قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية الدكان للكاتبة منال سالم الفصل الرابع والسبعون

رواية الدكان للكاتبة منال سالم الفصل الرابع والسبعون

رواية الدكان للكاتبة منال سالم الفصل الرابع والسبعون

كانت بالنسبة لها زيجة تقليدية بحتة، لم تكن قائمة على قصة حب أو حتى على معرفة مسبقة، بل وافقت عليه كي لا يفوتها قطار الزواج، أو حتى تحمل لقب عانس بين قريناتها، وهو تقدم إليها معتقدًا أنها تملك من الأموال ما سيحسن من وضعه المادي، لكن خابت توقعاته، وتأكد من مستواها المادي المتواضع، فقط أملاك لا تأتي إلا بالقليل من العائد المادي.

اندلعت المشاكل الفعلية بينهما منذ أول ليلة لزفافهما، واستمر الوضع على ذلك الحال بين شد وجذب، وافتعلت والدته الكثير من الخلافات بينهما، حتى خلال فترة حملها عانت من ويلات تسلطها، لم تحبها نيرمين مطلقًا، وبادلتها الأخرى نفس مشاعر البغض والكره، أرادت فقط إنجاح زواجها، لكن مع كل لحظة اكتشفت أنها تسرعت في قرارها، وأخطأت في اختيار حاتم زوجًا لها.

لم تتوقف عن البكاء المرير بعد تلك المهانة المذلة التي تعرضت لها، زحفت على مرفقيها لتصل إلى الدرابزون كي تمسك به حتى تتمكن من النهوض، ألمتها عظامها وكل قطعة في جسدها، التفتت برأسها لتحدق في باب منزلهم بأعينها المشتعلة كمدًا وغيظًا، ليس أمامها وسيلة متاحة لاستعادتها، هي في موقف ضعف، ستتحمل رغمًا عنها تلك الإهانة حتى تعيد رضيعتها إليها.

أخفضت نظراتها لتحدق في هيئتها المزرية، عباءتها ممزقة، ووجهها مليء بالكدمات والتورمات، ناهيك عن باقي جسدها الصارخ بألمه، سحبت نفسًا عميقًا لتضبط به نوبة بكائها، ثم كزت على أسنانها قائلة بصوتها المنتحب:
-بنتي هاعرف أخدها منكم، وغدركم بيا هارده، مش أنا اللي أسيب حقي!

اتجهت نحو الدرج هابطة عليه بتريث، لكنها تسمرت في مكانها مجبرة حينما سمعت صوت الباب يفتح من خلفها، أدارت رأسها ناحيته، فتفاجأت بكيس من القمامة – ذو رائحة نتنة – يُلقى في وجهها لتتناثر محتوياته الكريهة عليها.
شهقت نيرمين صارخة من هول المفاجأة، بينما رمقتها شاهندة بنظرات دونية وهي تقول: -ده تمامك يا قذرة! اتفوو!

صفقت الباب بعنف في وجهها ليزداد حنقها وتشتعل في مكانها، أغرقتها القمامة كليًا، خاصة أنها كانت تحوي مياه كريهة، فعبأت عباءتها برائحة منفرة، ضربت بيدها المتكورة بعصبية على الدابزون، وصرخت من بين شفتيها بغل محتد:
-يا ولاد ال، ، مش هاسيبكم، هاموتكم كلكم، وربنا لأردلكم اللي عملتوه فيا، وهاتشوفوا!
أكملت هبوطها على الدرج مطلقة وابلاً من السباب اللاذع منفسة عن غضبها المحتقن بداخلها.

سرحت في الطريق بنظرات شاردة من نافذتها الملتصقة بها، مر ببالها لمحات سعيدة من حياتها مع أبويها الراحلين، ولمحات أخرى تعيسة حينما عايشت لحظات فراقهما، تنهدت بعمق مقاومة تأثير ذلك عليها، كم اشتاقت إليهما كثيرًا، هي بحاجة ماسة إلى أحضانهما الدافئة، تنهدت أسيف مجددًا لتضبط انفعالاتها قبل أن يلاحظ أي أحد حالتها المرتبكة تلك.

لكن على عكسهم تمامًا كان مراقبًا جيدًا لكل ما يخصها، بل متابعًا عن كثب لأقل شيء يصدر عنها، شعر بحزنها البادي على وجهها، استشف سبب ضيقها دون أن يخمن ماهيته، أراد أن يحتويها، أن يعوضها عما فات، لكنها لا تترك له الفرصة لفعل ذلك، يرغب في أن تثق به، تمنحه الفرصة ليعبر لها بصدق عن حاله، لكنها دومًا تصده، تختلق الأعذار لتبتعد عنه حتى وإن كانت تعمد لأسلوب الهجوم والفظاظة، عاد من تفكيره المتعمق إلى أرض الواقع على صوت بوق إحدى الشاحنات، فانتبه منذر للطريق وأكمل قيادة السيارة بحذر.

فرك دياب رأسه متسائلاً باهتمام: -مفكرتيش ليه تشتغلي يا أسيف زي بقية البنات، ولا عندكم بيمانعوا في ده؟
انزعج منذر من استرسال أخيه في الحديث معها بأريحية تامة، فهو متحرج من مجرد اختلاق أي عذر لسحب الكلمات من على شفتيها، وهو لا يجد جهدًا في جرها نحو ثرثرته الزائدة عن الحد، تجمدت أنظاره على أعين أسيف حينما أجابت هامسة:.

-عادي، بالعكس بابا الله يرحمه كان مرحب بالفكرة، بس. مكانش حابب إني أتعب وهو موجود، ف. فأعدت في البيت
أضافت عواطف قائلة بنبرة أمومية: -يا بنتي هي البنت ليها ايه غير بيت جوزها وتربي ولادها كويس، والستر و..
اعترضت بسمة على تفكيرها القديم قائلة: -ماما، بلاش الأفكار دي، خلاص عفا عليها الزمن!
بدا دياب مهتمًا بمعرفة سبب رفضها لتلك المعتقدات، فسألها بجدية وهو يدير رأسه في اتجاهها:
-ليه يعني؟

حدقت في عينيه مباشرة، ثم أجابته بامتعاض وهي تشير بيدها: -مش معقول بعد تعب السنين دي كلها في المدارس والكلية أقعد في البيت أطبخ وأغسل وأنشر، وأربي العيال
رد عليها دياب بضيق قليل: -محدش قال كده، بس بيتك المفروض يكون ليه أولوية عندك
احتدت نظراتها وهي تصر على رأيها مؤكدة: -ايوه، بس الكلام ده لسه بدري عليه، أنا قدامي مستقبلي، ومش بأفكر في الجواز خالص دلوقتي!

اشتدت قسمات وجهه حدة من رفضها الصريح لمسألة الارتباط، فأشاح بوجهه بعيدًا عنها متجنبًا افتضاح أمره، أتاه صوت عواطف في أذنه مرددة:
-بردك البنت في النهاية ليها الجواز، المدة طولت قصرت، مش هاتتهنى إلا مع جوزها!
التوى ثغر دياب للجانب وهو يضيف ساخرًا: -فهميها يا ست عواطف، جايز تسمعلك ولو إني أشك في ده!

اغتاظ منذر من تحول مسار الحوار مجددًا للشد والجذب بينهما، فصاح بهما بضجر: -بصراحة انتو الجوز مش مدين فرصة لأسيف انها تتكلم خالص
رد عليه أخيه قائلاً: -ما انت اللي ساكت يا منذر، حد حاشك يعني عن الكلام!
رفع الأخير حاجبه للأعلى هاتفًا باستنكار: -انت شايف كده؟
ابتسم دياب مضيفًا بمزاح: -ايوه، خطيبك يا ست أسيف عاوز يشلني ذنبك، قوليله بؤين صبريه بيه!

لم يرغب منذر في فرض نفسه عليها، فصاح معنفًا إياه بقوة: -ماتبقاش رخم، خليها على راحتها!
حدقت أسيف في وجهه المنعكس أمامها متأملة إياه بنظرات مرتبكة، فأمسك بها بعينيه، تورد وجهها خجلاً منه، وحادت ببصرها بعيدًا عنه
-إنتي اتجننتي، إزاي تعملي حاجة زي كده من غير ما تشوريني؟

صرخت شادية بتلك العبارة بعد تأكيد ابنتها خبر إبلاغ زوجها بقضية الخلع التي أقامتها ضده، نظرت لها بفتور، ثم سحبت الغطاء لتدفن رأسها أسفله وهي ترد بعدم اكتراث:
-يولعوا!
نزعت الغطاء عن رأسها هاتفة بتشنج: -اصحي كده وكلميني، انتي مش متخيلة الزفت مجد ممكن يعمل فيكي ايه، ده أنا خدت منه مليون جنية، ولا أخوه لو فاق من اللي هو فيه ه..
قاطعتها قائلة بانفعال: -اتصرفي معاهم انتي، أنا خدتي قراري وخلصت!

ردت عليها شادية بهياج بائن في نبرتها وحركاتها: -انتي غبية ومتسرعة!
-اه غبية عشان سمعت كلامك من الأول، بصي أهوو أديني خسرت كل حاجة في الأخر!
-يا ولاء الزمن ده عاوز الفلوس عشان تقدري تعيشي
-بس يا ماما، أنا تعبانة وعاوزة أنام!

قالتها بصوت متجهم وهي تعيد سحب الغطاء على وجهها مدعية وجود رغبة ملحة بها للنوم، نظرت لها والدتها بحنق كبير، هي حاصرتها في خانة اليّك، وحتمًا ستتواجه مع المقيت مجد الذي لا ينسى من استغله يومًا.

بعد برهة وصل منذر بالسيارة إلى مشارف بلدتها الريفية، تأهبت حواسها حينما اشتم أنفها تلك الرائحة التي اشتاقتها، أخفضت نافذتها لتستنشق نسمات الهواء المنعشة متمنية بين طياتها أن يخبئ لها القدر ما يمكنها تحمله، تساءل منذر بجدية:
-بيتك فين؟
أدارت رأسها في اتجاهه لتجيبه بتوتر قليل: -قدام شوية، هاقولك تمشي ازاي
رد عليها بنبرة ذات مغزى: -وأنا متابع معاكي لحد الأخر!

اتبع توجيهاتها حتى وصل إلى رأس الطريق المؤدي إلى بيتها، وهنا بدأت تتوتر أكثر، هي مرت بنفس الأماكن من قبل، رأت تلك الوجوه المكدة في عملها بالحقول، تعلقت أنظارها بتلك الأيادي المشققة من فرط اجتهادها حتى تحصد ثمار تعبها في نهاية المطاف، فبدأ قلبها يخفق بقوة، لكن تلاحقت نبضاته بسرعة كبيرة حينما ظهر طيف منزلها، ترقبت بأعصاب مشدودة رؤيته، دعت الله أن يكون ما أبلغها به قريبها مجرد أكذوبة مخادعة، لكن خاب رجاؤها، وصدق في إدعائه، لم يظهر أمامها سوى أطلال بيت محترق.

توهجت عيناي أسيف بلمعان قوي، هزت رأسها باستنكار كبير رافضة تصديق ما رأته حدقتيها، انهمرت العبرات منهما دون سابق إنذار حسرة عليه، ونهج صدرها من قوة قهرها على هيئته، أهكذا تحول ذلك البناء الحجري الذي ضم أهم لحظات حياتها إلى بقايا محطمة؟ وضعت يدها على فمها لتكتم شهقة صارخة من صدرها الملتاع، تهدجت أنفاسها، وزادت لوعتها.

أشفقت بسمة على حالها، فلفت ذراعها حول كتفيها لتضمها إليها، فالفاجعة صعبة عليها بالتأكيد، همست لها مواسية:
-حبيبتي يا أسيف، ده بيتك! لا حول ولا قوة إلا بالله!
لطمت عواطف على صدرها هاتفة بصدمة: -يا نصيبتي، ده بقى كوم تراب، قدر الله وماشاء فعل! احتسبي عند الله يا بنتي! ربنا يعوض عليكي!
زاد بكائها المتحسر على ذكريات حياة بأكملها انتهت في لحظات وتحولت لمجرد ركام متهالك.

رأها منذر وهي تبكي فشعر بنغصة عنيفة في صدره، أراد ضمها إليه، أن يحتوي حزنها، ويلملم بقوة ضعفها الوشيك ليشعرها أنه معها في أصعب لحظاتها، لكنه عجز عن فعل ذلك، شدد من قبضتيه على عجلة القيادة حتى كاد يعتصرها، هو توقع حدوث صدمة لها حينما تراه، وود لو كان وقعها أخف عليها، لكن حال ما تبقى من المنزل لا يبشر بأي خير.

أوقف السيارة ببطء منتظرًا ترجلها منها، وبأيد مرتجفة فتحت بابها لتطأ بقدميها تراب قريتها، رفضت أن تمسك بها بسمة أو عمتها، وخطت نحوه بمفردها، ولم تعترض الاثنتان على تصرفها، هي بحاجة إلى مساحة من الحرية، تباطأت أسيف في خطواتها، بل الأحق أن يُقال أنها عجزت عن السير وهي تتجه إليه، كان الأمر غير قابل للتصديق، لم يبقَ أي شيء من ذكرياتها سوى أنها احترقت بالكامل معه.

لحق بها بخطوات متعجلة متأهبًا لتقديم أي دعم لها في حال انهيارها، وقفت هي أمام منزلها تبكي بلا توقف، تركت العنان لنفسها لتنعي ما مضى من حياتها.

لم يقاطعها أي شخص، واكتفوا بمواساتها بتلك الكلمات المحفوظة عن ظهر قلب والتي تردد بصورة تلقائية في مثل تلك المواقف، أحاطتها عمتها من كتفيها وضمتها إلى صدرها لتبكي في أحضانها، وظلت تربت على ظهرها عدة مرات محاولة تهدئتها، بينما تراجع دياب خطوة للخلف ليقف إلى جوار أخيه، ثم مال برأسه عليه متسائلاً بجدية:
-هاتعمل ايه؟ الموضوع طلع بجد مش مقلب من قريبها الرخم.

رد عليه منذر بنبرة جادة وقد ضاقت نظراته: -المفروض نروح قسم الشرطة اللي هنا ونشوف التفاصيل، الحريقة دي حصلت ازاي جايز يفيدونا!
تلفت دياب حوله مضيفًا بهدوء: -ماشي، بس الأول نسأل على لوكاندة هنا قريبة عشان الجماعة اللي معانا يرتاحوا، وخصوصًا خطيبتك!
اتجهت أنظاره نحوها حتى باتت لا ترى سواها، ثم أخرج تنهيدة مشحونة من صدره قائلاً باقتضاب:
-ماشي، هاشوف!

انتبه الجميع إلى صوت أحد الرجال صائحًا بنبرة عالية: -سلامو عليكم
استدار منذر ناحيته ليطالعه بنظرات مدققة متأملة هيئته، كان شيخًا طاعنًا في السن ممسكًا بدراجته القديمة، ومرتديًا لجلباب ملطخ ببقع طينية، رد عليه بهدوء:
-وعليكم السلام!
سألهم زكريا باهتمام وهو يمرر أعينه بين وجوههم الغريبة: -عاوزين مين يا حضرات؟
كفكفت أسيف عبراتها، وأبعدت رأسها عن صدر عمتها لتحدق فيه، ثم أجابته بنبرة مختنقة:.

-دي أنا يا عم زكريا!
ضاقت نظراته نحوها، وهتف بنزق بعد أن تعرف إليها: -الله بنت الحاج رياض!
هزت رأسها بالإيجاب، فدنا منها ساحبًا دراجته خلفه، ثم أضاف بنبرة حزينة وهو يشير بيده الأخرى:
-والله ما ليكي علينا حلفان، حاولنا نلحق البيت، بس الله أكبر النار مسكت فيه من كل حتة، و..
قاطعته عواطف قائلة بحزن لتمنعه من الاسترسال في عباراته كي لا تنخرط ابنة أخيها في البكاء من جديد:.

-قدر الله وماشاء فعل، الحمدلله على كل حال!
تساءل منذر بجدية وهو يومئ بعينيه: -متعرفش مين يا وراها يا حاج؟
عقد زكريا ما بين حاجبيه مسلطًا أنظاره عليه، ثم رد عليه متسائلاً: -انت مين يا بني؟
اشتد كتفيه حتى بدا اكثر شموخًا وهيبة، ثم أجابه وهو يشير بيده نحوها: -أنا منذر حرب خطيب الآنسة!
ثم أدار رأسه في اتجاه أخيه متابعًا: -وده أخويا الصغير دياب، ودي الحاجة عواطف عمتها، ودي بنت عمتها!

مرر أنظاره عليهم سريعًا قائلاً بنبرة ودودة: -يا أهلاً وسهلاً بيكوا، نورتوا البلد!
سأله دياب باهتمام: -قولنا يا حاج متعرفش ايه اللي حرق البيت؟
أجابه زكريا بصوته المتحشرج: -المأمور اللي هايقدر يفيدك أو الحاج إسماعيل!
-والحاج فتحي؟
هتف بها منذر قاصدًا شيئًا محددًا من وراه سؤاله الغامض ذلك.

أسرعت بالعودة إلى منزلها – رغم الألم الذي يجتاحها - لتبدل عباءتها المتسخة بأخرى نظيفة كي تهرول إلى أقرب مخفر شرطة لتبلغ عن اختطافهم لرضيعتها عنوة، لن تتركها لهم حتى وإن كانت تتعامل معها بجفاء، لو كانت متيقنة للحظة واحدة أنهم سيقدمون لها المحبة والود لاطمئن قلبها، لكنها متأكدة من قسوتهم وشراستهم، ستعاني الرضيعة معهم ولن يعبأ بها أحد، بل على الأرجح سيتركوها تبكي حتى تفيض روحها الملائكية إلى بارئها.

طرأ ببالها أن تلجأ للحاج طه أولاً ليأتي معها إليه، كي يدعمها بمعارفه، فغيرت وجهتها، واتجهت نحو وكالته.
صاحت بصراخ مستنجد قبل أن تخطو للداخل: -الحقني يا حاج طه، خطفوا بنتي مني، الحقني يا كبيرنا!
هب الأخير واقفًا من مقعده، واتجه نحو الخارج على إثر صراخها المنفعل، نظر لها مدهوشًا وهو يسألها بقلق:
-خير يا بنتي؟ في ايه؟

لوحت بذراعيها في الهواء وهي تجيبه بصوت صارخ ممزوج بالبكاء: -تعالى معايا يا حاج طه القسم، الله ينتقم منه طليقي السابق اتهجم عليا في بيتي وأنا لوحدي وضربني وخطف مني بنتي، ولما روحت أجيبها من عند أمه ضربوني وبهدلوني!
صمتت للحظة لتلتقط أنفاسها قبل أن تتابع بعويل: -أنا عاوزة بنتي يا حاج، أبوس ايدك انجدني وتعالى معايا القسم، أنا لوحدي ومافيش حد في ضهري!

لوح لها بعكازه قائلاً بصوت جاد: -طب اهدي وأنا هاتصرف
لطمت على صدغيها مواصلة نواحها الباكي: -أهدى ازاي طيب؟ دي بنتي اللي اتخطفت، حتة من لحمي و..
قاطعها بصرامة: -قولتلك هاتصرف يبقى تبطلي المندبة دي!
وضعت يديها على فمها لتكتم صرخاتها، فاستدار برأسه للخلف صائحًا بنبرة متصلبة: -خلي بالك من الوكالة يا بني عقبال ما أرجع!
رد عليه أحد العمال من الداخل: -أوامرك يا حاج.

أشار لها برأس عكازه متابعًا بصرامة: -تعالي يا بنتي
ردت عليه نيرمين بتوسل مستعطف: -ماتسنيش يا حاج، أنا ماليش حد بعد ربنا إلا انت
-اطمني، بنتك هاترجع وهتبات في حضنك
-يا رب!
بدت متأففة للغاية وهي تبدل للرضيعة حفاضها بعد اتساخه، فنظرت لها باشمئزاز، ثم تركتها مسجية على الفراش بغرفة أخيها دون أن تكمل لها ارتداء ثيابها، فبقي جسدها مكشوفًا ومعرضًا للفحات الهواء الباردة،.

سارت شاهندة نحو المطبخ لتلج إليه صائحة بتذمر في وجه أمها: -أنا مش هابقى الخدامة بتاعتها، شوفيلك صرفة مع البت دي، أنا مش كل شوية هافضل أغير لها و..
قاطعتها لبنى بتبرم: -ده انتي المفروض عمتها!
ردت عليها بقسوة: -بلا عمتها بلا قرف، أنا عاوزة افوق لنفسها، طالما جبتيها هنا تبقي انتي المسئولة عنها!
ضربتها والدتها في كتفها هاتفة بسخط: -خلاص اتكتمي، وخليني أشوف القهوة لصاحب أخوكي الملأح برا.

-ماشي، وأنا هاعمل لنفسي سندوتش!
في نفس التوقيت، انتبه لصوت صراخها الباكي الأتي من غرفته، فتلفت حوله بريبة ليتأكد من عدم متابعة أي أحد له، نهض من مكانه متجهًا صوبها، ثم وقف عند العتبة ليحدق في الرضيعة رنا، بكت بحرقة حتى احمر وجهها من كثرة صراخها المتوسل للرحمة والحنان، راقبها بنظرات مطولة، ثم عاود الالتفات خلفه.

تسلل ناصر إلى الداخل على أطراف أصابعه محدقًا في جسدها المنكشف بنظرات غريبة ومخيفة للغاية، رفعت الرضيعة كفيها للأعلى عله يمسك بها، لكنه لم يفعل، ووضع أصابعه المرتعشة على عنقها يتحسسه، ثم أخفضهم تدريجيًا وهو مغمض عينيه متخيلاً أشياءً مخجلة، وقبل أن يتمادى معها تدارك نفسه حينما سمع صوت لبنى بالخارج، فلملم نفسه، ورفعها بذراعيه إلى صدره يهدهدها كي تصمت.

خرج بها من الغرفة حاملاً إياها ومعاتبًا بضيق زائف: -مش حرام تسيبوها كده، ده البت نفسها اتقطع من كتر العياط!
أشارت له بظهر كفها قائلة بامتعاض: -سيبها عندك، شوية وهتسكت لوحدها
أخفض نبرة صوته وهو يرد بغموض ماكر: -وهي دي تتساب بردك..!
ترقبوا صدور رواية #كلارا الورقية خلال معرض القاهرة الدولي للكتاب بالإضافة إلى مفاجأت أخرى سارة.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة