قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية الدكان للكاتبة منال سالم الفصل السابع والعشرون

رواية الدكان للكاتبة منال سالم الفصل السابع والعشرون

رواية الدكان للكاتبة منال سالم الفصل السابع والعشرون

إجتاحه شعوراً طاغياً بالخزي والخذلان بعد قرار أسيف النهائي والحاسم بالبقاء مع عمتها.
وما زاد من لهيب حنقه هو إصرار الحاج طه على أخذ حقه منه.
ابتلع ريقه بتوتر كبير، وهتف بنبرة مترددة: -أصول ايه دي اللي آآآ..
رفع طه كف يده في وجهه ليجبره على الصمت، ورد عليه بغلظة: -الأصول اللي عديتها، وكل الناس هنا شاهدين عليك!
ثم التفت ناحية الحاج اسماعيل ليسأله بتأفف: -ولا احنا غلطانين يا حاج؟

رد عليه الأخير بحرج: -لأ، الحق مايزعلش حد، وزي ما كان لينا حق عندكم، إنتو كمان ليكم حق عندنا!
صاح الحاج فتحي غاضباً بعد تصريح الأخير: -انت بتقول ايه يا حاج اسماعيل؟ يعني هيركبونا العيبة والغلط واحنا نسكت كده عادي ونحط البُلغ في بؤنا!
نكس الحاج اسماعيل رأسه ليرد بهدوء حذر: -الحق حق!
أضاف طه قائلاً بعِناد ونظراته مسلطة على الحاج فتحي: -وأنا مش هاسيب حق حريمنا!

لأول مرة منذ وفاة والدتها تشعر أسيف بأن لها سنداً، هم ليسوا أقاربها بالدم لكنهم وقفوا إلى جوارها ودافعوا عنها دافاعاً مستميتاً.
مالت عواطف عليها برأسها لتهمس لها: -الحاج طه مش هايسيبه إلا لما يربيه، إنتي متعرفهوش لسه، بس هو راجل حقاني ونصير الغلابة!
لم تعلق عليها أسيف، فيكفيها أن ترى قريبها المقيت في ذلك الموقف المهين لتشعر بالرضا والإرتياح فقد تمكنت من استرداد جزءاً من كرامتها المهدورة.

ظلت متابعة بإهتمام تطورات الوضع وهي ترمقه بنظرات متشفية.
عاد الحاج مهدي إلى المطعم متعجباً مما آلت إليه الأمور.
ابتسم لنفسه بسخرية وردد قائلاً: -لعبتها صح يا طه، وعرفت تجر رجله لحد عندك من غير ما تغلط فيه، لأ والكل كمان معاك!
هز رأسه بإيماءة خفيفة وهو يضيف لنفسه بإنبهار: -دماغك مالهاش حل!
استغرب مازن من كلمات أبيه المبهمة، ورمقه بنظرات فضولية متساءلاً: -هو انت بتكلم نفسك يا حاج؟

أجابه الأخير قائلاً بإبتسامة متسعة: -من اللي بأشوفه كل يوم وبأتعلمه من غيري
سأله مازن بفضول وهو يتفرس تعابير وجهه بإهتمام: -قصدك مين؟
أجابه الأخير بإيجاز: -طه حرب
زفر مازن بضجر قائلاً بإمتعاض بادي على وجهه: -يادي السيرة اللي مابنخلصش منها!
رد عليه والده بتهكم: -ما انت اللي سألت!
لوى مازن ثغره معللاً بنفور: -كنت غلطان!

ثم أخذ نفساً عميقاً ليضبط انفعالاته، وتابع بجدية: -المهم احنا عندنا أوردر لعشا جماعي بكرة!
رد عليه مهدي بإهتمام: -شوف المطلوب وجهزه، مش نقدر نغطيه؟
أجابه مازن بثقة وهو يوميء برأسه: -ايوه، ناقص حاجات بسيطة وبعت أجيبها
هز أباه رأسه متفهماً: -على بركة الله، وربنا يكرمنا
قال عبارته تلك، وتحرك من مكانه صوب الخارج فسأله ابنه بفضول: -رايح فين يا بابا؟

التفت ناحيته ليجيبه بحماس: -هالحق الجلسة العرفية، زمانتها هتبدأ!
قطب مازن جبينه متساءلاً بإهتمام: -جلسة ايه دي؟
أشار له والده بكفه قائلاً: -بعدين هاحكيلك، ركز انت في الشغل!
لم ترغب أسيف في حضور الجلسة العرفية التي تقرر عقدها في المقهى الشعبي، شعرت بأن قواها منهكة للغاية، وليس بها أي طاقة للاستمرار.
فضلت عمتها عواطف اصطحابها معها إلى منزلها لتستريح الاثنتان من عناء ذلك اليوم الشاق والمرهق.

اقتربت كلتاهما من البناية، وهنا بدأت ملامح وجه أسيف تتبدل للتجهم والضيق. رجفة قوية أصابتها حينما وقعت عيناها على المدخل.
لقد استعادت في ذاكرتها ما أصاب والدتها في ذلك اليوم الحزين.
تسارعت دقات قلبها واضطربت أنفاسها، وسريعاً تجمعت العبرات في مقلتيها لتبدأ في النحيب والبكاء.
أشفقت عليها عواطف كثيراً، وابتلعت غصة مريرة في حلقها متأثرة بها.

مسحت على ظهرها برفق محاولة التهوين عليها، وأردفت قائلة بصوت شبه مختنق: -ادعيلها يا بنتي بالرحمة، هي ما تتعزش على اللي طلبها!
كورت أسيف قبضة يدها ووضعتها على فمها لتكتم شهقاتها الموجوعة. ففراقها ليس بالأمر اليسير. هي فقدت روحها وليس أمها الحنون.
أحاطتها عواطف بذراعيها قائلة بتوسل: -عشان خاطري يا أسيف، بطلي تعيطي، بتقطعي قلبي!
لم تكن أسيف مصغية لتوسلاتها، فهي في حالة تُحسد عليها.

وما إن وطأت قدماها المدخل حتى شعرت بإحساس الفقد.
رغماً عنها رأت أثار بقعة الدماء الجافة التي تتوسطه. إنها تخص والدتها.
زادت شهقاتها ونحيبها.
وضعت يداها على أذنيها لتسدهما، فصوت صدى صراخ والدتها كان أخر ما سمعته منها.
كاد يصيبها بالصمم.
شعرت بذنبها وعجزها لأنها لم تستطع مساعدتها وتركتها بمفردها لتلقى حتفها.
نهج صدرها علواً وهبوطاً، وزادت رعشتها.

بكت عواطف هي الأخرى مشفقة عليها، وضمتها إليها لتخبيء رأسها في صدرها فتبعد عيناها عنها.
شعرت بإختناقتها، بما تتكبده في صدرها المكلوم من مشاعر متآلمة وأحاسيس صعبة، فظلت محاوطة إياها، ورددت قائلة بنشيج باكي:
-تعالي يا بنتي!
سحبتها مجبرة نحو الدرج لتصعد كلتاهما للأعلى ومُبعدة إياها عن تلك البقعة.
همست قائلة في نفسها بعزم: -ربنا يقدرني وأعوضك عن غيابها، واكون أمك التانية!

شعرت أسيف بخواء كبير في نفسها بعد إدراكها لحقيقة الوضع. لا أب طيب يعطف عليها، ولا أم حنون تضمها إليها.
ليس معها رفيق تشكي إليه، ولا قريب يخاف عليها وينصحها، فقط هي بمفردها لتواجه مصيرها المجهول.
نعم الحياة لا تترك مكاناً للضعفاء، بل تسحقهم تحت وطأة قسوتها اللامتناهية. هي عليها أن تتخطى أحزانها وأوجاعها وتعيد بناء نفسها من جديد.

وكما هو متبع في مثل تلك النوعية من الجدالات والخلافات الحادة، أقيمت جلسة عرفية بداخل المقهى الشعبي لمحاسبة المخطيء، وأخذ الحق منه.
وبالطبع لم يتوانَ الحاج طه في تغليظ مطالبه لكي يوصل رسالة صريحة إلى نِده أنهم ليسوا بخصم سهل المنال.
وعلى مضض كبير جلس الحاج فتحي في مقعد منزوي بزاوية المقهى، وإلى جواره رفيقه الحاج اسماعيل.
ظل مكفهراً عابساً تكسو نظراته الشعور بالعار والإنكسار.

فقد خسر تقريباً كل ما خطط له، بل والأصعب من هذا أنه مُطالب برد إعتبار من تجرأ عليها.
احتد بركان غضبه بداخله، وكتم غيظه رغماً عنه.
مال عليه الحاج اسماعيل ليهمس له بحذر: -شوف إنت هاتخلص الليلة دي على ايه
نظر له الحاج فتحي من طرف عينه، وأجابه بتأفف كبير: -كمان طلعت الغلطان!
رد عليه الحاج اسماعيل بصوت خافت: -كان لازم تحاسب على كلامك، الناس دي شكلها مش سهل! وأديك شوفت بنفسك!

لم يرد عليه بل أشاح بوجهه بعيداً وهو يغمغم بسباب خفيض.
وفي الجهة المقابلة لهما جلس طه، وابنيه، وعدد من كبار المنطقة الشعبية كشهود عيان على ما سيحدث.
لم يرغب مهدي في التخلف عن الحضور، فهو يتعلم في كل مرة يحضر فيها تلك الجلسات من حنكة طه وحكمته المتمرسة في إدارة الأمور لصالحه. ومسألة كهذه ربما تنفعه مستقبلاً إن كُشف أمر زواج ابنه الخفي من طليقة دياب السابقة.

ورغم أن منذر لم ينطق بالكثير إلا أن نظراته كانت مهددة بخطر مهلك.
فإستعادته للمواقف الحادة التي جمعته مع الحاج فتحي جعلت متحفزاً للفتك به دون سابق إنذار.
بدأت الجلسة ووصلت فيها المجادلات الاعتراضية والمشادات الكلامية بين الطرفين لأشدها، فكل جانب متمسك برأيه ومصمماً على كونه الصائب.

لم يتراجع الحاج طه عن تغليظ عقوباته، ولا عن رد شرف قريبته عواطف. ودعمه الجميع في رأيه. فقد كانوا حاضرين للموقف منذ بدايته، ورأوا مدى التطاول اللفظي والجسدي بالإضافة إلى الافتراءات الباطلة من ذلك الغريب. لذا كانوا حكاماً معه في تقرير المناسب.
فتحت عواطف الباب دافعة ابنة أخيها للدخول وهي تقول بود: -خشي يا بنتي، ده بيتك!
تعثرت في خطواتها وهي تلج للداخل مطأطأة لرأسها.

كانت تلك هي زيارتها الأولى لبيت عمتها، لم تره من قبل، وتمنت لو زارته بصحبة عائلتها، لكن كتب لها القدر أن تجيء إليه بمفردها. بل أن يكون منزلها –مؤقتاً - في الفترة القادمة.
انتبهت هي لذلك الصوت الأنثوي المتساءل بإندهاش: -مين دي يا ماما؟
رفعت رأسها ناحية صاحبته لترى فتاة تقاربها في العمر تطالعها بنظرات متفحصة لها.
دنت بسمة منها، ولم تبعد عيناها عنها متابعة تساؤلها: -انتي مين؟

أجابتها عواطف بصوت متحمس وهي تحاوطها من كتفيها: -سلمي على بنت خالك. أسيف!
نظرت لها بسمة بضيق، وعبست قائلة: -أها. هي دي! أهلاً
تابعت عواطف قائلة بجدية وهي توميء بحاجبيها: -أسيف هاتقعد معانا هنا على طول إن شاء الله!
هتفت بسمة مصدومة: -هنا! في بيتنا؟
أكدت والدتها ما صرحت به قائلة بحسم: -أيوه! وإن شاء الله تتبسط معانا
ضغطت بسمة على شفتيها لتضيف بإمتعاض: -أها. طيب!

استشعرت أسيف من نبرتها عدم تقبلها لوجودها، وشعرت بالحرج لكونها ضيفاً ثقيلاً عليهن.
لم تنتبه بسمة لما أصاب أمها في رأسها من الخلف، فقد كان الجرح متوارياً أسفل حجاب رأسها المتهدل، واعتقدت أنها تركته على تلك الوضعية متأهبة لنزعه عنها.
حضرت نيرمين هي الأخرى متساءلة بتلهف: -حصل ايه تحت يا ماما؟

اضطربت أسيف من وجود ابنتها الأخرى، فقد تصادمت الاثنتان من قبل، هي تتذكر تلك المواجهة، فأخفضت رأسها متحاشية النظر إليها.
رمقتها نيرمين بنظرات مطولة منزعجة، فهي لا تزال تحمل ضغينة في قلبها تجاهها.
هتفت عواطف قائلة بجدية: -مش تيجي ترحبي ببنت خالك يا نيرمين! دي أول مرة تجيلنا وآآ.
نظرت لها بحدة، وقاطعت عبارة أمها مرددة بتجهم وهي توليها ظهرها: -أنا رايحة أشوف رنا، باينها صحت!

تأكدت أسيف في نفسها أنها لن تلقى ترحيباً في ذلك المنزل، وأنها ستعاني من غربة أخرى موحشة لتزيد من تعاستها وبؤسها.
خلال الجلسة العرفية تم تغريم الحاج فتحي مبلغاً مادياً طائلاً كتعويض مؤقت عن إساءته.
هب واقفاً من مقعده محتجاً وثائراً بحنق: -كده كتير، ليه يعني؟ هو أنا غلطت في البخاري؟!

ضرب طه بعكازه الأرضية بصلابة، ورد عليه بصوت صارم وهو ينتصب في جلسته: -سمعة حريمنا ماتتقالش بالمال، وده يعلمك تفكر قبل ما تكلم!
جذبه الحاج اسماعيل من ذراعه ليجبره على الجلوس قائلاً بهدوء حذر: -اقعد يا حاج فتحي، احنا لسه بنتفاهم مع الجماعة!
جلس الأخير مجبراً، وهو ينفث دخاناً من أذنيه.
احتدمت المشادات مجدداً، ولم يجد هو بداً من الرضوخ لهم.

فاضطر أسفاً أن يوقع على ورقة ما بهذا المبلغ – أو ما يعرف بإيصال الأمانة - ليقوم بسداده في فترة زمنية محددة.
أراد منذر أن يسترد حق اليتيمة المسلوب من هذا البغيض الذي أساء لها ببشاعة، فاستطرد حديثه مردداً بثبات وهو يدير رأسه ناحية والده:
-اسمحلي يا حاج، عندي حاجة عاوز أضيفها!
هز الحاج طه رأسه بالإيجاب مردداً بصوت رخيم: -قول يا منذر!

استدار الأخير برأسه نحو الحاج فتحي، وسلط عليه أنظاره القوية، ثم تابع قائلاً بصلابة مهيبة:
-عاوز حق اليتيمة اللي ملحقتش تحزن على أمها!
ثم تعمد رمقه بنظرات احتقارية قبل أن يتابع بإزدراء: -والحاج كان ناوي يسرقه غصبن عنها!
زاد تجهم وجه الحاج فتحي، ورد عليه بعصبية بائنة مغتاظاً مما قاله: -نعم؟ ده ايه ده كمان؟!
تابع منذر قائلاً بصرامة شديدة: -مالوش دعوة باللي يخصها من أملاك وورث، ده حقها شرعاً وقانوناً!

استشاط فتحي من أسلوبه الحاسم المستفز له، وصاح غاضباً وهو يلوح بذراعه: -وانت بتكلم عنها بصفتك ايه فهمني؟ حاشر مناخيرك معاها وآآآ..
تلك المرة قاطعه الحاج طه محذراً بشراسة: -شوف، لتاني مرة بأحذرك، لسانك بيغلط!
زمجر الحاج فتحي هاتفاً بنبرة محتقنة: -ماهو مش أي هبل هيتقال والسلام وعاوزني أرضى بيه، أنا مش لابس العِمة وعاوزين تستغفلوني!

هدر به منذر بصوت مخيف ومهدد: -لأ معلش، أنا مش مجنون قصادك ولا بأقول هري على الفاضي، ده شرع ربنا، وحق اليتيمة، واحنا مش بنيجي لا على حق الولايا ولا اليتامى!
ثم نهض واقفاً من مقعده، واقترب منه بدرجة مخيفة ليحدجه بنظراته الساخطة، وتابع قائلاً بحزم يحمل الوعيد:
-واسمع مني الناهية، هي مش تبقى بنت أخو الست عواطف، يعني تبعنا، واللي يدوس على طرف يخصنا، مالوش دية عندنا!

شعر الحاج فتحي بالرهبة من تهديداته الصريحة، وابتلع ريقه بتوتر شديد.
لم يتراجع منذر، وظل باقياً في مكانه ليحدجه بنظرات أكثر شراسة.
هتف الحاج طه قائلاً بصوت آمر: -اقعد يا منذر، واللي طلبته هايتنفذ!
تمتم الحاج فتحي قائلاً بحنق: -انتو عالم قادرة!
رد عليه منذر ببرود قاسي: -بالظبط كده، وربنا ما يوقعك معانا تاني ويكفيك شر زعلنا.!
ثم أومأ له بعينيه ليشير إلى نفسه متابعاً بتحذير شديد اللهجة: -وخصوصاً أنا!

عاد منذر ليجلس على مقعده المقابل له، وظلت أنظاره القاسية متعلقة به.
استمرت الجلسة لدقائق أخرى لوضع كافة الأمور في نصابها الصحيح، وما إن انتهت حتى نهض الحاج فتحي على عجالة مردداً بمضض:
-بينا يا حاج اسماعيل، أنا دمي فاير ومش طايق نفسي!
رد عليه منذر بإبتسامة عابثة متعمداً إستفزازه: -ما تستنى أما تشرب عناب يا حاج، صدقني هيهديك!
صاح الحاج فتحي بنفاذ صبر: -يالا يا حاج!

تنهد بعدها منذر بعمق وهو يتابعه بنظراته المتشفية وثغره يعلوه ابتسامة منتصرة حتى انصرف تماماً من المقهى.
رتبت عواطف غرفة ابنتها الصغرى بسمة لتكون ملائمة لأسيف لتمكث بها بمفردها خلال الفترة القادمة، ومن أجل اعطائها مساحة من الخصوصية أثناء وجودها معها فلا تشعر بالحرج أو الخجل منها أو من ابنتيها.
شكرت الأخيرة عمتها قائلة بتهذيب متلعثم: -كتر خيرك، أنا. أنا آآ.

وقبل أن تكمل جملتها المترددة قاطعتها عواطف هاتفة بلطف: -انتي هاتشكريني على ايه؟ ده واجبي يا بنتي، ارتاحي انتي بس دلوقتي، ولو عوزتي أي حاجة ناديني! ماشي يا بنتي؟
ثم احتضنتها بود، وقبلتها من وجنتيها، ومسحت على صدغها وهي تبتسم لها.
بادلتها أسيف ابتسامة باهتة وقد لمعت عيناها بدرجة كبيرة.
أشارت لها عواطف بيدها متابعة: -نامي يا بنتي، وأنا هاجيبلك بيجاما من بتوع بسمة تغيري فيها.

اعترضت أسيف قائلة بخجل: -مافيش داعي، أنا آآ. أنا هدومي سيباها في اللوكاندة وآآ.
ردت عليها عواطف بإبتسامة مطمئنة: -انتي بنتي دلوقتي، فمتشليش هم أي حاجة، ارتاحي بس، ومتقلقيش، أنا معاكي ومش هاسيبك!
بعد لحظات خرجت هي من الغرفة تاركة إياها بالداخل، فأسرعت بسمة نحوها قائلة بتذمر وهي تنفخ بصوت مسموع:
-ذنبي ايه أطلع من أوضتي عشان دي!

رمقتها عواطف بنظرات مزعوجة من أسلوبها الفظ، وردت عليها معاتبة إياها بغلظة: -دي اللي مش عجباكي تبقى بنت خالك، وهي هاتفضل معانا هنا!
زاد احتجاج بسمة وهي تضيف بسخط: -يا سلام، يعني هي تيجي وتتبغدد على حسي، اشمعنى أوضتي أنا؟!
ردت عليها أمها بتهكم وهي تشير بيدها: -أنيمها في المطبخ عشان ترتاحي
كتفت بسمة ساعديها أمام صدرها، وردت بتبرم: -لأ، بس مش في أوضتي! انتي عارفة إن أنا مش برتاح في نومتي مع حد!

بررت عواطف تصرفها قائلة: -اعتبريه وضع مؤقت! بعد كده هاخليها تنام معايا!
غمغمت بسمة مع نفسها بإزدراء: -أه موت يا حمار، وأنا أتسوح لحد ما ده يحصل!
رمقتها عواطف بنظرات متأففة، ثم تجاهلتها وتعمدت عدم الرد عليها تاركة إياها باقية في مكانها لتتجه نحو المطبخ.
لحقت بها بسمة متابعة بإلحاح: -ماقولتليش هاتعملي ايه؟
ردت عليها عواطف بضيق: -بطلي زن فوق دماغي وخليني أعمل لقمة للغلبانة دي!

زفرت بسمة قائلة بسخط: -ماشي يا ماما، براحتك!
ثم تركتها وانصرف من المطبخ وهي تبرطم بكلمات متذمرة.
هزت عواطف رأسها مستنكرة جمود ابنتها، وتنهدت قائلة بعشم: -ربنا يهديكي يا بنتي ويحنن قلبك عليها..!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة