قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية الدكان للكاتبة منال سالم الفصل الثالث

رواية الدكان للكاتبة منال سالم الفصل الثالث

رواية الدكان للكاتبة منال سالم الفصل الثالث

وقفت السيدة عواطف على عتبة باب منزلها تترقب صعود ابنتها الصغرى بضيق كبير.
تنهدت بإنزعاج من أسلوبها الحاد واللاذع مع أغلب الجيران، وشجارها الغير متناهي مع من يفكر في اعتراض طريقها حتى باتت معروفة بالمعلمة المشاغبة والذي يتناقض مع طبيعتها الهادئة.
صعدت بسمة الدرج وهي تنهج بصوت شبه مسموع متمتمة بكلمات غاضبة.
حركت عواطف رأسها مستنكرة ما تسمعه، وردت قائلة: -خلاص يا بسمة، كفاية كده.

وصلت هي إلى الطابق المتواجد به المنزل، وردت عليها بسخط: -والله الناس دي ما ينفع معاهم إلا قلة الأدب وطولة اللسان، غير كده هيركبونا ويدلدوا
ردت عليها عواطف بضجر مفسحة لها المجال لتمر للداخل: -طول عمري في حالي يا بنتي، لازمتها إيه الفضايح دي كل شوية!
ولجت بسمة إلى داخل المنزل، وأوصدت الباب خلفها.
نزعت عنها حجاب رأسها ليظهر من أسفله شعرها العجري الأسود، فنفضته بحركة لا إرداية، وهتفت ممتعضة:.

-ما أنا كنت كيوت يا ماما لحد ثانوي!
ردت عليها والدتها متساءلة بتأفف: -وايه اللي شقلب حالك كده؟
تجمدت نظرات بسمة لوهلة، وتحرك بؤبؤي عينيها البنيتين بحركة عصبية متذكرة ما حدث مسبقاً معها من شجار عنيف مع زميلاتها في المرحلة الثانوية وتلك المهانة التي تلقتها آنذاك.

ابتلعت غصة مريرة في حلقها، وصاحت بتشنج: -نسيتي العلقة والبهدلة اللي خدتها من البنات في المدرسة، وعملوني مسخرتهم، من بعدها حلفت ما هاكون ضعيفة تاني، ومش هاسكت لحد!
استنكرت والدتها تفكيرها المحدود، وعاتبتها قائلة بتردد: -الناس هتاخد فكرة إنك آآ، آآ..
قاطعتها بسمة قبل أن تكمل جملتها للنهاية قائلة بسخط: -ما تقوليها يا ماما، شلق ( باحثة عن المتاعب )!

وضعت عواطف يدها على كتف ابنتها، وضغطت عليه قليلاً قائلة بتنهيدة متعبة: -أنا. أنا مش عاوزة حالك يقف وربنا يعدلهالك!
حركت بسمة حاجبها وهي ترد بثقة: -إن شاء الله هاتتعدل، بس بعيد عن المكان ال، ده!
زفرت عواطف مستاءة من تصرفاتها، ورددت بضيق: -لا حول ولا قوة إلا بالله، خفي الشتايم شوية!
حلت بسمة أزرار كنزتها قائلة بعدم اكتراث: -سيبك انتي منهم وقوليلي طابخة ايه على الغدا؟
أجابتها والدتها بهدوء: -عاملة نابت.

التوى ثغرها بتأفف ظاهر عليه، وردت بقرف: -ييييه! مافيش طبيخ ولا فراخ ولا حتى خضار أورديحي يقويني، ده أنا بأشقى يا ناس!
أوضحت عواطف سبب عدم طهيها اليوم معللة: -الأنبوبة فضيت، فملحقتش أغيرها!
تهدل كتفي بسمة للأسفل، ورددت مستسلمة: -ماشي، هاعمل ايه، أمري لله!
ابتسمت لها والدتها بود وهي تضيف: -طيب خشي اتشطفي وغيري هدومك وأنا هاجهز السفرة
-طيب!

تحركت بسمة في اتجاه المرحاض لتبدل ثيابها وتغتسل بعد عناء هذا اليوم المجهد، وسارت عواطف نحو المطبخ لتعد الطاولة، لكنها تسمرت في مكانها حينما سمعت قرعاً على الباب.
التفتت برأسها نحوه، وتحركت بخطوات متمهلة في اتجاهه لتفتحه.
تفاجئت بوجود الحاج طه وابنه البكري منذر على عتبته.
تنحت للجانب قليلاً مرحبة بهما بألفة: -يا أهلاً وسهلاً يا حاج!
هتف طه قائلاً بجدية وهو مخفض أنظاره: -سلامو عليكو يا عواطف!

ردت عليه بإبتسامتها الطيبة: -وعليكم السلام يا حاج طه، اتفضل
ثم تحركت للداخل لتفسح لهما المجال للولوج إلى صالة منزلها القديم.
رد عليها طه بدون تكلف وهو يضرب الأرضية الخشبية بعكازه: -تشكري!
ثم أضاف بجدية وهو يلوح بذراعه: -معلش اعذرينا جينالك من غير ميعاد!
هتفت معاتبة إياه بحذر: -عيب تقول كده يا حاج، ده البيت بيتك، تجي في أي وقت!
ابتسم قائلاً بإختصار: -تسلمي!

التفت طه برأسه نحو ابنه ليأمره بصوت خافت: -تعالى يا منذر
لحق هو بأبيه متنحنحاً بصوت قوي: -احم. يا رب يا ساتر!
هتفت عواطف قائلة بصوت مرتفع نسبياً وهي تسبقهما في خطواتها: -اتفضلوا في أوضة المسافرين!
فتحت هي باب غرفة استقبال الضيوف على مصراعيها، وأضاءت الإنارة بها.
استدارت بجسدها نحوهما، وأشارت لهما بالجلوس على الآرائك القديمة هاتفة بحماس: -ثانية واحدة هاعلق على الشاي وآآآ..

قاطعها طه بجدية وقد تصلبت تعابير وجهه: -لأ مالوش لازمة، احنا جايين في كلمتين على السريع!
نظرت له متوجسة، وارتعدت قليلاً من الجدية الظاهرة في نبرته، وتساءلت بتوتر: -خير يا حاج قلقتني؟
رد عليها بهدوء حذر وقد استند بمرفقيه على رأس عكازه: -اطمني يا عواطف مافيش حاجة!
جلست على طرف الأريكة في مقابلهما، وتفرست في ملامحهما بقلق.

انتبهت هي إلى صوت منذر وهو يستطرد حديثه قائلاً بصوت خشن: -شوفي يا خالتي، من غير ما نضيع وقت، احنا عاوزين الدكان بتاعك!
عقدت ما بين حاجبيها مرددة بإستغراب: -الدكان؟!
مال منذر بجسده للأمام نحوه، وحدق مباشرة في عينيها بنظرات ثاقبة، وهتف بصوت جاد:
-ايوه، لازمنا وعاوزين نشتريه!
ازدردت ريقها بحيرة، وشردت تفكر للحظة في صك ملكية ذلك المحل القديم الذي بحوزتها.
راقب طه وابنه صمتها المريب بتعجب.

هتفت هي فجأة معترضة
-بس أصل الحكاية آآ..
رفع منذر كف يده في وجهها قائلاً بجدية مجبراً إياها على التوقف عن اتمام جملتها:
-اطمني، هاندفعلك فيه عربون كويس أوي!
حركت رأسها معترضة على حصر مسألة بيع المحل في كونها مادية، وردت قائلة: -مش كده يا منذر، بس هو آآ..
تدخل طه في الحوار، وهتف بصرامة: -بصيلي يا عواطف!

وجهت أنظارها نحوه، وأصغت لحديثه القائل: -أنا هاحاسبك بسعر اليومين دول، وهاديكي خلو رجل مناسب يعيشك إنتي وبناتك مستورين!
تنهدت بإرهاق، وردت عليه بصوت شبه مضطرب: -يا حاج طه الموضوع مش فلوس والله، بس الدكان ده مش بتاعي لوحدي!
تفاجيء الاثنان من ردها، وتبادلا نظرات شبه مصدومة.
ردد منذر بتعجب وقد عبست ملامحه: -نعم، قصدك ايه بالظبط؟
عاودت النظر في اتجاهه، وأوضحت قائلة: -أنا. أنا أخويا رياض شريك فيه!

وكأن تلك الكلمة جديدة على مسامعه، فهتف مستغرباً: -أخوكي
هزت رأسها بالإيجاب قائلة: -ايوه، شقيقي من أبويا! ليه نصيب فيه!
تساءل منذر مستفهماً: -أها، طب وأخوكي ده أراضيه فين؟
ردت بصوت خفيض وهي ترمش بعينيها: -أنا أخباره عني مقطوعة يجيلها زمن!
سألها بإلحاح وقد بدأت تتشنج عروقه: -طب مافيش طريقة تعرفي توصليله بيها؟
حكت مقدمة رأسها بإصبعيها، وعدلت من وضعية حجابها القماشي القديم، وأجابته قائلة:.

-هو. هو باين كان سايبلي رقم تلافون كده!
هتف بتعجل مشيراً بعينيه: -طيب كلميه وشوفي نظامه ايه!
ضغطت على شفتيها قائلة بإرتباك: -هو. هو احنا شبه مقاطعين بعض!
زفر منذر بنفاذ صبر قائلاً: -أنا ماليش في الحوارات دي كلها
أضاف أباه طه قائلاً بجدية بعد أن رأى العصبية ظاهره على تعابير ابنه: -شوفي يا عواطف، أنا مايهمنيش الرغي ده كله، من الأخر كده أنا لازمني الدكان!

هزت رأسها متفهمة وهي ترد: -حاضر يا حاج طه، أنا هاتصرف
ابتسم قائلاً بثقة: -متفقين، ووقت ما توصلي لحاجة كلميني!
ردت عليه بصوت خفيض: -بأمر الله
نهض الحاج طه من مقعده قائلاً بحزم: -يالا يا منذر
هب ابنه من مكانه منفذاً لأمره ومردداً بصوت رخيم: -حاضر يا حاج
وقفت عواطف هي الأخرى على ساقيها، ورددت مجاملة: -ما لسه بدري، ده أنا ملحقتش أعمل معاكو الواجب
أشار لها بعكازه قائلاً بإقتضاب: -وقت تاني، سلامو عليكم!

تحركت هي خلفهما وهي تودعهما بإبتسامة أليفة: -وعليكم السلام، في رعاية الله!
أغلقت الباب بعد انصرافهما، واستدارت عائدة إلى المطبخ.
خرجت بسمة من المرحاض متساءلة بفضول: -خير يا ماما، في ايه؟
ردت عليها أمها بفتور: -ده الحاج طه وابنه منذر!
لحقت هي بوالدتها داخل المطبخ، وجابت بأنظارها المكان بنظرات سريعة وشمولية باحثة عن الطعام ومتساءلة بإهتمام:
-مالهم، جايين ليه؟

أجابتها بضيق خفي: -عاوزين يشتروا الدكان القديم
هتفت بسمة بحماس وهي تقطم قطعة من ثمرة الخيار بفمها: -يا ريت، ده حتى وجوده زي عدمه، وأدينا نطلع منه بقرشين نستفيد بيهم!
-ربنا ييسر
قالتها عواطف وهي ترص الصحون الفارغة فوق الطاولة
ألحت بسمة عليها مشجعة إياها على المضي قدماً في عملية البيع تلك: -وافقي يا ماما، بدل ما احنا واقعين على الأخر!

التفتت عواطف نحو ابنتها لتضيف: -هو أنا ممانعة، الرك بس على أخويا رياض!
ضيقت بسمة نظراتها بإهتمام، وهتفت متعجبة: -عمي رياض، ياه بقالي زمن ماسمعتش اسمه!
ثم تقوس فمها لتتابع بتهكم: -هو احنا نعرفله مطرح أصلاً، ده أنا لا عمري شوفته ولا أعرف عنه حاجة غير من كلامك القليل عنه!
أوضحت لها عواطف سبب تلك القطيعة الطويلة قائلة بأسف: - حبال الود بينا مكانتش أد كده!

حكت بسمة فروة رأسها متساءلة بإهتمام: -أها، يعني كان في مشاكل بينكم؟
ردت عليها أمها بتنهيدة مطولة: -تراكمات يا بنتي! بسبب أمي وعمايلها وآآ..
قاطعتها بسمة غير مكترثة بحديثها القديم عن الخلافات الأسرية في عائلتها مرددة: -بصي أنا مش فارق معايا ده كله، المهم إنك تبيعي الخرابة دي وخلاص!
ردت عليها عواطف بجدية: -ما أهو أنا عشان أعرف أبيع لازم يوافق رياض.

نفخت بسمة قائلة بضيق: -يووه يا ماما، أنا دماغي مش مركزة معاكي، اعملي اللي انتي عاوزاه، بس هاتلي أكل الأول
خطى منذر نحو الوكالة بخطوات متمهلة إلى جوار أبيه متساءلاً بقلق: -تفتكر البيعة هاتكمل؟ باين فيها عوأ ( متاعب )!
رد عليه طه بنبرة رزينة: -عواطف من يومها هبلة وعبيطة ومضيعة حقها!
التفت منذر برأسه للجانب مضيفاً بإندهاش: -بس أول مرة أعرف ان ليها أخ!

مط طه فمه للأمام، ورد عليه بهدوء: -أنا عارف من زمان، تقريباً من وقت ما أمها دريت بإن جوزها خورشيد متجوز عليها واحدة تانية!
-اها
تابع مكملاً بتأفف: -وطبعاً الدنيا قامت ومقعادتش، وشغل النسوان والكيد شعللها أكتر!
تساءل منذر بجدية وهو يشير بيده: -طب خلاصة الليلة دي كلها ايه يا حاج طه؟
أجابه بصوت حازم: -هي هتتصرف، احنا مالناش فيه!
-ماشي.

ثم أشار لابنه بسبابته محذراً: -وإنت نبه على أخوك يهدى كده وبلاش شغل اللبش مع ابن أبو النجا
لوى فمه للجانب قائلاً بإيجاز: -ربنا يسهل!
جلست أسيف على مقعد أبيها الوثير الموجود في مكتبه بالمنزل متأملة الغرفة بعد رحيله.
حافظت هي على نظافتها وترتيب كل شيء بها كأنه سيعود لاستخدامها في يوم ما.
مدت أناملها لتتلمس قلمه الحبري وأوراقه بحذر شديد.

تسابقت عبراتها في النزول متأثرة من ذلك الفراغ الكبير الذي أحدثه في حياتها.
تحركت أنظارها تدريجياً للأمام حتى وقعت على صورته، فتأملها في صمت وقلبها يعتصر آلماً عليه.
مسحت دموعها بمنشفتها الورقية المهترئة، وهمست بصوت مبحوح: -وحشتني أوي يا بابا!
أمسكت بالإطار الخشبي الذي يحتضن صورته الفوتغرافية، وضمته إلى صدرها بكفيها، وأجهشت بالبكاء الحزين.

راقبتها والدتها من على بعض وقلبها مفطور على حالها، وتنهدت محدثة نفسها بآسى: -ربنا يهون عليكي وعليا!
أخرجت تأوهة حارقة من صدرها وهي تستدير بمقعدها المتحرك للخلف لتتركها منفردة بنفسها.
أسند النادل كوب المثلجات البارد على الطاولة أمام ذلك الصغير الذي صفق بحماس لرؤيته إياه.
ابتسم دياب لابنه، وهتف قائلاً: -كل يا يحيى!
تناول الصغير ملعقته، وغرسها في الكوب مردداً ببراءة: -حاضر.

مسد دياب على شعر رأسه برقة مبتسماً له بحنية.
ورغم شعوره بالبغض والحنق نحو أمه إلا أنه أخرج ابنه من حساباته معها، فذلك الصغير لا ذنب له فيما حدث.
وعلى عكس صفات والدته الدنيئة إلا أن يحيى يحمل قلباً طيباً وأخلاقاً كيسة بالرغم من صغر سنه الذي لا يتجاوز الست سنوات.
رن هاتفه برقمها البغيض، فأشاح بوجهه الممتعض للجانب، وأطلق سبة خفية مهيناً إياها بشدة.

التفت نحو ابنه مجدداً، وهمس له: -خلص يا حبيبي عشان أمك جاية
-ماشي
قالها الصغير وهو يلوك قطعة المثلجات في فمه.
ابتلعها بصعوبة بسبب برودتها، وأضاف متحمساً: -بابا، أنا هاروح تمرين السباحة، هاتيجي تشوفني؟
رد عليه بتكلف: -إن شاء الله
أضاف الصغير يحيى بسعادة: -ماما جابتلي مايوه جامد أوي
ظهر النفور الممزوج بالإزدراء على دياب، وتمتم من بين أسنانه بسخط خافت: -تقولش جابته من أبعدية أبوها، ماهو من فلوسي!

تساءل يحيى بصوت مرتفع: -بتقول ايه يا بابا؟
ابتسم قائلاً بتصنع: -ولا حاجة، خلص أكل انت بس
-حاضر
بعد عدة دقائق حضرت ولاء إلى المطعم وهي متأنقة كعادتها، مع فارق أنها ترتدي ثياباً فاضحة للغاية تكشف أكثر مما تستر، وتضع مساحيق التجميل بكميات زائدة.
نظر لها دياب بإحتقار، ووضع نظارته الشمسية على وجهه ليخفي نظراته الساخطة نحوها.
شعور رهيب بالحنق والغضب بدأ في التسلل داخل خلاياه بشراسة وهو يراها مقبلة عليه.

تعمدت هي التغنج بجسدها أمامه لتثير استفزازه أكثر، ولكنه تجاهلها بإشاحة وجهه للجانب.
وقفت قبالته وهتفت بدلال: -هاي دياب! ازيك؟
رد عليها بنبرة متأففة ليشعرها بدونيتها: -خدي يحيى وامشي
جلست على المقعد الشاغر، ووضعت ساقاً فوق الأخرى مبتلعة إهانته لها، وهتفت ببرود:
-أنا كنت عاوزة اكلمك في مصاريف يحيى الأخيرة و آآ.

قاطعها قائلاً بإقتضاب وهو ينتفض من مقعده واقفاً: -انتي مش بيوصلك اللي اتفقنا عليه، مالكيش زيادة عن كده!
أنزلت ساقيها لتقف هي الأخرى في مواجهته هاتفة بضيق: -أنا مقولتش حاجة، بس الولد محتاج لبس جديد، كل القديم بتاعه صغر عليه وأنا آآ..
قاطعها مشيراً بكف يده لتصمت وهو محدق في الفراغ متجنباً النظر إليها: -هابعتلك كام طقم جديد معاه المرة الجاية!

هزت رأسها بإيماءة خفيفة، وابتسمت قائلة بنعومة: -اوكي، بس انت هاتعرف مقاسه وآآ..
لم يهتم بمتابعة جملتها، بل دس يده في جيبه ليخرج بعض الأموال منها، وقذف المبلغ الخاص بثمن المثلجات وفنجان قهوته على الطاولة.
حدقت فيه بنظرات مشتعلة لتجاهله لها، وزاد من غيظها أكثر انصرافه مبتعداً دون إضافة المزيد وكأنها نكرة غير موجودة على الإطلاق..

ضغطت على شفتيها قائلة بحقد دون أن تحيد بنظراته المحتدة عنه: -ماشي يا دياب، بتسبني وتمشي، ماشي، مسيرك هاترجعلي تاني!
بحثت عواطف في أوراقها القديمة الموضوعة بداخل الكومود الموجود بغرفة نومها عن أي شيء يخص أخيها رياض.
لم تجد شيئاً مفيداً بعد بعثرتها لهم على فراشها، فمعظمها أوراق غير مهمة.

يئست هي من كثرة البحث، فجمعتهم سوياً لتضعهم في مكانهم، لكن لفت انتباهها تلك الورقة المطوية التي سقطت منها سهواً على الأرضية.
انحنت لتلتقطها، ثم فتحتها وهي تعتدل في جلستها.
حدقت فيها بنظرات متأنية، وتهللت أساريرها قليلاً حينما قرأت ما دون بها.
تنفست عواطف الصعداء، وهتفت لنفسها: -الحمدلله، لاقيت رقم تلافون أخويا!
تركت ما في يدها، ونهضت عن الفراش وهي ممسكة بالورقة الصفراء الصغيرة.

خرجت من الغرفة متجهة نحو الهاتف الأرضي وهي تتلهف شوقاً لمهاتفة أخيها.
ربما قد حانت الفرصة للتصافي معه والتقارب مجدداً بعد تلك القطيعة الطويلة.
وسيكون ( الدُّكَّان ) هو حجتها لهذا.
وضعت السماعة على أذنها، وضغطت على الأزرار منتظرة بترقب إجابته عليها.
ابتلعت ريقها بتوتر، وتسارعت أنفاسها نسبياً، ثم بصوت مرتبك هتفت متلهفة حينما سمعت تلك الأنفاس الهادئة عبر الطرف الأخر:
-ألوو، رياض..!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة