قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية الدكان للكاتبة منال سالم الفصل مئة وأربعة

رواية الدكان للكاتبة منال سالم الفصل مئة وأربعة

رواية الدكان للكاتبة منال سالم الفصل مئة وأربعة

تواصل مع أحد أقربائها ذوي العلاقات الجيدة معه عله يكون سببًا في التوفيق بينهما من جديد وإصلاح ذات البين قبل أن يتمادى الأمر، ولوضع حد لتلك الخلافات الناشئة ولم الشمل من جديد، ربما عنادهما الزائد يدفعهما للتصرف بعدم عقلانية وبتهور كبير، لكن كما هو متبع عند رجال العائلات الكبار التدخل وحل الأزمات، لذلك اتفق معه على الالتقاء به لكنه لم يحدد الموعد، وترك للأخير حرية الاختيار، ما لم يضعه في الحسبان أن تكون زيارته موافقة لذلك اليوم العصيب.

ابتلع مهدي ريقه، ولف ذراعيه حول كتفيها ليجرجرها قسرًا معه إلى مطعمه، حاول أن يمتص عصبيتها لكنها لم تهدأ وواصلت تذمرها وصراخها، صاح بها بنفاذ صبر:
-اسمعي الكلام، ايه مالكيش كبير؟
تجهمت تعبيراتها بشدة وزفرت بصوت مسموع، فتابع بازدراء وهو يرمقها بنظرات دونية: -على الأقل كنتي استري نفسك بدل ما حد من كلاب السكك يطلع عليكي وينهش لحمك.

نظرت ولاء إلى ثيابها فأدركت حجم حماقتها، هي اندفعت كالعمياء خارج منزلها دون أن تعبأ بما ترتديه من ثياب تعتبر شبه فاضحة ومثيرة للشهوات ربما سيظن من يتطلع إليها أنها إحدى عاهرات الليل، عجزت عن ستر جسدها، فانكمشت على نفسها حرجًا من نظراته الاحتقارية لها، أبعد عينيه عنها مكملاً بحدة:
-ده انتي لسه على ذمة ابني، وإن كنتو هتطلقوا يبقى تصوني نفسك لحد ما تسيبوا بعض!

انتبه لجملته التهكمية قريبها كامل المشهود عنه بالصرامة والشدة، ناهيك عن سماعه لبعض الأقاويل التي نالت من شرفها أثناء ولوجه للداخل، فتشكل تفسير مبدئي في ذهنه عن الموضوع، وربطه سريعًا بها حينما توجهت أنظاره تلقائيًا نحوها، بالطبع اكتسى وجهه بحمرة رجولية منفعلة، وهدر بصوت جهوري جعلها ترتعد في مكانها:
-كاشفة لحمك يا بنت شادية؟

التفتت برأسها نحوه لتجده يطالعها بنظرات شرسة لا تبشر بأي خير، فشحب لون وجهها سريعًا، شعرت بحجم الخطر المحدق بها، هو لا يتفاهم مُطلقًا، أسلوبه حاد وعنيف، فتيقنت أنها وقعت بين براثن من لا يرحم، حاولت تبرير تصرفها قائلة بخوف بائن:
-أنا. كنت..
أشار لها كامل بكفه ليمنعها عن الكلام صائحًا بقوة: -ولا كلمة!

سلط أنظاره على مهدي متابعًا بنبرته المحتدة: -ليه حق ابنك يا حاج ميرضاش يكمل معاها، معذور! ماهي ناقصة الأدب والتربية، بس ملحوئة!
زادت كلماته الغاضبة من رعبها، فهو لن يتفاهم على الإطلاق معها، سيظن أنها عابثة، إن لم يكن قد تأكد لديه ذلك اليقين بعد أن رأها هكذا، حدق فيه مهدي بنظرات قلقة، وهتف بهدوء حذر:
-اهدى يا حاج كامل، احنا لسه كنا..
قاطعه بصلابة مخيفة: -ماتقولش حاجة، أنا شوفت بعيني!

جمد أنظاره المخيفة على ولاء ليتابع بغموض مريب: -ولحمي هاعرف ألمه!
استشعر التهديد العدواني في نبرته، فأكملت بهلع وهي توجه أبصارها نحو مهدي: -أنا، عمي إلحقني
لم يمهلها الفرصة لطلب النجدة أو الاستغاثة بغيرها، فقبض على ذراعها صائحًا: -بينا يا بنت شادية!
بدا مشمئزًا من هيئتها الفاضحة فنزع معطفه عنه ليضعها عليها قائلاً بوعيد: -استري لحمك، ولينا حساب في البلد، ما احنا مش هانقبل سمعتنا تتوسخ!

ارتجفت أوصالها من تهديده العلني، وصرخت مستغيثة: -ماتسبنيش يا عمي، أنا واقعة في عرضك!
لم يدع لها كامل أي فرصة للهرب منه، فأحكم قبضته عليها، ووجه حديثه إلى مهدي بجمود مخيف:
-هي خرجت من ذمتك، وابنك حقه يعمل اللي عاوزه، واحنا أدرى بحال بنتنا!
أدركت أنه لن يتركها تفلت منه فصاحت ببكاء: -كلم أمي بسرعة يا عمي مهدي، خليها تجيلي، هي عارفة مكاني!

جذبها بشراسة خلفه هاتفًا من بين أسنانه المضغوطة: -تعالي يا..! مالكيش أهل يلموكي!

وقف عاجزًا في مكانه حتى عن تقديم أي مساعدة لها، بالطبع هي جنت على نفسها بتصرفاتها الهوجاء، ربما لو تريثت قليلاً أو تناولت الأمور بصورة عقلانية لأختلف الوضع كثيرًا لكنه ستحصد تبعات أعمالها، جذبها كامل بقسوة فعجزت عن إيقاف دفعه لها حتى وصل بها إلى سيارة خاصة كانت تعج برجال بلدتها الأشداء، حدقت في أوجههم العابسة بتخوف كبير، وقبل أن تفيق من صدمتها المذعورة وضعت بداخل السيارة حيث مصيرها الغامض الذي ينتظرها هناك.

ارتفع حاجباه للأعلى باستنكار كبير حينما رأها تقف على قدميها وفي تمام صحتها لا تشكو من شيء، ضغط بغيظ على زجاجة العطر التي كانت في قبضته هادرًا:
-بتعلمي عليا يا بسمة؟
ارتجفت من صوته المفاجئ وحافظت على ثباتها الانفعالي هاتفة بتبرير: -مكانش ينفع أسيبك في الحالة دي وما اتصرفش!

قذف دياب بعصبية زجاجة العطر على الأرضية لتتحطم إلى أجزاء ويتناثر ما بها على الأرضية الصلبة، انتفضت في مكانها من أثر الصوت المدوي، بينما تابع صارخًا بحدة:
-انتي عارفة عملتي فيا ايه؟
ازدردت ريقها بتخوف طفيف، واعترضت طريقه معللة: -مكانش قدامي إلا كده
وقف قبالتها هاتفًا بحنق: -بس مش بالشكل ده
كتفت ساعديها أمام صدرها، وهزت كتفيها في عدم مبالاة وهي تضيف ببرود: -اللي جه في بالي بقى!

أغاظه نوعًا ما كونها غير متأثرة بحالة الخوف التي أصابته لظنه أن مكروهًا ما قد أصابها، وهي تقف أمامه متباهية بتصرفها، فكر للحظات في العبث معها لتلقينها درسًا ألا تثير أعصابه من جديد، التوى ثغره للجانب بابتسامة غير مريحة وهو يرد باقتضاب:
-بقى كده، ماشي!
شعرت بعدم الارتياح من طريقة لفظه للجملة السابقة بالإضافة إلى نظراته التي تحولت للغرابة وهو يطالعها، حلت ساعديها متسائلة بتوجس:
-مالك؟ بتبصلي كده ليه؟

جمد أنظاره عليها مرددًا بثبات مريب: -ايه انتي؟!
تراجعت بحذر للخلف قائلة: -انت فيك..
لم تكمل جملتها للأخير حيث حاوطها من خصرها مقربًا إياها بقوة إلى صدره هامسًا بتسلية:
-هاه بقى؟
نظرت له بتوتر شديد، واصطبغ وجهها بحمرة شديدة، ارتجفت أكثر من اقترابها المهلك منه في لحظة خاطفة، حاولت أن تنسل من أحضانه لكنه أحكم ذراعيه حولها كي لا تفلت منه، انتابها مشاعر متداخلة وهي تدفعه متسائلة بارتباك:
-إنت بتعمل ايه؟

شدد من ضمته لها قائلاً بمكر وهو يغمز لها: -مش احنا اتجوزنا، و. وكده
اتسعت حدقتاها بخوف كبير مرددة بصدمة: -جواز ايه، ده. ده ورقة و..
مال عليها برأسه هامسًا بنبرة ذات مغزى: -محدش هايكلمنا، وبعدين انتي جيتي هنا بنفسك، وأنا بأحبك و..
استشعرت من طريقته المندفعة تهورًا أعمى، فتدفق الأدرينالين بقوة في دمائها يحثها على الابتعاد من أحضانه، هتفت باضطراب كبير:
-ايه؟ لأ، ده..

عمق من نظراته نحوها متابعًا بهدوء مثير للأعصاب: -فرصة ناخد راحتنا و..
استخدمت أقصى قوتها في دفعه من صدره علها تتحرر منه، لكنها لم تستطع إبعاده عنها، ظل محاوطًا إياها يقربها أكثر إليه، زادت رجفتها وخوفها مما هي مقبلة عليه، وهتفت بذعر:
-ابعد عني..
عبس بوجهه مرددًا بحزن مصطنع: -ليه بس كده، مش كنا متفقين من الأول؟!
لكزته في صدره بكوعها صائحة بتشنج: -حاسب.

أرخى ذراعه عنها ليمسك بها من معصميها، وطوق بالأخر خصرها ليتمكن من رفعها عن الأرضية، وسار بها نحو غرفته قائلاً بلؤم:
-تعالي يا أبلة، ده أنا مصدقت نبقى سوى
فزعت أكثر من أسلوبه الذي لم تعهده من قبل، فركلت بقدميها في الهواء صارخة بتشنج: -لأ
لم يعبأ بمقاومتها الشرسة له فأكمل سيره متابعًا: -وفيها ايه لما نخلي الفرح فرحين؟
صرخت بهلع: -والله هاصوت وألم الناس، أنا مش عاوزة كده!

أدرك أنها بلغت ذروة خوفها منه، فتوقف عما يفعل قبل أن يتطور الأمر، أنزلها على قدميها مرددًا بجدية:
-اهدي خلاص، بأهزر معاكي!
لمعت عيناها تأثرًا، ودفعته بعصبية قائلة بصوت مختنق: -أنا مش هاقعد هنا ثانية واحدة!
حررها من قبضتيه فانطلقت مسرعة نحو باب المنزل لتفر منه لكنه اعترض طريقها مجددًا ليرد بابتسامة لاهية:
-اسمعي بس، استني يا بسمة!

تحركت للجانبين لتجد ثغرة تمر منها دون أن يمسها، وتحاشت النظر إليه هاتفة بحنق: -اوعى
أشار لها بذراعيه معللاً: -عشان تعرفي لما بأضايق ممكن أتهور
تعقد ما بين حاجبيها بشدة، وصاحت مزمجرة: -حاسب من وشي، عاوزة أمشي من هنا!
ضم كفيه معًا بحركة متوسلة وهو يقول: -مش هاعملك حاجة صدقيني والله!
أسبل عينيه نحوها متابعًا عن قصد عل رسالته تصل إلى مداركها: -الحاجات دي بالرضا يا بسمة، مش بالغصب!

سدت أذنيها صائحة بتذمر: -مش عاوزة أسمع حاجة
رد مازحًا: -بابور طايح في الناس، خلاص بقى يا حبيبتي!
باغتها بتطويقها من كتفيها ليضمها إلى صدره، ورفض إبعادها عنه رغم تلويها بجسدها للتخلص منه، همس لها مستعطفًا:
-والله ما إنتي زعلانة، عشان خاطري!
جاهدت لتزيحه عنها لكنه فشلت، فصاحت باستياء: -حاسب بقى
ضحك من طريقتها مرددًا: -طب هاتي دماغك أبوسها، حقك عليا!

انحنى على جبينها طابعًا قبلة نادمة عليه، لكنها رفضت العفو عنه هاتفة بعبوس شديد:
-ابعد عني!
رد معترضًا بشدة: -مش هايحصل، مش قبل ما نبقى صافي يا لبن!
زفرت بصوت مسموع مستسلمة لقوته التي امتصت مقاومتها كليًا، فأكمل مداعبًا: -ولا بلاش، أنا عارفك هاتحميني زي المرة اللي فاتت، طب ما فكرة، ايه رأيك..
رفعت وجهها لتحدق في عينيه بنظرات محذرة وهي تقول: -ايه؟

قلد وجهها العابس بطريقة مثيرة للضحك مرددًا بجمود زائف: -خلاص يا شاويش عطية، مش هاعمل حاجة!
عمق نظراته العاشقة نحوها فتلاشى تدريجيًا غضبها منه، همست له من بين شفتيها بغيظ:
-بايخ
رد عليها بصوت خفيض متغزلاً فيها: -بس قمر!
قاومت تلك الابتسامة التي تحاول الظهور على محياها، فأضاف مازحًا: -مش هانجيب ليحيى أخ قريب؟
دفعته بسمة بقوة من قبضتيها فتمكنت من تحرير نفسها منه، وردت بصرامة زائفة: -قليل الأدب، عيب كده!

رفع دياب كفه في الهواء قائلاً بتبرم: -لسانك اللهم صلي على النبي مشرط! بينا ننزل بدل ما نطأش (نتشاجر) في بعض تاني
تنحى للجانب فمرت سريعًا من جواره لتسبقه في خطواتها، تابعها بأنظاره الواله ممنيًا نفسه بليلة زفاف وشيكة يفعل معها ما يجيده العاشقين.

لاحقًا، اختفى ضيقه منها مع استحواذ حماسه المتقد لليلتهما المرتقبة على كامل تفكيره، انشغل عنها مؤقتًا بتلقي التهنئات ممن حوله حتى حانت اللحظة التي انتظرها مطولاً، انتهت الزفة وتأبطت ذراعه وهي ترتعش من داخلها، حتمًا لم تكن تتخيل أجمل من ذلك، فرحتها كانت شبه كاملة رغم غياب أبويها ومرض نيرمين، سارت معه بتمهل نحو السيارة التي ستقلهما إلى منزلهما المستقل، فقد أبدى منذر رغبته في قضاء أول أيام حياتهما سويًا دون إزعاج ممن حوله، فاستجابت له ولم تبدي اعتراضها، وقفت عند السيارة فأقبلت عليها عمتها، ومالت عليها لتقبلها من وجنتها قائلة بنبرة باكية:.

-ربنا يسعد قلبك ويكرمك يا بنتي بالخير كله، والله انتي تستاهلي ده
احتضنتها أسيف بذراعيها قائلة بنبرة شبه مختنقة: -ربنا يخليكي ليا يا عمتي!
طالعتها بنظرات ممتنة وهي تضيف: -وجودك الفترة دي فرق معايا كتير
ردت عليها عواطف بنبرة منتحبة: -ماتقوليش كده، ده احنا أهلك
التفتت برأسها للجانب موجهة حديثها إلى منذر الذي كان يصافح أحدهم قائلة بجدية: -مش هاوصيك يا ابني، دي الغالية بنت الغاليين.

استدار ناحيتها قائلاً بعتاب لطيف: -وده كلام يا ست عواطف!
سلط أنظاره على وجه حبيبته قائلاً بنبرة صادقة: -دي قلبي!
اشتعل وجهها بحمرة خجلة من غزله الصريح أمام عمتها، فأطرقت رأسها حياءً منها، أكملت عواطف بنبرة متفائلة:
-إن شاء الله أعدي عليكم في الصباحية أطمن عليكم
لم يكن بحاجة إلى تلك الزيارة، لكنه يعلم المقصد من ورائها، ورغم ذلك رد عليها بهدوء:
-مافيش داعي تتعبي نفسك.

أصرت على القدوم قائلة: -ودي تيجي، ده الواجب يا سي منذر
ابتسم مجاملاً: -تنورينا
هتف دياب مهللاً من على بعد ليلفت الأنظار إليه: -مبروك يا عريس، بالرفاء والبنين!
اقترب من أخيه ليحتضنه مهنئًا إياه، فسأله الأخير بفضول: -مختفي فين من بدري؟
أجابه دياب بغموض: -شوية عوأ بس ظبطت الدنيا
تعقدت تعبيرات وجه منذر إلى حد ما متسائلاً بجدية: -في حاجة حصلت؟
أجابه أخاه بعدم مبالاة: -لأ كله تمام!

وضعت عواطف يدها على كتف دياب لتربت عليه قائلة بود: -مبروك يا ابني
استدار ناحيتها مرددًا بمرح وهو يشير بيديه: -الله يبارك فيكي يا حماتي، عاوزين نعجل بالجواز
هزت رأسها قائلة بعدم اعتراض: -شوفوا اللي يناسبكم
استمعت بسمة إلى جملته تلك، وأزعجها استباقه للأمور دون تمهل، فبدت متجهمة من طريقته تلك، وقفت إلى جوار العروس لتقبلها وردت ببرود:
-أنا مش مستعجلة، لسه ورايا مدرسة وامتحانات ومراقبة وتصحيح و..

أغاظه جفائها المستفز له، فقاطعها مرددًا بتهكم: -خلينا على الملاحق جايز تفضي، يمشي معاكي؟
تغنجت بكتفيها قائلة بدلال: -هافكر!
نظر لها بأعين لامعة مستمتعًا بحالة الشد والجذب بينهما، هي أعادت إحياء روحه من جديد، أضافت طعمًا إلى حياته الجافة بعد أن ضنت عليه مسبقًا بقسوتها، فلا ضرر من التريث حتى يصل إلى مبتغاه.

تجددت الزغاريد والتهنئات المباركة عند مدخل البناية كتوديع أخير للعروسين، وزاد حينها خوف أسيف مما هي مقبلة عليه رغم يقينها بأنه سيمنحها السعادة والحب، حاولت بث الثقة لنفسها كي تهدأ، ومع ذلك بدت أكثر ارتباكًا، فلم تستطع إخفاء خجلها، وبقيت في حالة إنطواء فاركة لأصابع كفيها المتشبثة بباقة الورد.
لوح منذر لمن حوله قائلاً بجدية: -نجاملكم يا رب في الأفراح!

ارتجف جسدها من صوته مستشعرة تلك اللحظات المميزة التي ستجمعهما معًا، فدنت من الدرج لتصعد عليه وتفر منه قبل أن يغازلها دون مقاومة،
أمسكت بالدرابزون، وبدأت بالصعود بتريث، لكنه لحق بها هاتفًا: -استني يا أسيف!
تسمرت في مكانها مستديرة برأسها نحوه قائلة: -سلم على الناس وأنا هاطلع
نظر لها مطولاً وهو يرد بابتسامة عريضة: -ناس مين السعادي!

لف ذراعه حول خصرها مضيفًا بصوت آجش: -وبعدين يصح تبقي عروسة وتطلعي كده وأنا موجود؟
تفاجأت به ينحني عليها ليحملها بين ذراعيه مكملاً صعوده بها، فخجلت من تصرفه مرددة بهمس:
-برضوه؟
رد عليها بنبرة جادة وهو يرمقها بنظرات عاشقة: -أنا جوزك دلوقتي.

أبعدت عينيها عن مقلتيه التي تبثان لها حبًا غير محدود، وظل على ثغرها بسمة ناعمة تلهب المشاعر أكثر، لحظات ووصل بها إلى باب منزلهما، فأنزلها على قدميها ليفتح الباب، وقبل أن تطأ بهما للداخل قام بحملها مجددًا فشهقت مصدومة:
-تاني؟
رد موضحًا بنبرة غير قابلة للتفاوض: -لحد أوضتنا يا عروسة!

زادت حمرتها الخجلة من تلك الكلمات الموحية، شعرت باضطراب أنفاسها، وبتلاحق دقات قلبها من فرط الحماس الممزوج بالحياء والخجل، دار في خلدها الكثير من الأفكار المتخبطة حول طبيعة حياتهما سويًا بعد أن أصبحت جزءًا من حياته، وكذلك هو، انتابها إحساس غريب بالخوف، حاولت تهدئة نفسها لكنها لم تقاوم رجفتها المتوترة، أخرجها من شرودها صوته الهامس:
-أسيف.

التفتت برأسها نحوه لتجد أعينه تقتحم عينيها بقوة، ظلت أنظاره مثبتة عليها وهو يميل برأسه نحوها، همس لها بتنهيدة حارة نابعة من أعماق قلبه الذي يهيم عشقًا بها:
-بأحبك!

تقوست شفتيها مبرزة ابتسامة صغيرة عليهما، فانحنى عليهما ليحصل على أول قبلة انتظرها على أحر من الجمر وهي في أحضانه، شعر بخوفها، باضطرابها، برهبتها من الموقف برمته، فلم يتعجل الأمر، أغمضت عينيها مستسلمة لذلك الشعور الدافيء الذي اخترقها رويدًا رويدًا لينتشر في لحظات في أنحاء خلايا جسدها ليسحبها إلى مناطق شعورية حالمة، زادت قبلته تعميقًا، وتلاشى معها خوفها نهائيًا.

ابتعد عنها ليحدق فيها بنظراته الشغوفة بها، رأى تأثير حبه المتأجج على تعابيرها التي استسلمت لتيار عشقه، فأنزلها لتقف على قدميها دون أن يفلتها من أحضانه، بقي ذراعه محيطًا لخصرها، ضمها إليه قائلاً بهمس:
-ياه، استنيت اللحظة دي كتير
رفعت عينيها نحوه لتنظر إليه بتأمل وقد أشرقت نظراتها بلمعان محبب، طوقت عنقه بذراعيها قائلة بصوت خفيض:
-مين كان يصدق إننا هانكون لبعض؟
ابتسم قائلاً: -حاجة ولا في الأفلام!

بادلته ابتسامة رقيقة أغرته للعودة مجددًا إلى تذوق مذاق الحب من على شفتيها، نعم طال انتظاره، وتحمل على عاتقه الكثير حتى وصل بها إلى تلك اللحظة الفارقة، هو يعيش مشاعرًا لم يختبرها من قبل مع زوجته الراحلة، بدا كالمراهقين وهو يتلهف لضمها، للتمتع معها بأسعد أوقاته، تخلى عن صبره، واحنى رأسه عليها رافضًا إضاعة ثانية أخرى دون أن يتنعم بحبه المشتعل معها، ارتوت بذرة عشقهما مع كل قبلة حسية منحها لها، زادت توردًا وتجاوبًا، وفحمسه ذلك للتعبير أكثر عن حبه لها، فغرقا سويًا في سعادة وردية، تلاحمت فيها أجسادهما، وتلاقت فيها روحهما الهائمة فأصبحا كيانًا واحدًا..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة