قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية الدكان للكاتبة منال سالم الفصل الثالث والسبعون

رواية الدكان للكاتبة منال سالم الفصل الثالث والسبعون

رواية الدكان للكاتبة منال سالم الفصل الثالث والسبعون

ستوقفته بالإجبار عند ناصية الطريق حينما لمحها تشير له بيدها، فأخفض سرعة سيارته تدريجيًا حتى توقفت عن الحركة على مقربة منها، دنت منه وعلى ثغرها ابتسامة هادئة، ومررت أنظارها على الجالسات بالسيارة.
انحنت فاطمة بجسدها للأمام قليلاً لتتمكن من رؤية وجه أسيف بوضوح، واستطردت حديثها قائلة:
-الحمدلله إني لحقتكم! الأول مبروك على الخطوبة، وربنا يتمم على خير ويسعدكم.

ردت أسيف بصوت رقيق لكنه خافت: -الله يبارك فيكي
ردت عواطف باهتمام: -تسلمي يا بنتي، ربنا يسعد قلبك ويفرحك!
سألها منذر بجدية واضحة على تعابيره: - في حاجة جدت يا دكتورة؟ طمنيني؟
هزت رأسها بالنفي وهي تجيبه: -لأ، بس أنا كنت عاوزة أشكرك على اللي عملته مع ال..
ضغطت على شفتيها بقوة مانعة نفسها من ذكر اسم ذلك البغيض الذي اعتدى عليها بصيدليتها، فاضطرت أن تغلقها خوفًا من تكرار مثل ذلك الهجوم الوحشي عليها.

اعتذر لها منذر قائلاً بامتعاض: -أنا اسف إني قصرت معاكي وقتها، بس والله..
قاطعته قائلة بابتسامة ودودة: -مافيش داعي للاعتذار يا أستاذ منذر، إنت ملكش ذنب، هو أصلاً بني آدم بشع، وده حصل فجأة و..
رد عليها معللاً: -أنا عرفت باللي حصل كله بعد كده، وجيت عشان أشوفك، وأتعامل معاه، بس لاقيتك قافلة الصيدلية، والرجالة بلغوني إنك مش موجودة!
أوضحت قائلة بضجر: -كنت مضطرية أبعد بدل ما ي..

أجبرت نفسها على الصمت للحظة لتنفض تخيل الموقف المؤلم عن ذاكرتها، ثم ابتسمت مرددة بتكلف:
-يالا الحمدلله، أهو ربنا ريحنا منه، والبركة طبعًا فيك
رد عليها منذر بهدوء: -أنا معملتش حاجة، هو خد جزاته!
أضافت قائلة بامتنان: -ربنا يباركلنا فيك يا أستاذ منذر، وبأعتذر إني عطلتكم!
رد عليها مبتسمًا: -خدي راحتك يا دكتورة!

لوحت فاطمة بيدها مودعة إياهم، وقبل أن يدعس على دواسة البنزين لتتحرك السيارة انتبه لصوت أخيه الصادح عاليًا:
-منذر! منذر!
استدار برأسه للخلف ليجده يركض ناحيته، فانعقد حاجبيه باستغراب كبير، ابتسم له دياب هاتفًا بصوت لاهث:
-استنى أنا جاي معاكو!
تعجب كثيرًا من قراره المفاجئ فسأله مهتمًا: -ليه إن شاء الله؟
رد عليه بعد أن تنفس بعمق: -عادي يعني، قولت أونسكم!

ثم سلط أنظاره على حبيبته الجالسه بالخلف التي كانت تبادله نظرات متعجبة من حضوره، داعبها بغمزة حذرة من طرف عينه، ثم استدار في اتجاه أخيه الذي بدا مزعوجًا من تواجده الغير مبرر.
أفسحت عواطف المجال له لتجلس بجوار الشابتين في المقعد الخلفي، بينما جلس هو إلى جوار أخيه الذي انطلق نحو وجهته فورًا.

انزعجت من بقائها بمفردها في المنزل رغم اختيارها لذلك، هي رفضت التواجد معهمكي لا تثار أعصابها من تلك المشاعر المستفزة لها، ظلت تذرع غرفتها جيئة وذهابًا حتى شعرت بدوار خفيف، فتوقفت عن الحركة لتجلس على طرف الفراش، ضاقت نظراتها، وبدأت تفكر في طريقة ماكرة للإيقاع بينهما.

أخرجها من تفكيرها الشيطاني صوت دقات ثابتة على باب المنزل، فنهضت بتثاقل من مكانها لتتجه نحوه، ارتسم على تعابيرها علامات الاندهاش حينما رأت طليقها الأسبق واقفًا قبالتها.
انفرجت شفتاها مرددة بصدمة: -حاتم! انت بتعمل ايه هنا؟
حدق فيها بجمود قبل أن يجيبها باستنكار: -جاي أشوف بنتي، مش أنا أبوها، ولا ناسية ده كمان؟

نظرت له شزرًا وهي ترد بسخط: -مش بعوايدك يعني، بقالك مدة قاطع رجلك، دلوقتي افتكرت إن ليك بنت، ده انت ما هان عليك حتى تبعتلها فلوس تشوف طلباتها ولا..
قاطعها قائلاً بغموض مريب: -وأنا جاي النهاردة عشانها
نظرت له بازدراء قبل أن توليه ظهرها لتتحرك نحو الداخل قائلة باقتضاب: -بس هي نايمة!

خطى للداخل بتمهل ممررًا أنظاره سريعًا على أرجاء الصالة، تقوس ثغره للجانب، فقد راقب المنزل جيدًا ليتأكد من خلوه من ساكنيه حتى يتمكن من الانفراد بها.
أضاف حاتم بامتعاض: -طيب هابص بس عليها، وأديكي فلوس عشانها!
مصمصت شفتيها قائلة بتهكم صارخ: -فلوس، ياما جاب الغراب لأمه!

استدارت برأسها نحوه لتسلط أنظارها على يده الموضوعة بداخل جيبه، لكنها لم تتخذ حذرها منه، فقد باغتها بتسديد لكمة عنيفة في عينها اليسرى ألمتها بشدة، تفاجأت من الضربة، وتراجعت للخلف مترنحة.
كرر لكمها في وجهها قائلاً بشراسة: -بتفضحي أمي وأختي في الشارع، وربنا لأحرق قلبك وأوجعك!

تأوهت من الألم الشديد، وقبل أن تستوعب ما يدور معها، طرحها أرضًا بفعل ضرباته العصبية المتتالية على وجهها، فارتطمت بمؤخرة رأسها، غلف أعينها سحبًا ضبابية، وأوشكت على فقدان وعيها، قاومت بصعوبة واضحة عليها تلك الحالة الواهنة التي تمكنت منها.
لمحته بنصف عينٍ وهو يندفع نحو غرفتها ليأخذ رضيعتها بالقوة، مدت يدها محاولة منعه، لكنها لم تصل أبدًا إليه، بصق فوقها لاعنًا إياها:
-انتي ولية، ، بنت..!

بكت الرضيعة من صوت صراخه، فلم يهتم بها، وأكمل باحتقار: -وريني هاتخدي بنتك ازاي يا..!
خرج صوتها متحشرجًا واهنًا وهي ترد: -سيب البت، هاتها!
رمقها بنظرات دونية أخيرة، ثم تحرك مبتعدًا عنها تاركًا إياها في حالة لا وعي واضحة، جاهدت لتنهض من رقدتها لتلحق به، لكنها لم تستطع، خانتها قواها، ومادت بها الأرض، ففقدت وعيها في مكانها، وواصل هو هروبه بابنته.

لم يتوقف عن التحديق بها من خلال رؤية انعكاس وجهها في مرآته الأمامية، كانت تلتقي أعينهما بين الحين والأخر، لكنها سريعًا ما تخفض نظراتها متحاشية النظر إليه، فيزداد تورد وجنتيها خجلاً منه، هي تخشى من ترك العنان لمشاعرها للانسياق وراء شيق لا تضمن عواقبه، ربما هناك نوع من الاحترام، العرفان بالجميل له، لكنها لا تريد للأمر أن يزيد عن حده معه، بمعنى أدق تقاوم أي رغبة بداخلها لتصديق ما تراه بعينيها.

تمنى منذر لو تخلت للحظة عن عنادها المؤذي، وفكرت فيه فقط من زاوية أخرى، حتمًا سترى محبته الصادقة لها، ستدرك أنه متيم بها، يعشقها، واهتمامه بها نابع من قلبه، أخرج من صدره تنهيدة مطولة تحمل الكثير من أمنيات يحلم بتحقيقها لينتبه على صوت أخيه المتسائل باهتمام:
-على كده بلدكم حلوة يا أسيف؟
أجابته بتلقائية: -ايوه، انت لما هاتشوفها هاتعجبك!
ابتسم مادحًا: -كفاية إنك من هنا!

ثم وجه حديثه إلى معشوقته الجالسة إلى جوارها متسائلاً: -ولا إيه رأيك يا أبلة؟
ردت عليه بسمة بعبوس واضح: -أنا ماليش في جو الأرياف!
استنكرت أسيف عبارتها الأخيرة، فهي تحمل نوعًا من الإهانة – حتى وإن كانت غير مقصودة أو عفوية – فنظرت لها بعتاب قائلة:
-على فكرة أهلنا هناك طيبين، مش زي ما الناس مفكرة إنهم على نياتهم ولا..

قاطعتها بسمة معتذرة بهدوء: -أنا مقصدش حاجة وحشة والله، بالعكس دول أحسن ناس، بس أنا اتعودت على العيشة بتاعتي، ليا لي نظام معين، فصعب أتأقلم بسهولة على أي حاجة جديدة!
سألها دياب بفضول: -وايه هو نظامك يا أبلة؟
ضاقت نظراتها نحوه وهي ترد بفتور: -هايفيدك في حاجة لما تعرفه؟
لكزتها والدتها في جانبها برفق مرددة من بين شفتيها بحذر: -عيب يا بسمة كده!

رسمت على ثغرها ابتسامة متسعة قبل أن تستكمل حديثها: -يا سي دياب بنتي دي تتحط على الجرح يطيب، بس لسانها يهدى شوية!
هز رأسه متفهمًا وهو يؤكد قائلاً: -انتي جبتي الخلاصة يا ست عواطف!
اغتاظت بسمة من اتحاد والدتها معه، وكأنها تتعمد إحراجها أمامه، فأضافت بتبرم: -متشكرة يا ماما، مافيش داعي إنك..

قاطعها دياب متسائلاً بجدية: -أومال هاتيجي الدرس امتى؟ الواد يحيى بيسألني عليكي كل شوية، معدتش بيفهم من حد إلا انتي!
نظر له منذر من طرف عينه غير مقتنع بما يقول، ولوى فمه قائلاً بصوت خفيض: -يحيى برضوه!
أجابته عواطف بتنهيدة متعبة: -إن شاء الله، تقف على رجلها، وهاتيجي
رد عليها دياب بحماس: -وليه تتعب نفسها؟ ده أنا أجيبه لحد عندك يا أبلة، ولا إيه رأيك؟

زمت بسمة شفتيها هاتفة: -نتكلم عن ده بعدين، خلونا مركزين في الطريق، احنا على سكة سفر!
أشار دياب بكف يده قائلاً: -ماشي، شغلنا يا منذر حاجة كده تفرفشنا
ردت عليه بسمة بحدة طفيفة: -بأقولك احنا على سكة سفر، انت عاوزنا نتقلب ونروح جهنم؟
حذرتها عواطف قائلة بحرج: -خلاص يا بنتي، خليه يشغل الراديو، دي عربيتهم بردك!
أراد منذر استغلال الموقف قليلاً ليسترسل في الحديث مع خطيبته علها تتجاوب معه، فسألها بهدوء:.

-ايه رأيك يا أسيف؟ تحبي نشغل حاجة معينة؟
ردت بفتور واضح: -اللي يريحكم!
هتف دياب قائلاً بتحدٍ: -أقولكم بناقص من الراديو خالص، أنا هاسليكم ببؤي!
تمتمت بسمة بامتعاض هامس مبدية انزعاجها منه: -يا ربي على الصداع، جيتك معانا من الأول غلط!

تهالك جسده ولم يقوَ على الوقوف مطولاً حينما أبلغه الطبيب بسوء الحالة الصحية لأخيه وأبيه، وخاصة الأخير الذي ربما تدهور حالته أكثر إن استمر وضعه النفسي هكذا، استند بكفه على الحائط، ونكس رأسه أسفًا على كليهما.
ربت الطبيب على كتفه قائلاً بهدوء: -اجمد يا أستاذ مازن، وإن شاء الله هيبقوا أفضل.

لم يعقب عليه، بل نظر له بأعين شاردة منكسرة، ففي لحظة اندفاع طائشة خسرت عائلته كل شيء، النفوذ، السمعة، المال، والقوة.

نظر له الطبيب بجمود ثم تركه في مكانه وانصرف ليتابع مرضاه، رفع مازن رأسه للأعلى، وحدق في الفراغ مستعيدًا في ذاكرته ما ارتكبه خلال الفترة الماضية من حياته، كل ما أراده حدث حتى لو كان بالقوة والغصب، لم يعبأ يومًا بتبعات جرائره، فهو معتمد دومًا على عائلته، لكن لا أحد منهما الآن قادر على مساعدة نفسه، وما زاد من الطين بلة هو إبلاغ محاميه بوصول إخطار بقضية خلع أقامتها زوجته ولاء ضده في المحكمة، ليتزعزع بعدها كل شيء، خاف من أن تفضح أمره، وأن تكشف اعتدائه الوحشي عليها وما تبعه من إصابة بعاهة مستديمة، فحتمًا سيزج به في السجن، عجز عن التفكير بوضوح، وتهاوت قواه، لكنه تمالك نفسه كي لا يسقط أرضًا.

جرجر ساقيه حتى وصل إلى أقرب مقعد، فألقى بثقل جسده عليه دافنًا وجهه بين راحتيه لينتحب بأنين موجوع:
-كل حاجة كده راحت، طب ازاي هاقدر أرجع كله زي ما كان لوحدي؟ ازاي؟!

أفاقت من إغماءتها المؤقتة لتجد نفسها بمفردها في منزلها ورضيعتها غير متواجدة به، جزع قلبها بقوة، الآن تذكرت ما حدث، جاء طليقها الأسبق، واختطف الصغيرة بعد أن ضربها بقسوة، أسرعت نحو غرفتها لتحضر عباءتها، ثم ارتدتها على عجالة فوق ثيابها المنزلية، ولفت حجابها حول رأسها لتهرول بعدها إلى خارج المنزل.

بحثت سريعًا عن أقرب سيارة أجرة لتستقلها إلى منزل عائلته، فهو بالطبع سيذهب بها إلى هناك، هو صدق حينما ألقى على مسامعها تلك العبارة العدائية، ستعاني الأمرين معه ومع ذويه.

ترجلت من السيارة راكضة نحو بنايتهم غير مكترثة بباقي الأجرة هي تعرف ذلك المكان جيدًا، ذاقت فيه الكثير من العذاب والمذلة، وعانت من ويلات قسوته، وجبروت والدته، لكن ذلك لا يهم، فالأولى عندها هو أن تصل إلى رضيعتها، صعدت الدرج بخطوات متعاقبة حتى تقطعت أنفاسها فتوقفت لتتنفس ببطء، ثم واصلت صعودها الراكض إلى طابقهم.

احتقن وجه نيرمين بحمرة غاضبة، واشتعلت نظراتها على الأخير حينما سمعت صوت ضحكاتها الرقيعة المنبعثة من الداخل، تلك الضحكات التي كانت تستفزها وتحرقها حية حينما تملي على ابنها أوامره فينفذها دون نقاش، تأكدت الآن أنها وراء مخطف رضيعتها منها.
دقت الباب بعنف حتى كادت أن تخلعه صارخة: -افتحوا يا عيلة مافيهاش راجل، افتحوا يا ولاد ال، ، هاتولي بنتي يا..!

فُتح الباب على مصراعيه لتظهر لها لبنى بوجهها المتجهم، فزاد غيظ نيرمين منها، اندفعت بجسدها نحوها، لكن صدتها الأخيرة بكفها قائلة ببرود مثير للأعصاب:
-رايحة فين يا روح أمك؟
أجابتها بصوت محتد: -داخلة لبنتي!
دفعتها لبنى بقوة من كتفها للخلف وهي ترد بقسوة: -مالكيش بنات عندنا، روحي ارمي بلاكي على حد تاني.

أطلت شاهندة برأسها لتضيف هي الأخرى بوعيد صريح: -كنتي مفكرة هنفوتلك اللي عملتيه بالساهل، اه بنتك عندنا، بس ابقي قبلينا لو شوفتيها تاني!
اشتدت تعابير وجه نيرمين عقب ما قالته، وبرزت مقلتيها من محجريهما بنيران مستعرة، فصرخت فيهما بغضب جم ملوحة بذراعها:
-لأ فوقي لنفسك منك ليها، ده أنا لحمي مر و..
قاطعتها لبنى قائلة بإهانة قاسية: -على نفسك يا بنت ال..

صاحت شاهندة بنبرة عالية وهي تصفق بكلتا يديها: -يا نسوان جت الحرباية اللي ما تتسمى، عاوزين نحفل على اللي جابوها!
تفاجأت نيرمين بوجود بعض النساء بالخلف يتشحن بالسواد، تعابير أوجههن تشير إلى شيء خطير على وشك الحدوث معها، في أقل من ثوانٍ معدودة كانت محاصرة من قبلهن، تلفتت حولها بذعر كبير، وقبل أن تجد مهربًا لنفسها منهن، انهلن سريعًا عليها بأيديهن وبالأحذية معتدين عليها بالضرب المبرح.

صرخت نيرمين مستغيثة: -الحقوني، آآآه، حرام عليكم، هاموت في ايدكم يا..
هتفت لبنى قائلة بتشفٍ: -ربوها، علموها الأدب بنت الأبلسة دي!
بينما أضافت شاهندة بحقد: -جاية تخربي عليا يا خرابة البيوت يا مطلقة، ده احنا هنحرق قلبك وهنوريكي السواد كله!

في نفس الأثناء كان ناصر صاعدًا على الدرج ليقابل رفيقه حاتم بعد أن وجد صعوبة في الاتصال به، فرأى تلك المشاجرة الحامية بين النساء، اتسعت حدقتاه في اندهاش، وراقبها مستمتعًا، لكن شيطان رأسه وسوس إليه بالتدخل ليحظى بمتعة أخرى.
رسم على تعابيره الجدية والعبوس، ثم دنا منهن صائحًا باستنكار: -عيب يا ستات اللي بتعملوه ده، مايصحش كده أبدًا!

استخدم ذراعيه ليمر بينهن حتى تمكن من الدخول وسطهن، فوجد نيرمين ملاقاة على الأرضية، منكمشة على نفسها، وشبه ممزقة لثيابها، انحنى عليها متعمدًا تلمس أجزاء محددة من جسدها وكأنه يحميها، لكنه نواياه معها كانت دنيئة للغاية، واصل صياحه هاتفًا بضيق زائف:
-هاتموت في ايدكم، كفاية كده! هي عملت ايه بس؟

شعرت هي بتلك اللمسات الحرجة على جسدها، بأيادٍ تستبيحها، لكنها لم تستطع سوى الصراخ المستنجد، على إحداهن ترفق بها، ورغم هذا ظلت الضربات متتالية عليها تنال كل جزء فيها.
ردت لبنى بقسوة وهي تشير بيدها: -ملكش دعوة انت يا ناصر، دي حاجة تخصنا احنا!
رد عليها معاتبًا وهو يعتدل في وقفته: -ليه بس يا أم حاتم؟ هاتزعليني والله!
التوى فمها للجانب وهي ترد بازدراء: -متكلفش خاطرك وتزعل على بوز الإخص العقربة دي!

خشي من افتضاح أمره، فتحرك مبتعدًا عنها قائلاً بإصرار: -عشان خاطري أنا!
نظرت له لبنى بجمود مستنكرة دفاعه عنه، فتابع موضحًا: -مهما كان بردك، دي حاجة وحشة في حقكم، وجايز تموت هنا وتلبسوا مصيبة وانتو مش ناقصين..
قاطعته قائلة ببرود: -بأقولك ايه، سيبها وتعالى جوا استنى صاحبك لما يرجع، هو في الفرن وجاي!
حك ناصر مؤخرة رأسه، ثم خطى نحو الداخل مكتفيًا بما حظى به اليوم.

توقفت النساء عن ضربها بوحشية، فهمست نيرمين بأنين موجوع: -بنتي يا ولاد الهرمة، بنتي هاتوهالي!
ردت عليها شاهندة بسخط واضعة يدها على منتصف خصرها: -حوش حوش الأمومة بتنط منك، ده احنا دافنينوه سوا يا..!
هتفت لبنى بامتنان مخرجة منديلاً مطويًا من صدرها: -تسلم ايدكم يا حبايب، نجاملكم في الفرح يا رب!

انصرفن بعدها واحدة تلو الأخرى بعد أن أعطت زعيمتهن مبلغًا نقديًا تم الاتفاق عليه مسبقًا نظير القيام بتلك المهمة البسيطة، ثم انحنت عليها بجسدها على ضحيتها الملاقاة عند عتبة منزلها لتضيف بوعيد شرس:
-ولسه الدور جاي على أمك وأختك، ماهو لازم ينوبهم من الحب جانب!
صفعتها بظهر كفها على وجهها، ثم بصقت فوقها متعمدة الإساءة أكثر إليها قبل أن تتركها على تلك الوضعية وتصفق الباب خلفها بقوة.

بكت نيرمين بعجز مقهور، شعرت بتلك الوخزات الحادة تعصف بصدرها، بتلك الآلام الموجعة في أنحاء جسدها، لكن لا يقارن هذا أبدًا بإحساسها بفقدان رضيعتها الوحيدة، ففي تلك اللحظة تحديدًا تيقنت أنها لن تستطيع استعادتها بسهولة..!
ترقبوا الإصدار الورقي الأول لرواية #كلارا. بمعرض القاهرة الدولي للكتاب.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة