قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية الطاووس الأبيض الجزء الثالث بقلم منال سالم الفصل الحادي والعشرون

رواية الطاووس الأبيض الجزء الثالث بقلم منال سالم الفصل الحادي والعشرون

رواية الطاووس الأبيض الجزء الثالث بقلم منال سالم الفصل الحادي والعشرون

النظر في عينيها في تلك اللحظة الفارقة، كان كالتمتع بجنة الإله على الأرض، كالتحليق في فضاءٍ فسيح عامر بما يخطف الأنظار. سرق نظرة أخرى من قطعتي الفيروز، سرى تأثيرها في عروقه كما تسري في الروح الأنفاس. أكمل تميم هبوط درجات السلم، وقلبه يدق في فرحة، آلامه الساكنة في عظامه خفت حدتها مع ما اكتشفه اليوم من حقائق ربما أعادت له الأمل المفقود. وما إن خرج من المدخل هتف آمرًا في سائق سيارة الأجرة:.

-ماتطلعش، استنى.
لم يجادله الأخير، وأبقى على المحرك دائرًا وهو ينتظره خلف عجلة القيادة، في حين امتدت يد تميم ليفتح الباب الخلفي، والتفت ناظرًا لكلتيهما، ليستطرد قائلاً:
-اتفضلوا، على مهلكم.

نظرة ثالثة نالها من فيروزة عن قربٍ أشد، وهي تلحق بتوأمتها، جعلت النابض بالحياة بين ضلوعه، يرغب في التحرر من القيد المفروض عليه. شعر بابتسامةٍ مرحة تداعب ثغره فشل في تخبئتها، وكيف له ألا يضحك والاشتياق تغلب على حزنه؟ استقر في مقعده بعد دقيقةٍ مخاطبًا سائقه:
-هنروح على بيت الجماعة الأول.
رد السائق مؤمئًا برأسه:
-حاضر يا معلم.

يبدو أن الحظ قد عرف الطريق إليه، فجلوس فيروزة خلفه، جعل جانبًا كبيرًا من وجهها يظهر في مرآة السيارة الجانبية، ورغم شرودها في تأمل الطريق، إلا أن كان لذلك ميزة خطيرة في التنعم بتأملها دون مقاطعة، مناجاة شديدة الرجاء للمولى تضرع بها في تلك اللحظة تحديدًا آملاً أن تسترد روحه ما افتقدته، همسه الراجي خرج من بين شفتيه عفويًا:
-يا رب.
ظن السائق أنه يُحادثه فتساءل مهتمًا:
-بتقول حاجة يا معلم؟

أجاب نافيًا، وعيناه معلقتان بها:
-لأ، ركز في سكتك.

أمسكت به فيروزة تلك المرة وهو ينظر لها بنظراته الساهمة، تلبكت، ورمقته بنظرة غامضة احتوت بداخلها على حزنٍ عميق، قبل أن تدير وجهها لتواصل تحديقها في الطريق. للوهلة الأولى استطاع قراءة ما غلف نظراتها دون كلام، بدا له أن لعينيه قدرة خاصة نفذت إلى روحها، فكشفت الغطاء عما يخيفه قلبها من ألم ومعاناة تقاتل لإخفائهم في أعماقها المهزومة. شتته عن تأملها الفضولي الطويل صوت السائق المتسائل:
-هنا يا معلم؟

تنبه تميم لما حوله، ومسح المكان بنظراتٍ سريعة قبل أن يوجهه:
-لف من الناصية دي عشان تقف قصاد مدخل البيت.
قال دون جدالٍ:
-ماشي.
وبعد لحظاتٍ كانت السيارة مصفوفة بمحاذاة رصيف البناية القصيرة، ترجلت فيروزة أولاً، ثم تبعتها همسة، وقبل أن تتحرك كلتاهما تساءل تميم عاليًا:
-أومال هيثم عامل إيه دلوقتي؟
كان سؤاله مجرد حجة زائفة لإبقاء الأخيرة، ناولت همسة المفتاح لتوأمتها لتسبقها، وقالت بتنهيدة مهمومة:.

-والله حاله اليومين دول مش أد كده.
رد بهدوءٍ بعد أن ترجل من السيارة، واستند واقفًا على عكازيه:
-متقلقيش، احنا هنشوفله حل.
أخبرته بوجهٍ شبه واجم:
-أنا اتكلمت مع الحاج سلطان وهو وعدني هيتصرف.
قال مبتسمًا، وبنوعٍ من الثقة:
-طالما جدي اتدخل اطمني أوي، مش هايسيبه.
ردت بنبرة راجية:
-يا رب يسمعنا خير.
همَّت بالتحرك؛ لكنه استوقفها قائلاً:
-أنا ممكن أطلب منك طلب قبل ما تمشي.
رددت في اهتمامٍ:
-اتفضل.

اعتدل في وقفته، وقال بملامح جادة للغاية.
-بلاش تحكي لأختك عن اللي حصلكم..
نظرت له في حيرةٍ، فأكمل موضحًا لها:
-استني لما الست أمك ترجع، هايكون أحسن، على الأقل تشم نفسها الأول، وتستريح، كفاية اللي هي فيه.
فألمها وإن كان صامتًا يحتاج للتطييب، هزت رأسها في استحسانٍ، ووعدته:
-حاضر، هاعمل كده...
ثم ابتسمت تشكره:
-كتر خيرك، تعبناك معانا.
قال بهدوء، وقد شعر بقليلٍ من الارتياح:
-مافيش أي تعب، وحمدلله على سلامتها.

هتفت وهي تشرع في خطاها:
-الله يسلمك.
انتظر ذهابها ليستدير ويعاود الجلوس بالسيارة، سأله السائق مستفهمًا:
-هنطلع على الدكان يا معلم؟
لحظة من التفكير سيطرت عليه، قبل أن يجيبه نافيًا:
-لأ.
سأله باستغرابٍ:
-أومال على فين؟
أجابه مشيرًا بكفه للأمام:
-اطلع وهاقولك في السكة.
حاضر يا ريسنا.

قالها السائق بإيماءةِ انصياعٍ وهو يدير عجلة القيادة مغادرًا المكان، بينما بقيت أنظار تميم –وروحه من قبلها- معلقة بومضاتٍ خيالية لوجهٍ سكن قلبه منذ أن عرف للحبِ مرادفًا.

خفقة متوترة شعر بها وهو يتحامل على نفسه، ليصعد الدرجات الرخامية لمدخل هذا المبنى الطبي حديث الطراز. ألقى نظرة مترددة على اليافطة الزجاجية المكتوب عليها على جانب الجدار (المركز الطبي المتطور لعلاج أمراض الذكورة والعقم). لا يعرف ما الذي جال في خاطره ليستحثه بقوةٍ للذهاب إلى هنا؛ لكنه لم يبدُ نادمًا على مثل تلك الخطوة. تنفس تميم بعمقٍ وهو يتابع سيره الحذر نحو الاستقبال، بلع ريقه، واتجه إلى أحد الموظفين مستهلاً حديثه معه بإلقاء التحية:.

-سلامو عليكم.
رد الموظف بلباقةٍ:
-وعليكم السلام، اتفضل يا أستاذ، أقدر أساعدك في إيه؟
بتلعثمٍ شبه حرج، حاول تميم تكوين جملة مفيدة وهو يجيبه:
-أنا عايز أعرف النظام إيه هنا؟
أخبره الموظف بنبرة عملية، لاعتياده على مثل تلك المواقف:
-حضرتك هتحجز كشف هنا، وهتنتظر دورك لحد ما الدكتور يقابلك، وهو هيتناقش معاك في تفاصيل كل حاجة عايز تعرفها.

سأله مستوضحًا، وعيناه تدوران حول الإعلانات المعلقة على الحائط لتقرأ ما فيها:
-وإنتو فاتحين كل يوم؟
أجابه بصوته الزرين مشيرًا للافتة خلفه مدون عليها مواقيت العمل:
-أيوه يا فندم، دي مواعيدنا ما عدا يوم الجمعة أجازة.
هز رأسه قائلاً بإيجازٍ:
-تمام.
سأله الموظف بابتسامته العادية:
-تحب أحجز لحضرتك كشف؟
بعد لحظة من التفكير العميق أتاه جوابه قاطعًا:
-أيوه، ولو في مستعجل يكون أحسن.

عقب عليه بنبرته العملية وهو يطبع بأصابعه على لوحة الحاسوب الالكتروني الموجود على مكتبه المستطيل:
-حاضر، ممكن بياناتك، والبطاقة بعد إذنك.
بوجهٍ جاد في تعبيراته قال، وهو يحاول استخراج هويته من محفظته الموضوعة في جيب بنطاله الخلفي:
-ماشي.

-ماما اتأخرت أوي.
قالت فيروزة تلك العبارة وهي تجلس على الأريكة تربع ساقيها أسفل منها، بعد أن بدلت ثيابها بأخرى منزلية مريحة، تلك التي تركتها في دولاب ملابسها، تاركة مهمة إفراغ حقائب سفرها لوقت لاحق. ناولتها همسة طبقًا يحوي ثمار الفاكهة المقطعة، وردت عليها:
-متقلقيش، ده ميعادها، دلوقتي هتلاقيها داخلة علينا.
كانت فاقدة لشهيتها، فأسندت الطبق أمامها، وسألتها بتوجسٍ:.

-أنا حاسة إن في حاجات كتير متغيرة، هو حصل إيه في غيابي؟
ضمت شفتيها لبعض الوقت مترددة في إطلاعها على الأخبار غير السعيدة، تذكرت وصية تميم لها بإرجاء الأمر ريثما تعود والدتها للمنزل، فالتزمت بها، ومنحتها ردًا فاترًا:
-والله يا فيروزة احنا شوفنا أيام صعبة أوي، بس كله بيعدي.
وقبل أن تحاصرها بأسئلتها، بادرت مستفهمة بتعابيرٍ حزينة:
-المهم طمنيني عليكي إنتي، إيه اللي حصل ل آسر؟

تهربت من إجابتها صراحةً بما مرت به بقولها المحايد:
-قضاء ربنا.
مسحت همسة على جانب ذراعها برفقٍ، وقالت مواسية بتعاطفٍ بائن عليها:
-حبيبتي، أكيد الوقت ده كان صعب عليكي.
حررت زفرة ثقيلة من صدرها قبل أن تتمتم في رضا:
-الحمدلله.

انتبهت فيروزة لضوضاء خفيفة آتية من خارج المنزل، فأدارت رأسها ناحية الباب، رأت والدتها تلج للداخل، ومن خلفها طفلة صغيرة، على ما يبدو كانت آمنة مشغولة بها، فكامل تركيزها كان معها، خاصة وهي تشدد عليها:
-ماتفتيحش الحاجة الحلوة إلا بعد الأكل، وإلا هزعل منك، أنا مش عايزاكي تملي بطنك على الفاضي.
أغلقت الباب وابتسمت ل رقية وهي ترد بطاعةٍ:
-حاضر.

استدارت سائرة بتلقائيةٍ نحو المطبخ؛ لكن الصوت المليء بالشجن واللهفة جمدها في مكانها حينما ناداها:
-ماما.
التفتت تنظر إلى ابنتها، وقلبها ينطق قبل لسانها بلوعةٍ:
- فيروزة!
تحركت ابنتها ركضًا ناحيتها وهي تكرر على مسامعها ذلك اللقب الغالي:
-ماما
ثم ارتمت في أحضانها، شاعرة بضمتها الحنون التي طالما افتقدتها كثيرًا، انتحبت آمنة قائلة بصوتٍ متأثر، وقد قفزت العبرات في عينيها:
-حبيبتي يا بنتي.

زادت فيروزة من ضمها لها، ورددت بأنينٍ مشتاقٍ له:
-وحشتيني أوي.
بقيت كلتاهما على تلك الوضعية لدقيقة وأكثر بقليل، ذرفت خلالها آمنة الدموع الفرحة لعودتها بعد غيابٍ أتعب قلبها، تراجعت عنها، دون أن تترك قبضتيها جانبي ذراعيها، نظرت لها نظرة مليئة بالعتاب، وقالت بصوتٍ شبه باكي:
-بقى كده يا فيروزة؟ أهون عليكي متسأليش عني المدة دي كلها؟
ردت مدافعة عن نفسها:.

-والله غصب عني، بس أنا طلبتك كتير جدًا، وموبايلك كان مقفول، وآخر مرة كلمتك فيها فضل اللي رد عليا، وحتى قفل السِكة في وشي.
اِربد وجه همسة بالضيق متذكرة غالبية مواقفه اللئيمة، تلك التي تثبت خسته ومحدودية تفكيره، لعنته بغيظٍ متصاعد فيها:
-أما واحد ناقص بصحيح.
في حين أخبرتها آمنة بصدقٍ:
-موبايلي كان بايظ، وقالي هياخده يصلحه، بس والله ما عرفني خالص إنك اتصلتي.
دمدمت فيروزة هي الأخرى تنعته في حنقٍ:.

-بني آدم مستفز.
تساءلت توأمتها في حيرة:
-معرفش بيعمل كده ليه معانا؟ فعلاً أنا مش بأطيقه.
علقت عليها والدتها في البداية بعدم مبالاة، ما لبث أن تحولت للفرحة:
-سيبوكم منه، المهم عندي إنك رجعتي يا فيروزة بالسلامة.
وجدت الابتسامة طريقها على ثغر ابنتها، وتساءلت وقد أبصرت عيناها طفلة خجلة تراقبها من على بعدٍ:
-مين البنوتة اللي معاكي دي يا ماما؟
صاحت همسة مُعرفة بها من تلقاء نفسها:
-دي رقية، بنت خالك خليل.

شهقة مصدومة انفلت من بين شفتيها، ورددت في دهشةٍ ذاهلة:
-معقولة؟ بنت خالي؟ يعني خالي كان متجوز واحدة تانية غير مراته العقربة واحنا منعرفش؟
بنظرة مؤكدة أجابتها همسة:
-أيوه.
أضافت فيروزة في تسلية لطيفة:
-ده زمان حمدية ولعت لما عرفت...
ثم صمتت للحظةٍ قبل أن تتم جملتها:
-عشان كده هي مش موجودة فوق، أكيد خدت عيالها وراحت البلد.
انقلب وجه همسة، وعقبت عليها بتعابيرٍ متنمرة:.

-والله إنتي على نياتك، دي عملت بلاوي سودة.
حذرتها والدتها من التطرق حاليًا لما قامت به بنظرة صارمة من عينيها، قبل أن تقول:
-مش وقته يا همسة.
وزعت فيروزة نظراتها المتشككة بين الاثنتين، وردت بإصرارٍ:
-أنا عايزة أعرف تفاصيل كل حاجة، ماتخبوش عليا.
علقت عليها والدتها بأسئلتها المهتمة، وهي تشير بيدها:.

-ماشي، بس قوليلي الأول فين جوزك؟ هو وصلك ومشى؟ وراجع تاني امتى عشان أجهزله أحلى أكل؟ اوعي تقوليلي إنه سابك وراح شغل، أنا كده هزعل منه.
انخفضت قبضتي فيروزة لتمسك بكفيها، وقالت بعد لحظةٍ من السكوت، تبادلت فيها نظراتٍ ذات مغزى مع توأمتها المراقبة للوضع:
-ماما، آسر ، مات.
هتفت والدتها في صدمة مفجوعة، وقد ارتفع حاجباها للأعلى:
-يا نصيبتي، مات؟ واحنا معندناش خبر؟
ردت بصوتٍ هادئ لا يعبر عن حزنها لرحيله:.

-ده قضاء ربنا، الحمدلله على كل حال.
ورغم اندهاش آمنة من ثباتها الداعي للاسترابة إلا أنها هتفت تسألها في جزعٍ:
-حبيبتي يا بنتي، فجأة كده؟ ده مكانش بيشتكي من حاجة، وإنتي عملتي إيه لوحدك؟
عادت لتحتضن والدتها، وذلك الزفير الثقيل يتحرر من صدرها، ثم أخبرتها بتنهيدة بطيئة، وهي ترتمي برأسها على كتفها:
-هاقولك، بس خليني أشبع من حضنك يا ماما، أنا محتاجاه أوي.

مسدت على ظهرها بيدها بعدة مراتٍ، مستشعرة تلك الرجفة الخفيفة فيها، أوغرها قلبها قهرًا على ما أصابها، وأفصحت لها بغريزتها الأمومية:
-قلبي كان حاسس إن غيبتك دي وراها حاجة.

بصعوبةٍ خبت نوبة البكاء التي اجتاحتها، بعد أن عرفت بوفاة أبناء خالها الثلاثة، انقهر قلبها على رحيلهم المفجع، ولم تتمالك دموعها، بكتهم بحزنٍ صادق؛ وكأنها فقدت أشقائها، فالصغار احتفظوا بمنزلة غالية في قلبها. حاولت والدتها تهوين حزنها، ورجتها لأكثر من مرة بصوتٍ شبه مختنق:
-خلاص يا فيروزة، ماتوجعيش قلبي، احنا ماسكين نفسنا بالعافية عشان الغلبانة دي.
هتفت بصدرٍ يغص بالبكاء الحارق:.

-حرام اللي حصل ده كله، إزاي يجيبها قلب تعمل كده؟ مخافتش من ربنا إنه يردها فيها؟
علقت عليها همسة بصوتٍ حزين:
-ربنا المنتقم الجبار، حرمها من عيالها.
بينما تنهدت آمنة قائلة في حسرةٍ
-ربنا يصبرك يا خليل المصايب نزلت فوق راسه ورا بعض، مبقاش ملاحق.
أخبرتها همسة بالبقية في ضيقٍ كبير:
-وكانت عايزة تلبس أمك الليلة كلها، بس الحمدلله ربنا جابلها حقها، وبراءتها ظهرت.

احتقنت نظرات فيروزة بشدة، وكزت على أسنانها هاتفة:
-دي مش بني آدمة، يا ريتني كنت هنا، والله ما كنت سيبتها.
ردت عليها توأمتها:
-منها لله، ربنا يخلص منها.
تساءلت فيروزة في اهتمامٍ يشوبه الإشفاق، وعيناها تتطلعان إلى الصغيرة المنشغلة بألعابها:
-طب وهتعملوا إيه في رقية؟
أجابتها والدتها بتعابيرها المليئة بالأسى:
-أهي قاعدة معايا هنا، واخدة بحسي في البيت.

استحسنت فيروزة ذلك، وبدت تعبيراتها مرتخية لبقائها مع أمٍ حنون كأمها، تعوضها عن فقدان والدتها، وغياب أبيها، فما أصعب الشعور باليُتم في سنٍ صغيرة! تبدلت تعبيراتها للقساوة بعد أن هتفت همسة بنزقٍ:
-قوليلها يا ماما على المصيبة اللي فضل ناوي يعملها.
سألتها في جزعٍ، ونظراتها تتجه نحو والدتها:
-ماله البلوى ده؟
مالت عليها توأمتها لتهمس في أذنها؛ كما لو كانت تخشى من سماع الصغيرة لحديثهما الخطير عنها:.

-عايز يطاهر رقية، وأمك وقفتله في الحكاية، بس شكله مصمم على كده.
توحشت عينا فيروزة على الأخير، وانعكس فيهما غضبًا متصاعدًا، أحست بدمائها الثائرة تتدفق باندفاعٍ هائج في عروقها، مستعيدة في ذاكرتها ما عاشته من ألم نفسي مهين بسبب حقارته الوضيعة، تضاعف غليلها، و استبد بها حنقها. اشتدت أنفاسها انفعالاً، وصاحت بصرامةٍ؛ وكأنها بهذا تقطع وعدًا نافذًا -غير قابل للتراجع- على نفسها:.

-قسمًا بالله ما هيحصل، طول ما أنا عايشة مش هخلي البغل ده يلمسها، ويبقى يوريني نفسه هيعمل إيه!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة