قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية الحرب لأجلك سلام الجزء الثاني للكاتبة نهال مصطفى الفصل السابع والعشرون

رواية الحرب لأجلك سلام الجزء الثاني للكاتبة نهال مصطفى الفصل السابع والعشرون

رواية الحرب لأجلك سلام الجزء الثاني للكاتبة نهال مصطفى الفصل السابع والعشرون

سلامى الى الشخص الذى تتعافى من ندوبك به وجوده معك يجعل الطمأنينة تسكُن في أعماق قلبك شخص ينتشلُك من عُمق المُحيط ويرميك على حافة الشاطئ شخص مُرسل إليك من اللّه ليُراضيك.

جف حلق فجر من شدة الخوف وتراجعت خطوة للخلف وكل ما بها تكور من شدة إثر الصدمه، فصاح زيدان جاهرا، وبنبرة اشبه بالعتب وهو يدور حول فجر ضاحكا
- هى دى الاصول يا ولد السيوفى! ترمى حريمك فالشارع! عموما اللى يرمى النعمة زيدان صياد وقاعد يتلقاها، بالمناسبة مرتك عندى وبتقولك تعيش وتاخد غيرها...

اتسعت ابتسامة مُهجة الشامتة وهى تضع كفها فى منتصف خصرها وتتمايل بفرحة ترمق فجر التى انسكب دلو من الثلج فوق رأسها مدركة مدى قسوة المأزق الذي وقعت فيه..

على حدا ترك هشام الطبق الابيض من يده على طرف طاولة ( اليوفيه ) محاولا استيعاب ما خر من اشواك على قلبه، انفرج ثغره ليكذبه ؛ ينهره، وآخر يتوسل له بأن يعترف بأكاذيبه، للحظه فقد نبرة صوته لتربط رأسه الخيوط ببعضها، فتردد فى آذانه بعض اللقطات العباره لصوت ميان المتهامسه فى الهاتف ( يعنى إيه هى عندك؟!)، ولقطة آخرى لصوت فجر متعهده ( أنا مش هكذب عليك مهما حصل )، وفلاش من جُملة زيدان ( اللى يرمى النعمه فزيدان صياد )، ثمة شيء يدور من حوله لا يعى نتيجته، ولكن تحرك حسه الامنى وقاده ذكائه للثبات، ففاق على جُملة زيدان التى انتهت بضحكة انتصار.

- ايه ياولد السيوفى، روحت لفين!
تحمحم هشام متجاهل تمزق قلبه، وقال بهدوء مفتعل
- معاك، معاك ياحضرة النائب!
التقت أعين فجر المرتعشه بعيون زيدان الشرانيه، فواصل زيدان
- عموما الامانه رجعت لصحابها..
بادله هشام بضحكة غير متوقعة
- ما هى خلاص ما بقيتش تلزمنى، حلال عليك..
شهقة عاليه اندلعت من قلبها دفنتها بكفوف يديها التى غُسلت بدموع عينيها، فواصل هشام بجدية.

- ولو كانت فاكرة اللى حصل ده هيعدى بسهولة، يبقي متعرفش هشام السيوفى...
اشتعلت نيران الحيرة فى رأس مهجة التى وقفت تتأمل الحسرات المتراقصه على وجه فجر مستدله منها على إجابه ما ولكن بدون جدوى، فانهى زيدان المكالمه بجُملته الاخيره ؛ وقال
- عيب لما حتة ظابط زيك يهدد واحده فى حماية عضو مجلس شعب زيي!
لم يعط هشام فرصة للانفجار حيث إنه انهى المكالمه سريعا وحدج بانظاره الواعره فجر، وتفوه بنبره مغلفه بالتهديد.

- متخافيش منه، ولا يقدر يقرب لك ؛ بس خافى منى لو فكرتى تنجسي معاى..
أومات رأسها بطاعة فلم يفرق معها تهديداته الفارغه أكثر ما شق رأسها رد فعل هشام الذي أضرم النيران بقلبها، فتقهقرت منسحبه او على الاقرب هاربة من شجون الموقف الذي انصب كالغاز على لهب دواخلها..
اقتربت مهجة من زيدان ولازالت تحت تأثير صدمتها وسألته
- بتفكر فى إيه!
هندم جلبابه الصعيدى وقال بهدوء
- البت طلعت براءه، ارتحتى!

رمقته بنظرات الخسة وقالت محذرة
- زيدان! ناوى على إيه!
قهقهه زيدان بمكر تعالب وجلس على مقعده الجلدى بفظاظة
- البت احلوت قوى يا مهجة، ولا إنتِ شايفه إيه!
انفجرت غيرة النساء بجوفها، وصاحت مهددة
- شايفه إن اللى فى بالى لو طلع صح ما هرحمك يازيدان، كله إلا البت دى...
اسبل عيونه المتوقة بشظايا شهواه الدنيئه وقال لاعبا على اوتار كهنها
- ايه، خايفه تاخدنى منك إكمنها احلى واصغر..

استندت مهجة بكلتا كفيها على سطح مكتبه واطرقت متوعدة
- تبقي متعرفش مين هى مهجة الصياد يا زيدان!
ألقت جُملتها وغادرت وهى تلعن فى نفسها سرا وآخر صدح صوت شيطانها مهولا
- أنت اللى اخترت يا زيدان...
وعلى الجهة الاخرى يقلب ابهام هشام قائمه الاسماء باحثًا عن اسم مجدى ففوجئ بكف ميان يتصلق كتفه قائلة
- مين واخدك منى؟!
حارب ليبدو عاديُا
- معلش معايا مكالمة مهمة بس!
ضاقت عيونها بفضول
- مكالمة إيه؟!
جهر بغضب دفين، وصاح.

- اتوقفت عن العمل يا ميان، واتحولت للتحقيق..
جحظت عيونها بذهول
- ازاى وليه؟!
زفر مختنقا حائرا، حيث باتت الحيره تنهش فى خلايا رأسه
- أنا لازم ارجع القاهرة، حالا..
اومات متفهمة
- تمام، هنرجع يلا...
تجوب فجر الغرفة بخطاوى فوضوية حد دورانها حول نفسها من شدة التفكير ؛ فوضعت السماعة منادية على مجدى عدة مرات بصوت موشك على البكاء..
- مجدى، مجددددى، يامجدى!

نزع مجدى سماعته اللاسلكيه المتصلة بالميكرفون الذي ذرعته فجر فى مكتب زيدان ؛ فتنهد مطمئنا
- ايوه يا فجر...!
ضربت الارض بقدميها
- مصيبة...
اوما مجدى متفهمًا
- سمعت يافجر كل حاجة، وبصراحه مكنتش متوقع البجاحة بتاعته دى كلها..
فرت دمعه من طرف عينيها، وتفوهت بصوت مختنق
- انا مرعوبه من هشام يا مجدى..
ثم سكتت للحظة وواصلت نادمة.

- هو معقولة يكون بيكرهنى بجد، هشام خلاص استغنى عنى، ياريتنى ما سمعت كلامك يامجدى، أهو هشام عمره ما هيسامحتى!
زفر مجدى حائرا
- فجر إنتى ليه مستهونه بذكاء هشام؟! هشام آكيد فهم إن فى لعبه فهو مشي مع الموج، وبصراحه ده المتوقع منه...
اجهش صوتها بالبكاء
- يعنى هو ممكن يسامحنى!
كور مجدى يده غاضبًا.

- نامى يا فجر، نامى واطمنى بخصوص هشام؛ وكمان الزفت اللى اسمه زيدان ده اطمنلك، عايزك تركزى كده وتنفذي باقى خطتنا زى ما اتفقنا..
اطرقت بنبره مهزوزه
- طيب وهشام، انا مش هقدر انام كده!
احتدت نبرته الجازعة، وأمرها بعنفوان
- فجر انا مش فاضي لحركات العيال دى، اركنى هشام على جمب اليومين دول لحد ما نوصل كلنا على البر، فهمانى، ويلا نامى الوقت اتأخر..
غمغمت مجبره وبضعف
- حاضر...

(عادة ما ‏فِي القلبِ أشياءٌ تثورُ، ولا تُرى، وإن سالَتْ منا لفَاضتْ الابحر، ولو انصب حزن القلبِ فى نهرٍ، لَأذبلَ كُلَّ ما هو أخضرٌ، ).

- مجدى بيه، الواد اللى فالحجز تحت عامل دوشه ومش مخلى المساجين ينامو...
تدلت اقدام مجدى الممتده على سطح المكتب ارضا وهو ينزع السماعه من اذانه وقال بتأفف
- انزل قوله يحط جزمه قديمه فى بؤه وإلا هنزل ادفنه مكانه...
تردد العسكرى للحظة، فقال بخوف
- مجدى بيه، كده فيها مُسائله قانونيه...
ألجمه مجدى بجزع
- وانت هتعلمنى شغلى! اللى بقوله تنفذ وبس...

أوما العسكرى بطاعة وانسحب وقفل الباب خلفه، فتمتم مجدى بكلمات غير مفهومة فجر بها شحنات غضبه فاستدار نحو صوت رنين هاتفه الذي اضاءه باسم رهف التى لم تكف عن اتصالاتها المُتكرره، فامسك بهاتفه مختنقا واغلقه ورماه بضيق
- اتربى لك شويه أنتى كمان..
ثم نهض نحو الاريكة ليمدد جسده المُتعب لينال قسطا من الراحه قبل نشوب المعارك، وعلى حدا القت رهف هاتفها متأففه واختنق صوتها حتى اوشك على البكاء.

- شوفتى ياطنط، بردو مش بيكلمنى ولا عايز يطمنى...
قفلت سعاد احد الروايات الشهرية بيدها وتبسمت بثقة
- ومش هيرد...
انعقد جبين رهف بجزل طفولى
- ليه...
أكملت سعاد بتفهم
- ياروحى مجدى راجل وطبعه حامى ومش معنى إنه بيساعدك هيعديلك عملتك دى ويرجع يكلمك عادى!
انخفضت نبرة صوتها بحسرة
- هو قال لى يابنت عمى، وكان بيكلمنى باسلوب كده معجبنيش..
جملة رهف ايدت حديث سعاد التى واصلت.

- أهو، يبقي نظريتى فى محلها ؛ استحملى بقي عقابه..
اغرورقت عيونها بلألأ الحزن، ونشجت
- يعنى ايه! هو مش هيكلمنى تانى خلاص على كده!
تعمدت سعاد اللامبالاه عازفه على اوتار ضعفها
- جايز، وجايز كمان يكون فاق وعرف إنك مش البنت المناسبة له ؛ كل الاحتمالات معانا...
- ده بجد! لا أنا مش هقدر ابعد عنه ؛ وهو عارف كده كويس، أنا الصبح لازم اروح له...

حدجتها سعاد بطرف عينيها وبنظرات متخابثة كتمت ضحكاتها وعادت لتقرا حيثما توقفت، فعادت رهف إليها لتسألها
- طنط طيب اللى إحنا عملناه فى بسمة وزياد، صح!
- والله لو نجحت تبقي صح، ولو فشلنا نبقي عطناهم فرصة جديد ة محاوله وهما معرفوش يستغلوها...
ترمقها رهف بنظرات حائره على تلك اللامبالاه والراحه التى تتحدث بها كأن العالم ينحصر بين اصابعها كحبال العرائس الخشب تحركهما كما شاءت، فغمغمت
- هى ازاى هادية اوى كده!

لكي ترتاح، تعلم أن تختصر في كل شيء، كلامك، مشاعرك، غضبك، وأحيانا بعض الناس، فى الاختصار كنز لا يدركه اصحاب الثرثرة المبالغ فيها...

هبت نسائم الفجر مغبره بأتربة الامس، فتسللت فجر بحرص شديد نحو الغرفه التى تكن بها نادية، فهبطت على درجات السلم وهى تكتسح المكان بانظارها المنتفضة حتى وصلت الى الدور الارضي وتسحبت تحت السلم لتقف أمام الباب الحديد المُغلق بالقفل ففشل مُخططها حينما عجز عن الوصول اليها..

وقفت للحظات تفكر فى طريقة آخرى للدخول ولكن لا يؤدى إليها إلا باب محكم قفله باصفاد الشر، خاب امل فجر الى أن كتمت صوت شهقاتها إثر الصوت الصادر من الخلف
- كنت متأكده إنك جايه عشانها..
حبل الهزيمة التف حول عقنها إثر غباءها، فتصبب عرق الارتباك من مسامها وهى تبرر
- انا، انا هنا عشان جُعت وكنت رايحة المطبخ ادور على أكل..
نزلت نورا أم ايوب من اخر درجة على السلم واقتربت منها.

- مفكرة إنك هتقدرى تقفى قدام زيدان! وتخلصي البلد من شره؟!
ذهلت فجر من سؤالها الغير متوقع فسرعان ما استقبلته بالنفى
- بس انا...
قطعتها نورا بتفهم
- أنا معاكى مش ضدتك!
ثم اقتربت منها وهمست لها
- انا عارفه وانتى عارفه إن الظابط جوزك اللى باعتك هنا..
باصرار نفت فجر جُملتها
- لا، محصلش ؛ هشام مايعرفش حاجة..
فهمست لها نورا.

- والسلاح اللى تحت مخدتك ؛ والسماعات! والشنطة اللى مليانه حاجات غريبة، هى فى واحده مطرودة بردو تيجى بشنطة!
تقاسم الخوف ملامح فجر التى تكورت حول نفسها وظلت ترمقها بخوف..
- انت فاهمه غلط..
اقتربت منها نورا خطوة سلحفيه، وواصلت
- الشنطة والسلاح خبيتهم لك فى مكان آمن، متنسيش مهجة مش هتسيبك..
ثم ابتلعت ما بحلقها من كلمات للحظة وهى تتفحصها بنظراتها الاستكشافيه، واخرجت من جيبها مفتاحا، وقالت.

- المفتاح أهو، بس هتنزل تقوليلها إيه؟! ومش خايفه زيدان يقفشك!
فاقت فجر من كرباج اتهاماتها نافيه، وتشجعت
- انا مش فاهمه اى حاجة، وانتى كبرتى الموضوع يا أم ايوب بالفاضي..
- لا يافجر هو كبير من زمان بس إحنا اللى ساكتين عنه، ظلم وقتل ودم وقهره وغيره، واحنا عاملين نفسنا مش شايفين..
ثم زفرت بكلل
- أنا مش عايزه اى حاجه غير إنى احمى ابنى وبس، وهساعدك، ولازم تثقى فيا..

خفق قلب فجر بحيرة إثر النارين التى وضعت بينهم، ما بين مصافحة يد العون، واتباع اوامر مجدى المحذرة من اشفاء سرها لمخلوقٍ، غاصت فى صمت طويلٍ، قطعه صوت حمحمة زيدان المستيقظ للتو، فسحبتها نورا من كفها بحذر ناحية المطبخ وهمست لها
- صدقينى لوحدك مش هتوصلى لحاجة...
استندت فجر بظهرها على الحائط واردفت بتردد
- عمرى ما شوفت منك حاجة وحشه، عشان كده هثق فيكى..
ارتاح قلب نورا اخيرا وتبسمت بامتنان.

- صدقينى مش هتندمى...

ٰ
لكنني أستيقظ دائمًا وأنا أحبّك، رغم كلِّ عذابات الأمس، ووعود الغياب، يأتي الصباح وأنا ممتلىء جدًا بك، أتفقدك، وأبحث عنك وأكتب لك الرسائل، الصباح هو فخ المحبين الذي لا نجاة منه، أكتب لك صباح الخير، ودائمًا كانت تعني أحبّك.

تراقصت جفون بسمه النائمه فى الفراش بتثاقل إثر ثقل الحبوب المنومة التى تجرعتها وفاقت من حلمها الجميل الذي انقطع، فتارة تنفتح عينيها وتارة ينطبقا على بعضهما، وظلت تلك الحرب ناشبه الى أن التقط عقلها صورة للمكان المجهول الذي تقطن بها..
نهضت بمساعدة ذراعيها متجاهلة آلام جسدها وهى تكتسح المكان بعيونها ورأسها الذي يشقه الصداع لنصفين وغمغمت
- هو أنا فين!

حاولت تذكر ما السبب الذي اتى بها الى هنا ولكن بدون فائده، غادرت فراشها وقمت لتشعل مصدر الضوء ومن بعدها اقترب من احد النوافذ محكمة الغلق وحاولت فتحهما ولكنها فشلت، نبتت براثين الخوف فى قلبها وهى تدور حول نفسها حائرة فى الغرفة باحثه على هاتفها او اى وسيلة اتصال ولكنها لم تجد...
فتحت الباب وخرجت مستغربة تماما المكان، فهى لا تعلم إلى من ينتمى، تتفقد كل إنش به بذهول حد شكوكها بأنها لازالت تحلُم..

سارت فى الطابق العلوى خلف خريطة فضولها لاكتشاف المكان منادية بهمس
- مين هنا...!
ولكن بدون أى فائدة لم تجد رد يطمئنها، فأول من قفز فى فكرها طيف زياد بتنهدت بكلل معاتبه قلبها ألا يُحركك قول أنني تائهة وأنني لا أتذكر إلا الطريق إليه؟.
فتحت ابواب الغرف المجاوره بعشوائيه ولم تجد شيئا سوى غرف من الطراز الحديث، كانت تشبه رهبة الوقوف لأول مرة.

على مسرح ممتلئ بالحاضرين، وما لبثت أن تفتح ثالث غرفة فوجدت زياد كاد ان يخرج منها فى تلك اللحظه، فتراجعت خطوة للخلف شاهقة واضعه كفها فوق قلبها ولم تنكر قط بأن ضجيجها حال لسكون، وصاحت
- والله كنت شاكة فيك!
حيرة تحولت لغموض فى راس زياد وسألها
- هو أنت خطفانى؟!
فانفجرت معارضة
- ومتكونش ليه أنت اللى خاطفنى!
ثم دنت منه خطوة محذرة.

- ورحمة ابويا وامى يا زياد لو أنت اللى عامل الحركة العبيطة دى لهندمك على اليوم اللى عرفت فيه بسمة..
حدجتها باستهزاء ثم انصرف من امامها وهبط نحو الطابق السفليه، وهو يقول
- اتنيلى لما نعرف إحنا فين الاول..
تابعت خُطاه مغلولة، وانفجرت بثرثرة وهى تلوح بيده
- ياسلام، عايز تفهمنى إنك متعرفش إحنا فين، لالا الشويتين دول مايدخلوش دماغى، احسن لك خرجنى من هنا بدل ما اخرج انا من هنا على المستشفى..

تفحص زياد النوافذ والابواب المغلقة بالحديد وحاول فتحها ولكنه فشل، حينها تأكد من إنه تحت رحمة فخ، فاستدار إليها عاجزا
- كل الشبابيك مقفولة..!
ارتفعت نبرة صوتها، وصدحت
- عايز تقنعنى إنك متعرفش!
اجابها مختنقا
- والله ياستى ما أعرف ايه حاجة! واسكتى شويه خلينى افتكر..
اندفعت نحوه وهى محملة بعواصف الغضب، وحدجته بقسوة
- النهارده كان معاد مقابلتى مع فاروق ؛ تقدر تقول لى مين له مصلحة يبوظ المعاد..!
ضحك زياد ساخرا.

- تلاقيه فاروق نفسه، ياعينى حس إنه هيلبس فخلع..
ثم تحرك من امامها متجها نحو المطبخ ذو الطراز الحديث واكمل سخريته
- انتى ليه مش عايزه تقتنعى إن مافيش حد ممكن يتسحملك غيرى!
شرعت فى تكسير كل ما يُقابلها كمجنون تاه عقله وصرخت
- بقولك خرجنى من هنا! انا وانت مستحيل نقعد فى مكان واحد..
فتح الثلاجه فوجدها ممتلئه بجميع الماكولات والفواكه، فأخرج بيتضين واشار إليها ببرود غير مكترثا بثرثرتها.

- هتاكلى اعمل حسابك؟! دول متوصيين بينا جامد..
بروده ما كان سوى لهب يشعلها اكثر واكثر، فأمسكت بأحد الفازات ورمته بها فتفادها باعجوبة، وصرخت
- انا كنت متأكده إنك إنت ورا الجنان ده!
ثم استدارت حول نفسها وهى تسبه علنًا
- يلعن اليوم اللى عرفتك فيه..
تخرك زياد لامباليا، وهو يضع الاناء على النار ويدندن بالغناء ثم جهر مستمتعا
- المفروض تكونى واثقه فى نفسك أكتر من كده يابسبوسه..
ثم استدار برأسه ممازحا.

- ولا خايفة تضعفى زى كل مرة ومتقدريش تقاومى زياد السيوفى!
اندفعت نحوه بخطوات هادئه ولكنها واسعه مُثقلة بجمر الغضب وفتح احد الادراج ومسكت سكينه ورفعتها فى وجهه، مهدده
- اقسم بالله لو دماغك وزتك كل ولا كده أنا اللى هخلى الطب يحتار فيك يا زياد، عشان المهزلة دى لو مانتهتش، هتكون نهايتك إنت من على الوجود!
أسبل عيونه متغزلا ثم سحب نفسا طويلا يستنق عبقها، وقال
- ريحتك وحشتنى اوى يابسمة!

بات غضبها كدقيق متقاذف فى وجهه ولقد تحول قلبها من كمية شعور إلى قائمة تحذيرات، فدنت منه أكثر رافعه مصل السكين أمام عينيه، وجزت على فكيها
- تبقى بتحلم، وهتفوق منه على كابوس يازياد..

ثم وضعت السكينه بقوة على رخامة المطبخ وولت ظهرها مغادرة وهى تهذى بكلمات غير مفهومة، ويصدح صوت قلبها كل مرة انظر فيها إلى الماضي أتيقن أنني كنت محاربة قوية انتصرت على نفسي كثيرًا في أمور كنت أظن أن بنهايتها ينتهي الكون وها أنا هنا ابدأ من جديد كل يوم آتى بى فوق هاويته مرة آخرى، كأن الحياة تعاندنا دائما بتقشير الجرح
تنهد زياد بارتياح
- اه يابت المجنونه!

واخيرا تذكر ( الطاسه ) التى احترقت على البوتجاز وتأفف.
- هى طلعت ريحتك إنتِ مش ريحتها هى..
لست مجبرًا على ان تكون نفس الشخص الذي كنته قبل سنة او شهر لك الحق في التغيّر والنضج متى شئت وبلا تبرير او إعتذار و عد ودافع عن ما تريده حتى وإن لم يريدك..
أغلق الموقد مبتسمًا، ودندن
- مش يكمن الحياه بتدينا فرصة جديده!

دفع هشام بكل قوته باب مكتب مجدى حتى انشرخ حوافه موشكة على الانخلاع وانهال على ياقة مجدى النائم وجره مفزوعًا، ونهره
- مراتى بتعمل إيه عند زيدان يامجدى؟! هى دى الامانه يابن عمى!
اخذ لحظه ليستوعب مدى حديثه وطلب منه
- هشام بطل جنان...
تركت قبضته ياقته وهو يلهث من شدة الغضب
- ها، اهو بطلت جنان يابن عمى، ممكن اعرف مراتى بتعمل اى عند الزفت ده..
اجابه بهدوء وهو يقفل الباب.

- دى الخطة الجديده بتاعتى أنا واللواء نشات عشان نقفل كل الابواب وراك...
دفث بقدمه الطاولة الصغيره وصرخ
- وهشام السيوفى من أمتى بيدخل مهمة وسايب وراه باب موارب؟! ومالقتش غير مراتى يامجدى وتوديها للتعلب ده؟!
- ياهشام افهمنى، فجر متأمنه كويس، ورجالتنا مش سايبينها، انا مش هضحى فيها..
ضربه هشام بقوه بكلتا يديه فتقهقر مجدى خطوة للخلف
- أكون سايبلك مراتى آمانه ارجع القاك بتلعب بيها الكوره، لييييه..

- ياهشام افهم، انت متخيل بخطتك دى ميان كانت هتصدقك!
فنطحه بقوة صوته
- وانت ليه مفكرنى غبى اوى كده ومش عامل حساب كل خطوة، شكلك نسيت ابن عمك وعايز تتنجم على كتافه وهو ومراته..
فجهر مجدى رافضا اتهامه
- انا مش محتاج حاجه تنجمنى ؛ وانت عارف كده كويس، راجع تاريخ ابن عمك قبل ما تتكلم، ولو على مراتك هترجعلك ولو فيها خدش واحد ابقي احبسنى...

كور هشام قبضته محاولا تمالك غضبه وهو يأكل شفته السفليه ويتنفس بصوت مسموع، ثم اشار إليه بسبابته
- ٢٤ ساعه مراتى تكون قدامى وإلا هجيبها عليها واطيها ومش هيهمنى حد ؛ اما انت يابن عمى فاعتبر الحركة دى نهاية المشوار ؛ وطالما كل واحد قرر يلعب مع نفسه يبقي تمام..
ثم ربت على كتفه بقوه معاتبا
- بس الجدع اللى يوصل الاول...

كانت تلك آخر جملة ألجمه هشام بها قبل ما يولى ظهره مغادرا، فاشعل نيران الغضب فى صدر مجدى الذي فرغها بالمقعد الامامى حيث ركله بكل ما اوتى غضب وجهر مناديا على العسكرى
- هاتلى الزفت اللى تحت...
مشاعر الإنسان هشة، لدرجة أن يومه الكامل قادر أن يتعكر بسبب كلمة، أو نبرة صوتٍ حادة أو حتى نظرة، فلم يكن سهلا عليه حديث هشام الحاد بل قرر أن يفش غضبه فى كل من يقع تحت رحمته...

وضعت فجر مائده الطعام التى بيدها متدللة أمام زيدان الذي اعتدل منشيا لرؤيتها ؛ وجهر
- ياصباح العسل...
بادلته بابتسامه مزيفه
- قولت اكسر الروتين وتفطر هنا فالجنينه يا سيادة النائب..
لمعت عيونه الماكرة التى تلتهمها بشراسه
- قولنا يا صباح العسل، بس اى الرضا ده كله..
اطرقت فى حياء
- تسمحلى اقعد؟!
فبادرها بشغف
- وتفطرى معاى كمان، وانا فى دى الساعة!

تعمدت ان تصدر ضحكة عاليه اخترقت نوافذ غرفة مهجة، وأكملت بتدلل واخفضت صوتها قليلا
- لا المقامات محفوظه جنابك، بس أنا كنت عايزه اتكلم معاك، ينفع؟!
شرع زيدان فى التهام طعامه، و رد
- اتكلمى يافجر، مع إنى شايل منك بس ده مايمنعش إن ليكى حته جوايا..
- وانا هعمل المستحيل عشان ارجع لمكانى تانى..
وقفت اللقيمه فى حلقه إثر حديثها المعسول فسعل بقوة فنهضت لتعطيه كوب المياه مردد بلهفة.

- بعد الشر عليك يا عمده، شالله عدوينك..
ارتشف رشفة من المياه فارتاح متنهدا
- خبر إيه عاد أنا قلبى رهيف مايستحملش حديتك دهون!
- وانت لسه شوفت ولا سمعت حاجة؟!
انفرطت مشاعره أمامها، فبات القلق يركض بقلقها، ولكنها ثبتت لتكمل مخططها..
- هو جنابك سامحتنى؟!
- زيدان ماتعودش يقفل الباب فى وش ندمان أبدا...

- و ده العشم فى كرم جنابك، يبقي خلاص انا مش هينفع اخبى عليك حاجة من النهار ده، ولازم احذرك من كل اللى بيكرهوك...
- خير يابت، هو فى حد بيتلفت ورايا؟!
فكرت للحظة ثم اردفت
- خالد، خالد ولد اخوك مش سايبنى فى حالى..
ترك الطعام من يده، والتفت مهتمًا
- خالد! انتى تعرفى مكانه يابت..
اطرقت بهدوء
- ايوه، عارفه وعايزه احذرك منه...
نهض من فوق مقعد ليجلس بجوارها متلهفًا
- هو فينه، فين اراضيه...

- الأول لازم تعرف هو عايز منك ايه؟!
- ما تنطقى..
رفعت عيونها المتأرجحه ثم اسبلتهم متعمده
- بيلف عليا عايز يرجعلى، وبيوعدنى يخلينى ست البلد كلها لو نفذت كلامه...
انعقد جبين زيدان بفضول
- وايه كلامه؟!
- إنى اقتلك، اقتلك وهو يورث الجمل بما حمل وبعدها نتجوزوا ولا من شاف ولا درى..
ثم لحقت نفسها.

- بس أنا مستحيل أعمل كده جنابك وانت عارف ؛ أنا غلطت وعصيتك مرة مستحيل اكرر غلطى، زيدان أنا مش هينفع أكون مراة حد غيرك...
كانت كالحيه تراوغ بألوانها المبهجة وتدلل وتبخ سمها فالاذان ؛ ففرح زيدان كالطفل الصغير
- يااااه يااااه يافجر، اخيرا عرفتى وحسيتى بقلبى! ياااااااه...
هزت رأسها نفيا
- بس أنا خايفه عليك، لان خالد مش سهل ومش هيعديها وعايزاك تاخد بالك...
قهقهه ساخرا وهو يأكلها باهدابه.

- ولا تحطى فى بالك، ده حتة عيل افعصه وقت مااحب..
- حتى ولو قولتلك إنه اتفق مع الصياد عليك؟!
- ايييييه؟!
ثم لمحت فجر ظل مهجة تتجسسس عليهما من وراء الحائط ورفعت صوتها وهى تحضن كفه
- مهجة وابوها ناصبين لك فخ تقيل قوى، خلى بالك منه، زيدان انا مابقيليش غيرك من النهار ده، متسبنيش..
كانت صدمة بثقل جبل دكت على رأس زيدان
- كنت حاسس..
ثم ألقتنه.

- واحنا فيها، معانا اللى يودى أبوها والشاذلى ورا الشمس، ونوقعهم فى شر اعمالهم وتبقي أنت الكل فالكل، ولا إيه جنابك...؟!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة