قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية الدكان للكاتبة منال سالم الفصل الرابع

رواية الدكان للكاتبة منال سالم الفصل الرابع

رواية الدكان للكاتبة منال سالم الفصل الرابع

استمعت حنان إلى ذلك الصوت النسائي حينما رفعت السماعة لتجيب على رنين الهاتف الأرضي المتواصل، فردت بهدوء على المتصلة:
-أيوه
ارتبكت عواطف من النبرة الأنثوية التي أجابت عليها، وتلعثمت متساءلة بتوتر: -هو. هو مش ده. آآ. رقم الأستاذ رياض خورشيد؟
تنهدت حنان بعمق وهي تجيبها بنبرة حزينة: -اه هو!
ابتلعت عواطف ريقها ساءلة إياها بحذر: -طب. ممكن تدهوني أكلمه؟

أخفضت حنان نظراتها حزناً، وردت عليها بصوت شبه مختنق: -للأسف مش هاينفع!
توجست عواطف من إنهاء المكالمة دون أن تحقق غرضها، فهتفت بصوت متلهف وقلق: -ليه؟ أنا. أنا أخته على فكرة، أخته عواطف!
انتبهت حنان إلى اسمها الذي استدعى إلى ذاكرتها الكثير، فرددت بنبرة شبه مصدومة:
-عواطف!
تابعت عواطف قائلة في محاولة يائسة منها لإبقائها على الخط: -أنا عاوزة رياض أخويا في مسألة كده.

ابتلعت حنان غصة مريرة في جوفها، وردت بصعوبة: - مش هاينفع!
زاد قلق عواطف من أسلوبها الجامد في الحديث، وهتفت متساءلة: -ليه بس، إنتي. إنتي حنان مراته صح؟
أجابتها حنان بهدوء مشحون بالكثير من المشاعر الأليمة: -ايوه يا عواطف، أنا مراته!
هتفت عواطف قائلة بإصرار: -خليني أكلمه، الموضوع والله ضروري وآآ..
قاطعتها حنان بنبرة ملتاعة: -رياض أخوكي تعيشي انتي!

شهقت عواطف مصدومة حينما وقع على مسامعها تلك الكلمات الموجزة.
خفق قلبها بشدة، وصرخت بلا وعي: -ايييييه، رياض مات!
انتحبت حنان متأثرة وهي تجيبها: -ايوه
تساءلت عواطف بنبرة مجذوعة وهي تحاول استيعاب الأمر: -امتى؟ وازاي؟
وضعت حنان سبابتها على طرف أنفها، وهمست بصوت مختنق بعد أن سابت عبراتها الحزينة:
-أعذريني! مش هاقدر أكمل المكالمة، سلامو عليكم!

وضعت السماعة في مكانها ويدها ترتعش بشدة، وأصدرت أنيناً مكلوماً راثية زوجها الفقيد.
وقفت أسيف قبالتها، وحدقت فيها بإستغراب متأملة حالتها.
كانت قبضتها لاتزال موضوعة على سماعة الهاتف، ورأسها منكس للأسفل.
تساءلت أسيف بصوت قلق: -مين يا ماما؟
رفعت حنان أعينها الدامعة لتنظر لها مطولاً، ثم أسندت كفي يدها على عجلتي مقعدها المتحرك، وسارت مبتعدة عنها.

تفاجئت ابنتها بما تفعله، ولحقت بها متساءلة بتخوفٍ: -ماما، في ايه؟ انتي مش بتردي عليا ليه؟
تجاهلتها حنان وأكملت بكائها الصامت دون أن تضيف أي كلمة مما أثار ريبة أسيف، فألحت عليها متساءلة بخوف أكبر:
-ماما، هو ايه اللي حصل؟
على الجانب الأخر، أجهشت عواطف بالبكاء وتعالت شهقاتها المصدومة بعد أن تلقت تلك المفاجأة الموجعة عن وفاة شقيقها الأكبر رياض.

أظلمت عيناها، وترنح جسدها من أثر الصدمة، وبحثت عن أقرب مقعد لتلقي بثقل جسدها المنهك عليه.
هتفت لنفسها غير مصدقة: -ياه يا رياض، تموت وأنا معرفش عنك حاجة، تروح كده وأنا. وأنا حتى ماقفش أخد عزاك!
تعالت شهقاتها أكثر وهي تنتحب بتآلم: -منهم لله كرهونا في بعض وفرقونا، آه يا خويا، ربنا يرحمك، كنت طيب زي أبويا، آآه!
حضرت ابنتها بسمة على صوت عويلها، وحدقت فيها متعجبة من بكائها الغريب، وسألتها بفضول:.

-خير يا ماما؟ بتعيطي كده ليه؟
تقطع صوت عواطف وهي تجيبها بنبرة حزينة للغاية: -أخويا رياض م. مات!
حكت بسمة مؤخرة رأسها بإستغراب، لم يبدُ عليها أي تأثر بما قالته، وردت عليها بفتور:
-مات، امتى؟
أجابتها عواطف بنبرة متشنجة: -مش عارفة. أنا لسه عارفة إنه مات!
مصمصت بسمة شفتيها بتهكم، ثم أضافت بنبرة ساخطة وهي تهز حاجبها: -حوش يعني الود والمحبة كانوا مقطعين بعضهم! ده احنا منعرفش عنه إلا اسمه يا ماما.

لطمت عواطف على صدرها، وكذلك فخذيها وهي تضيف بنواح: -آه يا خويا، اتظلمت وانت حي، ومعرفتش أخد عزاك وانت ميت!
زفرت بسمة مستاءة من حزن والدتها الغير مقنع بالنسبة لها، فالعلاقة بينهما كانت شبه منعدمة، وبالتالي كل ذلك العويل والحزن لن يحدث فارقاً معها، لذلك صاحت بنزق:
-يووه، سيبك من جو ندب الحظ ده يا ماما!

نظرت عواطف لها شزراً، وتمتمت بكلمات مبهمة، فضغطت بسمة على شفتيها مانعة نفسها من قول المزيد من الحماقات.
دنت هي من أمها، ومسحت برفق على ظهرها قائلة بجمود: - الله يرحمه، أهوو ارتاح من قرف الدنيا، خلينا احنا في اللي جاي!
أزاحت والدتها يدها عنها، ونهضت من على المقعد قائلة بعصبية: -سبيني لحالي، أه يا خويا، آه!

تابعتها بسمة وهي تتحرك في اتجاه غرفتها بنظرات متعجبة للغاية، ثم وضعت إصبعيها أسفل ذقنها لتضيف ساخرة:
-دي مالها دي، أل يعني كان دايس البيت زيارات!
إنتاب أسيف الفضول لمعرفة هوية المتصل بوالدتها والذي سبب لها تلك الحالة الكئيبة.
وقفت أمام الهاتف الأرضي تطالعه بنظرات متفرسة.
عضت على شفتها السفلى في حيرة، وفركت رأسها بقلق.

وضعت سبابتها بين شفتيها متساءلة مع نفسها بتردد: -أكيد اللي اتصل بيها ضايقها، وهي مش هتحكيلي حاجة، وأنا مش هرتاح إلا لما أعرف بالظبط ايه اللي حصل
زفرت بإستياء، وتابعت حديث نفسها: -طب أطلب الرقم اللي اتصل واسأله!
تجهمت ملامح وجهها أكثر بإمتعاض وهي تقول: -بس كده هاتكون حركة بايخة مني!
تنهدت بعمق، وأضافت متساءلة وقد عجزت عن التفكير بوضوح: -طب مثلاً أقول إن الرقم ده كلمنا قبل شوية، وأعرف مين بالظبط!

هزت رأسها نافية بشدة، وتمتمت بصوت خفيض: -مافيش داعي، أنا أحاول أعرف من ماما مين اللي اتصل!
وبالفعل عقدت العزم على استدراج والدتها في الحديث لمعرفة هويته دون الحاجة للجوء لوسائل غير مضمونة.
سمعت بسمة صوت دقات متتالية على باب منزلها، فسحبت حجاب رأسها القماشي من على المقعد، ولفته على عجالة، ثم اتجهت نحو الباب لتفتحه.

مطت فمها في تأفف، وضاقت نظراتها نحو تلك الطفلة الصغيرة التي تقف على عتبتها، وأردفت قائلة بحدة قليلة معنفة إياها:
-اتأخرتي على الدرس يا حلوة!
ردت الطفلة قائلة بعبوس: -والله ما أنا يا ميس، دي ماما اللي أخرتني
نظرت لها بسمة شزراً، وتنحنت للجانب قائلة بتجهم: -طب خشي يالا، مافيش وقت نضيعه، عندنا مذاكرة أد كده
هزت الطفلة رأسها بالإيجاب مرددة: -حاضر يا ميس.

انتظرتها بسمة حتى ولجت إلى داخل الصالة، ثم أغلقت الباب خلفها متمتمة مع نفسها بتهكم:
-هناخد ايه من دروس الحتة الفقر دي!
ثم تحركت خلفها لتبدأ في إعطاء الطفلة درسها الخصوصي الذي تتقاضى ثمناً زهيداً مقابل الاستذكار معها.
جلست أسيف إلى جوار والدتها على الفراش، ومسدت على رأسها بنعومة، ثم انحنت عليها لتقبلها من جبينها، وهمست لها بصوت خفيض:
-مالك يا ماما؟ لو بس تقوليلي ايه اللي ضايقك كده.

ظلت أنظار حنان معلقة بالفراغ أمامها، شاردة في سنوات عمرها الماضية، حينما كانت فتاة صغيرة مقبلة على الحياة قبل أن تُصاب بالعجز.
انهمرت عبراتها في صمت، واستمر سيل الذكريات الحزين في التدفق لعقلها بغزارة ليزيد من شقائها.
أخرجها من دوامتها اللا متناهية صوت أسيف الرقيق: -عشان خاطري يا ماما، أنا مستعدة أعمل أي حاجة عشان ترجعي تضحكي تاني!

نظرت نحوها بحنو، ومدت يدها لتضعها على وجنتها، وهمست بصوت مبحوح: -أنا كويسة يا بنتي، اطمني
ابتسمت لها أسيف، وهمست متساءلة بحذر بعد أن قتلها الفضول لمعرفة هوية المتصل: -ممكن بس تقوليلي مين اللي ضايقك على التليفون؟
أجابتها حنان بتنهيدة متعبة: -دي. عمتك!
قطبت أسيف جبينها متعجبة مما تفوهت به تواً، وحدقت في والدتها باستغراب وهي تردد:
-عمتي!
هزت حنان رأسها بإيماءة خفيفة وهي تجيبها بخفوت: -أيوه، عمتك عواطف!

رمشت هي بعينيها عدة مرات غير مصدقة أن أبيها لديه أخت لا تعرف عنها شيئاً، هو لم يخبرها عنها مسبقاً.
تساءلت بإندهاش لم يخلو من نبرتها: -هو. هو أنا عندي عمة؟
ردت عليها حنان بنبرة تحمل المرارة: -اه، بس للأسف كان في بينا مشاكل زمان، ف. آآ. فالعلاقات مكانتش أد كده!
انتبهت أسيف لعبارة والدتها الأخيرة بكل حواسها، وتساءلت مهتمة لمعرفة التفاصيل:
-مشاكل ايه دي؟

تنهدت حنان بإنهاك. ثم ضغطت على شفتيها مجيبة إياها بإقتضاب: -مش وقته!
أدركت هي أن أمها لا تملك الرغبة للحديث عن تلك المشاكل الآن، فلم تلح عليها في تلك المسألة، ولكن عقلها – دائم التفكير – لم يدعها لحالها، فهتفت متساءلة بفضول:
-طب ليه مجاتش عزا بابا؟
أجابتها هي بإيجاز: -مكانتش تعرف.

عضت أسيف على شفتها السفلى تفكر فيما قالته أمها، إذن فالقطيعة كانت دائمة بين الشقيقين، وإلا لكانت أتت عمتها إلى عزاء الراحل.
لم يمنعها ذلك من الاستمرار في التساؤل لجمع معلومات أكثر.
مالت أسيف على رأس والدتها، وهمست متساءلة بحذر: -هي ساكنة قريب مننا؟
ردت عليها حنان بهدوء: -لأ، في حتة تانية!

اعتدلت هي في نومتها، ونظرت أمامها بشرود تفكر في الأمر، لديها عمة لا تعرف عنها إلا القليل، ولا تقطن بجوارهم، بالإضافة لوجود مشاكل قديمة.
لاحظت والدتها شرودها وصمتها المفاجيء، فهمست بصوت متحشرج: -أسيف
انتبهت ابنتها لها، ورسمت ابتسامة مصطنعة على وجهها مرددة بنعومة: -نعم يا ماما!

وضعت حنان يدها على كف ابنتها، وضغطت عليه بأصابعها قائلة بجدية: -أنا مش عاوزاكي تغلطي غلطة ابوكي وتقاطعي قرايبك، سمعاني؟ مش عاوزاكي تكوني لوحدك لو جرالي حاجة
هتفت أسيف بتوجس
-بعد الشر عنك يا ماما، بس إنتي قصدك ايه بالكلام ده؟
ردت حنان بفتور وهي تنزلق بجسدها للأسفل لتغفو: -بعدين، سيبني أرتاح دلوقتي
حركت أسيف رأسها بالإيجاب وهي ترد مبتسمة: -حاضر يا ماما.

أعدت جليلة طاولة الطعام بالمأكولات الشهية، ونظرت إلى ما وضعته بإعجاب، فهي دوماً تبرع فيما تطهوه.
أطلقت تنهيدة متفاخرة من صدرها، وغمغمت مع نفسها قائلة: -والله ما في زي نفسي في الأكل! بس اللي يقدر!
وجهت أنظارها للجانب، وهتفت بصوت مرتفع: -الغدا جاهز، يالا يا حاج طه!
استندت بمرفقها على حافة المقعد الخشبي، وتابعت ندائها العالي: -يا منذر، دياب، تعالوا يا ولاد الغدا سخن!

أخذت نفساً عميقاً، ثم أكملت بنفس الصوت الحاد: -بت يا أروى، سيبي مذاكرتي وهاتي يحيى في ايدك وتعالي!
انتظرت هي للحظات قبل أن يأتي قاطني المنزل إليها.
شمر الحاج طه عن ساعديه، وحدق في صحون الطعام بنظرات إعجاب مردداً: -ماشاء الله يا جليلة
ردت مبتسمة بتفاخر: -سفرة دايمة إن شاء الله!
سحب منذر مقعده، وجلس عليه دون أن ينبس بكلمة، بينما أقبل دياب على الطاولة وهو ينفخ بضيق بادي عليه.

نظرت له والدته بإستغراب متساءلة: -مالك يا دياب؟ وشك مقلوب كده ليه؟
نظر لها من طرف عينه بإنزعاج، ولم يجب على سؤالها، وقبل أن تضيف المزيد استمعت هي إلى صوت ابنتها الصغري هاتفاً:
-يحيى مش جه يا ماما؟
التفتت سريعاً برأسها نحو دياب، وهتفت متساءلة بتخوف قليل: -الله! الواد راح فين يا دياب؟ هو انت مجبتوش معاك؟
أجابها بإقتضاب وقد اكتست ملامح وجهه بالتجهم: -لأ!

زاد قلقها لعدم وجود حفيدها ضمن أفراد العائلة، فتساءلت بتوتر: -ليه؟ انت سبته فين؟
رد عليها بإمتعاض: -المحروسة خدته معاها، عاوزاه يقضي اليوم
زفرت جليلة بإستياء، وردت عليه قائلة: -معلش يا بني، ماهي أمه بردك ومن حقها تقعد معاه
تمتم دياب من بين أسنانه بسخط: -هي دي أم أصلاً، دي شيطان!
صاح طه بصرامة وهو يدس ملعقته في صحن الأرز: -فضونا من السيرة دي وخلونا ناكل على رواقة.

قامت عواطف بتوزيع الطعام على صحون أبنائها بعد أن قدمت لزوجها حصته أولاً.
تساءل دياب بجدية بعد أن ابتلع ما في جوفه: -عملتوا ايه في موضوع الدكان؟
أجابه منذر بهدوء: -لسه، في شوية قلق كده!
قطب دياب جبينه متعجباً، وتساءل مهتماً: -قلق ايه ده؟ هي عواطف ناوية تتنمرد علينا ولا ايه
رد عليه أباه قائلاً: -لأ يا دياب، الحكاية ومافيها إن أخوها شريك في الدكان، وهي مش هاتعرف تتصرف فيه لوحدها.

انتبهت جليلة لعبارة زوجها الأخيرة، وهتفت مرددة بنزق: -رياض! ياه، بقالنا كتير ماسمعناش عنه حاجة!
تساءل دياب بإستغراب: -مين رياض ده؟
أجابته والدته قائلة بتنهيدة مطولة: -ده أخو عواطف، جدع طيب والله، بس بخته قليل!
تقوس فم دياب بعدم اقتناع مردداً: -هي ليها أخوات أصلاً؟
أجاب طه عليه بنبرة هادئة: -اه يا بني، ده شقيقها من أبوها، بس أديله زمن غايب، وأخباره مقطوعة عن الكل.

أضافت جليلة مرددة بإستنكار: -ده من أيام الفضيحة اياها!
اهتم دياب بالحديث كثيراً خاصة أنه لا يعي عنه شيئاً، فتساءل بفضول أكبر: -فضيحة ايه دي؟

ردت عليه جليلة بأريحية تامة: -أم عواطف الست عزيزة الله يرحمها، مكانتش تعرف إن جوزها الحاج خورشيد الكبير متجوز من قبلها، ولما دريت بده وقت ما مراته الأولى دي ماتت على اللي عملته فيه، وقلبت الدنيا ومقعدتش، وكانت فضايح في الحتة، شتمته وبهدلته وقلت أدبها عليه وعلى ابنه، والكل اتفرج عليهم!
عقد منذر ما بين حاجبيه متعجباً من جرأة تلك السيدة، وأسلوبها الغير أخلاقي مع زوجها مردداً بضيق:
-يا ساتر!

تابعت جليلة قائلة بتحمس: -هو حاول يراضيها ويعوضها عن انه خبى عليها إكمن كان بينهم مصالح كتير، وكتب لها جزء من أملاكه، بس مرتاحتش، كل همها ازاي كان متجوز ومخلف واد من وراها، لأ وكان جدع وقتها يعني هيشاركها في كل حاجة!
ارتشف دياب صحن الشوربة الساخن بالكامل دفعة واحدة، وأسنده أمامه، ثم تساءل بإهتمام:
-وبعدين!

أكملت جليلة بعد أن مصمصت أصابعها الملطخة بأجزاء من الطعام: -مخلصهاش تسيبه كده، قالت لقرايبها، وكانوا شداد الصراحة، حلفوا ما يسيبوا عمك خورشيد إلا لما يربوه على كدبه عليهم!
رفع طه حاجبه للأعلى مردداً بحزم: -خلاص يا جليلة، بلاها السيرة النكد دي على الأكل!
اعترض دياب على جملة أبيه قائلاً بفضول: -استنى يا حاج أما أعرف التفاصيل
لوى طه فمه هاتفاً بتهكم وهو يسلط أنظاره عليه: -يعني هتسمع الأملة؟!

ضحك منذر قائلاً بإستهزاء: -عادي يا حاج طه، ابنك غاوي حكايات!
لم يعقب عليهما دياب، واكتفى برمقهما بنظرات حادة، ثم التفت ناحية أمه، وسألها مهتماً:
-ها يا أمي، ايه اللي حصل؟
ابتلعت ما في جوفها، وأجابته بصوت جاد: -بعتت قرايبه لحد البلد عنده، والظاهر كانوا عاوزين يقتلوه!
اندهش دياب من تفكير زوجة ذلك الرجل الإجرامي، واسترعى الأمر فضوله بشدة.

أخفضت جليلة نبرتها لتضيف برثاء مصطنع: -بس يا عيني اللي راح في الموضوع ده بت غلبانة باين، فدت الحاج خورشيد وابنه!
هتف دياب بشكل حماسي مفاجيء: -شكل عزيزة دي كانت جبارة!
ردت عليه جليلة بإمتعاض وقد عبست تعابير وجهها: -أجارك الله، دي كانت فظيعة!
أضاف منذر بجدية وهو يتفرس وجه والدته: -بس عواطف مش طلعالها
ردت عليه أمه بتنهيدة: -عواطف زي أبوها، طيبة وفي حالها!

تساءل دياب بنبرة جادة وهو يعاود النظر إلى أبيه: -المهم دلوقتي، الدكان ده هنعرف ناخده، ولا البيعة واقفة؟
أجابه طه قائلاً بنبرة متريثة: -عواطف قالت هتتصرف، وأدينا مستنيين!
هز دياب رأسه بإيماءة خفيفة مضيفاً: -اللي فيه الخير يقدمه ربنا!
حدق منذر في وجه أبيه، وهتف بخشونة وقد بدت الصرامة ظاهرة على محياه: -يومين كده ونسألها عملت ايه!
حرك والده رأسه بإهتزازة جادة موافقاً إياه: -وماله يا منذر!

لاحقاً، وبعد مرور عدة أيام، أجرت أسيف بحثاً مكثفاً على المواقع الطبية المختلفة باحثة عن طبيب مناسب يمكنه متابعة حالة والدتها وعلاجها إن اقتضى الأمر.
فهي تخشى تدهور صحتها، وربما خسارتها إن أهملت في نفسها.
لذلك أجبرت نفسها على التحري في سرية لتصل إلى شيء مفيد. لذلك جلست في مكتب والدها لتفعل هذا.

ونوعاً ما جمعت عدة معلومات عن عدة أماكن – باهظة الثمن - يمكنها أن تقدم لوالدتها فرصة جيدة في الفحص والتشخيص.
دونت الأسماء في إحدى صفحات مفكرتها الزهرية الصغيرة.
زفرت بتعب بعد ذلك المجهود الذي أخذ من وقتها ساعات كثيرة.
أرجعت ظهرها للوراء، وحركت عنقها للجانبين وهي تفركه بكفي يدها.
استرخت على المقعد قليلاً، وأغمضت عيناها لتريحهما.

رددت لنفسها بتفاؤل وهي تتثاءب: -إن شاء الله يجي تعبي ده بفايدة، المستشفيات دي الأغلب بيشكر فيها!
تمطعت بذراعيها وهي تكمل حديث نفسها المتحمس: -أقنع بس ماما نروح لواحدة فيهم، وأهوو فلوس بيع الأرض موجودة عشان مايبقلهاش حجة!
قطع تفكيرها صوت رنين الهاتف الأرضي، ففتحت عيناها سريعاً، ونهضت عن المقعد لتجيب عليه.
وضعت أسيف السماعة على أذنها قائلة بصوت خافت: -ألوو!
استمعت هي إلى صوت أنثوي يردد بحزن: -حنان!

تجمدت تعابير وجهها نوعاً ما متعجبة من وجود من يهاتف والدتها التي كانت نادراً ما تحدث أحد في الهاتف، وصححت لها قائلة برقة:
-لأ، أنا أسيف، بنتها!
-بنت رياض!
ردت عواطف مصدومة بتلك العبارة وقد بدا في نبرتها الذهول التام من وجود ابنة أخ لا تعلم عنها شيئاً..!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة