قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية الدكان للكاتبة منال سالم الفصل الثالث والخمسون

رواية الدكان للكاتبة منال سالم الفصل الثالث والخمسون

رواية الدكان للكاتبة منال سالم الفصل الثالث والخمسون

كانت كمن تقف على جمر ملتهب من النيران وهي تراها توبخه بوقاحة لا متناهية متناسية ما فعله من أجلها، ودت لو اقتربت منها، وطوقت عنقها بكفيها فتطبق على روحها كعقاب على تطاولها عليه.
كورت نيرمين قبضة يدها، وكزت على أسنانها متمتمة بنبرة مغلولة: -حتة بتاعة زيك لا راحت ولا جت تعمل فيه كده!
طالت النظرات المتحدية بين كليهما حتى قطعهم منذر بانصرافه من أمامها.
تجمدت في مكانها واقفة، لكن تحركت رأسها عفويًا معه لتراه وهو يخرج من الغرفة ووجهه يعكس حالته الغاضبة.
لم تكن لتدع الفرصة تفوتها دون أن تضع بصمتها الخاصة، لذا اقتربت نيرمين منه معترضة طريقه هاتفة باستنكار:
-قولتك يا سي منذر انها ناكرة الجميل، معندهاش عزيز!
نظر لها شزرًا ولم يعقب على جملتها المزعجة. فهو لم يكن بحاجة للحديث مع تلك السمجة.
تفاجأت عواطف بوجوده بالخارج، فهتفت متساءلة باندهاش: -ما لسه بدري يا سي منذر، ده أنا علقت على القهوة، وخلاص آآ. .
قاطعها قائلًا بغلظة قاسية وقد برزت حمرة عيناها بوضوح: -عقلي بنت أخوكي يا ست عواطف!
عقدت ما بين حاجبيها باستغراب مرددة بعدم فهم: -أعقلها؟ هي عملت ايه؟ دي جاتلك الوكالة تعتذرلك عن حكاية السرقة وانت مكونتش موجود وآآ. .
قوس فمه للجانب هاتفًا بتهكم صارخ: -ماهو واضح! اعتذرها وصلني!
التفت برأسه ناحية أسيف ليرمقها بنظرات أخيرة أشد قسوة قبل أن يتحرك في اتجاه باب المنزل.
حاولت عواطف اللحاق به هاتفة بتعجب: -استنى بس يا سي منذر!
صفق الباب خلفه بقوة لتهتز أركان البيت من عنفه.
انطلقت نيرمين في اتجاه أسيف صارخة بهياج في وجهها: -انتي ايه؟
تراجعت الأخيرة للخلف متحاشية اندفاعها الأهوج، لكنها تفاجأت بها تنهال عليها بهجوم ساخط:
-فعلًا بجحة ومعندكيش دم ولا ذوق، الظاهر أهلك معرفوش يربوكي، ازاي تتكلمي معاه كده؟ هو شغال عندك، الظاهر نسيتي نفسك!
اصطبغ وجه أسيف بتلك الحمرة الغاضبة بعد سماعها لإساءتها المهينة لشخصها، وردت عليها بصراخ وهي تهدد بسبابتها:
-مالكيش دعوة بيا، واحفظي لسانك وانتي بتكلميني!
صاحت فيهما عواطف بنبرة عالية: -في ايه انتو الاتنين؟ ما تفهموني اللي حصل!
استدارت نيرمين ناحية أمها، ولوحت بذراعها في الهواء وهي تجيبها بنبرة محتقنة رامقة ابنة خالها بنظرات احتقارية:
-حتة الزبالة دي طردت سي منذر من هنا!
شهقت أسيف مرددة باستنكار تام وهي تشير لنفسها: -أنا زبالة!
هزت نيرمين رأسها بإيماءة صريحة وهي ترد بغل: -ايوه، وآآ. .
قاطعتها والدتها صارخة فيها بحدة مانعة إياها من مواصلة الشتائم الغير لائقة: -بس، ماتفتحيش بؤك!
صمتت نيرمين مجبرة، وكتفت ساعديها أمام صدرها، لكنها لم تتوقف عن هز جسدها كليًا بعصبية.
وجهت عواطف حديثها إلى ابنة أخيها متساءلة بعتاب: -ليه كده يا بنتي؟
ضغطت أسيف على شفتيها بقوة، ونظرت لها مطولًا دون أن تجيبها.
ملت نيرمين من انتظار أي تبرير منها، وأرخت ساعديها هاتفة بغضب: -انتي لسه هتسأليها، ده بدل ما ترزعيها جوز أقلام يفوقها! ولا تآآ. .
اغتاظت أسيف من أسلوبها الهمجي في التطاول عليها، فصاحت مهددة هي الأخرى: -والله ما حد عاوز يضرب إلا انتي!
استشاطت نظرات نيرمين، وغليت الدماء في عروقها، ولم تعد قادرة على تمالك أعصابها أكثر من هذا، فتحفزت للانقضاض عليها قائلة بجموح عدواني خطير:
-كمان بتردي عليا، أما عديمة التربية وال. .
رفعت عواطف ذراعها أمام صدر ابنتها لتحول دون وصولها إليها قائلة بامتعاض جلي: -جرى ايه يا نيرمين، احترمي وقفتي شوية!
ردت عليها الأخيرة بحدة قاسية: -مش لما تحترم ضيوفنا الأول! حقه يولع فيها ويدفنها مطرح ماهي واقفة!
ثم رمقت أسيف بنظرات دونية مسيئة للغاية، وتمتمت من بين أسنانها بسباب لاذع: -حاجة. . ، اتفوو على دي قرابة!
صدمت عواطف من رد ابنتها الفج، ولم يختلف ذهول أسيف عنها.
راقبتها الاثنتان وهي تنصرف من أمامهما في اتجاه غرفتها، فقطعت عواطف تحديقها بها قائلة بعتاب:
-عملتي كده ليه يا أسيف؟ ده أنا مصدقت إن المياه رجعت لمجاريها تاني معاه!
عجزت عن الرد عليها، فهي لا تستطيع تفسير تصرفاتها المندفعة معه، فدومًا تكون متخبطة في قراراتها حينما تكون على المحك، وتتسرع في حكمها دون تريث عندما تجد نفسها في خانة اليك.
أطرقت رأسها حياءً منها، وأسرعت بالركض لتختفي من أمامها دون أن تريحها بأي عبارات.
ضربت عواطف كفًا بالأخر محدثة نفسها بضجر: -لا حول ولا قوة إلا بالله! مابنلحقش نهدى أبدًا، لازم يجي اللي يقيدها نار!
-هي مخلصتش أصلًا، دي ابتدت يا أبا!
هدر بتلك العبارة مجد بصوته المتحشرج وهو يضرب بقبضته بعنف على سطح المكتب.
نظر له مهدي بحدة قائًلا بتحذير: -ارحمني من مصايبك يا مجد!
لوى ثغره للجانب متابعًا بغموض مريب: -هو أنا عملت حاجة لسه! اصبر عليا شوية!
حذره مهدي مجددًا بتوجس أكبر: -بلاش يا بني!
هز رأسه محتجًا وهو يقول بشراسة مخيفة: -وعزة جلال الله لهخليها والعة ما تطفى في سنتها!
ثم هب واقفًا من مكانه دافعًا مقعده بعصبية للخلف، فوقف والده هو الأخر قائلًا باعتراض:
-لو عملت كده مش هاعرف ألمها زي كل مرة، كفاية أوي اللي حصل زمان، احنا دفناه وكفينا على الخبر مجور، مش هانعيده تاني، خاف على شبابك اللي ضاع في السجن.
ضاقت نظراته حتى تحولت للإظلام التام، ثم همس من بين أسنانه بنبرة تجفل الأبدان: -كل ليلة نمتها هناك هادفع تمنها للكلب ده، هايتمنى الموت ومش هايطوله، بس قبلها هاخد منه كل حاجة!
رد عليه أباه بنفاذ صبر: -انت فعلًا صعب التفاهم معاك!
التفت مجد ناحية والده، وحدجه بنظرات غير مريحة، ثم هتف بقسوة جامحة: -وأنا مش بتاع تفاهم!
لم يتوقف عقله عن التفكير للحظة في كيفية رد الصاع صاعين لعائلة حرب خاصة عدوه منذر، وإذاقته كافة ألوان العذاب قبل أن يقتلع قلبه من موضعه.
تحرك بعصبية مفرطة في أرجاء الصالة معنفًا باستنكار محتج موافقة والده على التصالح معه.
راقبته والدته بنظرات مزعوجة لكنها لم تتدخل في الحوار، ففي النهاية ما يخص أمور العمل هو شأن ذكور العائلة فقط.
هو لم يكد يفيق من تصرفات تلك الريفية الطائشة حتى يزيد أبيه من الطينة بلة بحديثه عن جدية التنازل.
الجميع ينظر للأمر من منظور محدود الأفق، لا يعرفون أبعاد ترك شخصية عنيفة وبربرية كمجد ليصبح حرًا طليقًا فيفعل ما يحلو له دون ترقب أي حساب.
ضغط منذر على أصابع كفيه بعنف مكورًا يده ليضرب بها الحائط متساءلًا بسخط: -طب فهمني، بردك اتنازلتوا ليه؟ موقفنا كان أقوى وآآ. .
قاطعه طه قائلًا بهدوء زرين: -أنا ببص لقدام يا منذر!
احتدت نظراته هاتفًا بشراسة: -مع ابن ال. . ده؟ انت ناسي يا حاج عمل ايه زمان؟ ده بلاويه كلها معروفة للكل!
هز أباه رأسه بإيماءة بسيطة وهو يرد باقتضاب: -معلش!
صاح الأخير مستنكرًا: -هاتفدني بايه معلش دي؟ قولي يا حاج طه؟ !
رفعت جليلة كف يدها للأعلى قائلة بعبوس وهي تشير به: -يا ابني اهدى، بالراحة شوية، الحمدلله إنها عدت على خير، والجماعة قالوا هايصلحوا اللي كسروه وآآ. .
أشار لها طه برأسه هاتفًا بصرامة: -اسكتي انتي يا جليلة، وقومي شوفي وراكي ايه!
نظرت له بعتاب وهي ترد: -بقى كده! ماشي يا حاج!
ضربت بيديها على فخذيها، ثم نهضت بتثاقل من على الأريكة، وتحركت بخطى بطيئة تاركة لهما المجال للحديث بحرية.
توارت عن أنظارهما لكنها لم تبتعد تمامًا. حافظت على مسافة جيدة لتتمكن من سماع ما يقولان بوضوح.
أومأ طه بعينيه لابنه قائلًا بصلابة آمرة: -اقعد يا منذر وأنا هافهمك بأفكر في ايه
تجهمت تعابير وجهه للغاية، ورد بنبرة محتقنة: -خلاص يا حاج، انت عملت اللي عاوزه وقبلت بالترضية، بس متلومش حد بعد كده!
عنفه طه قائلًا: -الأمور ماتدخش قفش، احنا بناخد وندي مع بعض!
ضاقت أعين منذر للغاية، وظل محدقًا بوجه أبيه بنظرات تحمل اللوم.
هتف فجأة بلا تردد: -سلامو عليكم، أنا نازل.
نظر له والده بغرابة مستنكرًا انفعاله الزائد: -يا بني اسمع الأول!
وضعت جليلة يدها على صدغها هاتفة لنفسها بتوجس مرعب: -هو العمل إياه اللي عامل في ابني كده ومش مخليه على بعضه!
حل الوجوم على قسماتها وهي تضيف بنفور: -طلعت البت قادرة وساحرله فعلًا، صدقتي يا نيرمين!
حدقت أمامها في الفراغ قائلة بحسم: -لازم أشوفله شيخ يفك العمل ده بدل ما ابني يروح مني!
جلس خلف مقود سيارته ممسكًا بهاتفه المحمول باحثًا عن رقم ما.
هو فكر، وعقد العزم على فعل ما يراه مناسبًا، حتى وإن كان مزعجًا بالنسبة لها.
وضع منذر الهاتف على أذنه صائحًا بجمود آمر: -اسمعني كويس!
أتاه صوتًا خشنًا على الطرف الآخر يجيبه بامتثال: -أؤمر يا ريس منذر!
تابع قائلًا بثبات جاد: -تروح لورشة زقزوق، وتخليه يجيب أبلكاش يحاوط كل المحلات، مش عاوز مخلوق يعرف يعدي!
رد رجله قائلًا بتوضيح: -بس الدكان اللي في النص هيعاكسنا
رد عليه منذر هاتفًا بصلابة صارمة: -نفذ اللي قولتلك عليه، وخصوصًا مع الدكان ده! تتقفل الحتة كلها من حواليه، مش عاوز خرم ابرة يفوت منها حد! فاهم
-اعتبره حصل يا ريس
تابع مكملًا بلهجة شديدة: -على أخر اليوم تكون خلصانة الحكاية دي، مش هارغي فيها تاني!
ثم أنهى معه المكالمة لافظًا زفيرًا مشحونًا من صدره.
آمال عنقه للجانبين ليخفف من حدة ذلك التوتر المسيطر عليه، وفركه بكفه بحركات متكررة مزيلًا ذلك التيبس.
حدث نفسه بتحدٍ مغتر: -وريني هاتخشي الدكان ازاي يا بنت رياض!
التوى رغمًا عنه فمه للجانب ليظهر شبح ابتسامة باهتة عليه.
أدار بعدها محرك السيارة منطلقًا بها في اتجاه الوكالة.
جفا النوم جفنيها وهي تتقلب على الفراش محاولة إجبار عقلها التوقف عن التفكير فيه وفي حماقتها الطائشة معه.
أعاد عقلها تذكيرها بما فعلته مرات ومرات ليظهر مدى غبائها في كل مرة.
دفنت رأسها بالوسادة، ونفخت مستاءة من نفسها.
هو جاء بقصد الاطمئنان عليها، ودعمها، ناهيك عن حمايتها من أي أذى قد يلحق بها، وهي اتهمته كعادتها دون تمهل بطمعه في نيل الدكان منها.
همست لنفسها بإحباط: -تعبت، نفسي أرتاح بقى!
تردد في أذنيها صدى كلماته بأنه صاحب الكلمة الأخيرة في تقرير ما يخصها.
زفرت مجددًا بإنهاك، ورددت متساءلة بحيرة: -يعني هاتعمل ايه؟ مش هاتقدر تمنعي!
في صباح اليوم التالي،
وضع يديه على منتصف خصره مراقبًا بإعجاب تام ما أنجزه الرجال أمام المحال.
اختفت جميعها خلف تلك الألواح الخشبية الغليظة التي طوقتها بالكامل مانعة أي شخص من النفاذ إليها إلا من باب صغير ضيق يكفي لمرور فرد واحد، ووضع أمامه عدة رجال ليقوموا بالحراسة بالإضافة للعمال المسئولين عن توضيبهم.
كذلك تم تجهيز محل منهم ليصبح مكانًا لإقامة العمال ليلًا ليضمن تأمين الدكان وما حوله على مدار اليوم.
سأله الحاج زقزوق الواقف إلى جواره بابتسامة واثقة: -عجبك الشغل يا ريس منذر؟
أجابه بتنهيدة ارتياح: -مافيش بعد كده!
أضاف الحاج زقزوق مرددًا: -انت بس تؤمر، واحنا نعملك اللي انت عاوزه كله!
وضع منذر يده على كتفه ليربت عليه هاتفًا بامتنان: -تسلم يا حاج زقزوق، والحساب هايكون عندك كمان شوية
هز رأسه بتفهم: -براحتك، الجيب واحد!
-طول عمرك ذوق!
ودعه بعدها مصافحًا إياه بود، ثم التفت برأسه ليحدق في المحال بنظرات متباهية، فها قد أفسد عليها ما سولت لها نفسها بعنادها الأحمق، ونفذ ببراعة داهية ما أقره أمامها.
تمتم من بين شفتيه بتحدٍ: -وريني هاتعرفي تخشي الدكان ازاي؟ !
هرولت في خطواتها متهجة نحو غرفته الموجودة بالطابق الأرضي في أقصى الأركان بداخل ذلك المبنى القديم الذي يقع على أطراف المدينة منادية إياه بصوت حاد:
-يا أستاذ ناصر، انت فين؟
أغلق خزانة أدوات عدته التي يستخدمها في تدريس مادة الصيانة والترميمات للطلاب الصغار ليتجه نحو الخارج قائلًا بفتور:
-خير يا أبلة!
وقفت قبالته مرددة بصوت لاهث: -عندك حصة احتياطي في أولى رابع!
عبس وجهه قائلًا بانزعاج: -هو مافيش إلا أنا في أم المدرسة الفقر دي!
هزت كتفيها مبررة: -هانعمل ايه، عندنا عجز، وزي ما انت شايف لما حد بيغيب مش بنلاقي اللي يغطي مكانه!
نفخ بصوت مسموع وهو يضيف: -إياكش بس يحاسبونا على الاحتياطي ده!
ردت عليه المشرفة بسخط: -هو احنا بنعرف ناخد حاجة من الحكومة، ده حتى بدل المنطقة النائية بقالهم أد كده مادهولناش
وضع ناصر يده على طرف ذقنه ليفركها بحدة قائلًا: -ربنا ياخدهم ويريحنا!
مررت المشرفة أنظارها سريعًا على هيئته التي كانت غير مناسبة نوعًا ما، فلفتت انتباهه محذرة:
-ظبط نفسك كده يا أستاذ ناصر
نظر إلى حيث أشارت، وفهم مقصدها، هي كانت محقة في ذلك، فثيابه شبه مزرية.
أكدت عليه متابعة بصرامة قليلة: -بعد ما تخلص اطلع الحصة، ماتنساش، ماشي؟
أشار لها بيده هاتفًا بتجهم: -طيب، هاقفل الأوضة وطالع!
انتظرها حتى انصرفت من أمامه، ثم عاود أدراجه للداخل ليهندم من هيئته الغير مرتبة.
كان يشعر بثقل في رأسه بسبب ذلك المشروب المُسكر الذي تناوله بكميات كبيرة بالأمس خلال ليلته العابثة التي ضاعت هباءً.
لم يجد من تلبي رغباته الدنيئة بذلك المبلغ الزهيد الذي كان بحوزته، وبالطبع لم يستطع جر رفيقه حاتم معه ليتحمل هو كافة النفقات، فصرف ما بحوزته بالكامل.
تثاءب بصوت خشن، ثم مسح طرف أنفه بإصبعه.
رفع حزام بنطاله المتهدل للأعلى سائرًا بخطوات متهملة نحو الخارج.
هو لم يكن بحاجة لارتداء ثياب ملائمة، فالوضع هنا لا يستحق.
لم يكن رواد تلك المدرسة الابتدائية النائية من الطلاب بالعدد الكثيف كبقية المدارس الحكومية، فأغلب من يأتي إليها من الفقراء أو أبناء العمال والمغتربين من المحافظات المختلفة، بالإضافة إلى طبقات ذات ثقافات متدنية للغاية من عامة الشعب.
لم يلتزم التلاميذ بالزي المدرسي، فأي شيء متاح لهم ارتدائه.
ولج إلى الفصل متأملًا المتواجدين به بنظرات متأففة ومشمئزة منهم، لكن برقت عيناه فجأة بذلك الوميض الشيطاني حينما وقعت أنظاره على وجهها البريء.
كانت رغم فقرها المدقع مختلفة عنهم، ممن يثيرن رغبته بشراهة، هي تمتلك بشرة بيضاء، وتعقد شعرها الناعم – الذي يميل لونه للدرجة الكستنائية - جديلتين رفيعتين رغم قصره.
تقوس فمه للجانب لتبرز من خلفه أنيابه الموحشة.
هو حدد فريسته التالية، وقرر سريعًا اللهو معها. فهو حينما يعجز عن الحصول على من تشبع رغباته، يلجأ للطريقة القديمة متوخيًا الحذر فيها كي لا يتم كشف أمره.
هو ينتقي ضحاياه ممن يثرن غرائزه فورًا، ولا يكترث لكون ضحيته صبيًا أو فتاة، فالأهم عنده أن تكون صغيرة في السن كي لا تبوح بما يفعله معها عنوة من أفعال مخجلة لا تعيها عقلها.
جمد تعابير وجهه ليصيح في الصغار بغلظة قوية: -اترزعوا في مكانكوا، جتكم الهم، عيال. . !
امتثل الصغار لأمره، وجلسوا خلف مقاعدهم الخشبية المتهالكة.
أشار بذراعه لها قائلًا بصوت جافٍ: -انتي يا بت، تعالي هنا!
ابتلعت الصغيرة ريقها بخوف، وقفت في مكانها ناظرة له ببراءة وهي تقول: -ايوه يا أستاذ
رد عليها بصوته المتحشرج بمكر: -روحي هاتلي من أوضة الصيانة المفك والكماشة
حكت الصغيرة جبينها بعدم فهم متساءلة: -دول شكلهم ازاي؟
صاح بها متعمدًا إهانتها: -غبية وزي البهيمة!
ضحك الصغار على سخريته المستهزأة منها، فأدمعت عيناها تأثرًا، وزاد عبوس وجهها الطفولي.
تابع هو قائلًا بخبث: -تعالي معايا هوريكي شكلهم!
هزت رأسها قائلة بصوت حزين: -ماشي!
ثم أشار لطفل أخر مهددًا بصوته الآجش الآمر: -انت يا واد تعالى اقف هنا وأي حد يفتح بؤه ويتكلم طلعهولي على الحيطة! هانفخ أمه!
نفذ الصغير أمره مبتسمًا بتفاخر كبير: -حاضر يا أستاذ
جاهد ناصر ليبقي وجهه متبلدًا خاليًا من أي تعابير وهو يستدرجها معه إلى غرفته.
لم تعرف الصغيرة أي خطر ينتظرها هناك، هي تبعته بخطوات بطيئة راسمة على ثغرها حزنًا كبيرًا من إهانتها
أعاد ناصر فتح الباب، ووقف بالخارج قائلًا بجمود مريب: -خشي جوا يا بت، هتلاقي الحاجة على التربيذة
أجابته بهدوء: -ماشي
تلفت حوله بنظرات سريعة شمولية ليتأكد من عدم رؤية أحد له.
وما إن إطمأن من خلو المكان من أغلب الموظفين حتى ولج هو الأخر للداخل موصدًا الباب خلفه.
سال لعابه الشهواني المريض وهو يستدير ليواجه ضحيته البريئة التي كانت تنظر له بغرابة.
تجمدت أنظاره على جسدها الضئيل، فاقشعر بدنها منه.
لم يدرك عقلها البريء ذو التفكير السطحي أنها واقعة في فخه الشيطاني، أسيره حصاره المهلك.
سألته بتلعثم متخوفة من أن يصب غضبه عليها: -هما. هما فين دول يا أستاذ؟
ارتفعت حرارة جسده سريعًا فبدا في حالة غير طبيعية، كما تجمعت حبات العرق بغزارة على أجزاء متفرقة من وجهه، وسيطر على عقله أمر واحد فقط. فلم يعد يرى سواه.
تهدجت أنفاسه حتى خرج صوته لاهثًا من صدره وهو يجيبها بنبرة خافتة لكنها مخيفة ساحبًا سحاب بنطاله للأسفل:
-هاقولك، بس تعالي جمبي. . !

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة