قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية الدكان للكاتبة منال سالم الفصل الثاني والخمسون

رواية الدكان للكاتبة منال سالم الفصل الثاني والخمسون

رواية الدكان للكاتبة منال سالم الفصل الثاني والخمسون

استغل فرصة تواجده بمفرده في أحد الأركان بالمخفر ليتحدث إليه بعيدًا عن أعين المراقبين لهما عله يقنعه بفعل الصالح للجميع.
ولكن على عكس ما توقعه، بدا أكثر هجومًا وهو يردد بعصبية: -مكانش ده اتفاقنا يا مهدي!
رد عليه بتجهم واضح محاولًا تبرير الموقف: -العيال مش فارق معاهم، بس احنا غيرهم!
رفع طه سبابته في وجهه صائحًا بغلظة: -متقوليش عيال، ولادي رجالة من ضهر راجل! الدور والباقي على ابنك اللي عاوزها نار!
ثم ضاقت نظراته لتصبح أكثر حدة وهو يضيف بشراسة: -وانت عارف كويس اللي يمسنا بنمحيه من على ضهر الأرض!
كان مصيبًا في قوله، فدومًا أي شجار عنيف تكن عائلة حرب طرفًا فيه ينتهي لصالحهم مهما كانت النتائج والخسائر.
ورغم هذا حاول أن يسيطر عليه، فأردف قائلًا بحذر: -عارف يا طه، بس عاوزين نلم الموضوع قبل ما يكبر، الأذية عليا وعليك، وابني وابنك في الموضوع، وهايتحبسوا لو ماتصرفناش واتصالحنا!
نظر له شزرًا وهو يعقب: -انتو اللي جيتو علينا، فاستحمل بقى عمايل ابنك السودة!
وضع مهدي يده على ذراعه ضاغطًا عليه بحرج: -حقك عليا يا سيدي!
هتف فيه طه بحدة غير مكترث لاعتذاره النادم: -يعني بعد التكاليف اللي دفعناها في التوضيب، ده حتى مايرضيش ربنا إن المحلات آآ. .
قاطعه مهدي قائلًا بجدية: -خسارتك عليا كلها يا سيدي، وشوف ايه اللي يرضيك وهاعمله، بس نلم الليلة!
نظر له مطولًا، ولم يعطه أي رد صريح.
بقي الأخير على أعصابه مترقبًا قراره النهائي، فوضع ابنه إلى حد ما حرج، ولا يبشر بخير.
حبس أنفاسه، وظل محدقًا به محاولة تخمين ردة فعله.
وحينما طال صمته قرر الاستعانة بمحاميه عله يفعل ما عجز عنه ويقنعه بتقبل تلك الترضية الاضطراية.
استطرد المحامي حديثه هاتفًا بجدية: -أنا رأيي يا حاج طه نتراضى أحسن، النيابة ممكن تحبسهم ويتجدد الحبس كمان، وكيل النيابة مش سهل!
فكر طه في جملته الأخيرة جيدًا، فربما يكون محقًا.
تابع المحامي حديثه بصيغة مطمئنة: -لكن لو حلينا الموضوع هنا، فحبايبنا في القسم كتير، وهيخدمونا، وهيظبطوا المحاضر وكل حاجة، وهتخلص من غير قلق!
رد عليه طه بعبوس محاولًا كسب المزيد من الوقت: -هاخد برأي ولادي الأول!
استشعر مهدي رغبته في القبول بالمصالحة، فهتف محفزًا إياه: -انت الكبير يا طه! وكلمتك محدش هيكسرها من ولادك، وافق الله يكرمك!
أضاف المحامي قائلًا بتأكيد على أهمية فض النزاع قبل تطوره: -فكر في مصلحة الكل!
اتحد الاثنان سويًا من أجل إقناعه، فاضطر على مضض الموافقة عليه، وتمتم بتذمر: -ماشي، بس مش هايعدي من غير حساب
تنفس مهدي الصعداء لقراره، وهتف بلا تفكير: -اللي تؤمر بيه، بس فضونا من المحاضر دي، وخلونا نخرج ولادنا من هنا!
بامتعاض كبير ردد طه بوجهه المتجهم: -طيب، شوف المطلوب يا حضرت الأفوكاتو واعمله!
هز المحامي رأسه بالإيجاب قائلًا: -حاضر
رمقه بنظرات نارية متوعدة بالانتقام الشرس من عائلته، وإلحاق الأذى بهم وهو يوقع بيده على محضر التصالح بينهما.
قبل مجد فقط بذلك الادعاء الزائف ليتمكن من الخروج من هنا حتى يتسنى له التصرف بحرية.
ظلت أنظار والده مهدي مسلطة عليه، هو يعلم نواياه العنيفة جيدًا، ولن يترك الأمر يمر دون استرداد حقه، فليست تلك المرة الأولى، لذا عليه أن يردعه قبل أن يضعه في موقف متخاذل أخر.
لم يختلف حال دياب كثيرًا، فقد كانت عيناه المحتقنتين مركزة فقط على غريمه مازن، هو يقف مختبئًا خلف أخيه، لكن النظرات لم تتفارق، فكلاهما يتشاركان في الأمر نفسه.
ورغم مضي السنوات إلا أنه لم ينسَ كيف سيقت قدماه إلى فخه الأعمى وتزوج بولاء لتصبح بعد ذلك هي زوجته.
هتف مهدي بحماس ليخرج الجميع من حالة الصمت المشحون بالغضب العارم: -مبروك علينا الصلح، وما محبة إلا بعد عدواة!
وكأنه لم يضف شيئًا بحديثه الماسخ السخيف سوى زيادة جرعة البغض بين كل الأطراف.
رد عليه طه بتأفف: -إياكش اللي غلط يتعلم ويعرف هو واقف قصاد مين
سلط مجد أنظاره النارية عليه ليقول بغموض مهدد: -وماله، هانعمل حسابنا المرة الجاية إنها تكون الأخيرة! عشان محدش تقومله قومة بعدها!
وقبل أن يفتح دياب فمه ليرد بشيء أحمق قد يقلب الأمور رأسًا على عقب، وضع أباه يده على صدره ليمنعه عن الحديث قسرًا.
امتثل رغمًا عنه لحركة أبيه الصامتة، وضاقت نظراته المشتعلة إليه.
رد طه عليه قائلًا باستهزاء متعمد: -ده إن مكونتش اتسجنت قبلها، أصل اللي زيك يا مجد مخه على أده، وغبائه ممكن يخليه يرجع لنومة البُرش تاني!
انزعج الضابط المسئول مما يحدث بين الطرفين من مشاحنات لفظية منذرة باندلاع اشتباك أخر، فهتف بصرامة:
-جرى يا جماعة، ده احنا لسه بنقول عفا الله عما سلف، خلاص يا حاج طه، مافيش داعي للكلام ده، وإنت يا مجد نخف الدور شوية، انتو هنا في قسم!
أضاف مهدي مدعمًا إياه وهو يشير بيده: -عندك حق، الكل يتوكل على الله!
زاد ضيق نظرات مجد لتصبح أكثر خطورة عن ذي قبل، وهتف من بين أسنانه بصوت هامس للغاية:
-لسه بينا كتير يا ولاد حرب!
بعد عدة دقائق كان الضابط قد أتم كل شيء ليتم إخلاء سبيل الجميع، ورغم ذلك فالكل متوجس خيفة من هذا الهدوء السلمي الزائف، لأنه بالطبع لن يدوم طويلًا.
أبعدت عنها الصينية بعد أن وضعت بها صحن حساءها الفارغ مبتسمة لها بعاطفة واضحة. شعرت بالارتياح لعودتها إلى هدوئها وتوقفها عن البكاء.
لمملت البقايا عن الملاءة، وتساءلت باهتمام أمومي: -ها يا بنتي بقيتي أحسن؟
حركت رأسها بالإيجاب قائلة بخفوت وهي تجفف فمها بالمنشفة الصغيرة: -الحمدلله
نهضت عواطف عن الفراش متابعة حديثها بتنهيدة مطولة: -يستاهل الحمد على كل حال، ربنا ما يعودها تاني، أنا قلبي وقع في رجلي لما لاقيت الدنيا قايدة نار!
لم تعقب عليها أسيف، واكتفت برسم ابتسامة باهتة على محياها. يكفيها ما مرت به لتستعيده في ذاكرتها، فتحاشت قدر الإمكان الحديث عنه.
تفهمت عمتها موقفها، ولم تضغط عليها.
انحنت لتمسك بالصينية، ورددت مبتسمة: -المهم إنها خلصت على خير!
انتبهت كلتاهما لصوت دقات خافتة على باب الغرفة الموارب، فاتجهت أنظارهما إليه.
أطلت بسمة برأسها قائلة بحرج قليل: -ممكن أدخل!
تعجبت عواطف من رؤية ابنتها على عتبة الغرفة، لكنها توسمت خيرًا فيها أن تكون قد جاءت للاطمئنان على ابنة خالها، لذا هتفت بتلهف:
-تعالي يا بسمة!
شعرت الأخيرة بالحرج لوجودها رغم أنه أمر طبيعي، فهي غرفتها بالنهاية.
أشارت بيدها موضحة بنبرة مرتبكة نسبيًا: -كنت عاوزة اجيب حاجة من دولابي
ردت عليها أسيف بابتسامة مهذبة: -اتفضلي. دي. دي أوضتك
أضافت عواطف قائلة وهي ترفع الصينية للأعلى: -طيب هاودي أنا الصينية دي في المطبخ ورجعالك!
ساد صمت متوتر بين الاثنتين، وترددت كلتاهما فيمن ستتولى الاسترسال في الحوار لكسر ذلك الحاجز الوهمي بينهما.
اتجهت بسمة إلى خزانة ملابسها مباشرة متحاشية النظر في وجه أسيف، وعبث بمحتويات الضلفة بعد أن فتحتها.
راقبتها أسيف بهدوء، ولم تحاول جبرها على التحدث.
ظلت تفرك أصابع كفيها بارتباك مترددة فيما ستتفوه به.
كان وضع بسمة مشابه لها، نوعًا ما هي تشعر بالإشفاق على حالها.
أرادت أن تطمئن عليها، لكن خشيت من تجربة ذلك.
حسمت أمرها بالأخيرة هاتفة بتردد وهي توليها ظهرها: -أنا. أنا سمعت باللي حصلك من ماما، وآآ. . وكنت آآ. .
ردت عليها أسيف بخفوت هاديء مانعة إياها من الشعور بالحرج: -أنا بخير!
هزت بسمة رأسها بتفهم وهي تغلق الضلفة قائلة بإيجاز: -ماشي!
أمسكت بقطعة من ثيابها ظلت تطويها بدون تركيز وهي تسير عائدة نحو باب الغرفة.
وقبل أن تلج للخارج أوقفها صوت أسيف وهي تهتف باسمها: -بسمة!
التفتت الأخيرة برأسها نحوها لتنظر لها بجمود مرددة باقتضاب: -نعم
رسمت أسيف ابتسامة ممتنة على ثغرها، ثم هتفت برقة: -شكرًا على سؤالك، حقيقي ده فرق معايا أوي!
اضطربت بسمة من جملتها الأخيرة، وتلعثمت وهي ترد: -أها. اوكي
تجسست عواطف عليهما محاولة استشفاف طبيعة الحديث بينهما.
أخرجت تنهيدة عميقة من صدرها قائلة برجاء وهي ترفع بصرها للأعلى: -يا رب تحنن قلب بناتي عليها!
ثم أسرعت في خطاها عائدة للمطبخ قبل أن تلمحها ابنتها الصغرى.
أوشك على العودة، ولكن قبل أن يصل إلى وجهته أتاه اتصالًا جادًا من أبيه قلب حاله رأسًا على عقب.
تحولت طباعه للشراسة، ونظراته للاحتقان حينما أبلغه والده بالتصالح بين الطرفين.
ربما هو لم يعلم بطبيعة المشاجرة، لكن أغاظه بشدة ذلك التصرف.
صاح بنبرة غاضبة حتى بات صوته الهادر ملفتًا للأنظار: -ازاي يا حاج؟ انت بتقول ايه؟ إزاي تعملوا كده؟ !
رد عليه طه بحذر: -هافهمك بعدين، تعالى بس على البيت يا منذر
واصل منذر صراخه المتشنج قائلًا بعتاب عنيف: -ليه عملت كده! انت اديته فرصة يآآ. .
قاطعه طه قائلًا بنبرة هادئة: -مش وقته، احنا مستنينك، وهافهمك كل حاجة لما ترجع الأول! ركز انت بس في السواقة!
لم يستطع الرد عليه، وبما سيجيبه وهو أنهى كل شيء.
هو صدمه للغاية بفعلته تلك مما زاد من لهيب نيران صدره المشتعلة.
المسألة ليست مجرد مشاجرة عابرة تم بعدها إرضاء الطرفين والتسوية بينهما، بل هو متأكد أنها لن تدوم مطولًا وستنتهي بما لا يُحمد عقباه.
أنهى المكالمة معه مرددًا ألفاظ نابية لاعنًا بها غريمه الحقير،
لم يتمكن من ضبط انفعالاته الهائجة، فصاح بنبرة عدوانية: -مش هارحمك يا مجد! مش هارحمك!
كان الوضع هادئًا بمنزلهن فيما عدا صوت التلفاز الصادح به.
ورغم نظراتها المحدقة به، إلا أن عقلها كان شاردًا في شيء أخر.
هي تخطط لأمور خطيرة ترفض حتى البوح بها لنفسها.
أخرجها من تفكيرها المخيف صوت قرع الجرس، فنهضت بتثاقل من مكانها متوجهة نحوه.
أدارت نيرمين المقبض لتفتحه فتفاجأت بحلمها يتجسد فعليًا نصب عينيها.
تهللت أساريرها بعفوية، ورمشت بجفنيها هاتفة بحماس مريب: -سي منذر، يا أهلا وسهلًا، نورتنا وآآآ. .
قاطعها متساءلًا بجمود قاسي: -فين بنت خالك؟
عبس وجهها سريعًا من سؤاله المباغت، وردت بنبرة مصدومة: -نعم!
هتف فيها متساءلًا بنفاذ صبر وقد بدا كمن يقف على حمم متقدة: -بأقولك فين أسيف؟
زادت صدمتها الموجعة حينما سمعته يلفظ من بين شفتيه اسمها، فبات كأنه نصل حاد يخترق جلدها بقوة.
فعادة هو يستخدم الألقاب العائلية حينما يتحدث مع النساء، واليوم هو يخرق كل القواعد ويردد اسمها هكذا دون اكتراث.
تمتمت غير مصدقة اندفاعه: -آآ. . أسيف!
سمعت عواطف صوتًا ذكوريًا يأتي من الخارج، فسحبت حجاب رأسها ووضعته حولها، ثم اتجهت للصالة لترى الضيف المتواجد بمنزلهن.
رأته يقف على عتبته بملامح قاسية، فابتلعت ريقها مرددة بابتسامة باهتة: -اتفضل يا سي منذر
ولج إلى الداخل متلفتًا حوله بنظرات شمولية، ومتساءلًا دون تريث: -ايه اللي حصل؟ وأسيف فين؟
رفعت كفها للأعلى لتشير نحو غرفة بسمة وهي تجيبه بتوجس: -جوا في الأوضة، اطمن، احنا بخير!
رد عليها بإصرار صارم ومريب وقد ضاقت نظراته للغاية: -عاوز أشوفها، ودلوقتي!
كتمت نيرمين شهقتها المدهوشة بصعوبة بالغة، لكنها لم تمنع يدها من اللطم على صدرها.
ازدردت عواطف ريقها قائلة بتوتر بادٍ على ملامحها كليًا: -طيب يا ابني، اتفضل في أوضة المسافرين وهآآ. .
قاطعها مجددًا هاتفًا بنفاذ صبر: -ناديلها بس بسرعة!
حركت رأسها بعدة إيماءات متتالية وهي تقول: -على طول، اتفضل
بقيت نيرمين متسمرة في مكانها مصدومة مما حدث، هو قد جاء للسؤال عنها ليؤكد احساسها أنها باتت شاغله الأكبر.
استشاطت غضبًا، وتحول وجهها لكتلة ملتهبة من الدماء الغاضبة.
جلست على طرف الفراش واضعة يدها على كتفها لتهزها برفق وهي تقول بصوت خفيض: -أسيف، اصحي يا بنتي، سي منذر عاوز يشوفك
كانت الأخيرة قد غفت من أثر الإرهاق والتعب، فلم تفق بسهولة.
عاودت عواطف تكرار جملتها متعمدة هزها بصورة أكبر لتستعيد هي وعيها: -بأقولك سي منذر موجود برا، وعاوز يشوفك!
عقدت أسيف ما بين حاجبيها باستغراب، وبدت تائهة نسبيًا وهي تردد: -يشوفني
حركت عمتها رأسها قائلة: -ايوه يا بنتي!
أغمضت أسيف جفنيها هاتفة بفتور: -اعتذريله، أنا تعبانة!
لم تتقبل عواطف رفضها المبرر، فهي تخشى من ردة فعله إن سمع برفضها لمقابلته، لذا توسلتها قائلة برجاء ملحوظ:
-معلش يا بنتي، هو شكله جاي يطمن عليكي!
زفرت أسيف بامتعاض كبير، فتابعت عمتها قائلة علها تقنعها بالنهوض ومقابلته: -قومي الله يهديكي، وريه وشك وارجعي نامي تاني!
أصرت أسيف على اعتراضها مرددة: -يا عمتي أنا آآ. .
وضعت عواطف يدها على وجنتها ماسحة إياها برفق وهي تقول برجاء: -عشان خاطري، الراجل جاي لحد عندك يطمن عليكي، قوميله، هما 5 دقايق وبس!
استسلمت أسيف لإلحاح عمتها المتواصل مرددة بإيجاز: -طيب
نهضت ببطء عن الفراش، وعاونتها عمتها في إزاحة الغطاء، ثم أسرعت نحو باب الغرفة لتعطيها إحدى العباءات المعلقة بظهره.
تناولتها منها، وارتدتها على عجالة، ثم لفت حجابها حول رأسها.
لم تكن به أي رغبة للجلوس أو الاسترخاء، أو حتى تلقي واجب الضيافة. فقد جاء إلى هنا من أجل غرض معين يعد الأهم بالنسبة له بعد الإطمئنان عليها، ألا وهو منعها من التواجد بالدكان.
طرقت على الباب أولًا قبل أن تتنحنح بخفوت هامسة: -السلام عليكم
التفت برأسه نحوها فور سماعه لصوتها.
لم يستطع منع نفسه من النظر إلى وجهها ليتأكد من خلوه من أي خدوش أو جروح.
تحرجت من نظراته المتفرسة بها، لكن سريعًا ما ارتسمت على تعابير وجهها علامات الاندهاش والصدمة حينما رأته يندفع مباشرة في اتجاهها ليضع قبضتيه على ذراعيها متساءلًا بتلهف وهو يضغط عليهما:
-انتي كويسة؟ مجد ال. . عملك ايه؟ لمسك؟ أذاكي؟
توترت من لمساته الخشنة عليها، وهزت رأسها نافية وهي تجيبه بارتباك: -آآ. لأ
حركت ذراعيها محاولة انتزاع نفسها من قبضتيه، لكنه كان متشبثًا أكثر بها رافضًا أي رغبة لها من التملص منه.
صاح بها بصوت منفعل: -قولي الحقيقية يا أسيف!
وقفت نيرمين على عتبة باب الغرفة تراقبهما بأعين نارية، كادت تفقد السيطرة على نفسها بسبب ما تراه يحدث على مرآى ومسمع منها.
ما جعل نيرانها تآكلها هو ترديده لاسمها مجردًا من أي ألقاب.
شبكت ساعديها معًا، وضغطت على شفتيها بقوة هامسة لنفسها بنبرة مغلولة: -بردك بيقول اسمها اللي تشك في لسانها!
تابع منذر حديثه المزعوج هاتفًا بعصبية عدائية: -لو لمس منك شعرة عرفيني، أنا هاخد حقك وهاجيبه آآ. .
استجمعت أسيف كل قوتها لتتحرر منه، ونجحت في هذا.
ثم قاطعته قائلة بهدوء زائف وهي تتراجع للخلف: -حصل خير، دي. دي غلطتي من الأول!
فرك منذ وجهه بضيق، ثم نظر مباشرة لها قائلًا بصرامة شديدة وهو يشير بسبابته إليها:
-اسمعيني كويس، نزولك الدكان تاني مش هايكون في مصلحتك الأيام الجاية، مجد مش بيسيب تاره وآآ. .
لم تنتبه هي لباقي حديثه، فقد أثار غضبها بتقريره لمصيرها قبل أن يأخذ رأيها ناهيك عن ذكر مسألة الدكان.
تلك الشوكة التي تقف في طريقه.
صاحت معترضة بشراسة وهي تنظر له شزرًا: -الدكان! بقى الموضوع كده، اطمن يا أستاذ منذر، أنا أقدر أدافع عن نفسي كويس، ودكاني مش هاسيبه، ومحدش هايمنعني أروحه
أغاظه عدم إدراكها لحجم الخطر الموضوعة به، فهدر بتشنج مستنكرًا تفكيرها الضيق: -شوفي أنا بأقول ايه، وانتي بتفكري في ايه؟ !
جمدت هي من تعابير وجهها، وأشارت بكفها نحو الباب قائلة بوقاحة متعمدة إنهاء الحوار معه:
-شكرًا على الزيارة، شرفت!
شهقت نيرمين مدهوشة من طردها له، وحلت تشابك ساعديها هاتفة لنفسها بحنق كبير: -يا بنت المجنونة! آآآخ لو يسيبوني بس عليها! هادفنها تحت سابع أرض، معلش ليكي يومك معايا، وخلاص قرب!
جاهد منذر ليضبط أعصابه قدر المستطاع معها رغم فظاظتها، فهي لا تزال ساذجة لا تعي أبدًا مخاطر ما زجت بنفسها به.
دنا منها ليقف قبالتها محدجًا إياها بنظرات مخيفة،
توترت من اقترابه المهدد لها، وحافظت على ثباتها الزائف أمامها.
احنى منذر رأسه عليها ليصبح أكثر قربًا، فاستشعرت قوة تهديده الحاسم حينما هتف بصرامة نافذة غير قابلة للنقاش مُطلقًا:
-ماشي يا بنت رياض، افتكري انتي اختارتي تعاندي، بس أنا في الأخر اللي هاقرر. . !

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة