قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية السماء تشهد أيها الماجن للكاتبة رضوى جاويش الفصل الخامس

رواية السماء تشهد أيها الماجن للكاتبة رضوى جاويش الفصل الخامس

رواية السماء تشهد أيها الماجن للكاتبة رضوى جاويش الفصل الخامس

كانت الغيوم تنذر بذلك منذ الصباح الباكر منذ كانت بذاك الكهف الصخري لكن ماذا عليها ان تفعل الان وأين يمكنها البقاء في تلك الساعات القليلة القادمة والتي من الممكن ان تستمر حتى صباح الغد اتقاءً لذاك السيل الجارف من ماء المطر الذي بدأت وتيرته تشتد منذ بعض الوقت ولا حيلة لها الا الاحتماء ببعض الأشجار العريضة الاوراق تتخذها ستارا يقيها البلل الى حد ما فلا قدرة لديها على العودة لموضع اختبائها الأول بذاك الكهف الصخري على الجانب الاخر من الجزيرة وكذا قبول عرضه بالاحتماء بكوخه..

أصبحت الأمطار من الغزارة ما جعل احتمائها الواهن ذاك اشبه بالوقوف امام وحش بكف عار..
سمعت صوته الاجش يناديها وهو يقف على اعتاب كوخه الخشبي الذي يبدو انه صنعه ما ان وطأت قدماه الجزيرة وقبل ان يشأ القدر ويجتمعا: - تعالي احتمي بداخل الكوخ، صدقيني وقوفك ذاك تحت الأمطار لن يجلب لكِ الا المرض..

هزت رأسها رافضة تماما التواجد مع زير النساء ذاك في مكان واحد لا يتعد اتساعه عدة أمتار، لن تدعه ينل الفرصة لمغازلتها والتقرب منها ولو داهمها الموت حتى..
هز رأسه في ضيق فهو لم يفلح في اثنائها عن رأيها لتدخل وتشاركه الكوخ رغم انه ليس بالمكان المثالي في مثل ذاك الطقس المطير الا انه افضل حالا من الوقوف تحت ذاك الوابل من المطر، انها هالكة لا محالة همس في غيظ: - الحمقاء متصلبة الرأس..

تطلع اليها للحظات ثم اطلق سبابا حانقا ودخل الي الكوخ وقد قرر تجاهلها لكنه لم يستطع عندما بدأت السماء ترعد وتبرق منذرة بالمزيد من هطول الادمع..
نهض عازما على ادخالها الكوخ بأي ثمن حتى ولواضطر لسحبها من شعرها كما كان يفعل رجل العصور الحجرية..

انتشى للفكرة وما ان هم بالخروج اليها عابرا عتبة كوخه حتى اصطدم بها مسرعة ومندفعة اليه تخبئ رأسها بين ذراعيها وقد انزرع جبينها بصدره من شدة التصادم، كانت ترتجف محاولة ان تصم آذانها عن صوت الرعد الذي يرعبها..
شعر للحظة بالانتصار لمجيئها لكن شعوره بالشفقة طغى على شعور الظفر ذاك وهو يراها ترتعش بهذا الشكل المتكرر..

ابتعد عن مدخل الكوخ لتدخل مسرعة اليه دون تردد ليدخل خلفها متطلعا اليها تقطر ماء من رأسها حتى اخمص قدميها وترتجف كعصفور منذوع الريش يقف في مهب رياح شتوية وخاصة وقد ابتلت ملابسها بهذا الشكل ملتصقة عليه مبرزة نحافة قدها..

تنحنح محاولا صرف خواطره من التوجه الي ذاك المنحن الخطر كما هى عادتها منتزعا إياها انتزاعا من السير في ذاك الدرب الشائك وخاصة في ذاك الوقت وهمس بصوت أبح: - لو بقيتِ بهذه الملابس المبتلة فالموت مصيرك لامحالة..

شعرت بالتهديد فضمت جسدها بذراعيها في محاولة لإشعار نفسها بالامان والحماية ولم تعقب ليستطرد مؤكدا وهو يندفع خارج الكوخ: - سأذهب لإحضار حقيبة وجدتها قبل ظهورك ولم استطلع محتوياتها ربما يكون بها بعض الملابس لعلك تجدين ما يناسبك لارتدائه..

تحركت هى متخشبة الخطوة تجلس في ابعد ركن من ذاك الكوخ المربع محاولة تجنب البقاء على مقربة منه رغم رغبتها الشديدة الالتصاق بركوة النار الصغيرة الكائنة بوسط الكوخ والتي أشعلها داخله ما ان بدأ الطقس بالخارج يلهو بألعابه من امطار ورعود..
اندفع هو تحت الأمطار على ذاك الجانب الذي وضع به تلك الحقيبة الجلدية والتي وجدها ملقاة على الشاطئ وقد لفظها البحر رغبة في عدم الاحتفاظ بها..

تناول الحقيبة وعاد مسرعا قدر إمكانه على تلك الارض الزلقة والموحلة وما ان جذب باب الكوخ ليدخل حتى كادت تصرخ مذعورة لكنها امسكت صرخاتها ما ان وعت له فقهقه لذعرها هاتفا: - من يمكن ان يكون غيري لتنتفضي هكذا ذعرا!؟، احد الأشباح جاء متلمسا الدفء مثلا!؟.
همست وهى تنكمش على نفسها في خوف مرتجفة: - ارجوك اصمت، لا ذكر لمثل تلك القصص في مثل ذاك الطقس الثائر، رجاءً ان تكف..

تطلع اليها وقد اصبح على نفس حالها عندما دخلت الكوخ يقطر ماءً وقد ابتل كليا، وضع الحقيبة ارضا وفتحها مشيرا اليها لتقترب امرا إياها: - تعالي لتختاري لنفسك ما يمكن ان يكون مناسبا لك لترتديه..
تقدمت خطوة سيرا على اربع، كفيها وركبتيها، حتى اصبحت امام الحقيبة المنفرجة وبدأ هو في اخراج الملابس قطعة قطعة باحثا عما يناسبه لكن يبدو ان تلك الحقيبة لامرأة فكل ما بها يؤكد ذلك..

شعرت بالإحراج وكاد الدم يهرب من شرايينها وهو يقلب بمحتوايات الحقيبة بفضول تام مستمتعا بكل تلك الأغراض النسائية لا متحسرا كما اعتقدت لانه لم يجد ما يمكنه ارتدائه، كان كمن وجد كنزا غير متوقع وهو يحفر الارض عبثا..

ابتسامته التي تظهر على طرف فمه المغري يشعرها بمدي سعادته، قررت التدخل لتقويض دعائم الفرحة المنبعثة من تلك الاحداق الماجنة فهى معه بفراغ مربع صغير ولا قبل لها على مغالبة عبثه فهتفت وهى تغلق الحقيبة دفعة واحدة جعلته ينزع كفيه بسرعة قبل ان يلتهمهما فكي الحقيبة التي أغلقتها حياة في ضيق هاتفة: - من الواضح ان لا شئ يليق بك هنا لترتديه الا لو كنت تفضل ملابس النساء!؟.

قرأ دوافعها لغلق الحقيبة بذلك العنف بكل سهولة ليهمس في مجون: - افضل ملابس النساء عندما ترتديها امرأة جميلة لأجلى وساعتها لا اعتقد اني سأكون بحاجة لحقيبة كهذه باحثا فيها عن ملابس تناسبني..
شهقت في صدمة لتلميحه الماجن وانتفضت تنهض في غضب: - انت غير محتمل، انا افضل البقاء تحت الأمطارعلى البقاء معك تحت سقف واحد..

همت بالخروج من الكوخ ليمسك كفها جاذبا إياها في قوة لتسقط فوق الحقيبة المغلقة شاهقة في ذعر ليأسرها بين ذراعيه طالا عليها من عليائه هامسا في غيظ: - اسمعي، ستبقين هنا غصبا عنكِ لا برضاكِ فانا قد اكتفيت من حفر القبور من اجل دفن جثامين الموتى..
اتسعت حدقتي عينيها ذعرا وهى تتطلع اليه في رعب ليستطرد مؤكدا: - نعم، انا دفنت كل من وجدت جثمانه على الشاطئ، وحقا اكتفيت العمل بحفر القبور ولعب دور الحانوتي..

نهض مبتعدا لركنه امرا: - ارتدِ ما يحلو لك من تلك الحقيبة اللعينة، اختاري ما يجعلك جافة وآمنة من ذاك الذئب البشري الذي ينام معك داخل نفس الكوخ يا صاحبة الصون والعفاف..
خلع سترته المبتلة والتي لا بديل لها وقام بعصرها بأقصى قوة مفرغا بها جام غضبه المكبوت قبل ان يرتديها من جديد..

تشاغل عنها آخذا في العبث ببعض الأدوات لتدرك انه يحضر مشروب دافئ وانه يوليها ظهره تاركا إياها تقوم بما امرها به دون ازعاج..
نهضت من فوق الحقيبة وفتحتها وأخرجت منها على عجل فستان اسود من الستان مزروع على ارض قماشه بعض الورود الحمراء ذات البتلات الخضراء..

ترددت في تغيير ملابسها لكنه كان لايزل يوليها ظهره وهتف وكانما يشعر بخلجات نفسها قبل ان تتحدث: - بدلي ملابسك فأنا احاول ان اتشاغل بصنع بعض الشراب الساخن من تلك المواد العجيبة التي أملك..
لم تهمس بحرف وجلست متكومة على نفسها بركن الكوخ حيث كانت وبدأت في خلع ملابسها متخذة من ضلفة الحقيبة المفتوحة ستارا تختبئ خلفه حتى انتهت..

غيرت غطاء رأسها المبتل ذاك بشال مخملي أسود كان يناسب الثوب تماما، استدارت وأغلقت الحقيبة باحكام ونحتها جانبا ليستدير هو ما ان تأكد من حركاتها خلفه انها أنهت ما كانت تقوم به..

وقعت أنظاره عليها ليخفق قلبه في استحسان لتلك الحورية الصغيرة التي يبصرها اللحظة امامه على ذاك الضوء المتراقص باغراء للهيب نيران الركوة لكنه لم يبد اي اشارة تدل على ذاك الاضطراب الذي يعتمل بنفسه ومد كفه بكوب من صفيح صنعه من بقايا عبوات المياه الغازية التي ألقى بها البحر للشاطئ، تناولته منه شاعرة انه ينأى بنظراته عنها بشكل متعمد مما أشعرها بالراحة..

احتضنت الكوب تحاول ان تستمد من سخونته بعض الدفء متسائلة عن محتواه قبل ان تجربه: - ما هذا!؟.

همس وهو يرتشف من كوبه الصفيح هامسا وهو يحتضنه بدوره متطلعا لألسنة النيران التي يراها تحاول ان تخبو لترتاح قليلا فمد كفه بعصا صغيرة وأخذ يحاول اعادة إشعال جذوتها وازكائها من جديد: - هذا مشروب من بعض الأعشاب التي وجدتها هنا تصلح للاستخدام، لا تقلقي، فقد جربته بنفسي عدة مرات قبل ظهورك، عندما كنت رجلا وحيدا وسعيدا..

هتف بكلماته الاخيرة في سخرية لم تزعجها بل على العكس جعلت الابتسامة تطل من شرفة شفتيها رغما عنها وهمست تجاريه: - لم اكن اعلم اني رمز لشقائك وهادمة لدعائم سعادتك..
اتكأ مستندا على الارض بكوعه ومتخذا كفه مسنداً لصدغه وهتف في ثقة: - ليس انتِ بالذات، انما جنسكن بالعموم، انها الحكاية الأبدية، خلق الله حواء من اجل إسعاد ادم وايناسه فإذا بها تخرجه من الجنة الي حيث البلاء والابتلاء..

همست محركة كتفيها في لامبالاة: - لن اجادلك في اعتقادك، هنيئا لك به، وأتمنى من كل قلبي ان تتذكر ذاك المعتقد القيم كلما نظرت اليّ لأشعر ببعض الأمان في رفقتك، تصبح على خير...
أنهت كلماتها وقد اصابت الهدف في منتصفه تماما تاركة اياه فاغرا فاه في تعجب من ردها وهى تعيد وضع الحقيبة منتصبة بينهما مغيبة جسدها خلفها مدعية النعاس..

منذ تلك الوعكة الأخيرة لجدها ونهى لم تفارقه للحظة، كانت منهكة بشكل لا يصدق مما دفع مهنى ليهتف بها في
إشفاق: - الحمد لله ان الامر على خير، لكن الأطباء يؤكدون انه اذا تكررت الأزمة فقد تكون القاضية..
وتنهد في إرهاق مستطردا: - هيا، عليك العودة للفيلا والحصول على قدر من الراحة فهذه هي الليلة الثالثة لكِ على التوالي بلا نوم..
همست نهى في حزن: - لن ارحل تاركة جدي، لن اعود للفيلا الا برفقته..

تنهد مهنى في نفاذ صبر: - اذهبي لأخذ قسطا وافرا من النوم وانا سأظل بقربه، لا تقلقي..
استسلمت نهى أخيرا هاتفة في وهن: - حسنا، سأذهب واعود سريعا..
همس مهنى مطمئنا: - خذي قسطا كافيا من الراحة، لا داعِ للعجلة، فانا لن أبرح مكاني حتى عودتك..

هزت نهى رأسها ممتنة له ونهضت تتجه للفيلا تشعر بانها أصبحت وحيدة بهذا العالم، لم تتمالك نفسها عندما دخلت اليها فبكت بحرقة وهى تتطلع حولها في وجع فقد رحلت رفيقة عمرها والأقرب لها من اخت، لقد دخلا هذه الفيلا معا وقام جدهما بالاعتناء بهما معا، فمنذ تلك الحادثة التي أودت بحياة والديها ووالديّ حياة وقد اصبح جدهما هو عائلهما الوحيد الذي ضمهما لصدره وأسبغ عليهما حنانه ومحبته، كانت حياة هي الأثيرة لديه والأقرب لقلبه لكنه ابدا لم يفرق بينهما في المعاملة اوقدر المعزة..

لكن اين هي حياة الان!؟، وأين جدها!؟.
وأين تلك الحياة الهانئة التي كانت تحياها في ظل محبتهما!؟..
سالت دموعها من جديد وشعرت بخواء داخلها يزيد من حجم وجيعتها، تمنت الشفاء لجدها فلا قدرة لديها على العيش وحيدة بعد ان رحلت حياة للأبد..

حاول ان يتمطأ بأريحية الا انه تنبه لكونه ليس على فراشه الوثير باحد الفنادق الفاخرة بل على فراش من بعض الأعشاب والذي صنعه لنفسه داخل ذاك الكوخ الخشبي المتواضع، نفض الكرى عن احفانه ما ان تسلل اليه ضوء النهار البازغ من خلف خصاص الباب فقرر النهوض بحثا عن طعام فقد شعر بمعدته تقرقر غضبا رغبة في وليمة تخمد تضورها..

ما ان هم بالنهوض حتى تناهى لمسامعه همهمات ما فتذكر من تشاركه الكوخ منذ البارحة فوقعت نظراته عليها من موضعه ليجدها ما تزل تغط في النوم قرر الخروج تاركا إياها تنعم بالمزيد، بحث عن بعض الفواكه اوالخضروات لتناولها على الافطار وجمع ما استطاع من ذاك العشب الذي يستبدله بالمشروب وبعض الماء العذب من نبع قريب ثم عاد ادراجه متطلعا حوله معتقدا انها قد استيقظت لكنه لم يشعر بأي تغير حدث منذ رحل..

حرك باب الكوخ متنحنحا لعلها استفاقت وتغير ملابسها لكنه لم يسمع صوتها، طل برأسه من خلف الباب ليجدها لاتزل على حالة نعاسها وكانما افتقدت النوم منذ ايّام وقررت التعويض..
هم بالنداء عليها لتستيقظ الا ان صوت تلك الهمهمات المتكررة جعله يفتح الباب لينفرج مدخلا الضوء بشكل واضح داخل الكوخ خاصة على موضع رقادها ليجد وجهها وقد اكتسب حمرة عجيبة، هتف باسمها لكنها لم ترد..

شك بالأمروأنحني فورا يلمس جبينها بكف يده واطلق سبابا غاضب ما ان تأكد من صحة حدسه، فقد كان جسدها يغلي من الحمى، حاول إفاقتها ففتحت عيونها بالفعل في وهن للحظات متطلعة اليه في تيه وهمست في تشوش واضح وكانما تر خيالات تتراقص امام ناظريها: - شهاب، ارجوك، انا، لا..

صمتت واغلقت عينيها من جديد راحلة لدنيا الحلم، زم ما بين حاجبيه في تساءل: - من شهاب هذا!؟، وما قصتك معه يا ربة الصون والعفاف!؟، هل هذا من يملك قلبك ويجعلك بعيدة المنال هكذا!؟.
لا يعلم لما شعر بدبيب عجيب من مشاعر اعجب يتسلل الي نفسه مع نطقها لاسم ذاك الاخر بهذه الطريقة الناعمة التي صهرت فؤاده برقتها وهى التي لا تظهر له الا جانبها الخشن وردودها التي تحمل كل دلالات الصد..

ألقي كل تلك الخواطر جانبا وهو يتطلع مرة اخرى لحالها والحمى تتأكلها حرفيا، نهض يحضر بعض من ماء في ذاك الكوب الصفيحي وتناول قطعة ملابس كانت موضوعة جانبا وبدأ في محاولة خفض درجة حرارتها، لا يعلم كم مر عليه من الوقت وهو على حاله لكن الحرارة للاسف لم تهبط لمؤشر طبيعي، كان ذلك نذير خطر ينبئ بالسوء، ماذا عليه ان يفعل!؟، هبوط الحرارة ضروري بل يكاد يكون حتمي للوصول بها لبر الأمان، فهو لا يملك الدواء ولا يدرك ما عليه فعله في هذه المواقف في الظروف العادية فما باله بظرف استثنائى كهذا..

تمتم في غضب: - يا ليتك ما ظهرتي فقد كنت كفيل بنفسي بالكاد..
لكنه شعر بالندم ما ان استعاد بذهنه تلك الكلمات متذكرًا حاله وهو وحيد لا يجد ما يحدثه ولو بضع كلمات، لقد كان ظهورها نعمة لم يشكر الله عليها وقد أدركها اللحظة وهى تكاد تضيع من بين يديه..

لقد كانت لحظة اكتشافه وجودها فيه من السعادة ما جعله يدرك تماما شعور ادم عندما استيقظ ليجد حواء وقد خلقت لاجله، كان شعورا طاغيا بفرحة لا يمكن وصفها وهو لن يجعلها ترحل تاركة اياه يموت وحيدا اويعيش مفتقدا ذاك الشعور الرائع بالأنس..
اقترب منها وحملها في رقة لتفتح جفونها بالكاد متطلعة اليه غير قادرة على الاعتراض لكنها همست في تساؤل متقطع الأحرف: - الي اين تأخذني!؟، انا لم أمت بعد لدفني!؟.

خرج حاملا إياها هامسا: - لن يحدث، سأحاول ان لا يحدث، فلن اقو على فعلها صدقيني، ارجوكِ كوني قوية لأجلي..
رفعت رأسها قليلا متطلعة اليه وهى تشعر بجسدها اشبه بالهلام وهمست: - ولما
افعل..!؟، دعني ارحل، فلن أكون قوية من اجل احد، لقد اكتفيت..
اخفض رأسه متطلعا لوجهها وتساءل في تعجب: - اكتفيتِ مما!؟، ما الذي جعلكِ على هذا القدر من اليأس والرغبة في مفارقة الحياة، يا حياة!؟.

همس باسمها بطريقة كانت غريبة على مسامعه هو شخصيا اما هى فلم تكن تدرك ما يقول وما كان لديها الرغبة في تبادل المزيد من الحوار معه، فليتركها ترحل بسلام، حاولت ان تذهب لدنيا الحلم التي آفاقها منها لحظة حمله إياها لكنها انتفضت من جديد ما ان لامس جسدها ماء بارد جعلها ترتجف وتتشبث به هامسة في احرف مرتجفة: - ماذا يجري!؟

تقدم نحو الماء اكثر وهي لاتزل محمولة على ذراعيه وهمس يطمئنها: - اهدأى، لابد ان يغمرك الماء البارد حتى تنخفض درجة حرارتك المرتفعة تلك..

بدأت ترتجف لدرجة انها ما عادت قادرة على النطق بحرف وأسنانها تصطك ببعضها وقد ازدادت هى تشبث به وتتعلق برقبته، ترك ذراعه اليمنى من اسفل ركبتها لتصبح واقفة بالماء الذي كان يغمرها حتى رقبتها تقريبا، لم تفلته وارتجافها يزيد بل زاد تعلقها به ليطوقها بين ذراعيه رغبة في الحماية وإحساساً فائقا بالشفقة والرحمة يسود قلبه تجاهها وهى على هذه الحالة بلا حول ولا قوة ترتجف فينتفض قلبه بين أضلعه بالتبعية وهمس بصوت أبح: - انتِ ضعيفة سهلة العطب..

لم تعقب بحرف وظلا على حالهما لا يعلم كلاهما كم مر من وقت، من يراهما من البعد يعتقد انهما حبيبان يتبادلان كؤوس الغرام وينعمان بالقرب ويطفئان نار الشوق ولا يعلم ذاك الرائي انهما غريبان اصبحا شريدان بمفردهما في ذاك الفردوس..

ابتدأت ارتجافاتها تهدأ فعلم ان حرارة جسدها قد انخفضت نوعا ما فقرر الخروج بها من الماء فذاك الوضع الحميمي وهى على هذه الحالة من الوداعة والرقة بين ذراعيه يدفع بخيالاته لسبل تهوى الانجراف اليها وهو يعلم علم اليقين انه لن يكون قادرًا على كبح جماحها باستنفارتعقله وإيقاظ كل منطق وبين ذراعيه تلك الحورية..

ابعد ذراعيه عن تطويقها رافعا إياهما خارج الماء ليزيد من احكام ربط غطاء راسها جيدا والذي كانت تتأكد من أحكامه كل دقيقة هاتفا في لهجة مسرحية مرحة: - فلترقد العفة في سلام ولتهنأ الفضيلة..
رفعت رأسها اليه في وهن وابتسمت فاختل توازن الكرة الأرضية وأصبحت الألوان كلها وردية وسمع ناقوس يدق في منطقة ما فتنبه فإذا به عقله يوقظه من خدر تلك البسمة التي فعلت به ما لا يمكن وصفه..

حملها مسرعا يخرج بها من الماء في حذّر وما وطأت أقدامه الرمال حتى اندفع يضعها امام الكوخ مشيرا لبعض الملابس الجافة امرا: - بدلي ملابسك بسرعة بأخرى جافة وانا سأعد بعض الفاكهة فلابد لك من بعض الطعام..
دفع بالباب مغلقا اياه واندفع يحاول التشاغل عن تلك الابتسامة التي أذابت بدمه خمرا معتقا منذ ايّام الخلق الاول..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة