قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية الدكان للكاتبة منال سالم الفصل الثاني والعشرون

رواية الدكان للكاتبة منال سالم الفصل الثاني والعشرون

رواية الدكان للكاتبة منال سالم الفصل الثاني والعشرون

أطفأت عواطف الإنارة بغرفة ابنتها بسمة بعد أن غفت على فراشها. رمقتها بنظرات أخيرة قبل أن تلج للخارج وتغلق الباب خلفها بهدوء حذر.
سألتها نيرمين بنبرة عادية وهي تجمع صحون الطعام المتسخة: -نامت؟
أجابتها عواطف بإيماءة واضحة من رأسها: -اه يا حبة عيني، زي ما تكون بقالها سنة ماشافتش طعم النوم
أضافت نيرمين قائلة بجدية: -ده أحسنلها عشان جسمها يفوق من تاني.

وافقتها عواطف الرأي وتابعت قائلة بصوت جاد: -بدي أروح أشوف بنت أخويا هي كمان وأطمن عليها!
رمقتها نيرمين بنظرات شبه حادة، وردت بإمتعاض: -ما هي في المستشفى وحواليها دكاترة أد كده هايكون ناقصها ايه!
انزعجت عواطف من ردها القاسي، واحتجت قائلة بعتاب: -مايصحش يا نيرمين، أنا مقصرة جامد في حقها، وحتى دفنة أمها مش عارفين هاتعمل فيها ايه لحد دلوقتي!

تقوس فم نيرمين للجانب لتضيف بتهكم: -يا ماما عادي، هي مش أول واحدة يموتلها حد! وبعدين احنا منعرفهاش أد كده
أغاظها ذلك الجحود البادي عليها، فصاحت معنفة إياها: -انتي عاوزة تركبينا الغلط، يعني ايه منعرفهاش، دي بنت أخويا الله يرحمه
حاولت نيرمين أن تتدارك الموقف قبل أن تثور عليها والدتها، فقد أخطأت في عبارتها الأخيرة، وهتفت مصححة:
-مقصدش، بس احنا برضوه عندنا مشاكلنا وزيادة!

ثم دنت منها لتضيف بنبرة ذات مغزى: -ده غير انها مش في وعيها، يعني مروحتك ليها لا هتقدم ولا هتأخر!
نكست عواطف رأسها قائلة بخزي: -قلبي مش جايبني أسيبها لوحدها!
وضعت نيرمين يديها على كتفي أمها، وضغطت عليهما قليلاً وهي تقول بمكر: -هي مش لوحدها، ما أنا قولتلك من شوية هي معاها دكاترة وممرضين، وناس فاهمة شغلها كويس، ده غير انها أعدة في مستشفى، وفي مواعيد للزيارة، يعني ممكن ميرضوش يخلوكي تشوفيها!

ارتفع حاجب عواطف للأعلى في استغراب واضح، وهتفت متعجبة: -هما ممكن يعملوا كده؟
حركت نيرمين رأسها بالإيجاب بتضيف بثقة: -اه طبعاً
أخرجت عواطف من صدرها تنهيدة مزعوجة وهي تقول: -لا حول ولا قوة إلا بالله!
ابتسمت نيرمين لنفسها بغرور لنجاحها بدون أي مجهود في إثناء والدتها عن القيام بتلك الزيارة الغير مجدية، وتابعت بحذر:
-شوفي انتي بس بنتك العيانة دلوقتي، واحنا أخر النهار هنعدي نبص عليها!

ردت عليها مستسلمة بيأس: -أمري لله
هاتف الحاج فتحي أغلب كبار قريتهم ليتأكد من حضورهم إليه في أقرب وقت لمساندته واستعادة ابنه الغالي كما يدعي.
عاود الاتصال به الحاج اسماعيل ليعرف التطورات منه، فأبلغه الأخير قائلاً بعناد:
-أنا خلاص كبرت في دماغي، ويانا يا الواد ده! البت هترجع معايا غصبن عنهم كلهم
رد عليه الحاج اسماعيل بنبرة متريثة هادئة: -عندك حق يا حاج فتحي، واحنا كلنا معاك!

تابع الحاج فتحي مردداً بنبرة مكفهرة: -أنا هاحجز في لوكاندة قريبة، وهابلغك بمكانها عشان تيجولي على هناك، بس بلاش تتأخروا عليا، عاوز أنهي الليلة دي النهاردة
رد عليه بجدية: -أني ظبطت الماكروباصات وشوية وهتحمل بالرجالة وهتلاقينا عندك
-على بركة الله، ماتحرمش!
قالها الحاج فتحي بنبرة قاتمة توحي بشر مستطر منهياً مكالمته معه.
استمعت الحاجة جليلة إلى دقات عنيفة على باب منزلها حتى شعرت أنها ستخلعه.

انتفضت في مكانها، وتركت ما بيدها لتسرع في خطواتها تجاهه لتفتحه وهي تصيح بقلق:
-أيوه يا اللي بتخبط! هي الدنيا اتهدت!
أدارت المقبض، وأطلت برأسها لترى الطارق فشهقت مصدومة وهي تضع يدها على فمها.
صاح بها منذر بصوت منزعج وهو يشير برأسها: -افتحي الباب يا ماما، وإديني سكة
زادت صدمتها المتفاجئة حينما دققت النظر فيه، و رأته حاملاً فتاة ما غريبة غائبة عن الوعي بين ذراعيه.

أفاقت من ذهولها على صوته الآمر: -يالا يا ماما، مش هافضل واقف كده كتير
هزت رأسها بتوتر وهي تجيبه: -حاضر يا بني!
فتحت الباب على مصرعيه، وأفسحت له المجال ليمر بها للداخل.
ظلت أنظارها متعلقة به، وقد اقتحم عقلها عشرات من الأسئلة.
سارت خلفه متساءلة بإندفاع وهي تضع يدها على طرف ذقنها: -مين دي يا منذر؟ وحصلها ايه؟ وجاي بيها هنا ليه أصلاً؟
لم يستدر نحوها، ورد عليها بصيغة آمرة: -طلعي أروى من أوضتها!

انزعجت من تجاهله لها قائلة بحدة قليلة: -ما ترد عليا يا بني، دي مين؟
التفت كلياً نحوها، ورد عليها بعبوس: -هاقولك بس أنيمها جوا!
مررت أنظارها سريعاً على الفتاة فوجدت حالتها مزرية للغاية، ثوبها ملطخ بآثار الدماء الجافة، وجهها شبه شاحب وفاقد لحيويته، تكاد تكون في وضع غير مبشر على الإطلاق.
كان منذر على وشك فقد صبره بسبب بطء استجابة والدته له، فهدر قائلاً بعصبية: -يالا يا حاجة!

حركت رأسها بإيماءات متتالية، والتفتت تركض وهي تصيح بصوت متعصب: -بت يا أروى، إنتي يا بت! سيبي أوضتك وتعالي
جاءها صوت ابنتها الصغرى من الداخل قائلة: -أيوه يا ماما!
سدت عليها جليلة الطريق بجسدها لكي لا ترى تلك الفتاة الفاقدة لوعيها، ودفعتها بقوة من كتفيها لتستدير عنوة في الإتجاه العكسي قائلة بجمود:
-روحي عند يحيى!

لمحت أروى بطرف عينها الشابة، فتساءلت بفضول وهي تختلس النظرات إليها: -مين دي؟ هي تعبانة يا ماما؟
نهرتها أمها لتدخلها في شئون لا تخصها صائحة بغلظة: -مالكيش دعوة، روحي يالا عند يحيى!
عبست أروى بوجهها قائلة بضيق: -طيب، أوف!
تأكدت جليلة من ابتعاد ابنتها ودخولها إلى غرفة يحيى فاستدارت عائدة إلى ابنها قائلة بصوت مزعوج:
-ما تفهمني يا منذر مين البت دي؟ وجايبها مسورأة ( فاقدة للوعي ) ليه هنا عندنا؟

رد عليها بغموض مقتضب: -مش وقته يا ماما!
شدد هو من قبضتيه على أسيف ليضمها إليه، واتجه حاملاً إياها نحو غرفة أخته الصغرى.
تبعته جليلة إلى الغرفة، وأزاحت الغطاء ليتمكن هو من إسنادها برفق عليه.
عاونته جليلة في تغطية جسدها، ووضع الوسادة خلف رأسها.
أمعن منذر النظر إليها مطولاً، ورفع يده على رأسه ليمررها في خصلات شعره، ثم حكها بحيرة وأخذ ينفخ بصوت مسموع.

رمقته والدته بنظرات ذات مغزى، ثم سحبته من ذراعه قائلة بخفوت: -تعالى نتكلم برا!
رد عليها بتجهم: -خليكي جمبها دلوقتي يا ماما وهنتكلم بعيد!
هتفت معترضة بإصرار وقد تشنجت تعابير وجهها: -لأ دلوقتي، سامع يا منذر!
وزادت من صرامة نبرتها وهي تضيف: -أنا مش هاعمل حاجة إلا لما أفهم بالظبط مين دي وايه اللي حصل؟!
تنهد بإرهاق وهو يجيبها مستسلماً: -ماشي هاقولك كل حاجة!
قبل وقت قليل،.

شحوب ممزوج بالهلع سيطر عليها حينما رأت جثمان والدتها أمامها.
ظنت في البداية أن الأمر مجرد وهم وأكذوبة يحاولون تلفيقها، لكنها أفاقت على تلك الحقيقة المرة.
هي خسرتها وللأبد، ورحلت عنها مثلما رحل أباها من قبل.
كتمت بصعوبة شهقاتها الموجوعة لفراقها.
انحنت على رأسها لتقبلها ببكاء حارق قائلة: -لأ، ماما ماتموتيش وتسبيني!

اغرقت عبراتها الساخنة جبين والدتها المتوفاة وهي تهز برفق قائلة بإختناق: -ليه عملتي كده فيا؟ أنا ماليش غيرك!
عجز منذر عن مساعدتها، فهو يعلم أن الصدمة أقوى من الإحتمال، لكنه كان مضطراً لفعل هذا لتدرك الواقع وتفق من تلك الأوهام.
أشاح بوجهه للجانب وهو ينفخ بصوت مسموع لعدة مرات.
واصلت أسيف عويلها عليها، وأجهشت ببكاء أشد تدمع له القلوب.
إنهارت قدماها، وصرخت بآلم كبير وهي تجثو على ركبتيها.

التفت منذر ناحيتها، وانحنى للأسفل نحوها هاتفاً بقلق: -ادعيلها بالرحمة، هي محتاجة لده!
لم يعد لديها الرغبة في الحياة، فأقدمت على ضرب رأسها بالحامل المعدني للفراش بعنف كبير بطريقة هيسترية.
توجس منذر خيفة أن تؤذي نفسها، فثبت رأسها بأحد قبضتيه بالإجبار، ووضع الأخرى أمام جبينها لتشكل حائلاً إن كررت المحاولة، ثم عنفها بضجر:
-اللي بتعمليه ده غلط، انتي بتضري نفسك!

صرخت فيه بإهتياج وهي تحاول تكرار الأمر: -محدش ليه دعوة بيه، سيبوني أموت وأحصلها، سيبوني!
تعالت شهقاتها الصارخة أكثر وهي تتابع بآسى: -مش هاسيبك يا ماما!
اضطر منذر أن يخفض ذراعه نحو عنقها ليطوقها من كتفيها، ثم لف الأخر حول ذراعها ليتمكن من سحبها بعيداً عن الفراش متسخدماً قوته.

ركلت الأرضية الباردة بقدميها وهي تقاومه، وواصلت صراخها المكلوم، فلم يكن أمامه أي وسيلة أخرى سوى كتم صراخاتها العالية بتكميم فمها براحة يده حتى لا يفتضح أمرهما.
تلوت بجسدها بشراسة محاولة الخلاص منه، لكنه كان مسيطراً كلياً عليها.
شعرت بضعفها، بوحدتها، بيتمها، بتلك الغربة الموحشة التي أصبحت بمفردها فيها.

ارتجف كيانها من ذلك التفكير القاسي، وتلفتت بعينيها حولها بذعر، فاضطربت أنفاسها أكثر، ووجدت صعوبة في التنفس لذا وضعت قبضتها على يد منذر محاولة انتزاعها عنها.
ظن هو أنها ترغب في تحرير نفسها لمواصلة صراخها، ولم يطرأ بباله أنها تختنق. انزعج مما تفعله، فأحكم قبضتيه عليها، ثم تشدق قائلاً بصرامة:
-اهدي، مش هاينفع كده!

تحرك جسدها بصورة هيسترية متشنجة أربكته، فأرخى قبضته عنها ليمددها على الأرضية. فتفاجيء أنها تشهق محاولة التنفس.
التف حولها، وجثى أمامها، ثم رفع وجهها وأسنده على ذراعه قائلاً بتخوف مما يحدث لها:
-خدي نفسك!
بدت كمن يلهث وحدقت في الفراغ بنظرات خاوية مخيفة.
رمقها بنظرات مرتعدة، وضرب برفق على وجنتيها محاولاً إفاقتها: -ركزي معايا، فوقي واسمعيني!

لم تنظر نحوه، بل شعرت بالظلام يغلف عيناها وأن الأرض تميد بها، وتدريجياً خبى عنف حركتها وتشنجات جسدها حتى سكنت تماماً.
حدق فيها منذر بذهول حينما تراخى جسدها أمامه، وأيقن أنها فقدت الوعي.
ضغط على شفتيه قائلاً بضجر: -عشان تبقى كملت!
أخفض ذراعه ليلف خصرها به، ثم مرر الأخر أسفل ركبتيها ليحملها وهو يتمتم بكلمات مبهمة لكنها تشير إلى ضيقه.

خرج من المشرحة حاملاً إياها فحدق فيه الرجل المنتظر بالخارج بأعين متسعة، وهتف بخوف:
-مالها؟
رد عليه منذر بإقتضاب وهو ينظر له بحدة: -فرفرت، ماستحملتش المنظر!
لوى الرجل فمه قائلاً بإرتباك وهو يحك فروة رأسه: -هي ناقصة!
حدجه منذر بنظرات قاسية فقد كان في وضع يحسد عليه، وربما يتعرض لمشكلة ما إن عُرف ما فعله واختراقه للقوانين، فصاح بجمود:
-قولي أتصرف ازاي!

توجس الرجل خيفة أن يراهما غيره على تلك الحالة فيتعرض للمشاكل والمساءلة القانونية. لذا هتف بنزق وهو يشير بيده:
-طب اطلع بيها من الطرقة اللي هناك دي، هتوديك على سلم جانبي بتاع الطواريء، انزل منه لتحت ماشي، هتلاقي نفسك في الشارع بس من ورا! واتصرف بقى انت من هناك!
رد عليه منذر بإيجاز: -متشكر
-بسرعة بس الله يكرمك، مش عاوز حد يشوفك هنا
-حاضر
اتجه بعدها منذر بخطى سريعة نحو الرواق لينفذ ما قاله الأخير.

بعد لحظات كان منذر خارج المشفى من بوابتها الخلفية.
راقب الطريق جيداً ليتأكد من خلوه من المارة، ثم هرول بأسيف نحو سيارته التي كانت مصفوفة على الجانب.
حمد الله في نفسه أنه ركنها في المكان المناسب حتى لا يثير الشبهات حوله، فهو في غنى عن أي مشاكل حالية.
ثم تلفت حوله بنظرات خاطفة وشمولية فتأكد من هدوء الأجواء.
وبحرص متأني أنزل أسيف لتقف على قدميها دون أن يرخي ذراعه عنها وضمها إليه بقوة حتى لا تفلت منه.

مالت هي برأسها على صدره، وشدد هو من قبضته عليها حتى يتمكن من فتح باب السيارة باليد الأخرى.
تحرك خطوة للخلف، ثم فتح الباب على أشده، ووضعها برفق على المقعد الأمامي. انحنى للأسفل ليضم ساقيها معاً بداخلها.
أخرج زفيراً قوياً من صدره وهو يعتدل في وقفته، وصفق الباب بقوة متمتماً مع نفسه بتبرم:
-كملها معانا بالستر!

دار سريعاً حول السيارة ليركب إلى جوارها، وقبل أن ينطلق بها بحث عن نظارته الشمسية ليضعها على وجهها حتى إذا توقف في إشارة مرورية ما لا يرى أحد ما بها.
ولج دياب إلى الوكالة وهو ينهي مكالمة هاتفية مع أحد العملاء.
نظر في اتجاه والده، ولوح له قائلاً بإبتسامة باهتة: -سلامو عليكم يا حاج
رد عليه أباه بعبوس: -وعليكم السلام
تفرس دياب في ملامحه، وسأله بفضول مريب: -في ايه يا حاج؟ في حاجة مضيقاك؟

أجابه طه بتجهم: -مستني أشوف أخوك منذر عمل ايه مع قريبة عواطف!
هز رأسه قائلاً بعدم اكتراث: -أها، طيب
تابع والده مردداً بتوجس ملحوظ: -اتأخر ومكالمنيش لحد دلوقتي!
جلس دياب على المقعد، وأشعل سيجارته لينفث دخانها في الهواء ثم رد عليه ببرود:
-طب ما تطلبه!
ضغط طه على شفتيه متمتماً بمضض: -مش عاوز أزهقه، هو رايح عندها بالعافية!

تابع دياب حديثه بنبرة فاترة، وهو ينفض بقايا السيجارة المشتعلة بسبابته: -اسأله يا أبا، عادي يعني!
-شوية كده، وهاكلمه
ثم انتبه لرنين هاتفه المحمول المسنود على سطح المكتب، فالتقطه سريعاً ليهتف بحماس وهو يدقق النظر في اسم المتصل الظاهر على الشاشة:
-الحمدلله هو بيتصل!
ابتسم له دياب، وأومأ بعينيه ليجيب عليه.
لم يتردد والده في الرد، فهتف متساءلاً بإهتمام: -ايوه يا منذر انت فين؟

رد عليه ابنه بصوت متحشرج: -في مصيبة حصلت يا حاج
انتصب طه في جلسته، وتساءل بقلق: -يا ساتر يا رب، البت جرالها حاجة؟
أجابه منذر بتجهم: -لأ، بس كان هيجرالها لولا وجودي
هتف فيه أباه بقلق وقد تجمدت أنظاره: -لأ احكيلي بالراحة حصل ايه!
تابع دياب الحوار الدائر بينهما بإهتمام رغم عدم فهمه لمعظمه، خاصة أنه لاحظ تبدل تعابير وجهه المجهد إلى الشدة والضيق.

أضاف منذر بضجر: -المشكلة دلوقتي انها معايا في العربية وآآ، وغميانة!
هتف أباه بنزق وقد هب واقفاً: -معاك؟ وغميت ليه؟
أجابه منذر بتجهم: -هاوضحلك بالتفصيل، بس أنا محتاج أبعد بيها عن المستشفى، لو فضلت فيها قريبهم المجنون هياخدها!
رد عليه طه بحيرة وقد ضاقت نظراته: -أنا مش فاهم حاجة، تعالى على الوكالة!
صاح به منذر بنفاذ صبر: -بأقولك يا حاج هي معايا ومش في وعيها!
رد عليه طه بعجالة: -طب اطلع على بيت عمتها.

اعترض منذر قائلاً بجدية: -بمنظرها ده مش هاينفع!
صمت والده ليفكر سريعاً في حل مناسب للتعامل مع ذلك الموقف.
طرأ بباله شيء ما، فهتف فجأة دون تردد: -أقولك، اطلع على أمك، وأنا هاجيبك هناك!
-ماشي
قالها منذر وأنهى معه المكالمة فقد بدا مقتنعاً بذلك الاقتراح المؤقت.
تساءل دياب بنبرة مهتمة: -في ايه يا أبا؟
أجابه طه بغموض وهو يلملم أشيائه: -باين مشكلة كبيرة مع أخوك وأنا رايح أشوفها!
رد عليه دياب بجدية: -طب طمني!

أشار له والده بعكازه قائلاً بصرامة: -ماشي، خليك بس في الوكالة
رد عليه دياب بفتور: -أنا قاعد، هاروح فين يعني!
اندفع بعدها الحاج طه إلى خارج الوكالة وهو يفكر فيما أبلغه به ابنه ليتعامل مع المسألة بحكمة وروية.
عودة للوقت الحالي،
لطمت جليلة على صدرها بعد أن سمعت ما سرده ابنها منذ وصوله للمشفى حتى اللحظة الحالية.

اتسعت مقلتيها، وهتفت مصدومة وهي ترمقه بنظرات غير مريحة: -يا نصيبتي! وهو احنا ناقصين بلاوي يا ابني!
نظر نحوها هاتفاً بقلة حيلة: -يعني كنت هاعمل ايه؟
صاحت فيه متوجسة: -عاوز الناس تقول عننا ايه يا منذر وهو شايفينك داخل البيت بواحدة غريبة ومش دريانة بالدنيا؟!
رد عليها بحدة غير عابيء بأقاويل الأخرين وهو يلوح بيده: -اللي يقول يقول، ميهمنيش حد!

استنكرت عدم اكتراثه، واستدارت بجسدها لاطمة برفق على صدغيها ومغمغة بقلق: -يا خوفي من كلام الناس، دول ما هيصدقوا، اه هيفضول يجيبوا في سيرتنا ويبوظوا سمعتنا وآآ..
قاطعها منذر هادراً فيها بإنفعال بعد جملتها الأخيرة التي استفزته: -هو أنا جايبها شقة مفروشة! ده بيت عيلة، في ايه يا أماه؟!
ضغطت جليلة على شفتيها قائلة بإزدراء خافت: -هو بيفهموا كده! الناس مالهاش إلا الظاهر!

تحرك منذر مبتعداً عنها فقد اكتفى بما مر به خلال ذلك اليوم العصيب.
سلطت هي أنظارها عليه، وهتفت متضرعة وهي ترفع كفيها للسماء: -استرها يا رب معانا وعديها على خير، واكفينا شر المستخبي..!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة