قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية الدكان للكاتبة منال سالم الفصل الرابع والخمسون

رواية الدكان للكاتبة منال سالم الفصل الرابع والخمسون

رواية الدكان للكاتبة منال سالم الفصل الرابع والخمسون

شرع في تهيئة نفسه لاستدراجها كما يفعل الليث بفريسته الشاردة قبل أن يغرز أنيابه القاطعة في عنقها.
اقتربت منه الصغيرة غير مدركة سبب تصرفاته الغريبة معها، فعقلها الصغير لا يعي ما يفكر فيه ذلك الدنيء القذر.
فقط تملكها إحساس غريب بالخوف الممزوج بالخزي لمجرد تلمسه لها.
رهبة كبيرة زادت من قشعريرتها وهي تشعر بقبضتيه الخشنتين.

تمران على جسدها بطريقة عجيبة منفرة وكأنها تفحصه، فجعلتها تنظر له بهلع مذعور وهي عاجزة كليًا عن تفسير سبب قيامه بتلك الحركات الغير مفهومة معها أو حتى عن منعه من الاستمرار في فعلها.
توقف فجأة عن ممارسته المشينة حينما صدح صوت هاتفه لينتفض بقوة، وتفر الدماء من عروقه.
اضطرب جسده، وتوتر كثيرًا.
أبعد يده عن الصغيرة التي كانت ترتجف بشدة، ودفعها للخلف. ثم لملم نفسه باضطراب ملحوظ.

ابتلع ريقه، وأشار لها بإصبعه أمام وجهها صائحًا بصوت آمر: -مش عاوز نفس منك!
هزت رأسها بالإيجاب، لكنها لم تستطع السيطرة على رعشة جسدها المستمرة.
سريعًا ما استعاد ناصر هدوئه، ودس يده في جيبه ليخرج هاتفه وينظر إليه.
رأى اسم ذلك الشخص الذي ترقب اتصاله بفارغ الصبر فبرقت عيناه بوميض أخر متلهف.

هو اعتاد على تخليص بعض المصالح والمهام الشخصية له، من ضمنها التهريب، وطلب منه معروفًا قبل فترة عله ينفذه له إن أتيحت الفرصة.
لم يرغب في فضح أمره أو الحديث أمام الطفلة التي قد تصدر صوتًا فتفسد كل شيء، فضغط على زر إنهاء المكالمة قبل أن يجيب عليها، ونظر للصغيرة بشراسة مرعبة.
صاح بنبرة مهددة وهو يدنو منها: -لو فتحتي بؤك بحرف واحد مش هاتروحي لأمك تاني، وهاكسر عضمك كله من كتر الضرب، سامعة!

أومأت برأسها بخوف وهي ترد بنبرة مترجفة من بين بكائها الخفيف: -ح. حاضر!
ولكي يضمن صمتها التام أراد أن يذيقها جزءًا من تهديده الشرس لتفهم رسالته بوضوح، لذا قبض على كتفها، وغرز أصابعه الغليظة فيه، فصرخت متألمة من قبضته عليها، ثم سحبها معه ناحية طاولة العدة الموضوعة في زاوية الغرفة.
لم يكن للصغيرة أي مقاومة تذكر على الإطلاق، فقط تضع يدها على قبضته محاولة نزعها عنها.

أمسك ناصر بعصاه الخشبية، فشخصت أبصارها مذعورة.
رفعها للأعلى وهوى بها على ذراعها ليضربها بعنف شرس، فصرخت باكية.
لم يعبأ بصراخها، فكرر الفعلة بضربها على ساقها، ثم على ظهرها وعجيزتها ليؤلمها بحدة فبكت بشدة متأثرة بأوجاعها.
هددها بصوت مخيف: -فكري بس تتكلمي!
صرخت متوسلة رحمته من بين بكائها الحارق: -والله ما هاعمل كده يا أستاذ!

هزها بعنف وهو يرفعها عن الأرضية من كتفها مواصلًا تهديده: -هاشوف، وهتلاقيني فوق دماغك لو بس شميت خبر إنك آآ..
قاطعته قائلة بصراخ باكي: -حاضر والله، حاضر مش هاعمل غلط!
أرخى قبضته عنها دافعًا إياها بقوة للخلف، فسقطت مرتطمة بظهرها على الأرضية من أثر قوة الدفعة.
ركلها بقدمه في ساقيها هاتفًا من بين أسنانه: -قومي ارجعي فصلك يا بت!
نهضت باكية من مكان رقدتها، ثم زحفت على ركبتيها ناحية الباب.

لم تتمكن من فتحه لأنه كان موصودًا، فسار ناحيتها.
خبأت الطفلة وجهها خلف قبضتيها الضئيلتين متحاشية بطشه عليها.
قام بفتحه، وتنحى للجانب لتجري سريعًا من أمامه.
أنقذها القدر من مصير مؤسف، وذكرى بشعة لن تُمحى من ذاكرتها بسهولة رغم ذلك الأثر السيء الذي تركه عليها.
مسحت عبراتها المنمهرة بغزارة من على وجهها بأناملها المرتعشة وهي تهرول عائدة إلى فصلها.

أعاد غلق الباب بهدوء بعد أن رأها تبتعد ليتمكن من الاتصال بذلك الشخص الهام.
هتف بحماس عجيب يتنافى تمامًا مع خسته الوضيعة: -سلامو عليكم، ازيك يا باشا، أنا مصدقتش نفسي ان سيادتك بتتصل بيا!
أتاه صوته الهاديء قائلًا بجدية: -لأ صدق، وعاوزك تطمن أمر نقلك للمدرسة الجديدة هيصدر خلال ساعات!
تهللت أساريره أكثر وهو يرد بعدم تصديق: -بجد يا باشا؟

رد عليه الشخص بصوته الجاد: -هو أنا بأهزر في الحاجات دي، رجالتي دايمًا أحب أريحهم، وزي ما بيخدموني، أنا برضوه بأشوف طلباتهم!
شكره ناصر قائلًا: -كتر خيرك يا باشا، إنت اطلب اللي عاوزه ورقبتي هاتكون سدادة
تابع الشخص حديثه مضيفًا بغموض: -قريب هحتاجك في مصلحة كده، بس عاوزك تشوفلي حد ثقة ويكون مضمون!
هتف دون تردد: -عندي يا باشا، واحد حبيبي وأنتيمي، وقديم في الشغلانة كمان!

سمع صوته يقول باقتضاب: -حلو، بعدين نتكلم في التفاصيل!
رد عليه ممتثلًا وهو يوميء برأسه: -اللي تؤمر بيه!
-هاكلمك تاني، مع السلامة
هتف مودعًا بامتنان كبير: -ألف سلامة يا باشا! في انتظار سيادتك!
أنهى المكالمة معه ملوحًا بقبضته بحماس زائد في الهواء.
تنهد بارتياح ماسحًا بكفه على صدره فقد تحقق مبتغاه، وسينقل إلى مدرسة أخرى بالمدينة بعيدًا عن تلك النائية الفقيرة.

التوى فمه بابتسامة صفراء عريضة، وهتف محدثًا نفسه بسعادة: -وأخيرًا هاسيب أم المكان ال، ده، وأروح مدرسة أنضف!
حصلت على رقم أحد الأشخاص ( المبروكين ) كما تظن من إحدى جاراتها لتستعين به في حل كارثة الحجاب المشؤوم.
وفكرت في الذهاب إليه بصحبة نيرمين كي تكون شاهدة معها على الأمر. فهي تخاف أن تتواجد هناك بمفردها.

قطع تفكيرها المتعمق صوت قرع الجرس، فأسرعت نحو الباب لتفتحه. فرأت بسمة واقفة على العتبة مبتسمة لها بخفوت، فبادلتها نفس الابتسامة وهي تفتحه على مصرعيه سامحة لها بالولوج للداخل.
استطردت بسمة حديثها قائلة بهدوء: -صباح الخير
انحنت عليها جليلة لتقبلها من وجنتيها بطيبتها المعهودة معها مرددة: -صباح النور يا بنتي اتفضلي!
تنحنحت بسمة بحرج قائلة بتوضيح: -أنا جيت بدري عشان أدي الدرس ليحيى زي ما كلمتك.

ردت عليها جليلة بود وهي تشير بيدها: -تنوري يا بسمة في أي وقت، وأنا صحيته وهو مستنيكي في أوضته
هزت رأسها بتفهم وهي تضيف بنبرة موجزة: -تمام!
-اتفضلي!
ثم سارت بصحبتها نحو غرفة الصغير يحيى لتستذكر معه دروسه.
انتهت من ارتداء إحدى ثيابها الداكنة، وضبطت وضعية حجابها حول رأسها، ثم وضعت في حقيبة يدها جزءًا مما ستحتاج إليه من النقود.

اعتدلت أسيف في وقفتها، وأغلقت أزرار كميها، ثم جذبت ثوبها للأسفل، وسحبت حذائها وارتدئه.
نظرت إلى انعكاس صورتها بالمرآة.
مازالت تلك اللمحة الحزينة تكسو وجهها الذابل، تحسست وجنتيها بأناملها، وتنهدت قائلة:
-دول مش هايستحملوا بهدلة الأيام الجاية، محتاجة أجيب غيرهم
هي بحاجة لشراء ثيابٍ أخرى ملائمة لحزنها على فقدان الأعزاء، فلم يكن بحوزتها إلا اثنين فقط، ولن تعتمد عليهما إن كانت ستخرج يوميًا للعمل.

وضعت تلك المسألة في اعتبارها، لكن الآن ستنفذ الأهم من وجهة نظرها.
تجسد طيفه في مخيلتها بنظراته الثاقبة التي تهابها في بعض الأحيان.
نفضت صورته عن عقلها رافعة أنفها للأعلى في إباء.
ازدردت ريقها مشجعة نفسها على عدم الخوف والثبات على موقفها: -مافيش حد هايمنعني عن دكان أبويا!
هو لن يثنيها عما تريد، ستشرع في توضيب دكانها العتيق، وإزالة ما به من أخشاب متهالكة لتفكر بعدها في مشروع ما تستثمر باقي أموالها فيه.

خرجت بعدها من الغرفة متجهة نحو الصالة حيث تجلس بها عمتها على الأريكة.
اقتربت منها بخطواتها المتمهلة مدققة النظر فيها.
رأتها منهمكة في تقشير ثمار البطاطس.
رفعت عواطف أنظارها نحوها متساءلة بغرابة: -انتي نازلة في حتة يا بنتي؟
حركت رأسها بالإيجاب وهي تجيبها: -أيوه، هاعدي على ورشة النجارة وبعدها هاروح الدكان!
استثارت عبارتها الأخيرة حفيظتها، فعقدت جبينها متابعة تساؤلاتها بعبوس: -الدكان؟ ليه يا بنتي تاني؟

ردت عليها أسيف بجمود: -عمتي من فضلك موضوع الدكان ده يخصني لوحدي، أنا صاحبة القرار الأخير فيه!
هتفت عواطف مبررة رفضها لذهابها إليه: -محدش قالك حاجة، بس مش وقته، إنتي شايفة اللي حصلك عنده، ده غير البهدلة والإزاز المتكسر وآآآ..
قاطعتها مرددة بإصرار أكبر: -هي حاجة مش مقصودة، وأكيد الدنيا أهدى دلوقتي!
أزعج عمتها استهانتها بالأمر، فمشاجرات عنيفة كتلك لا تنتهي بين ليلة وضحاها.

لذلك ردت عليها محاولة إقناعها بالعكس: -لا حول ولا قوة إلا بالله، الدكان ده جايبلنا المشاكل ووجع القلب، استني يا بنتي يومين كده ولا حاجة، وابقي انزلي لما الدنيا تهدى خالص!
أصرت على رأيها قائلة بعناد: -ماينفعش، ده غير أصلًا في حاجات بأفكر أعملها فيه، فلازم أشوفها على الطبيعة
ضغطت عواطف على شفتيها هاتفة برجاء خفيف: -طب استني أخلص الأكل وألبس وأجي معاكي!

جلست أسيف إلى جوارها على الأريكة، ثم وضعت يدها على حجرها، ونظرت لها مطولًا بنظرات حانية.
رسمت على شفتيها ابتسامة خفيفة وهي تقول بهدوء رقيق: -يا عمتي، مافيش داعي تتعبي نفسك، أنا مش هاتوه، هما كام ساعة وهارجع!
أخفضت عواطف رأسها قائلة باستياء: -مش عارفة أقولك ايه، انتي راكبة راسك ومش عاوزة تسمعي لحد خالص!
حافظت أسيف على ابتسامتها الودودة وهي تضيف: -من فضلك يا عمتي سيبيني على راحتي، وأوعدك مش هتأخر.

يئست عواطف من إقناعها، فرددت مستسلمة بجدية: -طيب طمنيني عليكي كل شوية، انتي معاكي رقمي صح؟
هزت رأسها بإيماءة ظاهرة: -ايوه
ثم مالت برأسها عليه لتطبع قبلة صغيرة على وجنتها قبل أن تنهض من جوارها.
تحركت عدة خطوات للأمام ولكنها تذكرت شيئًا ما، فالتفتت برأسها متساءلة بجدية: -بالحق يا عمتي مافيش محل فساتين من هنا قريب؟
قطبت عواطف جبينها مرددة باستغراب قليل: -فساتين!

أوضحت أسيف غرضها أكثر بترديد: -قصدي يعني بيبع حاجات واسعة كده زي العبايات بس غوامق، محتاجة أشتري كام واحد!
تهدل كتفي عواطف للأسفل وهي تجيبها بفتور: -لا يا بنتي مافيش هنا!
اكتفت أسيف بالابتسام مجاملة وهي تضغط على شفتيها، لكن استعادت انتباهها نحو عمتها حينما واصلت حديثها بتلهف غريب:.

-أه، افتكرت في محل ثابت بتاع القماش قريب مننا، ممكن أعدي عليه وأخليه يجيبلك قماش بالألوان اللي انتي عاوزاها، ونوديها عند ترزي جمبه يفصلهالك زي ما تحبي، والله دي ايديه مالهاش حل في القص والتفصيل!
بدت مسألة التفصيل وما يخصها جيدة نوعًا ما، لذلك ردت عليها قائلة برقة: -طيب. هافكر في الحكاية دي يا عمتي!
ابتسمت لها عواطف محذرة بحنو أمومي غريزي بها: -ماشي يا بنتي، خلي بالك من نفسك، وكلميني!

أومأت برأسها قائلة: -حاضر، سلامو عليكم
أخرجت عواطف تنهيدة شبه مرهقة من صدرها وهي ترد: -وعليكم السلام ورحمة الله!
تابعتها بأنظارها حتى خرجت من المنزل، فتمتمت بتضرع للمولى: -ربنا يحفظك ويكفيكي شر المستخبي يا بنت الغالي!
تلكعت نيرمين في خطواتها المتباطئة نحو والدتها، كان الوجوم كعادته هو المسيطر على حال وجهها.
دست في فمها لقمة من الخبز لتتساءل بتأفف وهي تلوكها: -بترغي مع البت دي في ايه على الصبح كده؟

نظرت لها عواطف شزرًا، ثم أشاحت بأعينها بعيدًا عنها وهي تجيبها بفتور بارد: -كلامنا العادي!
جلست نيرمين على الأريكة مُثنية ساقها أسفل الأخرى، ثم استرخت أكثر بتمديد ذراعها على حافتها.
تساءلت بنفس النبرة المزعوجة وهي تلوي ثغرها للجانب: -وهي المحروسة رايحة فين كده؟
لم تنظر لها والدتها وهي تجيبها بإيجاز: -الدكان!

كاد حلقها يختنق بالطعام حينما سمعت تلك الكلمة المثيرة لأعصابها، فسعلت عدة مرات حتى استعادت السيطرة على حالها.
تشنجت تعابير وجهها وهي تصرخ بحدة: -بردك يا ماما سيبتيها تنزل وتروح الزفت ده!
رمقتها عواطف بنظرة غير مبالية بطرف عينها مرددة باستسلام: -هاعملها ايه!
أغاظها ردها، فهدرت بعصبية وهي تلوح بكلا ذراعيها: -تجيبها من شعرها، تقطمي رقبتها، المهم تمنعيها مش كفاية عملتها السودة بتاعة امبارح.

لم تكترث لها عواطف، ورددت ببرود هاديء لتستفزها أكثر: -هي حرة نفسها!
صاحت نيرمين معنفة تراخي أمها معها بانفعال كبير: -ده لما تبقى متنيلة على عينها أعدة لوحدها مش متهببة وسطنا بتاكل وتشرب من حاجاتنا ببلاش كأنها أتة محلولة!
تصلب وجه عواطف، واستدارت في اتجاه ابنتها لتصرخ بها بحدة: -نيرمين!
تابعت الأخيرة تهكمها القاسي قائلة: -هو أنا قولت حاجة غلط! مش دي الحقيقية، وهي زي البروتة واكلة شاربة نايمة ببلاش!

عجزت عن منع ابنتها من مواصلة طريقتها الفجة في الحديث عن ابنة خالها، ظلت تحدجها بنظرات معاتبة، هي سليطة اللسان بحق، ودومًا لا تستطيع صدها.
لذلك ردت بامتعاض وهي تعاود النظر في وعاء ثمار البطاطس المقشرة: -قفلي على السيرة دي خالص، هو دكانها وتصطفل فيه مع شريكها!
ربما لم تكن عواطف متعمدة استثارة أعصاب ابنتها وإغضابها عن قصد بانتقاءها لكلماتها تلك، لكن نظرة واحدة إلى وجه نيرمين كفيلة برؤية تأثيرها عليها.

همست لنفسها باحتقان شديد: -شراكة القرف كله، إلهي تتحرق قبل ما تخطيه برجليها!
أكملت تعنيفها مرددة بسخط: -طب اعملي خاطر لسي منذر اللي شال مننا بعد اللي عملته، ده احتمال كبير يكون قلب علينا و.
زفرت عواطف قائلة بنفاذ صبر بعد استياءها من حديثها بالسوء عنها: -يوووه يا نيرمين، قومي شوفي بنتك ولا إلبخي نفسك في أي حاجة بعيد عن السعادي خليني أخلص طبيخ!
ردت عليها بتهكم وقد استشاطت نظراتها: -دلوقتي بقيت كُخة!

انحنت عواطف للأسفل لتجمع البقايا المتناثرة حولها، ثم هتفت قائلة بتبرم: -تموتي في الرغي وتضييع الوقت، وأنا عاوزة الحق أخلص عشان أنزل أروح لثابت بتاع القماش
سألتها نيرمين بعبوس جلي: -ليه كمان؟
ابتسمت عواطف وهي تجيبها بحماس: -هاوصيه على كام توب قماش لبنت خالك كده عشان تفصلهم عبايات!
اغتاظت نيرمين من سجيتها التي تستفزها، فهتفت بوقاحة: -وطبعًا هتكوعي فلوسهم من جيبك!

نهضت والدتها من جوارها قائلة باستنكار: -لأ ياختي! اطمني! أنا بس هاوصيه على القماش، يا ريت بقى تتبطي!
كزت نيرمين على أسنانها بغيظ وهي تردد بصوت خفيض: -عقبال ما نوصيه على كفنها قريب!
ابتعدت عواطف عن الصالة، لكن بقيت ابنتها على حالتها المتشنجة تلك.
لم تهدأ ثورة انفعالاتها، ولم ترتخي تعابيرها المشدودة.

استمرت في وعيدها لأسيف قائلة بنبرة عدوانية صريحة: -طيب. طيب يا بنت ال، ، ساعتك وَجَبِت معايا وهتخلص النهاردة!
انفرجت شفتاها بذهول عجيب، واتسعت حدقتيها بصدمة كبيرة حينما رأت ذلك الحاجز الخشبي المحاوط لدكانها القديم وما حوله.
انقبض قلبها بقوة، ورمشت بعينيها غير مصدقة ما تراه.

مررت أسيف أنظارها بتفرس عليه محاولة فهم كيف حدث هذا الأمر بتلك السرعة الرهيبة، فبالأمس القريب كان الوضع فوضويًا للغاية. واليوم كأن شيئًا لم يكن.
تجهمت قسمات وجهها، وسارت بخطى غاضبة نحو ما يشبه الباب الجانبي لكي تمر خلاله.
تفاجأت بهؤلاء الرجال الأشداء الذين يسدونه، فتراجعت بحذر للخلف متساءلة بضجر: -انتو قافلين الحتة دي كده ليه؟
انتبهوا إليها، وحدقوا بها مستغربين مجيئها.

تعجبت من نظراتهم المشدوهة لها، لكن سريعًا ما حركت أنظارها إلى وجه ذلك الرجل الذي أجابها بجدية شديدة:
-أوامر الريس منذر!
كتمت غيظها بداخلها، لكن صفحة وجهها المصطبغ بالحمرة المحتقنة مرآة حالها، هو نفذ تهديده بطريقة أخرى.
احتدت نبرتها وهي تقول: -طب عاوزة أعدي لو سمحتم، ده دكاني!
أضاف أخر قائلًا بجفاء: -أها. مش هاينفع!
نظرت إليه مرددة بحنق: -نعم!

أوضح لها قائًلا ببرود وهو يشير بيده: -الريس منذر منبه محدش يقرب من المربع ده كله!
صاحت فيه بعصبية قليلة وهي تشير بيدها: -الكلام ده مايمشيش عليا، أنا هادخل دكاني، فوسع لو سمحت
وقبل أن ينطق الرجل مرة أخرى، أردف زميله قائلًا بهدوء جاد: -استنى انت!
كتفت أسيف ساعديها أمام صدرها، ونظرت بأعين مشتعلة للرجل الأخر الذي تابع حديثه بجدية:.

-بصي يا ست، نصيحة مني اتكلمي مع الريس منذر قَبَلَه، لأن ولا واحد من الرجالة دول هايخلوا حتى الدبان الأزرق يهوب من هنا!
ارتخى ساعديها لا إراديًا للأسفل، وضغطت على أصابع كفها مكورة إياهم معًا، ثم ردت بصوت متشنج:
-بقى كده، ماشي!
تشبثت بذراع حقيبتها مانعة نفسها من التهور دون داعٍ، واستدارت بجسدها للخلف لتسير نحو وجهة محددة. نحو وكالته..!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة