قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية السماء تشهد أيها الماجن للكاتبة رضوى جاويش الفصل الثاني

رواية السماء تشهد أيها الماجن للكاتبة رضوى جاويش الفصل الثاني

رواية السماء تشهد أيها الماجن للكاتبة رضوى جاويش الفصل الثاني

وصولوا الميناء الإيطالي اخيرا وبدأ الجميع في الاستعداد لمغادرة الباخرة، كانت تتجنب ذاك الاحمق منذ الليلة التي تركته فيها وحيدا على طاولة العشاء وابتسمت ساخرة عندما وقع ناظريها عليه وتلك الشقراء تتأبط ذراعه وكل منهما ضحكاته تعانق عنان السماء..

خرجت من الميناء تشير لاحدى عربات الأجرة في اتجاه الفندق الذي اشارت لاسمه بإحدى الاوراق التى تحملها بحقيبتها فلم تكن تتقن الإيطالية وكذا الإيطاليون لا يجيد اغلبهم الانجليزية..

هز سائق العربة رأسه وهو يقرأ اسم الفندق بالورقة واشار بحماس بكلتا يديه هاتفا بإيطالية واثقة: -سي، سي..

واندفع بعربته، طال الوقت في زحام السير الذي يميز نابولي لكنها شغلت نفسها بالتطلع الى بعض الآثار المنتشرة هنا وهناك حتى توقفت اخيرا امام بوابة الفندق فتنفست الصعداء وهى تنقد السائق اجرته وتندفع خارج السيارة ليتلقفها احد عمال الفندق حاملا عنها حقيبتها للداخل، توقفت تلهث امام موظف الاستقبال وهتفت بانجليزية متقنة: - مرحبا، من فضلك هناك حجز باسم حياة السعيد..

اكد الموظف بدوره وهو يتطلع الي شاشة حاسوبه: - نعم يا سيدتي، تفضلي..
ومد كفه بمفتاح الجناح المحجوز لها لتشكره وما ان همت بالصعود لحجرتها حتى عادت متسائلة: - متى خروج الفوج لزيارة المزارات السياحية!؟.
اكد موظف الاستقبال: - في تمام العاشرة صباحا سيدتي، التجمع سيكون هنا ببهو الفندق بعد الافطار مباشرة..
اومأت في إيجاب شاكرة واندفعت باتجاه المصعد وخلفها العامل حاملا حقيبتها..

تمددت على فراشها داخل ذاك الجناح الفاخر وهى تتفكر في حالها وما آل اليه، تنهدت في حسرة واندفعت لتأخذ حمام منعش قبل ان تتجهز لتنزل للعشاء..
تزينت وضبطت غطاء رأسها وتعمدت ان لا تطيل النظر لمرآتها وهبطت للمطعم بالأسفل.

جلست تطلب طعامها ممسكة بقائمة الاختيارات وما ان رفعت رأسها وقد قررت حتى اصطدمت عيناها بنظراته وهو يميل على الطاولة مستندا على المقعد المقابل لها هامسا بابتسامة مهلكة: - الريڤيولي اختيار رائع..
وغمز بأحدي عينيه واندفع مبتعدا، مرت لحظة حتى استوعبت ظهوره المفاجئ ذاك وتجاهلت اقتراحه تماما وهى تعيد النظر في قائمة الأطعمة، عاد النادل وهمت بطلب اخر لكنها عدلت رأيها باخر لحظة لتطلب الريڤيولي..

استمتعت بالوجبة محاولة تجاهل ذاك الذي يجلس على طاولة بالقرب منها وبصحبته صهباء فاتنة ضحكاتهما تتعالى في رعونة وهو يهمس قرب آذانها ببضع كلمات بعدها ترتفع القهقهات كما هو الحال دوما، لكن اين اختفت الشقراء يا ترى!؟، تساءلت مبتسمة في سخرية وهى ترتشف كأس العصير هامسة بداخلها: - رحلت الشقراء وجاءت الصهباء، احمق..

نهضت في هدوء لتصعد غرفتها محاولة تجاهله والا يسقط ناظريها عليه حتى ولو سهوا وهي لا تعلم ان هناك من يتبع خطواتها حتى اختفت..

خذي هذا الدلو وأبدأي من حيث أمرتك، هتف ذاك الصوت الغليظ من جديد لتهتف هي بدورها في غضب: - لن افعل، فانا لست خادمة، انا هنا لأني..
قاطعها الصوت في غضب عارم: - اياكِ ان تعارضيتي، نفذي ما امرك به والا..
شهقت حياة في قوة وهى تنتفض من جديد لتخرج عنوة من داخل ذاك الكابوس الذي يلازمها ولا امل في الخلاص منه..

اخذت تلتقط أنفاسها في هوادة حتى تستعيد هدوئها وأخيرا تمطأت فى تكاسل غير راغبة في مغادرة الفراش لكن كان يجب عليها الإسراع في تجهيز نفسها اذا ما ارادت ان تلحق موعد الإفطارواللحاق بتلك الجولة السياحية بأنحاء نابولي في تمام العاشرة..

تجهزت ونزلت لمطعم الفندق والذي كان مكتظا عن اخره، بالكاد استطاعت الحصول على مائدة جانبية منعزلة وضعت عليها إفطارها البسيط، تناولته مسرعة ونهضت على عجالة في اتجاه بهو الفندق وقد ابصرت من موضعها ذاك الجمع الذي بدأ في التجمهر استعدادا للخروج..

وضعت نظارتها الشمسية حتى قبل ان تكون بحاجة اليها وانضمت للمجموعة التي كانت تتصايح فيما بينها بسعادة حتى أرتفع ذاك الصوت الذي استطاعت تمييزه بسهولة رغم انها لم تر صاحبه وحاولت ان تكذب آذانها فاقتربت لتقع نظراتها عليه وهو يهتف بانجليزية متقنة: - مرحبا، معكم مرشدكم في هذه الرحلة، ادم عبدالخالق..

غصت وهي تحاول ان تتجاهل تلك النظرة التي رمقها بها من بين الجمع الذي يواجهه وهو يستطرد مازحا: - ولتحذر الآنسات فآدم يبحث عن حوائه وقد يجدها قريبا..
ارتفعت القهقهات إلاها فقد التزمت الصمت وكأنها لم تسمعه من الأساس..

بدأ الجمع في التحرك باتجاه تلك الحافلة الخاصة بالفندق والمخصصة للجولات السياحية، ظل بانتظار الجميع حتى صعدوا ليكون الاخير صعد يجول بناظريه يطمئن على جلوس الكل مواضعهم ليكتشف جلوسها باخر مقعد، ابتسم رغما عنه لشعوره انها تنأى بنفسها..

جلس بمقعده الذي تُرك له بجوار السائق يشير هنا وهناك لبعض الآثار المنتشرة بالطريق وأخيرا نهض هاتفا في حماس بانجليزية رشيقة مشيرا لجبل شاهق على البعد: - هذا بركان فيزوف، البركان الأشهر والأكثر نشاطاً في أوروبا، ويقال إن اسم «بركان» أطلقه الرومان قديما نسبة إلى الاله «فولكان» إله النار والحدادة فى الدولة الرومانية القديمة، حيث كانوا يعتقدون أن الجبل البركاني الذى يشرف على خليج نابولى فى إيطاليا ما هو إلا مدخنة لأتون كبير يوقده هذا الإله..

تحرك بطول العربة حتى وصل بالقرب من مقعدها لينحني متطلعا الي ذاك البركان الذي اصبحوا على مقربة منه من خلال نافذتها وكان هذا البركان لا يمكن رؤيته الا من خلال هذه النافذة، زفرت في ضيق تجاهله هاتفا: - لقد ثار ذاك البركان قديما حتى انه طمرعدة قرى قريبة منه ويمكننا زيارة هذه القرى بعد ازالة اثار الرماد البركاني عنها لنري اثر الحمم البركانية على جثث الضحايا التي لازالت موجودة كمتحف حي يظهر بشاعة تلك الحادثة..

شهقت هى رغما عنها وهى تتخيل مظهر جثث محنطة لاناس مساكين لم يستطيعوا الهرب من تلك الكارثة فاخفتهم الحمم تحتها لقرون..
تطلع اليها جراء شهقتها التي لم تستطع كبح جماحها والتي على ما يبدو كان بانتظارها كرد فعل متوقع منها على حدث كهذا..
ابتسم رغما عنه ورغم انه لا يوجد ما يدع للابتسام لكنه تطلع اليها وتلك الابتسامة المغيظة تكلل شفتيه مستطردا: - ذاك البركان ثار دون مقدمات وكان ذلك سببا في تلك الكارثة..

وقهقه هاتفا في مزاح: - لا اعلم لما يذكرني هذا البركان بثورة النساء في وجوه ازواجهن!؟.

علت همهمات الرجال المستحسنة مع تصفيقهم بينما زمجرت النساء اعتراضا لينفجر الجميع بعدها ضاحكا، إلاها فقد كان الضيق يتملكها حرفيا وودت لحظتها لو نهضت وارته مثالا حيّا لثورة النساء وكالت له ضربة قوية بقبضة يدها المضمومة في تلك اللحظة تحفزا لنيل مرادها الا انها هدأت من روعها والحافلة تتوقف ليهبط منها الجميع في اتجاه ذاك البركان النشط الذي ودت لو ألقت هذا الرجل كقربان لذاك الإله ليفعل به ما يحلو له..

أعجبها الخاطر كثيرا رغم تعجبها من روح الانتقام التي تكتنفها تجاه ذاك الادم الذي حتى اللحظة لم يسء اليها، فهل تراه يفعل!؟.

وصولوا لمحطتهم الثانية في جولتهم والتي كانت لجزيرة كابري عبر احدى العبارات، دقائق على شاطئها وقرروا زيارة الكهف الأزرق، توجهوا اليه سيرا على الأقدام واخيرا استقلوا عدة قوارب لتشملهم جميعا فالقارب كان صغير الحجم لا يقل اكثر من اربعة اشخاص، ركب كل زوجين قارب ليبقى زوج من السائحين وكلاهما، هي وبالتأكيد مرشد الرحلة الذي كان دوما اخر من يركب..

جلس جوارها فتململت في جلستها شاعرة بالضيق لذاك القرب لكن القادم كان الاصعب حيث هتف ادم بهم جميعا: - الان انتبهوا، على الجميع خفض رؤسهم عند الدخول لان هذا الكهف مدخله مغمور لمنتصفه بالماء، رجاءً لا يرفع احدكم رأسه حتى امر وذلك لسلامتكم..

أطاعه الجميع وبدأت القوارب في الدخول من فوهة الكهف تباعا وما ان جاء دور قاربهم حتى هتف امرا: - فلينخفض الجميع، انكمش الزوجان ملتصقان وقد انخفضا لداخل باطن القارب بينما تجاهلت هى ما امر به، تنبه لذلك فجذبها لتسقط بباطن القارب ملتصقة به فى نفس اللحظة التى مر بها القارب من مدخل الكهف الضيق، لولا جذبه لها قبل فوات الاوان لكان رأسها الان مصابا..

تطلع اليها في ذاك الفراغ الضيق الذي وجدا نفسيهما محشوران به رغما عن ارادتهما او بالأدق رغما عن ارادتها هى جازا على اسنانه يرغب في توبيخها الا انه امسك لسانه وهتف امرا في ضيق: - فليرفع الجميع رأسه الان..
سمع الشهقات المستحسنة لذاك الجمال الأزرق الأخاذ الذي يحيط بهم..

هتف ادم بصوت عالٍ حتى يستمع الجميع في زوارقهم: - هذه هى مغارة اوزارو او ما يطلقون عليه اسم الكهف الأزرق ، لا حاجة لي لإبلاغكم سبب التسمية فهو واضح تماما، فذاك الضوء الأزرق الذي يغمر المكان كان مدع للتسمية بالتأكيد..
واستطرد منتشيا وهو يتطلع الي موضعها جواره: - كان يُعتقد في العصر الروماني ان ذاك الكهف مأوى للشياطين..
وصمت للحظة مستطردا بعدها: - وكذا الحوريات..

سمع همهمات رقيقة من بعض النساء بينما تسلطت أنظاره عليها وهو ينطق كلمته الاخيرة، شعرت بوقع نظراته لكنها تجاهلتها كليا ليستطرد هو مازحا: - وكان كذلك مأوى لغريبى الأطوار، لو كنت أعيش في ذاك الزمان لكان ذاك مكاني المفضل بكل تأكيد..
قهقه الجميع ووأدت هى ابتسامة كادت ان تطل على شفتيها..

خرجوا من الكهف بعد جولة بداخله ليتوجهوا للعبارات مرة اخري ليعودوا للفندق فقد اوشك الليل على إرخاء سدوله، وعليهم الاستعداد للعشاء وذاك الحفل الساهر الذي يقيمه الفندق..

كانت من أوائل الأشخاص الذين نزلوا لقاعة الطعام، تناولت عشاءها على عجالة حتى انها لم تتنبه لجلوسه وحيدا هذه المرة باحدى الطاولات الجانبية المنعزلة وقد جلس يرقبها من بعيد على وجهه شبه ابتسامة وقد قرر هذه المرة الا يعترض طريقها بل يستمتع بمشاهدتها من على كثب دون ازعاجها على الرغم من ان الامر يروقه كثيرا..

هو شخصيا لا يعرف ما السبب في رغبته تلك!؟، وتعجب من اهتمامه العجيب بتلك الفتاة التي تبدو ملتزمة في زيها وحادة في نظراتها وردودها..
رأها اللحظة تنهى طعامها ويبدو انها في طريقها لغرفتها ربما صعدت لتجهز من اجل الحفل المسائي..
انتظر حتى اختفت تماما عن ناظريه ونهض حتى يستعد للحفل غير عابء بتلك الجميلة الصارمة..

دخلت غرفتها وخلعت عنها ملابسها وتمددت على الفراش بغية النوم مبكرا حتى تحصل على قسط كافِ من الراحة لان تلك الجولات شاقة وتحتاج لطاقتها ولياقتها كاملة..
تقلبت كثيرا ومر بعض الوقت دون جدوى فلا نوم زارها ولا رغبة موجودة من أساسه في النعاس، استقامت جالسة تتنهد في ضيق متسائلة ماذا عليها ان تفعل!؟.
جربت تشغيل التلفاز لكن كل ما كان يعرضه بالإيطالية فأغلقته وألقت بمؤشر التحكم جانبا.

وقد قررت في لحظة تهور غير معتادة النزول لأسفل لحضور حفلة الفندق المقامة بالهواء الطلق..
نهضت مسرعة وارتدت احدى أثوابها المخصص لفترة المساء والسهرة والذي ألحت عليها نهى وضعه بحقيبتها رغم اعتراضها وكم شكرتها على ذلك وضبطت غطاء رأسها وحذائها ذو الكعب العالي ونزلت في تردد تتبع صوت الموسيقى والصخب بالخارج..

جلست بإحدى الطاولات المتطرفة قليلا لا رغبة لديها في التفاعل مع الجمع فهى هنا لكسرالملل الذي كاد يخنقها بغرفتها في ذاك الوقت المبكرليلا..
تطلعت الي ذاك المكان المتوسط الذي تحيط به الطاولات من كل مكان لتجد أصحابها في مجموعة الزيارات السياحية هاهنا جميعهم بلا استثناء، لكن تراه اين يكون مرشدنا الهمام!؟، وبخت نفسها لانها شعرت بالفضول تجاهه وثبتت نظراتها على بعض.

الأزواج المرحين بنقطة قريبة منها لحد ما..

بدأت الفرقة الموسيقية في عزف مقطوعة رومانسية رقيقة لتتطلع الي الراقصين ليقع ناظريها عليه احداهن تتأبط ذراعه في اتجاه حلبة الرقص وبدأ في التمايل بها محتضنا خصرها الدقيق في خلاعة، ظلت تطالع المشهد امامها حتى قررت النهوض والعودة لحجرتها، لا تعلم ما الذي اعتراها وهى تراه يضم بين ذراعيه امرأة بهذا الجمال الصارخ وهى التي لا تهتم لأمره من الأساس!؟، ماذا دهاها!؟.

اندفعت بلا تريث في طريقها لداخل الفندق لتصطدم بأحد السكارى الذي تطلع اليها في انبهار مستحسنا وما ان همت باستئناف طريقها حتى امسك بمعصمها في اعتراض هاتفا يستوقفها بلغة إيطالية لم تفهم منها حرفا لكنها جذبت ذراعها منه بقوة ودفعت به بعيدا عنها حينما هم بتطويقها بين ذراعيه ليسقط على احدى الطاولات محطما إياها وبعض الكؤوس التي كانت عليها..

جذب صوت الجلبة الناتجة عن التحطم إسماع بعض الجالسين بالخارج لكن احد لم يتدخل..
نهض السكير في غضب قبل ان تهم هى بالاندفاع مبتعدة ليعاود الكرة وتشتعل رغبته في الوصول اليها، وقد هم بالقبض على ذراعها من جديد الا ان لكمة قوية كانت هي الرد لتعيده لموضع سقوطه السابق لكن هذه المرة جسد خامد راح في سبات عميق..

كان ظهوره بالنسبة لها نجدة من السماء وخاصة ان الأمن وصل لتوه ليصرخ بهم ادم معنفاً، لم تفهم كلمة مما قال بإيطاليته المميزة الا ان غضبه المرسوم على قسمات وجهه كان كافيا ليترجم ما يصيح به في وجوههم..
لا تعلم لما لم ترحل لتصعد غرفتها ووقفت تتابع ما يفعل لتجده الان يجذبها خلفه مكبلا معصمها بكف من فولاز..

توقفت في غضب لجذبه إياها بهذا الشكل المهين وخاصة انه مع حذائها ذو الكعب العالي ما كانت قادرة على متابعة خطواته الواسعة والتي تدل على ثورته وهتفت في حنق: - مهلا، اترك يدي من فضلك، ماذا تظن نفسك فاعلا!؟.
توقف فجأة مع وقع كلماتها الثائر وتطلع نحوها يحاول ان يضبط أعصابه قدر استطاعته هاتفا في هدوء مصطنع: - ما الذي جاء بك الى الأسفل!؟، الم تصعدي حجرتك للنوم!؟.

هتفت تتطلع اليه في صدمة: - اتراقب تحركاتي!؟.
هتف في سخرية: - لست على هذا القدر من الأهمية لأفعل، كل ما هنالك اني رايتك تصعدين غرفتك بعد العشاء ومع مظهرك الملتزم هذا لم أتوقع حضورك الحفل..
هتفت في غيظ: - لم اكن اعلم انه على طلب الاذن منك لحضور احدى حفلات الفندق!؟.
جذبها من جديد راغب في إنهاء ذاك الحوار العقيم هاتفا: - حسنا، هيا الي الغرفة..
هتفت معترضة: - انا لن..

قاطعها جازا على اسنانه وقد أصبحا ببهو الفندق بالقرب من المصعد فأشار اليه هامسا في نفاذ صبر: - انا لن أدعك تعرضين نفسك للخطر، هيا الى الأعلى..
شعرت ان الأنظار بدأت في التركيز عليهما فقررت المهادنة والتوجه للمصعد ولها معه شأنا اخر فيما بعد..
دخلت المصعد ومنه لحجرتها التي ما ان دخلتها حتى دفعت بحذائها بعيدا عن قدميها في عنف وجلست على طرف فراشها تغلي غضبا تتوعده بالويل والثبور وعظائم الأمور.

في صباح اليوم التالي صعدا الحافلة لجولتهم التالية، حاولت ان تتحاشى النظر اليه حتى لا تدفعها الرغبة في الثأر الي ما لا يحمد عقباه، وصلوا لقمة (مونتي دي سولارو) وقفوا جميعا عند موضع ركوب التليفريك ليهتف ادم مازحا: - اسف لانكم أزواج والركوب هنا فردي، لكن مؤكد إنكم ستستمتعون بمناظر خلابة واعتبروها اجازة قصيرة من أزواجكم حتى نجتمع جميعا على الطرف الاخر، رحلة موفقة للجميع..

بدأ الأزواج في ركوب ذاك المقعد الفردي المعلق وكان يتأكد من احكام المقعد لكل فرد حتى انتهى منهم جميعا ولم يبق إلاها فأشار اليها امرا بلغة عربية: - تفضلي..
كانت مترددة في الجلوس وخوض التجربة لكنها جلست في هدوء يناقض اضطرابها لينحن ادم هامسا: - اسمحي لي..

همست في ثبات وقد شعرت ان الفرصة سنحت لها لتنتقم: - لا لن اسمح وخاصة السماح بما فعلته بالأمس، لا تفرض رغباتك علىّ مهما حدث فانا حرة تماما في اختياراتي، وانا..
قاطعها مادا كفه متجاهلا كلماتها المعنفة ليتأكد من احكام روابط الأمان بالمقعد فانكمشت هى على نفسها ورغم ذلك استمرت في تعنيفه هاتفة في حنق: - أؤكد عليك، انا حرة وانا..

تنبه لفعلتها وتجاهل الامركذلك واخيرا ترك مقعدها ليتحرك بها معلقا ما بين السماء والأرض وهى لم تنه كلماتها بعد مما اثار المزيد من غضبها ليتبعها هو بمقعده مسلطا ناظريه عليها وابتسامة على شفتيه، كان انعكاس ضوء النهار على ملامح وجهها التي تحاول ان تسترخ اشبه بانعكاسه على مرآه فضية تشع بهاءً، كان يشعر ان تلك الفتاة تحمل سرا ما بين طيات روحها، كانت وحيدة وغامضة، جذابة وشائكة، رقيقة حد العطب وقوية حد الصد بقوة لكل من يزعجها، مزيج عجيب لم يقابله يوما وهو الخبير بصنوف النساء..

وصلوا اخيرا للجانب الاخر ليجتمعوا وكان اخرهم وصولا هو ادم نفسه الذي هتف مشيرا لدرج من الحجارة مؤكدا: - اصعدوا ذاك الدرج لتصلوا للقمة، هناك مقهى يقدم بعض المأكولات الخفيفة والمشروبات المنعشة، تناولوا ما شئتم وتجولوا في الأنحاء لالتقاط الصور ونجتمع هنا بعد ساعة من الان، استمتعوا..

بدأ الجميع في صعود الدرج وتفرقوا ما ان وصولوا للقمة لتجلس هى وحيدة باحدى الطاولات المنعزلة كعادتها، طلبت مشروب منعش وأخرجت كتابا وبدات في القراءة..
رأها تجلس هناك ولم يشأ ان يزعجها او يفرض نفسه عليها فاخرج هاتفه وبدأ في اجراء بعض المكالمات..
لكنه وبلا إرادة وجد نفسه يقف بالقرب منها مجيبا على محدثه على الطرف الاخر: - نعم، هى رائعة..

تنبهت لصوته وحديثه بالعربية والذي استطرد فيه مؤكدا: - بل هى اكثر من رائعة، شائكة مثل الصبار وناعمة مثل المخمل..
قهقه فاضطربت رغما عنها ورفعت ناظريها اليه بلا إرادة لتجده يتطلع اليها وكانما كان ينتظر تلك الالتفاتة منذ زمن رفع قبعته محييا في مرح وهتف مستكملا الحديث عبر جواله: - لا، لن يحدث، وهل سبق وان حدث، انا محصن تماما، اطمئن..

ألقي نظرة اخيرة عليها وابتعد مستكملا مكالمته العجيبة تاركا إياها تتساءل: - من تلك التي يتغزل فيها بهذا الشكل!؟، وابتسمت ساخرة تنظر الي حيث توجه، أهي الشقراء ام الصهباء!؟، ام حبيبة أخرى لم يسعدها الحظ لتلقاها!؟.
وما الذي لم ولن يحدث..!؟، ومما هو محصن يا ترى!؟.
تزاحمت الأسئلة الواحد تلو الاخر ولكن لا اجابة شافية، فطردت محياه من مخيلتها تحاول التركيز على صفحات روايتها..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة