قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية الطاووس الأبيض ملحق إضافي للكاتبة منال سالم الفصل الثاني

رواية الطاووس الأبيض ملحق إضافي للكاتبة منال سالم الفصل الثاني

رواية الطاووس الأبيض ملحق إضافي للكاتبة منال سالم الفصل الثاني

النهار كان لطيفًا، والأجواء هادئة، رغم أن الوقت اقترب من الظهيرة تقريبًا، إلا أن بداية فترة الامتحانات للطلبة جعلت الغالبية تعكف عن الذهاب إلى أماكن التنزه، وحتى الأسواق، فأصبح فقط من يحتاج لابتياع الطعام وما ينقص المنزل هو المتواجد فقط في محيط المنطقة.

عاودت فيروزة أدراجها بعدما انتهت من تأمل الشارع شبه الفارغ، لتدنو من صغيرتها الغافلة في عربة الأطفال الخاصة بها، والمجاورة لمكتبها. وجهها الملائكي وابتسامتها العفوية التي تصدر عنها كل حين، جعل إحساسها بالسرور والرضا يتعاظم بداخلها. تأكدت فيروزة من تغطية جسد طفلتها لئلا تصيبها لفحة من الهواء فتبرد، ثم استقرت جالسة خلف مكتبها، لتواصل تدقيق أوراق الحسابات الموضوعة أمامها، راجعتها بتركيزٍ إلى أن قطع انتباهها صوت مساعدتها المتسائل:.

-هروح يا أبلة أجيب حاجة أكلها من الكشك اللي جمبنا.
رفعت بصرها ناظرة إليها، وخاطبتها باسمة في لطافةٍ:
-طب استني هاتيلي معاكي كيكة ولا حاجة مسكرة.
ثم مدت يدها لتمسك بحقيبتها وأخرجت من حافظتها ورقة نقدية، ناولتها إياها، وأصرت عليها:
-والحساب عندي.
رفضت مساعدتها بحرجٍ:
-لأ يا أبلة، خير ربنا موجود.
حافظت على نقاء بسمتها الصافية وهي تصر عليها:
-أنا عارفة، بس دي حاجة بسيطة.
أخذتها منها وقالت بامتنانٍ:.

-تعيشي لينا يا رب.
ردت بإيجازٍ دون أن تشوب بسمتها شائبة:
-حبيبتي.
شيعتها بنظرتها إلى أن غادرت محلها، فاتجهت ببصرها نحو الأوراق، جمعت ما انتهت منه جانبًا، وخاطبت نفسها:
-ناقص بس أضيف فواتير الأسبوع اللي فات، ويبقى كده قفلت الحساب.

تنبهت لصوت وقع الأقدام حين ولج أحدهم للداخل، نظرت إليه بإمعانٍ، فوجدت مظهره الخارجي مُريبًا، مما وترها إلى حدٍ ما، لم يكن مهندم الثياب، وكان يدير رأسه بتوتر للخارج كل بضعة ثوانٍ، رأت في ملامح وجهه المتجهمة تعبيرًا غامضًا جعل شعورًا غريزيًا بالقلق ينتفض بداخلها. انتصبت في جلستها، وسألته بصوتٍ جاد:
-خير يا أستاذ؟ أساعدك في حاجة؟

في البداية لم ينطق بشيء، ظل يتلفت حوله بطريقة باعثة على المزيد من القلق، كادت على وشك الحديث؛ لكنه جعلها تبتلع حروف كلماتها في جوفها عندما هدر فجأة يأمرها بعدائية مخيفة، وقد أشهر مدية في وجهها:
-اِبقي بالمعلوم!
نظرت له في ذعرٍ، ورددت وهي على حالة تامة من الذهول الممزوج بالخوف:
-إنت بتعمل إيه؟
استمر على صياحه المهدد ملوحًا بيده في الهواء:
-اتطرشتي؟ اطلعي بكل الفلوس اللي في الدرج وإلا هشق بطنك!

لم يكن بالممازح لتواجهه، أشارت له بيدها وهي تكلمه في صوتٍ مرتجف:
-طب اهدى.
لكونه على معرفة بطبيعة جريمته التي يرتكبها في وضحِ النهار، كان فاقدًا للصبر، متوترًا للغاية، لذا هلل بها في تهديد صريح جعل قلبها ينقبض بقوةٍ:
-يالا يا ولية ماتخلنيش أعملها معاكي إنتي والبت دي.
تحولت نظراته النارية تجاه طفلتها، فانتابها كل الرعب، دون إضاعة للوقت، هزت رأسها بإيماءات متواترة وهي ترد:.

-طيب حاضر، هديك كل اللي إنت عاوزه.
اندفعت بجسدها أمام عربة طفلتها لتشكل درعًا يحميها، ثم مدت يدها لتفتح الدرج السفلي لتأخذ منه المال الموضوع فيه، انتفضت مرتجفة في هلعٍ عندما صرخ بها مرة أخرى:
-انجزي في يومك!
أخبرته في الحال:
-حاضر، والله بلملك كل حاجة.
تخشبت في موضعها وقد سمعت مساعدتها تصيح في ذعرٍ:
-يا لهوي يانا! مين ده؟!

نظرت ناحيتها فرأتها تفر راكضة لتستغيث بمن في الخارج، فحاول ذلك المجرم اللحاق بها وهو يهتف في خوف مماثل لها؛ لكنه مخلوطٍ بالعداء والتهديد:
-اقفي عندك!
جاء صوت المساعدة مجلجلًا على الأخير:
-الحقونا يا خلق، حرامي!
بغريزة أمومية دافقة، استدارت فيروزة تجاه عربة الطفلة، انتشلتها منها، وضمتها إلى صدرها لتحميها، وصوت مساعدتها لا يزال يطلب النجدة ممن يتواجدون بالخارج.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة