قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية الدكان للكاتبة منال سالم الفصل الحادي والستون

رواية الدكان للكاتبة منال سالم الفصل الحادي والستون

رواية الدكان للكاتبة منال سالم الفصل الحادي والستون

شُكل طوقًا أمنيًا في المنطقة الشعبية، ووقف الضابط المسئول في المنتصف واضعًا كفيه على منتصف خصره متفقدًا مسرح الجريمة بنظرات مختلفة عن الجميع.
رفع بصره للأعلى فاحصًا واجهات المحال التجارية المختلفة خاصة تلك التي تضع كاميرات خاصة بالمراقبة، دار برأسه شيء ما، ولكن عليه القيام به بصورة قانونية ليضمن سلامة التحريات.
قام أخرون بالاستماع إلى أقوال شهود العيان وتدوينها في محاضر رسمية.

واتفق الأغلب على أن الحادث مدبر، ولم يكن صدفة. فالسيارة كانت متربصة بالضحية قاصدة الاصطدام بها.
وبالطبع لم تتوقف التوصيات من المعارف وذوي القرابة بعائلة حرب من رجال الشرطة للضباط المسئولين على ضرورة متابعة الحادث باهتمام أكبر وكذلك بمعرفة الجاني لوجود رابط وثيق يربط تلك العائلة بالضحية.

اضطر الجزار أن يخفض صوت الموسيقى الصاخب كي لا يثير الشبهات حوله بعد انتشار رجال الأمن بالمنطقة، وولج إلى الداخل مدعيًا انشغاله بمتابعة أعمال الجزارة.
توتر نوعًا ما وهو يحدث نفسه بخوف: -هو ايه اللي دخل البوليس في الليلة دي؟ ماهي حادثة زي أي حادثة!
أفاق من شروده المشحون على صوت العامل الصادح بتساؤل حائر: -ها يا معلم قولت ايه؟
رد عليه بتذمر عابس: -في ايه مالك خاوت دماغي كده ليه؟

أجابه باستغراب قليل: -بأقولك يا معلم الزبونة مش عاوزة الحتة آآ..
صاح به الجزار مقاطعًا بغلظة وهو يلوح بذراعه أمام وجهه: -اتصرف معاها، أنا مش فايقلك دلوقتي
حك مؤخرة عنقه بضيق وهو يرد: -ماشي يا معلم. اللي تشوفه!
ضرب الجزار بكفيه على سطح مكتبه متابعًا حديث نفسه المتوجس: -على الله يكون البهايم دول اتصرفوا صح بدل ما يلطوني معاهم.

أصر على نقلها إلى مشفى أخر خاص – ذو إمكانيات طبية عالية – ليضمن توفير الرعاية المتكاملة لها بعد أن تحسر في نفسه على وضعها الحرج.
ربما أدرك دياب متأخرًا أهميتها الغالية عنده، وفقدانها لسوء الرعاية الصحية لن يتحمله.
لم تعرضه والدتها، فهي أرادت الأفضل لابنتها خاصة في ظرفها المؤسف هذا.
نُقلت إلى العناية الفائقة، ومنع عنها الزيارات ريثما يتم فحصها من جديد فحصًا دقيقًا.

بقي منذر ليتابع أي شيء يخص عائلة عواطف بنفسه، وعادت الجارة خضرة بصحبة الحاج طه إلى المنطقة الشعبية.
جلست أسيف مع عمتها محاوطة إياها من كتفيها بذراعها.
استندت الأخيرة برأسها على صدر ابنة أخيها، وجلست نيرمين إلى جوارهما مكتفة ساعديها لكن نظراتها لم تفارق وجه منذر الذي كان يتهامس مع أخيه في شيء ما.
تمتمت مع نفسها بسخط: -مش كانت تبقى من نصيبك وكنا ارتحنا!

نفثت زفيرًا غاضبًا من فمها، ثم زمت شفتيها للجانب متبرمة من بقائها معهما.
خرج صوت عواطف واهنًا وهي تقول: -خافية تروح مني وملحقهاش
ردت عليها أسيف بعتاب خفيف: -ربنا رحمته وسعة يا عمتي، مش انتي دايمًا اللي بتقوليلي كده؟!
اعتدلت برأسها لتنظر في وجهها قائلة بندم: -اه. بس. بس متخيلتش إن يحصلها كده!
ابتسمت أسيف مرددة بتفاؤل: -إن شاء الله خير، ربنا هيجبر بخاطرنا وهتبقى كويسة!

وضعت عواطف يدها على وجنتها لتمسح عليها برفق وهي ترد بامتنان: -ربنا يباركلك يا بنتي!
بدا وجه دياب متجهمًا للغاية وهو مسلط أنظاره على نقطة بالفارغ.
أنصت بانتباه لأخيه وهو يردد على مسامعه بجدية: -اتصل بيا الظابط تبعنا اللي في القسم من شوية يقولي بياخدوا أقوال الشهود في الحتة، وشكل الحكاية مش قضاء وقدر!
ضاقت نظراته وهو يسأله بنبرة مكفهرة: -قصدك ايه؟

أجابه منذر بتريث حذر: -هو موضحليش أوي، بس الظاهر هايعملوا تحريات مكثفة عن الحادثة بتاعتها!
هتف دياب من بين شفتيه بصوت خفيض لكنه محتد يحمل التهديد الشرس: -قسمًا بالله لو طلع وراها مين لهعلقه في وسط المنطقة!
فرك منذر طرف ذقنه متابعًا بجدية: -أما نشوف الأول هيوصلوا لايه!
وضع دياب كفيه على رأسه المشحون ضاغطًا عليه بقوة.

استند بظهره على الحائط، وأخرج زفيرًا عميقًا من صدره يعكس جزءًا ضئيلًا للغاية مما يشعر به بداخله.
التفت منذر برأسه ناحية أسيف لينظر لها بتمعن قبل أن يهمس لأخيه بجدية: -بيتهيألي أعدة الجماعة هنا مالهاش لازمة!
رد عليه دياب بامتعاض: -مش هيرضوا يمشوا قبل ما يطمنوا على بنتهم
أدار منذر رأسه ناحيته، وسأله بانزعاج واضح: -ماشي، وبعد كده؟
لوح بذراعيه قائلًا بحيرة: -مش عارف!

أشار له منذر بعينيه مرددًا: -أنا رأيي نوصلهم للبيت، وفي كل الأحوال هنتابع مع المستشفى أخبارها!
ما أصعب أن تعاني في صمت ولا يشعر من حولك بآلامك المكتومة. ضغط على شفتيه هامسًا باستياء:
-ربنا يسهل! خليهم على راحتهم، وبعد كده نشوف.
تنهد بعدها بعمق متمنيًا نجاتها، هو في أشد حالاته إحباطًا، لم يرغب في الرحيل ولا ترك المشفى دون رؤيتها والاطمئنان عليها.

لم يمضِ سوى بضعة ساعات على ذلك الحادث المروع لكنها مرت كالدهر عليه.
وتحججه ببقائه مع عائلة عواطف في المشفى لمساعدتها ما هي إلا حجة زائفة كي يبرر وجوده.
لاحقًا، سمح لهم الطبيب برؤية المريضة لدقائق معدودة واحدًا تلو الأخر.
مرقت عواطف أولًا عندها. تسارعت دقات قلبها وهي ترى ابنتها ممددة على الفراش، وتلك الأجهزة الطبية موصولة بها.
، وبصعوبة بالغة كتمت صوت أنينها الشاهق.

دنت منها بخطى متعثرة متحاملة على نفسها ذلك الإجهاد النفسي، ومدت يدها لتمسك بكفها الساكن.
احتضنته بين راحتيها، وغصت بالبكاء المرير قائلة: -آه يا بنتي! آه! يا حتة من قلبي، عملوا فيكي ايه بس، آه!
إغرورقت عيناها بالعبرات الغزيرة، وظلت تنوح مصابها بقلب مفجوع.
ولجت الممرضة لداخل غرفة العناية هامسة بجدية: -ماينفعش كده يا حاجة، من فضلك!
توسلتها قائلة ببكاء حاد: -سيبيني يا بنتي معاها شوية!

هزت رأسها معترضة وهي تقول بإصرار: -للأسف مقدرش، الدكتور منبه، وحضرتك آآ..
قاطعتها هاتفة باستعطاف أكبر: -أنا أمها! وقلبي محروق عليها، خليني جمبها شوية
ضغطت الممرضة على شفتيها مرددة بحرج: -معلش، شوية وهدخلك تاني!
وعلى مضض كبير اضطرت أن تخرج من الغرفة مجرجرة ساقيها بحزن محطم للفؤاد.

ربتت نيرمين على كتف أمها وهي تتبادل معها الأدوار لترى أختها رغم عدم تأثرها الواضح. ربما لو كانت ابنتها المصابة لأشفقت عليها أكثر، ربما!
ظلت تهدهد الرضيعة حتى سكنت وغفت فناولتها لأمها.
تحركت بخطوات ثابتة نحو فراشها، وبقيت معها للحظات معدودة.

لم تجد من الكلمات ما تقوله لها سوى مواساة نفسها بقسوة: -اللي شوفته في حياتي خلاني متأثرش بأي حاجة بالساهل، أه انتي أختي وبأحبك، ده شيء طبيعي، بس. بس كله مقدر ومكتوب.
تذكرت نيرمين حياتها الماضية التي كانت تحمل من البؤس والتعاسة ما جعلها ناقمة على كل شيء.
التوى فمها للجانب وهي تضيف بجفاء: -بكرة تخرجي من المستشفى وتبقي كويسة وتشوفي حالك، شدة وتزول ياختي!

مسحت على جبين أختها بلطف، ثم استدارت خارجة من الغرفة، حتى عبراتها أبت أن تُذرف إشفاقًا عليها.
انتظرت أسيف على أحر من الجمر خروج نيرمين لتلج هي الأخرى عندها.
انتفض قلبها بين ضلوعها وهي تتأملها.
بكت بحزن مقهور عليها وكأنها أختها بحق وليست ابنة عمتها التي تربطهما معًا صلة الدم.
عجزت عن الاقتراب أكثر منها، فيكفيها تلك الذكريات الموجعة عن رحيل عائلتها لتتخيل الأسوأ معها.

وضعت يدها على فمها لتكتم شهقة تكافح للخروج منها.
همست بصوت مبحوح: -إن شاء الله هاتقومي منها وترجعي زي الأول وأحسن!
مسحت طرف أنفها مكملة بصعوبة: -يمكن معرفناش بعض إلا من فترة بسيطة، بس. بس أنا حساكي قريبة مني، ويمكن يمكن نبقى زي الأخوات وأكتر!
اختنق صوتها أكثر وهو تتابع بنبرة شجية: -أنا. انا معنديش اخوات، بس هأعتبرك زي أختي. قومي بقى يا بسمة وارجعيلنا! قومي عشان خاطري!

لم تستطع المتابعة أكثر من هذا، فابتعدت راكضة من الغرفة لتكمل نواحها المتأثر بالخارج.
اقتربت منها عمتها واحتضنتها، وحاولت كلتاهما مواساة الأخرى.
توتر دياب لرؤيتهما متأثرتين بشدة، وتردد بشأن الولوج عندها.
هو استأذن والدتها لرؤيتها بحكم القرابة المزعومة، لكن ما يحركه هو شيء أخر. شيء اعتصر قلبه لمجرد التفكير في فقدانها.
حسم أمره بالدخول، وتحرك بخطى مرتبكة نحو غرفتها.

ارتجفت أطرافه لمجرد سماعه لصوت انتظام ضربات قلبها عبر جهاز قياس نبضاته، وجف حلقه تمامًا وهو يرى وجهها مخبئًا ما بين الشاش الطبي وقناع التنفس الصناعي.
زادت حدة الوخزات التي عصفت بقلبه وهو يدنو أكثر منها.
أصبح على مقربة كبيرة من وجهها الذي كان صادمًا بالنسبة له.
مرر أنظاره ببطء عليها كاتمًا أنفاسه كليًا حتى انتفخ صدره وهو يتفحص إصاباتها.

تم وضع ساقها بالجبس، ولف أغلب ما برز من جسدها بالكثير من الضمادات الطبية رغم ذلك الرداء الذي يسترها، لكن ما كُشف من أطرافها لم يكن سوى بقماش طبي.
آلمه سكونها المميت، وأوجعه شحوبها المهلك.
عجز عن التنفس، واختنق صدره بالعبرات، فغص فجأة ببكاء مقهور.
أخذ نفسًا عميقًا ليضبط به انفعالاته المفجوعة، وهمس مبتسمًا محاولًا التهوين على نفسه:.

-ينفع كده يا أبلة؟ ده كلام برضوه! كل ده عشان ماتجيش الدرس، طيب، بناقص منه، بس بلاها المقالب دي!
ابتلع غصة مريرة عالقة بحلقة وهو يواصل حديثه المازح: -يحيى لسه سألني عليكي وبيقولي المس هاتيجي امتى، اضطريت أقوله آآ..
عجز عن الابتسام وهو يضيف بصعوبة بالغة: -أقوله كلامك في. في المشمش!
تعالت شهقاته فجأة، فانهار جموده الزائف، وانهمرت العبرات مغرقة وجهه كليًا.

عجز عن مواصلة حديثه معها، فأشاح بوجهه بعيدًا دافنًا إياه بين راحتيه.
أخرج ما بصدره من شحنات متأججة حتى استطاع أن يهدأ قليلًا.
لملم شتات نفسه سريعًا، فلا يصح أن تراه إحداهن وهو يبكي عليها بدون أن يفسر لهن سبب ذلك.
كفكف عبراته بظهر كفيه، ثم أسرع بالخروج هاربًا من المكان برمته دون أن ينبس ببنت شفة.
لم تلتقطه الأعين، ولكن تشعر القلوب بما يعتريها من أحزان.

عاد منذر إلى الوكالة مضطرًا، فبقائه بالمشفى لا جدوى منه، ووالده بحاجة إليه هناك.
ألهى نفسه بالكثير من الأعمال لكنها لم تجعل عقله يتوقف للحظة عن التفكير بها.
تجسد طيفها أمامه، وشرد في ابتسامتها المتفائلة، لاحظ أنها لا تبتسم إلا قليلًا، ومع ذلك فابتسامتها تريحه.
ضجر لاقتحام صورة الحقير مجد خياله، فعبس بوجهه، واقتضبت ملامحه.

أراد مفاتحتها في موضوع ذلك الدنيء بالمشفى، لكنه خشي من إفساد خطته البسيطة مع فاطمة.
فالتريث في ذلك الموضوع الحرج هو أسلم الحلول حاليًا.
تفاجأ باستمرار الوجود الأمني بالمنطقة حتى تلك الساعة المتأخرة وهو يقف على عتبة وكالته.
أشار لأحد عماله قائلًا بصوت آمر: -قفلوا الوكالة وروحوا، مش هانسهر كتير النهاردة
رد عليه ممتثلًا: -اللي تؤمر بيه يا ريسنا!
تحرك بعدها في اتجاه ناصية الطريق حيث الحادث المشؤوم.

رأى أثار بقعة الدماء على الرصيف، وذلك الشريط البلاستيكي المحاوط للمنطقة.
امتعض وجهه، وصارت نظراته مزعوجة.
كونك على صلة قريبة ومعرفة وطيدة بالضحية يجعل معاناتك أضعافًا مضاعفة.
لمح الضابط المسئول عن التحقيق في الواقعة متواجدًا خارج أحد المحال فأسرع في خطواته متجهًا إليه.
تنحنح منذر بصوت خشن وهو يمد يده لمصافحته قائلًا: -سلامو عليكم يا باشا!

بادله الضابط المصافحة، فهو يعرفه جيدًا، ورد عليه بهدوء: -وعليكم السلام يا منذر
سأله الأخير باهتمام ظاهر على محياه: -خير يا باشا، عرفتوا حاجة عن الحادثة؟
أجابه الضابط بغموض وهو يشير بسبابته نحو واجهات المحال: -يعني. لسه مش أوي، بس تفريغ شرايط المراقبة اللي هنا هيفيدنا كتير!
حدق منذر فيما أشار، ورد بتمني: -يا مسهل يارب!

ثم صمت للحظة قبل أن يكمل حديثه بأسف: -بنت الحاجة عواطف أكتر من أختي، واللي حصلها أثر فينا كلنا!
رد عليه الضابط بجدية: -اطمن، طالما الموضوع تبعي فمتقلقش!
ابتسم له منذر ابتسامة باهتة وهو يقول ممتنًا: -الله يكرمك يا باشا، ده العشم برضوه!
ثم شدد عليه قائلًا برجاءٍ: -بس أمانة عليك لو عرفتوا جديد تبلغونا!
هز رأسه معلقًا بإيجاز
-أكيد!

عاود منذر مصافحته مودعًا إياه وهو يقول: -ماشي يا باشا، مش هاعطلك، سلامو عليكم
-وعليكم السلام!
قالها الضابط وهو يلتفت برأسه حوله ليحدق بتريث في جميع الزوايا والاتجاهات ليراجع من جديد مسرح الجريمة عله يتوصل لشيء أخر قد غفل عنه.
جاءه الخبر اليقين بتدمير المنزل واشتعاله بالكامل وهو جالس بأرضه الزراعية.
أثلجت تلك الكارثة صدره المحتقن، وتنهد مبتسمًا بتشفٍ كبير: -براوة عليك، طلعت راجل في كلمتك!

رد عليه الرجل قائلًا بتفاخر: -مش قولتلك!
أخرج الحاج فتحي مظروفًا مغلفًا من جيب جلبابه، ثم ناوله إياه وهو يقول: -ودي الدفعة التانية من الحساب!
فتح الرجل طرفه لتتوهج عيناه وهو ينظر إلى النقود.
وبخه الحاج فتحي بحدة وهو يرمقه بنظرات مزعوجة: -متقلقش فلوسك كاملة!
ضحك الرجل بسخافة وهو يقول: -وأنا هاعد وراك بردك يا حاج!

انتصب الحاج فتحي في جلسته مضيفًا بنبرة ماكرة: -يومين وأتصل أنكد على اللي جابوها، ماهو لازم المركز يقوم بدوره الأول، عشان تبقى الحكاية ميري!
تشنجت تعابير وجهه بشدة، وبرزت عروقه أعلى جبينه وهو يصيح بصوته المتحشرج: -يعني ايه مش هانروح، فهمني في ايه؟
أجابه مازن بنبرة مرهقة: -زي ما سمعت يا مجد! في نصيبة حصلت عندهم!
رفع أصابع يده على رأسه ليحكها بقوة وهو ينظر بحيرة لأخيه محاولًا فهم كلماته الغامضة.

رمقه أباه بنظرات محتقنة، ثم وبخه بحدة: -ما انت ولا على بالك! نايم طول النهار ومش داري باللي حاصل!
استاء من حديثهما الغير مفهوم، فهدر بعصبية بائنة: -متكلمونيش بالألغاز، في ايه؟
أجابه مازن بفتور وهو يمدد ساقيه على الطاولة: -بنت عواطف خبطتها عربية ومتلأحة في المستشفى!
نظر له بغرابة لبرهة، ثم سأله بحيرة: -طب وده ماله بالبت اللي هاخطبها؟

رد عليه مهدي بازدراء صريح: -الظاهر إن تأثير الهباب اللي بتشربه مراحش من مخك التخين!
تصلب وجهه أكثر وهو يصيح بعنف: -طب ليه الغلط يا حاج؟
هدر فيه مهدي بانفعال كبير: -بنقولك بنتها بين الحياة والموت، وانت نقولي أروح أتهبب وأخطب!
فرك مجد وجهه بغل، ثم أردف قائلًا بهدوء مقيت: -بلاها خطوبة، بينا نروح نسأل على العيانة، ماهي دي من الأصول، صح ولا ايه؟
ضرب مهدي كفه بالأخر مرددًا بيأس: -ربنا يعيني على ما بلاني!

ثم التفت برأسه ناحية ابنه الأخر موجهًا حديثه له، فتابع متساءلًا بصوت شبه متعصب:
-وانت يا بيه مش هتروح تشوف مراتك؟
أجابه بفتور وهو يدير وجهه للناحية الأخرى: -هي طفشانة، وأعدة عند أمها
صاح به بغلظة: -اتلحلح ورجعها البيت ولا مستني تعملك مصيبة عشان تفوق انت التاني!
نفخ هاتفًا بنفاذ صبر: -يووه، أنا زهقت من أم موضوعها!
عنفه مهدي قائلًا بعصبية: -ما إنت اللي وحلت نفسك من الأول معاها.

رد عليه مازن بتشنج: -وعرفت غلطي وجبت أخري، فسيبني يا أبا على راحتي!
اقترب مجد من أبيه، ولف ذراعه حول كتفه متساءلًا بإلحاح: -ها، هانروح نزور العروسة امتى؟
سلط أنظاره البائسة على ابنه الذي كان يبتسم بعبث، هو يناقشه في شيء، وابنه يفكر في شيء أخر يتناقض مع تقديره للوضع وكأن احتراق العالم من حوله لا يعنيه بالمرة.

تمتم من بين شفتيه بغيظ مكتوم ناظرًا له بشزر: -لله الأمر من قبل ومن بعد! فوضت الأمر لصاحب الأمر..!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة