قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية الدكان للكاتبة منال سالم الفصل الثاني والستون

رواية الدكان للكاتبة منال سالم الفصل الثاني والستون

رواية الدكان للكاتبة منال سالم الفصل الثاني والستون

وصل إلى منزله في حالة حزن شديدة، لا يعرف ما الذي أصابه ليبدو مكتئبًا بصورة مبالغة، لكن لأنها لمست قلبه وبعمق، استشعر بإحساس صادق خطورة فقدانها للأبد.
كان متجهمًا، عابسًا، وجهه محتقن، ونظراته مشوشة.
حدقت فيه والدته باندهاش مرتاب، وقبل أن تفتح فمها لتسأله عما حدث كان هو قد اتجه إلى غرفته مباشرة صافقًا الباب خلفه بعنف.
توجس قلبها خيفة أن يكون قد حدث مكروه ما فأصبح على تلك الحالة البائسة.

أسرعت خلفه هامسة بقلق: -استرها يا رب، احنا مش حمل زعل ولا هم!
دقت الباب بخفة مستأذن بالدخول، لكن لم يأتيها صوته، فدفعتها غريزتها الأمومية للتحرك فورًا.
فتحت الباب بحذر، وأطلت برأسها محاولة رؤيته.
فوجدته متكومًا على نفسه ينتحب بأنين موجوع، وفي حالة انهيار.
لطمت على صدرها بهلع وهي تسأله بخوف: -ايه اللي حصل يا دياب؟

لم يخفِ شهقاته أو حتى بكائه المرير عنها، بل ظل على وضعيته المحطمة أمامها مخرجًا ما يقتل صدره.
كان كمن انفطر قلبه على شيء غالٍ.
هي رأته من قبل على تلك الحالة، حينما اكتشف خداع زوجته له، فثارت ثائرت وأصبح قاب قوسين أو أدنى من ارتكاب الفظائع المهلكة.
ابتلعت ريقها بتوجس كبير، ثم أسرعت بغلق الباب وأوصدته عليهما.

ركضت جليلة مهرولة لتجلس على الفراش إلى جواره، ثم أمسكت به من كتفيه، ولفت ذراعيها حوله رافعة رأسه إلى صدرها.
ضمته إليها بحنو كبير محاولة التهوين عليه.
مسحت على جبينه برفق، و ربتت على كتفيه قائلة بصوت شبه مختنق: -فيك ايه يا حبيبي؟ مين عامل فيك كده؟
أجابها بغموض من بين نحيبه: -خايف تموت!
هوى قلبها في قدميها وهي تسأله بترقب شديد: -مين دي؟
همس بأنين متوجع: -بسمة!

انفرجت شفتاها في عدم تصديق، ابنها يتحدث عنها، لم يكابر في إخفاء سره، بل باح به وكأنه يزيح ذلك الثقل المهلك عن صدره.
ردت عليه بتلعثم: -إنت. إنت
تابع قائلًا ببكاء وهو يرفع عيناه في وجهها ليحدق بها: -أنا بأحبها يامه، أيوه بأحبها ومكونتش عارف بده!
احتضنت رأسه، وانحنت بفمها على جبينه لتقبله قائلة بصوت خفيض لتدعمه: -قلبي كان حاسس يا ضنايا!
بكى بأنين مرتفع مخرجًا من صدره شهقات ملتاعة.

حاولت احتواء انهياره، وهتفت بحماس: -أنا حاسة بيك يا حبيبي، وقولت لنفسي جايز هي تسعدك، بس مرضتش أفرضها عليك، قولت أسيبك تختار اللي تعجبك، كفاية اللي حصلك قبل كده!
رد عليها بصوته المنتحب: -ماستحملتش أشوفها كده، خايف. خايف أخسرها وآآ. وتآآ.
قاطعته قائلة بغلظة قليلة: -تف من بؤك يا دياب، إن شاء الله هاتقوم بالسلامة!
أخرج تنهيدة حارة موجوعة من صدره وهو يقول بألم: -آآآه يامه!

مسحت على ظهره برفق وهي تواسيه، ثم تابعت قائلة بهدوء: -يا حبيبي استهدى بالله كده، وقوم اغسل وشك! مالوش لازمة اللي بتعمله ده، هو انت هاتقدر البلا قبل وقوعه!
دفن دياب وجهه بين راحتي يده، وأجهش ببكاء أشد.
تأسفت على حاله الموجوع، فصاحت بجدية: -طب بص أنا هاروح أطمن عليها وآآ..
قاطعها قائلًا بإحباط: -مالهاش لازمة جيتك يامه، هي مش حاسة بحد أصلًا!

ردت عليه باستنكار: -لا حول ولا قوة إلا بالله، محدش يقدر يمنع القدر!
تنفس بعمق محاولًا استعادة انضباط نفسه.
تابعت أمه مقترحة بحماس علها تهون عليه كربه: -طيب أقولك على حاجة تبسطك، هي لما تقوم بالسلامة، ونطمن عليها أنا هاخطبهالك طالما عاوزها، ها ايه رأيك؟
لم يجبها بل ظل صامتًا، استشعرت من سكونه موافقته على اقتراحها، فواصلت مؤكدة: -انت بس اهدى، وإن شاء الله خير!

عبست كذلك بوجهها لتعاتبه مرددة: -طب ابنك لو شافك بالشكل ده يقول ايه، هاه؟!
حاول أن يبتسم لكنه فشل، وكيف يضحك وهي في عالم أخر لا تشعر به أو بغيره.
انتبه كلاهما لصوت الدقات الصغيرة على الباب مع محاولة لتحريك المقبض، وأعقبها صوت يحيى صائحًا بإلحاح:
-تيتة! بابا! انتو جوا؟
ردت مبتسمة وهي تشير بعينيها: -أهوو جه على السيرة!
اعتدل دياب في نومته، وكفكف عبراته التي غزت وجهه بالكامل بيديه.

هتفت جليلة بصرامة خافتة مشيرة بسبابتها: -امسح دموعك يا بني، وربنا قلبي ما مستحمل يشوفك إنت ولا أخوك كده!
هز رأسه بالإيجاب، وأزاح كليًا ما علق في أهدابه من عبرات باقية.
نهضت جليلة من على الفراش بتثاقل، وخطت نحو باب الغرفة ثم فتحته مرددة بابتسامة باهتة:
-ايوه يا حبيب قلب تيتة!
أجابها يحيى بتلهف: -أنا جعان!
ثم حدق في وجه أبيه المحتقن، فتساءل بغرابة: -هو بابا ماله؟
أجابته جدته باقتضاب: -مافيش!

تابع الصغير قائلًا وهو يشير بيده: -بس عينيه و مراخيله (مناخيره) آآ..
قاطعه دياب قائلًا بصوت شبه منتحب متعمدًا العبوس بوجهه: -دي حساسية!
اقترب الصغير من أبيه ليتفرس في تعابيره بتفحص وعن كثب، ثم سأله بتعجب: -هو انت كنت بتعيط زينا؟ شكلك غريب!
عبث دياب بخصلات شعر ابنه هاتفًا بتوبيخ خفيف: -بس يا رخم! شايفني زومبي قصادك!

جذبت جليلة حفيدها من ذراعه قائلة بحنو: -تعالى يا يحيى وسيب أبوك هو تعبان وعاوز يرتاح شوية!
نظر دياب لأمه ممتنًا لتفهمها وضعه، بينما التفت الصغير برأسه ناحيتها، وهتف بانصياع:
-ماشي، بس لما يصحى خليه يلعب معايا!
ابتسمت قائلة بإيجاز: -ربنا يسهل!
تابعهما دياب بأنظاره حتى خرجا من الغرفة، فتمدد بجسده على الفراش ليفكر فيها باشتياق أكبر.

مضى ما يزيد عن يومين منذ وجودها بغرفة العناية الفائقة بالمشفى الخاص الذي انتقلت إليه عقب حادث السير المروع الذي تعرضت له، ولا جديد يذكر بشأن حالتها الصحية.
هي مازلت على وضعيتها الساكنة، تعاني من غيبوبة مؤقتة.
تسابق الجيران والأحبة في القدوم للقيام بواجبهم المعتاد في مثل تلك الظروف الحرجة. واستقبلتهم عواطف بامتنان كبير في الاستقبال الملحق بالطابق الأرضي لتعذر رؤية المريضة بغرفتها.

تفهم الجميع الوضع وتمنوا الشفاء العاجل لها. وأحضروا معهم ما استطاعوا تقديمه كالحلوى، والشيكولاته، والفواكه، والمعلبات.
رأت فيهم الجود والكرم، وشكرتهم لدعمهم لها في ذلك الظرف الطارئ.
واظبت أسيف على المناوبة مع عمتها كل برهة لتفقد أحوالها بمطالعتها عبر النافذة الزجاجية.
ظلت محدقة بها بأعين دامعة غير مدركة لمن اعتاد على مراقبتها خلسة حينما يتبادل دوره مع أخيه.
تنهدت بإرهاق، وشعرت بوهن شديد يعتريها.

هي لم تنتبه لصحتها مؤخرًا، وخاصة على مدار اليومين الفائتين، فانعكس أثار ذلك الإهمال عليها.
شعرت بدوار خفيف يصيبها، فمالت برأسها للجانب مستندة بها على النافذة.
أغمضت جفنيها للحظات لتستعيد سكون رأسها.
سمعت صوته العذب يخترق أذنيها متساءلًا بتلهف: -انتي كويسة؟!
فتحت عينيها سريعًا، واعتدلت في وقفتها لتجده واقفًا إلى جوارها، وممددًا لذراعيه نحوها.

ابتلعت ريقها، وهمست قائلة بحرج وهي تلملم نفسها: -ايوه، أنا بخير!
اعترض عليها هاتفًا بجدية: -بس شكلك آآ..
تنحنحت مرددة بخفوت شبه صارم: -ده من زعلي على بنت عمتي!
أضاف قائلًا بهدوء: -الدكتور طمنا، طول ما الحالة مستقرة يعني بيعتبرها حاجة كويسة!
هزت رأسها بتفهم قليل: -الحمدلله على كل حال!
ابتسم قائلًا بصرامة جادة: -المفروض تهتمي بنفسك أكتر!
ردت بعبوس خفيف وهي تشير بيدها: -بأحاول، بس أكيد شايف الوضع.

مازحها قائلًا بتسلية متعمدة: -الظاهر إنك حابة تقعي من طولك وأنا أشيلك زي تملي، جايز ده بيجيب نتيجة معاكي!
توردت وجنتيها من جملته الأخيرة، وشعرت بتلك السخونة المنبعثة من وجهها لمجرد تذكرها تلك المواقف المحرجة.
ابتسم لخجلها، ودس يديه في جيبي بنطاله متأملًا وجهها المشتعل بالحمرة باستمتاع تطيب له النفوس.
لمحته من على بعد وهو يحادثها، فاحتدت نظراتها وقست تعابير وجهها.

لماذا هي دونًا عن غيرها يلتصق بها وكأن مغناطيسًا بها؟
كزت نيرمين على أسنانها بغيظ، ثم اندفعت بغضب نحوهما.
رسمت على ثغرها ابتسامة سخيفة وهي تهتف عاليًا: -سي منذر!
التفت الاثنان برأسهما نحوها، وبالطبع امتعض وجهه لمجرد رؤية تلك السمجة تقتحم عليه المكان.
جمد نظراته نحوها متساءلًا باقتضاب: -خير؟ في حاجة حصلت؟

تعمدت نيرمين النظر باحتقار إلى أسيف، ثم ردت قائلة بغموض متعمدة إغاظتها: -كنت عاوزاك في كلمتين كده لوحدنا!
رد عليها بجمود قاسي وقد ضاقت نظراته: -ماتقولي اللي انتي عاوزاه هنا، مافيش حد غريب، دي بنت خالك!
عضت على شفتها السفلى متعمدة إظهار رغبتها في عدم الحديث في وجود أسيف: -لأ. بس آآ..
ثم غمزت بطرف عينها نحوها لتشير لها.

تفهمت الأخيرة مقصدها دون الحاجة للنطق بهذا، فقد كان واضحًا للعيان، لذلك هتفت بحرج مزعوج:
-خدوا راحتكم، أنا راجعة عند عمتي!
زفر منذر بضجر كبير من تصرفها السخيف، وسألها بنفاذ صبر: -عاوزة ايه؟
تغنجت بجسدها قليلًا وهي تجيبه بدلال رقيق: -أنا كنت عاوزة أتشكرلك على اللي بتعمله معانا، يعني مفضي نفسك وسايب شغلك عشانا!

ثم دنت منه بطريقة مريبة، وحدقت فيه بنظرات ذات مغزى وهي تقول بتنهيدة غريبة: -أنا. آآ. ساعات بأحس إنك إنت قريب مني و آآ..
استشعر طريقتها الغير مريحة في التودد إليه وفرض نفسها عليه، فتراجع خطوة للخلف صائحًا بصلابة:
-ما أنا قولتلك للمرة المليون إن احنا أخوات، فأظن ده عادي في الظروف دي!

رمقها بنظرات أكثر قسوة قبل أن يضيف بجمود: -اه، ويا ريت بقى تروحي تشوفي أمك ولا تقعدي جمب أختك العيانة، هي تحس بيكي أكتر. عن اذنك!
انفرج فمها بصدمة أخرى من ردة فعله الغليظة معها.
أولاها ظهره وتحرك من أمامها هامسًا بتبرم ضائق: -أعوذوا بالله! هو في كده!

تسمرت في مكانها للحظات تحترق من صرامته الحادة معها، هو لا يعطيها أي فرصة لتقترب أكثر منه ويشعر بها، دومًا يصدها ويثبط عزيمتها، ويحبط كل محاولاتها معه، حتى تعاطفه مع مصابهم يبدو جامدًا مثله.
وما زاد هذا إلا من حنقها تجاه أسيف، فتوعدتها بشراسة: -لو هباب البرك ماتصرفش وخلصني منك، هاتعامل أنا بطريقتي معاكي، بس لازم أزيحك من قصادي، إنتي اللي مانعاه عني!

رأها وهي تلج للمشفى فتوسم خيرًا أن تفعل ما طلبه منها في الصيدلية قبل ذلك الحادث المؤسف، لذا بحرص شديد، وحذر بالغ أشار لها بعينيه، ففهمت هي مقصده، وابتسمت له برقة لتؤكد يقينه.
هي جاءت إلى هنا اليوم لتقوم بواجبها نحو المريضة، ومن ثم تحذير أسيف من خطورة اقتراب ذلك الدنيء منها.

تحركت فاطمة بخطوات ثابتة في اتجاه عواطف لتؤازرها أولًا، فجلست معها لبعض الوقت تبث في روحها المتعبة التفاؤل والأمل. ونجحت في فعل هذا، واستبشرت الأخيرة خيرًا بوجودها.
بقي منذر على مسافة جيدة ليتابع ما يدور باهتمام دون أن يثير الريبة حوله.
حضرت أسيف ومعها علبة من العصير ترتشفها بتأنٍ.
جلست غير منتبهة
فنهضت فاطمة من مكانها لتذهب إليها.
وما إن رأتها هي حتى صافحتها بود، وقبلتها من وجنتيها مرحبة بها.

جلست الاثنتان في إحدى الزوايا بعيدًا عن أعين الجميع إلا نظراته هو، فقد كان حريصًا على مراقبتهما مراقبة حثيثة.
ربتت فاطمة على فخذ أسيف قائلة بنبرة مواسية: -قلبي عندك يا أسيف!
ابتسمت لها الأخيرة مجاملة: -شكرًا على زيارتك وتعبك!
أضافت فاطمة بصوتها الهادئ: -والله لو بإيدي أعمل حاجة مش هتأخر، إن شاء الله تطمنوا عليها وتقوم بالسلامة!
-يا رب أمين.

صمتت للحظة لتستجمع أفكارها قبل أن تشرع في الحديث الأخر الذي حضرت من أجله.
وبتريث مدروس استطردت قائلة: -أنا كنت محتاجة أتكلم معاكي في حاجة مهمة!
قطبت أسيف جبينها متساءلة باهتمام: -خير
ضغطت فاطمة على شفتيها متابعة بحرج: -أنا عارفة إن المكان والظرف مش مناسب، بس. بس الكلام ده مينفعش يتأجل!
توترت إلى حد ما عقب جملتها الغامضة تلك، وهتفت باضطراب: -انتي قلقتيني، في ايه؟

انحنت برأسها عليها لتهمس لها بخفوت: -مجد أبو النجا، فكراه؟ اللي حذرتك منه!
امتعض وجه أسيف لتذكرها ذلك الرجل الوقح الذي تعامل معها بفظاظة وجرأة.
صرفت عن ذهنها صورته المزعجة وهي ترد على مضض: -ايوه، ماله؟
أجابته بتمهل متعمد: -أنا عرفت انه ضايقك تاني!
تنهدت أسيف بعمق قبل أن تجيبها: -الحمدلله، عدت على خير!

وضعت فاطمة قبضة يدها على كفها لتشد عليه قليلًا وهي تضيف محذرة: -بصي الراجل ده بشع جدًا، مافيش بلوى قذرة إلا وعملها، صعب تتخيلي أد ايه هو حيوان ولا حتى عمل ايه في البنات اللي عايشين في المنطقة، ده غير طبعًا إنه رد سجون وسوابق وبيشرب وآآ.
اشمئزت لمجرد سماعها مساوئه المقيتة، فهمست مقاطعة بنفور: -طب انتي بتقوليلي ده كله ليه؟ أنا مش فاهمة!

أجابتها بتلعثم ملحوظ: -بصي. أنا. أنا سمعت كده إنه آآ. انه عاوز يخطبك!
ارتفع حاجباها للأعلى بصدمة كبيرة، وهتفت مذهولة: -نعم!
خشيت فاطمة أن ينتبه من حولهما لحديثهما المقلق، فغمزت لها لتهدئ من انفعالاتها.
استجابت أسيف لرجائها الصامت، لكنها لم تستطع إخفاء تأففها مما سمعته.

فكيف لحقير مثله أن يفكر في الارتباط بها لمجرد رؤيتها صدفة لمرة أو اثنين؟ بالطبع هناك شيء مريب بالأمر، ناهيك عما اقترفه من جرائم وأفعال مشينة تخجل هي من مجرد تخيلها مع نفسها.
تابع فاطمة موضحة بتوجس: -أنا معرفش تفاصيل، بس وصلي رتوش كلام بتقول كده، وهايحاول يلاقي سكة معاكي!
ردت عليها بحدة جادة: -اطمني، أنا مش من النوع ده!

تابعت فاطمة مؤكدة خطورة الوضع: -ماهو عشان انتي محترمة وبنت ناس هايخشلك من ناحية الارتباط والخطوبة!
احتجت قائلة برفض قاطع: -مش هايحصل!
لاحظ منذر من مراقبة تعابيرها المشدودة انزعاجها الجلي، فتأهبت حواسه لردة فعلها.
كان كمن يقف على جمر متقدة يقاوم بشراسة تلك الرغبة التي تحسه على الاقتراب منهما.
بدأت تدور في رأسه عشرات الأسئلة محاولًا تخمين ما الذي تتحدثان فيه.

بدا مهتمًا أكثر بإيماءاتها الحادة وإشارات كفي يدها المحتدة.
الأمور كلها تشير إلى اعتراضها، هو لم يسمع رفضها شفهيًا لكن حدسه يؤكد له هذا.
اعتدل في وقفته حينما وجدهما تنهضان من جلستهما وتتبادلان المصافحة.
أسرع بإشاحة وجهه بعيدًا عنهما كي لا تنتبه له أسيف، لكن وقعت عيناه على ما أزعجه فعلًا، ما جعل قلقه وارتيابه يتضاعفان أضعافًا مضاعفة.
رأى ذلك الخسيس يدنو منه وهو ممسك بباقة ورد لا تليق بوقاحته أبدًا.

تجمدت نظراته على ابتسامته الشيطانية التي برزت على ثغره لتزيد من استفزازه وتشعل بركان غضبه.
وقف مجد قبالته متباهيًا بنفسه، ومتعاليًا بنظراته المغترة.
قوس فمه أكثر للجانب، وحدجه بنظرات شرسة تحمل بين طياتها التحدي قبل أن يستطرد حديثه هاتفًا بصوته الخشن متعمدًا إثارة غيظه:
-مرحب يا أبو نسب، غايب عنا ليه أديلك كام يوم..؟!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة