قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية الحرب لأجلك سلام الجزء الثاني للكاتبة نهال مصطفى الفصل السادس عشر

رواية الحرب لأجلك سلام الجزء الثاني للكاتبة نهال مصطفى الفصل السادس عشر

رواية الحرب لأجلك سلام الجزء الثاني للكاتبة نهال مصطفى الفصل السادس عشر

أشعر معك أنني لست مجبرًا على ادهاشك، معك أشعر أنني أنا، أنا الذي كنت أفتقده كثيرًا ووجدته معك، أتحدث معك عمّا يدور في قلبي كما هو، وهذا أكثر ما يطمئنني.

صباح يوم جديد بأمل جديد تتقادم فيه الامنيات بحدث فريد يبدل حالنا وحال قلوبنا التى هلكها ليل الانتظار...
نهضت فجر من فراشها باضطرابات قلبها التى اعتادت على وجودها حتى أحست انها باتت عضوا اساسا من جسدها لا تأمل فى بتره، فالوجع يحييه دومًا بها ؛ فإن استشفت منه دل على خلاصها الابدى من شبح حبه..

استردت صحتها واصبح كل ما يؤلمها هو صليل الغياب السرمدى، الذي لا يقطعه عودة ولا ينهيه نسيان، اتجهت نحو المطبخ لتعد كوب القهوة الخالى من سُكر وجوده ويؤنس صبحيتها كما تعودت..
تتحرك فى ساحة المطبخ بانسيابيه وقررت تفصح عن دواخلها لا مباليه..

- عدى ٦ شهور من اللحظه اللى اتفقنا فيها أنا وهشام على الطلاق، ومن وقتها متقابلناش غير مرتين وبس وكل مره كانت متزدش عن ٥دقايق ويختفى تانى بعادته، وافضل استنى الايام اللى تيجى بيه مره تالته ؛ فى كل مرة افكره بطلبى وإن مش ناوي يطلقنى، كان يتجاهلنى، يرد ببرود ؛ يتحجج بمأمورياته اللى ما بتخلصش، كنت بتابع اخباره من الصحافه والتلفيزيون، كنت اطمن عليه من صوره ؛ بيتظاهر انه فى افضل حال بس مابين ملامحه كنت بشوف الوجع، كنت بشوف تجاعيد قسوة الايام محفوره عليه..

تحركت لتجلب الفنجان وتصب قهوتها واكلمت
- مش هكذب واقول إنه مش بيوحشنى ؛ هو بيوحشنى لدرجة إنى جبت خط جديد مجهول بالنسبة له وللكل وكان كل ما يغلبنى الشوق ارن اسمع صوته واطمن منه إنه بخير، ومش هكذب على نفسي أكتر من كده وافكر إنه بالغباء اللى يخليه ما يعرفنيش ؛ حتى ولو عقله نفى، قلبه مستحيل يطاوعه..
انتهت من اعداد قهوته وعادت الى غرفتها بخطواتها الهادئه، وافصحت.

- فى كل مرة كنت بشوفه فيها، كنت بتلكك بحوار الطلاق عشان افتح معاه كلام وهو كان بيتلكك بشغله عشان يمد العلاقه اطول وقت ممكن، وادينا احنا الاتنين بنقتل الوقت عشان منفكرش فى بعض ومع ذلك الوقت هو اللى بيقتل نفسه نفسه عشان تيجى اللحظة اللى تجمعنا...

شرعت فى ازاحة ستائر الغرفة لتتنفس بهواء جديد متأمله إنه يحمل نسائم رائحته ذات يوم وجرت مقعدها وجلست امام الشرفة وبيدها هاتفها وكتابها الذي أنس وحشيتها طوال غيبته وتابعت مردده..

- الغريب فى كل ده إن زيدان اختفى محاولش يظهر قدامى طول الست شهور ؛ سمعت انه بقي عضو مجلس شعب، معقوله ضمير الذئب صحى وركز فى شغله ونسانى ولا ده الهدوء الذي يسبق العاصفة، العاصفة اللى هتطير الكل...
ايام بحواف زجاجية مرت عليها ولكنها كانت اقوى من ان تعتق خُطاها، ظلت ترتشف قهوتها بهدوء وتناولت دفترتها لتكتب خواطرها الصباحيه وتنزف حبر قلبها فوق الورق، ودونت.

- النهارده يوم مش عادى ؛ حصاد وشقى وتعب سنة كامله هجنيه النهارده، أعلنوا ان النتيجة النهار ده، وعلى أد ما أنا خايفة ومرعوبة إلا إنى واثقه فى ربنا انه مخبيلى حاجه حلوة، انا خايفه افتح اشوفها اتصدم واول سلمة فى حلمى تتهد بس مفيش مفر من المواجهه مهما طولنا المده..
ثم وقف سن قلبها عن النزيف وتنهدت بحرارة.

- كان نفسي اوى يا هشام تكون هنا ؛ كان نفسي نفرح سوا واول حد اترمى فى حضنه، أو تطبطب عليا لو اتهزمت..
ثم هزت رأسها نافيه مستقوية
- لالا، انا قويه؛ انا هفتح واشوفها قبل ما انزل الشغل..

ارتفع هرمون الادرينالين فاضطرب جسدها وارتعشت اناملها وهى تبحث عن موقع النتيجه لاهثه بتسبيحات صاحب الحوت، الى أن تصاعدت اصوات قلبها بمجرد ما عثرت عليه فأغمضت عينيها وهى تقبس عليه لتفتحه، وبعد اختلاجات قلبها وحروبها التى اندلعت مع نفسها واوهامها بحثت عن اسمها فى القوائم بلهفة، بخوف، بأمل غريق يبحث على بر الامان..

فلمس ابهامها اسمها وسحبته تدريجيا تحت درجة كل مادة الى أن استراح قلبها آخيرا عن اخر مادة فوثبت مهللة لحصولها على تقدير عام امتياز وترتيبها الاول على دفعتها، فرحة غابت عن قلبها دهرًا، فاندفع سيالها دفعت واحدة وانصبت فى قلبها، ابتهج قلبها وتسربت مخالب النجاح بروحها فركضت بلا وعى مناديه على سعاد
- أنا طلعت الاولى، انا نجحتتتتت، يااااماما ؛ باركيلى...

وعلى حدى تجلس رهف فى منتصف فراشها متهجمة الوجه بائسة تاركه الهاتف مضيئا امامها بدون ما تلتفت، فدخلت عليها أمها
- انت مش هتنزلى الشغل معايا..
اجابتها بنبره بائسة
- ماليش مزاج، روحى أنت..
تركت عايده الباب مفتوحا ثم دخلت إليه مستفهمه
- ازاى يعنى مالكيش مزاج، رهف ؛ الشغل شغل، مالهوش علاقه بحالتنا المزاجيه دى ولعب العيال..
تأففت رهف ممتعضة
- اوووف يامامى، هى ميان لسه مرجعتش من السفر..

جلست عايده على طرف السرير مرغمة
- هترجع النهار ده، انت مالك، فيكى إيه؟!
رفعت انظارها بخزى وقالت
- اصلى سقطت، وهشام ولا زياد لو عرفوا هيسودوا عيشتى..
لم يفرق لها كثيرا رسوب ابنتها فقالت.

- روفا حبيبي، متزعليش نفسك، وايه يعنى سقطتى وهما اللى نجحوا يعنى جابوا الكاس! ماهما قاعدين فى البيت ؛ الحياه الجامعيه دى احلى ايامك وكون انك سقطتى دى فرصة جديدة لحياه جديده، متشليش هم حد، أنت عملتى اللى عليكى والنتيجه بتاعة ربنا..
زهرت ملامح رهف بحيويه
- يعنى حضرتك مش زعلانه مني؟!
قبلت عايدة جبهتها بحب وبتشجيع
- لا ياحبيبتى، زهزعل ليه، اهم حاجه نفسيتك ؛ قومى اخرجى واتبسطى مع صحابك وانزلى بكرة الشغل..

نهضت رهف لتجلس على ركبتيها وتعانقها بفرحة
- أنت احلى أم فى الدنيا...
بالرغم من بساطة الحياه فى نظر عايدة إلا انها لم تظفر مرة فى توصيل احساس الدفء لقلب رهف، كان حضنها باردا، غير مبالايا بااوجاع ابنتها، تركتها وغادرت فتابع قفل الباب صوت رنين فارس الذي لم يكف عن ملاحقتها طوال الستة أشهر، اجابته
- هاى فارس...
هتف بحماس.

- بصي أنا قدام بيتكم وسايبك طول الفترة اللى فاتت بمزاجك وعشان امتحاناتك، لكن لو منزلتيش حالا وجيتى معايا هاجى أخطفك ومش هيهمنى حد...
فكرت حائرة حتى اجابته مجبرة
- تمام، حاضر يا فارس نزلالك...
ثم انهت المكالمه على الفور وهى تعيد ذكريات الست أشهر الماضيه وتغمغم لنفسها وهى تعد ملابسها متجهزة للذهاب.

- كنا جو فاميلى وتيم حلو أوى، كله لعب وضحك وهزار، وسطهم لقيت حاجات كتير مفتقداها، ومنكرش انى بدات اتشد لفارس! اوو حبيته، لحد اليوم اللى شوفته بيخونى فيه مع نانسي، ااه انا شوفته بعينيا ومع ذلك سامحته ؛ معرفش سامحته ليه بس مش عارفه ارجعله زى الاول، له ٣شهور بيحاول يصالحنى وانا مكنش الموضوع فارقلى اوى خاصة بعد ما قال لى انه كان شارب ومش فى وعيه..

انتهت من ارتداء ملابسها فسقطت عينها على الصوره التى تجمعها مع اخوتها ومجدى وقالت بأسف.

- أنا ما سبتش مجدى هو اللى سابنى، طول الوقت فى شغله وبعيد عنى، ايام كنت بحتاجله مش بعرف اوصله، سمعت أنه اتفق مع هشام انه يخطبنى اول مااتخرج بس انا مش حاسه بأى حاجه غير نقص، نقص جوايا بعوضه بوجود فارس المؤقت، أما مجدى مظنش إنى هحس معاه بكل اللى بحسه مع فارس بالرغم من إنى مش مصدقاه وحساه كله مزيف، انا تايهه، تايهه لدرجة إنى معنديش شغف للعودة لحياتى الاولى، كلهم بقيوا شبه بعض...

‏يبدأ فقدان الامان حينما نجوب الشوارع بلا مقصد بلا هدف بلا خوف من عرقلات الطُرق، نلقى انفسنا بالنيران ولم نخشي الاحتراق، ويبدأ فقدان الحب بأن نكف عن العطاء، بعدها نكف عن الأخذ، ونمل الانتظار حيث إنه يصبح بثقل الجبال على قلوبنا...


(قبل كُل شيء دعني أُخبرِك، بإنني غارقة فى الحُزن الذى سحبنى لاعماق الوجع، لأن الأمور دائماً على حالِها. كُل شيء بنفس درجة البؤس والملل، والرتابه، مازلت تتملكني الرغبة أن أهربُ مِن كُل شيء، إلى علاقة حُب حقيقية بدون زيف أو تصنُّع، بدون حروب وهميه هدفها قتل كل ما هو بى إليك، ).

تكحلت بسمة بسواد ايامها أمام المراة وهى تستعد للنزول لاداء بقية امتحاناته التى بدات من شهرين ولازالت مما كانت كحبل رحمة لانتقامها من زياد لاشهر وعلى النقيض انشغاله هو الاخر برسالة( الماستر ) التى انسته أمرها قليلا خاصة بعد انقضاء الدعوى التى رفعها عليها بأمر من هشام، ولكنه لم يشغله عن ملذاته الخاصة واهوائهم الدنيئة..

مر ٦ اشهر على اختفاء سامر التام ولكن الامر لم يشغلها فمن البدايه لم يكن حبا بل كان وسيلة انتقام، انتهت من ارتداء ملابسها فتناولت هاتفها وطلبت رهف بتردد
- روفا، صباح الفل...
رهف تخرج من غرفتها وهى ترتب ملابسها
- صباح النور يا بسمة، هو فى حاجه..
تلملم بسمة ادواتها فقالت بتردد
- هو زياد عندك..
رهف حائره
- مش عارفه، استنى اشوفه..
فارتفعت نبرتها منبهه
- بس اوعى ياخد باله إنى بكلمك..

تأففت رهف ممتعضة وهى تضرب الارض بقدميها
- انا ارفت منكم، ما ترجعوا لبعض وتريحونى..
داعبتها بسمه ممازحة
- ده بعينك انت واخوكى..
اثناء حديثهم فتحت باب غرفه فزياد فلم تجد، ثم عادت لتخبر بسمه بفتور
- مش موجود يابسمه..
ارتفعت انفاس بسمة بارتياح ثم قالت بمكر
- طيب ادخلى كده دوري على مكتبه على إي ملف او فلاشه او اي حاجه تخص الرساله بتاعته.
قلقت رهف من طلبها ولكنها استسلمت لتنفيذه وهتفت اثناء بحثها.

- فهمينى طيب بدل ماانا بدور مش عارفه على ايه زى الهبله..
- من غير اسئله كتير يا رهف، شوفى وانا معاكى...
استغرقت رهف عدة دقائق لتبحث عن طلبها إلى ان تنهدت بارتياح عندما وجدته فى احد ادراج المكتب وقال بكلل
- هو فى ملف كبير وفلاشه، وشويه ورق كده مش فاهمه فيه حاجه..
اتسعت ابتسامه بسمة بخبث ثم قالت
- طيب معلش، ممكن تاخدى الميموري من الفلاشه وكمان الورقة السادسه والعاشره من الملف..
هبت رهف معارضه.

- لا لا ازاى، ده اكيد ورق مهم لزياد يخص رسالته، هى مش النهارده هيناقشها..
تحججت بسمة بحجة زائفه
- يابنتى وانا مجنونه هضره فى شغله، لالا طبعا، دول بس لان الدكتور اللى هيناقشه معرفه قديمه فانا كنت عايزه اخدمه من غير ما يعرف، و كمان يعنى عشان ما ابينش إنى مهتمة، فهمانى..
اومأت ايجابا بعدم تصديق ثم قالت
- تمام، اجيبهملك أمتى، انا خارجه دلوقتى..
فكرت بسمه
- بصي خليهم معاك ولما اخلص امتحانى هكلمك نتقابل..

رهف بسذاجة
- تمام يا بسمة، على تليفونات..
قفلت مع رهف وقامت لترتدى حذائها وصدى صوت الضمير يعول بقلبها، يصدح نادما
- انا عارفه إنه بيتعب فى شغله ومهما عمل هيبقي الحاجه الوحيده اللى مايستاهلش إنه يتأذي فيها، بس أنا جوايا نار من ناحيته عايزة تاكل تدمره، عايزاه دايما مهزوم زى ما هزمنى وكسرنى لحد ما بقيت بالبشاعه دى، بقيت اخاف ابص لنفسي فالمرايه...
ثم عادت لتتمم على ادواتها.

- عمتو سعاد بتقول لى إن الانتقام حب ومصممه على كده، بس أنا مش حاسه بده، حاسه إنى عايزه احسسه بنفس الوجع اللى عيشنى فيه، بس الفكرة ان امر الرجاله دول غريب مالهمش نقط ضعف، مالهمش زر ندوس عليه يتوجعوه، كل اللى عملته فيه وهو لسه مكمل ماتهزش لدقيقه سواء فى شغله فى علاقته فى سهره وانبساطه، دايما مدلع نفسه، ودايما شايفه انهم اتخلقوا من طينه غير اللى اتخلقنا منهم، هل هما بيتوجعوا زينا؟! ولا الوجع ده شعور اتخلق عشان يكون من نصيبنا وبس؟! معنديش ردود بس عندى رغبة فى إنى اشوفه فاشل، مايعرفش ينجح، ابقي أنا انجح واشطر منه، ماهو مش هياخد كل حاجه، انا لازم اخد حقى منه...

وتبقى أفضل الأمنيات هي أن نجد من نبدأ معه وننتهي معه وألا نتذوق مرارة الفقد ثانية، وألا نشعر بصعوبة اللجوء لمن ليس لنا، ألا تقام بيننا الحواجز والعوائق التى نفكر فى كيفية هدمها بدلا من ترميم دواخلنا ونحن معًا، أن نجد من يهون علينا مرّ العيش وأن ينير لنا ظُلمة الليل، من سيبقى كما عرفناه أول مرة ولا يغره الزمان، ألا نقطع طريقًا كاملا مع شخص خاطئ ثم نكتشف أن عمرنا تناثر هباءًا...

- مصممة بردو تتعبى روحك كل يوم وتقومى تجهزى فطور..
جُملة قذفها قلب خالد فارتطمت انفاسها بجدار عُنق قمر الواقفه على الموقد لتجهيز الفطار وهو يحاوط خصرها ويدنوها إليه...
تركت ما بيدها مبتسمه
- وانا هلاقى أغلى منك فين عشان اتعبله..
رفع كفها المبتل لمستوى ثغره وقبله وقال بحب
- ربنا ما يحرمنيش منك يا قمر..
فابتعد عنها قليلا ليجلس على ركبتيه ويضع اذانه عند كُرتها المنتفخه متحدثا.

- صباح الفل يا حبيب ابوك، يلا عاد شد حيلك وتعالى عشان انا متوحشك قوى..
ردت الحيويه فى وجهها وتغللت اصابعها بشعره ضاحكه
- والله انت اتجننت خلاص، ياحبيبي لسه باقى ٥ شهور على شحتفتك دى..
نصب عوده مرة آخرى ورمقها بحب
- أنا فعلا اتجننت، بس اتجننت بأمه، وملهوف لشوفته عشان هو حته منك..
نكزته بحرص
- وطى صوتك طيب وبعد كده أمى هتصحى..

طفح كيل خالد من خجلها الدائم من أمها وانكمشت ملامحه بخطوط تحوى بينها شظايا الغضب وقال
- يادى أمك، طفى عالبوتجاز ده وخدى عايزك..
لم ينتظر ردها بل بادرها هو بقفل أعين الموقد وسحبها بقوة خلفه وما لبث أن قفل الباب فانهال عليها بقبلات شوقه العشوائيه، فتملصت منه متدلله
- ياخالد، هتتاخر على شغلك يا نور عينى..
بعدم اكتراث لجملتها واصل افعاله العذبه
- شغل ايه بس كبرى راسك ياقمر...
اوقفته بغته.

- يعنى صاحى متأخر وكمان مش عايز تروح؟!
انحنى ليحملها راغبا تائقا بها وهمهم
- ماهو مفيش شغل تانى، كده خلصت..
مغزى كلماته ارعبها وبث الخوف فى قلبها للحد الذي لم يشعرها بملاطفاته، فبمجرد ما اجلسها برفق سألته
- انت ناوي على ايه...؟!
شرع ليواصل ما بدأه قائلا
- هتفهمى بعدين..
وقفت مبتعده عنه
- خالد مش مرتحالك..
اختنق متأفقا
- راجع البلد ياقمر، راجع أشوف امى ومالى وملايينى اللى بيلعب بيها زيدان..

انفجر شلال الحزن من مقلتيها
- البلد؟! ليييييه، ماحنا مرتاحين ومستورين..
انفجرت نيران كبته
- هو ايه اللى مرتاحين، مرتاحه بشغلى جرسون فالمطاعم ولا بالشقه الاوضتين وصاله اللى شايلين هم تاجيرها كل اول شهر، ولا بالعشا اللى بنوفره لتانى يعنى، وخايف ابيع حاجه ولا اقرب من البنك احسن عمى يشم خبر ومايقتلنيش، دى مش عيشه ياقمر، دى مذلة، ولدنا ولد عُمد ونسل عز، مش عايزو يتولد فالفقر..
انفجرت صارخه.

- وانا راضيه، ومستعده اعيش على ضلك من غير وكل ولا شرب، مين بس كان اشتكالك، خالد انسي، انسي وحياة ولدنا اللى جاي..
ثم اقتربت منه لتحتويه متوسله
- ماتوجعش قلبى عليك، أنا ما صدقت لقيتك..
بدلا من أن تضمه ضمها هو إليه واحتوى بكفه الاخر بطنها ليطمئنها
- مش عايزك تقلقى، لازم نجمد قلبنا عشان نرتاح بعدين..
اغرورقت ملابسه بمياه حزنها وهى تترجاه.

- وغلاوة قمر عندك ما تعمل اللى فى راسك ياخالد، انا راضيه بالفقر طالما اخر اليوم بسند راسي على دراعك، هيفيدنى بإيه الغنى وانت مش معايا...
ثم رمقته بعيونها الذابله
- مش هتروح صح، اوعى ياخالد، بلاش وحياتى عندك..
دفن رأسها فى حضنه ورمم مخاوفها بتربته الهادئ على كتفها ليطمئنها
- طب اهدى خلاص، اهدى عشان اللى فى بطنك..
- مش هتروح، اوعدنى..

هز رأسه نافيا متظاهرا بعكس ما يبطنه وحملها بين يديه بحب فعناقته كغريق تعلق بقشاية النجاة وغمغمت بصوت باكى
- أنا بحبك قوى ياخالد، متسيبنيش..
جلس بها وضمها بركبتيها المثنيتين إليه وقال مداعبا
- واللى يحب حد يبوظله اليوم كده؟!
هزت رأسها غير متفهمة
- مش فاهمه، قصدك ايه؟!
ضحك بلطف ثم ضمها إليه أكثر وقال
- اه ياختى اعملى فيها مش واخده بالك، ادى اللى واخده منك...

‏سلام على الذين لا تبدلهم حياة، ولا تفرقهم طرق، ولا تغيرهم ظروف ولا تغريهم الملاذات ولا تملأهم المطامع الدنياويه، فكل ما يريدونه حب وضمة أمان فى ليله مفجعة...

وقف سيارة فارس أمام احد عربيات المحلات ليحضر مشروبا لرهف التى تجلس فى سيارته وبعد عدة دقائق عاد إليه واعطى لها مشروب البرتقال وقال معاتبا
- شهر كامل يارهف مش بتردى على تليفوناتى..
شرعت فى ارتشاف العصير ثم قالت
- ما انا قولت افضيلك الجو مع ست نانسي...
- يااادى ست نانسي..! انت ليه مش عايزه تفهمى ان ده العادى، ده مجرد وسيله عشان ننبسط بيها كلنا لكن المهم أنا بحب مين، وعايز اكمل مع مين..

انغمست رهف فى شرب العصير ثم قالت ساخره
- يعنى ماكنش سكران زي ما أنت مفهمنى، وقعت بلسانك اهو..
ضرب على مقود سيارته بعنفوان متضجر
- وبعدين فيكى، فين الفرق طيب احنا بنشرب وبنعمل علاقات ليه!؟ مش عشان ننبسط، حبيبتى افهمى ان كلنا اتولدنا واتربينا فى امريكا فى دى حياتنا، وانت لازم تبقي زينا...
انتاب رأسها تنميل خفيف اضعفها وهى تقول
- انا عمرى ما هبقي زيكم، عشان أنا...

لم تكبح أن تكمل جملتها فتقطعت انفاسها ومسكت رأسها متوجعه وتفوهت بهزل
- انا مش قادره، هو العصير ده فيه ايه..
وقعت رهف اسيره لمطامع نانسي وفارس الدنيئه حتى فقدت وعيها تماما، اعتلى ثغره ضحكة انتصار وهو يقود سيارته بفرح
- والله ووقعتى يابت السيوفى، واخيرا جالنا الامر...!

وصلت فجر إلى محل الورد الخاص بها الذي فتحته بالمناصفة مع سعاد، فألقت التحيه على الفتاه العامله بها..
- يازهره، صباحك ورد..
- صباح الفل يا ست فجر، كويس إنك جيتى...
جلست فجر على مكتبها وقالت
- خير؟!
- فى زبون عايز بوكيه ورد بمواصفات معقدة، ومصمم إن حضرتك اللى تعمليه بنفسك..
- غريبه، ماقالش اسمه؟!
طأطأت باسف.

- لا، بس عايزه كمان ساعه بالكتير وطالب اغلى انواع الورود اللى فى المحل، وعايزه كبير لحفلات مش مجرد بوكيه وخلاص، حضرتك كل مواصفاته الغريبه مكتوبة عندك..
للحظة خُيل لقلبها لو كان هشام الذي يطلب منها إعداد ( بوكيه ) نجاحها وسرعان من نفضت غبار الفكرة من رأسها وقالت
- تمام يا زهره، انا هشتغل فيه دلوقتى..

شرعت فى تجهيز الباقة حسب المواصفات مع اضافات لمساتها الخاصه، حتى توقفت أمام زهرة الاوركيد التى يعشقها هشام وتذكرت يوم افتتاح المحل عندما اتى ليبارك لهم متعمدا توجدها بتجاهله القاتله وقام بشراء باقة مختلفه من اختياره من عندهم واهداها لسعاد بعد ذلك...
ثم وقفت خلفه وهو يتأمل الزهور وقالتله
- هتفضل تتجاهلنى كده كتير؟!
لم يلتفت إليه ولكنه اجابها فى ثبات تام.

- بعض الناس فى حياتنا زي زهرة الخشخاش بالظبط، بالرغم من جملها وحسها العالى ورقتها للدرجة اللى بتخليها تتأثر بالغُنى وبتنمو عليه الا إننا لازم نتجاهلها وما نتخدعش فيها لانها مصدر أساسى للافيون، اللى بيدمرك لو سبت نفسك له..
القى جملته وولى ظهره مغادرا بعد ما رمى اشواك المحل فى صدرها ففاقت من شرودها منشغله فى اعداد باقة الورد وظلت تتسأل.

- طيب هو أنا بوحشه زى ما هو بيوحشنى؟! اول حد نفسي اجرى عليه يشاركنى بنجاحى واكتر حد هو بيعد للدرجة إنى لو شوفته هعمل نفسي ماعرفهوش، احنا اصلا اتعودنا على كده...

حمل فارس رهف النائمه بين يديه ودخل بها احد الغرفة فتابعته نانسي وقالت آمرة
- يلا نيمها هنا...
فارس متحيرا بعد ما وضعها على الفراش وقال
- ناويه على إيه يا نانسي، فهمينى..
- أنت تنفذ وبسسسس، يلا قلعها هدومها..
فارس باستغراب
- مااحنا مصورينها كتير، هتفرق ايه..
تذمرت نانسي وهى تفتح الكاميرا
- قولت قلعها يافارس، يلا..

شرع فارس فى تجريدها من ملابسها شيئا فشيئا ولازالت نانسي تلتقط تحركات فارس الذي حرر رهف من كل ملابس ولم يبق سوى ملابسها الداخليه، فنظر الى نانسي مستفهما
- تمام كده؟!
نهرته بغلٍ
- انت بتهزر يا فارس؟! قولت كله...
لم يغمض لهما جفن الرحمه للاعتداء على خصوصياتها قهرا فنفذ فارس اوامر نانسي مستمتعا حتى امرته
- وانت كمان، يلا اقلع..
- لا كده جنان، اللى فى بالك ده مستحيل يتصور..
نانسي بثقه.

- ومين قالك ياحبيبي إنى هسمحلك تقرب منها، ده فيديو تشويش كده وكده، عشان نعرف نلوى دراعها، يلا يافارس انجز قبل ماتفوق...
فعل كل ما امرته به بالحرف حتى نالت غرضها وقامت بالتقاط فيديو بخديعة بصرية وما هى الا عدة دقائق فقلت الكاميرا وقالت بارتياح
- يلا بقي كفاياها كده، ونلبسها..
فارس مندهشا
- أنامش فاهمك بصراحه...
همت نانسي فى تلبيس رهف مرة آخرى فقطعها فارس منتشيا
- ماتسيبنى أنفذ، واهو مش خسرانين حاجه...

حدجته بقوة
- وربنا اقتلك، انت ليا أنا لوحدى وبس، فاهم، يلا لبسها معايا وبلاش دماغى تروح لبعيد...
ماهى الا لحظات ودخلت ميان عليهما متلهفه
- هاااا، كله تمام؟!

(بعد الظهيره )
انتهت فجر من إعداد الباقه التى انبهرت بجمالها، ما لبثت ان تعود لمكتبها ففزعتها سعاد راكضه لاهثه متخذة انفاسها بصعوبة
- مصيبة يافجر، الحقى..
تقاسم الرعب ملامحها
- خير، مالك؟! بسمة كويسه
بللت حقلها ثم طفقت قائله وهى تبكى
- هشام، هشام عمل حادثه كبيره اوى، وهو بين الحياه والموت يافجر، الحقييييه يابنتى...

لهذا الحد تنفرها الحياه ولم تتم فرحتها، أطلقت انظارها بحريه فى ارجاء المكان ولازالت صامده مذهولة، جملة اصابتها بشلل كلى كمن سكب ماء كاويه على جروحها الغائره باتت مشاعرها مخضرمة بين الحنين والوجع غير مصدقها انها ستفقده للابد، فكل ما مر من العمر أملا فى لقاءه فى نهاية المطاف، فماذا ستفعل إن رحل عنها للابد؟!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة