرة، أوصد الباب بعنف شديد ثم مسح على خصلاته بضيق..
بحث عن هاتفه أعمى غضبه الشديد لم يستطع إيجاده بينما يستقر أمامه على الفراش..

قاطعه طرقات ضعيفة على الباب ففتحه بأعين يتطاير منها الشرر وما إن رآها حتى صاح بها بحدة:
(في إيه يا كيم؟!، إنتي كبرتي ولا إيه؟!، تحبي تسيبي الشغل قولي لكن التهريج ده ماينفعش، ).
هربت منها الكلمات من شدة خوفها منه ومن حالته تلك..
حاولت جاهدة أن تجيبه ولكن بدون فائدة، فهي ولأول مرة تراه بتلك الحالة
وجدت من يقبض على ذراعها فتشنج جسدها بفزع، وعندما وجدته ( جاك) إطمئن قلبها.

أشار لها بعينيه أن تطمئن وتغادر الغرفة، فهرولت خارجا مسرعة هربا من بطشه..
إقترب جاك منه مهدئا له بقوله الهادئ: -
( إهدى بس يا باشا وأنا هعملك اللي أنت عاوزه كله)..
نظر له بتعجب، متى حضرت إلى هنا؟
ومن سمح لك بالدخول؟!
ولكن سرعان ما تمكن جاك من تهدئة بركان غضبه بمد يده إليه وبها لفافة تبغ باهظة الثمن الخاص به، فأخذها منه بعنف ووضعها بين شفتاه وأشعلها له جاك وهو يبتسم بهدوء مما زاد من غضب( الباشا).

(ممكن أعرف أنت بتضحك على ايه؟!)..
فأجابه جاك بهدوء:
(أنا مش بضحك، أنا بس بحاول أخليك تهدي أعصابك، وطول مانا موجود وفي ظهرك الدنيا كلها هتبقى تمام، )..
أشاح بوجهه في الاتجاه الأخر لتصنع الهدوء، فأجابه بهدوء: -
(أنا كويس جاك، إنت اللي مش كويس أبدا، وانا مش عايزك تقضي حياتك كده وتستمتع بيها أنت كده بتموت بالبطئ جاك. )..

وفجأة تحول ذاك ال ( جاك) من رجل لا يملك قلبا إلى أخر يتملك الحزن من كل جزء في جسده، تأكلت الابتسامة سريعا من وجهه، إنطفئت لمعة عينيه فقد ضغط بكل قوة على جراح قلبه المدمى..
( أنا بخير، متخافش، )..
اختزلت تلك الكلمات مدى جراح قلبه، ربت (الباشا) على كتفه بحنو وهو يواسيه: -.

( اللي راح مش بيرجع جاك، صوفيا كانت بالنسبة لك حبيبتك، لكن بالنسبة لي كانت بنتي، كل شئ في حياتي، كنت متخيل إني هسلمها مكاني ده في يوم من الايام، كنت دايما مطمن وأنت جنبها، وفي لحظة غدر راحت مني ومنك، بس وجع القلب ده ماينفعش تعيش بيه كتير، ده نقفل عليه قلبنا ونشوف حياتنا، ومش معقولة وسط البنات دول كلهم مش عارف تختار واحدة بس؟!)..
كتم أنفاسه عله ينجح في منع عبراته من الهرب وهو يقول بنبرة متحشرجة: -.

( صوفيا بالنسبة لي مكنتش مجرد حبيبة، دي حلم كنت عايشة، كان حبها بالنسبة لي مرض وهي المصل بتاعه، صوفيا أخدت روح جاك الانسان وراحت، أخدت ذرة النور اللي كانت في حياتي، )
وهنا انهزم في معركته مع عبراته فهربت من بين جفنيه تحرق قلبه ألما وشوقا..
قال بهدوء منافي لتلك العاصفة التي هبت بقلبه: -
(أنا هبقى كويس دلوقتي أو بعدين، مسألة وقت)..
أخذ زفيرا قويا ثم أخرجه بهدوء، رسم ابتسامة مصطنعة وأردف بهدوء: -.

( قولي بقى، ايه االي مزعل الباشا بتاعنا الكبير؟)..
أعاده سريعا لحالة الغضب السابقة، فصاح به: -
( يرضيك جاك البنات اللي جايبينهم دول؟!، البنت بتعارضني؟!، لا وكمان تجادلني وترفض اللي بطلبه!، )..
تعجب جاك بشدة وهو يتسائل: -
(مين دي اللي إتجرأت وعارضت الباشا واليوم يكون أخر يوم في حياتها؟!، )..
أجابه بحدة وهو يشيح بيديه: -
( أهي واحدة من البنات الجداد، معرفش بتجيبوهم منين؟! )
جاك بضيق: -.

( من مصر، خوسيه نفسه يغير جاب لنا بنات من الشرق الاوسط، غاوي تعب لينا، )..
صاح به بغضب: -
(شرق أوسط؟!، شرق أوسط جاك!، إنت اتجننت؟!)
أجابه بهدوء: -
(لحظة واحدة بس، أنا اتفاجئت زيي زيك، )
(عودة للماضي)..

قبيل ساعات الصباح الأولى، مازال يسدل الليل ستائره،
يقف على إحدى السواحل ينظر إلى ساعته بتوتر بالغ..
يجوب الشاطئ ذهابا وإيابا..
يقترب من (ريتشارد ) قائلا:
(هم اتأخروا كده ليه؟!، مش عادتهم أصلا )..
ريتشارد: (حضرتك متأخروش ولا حاجة، أنا لسه متكلم مع خوسيه وقالي إنهم قربوا يوصلوا)..

التفت جاك مرة أخرى ناحية المحيط يطالعه بقلق وسار بخطوات بطيئة يضرب رمال البحر الذهبية، ينفث دخان سيجاره بضيق وتوتر، وفجأة عاد إلى ريتشارد مرة أخرى..
جاك: (ريتشارد، ليكون قابلهم مشكلة؟!)..
أجابه متعجبا: (مالك يا باشا قلقان كده ليه؟! هي دي أول مرة نطلع عملية زي كده؟! )..
أولاه ظهره شاردا في اللاشئ، ثم أجابه بضيق:
(لا مش أول مرة، بس أنا جالي خبر أن في عيون بقت متابعانا )..

جون بتساؤل: (حضرتك عرفت الكلام ده منين؟! ).
جاك بثبات: (مش هتفرق عرفته إزاي، المهم إننا ممكن نبقى متراقبين، والخطر في أي لحظة هيبقى قدامنا )..
قاطع حديثهم ظهور شعاع من الضوء وسط المحيط، معلنا عن وصولهم على متن سفينة صغيرة..
رتشارد: ( أهم وصلوا يا باشا )..
أخذ جاك قسطا كبيرا من الهواء وزفره بإرتياح..
توقفت السفينة بالقرب من الشاطئ، هبط أحدهم منها إلى قارب صغير ومن ثم تحرك القارب حيث كليهما..

خوسيه بابتسامة: ( جااااك، إتاخرت عليك؟! )..
ريتشارد بضيق: ( اه، اتاخرت جدا)..
اقترب منه خوسيه مصافحا إياه ثم صافح ريتشارد الذي صعد الي القارب ليعتلي السفينة
تسائل جاك بينما يبحث بعينيه داخل القارب الصغير ( أخبار البضاعة ايه المرة دي؟! ).
خوسيه بابتسامة ثقة: (ممتازة، ونوع جديد جدااا)..
جاك بلهجة ساخرة: (ليه منين الجديد ده؟! )..
ابتسم خوسيه بمكر: (مصر).

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة