قصص و روايات - قصص بوليسية :

رواية العميلة دي للكاتبة إسراء أحمد الفصل التاسع

رواية العميلة دي للكاتبة إسراء أحمد الفصل التاسع

رواية العميلة دي للكاتبة إسراء أحمد الفصل التاسع

أمر بتوفير غرفة خاصة لها وتوفير كافة احتياجاتها من مأكل، ثياب، مستحضرات تجميلية..
وقد كان
بالرغم من هيئتها الجسدية وحالتها النفسية المتدهورتين وبشدة إلا إن دخولها للغرفة الملكية الطراز كما تعتقد قد جذبت انتباهها بقوة..
جالت في تلك الغرفة بهدوء تتأمل جمالها وتتخيل أنها استفاقت من ذلك الحلم المزعج التي تعايشه منذ زواجها، وعلمها بإنضمام زوجها لعصابة إجرامية كبيرة وقد تحولت حياتها إلى كابوس كبير..

تعرضت على يد زوجها للإهانة المستمرة والضرب فجأة وبدون سابق إنذار.
شربت حد الإرتواء من الجحيم كؤوسا، تمنت الموت بكل زفرة من فمها، ولكن كانت قلبها يملتئ باليقين بأن القادم دائما أفضل..
لم يأتي هذا الافضل ولكنها مازالت بالانتظار، خرجت من كابوس زوجها المجرم إلى جحيم جاك ووالده
قبض على ذراعها بقوة أفزعتها، وضعت كلتا يديها أمام وجهها تحميه من غضب ذلك الجاك..

ابتسم بسخرية من رهبتها تلك، جذبها إلى مقعد في زاوية الغرفة، ألقاها بعنف فسقطت بأنين خافت..
افترسها بنظراته المتجرأة، فاعتدلت سريعا وعدلت من هندامها، قبضت بقوة علي ثيابها وتحتضن جسدها برجفة خوف شديدة..
زاد من ضحكاته وابتساماته الساخرة..
أنا مباخدش بواقي حد متخافيش، إنتي لازم تخافي بجد لو زعلت منك أو ماسمعتيش كلامي..
رمقته ببعض النظرات البلهاء، لم تدرك ما يعنيه، فتابع موضحا: -.

بصي بقي يا بنت إنتي، أولا كده إنتي انكتب لك عمر جديد في المكان ده، غيرك تحت بيتمنوا مكانتك هنا، أوعي تنسي للحظة إن أنا السبب في وجودك هنا، وزي ما خليتك ملكة المكان بإشارة مني هتكوني أقل من أقل واحدة هنا، فخليكي ذكية واعرفي مصلحتك فين
يجب أن أتخلى عن كوني ذات قلب، يجب أن أكون إمرأة قوية، إنه عالم شعاره الأول البقاء للأقوى، سأصبح الأذكى بالفعل..
والمطلوب.

خرجت الكلمة من بين شفتاها تكمن وراءها الكثير من الحزن، البكاء، الضعف، قلب يحتضر وجسد يئن بصمت..
جلس جاك على الفراش المقابل لمقعدها، ابتسم بهدوء بالغ ثم قال:
أيوة كده، إنتي كده ذكية وتعجبيني، أنا نظرتي مابتخيبش أبدا..
أولا بقى، هتنزلي لواحدة هنا هي تعتبر أذكى واحدة هنا، تعرف كل حاجة عن شغلنا، المفروض إنها تعلمك كل حاجة لأن الباشا قرر إنك تبقي مكانها..

عايزك تعرفي كل حاجة منها عن الشغل والباشا وأنا هخليكي مكانها حتى عند الباشا
حاولت أن تبدي إعتراضها، ولكن أوقفها بإشارة من يده، اسند مرفقيه على ساقيه وتابع بهدوء: -
إنتي كده كده عايشة هنا، بإيديكي يكون اللي إنتي عايشاه جنة وبإيديكي تخليه الجحيم من أوسع أبوابه..
كانت كلماته بمثابة الإعصار الذي داهم عقلها فجأة، لم تعد لديها القدرة على التفكير فأومأت برأسها في طاعة حتى يذهب عنها..

أدرك ما يدور في خلدها وتشتتها فنهض ثم برح الغرفة حتى يترك لها المجال للتفكير..
وحينما أغلق الباب من خلفه أمر الحارس بإحضار أفضل الأطعمة والثياب لها في الحال، وأن يستجاب طلبها أيا كان..

في مكتب أكمل
كانت تقف أمام أكمل برسمية شديدة، فهكذا هي المعاملات العسكرية الإحترام بأبهى حلة له لمن هو أعلى رتبة
ابتسم بهدوء وأشار لها بالجلوس، فبادلته الإبتسامة بشكر، جلس مقابلها أحمد..
بس إنتي بتتكلمي مصري كويس جدا، مع إنها أول زيارة ليكي لمصر، إنتي ليكي أصل عربي ولا إيه؟!
تسائل أكمل بتعجب من طلاقتها، تحركت بهدوء وجذبت فستانها القصير لأسفل بتوتر أوشك أن يظهرعلي ملامحها ثم أجابته بهدوء مصطنع: -.

إحنا شغلنا بيحتاج أبقى عارف أكتر من لغة، إحنا بنتعامل مع جنسيات مختلفة، وماينفعش مبقاش فهماهم وإلا هبقى صيدة سهلة ليهم..
رغم غيرته منها إلا أنه قد أعجب بها وبشدة، كيف أن تكون إمرأة على هذا القدر من الجمال والقوة والذكاء، لم يستطع إخفاء إعجابه فارتسمت على وجهة إبتسامة خفيفة مشرقة..
لمحتها ديالا فاستنكرتها، لم يكن هناك ما يستدعي الإبتسام فتجهالته..
نظرت تجاه أكمل وتسائلت: -.

أظن تغيير المعاملة الشديد ده إن إذن دخولي صدر وإتوافق عليه؟!
عقد ما بين حاجبيه بعدم فهم، نظر تجاه أحمد: -
ليه هي كانت المعاملة إزاي قبل كده؟!
ابتسمت بهدوء، قالت بمكر بعدنا نظرت له وهي ترفع أحد حاجبيها حنقا: -
كان في إجراءات أمنية ومعاملة غريبة زي المجرمين
أحمد باعتراض: -
أبدا، هي كانت حادة جدا في التعامل ومش قابلة مننا أي تصرف..

هم أكمل أن يوبخه على سوء معاملته لها بعد أن نظرت للأسفل وأطلقت ضحكة ساخرة، فتداركت الموقف سريعا حتى لا تزيد الأمور سوءا: -
دلوقتي يافندم لحد الأذن ما يجي أنا هنا بخصوص قضية تخص مافيا كبيرة في بلدي بتخطف بنات وبتتاجر بيهم بكل الطرق الغير مشروعة، مش بس كده دول كمان ليهم أعمال غير مشروعة كتير جدا، تجارة ممنوعات، أسلحة، تهريب أموال وكل الأعمال الإجرامية دي أكيد لا تخلو من القتل.

كانا ينصتان إليها بإهتمام شديد، قاطعها أحمد بتساؤله: -
مش معقولة عصابة كبيرة زي كده مش قادرين تقبضوا عليهم، أكيد ليهم أخطاء..
تخلى كل منهما عن غيرته وسخريته، فبدأ التعامل بجدية شديدة لما يحملانه من حب شديد لعملهما، حيت تتوقف عقارب الساعة لديهما عندما يتعلق الأمر بالعمل..
أجابته بهدوء: -
أكاد أجزم إن أخطائهم تكاد تكون معدومة، مش دي بس المشكلة، المشكلة إن بيدعمهم حد من الحكومة، ومش حد رتبته سهلة..

صدق أكمل على حديثها وتابع من ورائها: -
ومش شرط بس يكون من حكومة واحدة، عصابة كبيرة زي كده أكيد كذا دولة مشتركة فيها والدعم أكبر مما نتخيل
بللت شفتيها، استدارت قليلا تجاه أكمل ثم قالت: -
ده اللي أنا شاكة فيه بس مش هقدر أثبته إلا بمساعدة ودعم كبير جدا، والسبب الأهم إن هل هقدر عليهم كحكومات ولا لا؟!
مفيش حكومة ماتقدرش تعمل اللي هي عايزاه، بس لو هي عايزاه فعلا..
أردف أحمد بتلك الكلمات بحزن شديد وقلة حيلة.

حاولت أن تبعث الأمل مجددا في قلبه : -
مفيش ظلم بيطول، لازم له نهاية وحد، ولو كل واحد فينا ضعف كده واتكلم بالإستسلام ده العدل مش هيقوم له قومة من تاني
إبتسم أكمل بفخر من كلماتها وقال: -
بتمنى إننا كلنا يفضل فينا الأمل زيك كده، حابه تبدأي منين؟!
اعتدلت في جلستها مرة أخرى وقالت: -
بالرغم من كتر العمليات اللي بيعملوها بس أكتر حاجة بيعملوها ليها مراحل كتير ونسبة الخطأ فيها عالية هي تجارة البنات..

خطفهم للبنات وتجمعيهم وشحنهم لبلد تاني مراحل كتيرة وناس كتير بتشارك فيها، نسبة الخطأ بتكون عالية.
اللي عرفته كمان من تحرياتي إن أخر شحنة بنات جت من مصر..
بدأ أحمد بتجميع بعض الأشياء بعقله، فتابع عنها مؤكدا: -
دي القضية اللي أنا بالفعل شغال عليها..
جذب انتباهها الكامل، فتابع: -.

أنا اكتشفت مؤخرا إن في بعض البنات في بعض المحافظات اختفوا، بلاغات متقدمة، إختفاء في ظروف غامضة، بنات سمعتهم لا غبار عليها، وبيبقوا متابعين حياتهم اليومية العادية، وفجأة يختفوا، وأما تتبعي خط سيرهم بتيجي في حتة وتتعقد، لا تلاقي شهود ولا أي شئ يساعدنا علي حل اللغز، حتى أما حسيت إني قربت أوصل عن طريق زوج بنت اتخطفت من فترة قليلة لاقيته سافر بره البلد، الوقت اللي قابلتك فيه في المطار، ساعة الإجراءات الأمنية..

ابتسمت بهدوء، دام بعض الصمت للحظات وكل منهم يحاول أن يجد حلا لذلك اللغز العجيب
قاطع هذا الهدوء صرخة أحمد التي أفزعتهم بقوله: -
لاقيتها، لاقيت الرابط العجيب اللي أكيد فيه حل اللغز كله
إيه.؟! إنطق..
هدر به أكمل بفضول شديد، اعتدل أحمد في جلسته مجددا وقال: -
الحاجة الوحيدة اللي ممكن تربط كل الخيوط ببعضها علاقة حب..
نظرا له بتعجب شديد، بدأ بالشرح التفصيلي لوجهة نظره وبدا عليهما الإقتناع..

طيب، مقدرش أخد أي إجراء أو أي خطوة إلا بعد الرجوع لرؤسائي، الموضوع مش سهل أبدا وهيبقي فيه تعاون مشترك بين كذا دولة وممكن يبقى معاكم شركاء
أردف أكمل بتلك الأوامر بجدية، قاطعتها ديالا بقفزة حادة وأردفت بنبرة غاضبة: -
أنا جايه أبلغ حضرتك عشان تبقوا علي علم بتحركاتي داخل البلد، وأنا ماليش شركاء ومش هشتغل مع حد.

بعد مرور بعض الوقت أمام منزل أحمد..
يقف ينظر إليها غاضبا بشدة، عقدت ذراعيها وزفرت بنفاذ صبر، اشتعلت عيناه بغضب، تحدث بلهجة حادة وبصوت منخفض: -
أنا زيي زيك، مجبر إنك تقعدي معايا في بيتي، أنا مستحملك بالعافية، فخليكي مؤدبة كده، أنا والدتي ست كبيرة ومش هتستحمل تصرفاتك الطايشة دي، مش كفاية اللبس المنيل اللي هتدخلي عليها بيه ده..

كادت أن تصيح به وترد له سهام كلماته الجارحة بسيل من الغضب ولكن أخرجهم من تلك الحالة سريعا والدة أحمد التي فتحت الباب سريعا وهي تقول: -
حمدلله على سلامة حبيب مامي، وحشتني يا كتكوتي
انفجرت ديالا ضاحكة، لم تستطع كتم ضحكتها من هيئة أحمد الذي كادت عيناه تطلق صافرات إنذار حريق غضبه
وضع كفها على فمها والأخر قبضت به على معدتها التي بدأت تؤلمها من كثرة الضحك المقيد داخلها..

نظرت لها فاطمة بإستنكار، فمن تلك التي تسخر من فلذة كبدها، نظرت لها من رأسها إلى أخمص قدمها قائلة بسخرية: -
إنتي مين يا معصعصة إنتي ياللي بتضحكي علي كتكوتي؟!
نظرت إلى أحمد الذي استشاط غضبا من تكرارها لتدليله بهذا الشكل المبالغ فيه وخاصة من تلك الساخرة منه ومنذ اللحظة الأولى..
سألته بهدوء: -
مين دي يا أحمد؟!
زفر بغضب وقال لها: -.

زميلتي في الشغل وهتقعد معانا يومين، ده بعد إذنك طبعا يا ست الكل، تعليمات اللواء أكمل بقى
تراجعت بضع خطوات للوراء حتى تفسح لهم المجال للدخول قائلة بترحاب: -
يا أهلا بيكي يا حبيبتي اتفضلي.

يوم جديد..
قبل شروق الشمس بفترة ليست بالقليلة..
لم تنعم بنوم هادئ، بل لم يلامس النعاس عينيها، كانت تعاني من الاضطراب الشديد، شئ ما تجاه هذا المنزل يحثها على الإستيقاظ والتجول بأرجائه.
وبالفعل..

اتجهت نحو النافذة وفتحتها على مصرعيها، كانت نسمات الهواء الباردة تلامس وجهها، فأغمضت عيناها وتركته يداعب خصلاتها، أخذت شهيقا عميقا وكأن الهواء سيباع بالمال لاحقا، زفرته ببطئ شديد علها تحصل على الراحة ولو بالقدر القليل..
تشبثت عيناها بذلك المكان الذي يبدو عليه الهجران من زمن طويل، إجتاحها فجأة رغبة للذهاب إليه.
لم تستطع تفسير سبب هذا الفضول الغريب، وما السر وراء شوقها للذهاب إليه..

استجابت لرغباتها، جالت سريعا بعينيها لتتأكد من خلو المكان تماما، وما إن انتهت حتى قفزت من النافذة ( حيث إن منزل أحمد يتكون من طابق واحد تحيطه حديقة صغيرة كحال بقية المنازل في الحي)، أغلقت النافذة من خلفها وسارت بخطوات حذرة بطيئة تجاه ذلك المكان المهجور، وقفت أمام السياج الخاص به، همت أن تفتحه ولكن تهشم الباب الصغير سريعا في يدها فأحدث جلبة، التقطته سريعا، حاولت إصلاحه حتى لا توقظ من في الحي ولكن بدون.

فائدة، أسندته جانبا على عصا خشبية طويلة مثبتة في الأرض وعلى قمتها صندوقا صغيرا من الحديد ويكسوه الغبار، نفضته بهدوء فظهر لها اسما مدون عليه بشكل غير واضح ( مصطفى عبدالرحيم )
لم تشعر بأي شئ حيال ذلك الإسم، كادت أن تكمل خطاها لولا أن لمحت اسما أخر مدون على خلفية الصندوق (ريم)
شعرت بأن قلبها ينتفض ويصارعها للهرب من بين ضلوعها فور قرائتها لذلك الإسم.

تسير بخطوات هادئة جدا، تجول بنظرها في أرجاء المكان، تشعر بما يجذبها للدخول واكتشاف هذا المنزل، ولكنها لا تعرف سبب إلحاح عقلها لتتابع خطاها..
وصلت حتى الفناء الخلفي، وجدت حديقة صغيرة حالها كحال بقية المنزل المتهالك، تكسو الحشائش الصغيرة المحترقة الأرض، والغبار يخفي ملامح المكان..

تركت الحديقة بأعجوبة حتى اقتربت من أحد نوافذ المنزل المكسورة وفتحتها ببطئ وهدوء ومن ثم قفزت إلى الداخل..
كانت العتمة تحيط بالمكان، فأشعلت نورا من هاتفها ولمحت صورة معلقة على أحد الجدران لرجل وبجانبه إمرأة شديدة الجمال يتوسطهما طفلة صغيرة تبدو أنها طفلتهم لم تحمل ملاحهما الكثير..
أدركت أن هناك سرا كبيرا داخل جدران هذا المنزل وعزمت على إكتشافه..

جالت قليلا حتى سمعت صوت أنفاس أحدهم، سريعا جذبت سلاحها الذي لا يفارقها كأنفاسها، سحبت صمام الأمان، أخذت وضع الاستعداد للهجوم..
اقتربت من مصدر الصوت حتى شعرت بمن يوجهه سلاحا على خلفية رأسها، تجمدت بمكانها، وبلحظات كانت تتخيل حجم وقوة من خلفها بالشعور بحرارة جسده المنبعثة منه وأنفاسه..
إرمي سلاحك وارفع إيدك لفوق..
قال هذه الكلمات بهدوء بالغ، استجابت لأمره، هبطت بهدوء لتلقي سلاحها أرضا.

وضعته أرضا، استندت بكفيها على الأرض، مددت ساقها اليسرى ودارت بها سريعا للخلف حتى تسقطه ولكنه كان أسرع منها، توقع ما كانت تنوي فعله فقفز سريعا في الهواء وتفادى محاولتها الفاشلة للوقوع به، أمسكها من خصلاتها وأجبرها علي الوقوف ومازال يوجه سلاحه عليها، فوقفت ولم تبدي أي رد فعل تجاه ما حدث..
اقترب منها وهمس: -
محدش قالك يا سيادة العميلة أن دخول بيت بدون إذن دي جريمة، والمفروض كمان أقبض عليكي دلوقتي.

سيب شعري يا أحمد أحسن لك..
زفر بهدوء وتركها، ابتعد عنها وقال وهو يغادر..
اتفضلي أخرجي من بيتي، ماسمحتلكيش تبقي هنا أصلا..
سارت خلفه حتى خرجت من المنزل، اقتربت منه: -
هم مين دول يا أحمد؟!
كانت تمسك بيدها تلك الصورة التي كانت معلقة على الجدار، اتسعت عيناه بغضب، جذبها منها بعنف، هدر بها بحدة: -.

هو إنتي مفيش أي نوع من أنواع الاحترام، قلت لك مش مسموح لك تدخلي البيت ولا إنك تمسكي أي حاجة موجودة جوة، وبعدين إيه الفضول اللي إنتي فيه ده؟!.
رحل سريعا إلى داخل المنزل ليعيد الصورة لمكانها، بدأت أنوار المنازل المحيطة تضيء بعد تعنيفه لها، وحدة صوته التي أيقظت النائمين، ومن ضمنهم والدة أحمد..
وضعت حجابها على رأسها سريعا واتجهت ناحية ديالا التي مازالت تقف في حديقة المنزل الخارجية..

في إيه يا بنتي إيه اللي حصل؟! أحمد بيزعق ليه وهو فينه أصلا؟!
لم تجيبها ولكنها ظلت شاردة ب أحمد ومدى تعلقه هو أيضا بهذا المكان وتعنيفه القوي لها..
بعد بضع لحظات خرج أحمد، قبض على ذراعها بقوة ثم جذبها إلى داخل منزله بدون أدنى مقاومة منها وتتبعهم والدته..
وما إن دلفوا جميعا للداخل وأغلقت السيدة فاطمة الباب من خلفهم حتى هدر بها بغضب جم: -.

إنتي هنا ليكي وظيفة معينة وشغل مكلفة بيه تعمليه وبس ومع ألف سلامة، لا تدخلي في خصوصيات حد ولا تقربي من حاجة ماتخصكيش، إنتي هنا في حمايتي بعد اللي حصل إمبارح..
اقتربت منه وأصبحت المسافة بينهم صغيرة، نظرت له بتحد وقالت بهدوء كعادتها: -
أول وأخر مرة تعلي صوتك عليا، أنا مش هخاف من صوتك ولا زعيقك، ده أولا..

ثانيا بقي وده الأهم إن أنا مش مستنية حمايتك أنا بعرف أحمي نفسي كويس جدا، أنا جيت هنا بس عشان تعليمات أكمل بيه، فمتحلمش إنك ترسم معايا أنا دور المصري ده والسيطرة اللي بتحبوا تفرضوها، مش أنا فاهم، مش أنا.
تركته ورحلت حيث الغرفة التي خصصتها فاطمة لها، أغلقت الباب من خلفها بعنف ولم تنتظر إجابة منه..
جلس أحمد على مقعد مجاور له بحزن شديد، أخفى ملامحه بكفيه، أسند رأسه للخلف بهدوء وهو يزفر بقوة.

اقتربت منه فاطمة وربتت على كتفه بهدوء: -
اعذرها يابني، هي أكيد ماتعرفش وماتقصدش تتدخل في خصوصياتك.
وبعدين بقى إنت مش ناوي تحكي لي مين دي وايه اللي جايبها هنا؟!
بدأ أحمد يقص عليها طبيعة وظيفة ديالا، ما الذي أتت من أجله..
كانت ملامح الصدمة والحزن تحتل وجهها، قاطعت أحمد بضيق: -
حسبي الله ونعم الوكيل، الناس دي إيه؟!، معندهمش قلب ولا رحمة..
صدق أحمد على حديثها: -.

ناس انعدمت من قلوبها الرحمة، المهم يا ستي ديالا أصرت تبدأ شغل أول ما وصلت إمبارح، وكانت مهمتنا ننزل نجمع كل البلاغات المتقدمة لنفس القضية، طبعا إنتي شايفة لبسها كان عامل إزاي، وأكمل بيه كان مخليها أمانة عندي، والهانم مابتتهدش، عملت مشاكل في أربع أقسام وضربت ظابط عشان عاكسها، المفترية القادرة، أما شديت معاها كانت عايزة تضربني أنا كمان، الغريب بقى إن الوحيد اللي بتسمع كلامه أكمل بيه، والراجل معرفش ماله مهووس بيها من ساعة ما شافها، المهم، طلب مني تقعد يومين بس عشان يكفينا المشاكل اللي حصلت..

حاولت ابتلاع ضحكاتها بشدة ولكنها لم تفلح، فتسائل متعجبا: -
هو لو مفيهاش إساءة أدب ممكن أعرف بتضحكي على إيه؟!، في إيه يا أمي، أنا بحكي لك فيلم كوميدي؟!
ربتت على كتفه بإعتذار وهي تبتسم: -
معلش يابني مش قصدي، بس عجبتني أوي، أحب الست المعتمدة على نفسها، مفيش راجل يوقفها ولا يخوفها، عايشة لحياتها ونفسها ومش سايبة حد يتحكم فيها
قاطعها أحمد بتصفيق بشكل مسرحي ويظهر التأثر على ملامحه واضحا: -.

هااااايل يا فنانة، ممتاز، تراني تأثرت لحظة أبكي
انفجرت ضاحكة، أمسك كفها وقبله ثم ساعدها على النهوض ويدفعها برفق لتذهب إلى غرفتها، سارت معه بهدوء ومازالت تضحك: -
ادخلي نامي يا أمي، ادخلي نامي ربنا يكرمك
توقفت فجأة عن السير وهي تشهق عاليا، ضربته بخفة على كتفه وهي شاردة: -
عارف يا واد يا أحمد انا حاسة إيه؟!
اصطنع الإبتسام وتمتم لنفسه: -
هي ليلة مش فايتة أنا عارف..
أجابها: -
حاسة ب إيه يا أمي؟!

البت المعصعصة اللي جوة دي اللي أنا مش عاجبني إسمها دي شبه حبيبتي شيرين جارتنا أم ريم الله يرحمها..
امتعض وجهه فجأة وظهر عليه العبوس، كاد أن يتحدث لولا استكمال والدته ما بدأت في تخيله: -
نفس الشخصية ونفس الدماغ، تفتكر تكون البت اللي جوة دي هي ري
قاطعها أحمد بأن استطرد دفعها برفق مرة أخرى تجاه غرفتها وهو يقول: -.

الأفلام الهندي بوظت دماغك، أنا هولع في القنوات الهندي من بكرة، نامي يا أمي وادعي لي يالا، تصبحي على خير
فر من أمامها هاربا، ومازالت شاردة تجمع خيوط نسيج خيالها: -
لا مانا هعرف يعني هعرف.

رقد على فراشه يتنهد بألم، تمر السنون وحاله كما هو الحال، يحيى من أجل هدف واحد وهو اللقاء بها مرة أخرى.
دخل بين صراع عقله وقلبه كما اعتاد دائما..
حادثه قلبه: - هنلاقيها..
عقله: هنلاقيها إزاي؟!، وليه معيش نفسك في الوهم، ده إنت بعينك شفت هدومها اللي اتخطفت بيها وصورها وهي مقتولة، معيش نفسك في الوهم ليه؟!
قلبه: عايش علي أمل في شكل سراب، أه أنا شفت ريم وهي ميتة، وبعدين ما يمكن صور متفبركة، ويمكن.

قاطعه عقله سريعا: يمكن إيه؟، شفتها مقتولة، وبعدين صور إيه اللي متفبركة من أكتر من عشرين سنة، هو كان في الكلام ده ساعتها؟!، فوق لنفسك وحياتك يا حضرة الظابط، ريم ماتت وشفت ده بعينك، دور لنفسك علي ريم تانية، وعيش حياتك اللي إنت بتضيعها من إيديك، فوووق..

لأول مرة تكون الجولة الحاسمة لعقله، عزم على جمع شتات روحه المزهقة في عالم الأموات، أطبق جفنيه إستعدادا ليوم جديد وحياة جديدة تخلو من الركض خلف السراب.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة