قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية الدكان للكاتبة منال سالم الفصل مئة واثنين

رواية الدكان للكاتبة منال سالم الفصل مئة واثنين

رواية الدكان للكاتبة منال سالم الفصل مئة واثنين

حُكم عليه بالإقصاء لتجاوزاته الغير أخلاقية ولمخالفته المعاهدات الودية بين العائلتين، فاضطر أن يرضخ لقانونهم الجبري واتجه لتأسيس عمل جديد خاص به بعيدًا عن منطقته الشعبية، نظر إليه والده مطولاً قبل أن يستطرد حديثه متسائلاً بهدوء:
-مش ناوي تيجي معايا؟
التفت مازن ناحيته مرددًا بتجهم وهو يعقد رباط حذائه: -لأ، أنا رجلي اتقطعت من الحتة دي، ومش ناوي أعتبها تاني!

اعترض عليه مهدي قائلاً: -بس يا بني الحاج طه هيفرح لما نقوم بالواجب معاه، و.
قاطعه بجدية: -يا أبا ده بيجبر بخاطرك، لكن إن كان عليهم مافيش حد من عيلة حرب نسى اللي فات!
-ربنا يهدي الحال
-ده غير إن أنا عندي شغل كتير، توضيب المطعم ولوازمه!
سأله أباه مستفهمًا: -استقريت على اسمه ولا لسه؟
أجابه بهدوء وهو يضبط ياقته: -أه مشاوي حسب الطلب
رد عليه مهدي بنبرة متمنية: -ربنا يجعله فاتحة خير عليك
-أمين!

بدا وكأنه قد تذكر شيئًا ما فهتف بتلهف: -بالحق، المحامي اتصل وبلغني إنه جابلنا تصريح بالزيارة، ماهو مجد اتجدد حبسه على ذمة التحقيقات
رد عليه مهدي بعبوس: -أخوك ضيع نفسه بنفسه! ربنا يعينه على الله هو فيه!
لم يعلق مازن على جملته تلك، فقد اكتفى من كم المشكلات التي أرهقت كاهليه، وهو بحاجة للبدء من جديد، انتبه لسؤال والده المباغت:
-مش ناوي ترجع لولاء؟

عبست قسماته بشدة ورد بتأفف ظاهر على محياه: -قفل على السيرة الغم دي، هي خلاص انتهت من حياتي!
اعترض مهدي على أسلوبه قائلاً: -يا مازن دي مراتك و..
قاطعه بحدة: -كانت. مش الهانم رفعت قضية خلع؟
صمت والده ولم يرد، فاحتدت نظرات ابنه مضيفًا بحنق: -تشرب بقى، وبعدين خليها تكسبها عشان تبريني من كل حاجة، كفاية اللي لهفته هي وأمها.

هز رأسه بإحباط، فحياة ابنه لم تعد كما كانت، فزيجته فسدت، وعمله تأخر، وهو الآن بصدد تحديات أكثر صعوبة، هتف قائلاً:
-لا حول ولا قوة إلا بالله
تابع قائلاً بانفعال: -هي كانت جوازة غلط من الأول، جابتلي الفقر ووجع القلب، وأديني خلصت منها! خليني أفوق للبلاوي اللي ورايا!
يئس من إقناعه بالعدول عن رأيه وإن كان صائبًا في جزء كبير منه، لكن سبق السيف العذل، وحسم الأمر بينهما.

أخذت تعبث بهاتفها المحمول بفتور وهي تحرك ساقها المتدلية من على مسند الأريكة غير مكترثة بنظرات والدتها المحتدة نحوها، كظمت الأخيرة غيظها في نفسها، فابنتها أضاعت من يدها كل شيء بعنادها الجامح، زفرت مستاءة من جلوسها بالمنزل، من أفعالها الطائشة، وخاصة محاولاتها الفاشلة للتودد لطليقها السابق دياب.

هي علمت مصادفة بأمر عقد قرانه لكنها لم تأتِ على ذكر المسألة أمامها كي لا تثور ثائرتها، وتفعل ما لا يُحمد عقباه، أخرجها من تفكيرها المتعمق صوت ولاء المتسائل:
-ماقولتيش ايه رأيك؟
سألتها بحيرة وهي قاطبة لجبينها: -في ايه؟
ردت عليها بتبرم: -أومال أنا بأحكي في ايه من الصبح
زفرت شادية بصوت مسموع وهي تقول بامتعاض: -مكونتش مركزة!
اعتدلت في جلستها موضحة بحماس قليل: -بأقولك صاحبتي عاوزاني أشاركها في بيوتي صالون.

نظرت لها والدتها بغرابة وهي تسألها: -ده عبارة عن ايه؟
أجابتها مشيرة بيدها: -حاجة زي كوافير كده بس على مستوى عالي! ستايلش وفيه سمعة
-وانتي دورك ايه؟
-لسه مش عارفة، بس بأفكر أكون معاها
بدت أمها غير مهتمة بالتفاصيل، فردت بفتور: -اعملي اللي انتي عاوزاه
نهضت ولاء من على الأريكة متفرسة في وجهها بتعمق، كانت تعبيراتها تشير إلى وجود خطب ما بها، شيء ما يزعجها لكنها ترفض الإفصاح عنه، سألتها باهتمام:.

-مالك يا ماما، شكلك مش مبسوطة؟
-عادي
تابعت ولاء هاتفة بنبرة حالمة وهي تسير بخطوات متهادية في أرجاء الصالة: -وأهي فرصة يعرف البيه دياب أنا هابقى ايه، وساعتها هايجي عندي يتسرجاني أرجعله، ده غير إني واثقة إنه هيرمي المصدية اللي معاه!

نظرت لها شادية بقوة، ابنتها تبني أحلامًا في الهواء لن تتحقق يومًا، لذلك لم تجد بدًا من إخفاء الأمر عنها، فإن عاجلاً أم آجلاً ستعلم، لذلك حسمت أمرها بإبلاغها الآن حتى لو انفعلت، فالأفضل أن تكون على دراية بمسألة عقد قرانه، سحبت نفسًا عميقًا لفظته دفعة واحدة وهي تسألها بحذر:
-انتي عرفتي بموضوع دياب
التفتت ناحيتها برأسها لتبدو تعبيراتها أكثر حدة وهي تردد متسائلة: -ماله؟

ابتلعت ريقها وهي تكمل: -يعني مافيش خبر وصلك عنه
فقدت أعصابها في لحظات وهي تصيح بها: -في ايه يا ماما؟ ماتقولي على طول!
صمتت لثوانٍ تحاول إطلاعها على الخبر، لكن حصار ابنتها لم يمهلها الفرصة لانتقاء كلماتها، فخرج صوتها مترددًا وهي تقوا
-أصله، ه. هيتجوز
ارتفع حاجباها للأعلى في ذهول عجيب، وتوترت أنفاسها وهي تهتف بعدم تصديق: -ايييه؟

ضغطت شادية على شفتيها بقوة مترددة في المتابعة، ولكن إشارات وجهها، وإيماءات عينيها كانت كفيلة بتأكيد ما قالته، انتابتها نوبة من الهياج لمجرد تخيله بصحبة أخرى يتأبط ذراعها ويهيم في حسنها عشقًا، صرخت بلا وعي:
-بتقولي ايه؟ يعني ايه هايتجوز؟
اضطربت أنفاسها بصورة ملحوظة، ونهج صدرها علوًا وهبوطًا مرددة بصدمة جلية: -ايه الهبل ده؟ دياب مش بيحب حد، دياب مش هايتجوز، لأ! إنتي بتقولي كده عشان تحرقي دمي!

أمسكت بها أمها من ذراعيها تهزها بعنف وهي تقول: -فوقي من الأوهام اللي انتي عايشة فيها، خلاص دياب هيكتب كتابه ويتجوز، كفاية عبط بقى، كله سابك وبعد عنك، وإنتي لسه مصدقة نفسك
نفضت ولاء قبضتي والدتها عنها بعصبية أشد لتصرخ بها باهتياج متشنج: -إنتي السبب، استحالة أسمحله يتجوز!
ركضت كالمجنونة في اتجاه باب المنزل بثيابها المنزلية، حاولت والدتها اللحاق بها صائحة:
-رايحة فين يا ولاء؟ استني يا مجنونة!

استدارت برأسها نصف استدارة لترد بنبرة تحمل الغضب: -هامنع الجوازة دي!

لمعت عيناه بوميض العاشقين منتظرًا خروجها من الباب، ومع كل ثانية تمرق عليه يزداد لهفة ورغبة فيها، لمح تلك الأطياف التي تتحرك من خلف الزجاج الداكن، فتأهبت حواسه بالكامل واستعد لرؤيتها، فُتح الباب ببطء فتجمدت أنظاره على الخارجين منه، في البداية كانت أخته الصغرى ووالدته التي غطى صوتها المطلق للزغاريد أصوات الجميع، ارتسم على ثغره ابتسامة متشوقة، وشعر بدقات قلبه تزداد قوة وخفقانًا.

توهجت حدقتي منذر حينما رأى حبيبته تطل عليه بثوبها الأبيض، خطفت قلبه، وسلبت لبه، اتسعت ابتسامته أكثر وهو يرى خجلها المثير يكسو تعبيراتها المتلألأة، مرر أنظاره سريعًا عليها، كان يشبه ثوب السندريلا في تصميمه، ضيقًا إلى حد ما من الخصر، وينساب بتموجات واسعة حتى الأسفل، ناهيك عن الذيل الطويل الذي يحتاج لعدة أشخاص لرفعه، وما زادها رونقًا وجمالاً هو حجابها الأبيض الذي برز بتاجٍ يليق بها، تحرك نحوها ناظرًا لها بتعمق وهو يقول:.

-بسم الله ماشاء الله!
تحاشت النظر إليه وأخفضت عينيها بارتباك ملحوظ، سحبها من ذراعها ليتأبط بها قائلاً:
-مبروك يا أحلى عروسة
ردت أسيف هامسة: -الله يبارك فيك
ناولها باقة الورد مضيفًا: -ده عشانك!
ابتسمت بخجل أكبر وهي تأخذه: -شكرًا
هتف دياب بمرح وهو يشرأب بعنقه للأعلى محاولاً اختلاس النظرات: -وأنا فين عروستي؟
وضع يده على رأسه متابعًا بمزاح رغم قلقه: -وقعت منكم جوا ولا ايه؟ طب أخش أشوفها؟ ما حد يقولي؟!

ردت عليه جليلة بابتسامة أمومية: -اصبر على رزقك، هي طالعة أهي!
بالفعل ما هي إلا لحظات حتى ظهرت بسمة أمامه وهي في مزدانة في ثوب كشميري اللون، خطفت أنظاره بجمالها الهادئ، وبابتسامتها المشرقة، هتف بحماس دون أن يعبأ بلفت الانتباه:
-اللهم صلي على النبي، هو في كده!
خطى سريعًا نحوها مداعبًا: -أنا قولت غيرتي رأيك ولا حاجة، ما إنتي بمليون حالة!
احتدت نظراتها نحوه لتردد محذرة: -دياب.

أمسك بها من ذراعها ليعلقه على ذراعه، ثم مال عليها برأسه ليتغزل بها هامسًا بابتسامة شبه بلهاء:
-قلب دياب وكلاويه!
أشارت له بعينيه متابعة بصرامة: -بص قدامك
حرك رأسه بالإيجاب وهو يرد بجمود زائف: -ماشي يا أبلة!

لم يستطع إخفاء ابتسامته، فهي ببساطة تعبير صريح عن الفرحة الغامرة التي تعتريه، لم يكن ليحلم بهذا، أن يجد الحب بعد أن فقد الإيمان به، أن يحصل على زوجة توافقه الرأي، تليق به وتستحقه، شعر بالرضا لكونه قد حاز في الأخير على حب حقيقي.
تحرك الجميع نحو السيارات المرابطة أمام مركز التجميل ليجلس العرائس في أماكنهم متجهين نحو المشفى حيث الاحتفال بالزيجة مع نيرمين.

لم تكن لتدعها بمفردها في ليلة كهذه، ربما هي طريحة الفراش وعاجزة عن النهوض والتحرك بفعل جرعات الأدوية الكيماوية التي تحقن بها أوردتها، لكن هي أمها التي تشعر بألمها وإن أنكرت، بحزنها وإن صمتت، أعدت لها عواطف ثوبًا فضفاضًا مريحًا اشتركت في اختياره مع ابنتها الصغرى ليليق بتلك المناسبة البهيجة التي سيتم الاحتفال بها هنا، لم تتخيل نيرمين أن تصر أسيف على وجودها رغم تعذر قدومها، لكن ما لم تضعه في الحسبان أن يتم الترتيب لحفل أسري صغير بالمشفى مقتصر فقط عليهم دون أن يسببوا الإزعاج لباقي المرضى، وتزينت الغرفة بباقات الورد ووضعت في الأركان، وبمقاعد مريحة لاستقبال الضيوف القادمين.

راقبت نيرمين ما يحدث بأعين لامعة، مقاومة بصعوبة رغبتها في البكاء، كل شيء يشير إلى قلب طيب، روح نقية لم ترد إلا الحب من عائلتها الجديدة، وهي بخلت عليها بذلك، في تلك اللحظة أدركت أنها أخطأت في معاملتها الجافة لها، لم تكن بالقريبة الجيدة والتي تستحق معاملة مثل تلك، فإن كانت في محلها لقست عليها وعاملتها بفظاظة ووضاعة، لكنها دومًا تثبت لها أن الأنقياء يسعون للخير، بكت متأثرة لقسوتها معها، لظلمها لها، ندمت على ما كانت تنتويه من شر مستطر لها، انتحب صوتها، ولاحظت أمها عبراتها المنهمرة فاقترب منها متسائلة بتخوف:.

-مالك يا نيرمين؟ في حاجة تعباكي؟
هزت رأسها نافية وهي ترد: -لأ
أمسكت عواطف بمنشفة ورقية لتمسح عن وجهها تلك الدمعات التي تبلله وهي تسألها: -اومال بتعيطي ليه؟
أجابتها بصوت متقطع: -مش مصدقة، أسيف تعمل كل ده!
ابتسمت لها عواطف وهي ترد: -مش قولتلك، بنت أخويا طيبة وبتحب الناس!
حركت رأسها بإيماءات تؤكد ما قالته، ثم همست بندم: -ربنا يسامحني على اللي كنت بأعمله فيها!

رفعت أعينها الباكية نحوها متسائلة بحزن: -تفتكري هي هتسامحني؟
ردت أمها بثقة: -يعني لو مكانتش بتحبك كانت عملت ده عشانك؟
بكت نيرمين مجددًا، فحذرتها والدتها برفق وهي تلف حول رأسها حجابها الوردي: -ها بلاش تعيطي، هما زمانهم على وصول، خليني أعملك الطرحة!

اكتفت بالابتسام لها وعاونتها في ضبط حجابها بلفة بسيطة لا تسبب لها الاختناق أثناء تنفسها المضطرب، وزينتها والدتها بحليٍ جميلة لتعيد لها جزءًا من جمالها المفقود.

اصطفت السيارات بجراج المشفى، وتفاجأ العاملون بالعروس التي تسير بصحبة زوجها في اتجاه الاستقبال، انتابهم الفضول لمعرفة الأسباب، فأي عذر يدفع بعروسين في ليلة مميزة وخاصة كتلك للحضور إلى هنا، لابد أن يكون السبب قهري، اعتلى وجوههم دهشة كبيرة حينما علموا أنهم قدموا للاحتفال مع قريبتهم المريضة، لم يصدقوا الأمر في البداية، لكن حينما صدحت الزغاريد تأكدوا من صدق الادعاء.

دقت جليلة الباب بخفة مستأذنة بالولوج وهي تقول: -ينفع ندخل
هتفت عواطف مرحبة: -طبعًا، ده احنا أعدين مستنينكم من بدري.

أطلقت زغرودة صغيرة وهي تفسح المجال للعروسين بالمرور، دخلت أسيف أولاً وعلى ثغرها ابتسامة ناعمة، سلطت أنظارها على ابنة عمتها التي كانت تطالعها بأعين دامعة، فتحت لها ذراعيها لتستقبلها في أحضانها، فرفعت أسيف ثوبها من الجانبين لتتحرك نحوها، احتضنت كلتاهما الأخرى بحب كبير، وتبادلت الاثنتان قبلات ودية، خانتها العبرات فبكت وهي تقول:
-ماينفعش نحتفل من غيرك.

ردت عليها نيرمين بصوت متأثر: -مش هنسى اللي عملتيه معايا أبدًا!
تبعها منذر متنحنحًا بصوت خشن ليشير إلى وجوده، ثم أردف قائلاً: -سلامو عليكم
تراجعت أسيف للخلف لتتمكن نيرمين من رؤيته، طالعته بنظرات حانية وهي ترد: -وعليكم السلام، مبروك يا سي منذر، ربنا يسعدك ويفرح قلبك
رد عليها بهدوء: -الله يبارك فيكي.

أبعدت عينيها عنه بصعوبة، فلا يحق لها الآن التطلع إليه، بينما تراجع للخلف منزويًا بأحد الأركان ليتجنب ذلك الموقف الحرج، ولجت أختها الصغرى بثوبها المتلألئ لداخل الغرفة لتضفي المزيد من الحماسة وهي تقول:
-أديني سمعت كلامك أهوو
ضحكت نيرمين من بين عبراتها مرددة: -أخيرًا، كده أنا أرتاح!
اقتحم دياب الغرفة متسائلاً بنزق دون أي مقدمات تمهيدية: -المأذون مستني برا، أقوله يدخل ولا أعمل ايه؟!

ردت عليه جليلة بضحكة عالية: -اصبر يا ابني، ده العجلة من الشيطان!
نظر لها بغيظ وهو يرد بتجهم: -ماشي، هاقوله يتركن برا!
اعترضت نيرمين هامسة: -خليه يدخل، مالهاش لازمة يستنوا
هتف دياب متحمسًا: -أهوو، ست الكل قالت!
رد عليه منذر محذرًا: -اهدى على نفسك شوية!

ظلت حالة الشد والجذب المرحة بين الجميع للحظات حتى انتهت بحضور الحاج طه ليتم بعدها عقد القران بين دياب وبسمة بحضور أفراد العائلتين فقط في أجواء احتفالية هادئة، أطلقت جليلة زغرودة فرحة، وانضمت إليها عواطف لتعبر عن سعادتها بزواج ابنتها وابنة أخيها، تمنت أن تدوم تلك الفرحة للأبد، ألا يعكر صفوها أي شيء.

داعبت نيرمين رضيعتها وهي جالسة في أحضانها مراقبة بنظرات صامتة ما يدور، حمدت الله في نفسها أنها شهدت على تلك اللحظة حتى لو كانت ستحفر ذكرى حزينة في نفسها، فراق الحبيب وزواجه من غيرها، المهم الآن أن يحظى بالسعادة التي حرمت هي منها.

انتهى الوقت المخصص للزيارة، فولجت الممرضة لداخل الغرفة لتشير إلى ذلك، امتثل الجميع لطلبها، وبدأوا في جمع متعلقاتهم استعدادًا للانصراف، هب الحاج طه واقفًا من مقعده ليتجه نحو فراشها، مد يده ليصافحها وهو يقول:
-ألف سلامة يا بنتي، شدة وتزول
نظرت له بامتنان وهي ترد: -ربنا يخليك!
أشار لها بسبابته متابعًا: -شدي حيلك واحنا معاكي في أي حاجة
ردت بهدوء: -تسلم يا حاج طه، مش جديد عليك!

-ده انتي زي بنتي، وولادي أخواتك!
التوى ثغرها بابتسامة شبه متهكمة، فقد نطقها منذر من قبل وأكد عليها قلبًا وقالبًا، فليست بحاجة إلى سماع ذلك، اعتبرت حديثه مجاملة وحافظت على ابتسامتها الباهتة التي تغطي تعابيرها المرهقة، لاحقًا انسحب الجميع واحدًا تلو الأخر من الغرفة لتبقى معها أسيف فقط ورضيعتها، رفضت الانصراف حتى تتحدث معها في أمر أخير...!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة