قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية السماء تشهد أيها الماجن للكاتبة رضوى جاويش الفصل الرابع

رواية السماء تشهد أيها الماجن للكاتبة رضوى جاويش الفصل الرابع

رواية السماء تشهد أيها الماجن للكاتبة رضوى جاويش الفصل الرابع

دخلت حجرتها لترتاح قليلا قبل ان تعد حقيبتها فقد حان وقت الانتقال الى شمال إيطاليا وبدء الجولات هناك، تمددت على فراشها ليس لديها رغبة في القيام باي شئ سوى الاسترخاء فقط..

شردت وعيناها معلقتان بسقف الغرفة تتذكر ما كان من احداث بالأشهر القليلة الماضية والتي غيرت فيها ومنها كثيرا، تنهدت ومدت كفها تبحث عن هاتفها الذي اهملت الاطلاع عليه منذ وصولها رغبة في الانقطاع عن عالمها والاستمتاع بذاك العالم المحيط من الآثار والجولات التي لا تنتهي، فتحت هاتفها وبدأت في تصفحه لتنتفض معتدلة في جلستها تطالع شاشته في اضطراب تقرأ تلك الرسالة التي ارسلتها نهى ابنة عمتها ولم تنتبه لها، حتى ان هاتفتها رن عدة مرات ايضا ولم تتبين متى كان ذلك فهى قد قررت غلق هاتفها عن استقبال اى مكالمات او رسائل منذ وطأت قدماها الأراضي الإيطالية..

اتصلت مسرعة بنهى تنتظر اجابة على الطرف الاخر وما ان همت باغلاق الخط حتى ردت نهى في لهفة صارخة: - الووو، حياة!؟، اجيبي..
هتفت حياة صارخة بدورها: - ماذا يحدث يا نهى!؟، ولما طلبتي مني العودة في رسالتك وبشكل سريع وفوري!؟.
هتفت نهى باكية: - جدنا مريض للغاية ويسأل عنك كل دقيقة، ارجوكِ عودي على وجه السرعة، حالا يا حياة، حالا، فقد لا يكون هناك متسعا من الوقت لكي..

وصمتت نهى ولم تنه جملتها التي لم تكن تحتاج لمزيد من الكلمات لتدرك حياة ما تعنيه وخاصة عندما بدأت نهى في النحيب وكان ذاك ابلغ من إكمال ردها مما دفع حياة لتهتف في اضطراب: - سأستقل اول طائرة قادمة للقاهرة اليوم، سأكون عندك خلال ساعات يا نهى، بلغي جدي ان يصمد لأجلي فلن أطيق رحيله دون وداعي..
همست نهى: - حسنا..

واغلق الخط بينهما لتندفع حياة تجمع حاجاتها مسرعة من الغرفة ومنها لاستقبال الفندق لحجز مقعد على اول طائرة منطلقة من روما متجهة للقاهرة..

وقفت نهى امام الحاجز الزجاجي تتطلع الى جسد جدها المسجي وبكت في لوعة، ليهتف مهنى مهدئا: - سيكون بخير، الأطباء اكدوا لي انه تعدى مرحلة الخطر..
همست نهى: - الحمد لله..
همس مهنى: - لقد اكد لى طبيبه المعالج انه لا ينفك يذكر اسم حياة مرددا إياه بشكل مُلح..

همست نهى وهى لا تحيد نظراتها عن جسد جدها: - لقد تلقت رسالتي أخيرا وهى قادمة على اول طائرة للقاهرة لعل مجيئها يكون هي دواء جدي الشافي، انت تعلم كم يحبها ويفضلها..
اومأ مهنى مؤكدا: - نعم، جيد انها في طريقها الي هنا، آمل ان تصل ليتحسن حاله..
همست نهى: - ستعود فلن تحتمل ان يتعذب جدي في بعادها، ستعود اسرع مما تتخيل..
اومأ مهنى في تفهم ولم يعقب بكلمة..

جلست تربط حزام الأمان متنهدة في راحة فقد استطاعت الحصول علي هذا المقعد بشق الأنفس وتنفست الصعداء ما ان اقلعت الطائرة..

ساعات قليلة وتكون بجوار فراش جدها الحبيب فهى تعرف انه لن يرحل دون ان تراه ربما للمرة الاخيرة، كانت ترفض تماما فكرة تلك الرحلة والابتعاد عنه وخاصة ان حالته الصحية مؤخرا لم تكن على ما يرام الا انها ازعنت لرجائه ووافقت بعد إلحاحه لتخرج من عزلتها قليلا وتحاول ان تغير من اجواء الكأبة التي فرضتها على نفسها بعد تلك الاحداث التى تعرضت لها وأدخلتها في أزمة نفسية كبيرة كادت ان تدخل جدها لغيبوبة طويلة بسبب حزنه على حفيدته الاثيرة لديه..

تطلعت من النافذة على تلك السحب الفضية وسرحت في ذكريات بعيدة قفزت الى مخيلتها وجذبتها سريعا الى خضم احداثها حتى انها لم تنتبه لذاك الذي جاء ليجلس بالمقعد الشاغر جوارها ولم تدر رأسها حتى لتستطلع من الذي يجاورها فلم تكن قد استطاعت الفكاك بعد من اسر تلك الذكريات لمخيلتها لكنها انتفضت فجأة عندما وجدت منديلا مشهرا امام ناظريها وهمس بصوت تعرفت على نبراته لكنها كذبت حدسها كالعادة: - تلك العيون الجميلة لا يليق بها الدموع..

تطلعت الي صاحب اليد الممدودة بالمنديل لتفغر فاها في دهشة هاتفة في تعجب: - ما الذي ات بك الى هنا!؟، الم تكن في سبيلك ل..
قاطعها مؤكدا بابتسامة: - أولم تكوني في سبيلك لشمال إيطاليا معنا بدورك!؟، انها احداث الحياة، لحظة انت هنا واللحظة القادمة انت هناك، وفي لحظة ثالثة انت بعالم اخر تماما..

مدت كفها تتناول المنديل من يده التي كانت لاتزل ممدودة اليها وجففت دمعها الذي ما ادركت تساقطه الا عندما رأت المنديل قبالة ناظريها..
همس متعاطفا: - هل اطلب لك مشروب ما!؟، المضيفة احدى الصديقات واستطيع احضار ما يحلو لك..
ابتسمت ساخرة: - لما لا اشعر بالغرابة!؟، شئ متوقع، على العموم، شكرًا، لا رغبة لدي في استغلال صديقاتك العزيزات، اهنأ بخدماتهن وحدك..

وتطلعت من النافذة معلنة رغبتها في إنهاء الحوار لكنه لم يلق بالا لرغبتها تلك طالما هولايزل يملك الرغبة في الحديث والتواصل وهمس متسائلا في فضول: - ما الذي كان يبكيكِ!؟، ما سبب تلك الدموع يا ترى!؟.

أدارت رأسها اليه في عنف هامسة في سخرية: - سببها بعض الفضوليين، فانا اكره الفضول واصحابه..
هتف في لامبالاة: - ليس فضولا صدقيني، فليس هناك ما يدعو للفضول تجاهك مطلقا اعتقد اني أوضحت هذه النقطة من قبل...

جزت على أسنانها غيظا لكنها كتمت غضبها داخلها في محاولة لتبدو بمظهر امرأة قادرة ومسيطرة ليستطرد هو بنفس اللهجة الواثقة التي تمقتها بشدة: - لكن شعرت ان من اللطيف لو شاركتك بعض احزانك فالساعات لاتزل ممتدة أمامنا للوصول لوجهتنا، لكن لا عليكِ، كنت مخطئا..
وجذب ذاك القناع الذي يوضع لحجب الضوء عن العين استعدادا للخلود للنوم قاطعا معها اى فرصة للتواصل..

شعرت بالراحة لفعلته فهى لا تريد متطفلين على مزاجها العكر منذ سمعت بخبر مرض جدها الذي يبدو انه ينازع الموت حتى يستطع ان يرها قبل ان يرحل للأبد، تطلعت من جديد للنافذة وغابت مرة أخرى بين دفاتر ذكرياتها التي تراها مجسدة امامها على صفحة السماء..

لا تعرف كم مر من الوقت وهى على هذه الحالة لكن تلك الرجة العجيبة التي حدثت بالطائرة جعلتها تشهق في فزع لتمسك بذراع مقعدها متشبثة اوما اعتقدت انه كذلك حتى تحرك قابضا على كفها بدوره لتدرك انها ذراعه الممدودة جوارها، رفع قناع الاعين متطلعا اليها وهولايزل متشبثا بكفها مهدئا: - لا عليكِ، ربما هو مطب هوائي لا اكثر..

لكن الامر تكرر من جديد وبدأت الطائرة في الانحراف قليلا عن مسارها وبدأت الصرخات تعلو مع محاولة طاقم الضيافة تهدئة المسافرين وشرح بعض التعليمات لضمان سلامة الجميع، الا ان المزيد من الرجات تكررت تباعا وعلت الصرخات وزادت وتيرة الفزع وما عاد احد قادرعلى الحفاظ على هدوئه والطائرة تهوي وقائدها ليس بقادر على السيطرة عليها..

صرخت نهى غير قادرة على كتمان صدمتها ما ان أبلغها محامِ العائلة الاستاذ مهني خبر سقوط الطائرة القادمة من روما والتي تأكد من سجل ركابها ان حياة كانت من بينهم لتصرخ في لوعة: - انا من اخبرها بضرورة مجيئها على وجه السرعة، انا من تعجلها لتأتي وترى جدي، انا السبب..

هتف مهني بها في محاولة لتهدئتها وردها لصوابها: - ارجوكِ تمالكي اعصابك حتى لا يصل الخبر لجدك، فهو يعيش فقط على امل عودتها، دعيه يعتقد انها في الطريق اليه..
همست نهى باكية: - كيف لى ان اواجهه وانا بهذه الحالة!؟، لن أستطع الكذب والادعاء امامه، الامر اكثر من قدرتي على التحمل..

وعلا نحيبها الموجع وهى تهتف في تحسروشفقة: - مسكينة حياة، لم تنل بحياتها الا الشقاء والوجع، هاقد انتهت تلك الحياة التي كانت تكره وما عادت قادرة على احداث المزيد من الأوجاع بروحها فقد فارقتها للأبد..
همس مهني متحسرا بدوره: - رحمها الله، لا اعلم كيف سيكون رد فعل جدكما ان علم بالأمر!؟، سيقض ذاك الخبر عليه..

صرخت نهى هاتفة في ذعر: - سأخسر كلاهما، حياة وجدي، لن أستطيع العيش دونهما، ماذا عليّ ان افعل!؟.
هدأها مهنى هامسا في تعاطف: - كل ما عليكِ فعله هو التماسك قدر استطاعتك فلو علم جدك لن ينجو هذه المرة يا نهى، لقد نقله الأطباء أخيرا لحجرة عادية بعد استقرار حالته، علينا ان نعمل على الحفاظ على سرية الخبر حتى تتحسن صحته قليلا ثم نبحث كيف نعالج الامر..

اومأت نهى موافقة في استسلام وهى تحاول كتمان شهقات بكائها وجعا وحسرة على رحيل رفيقة عمرها..

كان صوت النوارس يحدث ضجيحا غير محتمل بأعلى رأسه التي يكتنفها دوارا عجيبا لم يستشعره من قبل..
حاول ان يبعدها مشيحا بكفه حتى يتسنى له العودة للنعاس من جديد فهو يشعر بوهن وإرهاق عجيب ينتشر بكامل جسده يجعله غير قادر على تحريك عظمة واحدة من دون شعوره بألم رهيب بسائر الجسم كانما خاض معركة مع ثور بري..

عاود النعاس ربما للحظات وربما لساعات لكنه استعاد وعيه من جديد على ذات الصوت المزعج للنوارس محلقة بالقرب من مسامعه لذا قرر ان يستطلع الامر ففتح عينيه في تباطؤ وتردد وقد ضاقت حدقتيه لتصبحا قادرتين على استيعاب ضوء النهار الباهر الذي يزعجهما واخيرا رفع رأسه في تثاقل متطلعا حوله في تعجب..

جال بناظريه في كل ما حوله واخيرا فقد قدرته على الاستمرار في رفع رأسه فانقلب ليسقط على ظهره متطلعا للسماء التي كانت تغطيها طيور النورس البحرية وقد ادرك ما يجري وخاصة عندما بدأت ذاكرته في استرجاع شريط الاحداث في الساعات او ربما الأيام الاخيرة قبل سقوط الطائرة ليصبح وحيدا على تلك الجزيرة..

اغمض عينيه من جديد محاولا الغرق مرة اخرى فى النعاس متناسيا كل ما حدث بالفعل وكأنه كابوس سخيف، فالموت هو عنوان المرحلة سيان كان بسقوط الطائرة او البقاء بتلك الجزيرة وحيدا..

كان يجلس يتطلع للغروب قبالته والشمس تتوارى خلف البحر منذرة بقدوم جحافل الليل التي بدأت تنشر ظلمتها، ارتجف موضعه وهو يفكر ان هذه ستكون الليلة الثانية التي يبيت فيها وحيدا على هذه الجزيرة، ولولا ذاك الكوخ اوما يطلق عليه كوخا والذي صنعه على قدر استطاعته من بعض سيقان الأشجار لتصبح سقفا يحتمي تحته من بعض الحيوانات التي قد تهاجمه ليلا ما استطاع ان ينجو من الموت على تلك الجزيرة حتى الان..

ارتجفت أوصاله عندما استشعر حفيفاً وجسم ما يقترب، مد كفه نحو ركوة النار يتلمس الرماد ماسحا به على طول جبهته وسائر الوجه مخفيا معالمه واندفع بحذر متسلقا تلك الشجرة التي كان يستند على جذعها لتوه وتوقف عندما وصل لارتفاع مناسب عن الارض وكذا لفرع قوي يستطيع الجلوس عليه دون ان يخزله فينكسر لثقله..

لحظات وصدق حدسه وهو يرى ذاك الخيال على ضوء جذوة النار التي استطاع إشعالها اخيرا وصنع منها ركوة تحيطها الحجارة ليشوي عليها تلك الأسماك التي استطاع صيدها يتحرك متجها نحو اللهب..
لم يكن يوحي الظل القادم نحوه كما يحاول تبينه بالأعلى انه لحيوان ما جذبته رائحة الطعام لكنه اكثر شبها بظل بشري ينحني ويتحرك في خفة متسللا..

ارتجف من جديد وقد جالت بخاطره جميع مشاهد آكلي لحوم البشر بالأفلام السينمائية التي شاهدها والتي لم يكن يتوقع حتى في اسوء كوابيسه ان يكون عشاء لإحداهم يوما ما..
لكن ها قد أتى اليوم الذي سيكون وجبة مشبعة لواحد منهم يقترب متخفيا بأوراق الشجر التي ينثرها على جسده كنوع من التمويه ومحاكاة البيئة..

لم يكن يعلم ما عليه فعله بالضبط، هل ينتظر موضعه حتى يرحل ذاك الكائن!؟، ام عليه مهاجمته والقضاء عليه حتى يتخلص نهائيا من تهديده المستقبلي!؟.
اصبح صاحب الظل اسفل الشجرة التي يعتليها مباشرة وهنا فقط استطاع اتخاذ قراره وانقض قافزا من عليائه على ذاك الكائن الذي اطلق صرخة وكلاهما يسقط ارضا..

من حسن حظ ادم انه سقط وهولايزل يحتفظ بتفوقه معتليا ذاك الوحش الآدمي وامسك بأحدي الأحجارالمحيطة بركوة النار ورفعها عاليا ليهوى بها على رأس ذاك البشري المتوحش لكنه توقف مصعوقا وهو يتطلع لصاحب ذاك الظل الذي أرعبه..
تلك اللحظة التي توقفها كانت فاصلة لحسم المعركة فذاك الوحش امتدت كفه بالمثل ممسكة بأحد الأحجارالتي كانت تحيط بركوة النار، رفعها ليضرب بها رأس ادم الذي صرخ ممسكا بجبينه الجريح...

همس السعيد في نبرة واهنة متطلعا لحفيدته في ترقب: - اما من اخبار عن حياة!؟.
تماسكت نهى قدر استطاعتها بازلة مجهود جبار في السيطرة على رغبتها في الانفجار باكية في أحضان جدها تخبره الحقيقة: - لااا، ليس هناك من اخبار، هاتفها لايزل خارج نطاق الخدمة..

هتف مهنى معللا يحاول جذب خيط الحديث من نهى حتى لا تضعف ملقية بالخبر المشؤوم: - ربما لم تنتبه لهاتفها فخلال الجولات السياحية الكثير من الضجيج والصخب، وعند عودتها تكون مرهقة لا رغبة لديها سوى النوم..
هز الجد رأسه متفهما وهمس وهو يغمض عينيه بغية الراحة: - لا يهم، تفعل مايحلو لها، الأهم ان تكون سعيدة وعلى ما يرام..

لم تستطع نهى الاحتمال اكثر فاندفعت خارج الحجرة تنتحب في وجع، ليتبعها مهنى متطلعا اليها في إشفاق غير قادر على فعل أي شيء حيال حكم القدر..

كان الوحش لايزل ممسكا بتلك الحجارة التي اصاب بها رأس ادم تحسبًا لمهاجمة ادم له من جديد والذي انحني متوجعا يمسك موضع اصابته رافضا الابتعاد عن موضع تفوقه باعتلائه جسد ذاك الكائن وهتف في سخط: - اللعنة، قلتها وسأظل افعل، لا خير فيكن ابدا، ما ان تظهر احداكن الا وتهل المصائب واحدة تلو الاخري..

تنبهت حياة لصوته ونبرته الساخرة المميزة التي لا تخطئها آذانها على الرغم من انها لم تميزه نظرا لذاك السواد الذي يرسم به وجهه اشبه بجندي صاعقة في مهمة انتحارية وهتفت في دهشة: - ادم عبدالخالق.!؟، اهذا انت!؟.
هتف ساخرا وهو لايزل واضعا كفه على موضع اصابته: - هو بعينه التي كادت ان تضيع على يديكِ لتوها..

ما ان ادركت كنه ذاك الرجل حتى تنبهت لوضعه فدفعت به بعيدا عنها ليسقط جانبا، ونهضت في محاولة لتعديل هندامها وضبط غطاء رأسها الذي انزاح قليلا للوراء بعد سقوطهما..
هتف ساخرا وهو لايزل يضغط بكفه على موضع جرحه فوق حاجبه الأيسر: - تعدلين هندامك!؟، انت اشبه بفرع شجرة جاف يتحرك بتلك الاوراق العجيبة التي تضعين.
هتفت تبرر: - احاول التخفي، وقد نجح الامر حتى الان على الاقل..

هتف مؤكدا في سخرية: - نعم نجح بامتياز وكاد ان يصيبني بأزمة قلبية..
لم تعقب لذا استطرد في تأدب مغاير لحقيقة شخصيته: - على ايه حال، مبارك نجاتك، هل هناك من ناجين غيرك!؟.

هزت رأسها نفيا مؤكدة في اسف: - لا اظن، عندما استيقظت على الشاطئ وجدتني وحيدة تماما، لم يكن هناك غيري، كنت اعتقد اني نجوت وحدي فاختبأت باحدى الفجوات الصخرية الموجودة قرب الشاطئ على الجانب الاخر من الجزيرة، لكني اقتربت عندما وصل الي رائحة شواء البارحة وتنبهت لضوء تلك الركوة التي اشعلتها..
هز رأسه متفهما وهتف مرة اخرى: - حمد لله على سلامتك، لقد كتب الله لكلانا عمرا جديدا..

هزت رأسها في إيجاب وجلست في تردد قرب ركوة النار تشعر بالبرودة تنخر عظامها لقربهما من شاطئ البحر بشكل كبير، فخطوات قليلة وتلامس اقدامها أمواجه، تنبه لارتجافتها وهو يتفحصها على ضوء ذاك اللهب الذي تتراقص أشاعته على ملامح وجهها الذي يحكي قصة معاناة عاشتها ليومين معتقدة انها وحيدة على تلك الجزيرة كما كان يعتقد..

هتف متعاطفا: - يبدو انك جائعة، سأشوي تلك الأسماك وحتى انتهي سأحضر لك بعض من الفاكهة التي استطعت جمعها من أشجار قريبة فانا لم اتوغل لقلب الجزيرة بعد، كان وصولك الي هنا مخاطرة كبيرة..
واستطرد وهو يتجه لكوخه الخشبي الذي كان يضع به غذائه: - وشجاعة هائلة أيضا..

عاد بثمرتي فاكهة ومد كفه بهما فتناولتهما في سعادة وبدأت في قضم احداهما بشهية متجاهلة تفرسه بها وهو يهتف مسترسلا: - على الرغم من ان مظهرك لا يوح ابدا بانك تمتلكين تلك القوة الداخلية..

توقفت عن الطعام ورفعت ناظريها اليه وهتفت في صرامة: - تتحدث وكأننا عشرة سنوات لا بضعة ايّام لم نلتق فيها الا ساعات قليلة، ماذا تعرف عني حتى تحكم على ما املك وما لا املك!؟، من الأفضل لك التركيز على ما يخصك وترك ما لايعنيك.
لم يهتز للحظة لذاك السيل من الهجوم العدائي من قبلها بل انه هتف في بساطة: - حسنا، انتِ على حق، لكن اظن انك منذ اللحظة التي ظهرتِ فيها وانتِ اصبحتِ تحت بند ما يخصني..

نظرت اليه غير مصدقة ما يقول وهتفت في تعجب: - هل انت واعٍ لما تتفوه به!؟، انا لست احدي مقتنياتك ولن يحدث..
هتف موضحا: - ومن قال هذا، ما قصدته انك اصبحتِ مسؤلة مني وعلىّ الحفاظ عليكِ وحمايتكِ حتى يحدث امرا من اثنين، الموت هنا، او النجاة..
هتفت في ثقة: - اشكرك كثيرا، لكن اعتقد انه من الأفضل لكلينا ان يكون كل منا مسؤل عن نفسه..

ونهضت مؤكدة وهى تشير بثمرة الفاكهة التي لاتزل بحوزتها: - اشكرك على حسن الضيافة..
واستطردت وهى تشير لجرحه الذي لم يكن خطرا كما توقعت فذاك الحجر الذي ضربته به كان من النوع الجيري الذي يتفتت بسهولة فلم يحدث قطعا غائرا بل مجرد خدش بسيط فوق حاجبه الأيسر أعطاه مظهرا شقيا لاحد المشاغبين: - وآسفة على ذاك الجرح..

هتف ساخرا: - تذكار قيم، شكرًا، تصبحين على خير وأرجو الاتصال قبل الزيارة القادمة التي أتمنى من صميم قلبي الا تتكرر..
تحركت خطوات مترددة وتساءلت في نفسها، هل سيتركها ترحل بالفعل!؟.
تطلعت لقلب الجزيرة المعتم وتلك الأشجار المتشابكة التي عليها اجتيازها لتعود لموضعها السابق بذاك التجويف الحجري الرطب والذي لزمته ليومين تقتات على بعض الفاكهة قبل ان تلقاه معتقدة انها ستموت ويكون موضع قبرها..

لا، لن تعود، هكذا حزمت امرها وهتفت في ثبات حاولت ادعائه وهى تعاود الجلوس مرة اخرى قرب النارالمستعرة: - اعتقد ان بقائي معك هنا افضل من بقاء كل منا بمفرده، وخاصة ونحن لا نعلم ما ينتظرنا بهذه الجزيرة..

اتسعت ابتسامته دون ان يعقب بحرف واحد يفسد عليها شعورها بانه اقتنع بتلك المبررات الواهية لبقائها قربه، لكن مهما يكن، فقد اعترف داخليا انه يشعر بسعادة عجيبة، سعادة من نوع خاص عندما اكتشف انها على قيد الحياة، وأنهما هاهنا على هذه الجزيرة وحيدين، كأنهما ادم وحواء بُعثا من جديد..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة