قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية الطاووس الأبيض الجزء الرابع للكاتبة منال سالم الفصل الرابع والستون

رواية الطاووس الأبيض الجزء الرابع للكاتبة منال سالم الفصل الرابع والستون

رواية الطاووس الأبيض الجزء الرابع للكاتبة منال سالم الفصل الرابع والستون

استعانت بثقل وزنها، وحملته كاملاً على ركبتها، كمحاولة جادة منها لغلق الحقيبة، بعد أن ملأتها عن آخرها بثيابهما معًا، بالكاد تمكنت من غلق السحاب لمنتصف المسافة، فاستقامت واقفة، واستدارت ناظرة إلى زوجها الواقف بجوار النافذة يراقبها في استمتاعٍ، على أمل أن تنجح في النهاية في مهمتها. منحته فيروزة نظرة مزعوجة تعكس ضيقها من عدم إنجاز الأمر الذي ظنت أنه يسيرًا، بينما بادلها تميم بسمة شبه مغترة وهو يكتف ساعديه أمام صدره. تجهمت بعبوسٍ واضح، وخاطبته:.

-مش حكاية يعني!
هز كتفيه معلقًا بنفس الابتسامة الهادئة:
-إنتي اللي صممتي، أنا مقولتش حاجة.
نفخت في صبرٍ نافذ، وطلبت منه بانفعالٍ طفيف:
-اتفضل اقفلها.
أرخى ساعديه، وتحرك ناحيتها قائلاً بغرورٍ محسوسٍ في صوته:
-بس كده، عينيا.

تراجعت خطوتين للخلف، لتفسح له المجال، ثم نظرت إليه ملء عينيها وهو ينجز ببساطة شديدة مهمتها؛ كأن الأمر لا يتطلب كل ذلك الجهد منها. أشاحت بوجهها للجانب تغمغم في صوتٍ خفيض غير مفهومٍ، فالتف ناحيتها متسائلاً بعنجهيةٍ أصابتها بالغيظ:
-في حاجة تانية؟ ولا كده تمام.
شبكت ذراعيها معًا، وردت نافية:
-لأ.
وضع تميم قبضتيه على خصرها، يداعب جانبيها برفقٍ قبل أن يخبرها في صوتٍ هادئ، ونظراتٍ مشوبة بالحب:.

-فكي يا حبيبتي التكشيرة دي.
ردت في عبوسٍ:
-كان نفسي نطول في الأعدة يومين زيادة، احنا ملحقناش.
جذبها إليه في تؤدةٍ، فاضطرت أن تحل تشابك ذراعيها، وتستند بمرفقيها على صدره، لتغدو أكثر قربًا منه، مستشعرة الحرارة المنبعثة من جسده، ركز بصره عليها، وقال باسمًا في ودٍ:
-وأنا والله، بس حِمل الشغل كله على أبويا، وإن شاءالله نعوضها وقت تاني.

أتبع ذلك تجسيدًا حسيًا لمشاعره ناحيتها، أغمضت عينيها لتسرح في أفقها الوردي مع ما اعتادته منه من قبلات شعورية فاقت حد الخيال، تبث في خلايا جسدها أحاسيسًا تواقة لم تعرفها إلا معه! بالكاد ترك لها فرصة لتلتقط أنفاسها التي قطعت، قبل أن يهمس لها في نبرةٍ متيمة:
-نفسي الوقت معاكي مايخلصش.
ردت بصوتٍ خفيض، وهي تشب على قدميها لترتفع قليلاً، فتضاهيه في طوله:
-الحياة لسه قدامنا.

لثم شفتيها بقبلة أعمق، قادرة على تحريك الراكد من المياه، ليتراجع مرددًا في لهاثٍ:
-ربنا يقدرني وأسعدك.
انخرطا في لحظةٍ خاصة بهما، طالت، واستطالت، ونقلتهما إلى عنان السماء، فاهتاج الوجدان، وتحرَّق الجسد للارتواء، قطع ذلك الانسجام العميق رنين الهاتف، فانسلت فيروزة من أحضان زوجها وهي تتحسس صدرها الناهج؛ لكنه لم يتركها تبتعد، ظلت قبضته ممسكة بجانب خصرها، تطلعت إليه وهو يعتذر منها:.

-معلش يا حبيبتي، ثواني كده..
أخرج الهاتف من جيب بنطاله الخلفي، ونظر إلى شاشته هاتفًا:
-ده أمي بتتصل.
هزت رأسها تخبره في ترحابٍ:
-رد عليها.
ابتسم لها، وأجاب على المكالمة قائلاً:
-أيوه يا ست الكل...
بصنعةِ لطافةٍ تحررت من قيده غير المحكم حول خصرها، لتترك له مساحة من الخصوصية معها، واتجهت إلى مرآة التسريحة حتى تعيد ضبطت هيئتها، أصغت إليه وهو يخابر والدته مبتسمًا، وعيناه تنظران إليها:.

-الحمدلله تمام، الله يسلمك يا رب.
اعتلى ثغره ابتسامة أكثر إشراقًا عندما واصل الكلام معها:
-ليه بس تتعبي نفسك؟
مرر يده على رأسه، وتابع في صوتٍ اتخذ طابعًا جديًا:
-طيب حاضر هاقولها الأول، وهرد عليكي بعدها.
بدأ في التحرك ناحيتها وهو يختتم اتصاله معها:
-ماشي يامه، في رعاية الله.
عندئذ تساءلت فيروزة باهتمامٍ بعد أن أعاد وضع الهاتف في جيبه:
-خير في حاجة؟
تنحنح بصوتٍ خفيض قبل أن يجاوبها:.

-هي أمي عاملة حسابنا في الغدا معاهم النهاردة، لما عرفت إننا راجعين.
ردت بعد لحظة من الصمت المتردد:
-مكانش ليها لازمة تتعب نفسها، احنا هنتصرف يعني.
برر لها حُسن نواياها قائلاً:
-هي حبت تريحنا، وأنا مرضتش أديها كلمة إلا لما أتشاور معاكي.
تقوست شفتا فيروزة عن بسمة منمقة وهي تخبره:
-مافيش مشكلة يا حبيبي.
استحسن قبولها، ومنحها نظرة ممتنة قبل أن يقول:
-ربنا يخليكي ليا.

استدارت محدقة في انعكاسها في المرآة مرة ثانية، وراحت تضبط حجاب رأسها، قبل أن تستأذنه:
-ممكن أعدي على ماما شوية، هي وحشاني وعاوزة أطمن عليها.
حاوطها من الخلف، وأراح ذقنه على كتفها، ثم أبدى موافقته قائلاً:
-أه وماله، خليكي معاها.
صححت له قائلة بجديةٍ قبل أن يعتقد في بقائها غالبية اليوم:
-لأ، أنا هقعد شوية، وأروح المحل بتاعي أبص على البنات.
منحها قبلة جانبية على وجنتها وهو يرد موجزًا:
-ماشي.

ابتعد بتروٍ عنها، وبدأ في جمع ما تبقى من متعلقاتهما الشخصية، لتتبعه فيروزة في تعجلٍ، واضعة بعض الأشياء الصغيرة المتناثرة هنا وهناك في حقيبة أخرى صغيرة، لينتهي كلاهما من إعداد كل شيء. تساءل تميم مهتمًا:
-في حاجة ناسينها جوا؟
هزت زوجته رأسها بالنفي، وقالت:
-لأ، أنا بصيت.
انحنى ليحمل الحقائب بكلتا يديه، واستطرد في همةٍ:
-تمام، نتوكل على الله، ونرجع لبيتنا.
حافظت على رقة بسمتها وهي تستعد للتحرك في إثره:.

-بإذن الله.

بمجرد أن عادا من رحلتهما القصيرة، أوصلها إلى بيت أهلها، ومكث لبعض الوقت تقديرًا واحترامًا لوالدتها التي استقبلته بحفاوةٍ كبيرة، قبل أن يستأذن مغادرًا المنزل، تاركًا إياها تمكث به ما تشاء من وقتٍ. سوت فيروزة خصلات شعرها المتحررة، وجمعتها في عقدةٍ فوق رأسها، لتشرع بعدها مخاطبة والدتها ومعبرة لها عن شوقها إليها:
-وحشتيني أوي يا ماما الكام يوم دول.
قوست آمنة ثغرها لتظهر ابتسامة صافية عليه وهي ترد:.

-وإنتي أوي، المهم عندي تكوني مبسوطة مع جوزك.
لمعت عينا فيروزة بوميضٍ مبهج قبل أن تخبرها:
-والله يا ماما، أنا عمري ما كنت أتخيل إنه يطلع منه الحاجات الحلوة دي كلها، وخصوصًا إن معرفتي بيه في الأول مكانتش أد كده.
ربتت أمها على كتفها مرددة:
-ربنا عوض صبرك خير.
احتفظ وجهها بتعابيره الراضية وهي تقول بصدقٍ:
-فعلاً، ربنا كرمني آخر كرم.
تساءلت آمنة بغريزة أمومية معتادة:
-مبسوطة معاه؟

لم تخبت السعادة من على ملامحها وهي تؤكد عليها:
-الحمدلله.
أخذتها والدتها في أحضانها، ودعت لها وهي تمسح على ظهرها صعودًا وهبوطًا:
-ربنا يديم عليكي نعمه.
أمنت عليها في رجاءٍ:
-يا رب أمين.
ابتعدت فيروزة عن حضن والدتها، وتساءلت في ابتسامٍ واهتمام:
-إنتو إيه أخباركم؟ طمنوني عليكم؟ همسة، وابنها، و كوكي، وخالي؟ كلكم كويسين؟
قالت مع هزة من رأسها وجوبًا، قبل أن ينعكس القليل من الحزن على محياها:.

-كلنا بخير الحمدلله، بس خالك بعافية شوية!
شعرت بالقلق من كلماتها الأخيرة، ولاحقتها بأسئلتها في جزعٍ:
-ليه؟ ماله؟ هو تعبان ولا حاجة؟
أمسك التردد بلسان آمنة وهي تجيبها:
-أصل حصلت حاجة كده، مرضناش نقولك عليها.
تفرست فيروزة في وجه والدتها محاولة كشف غموض ما لا تريد البوح عنه، فكسا التوتر كامل تعبيراتها، كما خفق قلبها في اضطرابٍ مقلق، استجمعت جأشها، وتساءلت بصوتٍ حاولت جعله ثابتًا قدر المستطاع:.

-حاجة إيه؟ قولي يا ماما، قلقتيني.
لم تجد بُدًا من إخبارها، فهتفت مسترسلة في الحديث دون استباقٍ مُمهد:
- حمدية نفذوا فيها حكم الإعدام، ومن ساعتها وهو حاله اتبدل.
أصابتها صدمة لحظية، أربكت حواسها لوهلةٍ، غير متوقعة أن تنفذ فيها كلمة القضاء الأخيرة خلال أيام زيجتها الأولى. أتى تعقيبها متناقضًا مع مشاعرها غير المتسامحة معها:
-هي خدت جزائها، معدتش يفيد الكلام.
علقت عليها آمنة في أسفٍ:.

-الله يسامحها، ضيعت عمرها وبيتها في ساعة طيش.
لم تحبذ فيروزة الخوض في سيرتها، فعزفت عن الكلام عنها، وقالت وهي تشير بعينيها نحو الردهة المستطيلة:
-أنا هاقوم أطمن عليه.
لاقى اقتراحها استحسانًا من أمها، وراحت تؤيده:
-أه يا ريت، جايز يفرح لما يلاقيكي قصاده.
تصنعت الابتسام، وهمهمت في هدوءٍ حذر:
-إن شاءالله.

عيناه الوقحتان كانتا تجريان على منحيات جسدها، وهي تميل هنا وهناك لتؤدي عملها الذي جاءت من أجله، ادعى انشغاله بالبحث عن أمرٍ ما في هاتفه؛ لكنها كانت فرصته الثمينة لفحص مقوماتها دون أدنى انتباهٍ منها، أمسكت به والدته وهو يسترق النظرات نحو الخادمة التي صمم على تواجدها بشكلٍ شبه يومي. تقدمت ناحيته، وقطعت عنه الرؤية بالوقوف مباشرة في مرمى بصره، تنحنح فضل مدعيًا إجلاء أحباله الصوتية، وهتف مادحًا:.

-شوفتي يامه، البت لهلوبة وأنجزت كل حاجة في السريع إزاي؟
زمت شفتيها معلقة في غير اقتناعٍ:
-قولتلي.
نهض واقفًا، ووضع ابتسامة لزجة على محياه قبل أن يضيف:
-عشان تعرفي إني غرضي أريحك، بدل وجع القلب اللي إنتي فيه.
سخرت منه هازئة وهي تزيحه عن طريقها لتتحرك في اتجاه المصطبة الخشبية:
-ياما جاب الغراب لأمه.
ضجر من جفائها المتعمد، وصاح في كدرٍ:
-يامه إنتي مش عاجبك أي حاجة؟ أعمل إيه بس عشان أرضيكي؟

استراحت في مكانها، ونظرت في عينيه قائلة بثباتٍ لا يخلو من جدية:
-ترجع الحق لأصحابه، ساعتها بس آ...
قاطعها قبل أن تتم جملته هادرًا بغضبٍ أهوج:
-قفلي على السيرة دي.
علقت عليه في تشددٍ:
-فكرك أنا لو سكت إخواتك هيسكتوا؟ ولا حتى إجوازتهم؟ ده ميراث أبوهم الشرعي وآ...
مرة ثانية قاطعها هاتفًا بنفس الصوت الهادر:
-كل واحدة خدت حقها زمان، وبعدين ما الأرض اتحرقت، وبقينا مديونين لطوب الأرض، عايزين إيه تاني؟!

ناطحته الند بالند، واستطردت مدافعة عن الحق باستماتةٍ؛ كأنما لم تعد تكترث لغضبه الأرعن:
-عُمر ربنا ما هيرضى عنك طول ما إنت ظالم، ومفتري، وواكل ورث غيرك.
صر على أسنانه صائحًا في غلٍ:
-بقولك إيه يامه، سيبك من الهري ده كله، محدش هياخد مليم...
ثم ضرب كفه بالآخر في عصبية وهو يكمل:
-المولد اتفض خلاص.

نظرت له بغيرِ أسفٍ، وهي تكاد لا تصدق ما جنته يداها من تدليل زائد، وتحيز كامل ناحيته، كما لو كانت قد أنجبت ذكرًا أحاديًا في كينونته؛ لكنها نالت في النهاية ابنًا طالحًا يُفسد في الأرض أكثر من إصلاحه فيها! انتبهت سعاد له بعد أن شردت لهنيهة حين قال ببسمةٍ غير مستساغة عليها:
-قوليلي مانفسكيش البيت الفاضي ده يتملى علينا زي زمان؟
مصمصت شفتيها معقبة عليه باستهجانٍ، وهذه النظرة المغتاظة تنطلق من حدقتيها:.

-حِس ولادك بالدنيا، خدهم تحت جناحكم، وراعي ربنا فيهم، هما دول الأبقى ليك.
وكأنها لم تنبس بشيء، تجاهل كل كلامها معلقًا في ازدراء بائن في طريقة تحدثه إليها:
-بعدين...
دنا منها، واحتل الجانب الفارغ من المصطبة، ليلوي ساقه أسفل جسده، ثم خاطبها وهو يرسم تلك الابتسامة البلهاء على وجهه ذي الملامح المكفهرة:
-المهم أنا عاوزك في حاجة كده.
حدجته سعاد بنظرة دونية قبل أن تدمدم في حدةٍ:.

-أنا قولت، اللي إنت بتعمله ده كله وراه حاجة، عمره ما كان لله في لله.
هتف في صبرٍ نافذ:
-يامه خليني أخلص وأقول الكلمتين.
نفخت عاليًا، لتردد بعدها بسأمٍ:
-سمعني، إياكش تحل عن دماغي.
انتصب فضل بكتفيه، معتقدًا بهذا أنه صار أكثر مهابة وتباهيًا، ثم استطرد مخاطبًا إياها فيما يشبه الاستهلال لأمرٍ هام:
-دلوقتي أنا شاب عزابي، لا ليا واحدة تونسني، ولا واحدة تاخد بحسي.
ضاقت نظراتها بشكٍ، وسألته في تجهمٍ أكبر:.

-والمطلوب مني إيه؟
زادت بسمته السمجة اتساعًا، فأدركت المغزى الموحي من وراء هذه النعرة الكاذبة، خاصة أن نظراته الخبيثة أكدت حدسها، فهتفت رافضة دون تفكيرٍ:
-إنسى إني أتحشرلك في أي جوازة...
همَّ بالاحتجاج عليها؛ لكنها أخرسته بما بدا أقرب للتهكم:
-ده أكيد أمها داعية عليها اللي هتتبلي بيك.
تغاضى عما اعتبره لغوها السخيف، وهتف في تلهفٍ عنيد:
-وأنا مش عاوز إلا واحدة، من لحمي ودمي!

زادت تعابيرها عبوسًا وهي تسأله، رغم يقينها بمعرفة من يريد:
-قصدك مين؟
تأكدت هواجسها حينما أجاب مبتسمًا على الأخير:
- فيروزة بنت عمي.
سكتت للحظاتٍ تراقب تلك اللهفة العجيبة على تعابيره، قبل أن تفسدها بقولها غير الاحترازي، متعمدة إغاظته:
-اسكت مش اتجوزت!

حلت الدهشة على كامل تقاسيمه، فتجمد لثوانٍ؛ كأن الخبر الصادم شل ذهنه عن التفكير، استفاق من ذهوله معتقدًا أنها حيلة ماكرة من والدته للمناص من تلك الزيجة، فصاح في حنقٍ:
-إيه الكلام البايخ ده يامه؟ ما تهزريش وآ...
باستمتاعٍ ظاهرٍ على تعبيراتها قاطعته وهي تبتسم بتشفٍ:
-وربنا دي الحقيقة، مرات عمك اتصلت بيا من كام يوم تعرفني، وأنا فرحتلها من قلبي الصراحة.

هبَّ فضل ناهضًا من جلسته المسترخية في اندفاع، ليصرخ بعدها مستنكرًا حدوث الأمر برمته:
-اتجننوا دول ولا إيه؟ إزاي تتجوز أصلاً ومافتش سنة على موت أبويا؟!
ظلت سعاد على وضعها الهادئ، وقالت ببرودٍ لتزيد من استفزازه:
-وإيه اللي يمنعها؟ طالما بالحلال.
تصاعد الغضب في صدره، وكز على أسنانه لاعنًا:
-بنت ال (، )!
نظرت إليه والدته شزرًا، وهمهمت في جديةٍ ضاعفت من غليل صدره المشتعل:
-ده ربنا بيحبها إنه نجدها منك.

حدجها بنظرة مُميتة، بها كل ما يحتد في نفسه من شرور مؤذية؛ لكنها لم ترتدع، أو حتى تهابه، بل إنها استمرت على نفس المنوال المتلذذ في مضايقته، وأضافت:
-وعريسها مش غريب، اسمه تميم باين، اللي جه هنا وأدبك.
هدر بها بانفعالٍ أكبر وهو يلوح بيده في الهواء:
-بس يامه، كفاية بقى!
ضمت سعاد مرفقيها إلى صدرها، ورفعت ساعدها الأيمن لتستريح بذقنها على راحة كفها، قبل أن تتابع كلامها إليه:.

-أل وأنا كنت عاوزة أجوزهالك، ده أنا بحمد ربنا ليل نهار إنه ماستجابش لدعائي.
وكأنها تتعمد إحراق أعصابه بعباراتها المستفزة، فانتفض صارخًا في وجهها:
-خلاص يامه، اسكتي، كفاية حرق دم فيا.
لم تعبأ بهياجه المهدد، وهتفت في تحفزٍ وهي تقوم من مقامها:
-ده إنت لسه هتشوف الغُلب كله!
سدد لها نظرة مغلولة، قبل أن يغادر محيطها متوعدًا في شراسةٍ:
-بقى كده، قسمًا بالله لأخربها عليها، مش أنا اللي أتسك على قفايا، وأسكت!

شيطان رأسه لم يكن ليدعه يمرر ذلك دون انتقامٍ مهلك، حيث بدأت الأفكار الخبيثة والماكرة بالازدحام في عقله، محاولاً انتقاء الأسوأ فيها، الأكثر دهاءً منها، والأقوى في تأثيرها المؤذي عليها، لعَّله حينئذ يعيث في حياتها الفساد، ويمحقها..!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة