قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية الطاووس الأبيض الجزء الأول للكاتبة منال سالم الفصل الخامس والعشرون

رواية الطاووس الأبيض للكاتبة منال سالم الجزء الأول

رواية الطاووس الأبيض الجزء الأول للكاتبة منال سالم الفصل الخامس والعشرون

لمسة مداعبة لشعرها المتناثر بفعل النسمات الباردة حانت منها لتجمع ما تمرد من خصلاته على جانب كتفها الأيسر، تبعتها بضحكة رقيقة ساحرة من شفتيها تصيب عقول الرجال بالفتنة، التفتت "فيروزة" لجانبها بتلقائية فوجدت "تميم" ما زال محدقًا بها بجمود، انزعجت من نراته المسلطة عليها، وأنهت مكالمتها لتطالعه بغلظةٍ قبل أن تسأله:
-في حاجة؟

تنحنح معتدلاً في وقفته وقد أخفى تلك الربكة التي كادت تظهر على ملامحه، انتصب بكتفيه وأنزل مرفقيه عن سقفية العربة ليجيبها بصوته الأجش وببرود وهو يدس كفيه في جيبي بنطاله:
-مستني مراتي، إنتي اللي في حاجة؟

نظرت له باستعلاءٍ، وأبعدت عينيها عنه لتسير بتعجلٍ على الرصيف لتعود إلى مدخل بيتها، لكن لفت ساقها حول الأخرى وتعثرت في مشيتها المتسرعة لتنكفئ كالخرقاء على وجهها في لمح البصر، انفلتت من جوفها صرخة متألمة وقد أدركت أنها طُرحت أرضًا، رفعت رأسها بحذرٍ وهي تستند على كفيها لتعدل جسدها، أخفضت نظراتها وتأملت الخدوش التي نالت من باطن كفيها بأنفاسٍ مضطربة، خرجت "همسة" و"خلود" ركضًا لنجدتها، تسألت توأمتها في قلقٍ:
-إنتي كويسة.

نفضت "فيروزة" كفيها، وردت وهي تقاوم الألم الذي طال ركبتيها أيضًا:
-يعني..
سألتها "خلود" في اهتمامٍ:
-طب تقدري تقفي؟
أجابتها دون أن تنظر نحوها:
-أه.. مش حاجة مهمة
هتفت في مرحٍ محاولة تخفيف الأمر عليها:
-حصل خير، تلاقي بس حد حسدك
رفعت عينيها نحوها لتنظر لها باستخفافٍ، ثم علقت بتهكمٍ:
-أكيد، والصراحة هما كُتار.

لم تفهم "خلود" مقصدها، لكنها أصرت على معاونتها على الوقوف، ومدت لها ذراعها لتستند عليه، وإن كانت لم تنتبه لزوجها الذي تابع المشهد من مسافة قريبة وقد ظهر الذهول عليه .. بدا "تميم" مترددًا في الذهاب وتقديم المساعدة، حسم التخبط الدائر في عقله بعدم التحرك نحو ثلاثتهن، خاصة مع رؤيته ل "هيثم" وهو يعود حاملاً كيسًا بلاستيكيًا في يده، وبالتالي لا يُعرضها للإحراج، نظر له الأخير متعجبًا وقد رأى في حالة من التحفز قبل أن يسأله:
-في إيه؟

أجابه وهو يتنحنح بصوتٍ خفيض:
-أخت خطيبتك وقعت على الأرض، خليك واقف شوية!
اعتلى ثغره ابتسامة انتشاءٍ، وقال في سعادة:
-ده خبر عظيم وزي الفل، عقبال ما رقبتها تتقطم
زجره قائلاً بضيقٍ ونظراته الغائمة تركزت عليه:
-مايصحش الكلام ده!
لوى جانب فمه معقبًا عليه بنفورٍ:
-يا عم اسمع مني، دي بومة، والجوازة دي لو اتخربت هيبقى بسببها!

قال منهيًا الحوار السخيف:
-قفل، الموضوع مش مستاهل.
رد بنصف ابتسامة:
-على رأيك..
ثم رفع يده بالكيس متابعًا جملته:
-هاروح أودي دي لخطيبتي وراجع
أومأ برأسه قائلاً:
-ماشي..

وبالرغم من حنق "تميم" المبرر ناحية "فيروزة" بسبب فظاظتها ولسانها السليط إلا أنه لا ينكر تلك اللوعة التي أصابت قلبه حين رأها تسقط هكذا، وهو يقف كالعاجز لا يستطيع مساعدتها، زاد ضيقه وانعكس على تصرفاته التي مالت للتشنج قليلاً؛ فركل بقدمه بعض الحصوات على الرصيف، ودعس عقب سيجارته حتى أفناه، حتى ولاعته لم تسلم من عصبيته ظل يعبث بها حتى علقت شعلتها فألقاها وحطمها بقدمه.

بتبخترٍ وابتسامة عريضة سار "هيثم" نحو ثلاثتهن ملقيًا نظرة شامتة نحو "فيروزة" التي كانت تتأمل حالة ثوبها بعد تمزق جزءٍ بسيط منه عند ركبتها وعند طرفه بسبب كعبها الحاد، لم يبذل أدنى مجهود ليخفي سعادته بالأذى الذي أصابها، نادى بصوتٍ تعمد أن يكون جافًا:
-يا عروسة!
التفتت نحوه "همسة" وهي تبتلع ريقها، أشار لها بيده التي تحمل الكيس متابعًا بصيغة تميل للأمر:
-تعالي هنا لحظة.

وضعت "خلود" يدها على كتفها تستحثها وهي تهمس بابتسامتها اللطيفة، وكأنها تمزح معها:
-روحيله، متخافيش مش هايعضك.
استدارت نحو "فيروزة" تسألها بعينيها، فأجابت الأخيرة بنظراتها معلنة عن موافقتها وقد وقفت منتصبة في وقفتها تتابعها بعينين كالصقر، وكأنها تستعد للانقضاض على أحدهم إن لزم الأمر. تحركت "همسة" نحوه، تحاشت النظر إلى وجهه حين سألته بصوتها المرتبك:
-أيوه، إنت.. عاوز حاجة مني؟

مد يده بالكيس قائلاً:
-خدي دول، أنا جايب واحد ليكي، وواحد لأختك..
ثم أخفض من صوته مكملاً في ازدراءٍ وقد انقلبت تعابيره للعبوس:
-إياكش يطمر!
تناولت الكيس منه، وألقت نظرة خاطفة على محتوياته، فوجدت لوحين من الشيكولاته ذات الحجم الكبير، ابتسمت قليلاً وشكرته:
-ميرسي..
رد بنفس الوجه المتجهم:
-طب بصيلي وإنتي بتقوليها!

أسبلت عينيها المتوترتين نحوه، وشعرت بتوردٍ خفيف يعصف ببشرتها، بادلها ابتسامة عادية، وأشار بيده متابعًا أوامره:
-يالا اطلعي فوق، مش هتقضيها واقفة كده كتير، وأنا مش ناقص كلمتين من خالك
هزت رأسها بإيماءة بسيطة قبل أن تقول:
-حاضر.

في تلك الأثناء، وقفت "خلود" إلى جوار "فيروزة" تتأمل أخيها وخطيبته بعينين لامعتين، مالت نحوها لتقول بتفاخرٍ:
-شكلهم لايق على بعض أوي، ماشاءالله ربنا يحميهم من العين.
نظرت لها من طرف عينها وهي تعلق باستهجانٍ:
-إنتي شايفة كده؟

أجابتها مدافعة عنه بنوعٍ من التحفز الطبيعي:
-على فكرة أخويا طيب جدًا، إنتي بس اللي مش عارفاه كويس
ابتسمت "فيروزة" في سخرية قائلة لها وقد استعادت مشهد دفعه لوالدتها في مخيلتها:
-ما هو واضح.

فسرت "خلود" أسلوبها المتعالي معها في الحديث بأنه عجرفة وقحة المقصود منها احتقار شقيقها والتقليل من شأنها أيضًا، ولم تكن لتسمح بذلك، فإن كانت لا تتقبل بعض طباع شقيقها الطائشة، لكنه يظل من لحمها ودمها، لذا قالت بابتسامة متكلفة، وبنبرة ذات مغزى:
-ربنا يهنيهم، وعقبالك.. أصل أنا أعرف إن التوأم بيحبوا يعملوا كل حاجة مع بعض، حتى في الخطوبة، عشان الغيرة!
استشاطت عيناها من فظاظتها، والتفتت نحوها ترمقها بنظرة نارية، هتفت في استنكارٍ ووجهها مُربد بحمرة غاضبة:
-نعم؟ غيرة؟ على إيه إن شاءالله؟
ابتسمت في برود وهي تعقب:
-برضوه، الأمر مايسلمش!

توحشت نظراتها حين ردت تنكر ذلك:
-إنتي غلطانة! مش أنا و"همسة" اللي نغير من بعض
ربتت على كتفها ترد:
-ما تخديش الموضوع على أعصابك بس، كله في الأول والآخر قسمة ونصيب!
نجحت "خلود" في إحراقها بكلماتها الناقمة، ولم يكن فقط ينقصها إلا نعتها ب (العانس) لتتلذذ أكثر برؤيتها تتلوى من الحنق .. ضحكت بتصنعٍ قبل أن ترد عليها وهي تدعي احتضانها لتودعها:
-مش هاعطلك بقى...

وزادت من تلك البسمة السخيفة وهي تكمل بغنجٍ مائع مستخدمة عينها اليمنى في الغمز:
-زمانت جوزي قاعد على نار مستنيني، بيحبني موت، ولما بأغيب عنه بيقلق، لما تتجوزي هتفهمي .. يالا أشوفك على خير، مع السلامة
أطبقت "فيروزة" على شفتيها تمنع نفسها بصعوبة من شتمها وتلك السمجة تكركر ضاحكة بصوتٍ مجلجل لتستفزها، وكأن شأنها مع زوجها يعنيها حقًا، انتظرتها حتى خطت مبتعدة عنها، وكزت على أسنانها تغمغم في ضيقٍ متعاظم:
-يا رب تولعوا إنتو الاتنين.
ثم استدارت رافعة طرفي ثوبها لتسير بتعصبٍ نحو الدرج متحملة الألم الذي يضرب بركبتيها حتى لا تنفجر غيظًا أمامها فتظن بذلك أنها فازت في جولتهما الكلامية وتزيد من شماتتها بها.

جلس القرفصاء على تلك الوسائد العريضة التي تفترش جانب الشرفة المغلقة بنوافذ الألومينيوم ذات الوجهين، وأمسك بخرطوم نرجيلته يدسه بين شفتيه، سحب بعمقٍ الدخان، وحبسه للحظة في صدره، ثم أخرج سحبًا كثيفة منه عبقت المكان من حوله، تجشأ "محرز" وألصق هاتفه المحمول بأذنه ليتابع باقي مكالمته الجادة:
-مافيش مشكلة، بس زودلنا الأصناف دي في التوريد المرادي كمان يا حاج "لطفي".

عاد ليدخن النارجيلة وهو يصغي للطرف الآخر قبل أن يرد:
-ما هو الطلبات كتيرة عليهم
تحولت تعابيره للقتامة، وزاد احمرار حدقتيه المتهبتين مسبقًا من كثرة التدخين حين قال له بنبرة تعبر عن شيء غير مريح يخفيه:
-لا مالوش لازمة تعرفه..
لانت نبرته قليلاً عندما ادعى كذبًا:
-يا حاج هو مشغول مع الجماعة بتوعه، خليه يفرحله يومين ويدلع بعد الهم اللي كان فيه.

نفث سحب الدخان مرة أخرى قبل أن يضيف:
-أيوه، على الدكان التاني.
سعل بصوتٍ متحشرج وهو ينهي مكالمته معه:
-كتر خيرك .. ده العشم بردك .. الله يكرمك.. وعليكم السلام
فرد ساقه بارتياحٍ على وسادة أخرى وقد أغمض عينيه لوهلةٍ ليستغرق في أفكاره الطامعة، تكدر صفوه الوهمي عندما سمع "هاجر" تسأله مباشرة وكأنها تلاحقه:
-دكان إيه ده اللي بتتكلم عنه؟ شغل تبع أبويا؟ ولا في حاجة تانية أنا معرفهاش؟

انتفض في جلسته المسترخية وسحب ساقه ليثنيها نحو صدره، غامت نظراته نحوها، وحك بإبهامه كفه متسائلاً بلهجة مستنكرة تحقيقها الحذق معه:
-وإنتي من امتى بتسأليني عن شغلي يا "هاجر"؟
كتفت ساعديها أمام بطنها المنتفخ، وأجابته بمسحة من العنجهية في صوتها:
-عادي.. مش مال أهلي اللي إنت شغال فيه؟ مغلطتش لما بأطمن عليه!
اغتاظ "محرز" من جملتها الأخيرة، وتمتم بصوتٍ خفيض يلعنها:
-أبو.. أهلك!

لم تفهم صوته الخافت، فاقتربت منه لتسأله من جديد:
-بتقول إيه؟
تجشأ بشكلٍ مقزز، ثم استرخى في جلسته، وطالعها بنظرات باردة ليبتسم بعدها بسماجةٍ وهو يخبرها كذبًا:
-يا ستي ده واحد مستقصدني أتوسطله في مصلحة أقضيهاله بس مش معاه يدفع كاش، وشغلنا ده زي ما إنتي بنتربط فيه من كلامنا، وأنا وعدته أتدخل وأسهله الأمور، ها في حاجة تانية؟

نظرت له في امتعاضٍ وهي ترد:
-لأ.. بس مكنش في داعي للنرفزة دي
هتف بضيقٍ لم يخفه:
-ما إنتي كان ناقص تسرقيني يا "هاجر"، إيش حال مكونتش شايل شغل أهلك على دماغي 7 سنين ومحدش كان بيحاسبني بأعمل إيه!

ردت عليه موضحة:
-يا "محرز" دلوقتي الوضع اتغير، و"تميم" بقى موجود، ومش ناقصة أسمع كلمة بايخة من أبويا لما يقولي ده جوزك مقصر في حاجة
أشاح بوجهه بعيدًا عن عينيها المراقبتين له، وقال بتأففٍ:
-لا ياختي اطمني، كله تمام!
شعرت "هاجر" بالغثيان يضرب معدتها من الدخان الذي لوث رئتيها، وضعت يدها على أنفها لتكتم الرائحة الكريهة التي تستنشقها، وسألته:
-هتنام ولا هتعمل إيه؟

لم ينظر نحوها حين أجابها:
-هاخلص الحجرين دول وأحصلك
هزت رأسها تحذره قبل أن توليه ظهرها:
-طيب، بس ابقى اتأكد إنك طفيت الفحم بدل ما تقوم حريقة
رد بتبرمٍ:
-ربك يسترها.
ظلت نظراته الساخطة مرتكزة على أثرها بالرغم من رحيلها، وهمس يقول لنفسه وخرطوم النارجيلة يتراقص بين شفتيه:
-هانت، كل واحد هياخد حقه .. قريب!

مسحت بظهر كفها دمعاتها الحارقة التي اغرورقت بها مقلتيها حين رأت العلامات بارزة في ثيابها القطنية، أدركت خلود أنه لا أمل ذلك الشهر في حدوث الحمل، ستنتظر على أعصابٍ متوترة ما سيحدث الشهر القادم، بالإضافة لبعض الجمل التوبيخية من والدتها، وكأنها المسئولة عن عدم حدوثه .. أكملت ارتداء ملابسها، ووقفت أمام مرآة الحمام تتطلع إلى وجهها الذابل، فتحت الصنبور وبللت أصابعها بالماء لتغسل به وجنتيها حتى تمحو آثار البكاء من عليهما، ثم قرصت خديها لتظهر توردهما بعد تنشيفهما، وابتسمت رغم حزنها حتى لا تشعره بالقهر الذي انتابها لمجرد تأكدها من زيارة ضيفتها الشهرية. خرجت من الحمام وتساءلت بمرحٍ زائف:
-حبيبي، إيه رأيك في عروسة أخويا؟ تنفع؟

أجابها "تميم" ساخرًا وهو ينظر لها:
-هو أنا هتجوزها؟
ضحكت قائلة وهي تقف أمام التسريحة لتمشط شعرها وتعقصه:
-بطل هزار، لأ بجد، رأيك فيها إيه؟ بنت كويسة؟ حلوة؟ شبهنا كده؟
لم يحبذ أبدًا التطرق لذلك الموضوع بعد الحالة المريبة التي انتابته تلك الليلة، لذا شوش على ما يناوش عقله مرددًا على مضضٍ ليظهر لها عدم اكتراثه:
-معرفش، اسألي أخوكي.

تنهدت معلقة عليه وهي تضع المشط في مكانه:
-هو شكله مبسوط، والبنت عجباني.. بس أختها لأ!
تقلص وجهه واشتدت تعابيره قليلاً حين نطقت بما لا يرغب، استلقى على الفراش، وضغط على شفتيه محاولاً ألا يشاركها الحوار، لكنها استمرت في ازعاجه وتشويش أفكاره قائلة:
-أنا مش بأقول عنها حاجة وحشة لا سمح الله، بالعكس هي جميلة، بس تحسها مش مريحة كده، أخدة الدنيا على صدرها، مش هاممها حد، وبيني وبينك شكلها غيرانة من أختها، والحدق يفهم!

أخفت ضحكة عبثية تشكلت على شفتيها بيدها، وكأنها بذلك قد نجحت في تحليل شخصيتها المعقدة باعتبارها خبيرة محنكة في أنواع النساء، أولاها ظهره ليتقلب على جانبه، وقال بفتورٍ:
-هما أحرار في بعض، احنا عملنا الواجب وخلصنا.

استلقت "خلود" بجوار زوجها بعد أن نزعت روبها عنها، مالت نحوه لتحتضن كتفيه، ثم قبلت صدغه، وتنهدت بحرارة على جلده ليشعر بلهيب أنفاسها، داعبت طرف أذنه بأناملها، وقالت له معتذرة:
-معلش يا حبيبي، إنت هتاخد كام يوم أجازة مني، يعني.. إنت فاهم بقى
فطن "تميم" إلى ما ترمي إليه، لم ينكر أنه شعر بالارتياح من تلك النجدة الإلهية لافتقاده الرغبة في ممارسة أيٍ من طقوس الحب حتى وإن قام بواجبه على أكمل وجه، ابتسم وقال بنبرة تميل للنعاس:
-مافيش مشكلة.

تابعت بمرارةٍ:
-كان نفسي أبشر باللي يفرحك، بس ربنا مأردش
تنفس ببطءٍ ورد عليها وجفناه مطبوقان:
-أنا مش مستعجل، لسه قدامنا العمر كله
قبلت جبينه، وتمددت على ظهرها لتحدق بعينين تستدعيان الدمع وهي تتابع:
-يعني.. أنا عارفة إن أهالينا نفسهم يفرحوا بالأخبار دي و...
قاطعها بجديةٍ وقد جفاه النوم فجأة:
-"خلود"!

ثم استدار نحوها ليقول:
-محدش ليه الحق لا يتدخل ولا يتكلم في الموضوع ده غيرنا، والوقت المناسب هيحصل، متحطيش إنتي في بالك.
التفتت ناحيته برأسها فرأت نظراته تجوب على وجهها المنكسر، مد يده ومسح تلك العبرات المتسللة من طرفيها، فاندفعت تقبله كالعمياء من شفتيه، احتضنها وبادلها قبلة مطولة، ثم حاول إبعادها لكنها أصرت على الالتصاق بجسده ليشعر بما يختلج صدرها، مسح على ظهرها بودٍ، وقال مبتسمًا عله يخفف من حزنها:
-سبيها على الله، وخلينا في فرحة أخوكي.

تطلعت إليه بعينين تلمعان بقوةٍ، ولاحت تلك البسمة المنتقصة على شفتيها، وردت في يأسٍ:
-نفسي أقدملك كل حاجة عشان تكون جمبي على طول، خايفة تبعد عني!
تقلصت عضلاته فجأة، شعر لوهلة بالقلق وكأنها ترتاب لأمره، ورد بانزعاجٍ ونظراته تلومها:
-هابعد أروح فين بس؟

-يعني ممكن تسافر، أو تتجوز..
-لأ ماليش في السفر..
حاول مداعبتها فمازحها بتلقائية دون أن يدرك أنه يحرر أفكاره التي تراود رأسه في لا وعيه:
-ولو يا ستي فكرت أتجوز هابقى أجيبها تعيش معاكي.

نظرت له بحدةٍ وقد قست ملامحها، فابتسم ليخفي حالة التوتر التي عصفت بكيانه لتلك الذلة المميتة، لم يقصد ذلك أبدًا، كانت مجرد طرفة عابرة، لكن ظهر تأثيرها المقلق على قسمات زوجته، أحنى رأسه عليها ليلتقط شفتيها بشفتيه، وطبع قبلة أشد عمقًا وأقوى تأثيرًا عليها علها تتأكد من مشاعره نحوها وتنسى ما باح به العقل، وكأنها نالت المسكن المؤقت لأحزانها الحالية بإشباع توقها لحبها الشغوف به...،

بقيت مستقرة في أحضانه وإن لم تغمض جفنيها. انتظمت أنفاس "تميم" وغرق في نومه، بينما ظلت "خلود" ساهدة، ساهمة حتى الساعات الأولى من اليوم الجديد، حينها خرج من جوفها تنهيدة بائسة محملة بالآمال والأحلام، تمنت فيها بكل أعماقها وعيناها معلقتان بالسماء قبل أن تغمضهما أن يحدث ما ترجوه عما قريب لتبشره وتنال الحظوة الكبرى لديه أولاً ولدى كامل عائلته، فتتربع على عرش عائلة "سلطان" بحفيدهم.. والوريث المنتظر... !

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة