قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية الدكان للكاتبة منال سالم الفصل الثامن والسبعون

رواية الدكان للكاتبة منال سالم الفصل الثامن والسبعون

رواية الدكان للكاتبة منال سالم الفصل الثامن والسبعون

ساد صمت ثقيل بينهما طوال المسافة المتبقية من وصولهما، لم يتبادلا فيها الحديث إلا بكلمات مقتضبة فقط، حرص على عدم إزعاجها، ولجأت هي إلى الصمت الإجباري، هو باغتها باعترافه الصريح بحبه لها، وهي عجزت عن استيعاب الموقف، ظلت تفرك أصابع كفيها بتوتر بادٍ عليها، فلم سبق أن تقدم إليها أي أحد بعرض للزواج، حتى من تعرفهم من زملاء بالعمل كانوا يتعاملون معها بطريقة رسمية بسبب أسلوبها الجاف في المعاملة، مر ببالها موقف واحد محرج لأحد أقرباء أحد الأطفال ممن تستذكر معهم حينما أراد رؤية وجهها أثناء شرحها للدرس، فاستنكرت طريقته الفظة، واعتذرت عن إكمال الدرس الخصوصي.

اختلس دياب النظرات نحوها، راقب ارتباكها بتوجس مزعوج، اعتقد لوهلة أنها ربما تفكر في طريقة للاعتذار منه بصورة لبقة عن الارتباط به، انقبض قلبه بقوة لمجرد التفكير في هذا الأمر، سحب زفيرًا عميقًا ليدعم به نفسه قبل أن يكسر الحاجز الجليدي بينهما هاتفًا بحرج:
-أنا. مش مستعجل منك على أي رد، بس. بس محتاج كلمة تطمني ولو شوية.

لم تستدر نحوه، وظلت محدقة للجانب متحاشية النظر إليه، زاد تخوفه من رفضها، فتابع بتوسل خفيف:
-عشان خاطري بس، قوليلي رأيك ايه في اللي سمعتيه مني؟
أجابته بجفاء تام: -يعني عاوزني أرد أقول ايه؟
همس برجاء: -أي حاجة تريحني!
رفضت بسمة الالتفات نحوه قائلة بجمود: -معنديش حاجة أقولها!
سألها بتوجس كبير: -يعني انتي ممكن ترفضيني؟
رد باقتضاب غامض: -معرفش
نظر نحوها متسائلاً بارتباك: -طب، موافقة مبدئيًا عليا؟

أجابته بإيجاز: -مش عارفة
شعر بأجواء الرفض تلوح في الأفق، فهتف مستسلمًا: -اعتبري إني مقولتش حاجة!
ردت بفتور وهي تكتف ساعديها أمام صدرها: -يكون أفضل!
استمر الصمت سائدًا بينهما لبرهة حتى مل منه دياب، أراد أن يبوح لها بإحساسه خلال زيجته السابقة عله يكسب جولة معها، فيرق قلبها إليه، تنهد ببطء، ثم استطرد حديثه هاتفًا بصوت حزين:
-بسمة، أنا عاوزك قبل ما تقولي رأيك تعرفي حاجة مهمة!

انتبهت لصوته، وحانت منها التفاتة سريعة نحوه، فرأت تعابيره يكسوها الحزن، شعرت بغصة في حلقها، لكنها عاودت التحديق في الطريق أمامها متجاهلة ما رأته، تابع قائلاً بصعوبة واضحة في نبرته:
-لو. لو هترفضيني يا ريت مايكونش بسبب ابني، هو مالوش ذنب، أنا مش بأدورله على أم، لأنها موجودة، ومقدرش أنكر ده!

شعرت بالحرج لكونه برر أحد أسباب احتمالية رفضها له، الاقتران بزوج منفصل لديه أبناء، تنفس بعمق، وأخرج زفيرًا يحمل الكثير من الهموم وهو يضيف بامتعاض:
-أنا كرهت فكرة الزواج والارتباط، جايز قليل أوي اللي عارف السبب، بس أنا حابب إنك تسمعيه مني، يمكن يفرق معاكي!
ضغطت بسمة على أصابعها بقوة مستشعرة الحرج الشديد من استرساله في أمور خاصة لا يستوجب عليها معرفتها، فقاطعته بتهذيب:
-لو سمحت، مافيش داعي..

قاطعها مصرًا على أن تصغي له هاتفًا: -أنا دورت لنفسي على حبيبة، وافتكرت إن أم يحيى هي الانسانة دي، بس للأسف طلعت أكبر خازوق أخدته في حياتي!
انزعجت من وقاحة ألفاظه، فتنحنحت مرددة بخفوت: -احم. من فضلك!
تجاهل رجاؤها، وواصل بوحه بما يجيش في صدره قائلاً: -لعبت عليا ووقعتني في آآ، يعني مش عارف أجيبهالك ازاي، بس كنت زي الأهبل مشيت وراها، وصدقتها، وعملت أكبر حاجة ندمت عليها، مكونتش عاقل، كنت طايش ومجنون!

تملكها الفضول لتعرف أكثر عنه، خاصة أن كلماته كانت غامضة وتحمل بين طياتها الكثير، ابتلع غصة مريرة عالقة في حلقه قائلاً بآسى:
-اللي اكتشفته بقى إنه عشان خاطر الفلوس ممكن تعمل أي حاجة، استغفلتني، ولعبتها صح عليا، ولاقت المغفل اللي يشيل الليلة كلها!
التوى ثغره للجانب ليضحك بتهكم: -بس حظها المهبب إن الكلب مازن قال على السر، ماهو اتفاق بينهم، ولولا إنها كانت حامل في يحيى كنت طلقتها ساعتها!

طالعته بنظرات أسفة ومزعوجة من تلك المكيدة المحكمة التي أوقعت أعقل الشباب في فخ الحب ببساطة، تابع مضيفًا بتنهيدة منهكة:
-مقدرتش أكمل حياتي معاها، كل لحظة كنت بأشوف وشها فيها بأفتكر غباءي، مطولناش كتير، واطلقنا بعد حادثة مرات منذر الله يرحمها!
استدار ناحيتها ليسألها بجدية: -أكيد انتي فاكرة المشاكل اللي كانت وقتها مع عيلة أبو النجا والكلب مجد؟ ماهو كان على عينك يا تاجر!

ضغطت على شفتيها قائلة بحرج: -أها. كنت لسه صغيرة!
أكمل بتريث: -ومن وقتها وأنا خدت عهد على نفسي مخليش أبدًا واحدة تقرب مني، ولا أتجوز تاني!
صمت عمدًا ليجذب انتباهها، ونجح بسهولة في هذا، فابتسم ابتسامة باهتة وهو يقول بنبرة ذات مغزى:
-بس الظاهر قلبي مطاوعنيش!
حدقت بسمة مباشرة في عينيه، مشدوهة بما يقوله، فواصل بحذر دون أن يخفي ابتسامته العذبة:.

-انتي ظهرتي في حياتي، وشوية شوية عرفتي تدخلي قلبي، وتسيطري على عقلي!
تورد وجهها من غزله المتواري، فأبعدت نظراتها بعيدًا عنه، توسلها قائلاً برجاء: -أنا مش طالب منك كتير، عاوز بس فرصة أعبر بيها عن مشاعري!
بدت متخبطة من كم الذكريات التي تلقاها عقلها دفعة واحدة، فهتفت بنزق نابذة فكرة الارتباط:
-بس إنت هاتحطني دايمًا في مقارنة معاها
رد مستنكرًا تفكيرها السطحي: -مين قالك؟

عللت قائلة بحدة: -ده المتوقع، الجوازة التانية بتكون مظلومة و..
قاطعها بانفعال طفيف: -استحالة، الجوازة الأولى من الأول كانت غلط، مافيش حاجة فيها كانت صح، جايز ابني اللي طلعت بيه منها!
-بس..
-ماتحكميش على الحاجة من غير ما تجربيها
ردت عليه بنبرة جافة: -وليه أجرب حاجة مش مضمونة؟ أنا لو اختلفت مرة معاك هاتعاملني على إني مراتك ولاء، وجايز تتهور عليا زي ما شوفتك قبل كده، صدقني صعب تفصل بينا!

هتف مؤكدًا بقوة: -مش هايحصل!
هزت رأسها معترضة وهي تقول بجمود قاسٍ: -مش قادرة أصدقك، سامحني!
تأكد في تلك اللحظة من رفضها، لكنه لم يفقد الأمل بعد، فسألها يائسًا: -هو انتي جربتيني؟
أجابته بجدية تامة دون أن ترمش بعينيها: -مش حابة أجرب حاجة هاخسر فيها!
وخزة حادة ضربت بقلبه لمجرد تصريحها بأن ارتباطهما محكوم عليه بالفشل، فسألها بإحباط:
-انتي شايفة كده؟
صمتت مطولاً قبل أن تجيبه بإيجاز: -ايوه! أنا أسفة!

انطفأ وميض عينيه، ولمعت حدقتيه إلى حد كبير تأثرًا بما قالته، بل الأحرى أن نقول أن الحزن قد خيم سريعًا على قسماته، ازدرد ريقه قائلاً بجمود زائف:
-طيب
أدركت أنها كانت قاسية معه إلى حد كبير، لكنها لم تستطع أن تخدعه، أو حتى أن تتلاعب بمشاعره وهي لا تشعر نحوه بأي شيء، سيشكرها لاحقًا لكونها كانت صادقة معه، لكن مُحال أن تكون كطليقته السابقة، ممن يتلاعبن بقلوب الرجال.

بعد برهة وصل بها إلى المنطقة الشعبية، لم يتجرأ على قول المزيد، فقد لذة الحديث معها، فهو لن يجدي بأي حال، وخسر جولة أخيرة في اكتساب قلبها، وأثرت هي الصمت، فلا حاجة إلى إضافة ما لن يفيد.
أوقف السيارة عند مدخل بنايتها قائلاً بهدوء رغم حزنه: -حمدلله على سلامتك
ردت عليه بابتسامة متكلفة: -الله يسلمك
ترجلت سريعًا من السيارة سائرة بخطوات متمهلة مستخدمة عكازها الطبي لكن أوقفه صوته الصائح:.

-شوية وهابعت حد يطلع الحاجات دي فوق!
استدارت ببطء نحوه قائلة باعتراض: -مالهاش لازمة
رد بنبرة جافة متطلعًا نحوها بنظرات ذابلة: -دي زيارة لأهل العروسة، مش لينا.

ألمها أن تراه هكذا، شعرت بأنها جنت عليه بقسوتها الحادة، فبدت متوترة عن زي قبل، استشعر من نظراتها نحوه شيئًا غريبًا، ظن أنها ربما تحتاج للتحفيز الإيجابي لتفكر فيما قاله بجدية، فتمسك بذلك الإحساس، وترجل من السيارة، تفاجأت من نزوله، لكن أدهشها أكثر إصراره حينما قال برجاء:.

-بسمة، أنا مش عاوزك تكوني مضايقة من اللي قولتله، بس ده حقيقي شعوري ناحيتك، حاولت كتير أخبي، بس مش عارف، أنا فعلاً بأحبك أوي، وعمري ما تخيلت نفسي أحب واحدة تاني بعد اللي حصلي!
زادت حمرة وجهها من اعترافه في الطريق العام أمام الجيران، خشيت أن يسمعها أي أحد من المارة، فتحرجت منه قائلة بتذمر:
-لو سمحت، أنا مش حابة الطريقة دي!

نظر لها مطولاً معمقًا نظراته نحوها وهو يتوسلها باستعطاف: -يا ريت تفكري فيا يا بسمة، اديني فرصة!
ازدردت ريقها هامسة بحرج: -عن اذنك!
تسمر في مكانه يتابعها وهي تختفي أمام ناظريه، أخرج تنهيدة حارة من صدره محدثًا نفسه بتبرم:
-شكلي بدل ما أكحلها عميتها!

توترت أنفاسها من إصراره على ملاحقتها باعترافه بحبه لها، تنفست الصعداء لوصولها إلى منزلها لتهرب من حصاره لها، شعرت بخيبة الأمل لأنها لم تستطع صرف تفكيره عنها، أخرجها من تفكيرها المزعوج صوت جارتها خضرة التي استوقفتها على الدرج مرددة:
-ازيك يا بسمة؟ كويس إني لامحتك يا بنتي
سحبت نفسًا عميقًا لتضبط به حالها متسائلة بتوتر طفيف: -خير، في حاجة؟
ابتسمت لها قائلة بحماس: -ايوه، الكتكوتة رنا عندي!

تعجبت من وجودها لديها، فسألتها باستغراب شديد: -ليه؟ هي نيرمين فين؟
أجابتها ببساطة وهي تشير بيدها: -راحت مشوار كده، وسابتها عندي، أنا قولت أعرفك لأحسن نازلة السوق و..
قاطعتها بسمة قائلة بجدية: -كتر خيرك! هاتيهالي يا خالتي، أنا هاخد بالي منها، وتسلمي على تعبك معاها!
ردت بود معهود منها: -تعب ايه بس، دي حاجة بسيطة!

انتظرتها عند عتبة الباب مترقبة حضورها بالرضيعة التي كانت غافية، تناولتها منها بحذر بذراعها، وانحنت برأسها لتقبلها، ثم أمالتها على كتفها وتشبثت فيها جيدًا.
تساءلت خضرة بفضول: - أومال أمك فين؟
أجابتها بإرهاق قليل: -مع أسيف بنت خالي في البلد، وراهم حاجات بيخلصوها هناك!
ردت خضرة قائلة: -طيب بلغيها سلامي لحد ما أشوفها
-يوصل بأمر الله، عن اذنك!

قالتها وهي تواصل صعودها بتمهل حذر على الدرج حتى وصلت إلى باب منزلها.
لاحقًا عادت نيرمين من الخارج لتأخذ رضيعتها من جارتها، لكنها تفاجأت بوجودها مع أختها، اعتقدت أن الجميع قد عادوا من تلك الزيارة القصيرة، فأكملت صعودها بحماسة محاولة معرفة اخر المستجدات التي حدثت في غيابها، لكن زادت غرابتها حينما رأت بسمة بمفردها تطالعها بنظرات حادة، انتابها الفضول لمعرفة السبب، وقبل أن تفهم منها، سألتها بسمة بجدية:.

-كنتي فين يا نيرمين؟ وسايبة بنتك ليه عند الجيران؟
ردت عليها أختها بتساؤل متلهف: -قوليلي الأول انتو رجعتوا كلكم؟
دنت منها نافية: -لأ، في حاجات جدت هناك، بس انتي مردتيش عليا! كنتي فين؟
تفرست أكثر في ملامح وجهها، فرأت تلك الزرقة التي تغطي عينها، وكدمة أخرى بارزة فيه، فسألتها متخوفة:
-الله! مال وشك؟
زفرت بعمق مظهرة تأففها، ثم ردت بامتعاض: -اصبري وهاحكيلك.

صف سيارته عند الناصية، ثم طالع وجهه في المرآة الأمامية قبل أن تقع عيناه صدفة على طيفها، امتعض وجهه بشدة، وزاد عبوسه، لم يتوقع أن يراها بعد أخر مرة طردها فيها، نفخ بغيظ متمتمًا مع نفسه:
-هو أنا كنت ناقصها!

ترجل من السيارة، فلمحته ولاء من على بعد، رسمت ابتسامة مشرقة على وجهها، هي جاءت اليوم متأنقة، متعمدة أن تفرض نفسها عليه، أن تعيد ما مضى بينهما، علها تستميل قلبه نحوها، وستلجأ إن ضاقت بها السبل إلى حيلتها الدائمة، مصلحة صغيرهما التي تتطلب التضحية من أجله.
اقتربت منه بخطوات متعجلة لتسد عليه الطريق، فتنحى جانبًا مظهرًا عن عمد اشمئزازه منها، نظر لها شزرًا وهو يسألها بفنفور:
-واقفة كده ليه؟

ردت عليه برقة مصطنعة: -أنا مستنياك من بدري يا دياب!
رمقها بنظرات حادة متسائلاً بغلظة: -عاوزة ايه؟
تنهدت في وجه قائلة بدلال: -أشوف ابني! أنا جاية أستأذنك الأول، ومرضتش أطلع إلا لما انت توافق!
حدجها بنظرات نارية، ثم تراجع خطوة مبتعدًا عنها هاتفًا بازدراء: -تقدري تكلمي أمي وهي هتخليكي تشوفيه!
اقتربت منه مجددًا لتقلص المسافات بينهما، ثم وضعت يدها على صدره تتلمسه بحذر، نظرت في عينيه قائلة بهمس رقيق:.

-دياب، أنا عاوزاك تسامحني، حرام نعمل كده في ابننا!
وضع يده على كفها نازعًا إياه عنه، ثم أرخى أصابعه عنه مبديًا سخطه بشدة، ورد عليها قائلاً بتجهم:
-ابننا كويس من غيرك!
أزعجها تصرفه الغليظ معها، لكنها تحملت إهانته قائلة بعتاب: -يعني يرضيك يتربى بالشكل ده؟ شوية هنا، وشوية هناك!
رد بصلابة غير متأثر بحركاتها المصطنعة: -نصيبه كده.

أشاح بوجهه بعيدًا عنها متجنبًا النظر إليها، فتحركت للجانب لتصير قبالته، وبحركة مباغتة مدت أناملها نحو ذقنه لتدير رأسه في اتجاهها متسائلة برقة:
-دياب، ايه رأيك لو، لو رجعنا لبعض؟
ضرب أناملها بعنف ليبعدهم عنه هاتفًا باستنكار منفعل: -شكلك شاربة حاجة على الصبح!
فغرت شفتيها مدهوشة: -نعم، أنا؟
تابع هادرًا بشراسة مخيفة وقد استشاطت نظراته: -أو مخك فوت، مين اللي يرجع للتاني؟

انكمشت على نفسها من طريقته المهددة، وأوضحت له مقصدها بحذر: -دياب، أنا خلاص هاخلع مازن، وهأبقى حرة، يعني في قدامنا فرصة نرجع لبعض ونربي ابننا سوا!
رمقها بنظرات دونية أشعرتها بحقارتها، ثم هتف بصلابة: -عندك! الأسطوانة المشروخة دي مابقتش تاكل معايا، حلي مشاكلك بعيد عني، وانسي انك عرفتيني أصلاً!
هربت الدماء من وجهها بعد تحطيمه لآمالها هاتفة بتوسل: -ليه بس؟ اديني فرصة أصلح اللي فات!

هدر فيها بعصبية: -وأنا نسفت اللي فات ده من مخي، إنتي مرحلة ونستها، وكفاية أوي إني سامحلك تقفي تكلميني كده!
شعرت بخفقة قوية تضرب قلبها من طريقته القاسية، هي ظنت ببساطة أنها مازالت تملك سحرها الأنثوي، فستجذبه بيسر إلى أحضانها، وتغافلت أنه لم يضمر لها سوى الكره والبغض، رمقها بنظرات مهينة متابعًا بتهديد عدائي:
-لولا إن بيني وبينك يحيى، كان زماني عملت حاجات كتير أقلها إني أدفنك حية!

شهقت مصدومة من تهديده لها: -ايه؟ تدفني؟
رد عليها بازدراء قاسٍ: -يدوبك! ده اللي يليق بواحدة رخيصة باعت نفسها للفلوس، وللي دفع فيها أكتر!
أشار بسبابته إلى هيئتها متعمدًا الحط من شأنها واحتقارها: -بصي لمنظرك دلوقتي، موميا، بشعة، الواحد يقرف يبص لواحدة زيك!
دفعها من كتفه بقوة مضيفًا بانزعاج: -اوعي من سكتي لأحسن نفسي جزَّعِت!

حدقت فيه مصدومة من قطعه كل حبال الوصال بينهما، هو سد الطريق عليها تمامًا كي لا تكرر تلك المحاولة، أدركت في تلك اللحظة أنها بالفعل خسرت أخر أحلامها وأصبحت لا شيء.

سردت لها بإيجاز تعرض حاتم لها بعد ذهابهم، وكيف اختطف الرضيعة من بين أحضانها، وإلحاقه للأذى بها، بالإضافة إلى تطاول والدته وأخته عليها، حذفت الحزء المتعلق باعتداء ناصر عليها، كي لا تشمت أختها فيها، وفضلت أن تضعه طي النسيان، فهو ليس بالأمر المحمود لتكرره،.

انزعجت بسمة بشدة مما سمعته، لكن لا يقارن هذا بحالة الغضب العارمة التي سيطرت على أختها الكبرى فور علمها بعقد قران منذر، شهقت صارخة بعصبية ضاربة صدغيها بقوة:
-ايه؟ كتب كتاب؟ وازاي يوافق على كده؟!
ردت عليها بهدوء: -الظروف حكمت!
وضعت يديها على رأسها مرددة باستنكار: -مش ممكن! يعني، يعني خلاص هايتجوزوا؟
نظرت لها بسمة بتعجب، ثم وضعت يدها على خصرها قائلة بتأكيد: -أكيد مافيش هزار في الموضوع ده!

كزت نيرمين على أسنانها بقوة مطلقة سبة لاذعة: -بنت ال، ، خلاص خدته ليها!
اغتاظت بسمة من إهانتها لها، فصاحت معنفة إياها بحدة: -انتي من الأول عارفة إن مالكيش فرصة معاه، وعلقتي نفسك بحبال الهوا الدايبة!
أولتها نيرمين ظهرها صائحة بانفعال شديد ضاربة بيديها على فخذيها: -سيبني لوحدي، مش عاوزة أسمع حاجة، خلاص هيتجوزوا، يادي النصيبة اللي حلت على نافوخي!

أرادت بسمة أن تثير فضولها أكثر علها تصرف انتباهها عن تلك اليتيمة التي تقاسي الأمرين بمفردها، فهي ليست بحاجة إلى اعتراضات أختها الساخطة، ولا نقمها الدائم، دنت منها هاتفة بغموض:
-طب خدي المفاجأة التانية!
ردت نيرمين بإحباط جلي وهي تلقي بثقل جسدها على أقرب أريكة: -هو في أكتر من كده!
دنت منها بسمة لتحدق في عينيها بنظرات مريبة، ثم حركت رأسها للجانب قائلة بتسلية وهي تبتسم لها بعد أن كتفت ساعديها:.

-أيوه، في..!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة