قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية الحرب لأجلك سلام الجزء الثاني للكاتبة نهال مصطفى الفصل الثلاثون

رواية الحرب لأجلك سلام الجزء الثاني للكاتبة نهال مصطفى الفصل الثلاثون

رواية الحرب لأجلك سلام الجزء الثاني للكاتبة نهال مصطفى الفصل الثلاثون

أيها الأول في كل شيء، الغائر فيّ، أيها المغموس في وجهي، المنسكب فى شرايينى، المنثور على تفاصيلي وأشيائي، أيها الكثير جداً من كلى، منذُ أن أحببتك و أنا أشعُر بإن الأمان أصبحَ بكُل أجزاء جسّدي و الراحة قد تشبكَت بي، فَ حُبك يصنعُ مِن مُر الحيّاة إبتسامة لِي لا تسطع إلا فى سمائك ولك...

- إنت مين اداك الحق تردنى؟!
ابتعدت عن حضنه الذي كان لقلبها عباره عن سحابة بيضاء انهمر غيث شدقيها على روحها لترد إليه كُرة آخرى وألقت سؤالها الاخيره بعناد حواء تأبى الهزيمة فى اغداق رجلٍ، فاجابها مذهولا
- ما أحنا كنا حلوين! اتقلبتى ليه تانى..!
وثبت قائمه، واحتدت نبرة صوتها الهائمه
- سؤالى واضح إنت ازاى تردنى من غير ما تاخد رايي ؛ أو انا اعرف..! أنت مش هتبطل اسلوبك ده؟!
نصب عوده متأففا.

- يابنتى هو إحنا مش اتصالحنا، وانتى سامحتى واترميتى فى حضنى وفرغت الحدوته، فى ايه تانى؟!
تحركت بخفة لتقف محتميه بظهر المقعد ولوحت بكفها
- إنت مين فهمك كده، متهناش لا
- مش عارف، بس افلام الابيض والاسود كلها بتنتهى كده، ممم طلع مضحوك عليا طول الفترة دى؟!
كانت جُملته بها شىء من المزاح والسخرية فى آنٍ واحد مما اثار اشباح عنادها الضاحكه بجوفها وقالت بحدة مزيفة
- مابهزرش..

- وحياة عيونك الحلوة دى ولا أنا بهزر، ده مجرد سؤال للعلم..؟!
ثم دنى منها وغمز بطرف عينه
-هو طلع مضحوك عليا بجد!
داعبت شفتيها بابتسامه خفيفه حاربت اخفائها بكل الطرق ولكنها فشلت، فصاح مهللا
- أهو اديكى ضحكتى أهو، يعنى قلبك حن ومال ؛ ولا كمان عمرو دياب طلع بيضحك عليا...
نفذ صبرها من تحول جديتها لمزحه، ففاض صبرها
- يوووووه، بطل اسلوبك ده...
- ليه بقي؟! عشان بيهزمك دايما..!

ثم ثنى ركبتيه فوق المقعد لتصبح عيونهم مُتقابله فى نفس المستوى وتابع
- اهى ضحكتك الحلوة دى هى انتصارى وهزيمتى فى نفس الوقت...
اتكأت بمرفقيها على ظهر المقعد هائمة به
-ياسلام ! ازاى بقي؟!
تطاولت انامله لتزيح خصيله من شعرها وراء أذنها وتابع متغزلا
-انتصارى علشان بحس بانجاز عظيم وثقتى بتزيد جوايا إنى قدرت اهزم عصبيتك بضحكة حلوة منك، وهزيمتى لانى للاسف مش هقدر اقاومها أكتر من كده غير لما ادوق طعمها..

احمرت وجنتيها بحمرة الخجل ففرت هاربه من امامه لتدخل دائره مقاعد ( الانتريه ) وتجلس على طرف إحداهما وهى تقول
- مش بسهولة كده...
كور زياد قبضته مغتاظا وجز على اسنانه بقوة وهو يستدير نحوها ليعتدل فى جلسته وبادلها بابتسامة زائفه
- هى إيه اللى مش بسهولة، بت إنت اتعدلى ؛ أنت مراتى لو نسيتى..
وضعت ساق فوق الاخرى لاعبه على اوتار فطرته وقالت متدلله
- شوفت اهو إحنا لازم نتفق..
- نتفق على إيه إن شاء الله!

- إنتَ طلبت فرصة، وانا عشان هبله ومتنيله على عينى وبحبك وافقت اديهالك، بس غرور الست اللى جوايا مش سامح بالمهزلة دى، فأنا لازم احط شروطى وارضيها بردو...
- اللى هى بقي؟! ادينى!
فكرت للحظة ثم تابعت
- مش معنى إنى هديك فرصه نبقي خلاص هنعيش زى اى اتنين متجوزين وخلاص..
رفع حاجبه وهو يرمقها بنظرات التوعد
- أومال؟!
تحمحمت بثقة
- أولا، تقطع علاقتك بكل البنات اللى فى حياتك..
انكمشت ملامحه بسخط.

- اى الافترى ده، وجالك قلب تقوليها!
حدجته محذرة ثم واصلت
- باسورد الفون وكل المواقع يكون معايا، والواتس آب يتوصل باللاب بتاعى عشان اشوفك بتكلم مين وبتقول إيه..
طفح كيل الصبر منه ولكنه استمر لسماع شروطها، وتبسم متوعدا
- اللى بعده...!
- يتعمل لى اكبر فرح فى مصر كلها، وكل مطربين مصر تحضره...
- ليييه، فكرانى نجيب ساويرس؟!
هزت كتفيها لا مباليه بشروطها التعجيزيه، وتابعت.

- شهر العسل نقضيه فالجونه، وكمان تجيبلى ياخت هدية جوازنا، ولو عجبنا المكان هناك ممكن نشترى بيت..
ضحك بصوت منخفض ساخرا من طموحاتها واجاب
- لا دانتى ياسمين صبري بوظت دماغك، بوسبوس حياتى انا مش ابو هشيمه هاااا نفوق...
- الله؟! لو مش عايز متشتريش..
- لالا كملى، انا حبيت اللعبه دى أوى، هاا وايه كمان...
نهضت من جلستها لتقترب منه واكملت
- كل يوم ليا طلب، ولازم تنفذه..
- ولو منفذتهوش، ايه اللى هيحصل بقي؟!

- يوووه هيحصل كتير ؛ بس مش من مصلحتك متنفذش، بحذرك اهو...
انشقت ابتسامة خافته على وجهه وغمز بطرف عينه
- ولو نفذته...
- ساعتها بقي هيكونلك مكافاة.
- احم، نوع المكافأة بقي عشان انا بحب الحاجات دى اوى..
زمت شفتيها واصدرت ايماءه خافته
- ممكن اديك بوسه، دا لو كنت راضيه عنك...
اسبل عيون الشر وهو يرمقها بتوعد
- دانا اللى هديكى فى سنانك لو متعدلتيش!
نظرت له بعيون ضيقه تحمل وميضًا من التحذير.

- اسلوبك فى الكلام كمان مش عاجبنى...
فلحق نفسه من حالتها المزاجية المتقلبه كاحوال الطقس
- لالا، شوفى إنتى عايزانى اتكلم ازاى وانا هتكلم...
فحدجته قائلة: أما نشوف...
صمت لدقيقه او اثنين، فتحرشت بفضوله ؛ فسألها
- خلصتى؟!
- انت وافقت على دول؟!
نهض من مكانه بهيئته الجذابه التى تمزق اوتار قلبها شوقًا، وجلس بجوارها وأمسك بكفها وهو يداعب اناملها بحنو.

- بصي، حوار البنات ده والباسورد انا معاكى فيه ؛ ومن حقك طبعا، انا اصلا ماليش آمان
فشهقت مع اتساع بؤبؤ عينيها
- ااااه اديك اعترفت، يبقي..
فقطعها:
- يبقي تستنى اخلص كلامى ياستى، وطولى بالك ؛ وبعدين ما انا معترف إنى متنيل على عينى الزايغه دى، بس إنتى لازم تعوضينى، وتقفى جمبى لحد ما اتعالج..
نطقت باسمه محذرة
- زياااااااد...

- هوضحلك، يعنى أنا عايز ارجع كل يوم من بره ألقى رقاصه فى البيت، بوز الست النكديه ده ميلزمنيش ؛ هتلاقى عينى فرت على بره على طول، وكل يوم تبقي بشخصية جديده تبهرنى عن اللى قبلها، وهتلاقينى زى الخاتم فى صباعك...
اجابته باستنكار
- لا طبعا مش موافقه..
القى الوم عليها
- شوفتى اهو إنتى اللى مش عايزانى اتعالج أهو، وبتزعلى لما ابص بره..
فكرت لبرهة ثم قالت.

- خلاص هعمل كده، بس لما ارضي عليك الأول أنا لسه عند مبدأى، بص إحنا نتخطب فترة كده تحت الاختبار وبعد كده نشوف، إيه رايك!
غمغم فى سره مغتاظًا
- احلمى احلمى، اى الذل ده..
- بتقول حاجه يازيزو...
بادلها بابتسامه واسعة مزيفة و رد
- منوره ياقلب زيزو...
فصمت الاثنين للحظة استاكنت فيها اجسادهم للخلف، فقطعها قائلا
- تحبى تلعبى؟!
فدارت إليه بحماس
- ألعب إيه..
- استغمايه؟!

فكرت للحظة فى نواياه الضالة ولكنها لم تعط له الفرصة فى خديعتها، وهزت رأسها نافية
- لالا، تعالى نلعب حاجة تانى احلى..
- شكلك بدأتى تفهمينى...
صدمته بجملتها العفوية
- نلعب ريست..
فتقلصت ملامحها الفارحة
- رست؟! وانا اللى خيالى راح فى حتت تانية، المهم أدها...؟!
عقدت ساقيها تجاهه، وبنبرة تحدى
- المهم إنك إنت تطلع ادها...
جلس نفس جلستها مقابلا لها، فتحمس
- هنشووووف...

تشابكت الاصبع والقلوب معًا وتبادلت الاعين المدججة بفيضانات الحب والعناد فى آن واحد، فارتبك قليلا عندما لحظ بروز اسلتحتها الانثويه القاتله، فتحمحم مستعدا
- ربنا يستر..
بدت فى التحمل على ذراعه بكل ما اوتيت من عناد انثوى حتى اخفقت فى شروط اللعبه وارتفع كوعها عن سطح الوسادة ولكنه لازلت يده راسخ لم تتمايل كجبل صلب لا يهزه العواصف، فزفرت مختنقا
- هو انا بلعب لوحدى؟!
فضحك.

- لو اتكيت بس على ايدك هتتخلع فى ايدى، فأنا سايبك براحتك، وقعينى بقي...
ففكرت للحظه وعرضت عليه
- طيب هو الشرع بيقول للذكر مثل حظ الانثيين، فانا هلعب بايديا الاتنين عشان نبقي متعادلين...
ضحك بصوت هدر على طرق اقناعها، فطاوعها
- موافق، يلا...
قبضت بكفوفها على كفه القوى متحديه
- هغلبك...
فغمز بطرف عينه
- ما إنتى غلبتينى خلاص...

شرعت بسمه فى التحمل على ذراعه بكل قوتها حتى انقطع نفسها ففشلت فشل ذريع، فاستغل زياد فرصة تمسكها به وبجذبة ما واحده من ذراعه كنت بين يديه شاهقة
- لالا اللى حصل ده افترا...
التف معصمه على خصرها وهو يدس انفاسها فى شعرها وهام برائحتها قائلا
- اى هو اللى افترا...
- خلاص مش لاعبة، إنت بس عشان ربنا مديك شوية عضلات هتستقوى بيهم عليا..
فغمغم متيمًا بسحرها ووشوشها بصوت هز كل ماهو ساكن بها.

- على فكرة كنتى هتقدرى تغلبينى، لان عندك الاقوى من العضلات..

ما لبث أن انتهى من جملته فشرع فى نثر عطر اشتهائه على جدار عنقها، فاستسلمت له بأمر قلبها منكمشه فى حضنه، فسره فعلها الاشبه بافعال الاطفال التى تلقي اوامر وتنساها بقطعة حلوى، فطوقته بلهفة قلبها الصادح ( ‏لا أملك من القول شيئًا سوى أنني أُحبك، أُحبك و أنا أعيي مدى استهلاك هذه الكلمة بين كُل الأشخاص، أُحبك بقدر رغبتي المفرطة في قول كلمةً جديدة تليق بكُل هذا الحب الكثيف الذي أحملهُ لكِ )..

ف لحظة استسلم فيها القلب وخضعت لها الرجال، ولكن النساء كالعقارب فإن نام العقرب هل لذنبه التوقف عن السم؟!، باغته بعضة قوي من فكيها فجعلت قبضته ارتخت من عليها وهربت منه كالمفزوعه وقالت منتصره وهى تركض
- من اولها ابتديت تكسر شروطى...
فوثب خلفها مناديا
-يا بت العضاضه، انت يابت خدى هنا...
فضحكت ظافرة
- بتحلممممم
فألمته موضع لدغتها قائلا
- وشرف أمى لاوريكى، طيب طيب..
طالعته من أعلى لتفحمه.

- نام على الكنبه عندك بقي مش عايزه ازعاج هنا...
- لو وقعتى فى ايدي ما هرحمك...
- اتكلم على أدك...
ثم هربت منه محتميه بغرفتها عندما وجدته يندفع نحوها بلهب انتقامه، فجهر معاندا
- قاعدلك، هنروح فين من بعض يعنى، خليكى فاكرة إنتى اللى ابتديتى...

- شكلك نسيت حدود وظيفتك يامجدى بيه...
انفجر المأمور معاتبًا وهو يجلس على مكتبه، وينزع قبعته، فبرر مجدى موقفه
- ده عيل مترباش سعتك..
- واحنا هنا بنفذ القانون مش بنربيهم حضرة النقيب..
جلس مجدى مرغما وهو يزفر باختناق
- اللى تامر بيه معاليك..
- انت من أمتى بتدخل امورك الشخصيه فالشغل؟! لانى شايف إن الموضوع بقي خارج التربيه لانتقامات شخصيه، وانت عارف إن ده مش لمصلحتك...
- تمام، بكرة ملفه هيتحول للنيابه؟!

فحدجه المأمور بعدم تصديق
- وهو فى ملف وقضيه من الاساس يامجدى!
- حضرتك عايز توصل لايه..
زفر المأمور باختناق
- شوف إنت زى ابنى ووالدك اخ قبل ما يكون صديق، بس انا مش شايف من مصلحتك القضيه دى تتم..
- بمعنى...
- انزل افرج عنه يا مجدى واعقل، الامور ماتتاخدش بالدراع، ومش هسألك عملت كده ليه بس هقولك خاف على نجومك ومكانتك، اتفضل..
نصب مجدى عوده كاظما غيظه
- اى اوامر تانية معااليك...

- اتفضل يامجدى، بس كلامى معاك لسه مخلصش...
خرج مجدى من الغرفه وهو يسب فى نفسه سرا حتى وصل لمكتبه وتناول هاتفه فقرأ رسالة رهف عن حذف فيديوهات التى ريحت قلبه من جبال الهم، فنادى على العسكرى وامره
- الزفت اللى تحت روح خليه يمشي...
ثم ردد سرا
- يلا ماهى خربانه خربانه...
ما لبث أن غادر العسكرى، فرن هاتفه مرة ثانيه، فأجاب بلهفة
- أم خالد، اتفضلى حصل حاجه..
صرخت ناديه متوسله
- مصيبه مصيبة يا مجدى...
فزع من مجلسه.

- فهمينى حصل إيه..
- زيدان كشف فجر وخدها وطلعوا على اسكندرية عند حماه..
انصبت مياه مغليه على جروحه الدامية غاضبا
- يادى النيله، انا هتصرف خلاص..
فنادته: خالد ضنايا بخير يا ولدى، طمنى..
لملم مجدى سلاحه واغراضه سريعا وهو يطمئنها
- كل حاجه هتبقي بخير، متقلقيش...
فتدخلت نورا فالمكالمه وقالت نادمة
- انا عرفت حاجه كمان لازمًا البيه يعرفها...

- ايه اللى واخد عقلك ياحبيبي..
قفلت قمر باب غرفتها التى تحوى اثاثا بسيطا ممسكة بظهرها الذي يؤلمها كثير إثر الحمل وتقترب من خالد الشارد يذهنه فى عالم آخر، فجلست بجواره وأمسكت كفه وقالت
- دانت مش معايا خالص...
- هاا، كنتى عتقولى حاجه ياقمر...
اعتدل فى جلسته ليفسح لها مكانًا، فاستراحت فى جلستها متنهده..
- بقولك بتفكر فأيه..
- ابدا ياقمرر، منا سمعت كلامك اهو وقاعد جمبك..
ربتت على كتفه.

- يجعلك جمبى ومايغيبك عمرى كله..
قبل كفها ثم انتقل شدقيه لبلون بطنها وطبع قبلة خفيفه وسألها
- مقربش يجى عاد...!
تغللت اناملها فى خصيلات شعره بحب
- هانت، هانت ويجى ينور حياتنا ياحبيبي..
ثم اطالت النظر اليه بعيونها اللامعة، فسألها متعجبًا
- مالك، انتى اللى سرحتى اهو...
- قلبى حاسس وبيقول لى إنك مخبى عنى حاجه، بس مش هتقل عليك وهستناك تيجى وتقول لى من روحك...

اعتدل فى جلسته ممسكا بكفها الذي يبث الحياه فى شرايينها
- لازم تتأكدى إنى بعمل كل حاجه عشان ولدنا وانت تعيشي فى أحسن حال...
- مش عايزه لا فلوس ولا قصور على كد منا عايزاك...
لم يفهم المغزى الصحيح من وراء فسألها
- إنتى ليه رافضة ارجع حقي، ليه عايزه تخلينى اعيش عينى مكسوره وهربان طول عمرى
اغرورقت عيونها بالدموع
- خايفه...
- خايفه من ايه ياقمر...

- خايفة يجى اليوم اللى الفلوس تعمى فيه عينك وتبعدك عن قمر، خايفه الشيطان يلعب فى راسك ويقولك إنك تستاهل الاحسن منى انت تاخد ليه واحده ناقصة، خايفه اللى عمله عمك يقف حاجز ما بينا تفتكره طول ما احنا هناك، خايفه قلبك يحن ويرق لفجر...
انفجرت فالبكاء حتى اكملت شاهقة
- خايفة ربنا يعوضنا بالمال وياخد من قلوبنا الحب، واعيش ادور عليك العمر كله ومعرفش اشترى قلبك ولو بكنوز الدنيا...

عادة مايكون تفكير الانثى سابق الزمان بسنة ضوئية، خربشت بكلماتها على جدار عقله الذي لم يتصور له للحظة ما قالته، فمسح بابهامه دموعها وسألها
- وانت معايا صدر منى كلمة تدل على كل الاوهام دى؟!
احتوى كفها المرتعش كفه الذي غُسل بمياه حزنها وقالت
- دى الحقيقه اللى بتتعمد تنساها كل يوم..
هز راسه رافضا اتهامها
- لا، دى اوهامك السودة اللى بتوصلك حاجات مخطرتش على بالى، عارفه ليه!
جمع الكلمات براسه ثم أكمل.

- عشان اللى عمله عمى فيكى هاخده منه وهندمه، ولو كنت بحب فجر زمان فدلوك هحب واحده متجوزه ليه، واصلا تيجى اى كلمه حب جمب اللى حسيته وانا معاكى فى ليلة نمت فيها فى حضنك، مش معنى إنى بحارب عشان ارجع حقنا يبقي هسيبك واروح اشوف غيرك، عارفه ليه...
وضع كفه على بطنها وواصل بخفوت.

- عشان قلوبنا دى عامله زى اصداف البحر اللى بتحمينا وماينفعش يسكنها غير شخص واحد وبس ولو سبناه هنضيع والدنيا هتلطش فينا لحد مانموت ولا هنعرف نرجع للصدفه تانى ولا هنلاقي مكان يناسبنا بعدها، عرفتى بقي إن بعدى عنك والموت واحد...
- يعنى عمرك ما فى يوم هتندم ياخالد...
نفذ صبره منها
- إنتى مش واخده بالك إنك مراتى وام ولدى اللى جاي! اثبتلك اى تانى...؟!
توسلته بعيونها الذائبة فى بحور هواه.

- قولهالى، قولهالى على طول عشان تريح قلبى..
قبل رأسها بدفء:
- وقلبى أنا كمان نفسه يرتاح من اللى عيونك بيعموله فيه..
ما كاد ان يتذوق ابتسامتها المرتسمة من عجاف دواخلها فقطعه رنين هاتفه فلعنه سرا وهو يتعرف على هوية الطارق مستغربا
- مجدى بيه..
سالته: ما ترد...
- منا هرد...
فتح المكالمه بتردد وقال
- ألو..
- خالد، انا تحت بيتك، البس انزل لى حالا، طالعين على اسكندرية
- حاضر، حاضررررر نازل اهو...
خفق قلب قمر.

- خير يا خالد، حُصل إيه؟!

(صباحًا )
- منير، الحقني، شوفت. شوفت اللى حصل!
اندفعت عايده اليها كاندفاع العطشان فى الصحراء نحو بحيرة ميا مستغيثه به من جفاء ليلة البارحة التى قضتها فى مكتب النائب العام، فربت منير على كتفها ليطمئنها
- اهدى، اهدى وتعالى فهمينى اللى حصل..
احتوى ذراعها المرتعش وسحبها برفق ليجلس معها على اقرب اريكه، فنشجت.

- معرفش، معرفش يامنير، لقيتهم بيتكلمو عن سلاح وبضاعه واسلحة محرمة وحاجات كتيره كده انا مش فاهمة اى حاجه عنها...
تبدلت ملامح منير من الهدوء للحيره المُقلقه
- يعني ايه؟! ومين له مصلحه فى كده..
واصلت بنبرة صوتها المرتجفه
- اللى فهمته من اللى كانوا فى الشاحنه ان البضاعه ليها 3 ايام فى عرض البحر، بعد ما الربان بتاعها حالته اتدهورت، منير انا هروح فى داهيه، كل حاجه باسمى..
مسك منير راسه مفكرا.

- قولت اهدى ياعايده، اهدى..
ثم غمغمت بشك
- معقوله تكون ميان! ميان ليها علاقه بالموضوع ده؟!
- اطمنى ياعايده، متقلقيش، هوصل لهشام والولاد وهنلاقى حل بإذن الله
اسبلت عيونها المحمره بدماء البكاء واحتوت كفه متوسله
- متسبنيش يامنير، انا مابقاش ليا غيرك...

- مش معقوله كل ده نوم؟!
بفستان قصير اسود يصل لركبتها اردفت ميان جُملتها الاخيره وهى تُزيح الستائر عن احد شرفات (اليخت) الذي ينتمى لملكية آل الشاذلى، بعدما ألقت بدلة جديده بجواره..
تراقصت جفون هشام المُلقى فى منتصف السرير بزيه وحذائه الذي بات فى قدمه طوال الليل محاولا تذكر ما حدث أتى به الى هنا، بنهض بتكاسل شديد وهو يتفقد المكان بعيناه وقال
- أنا ايه اللى جابنى هنا...!
اقتربت منه ساخرة.

- بس متفكرنيش، وأنا اللى كنت بخطط ازاى هننبسط سوا..
هز راسه بعدم تفهم وسالها
- يعنى ايه؟!
فضحكت بصوت عال وهى تقترب منه اكثر
- مكنتش اعرف إنك من كاس واحد هتنام كده...
ثم انحنت لمستوى آذانه هامسه
- مطلعتش زى ما كنت فاكرة...
- مش فاهم...
دوى صوت ضحكة نسائيه لها وهى تخبره
- طيب يلا قوم، يومنا طويل ومحضرالك مفاجأت كتير...
نصب عوده جازعا وهو يمسك بساعدها
- خدى هنا، انا مش بحب المفاجئات ولا بحب ابقي مش فاهم...

وضعت قُبله على سبابتها ثم طبعتها على ثغره وقالت
- مش خاطفينك اكيد، عايزاك ترفع راسي
- اومال؟!
- بابى بس حابب يعرفك على شركائك، وطبعا ماينفعش تقابلهم بلبسك ده...
رمقها بعدم تصديق حتى تلونت كالحيه.
- يلا بقي اجهز عشان كلنا مستنينك تحت..
تحسس على حزامه الجلدى من الخلف
- إحنا فين الاوول؟! وفين سلاحى؟!
- هشام، اى الاوفر ده! اجهز وتعالى مستنينك فوق...

تمايلت بحذائها العالى متدلله أمام عيناه حتى لعن الحظ الذي جمعه بها ووقف أمام المرآة حائرا محاولا تذكر اى حدث يدله لمقصدهم المريب..
اتجه نحو المرحاض وغسل وجهه ولازالت دبابير الشك تزوم فى راسه، الى ان قفزت فى راسه اكثر من فكرة همّ بتفيذها على الفور...
مر قرابة النصف ساعه فخرج من باب غرفته فوجد أحد الحرس فى انتظاره على الباب وقال له مرشدا
- من هنا يا سييادة المقدم اتفضل معايا...

خطوات باتت تفصله عن تحول حيرته وشكوكه ليقين، هبط السلم برزانه وثبات حتى وصل الى السطح فسقطت عيناه على الدائره المنعقده من عدد كبير من رجال الحرس حول مجلس كل من الشاذلى وابنته ؛ الصياد ؛ وزيدان ومُهجة التى انعقدت ملامحها الحادة لرؤياه..
تقدمت ميان لاستقباله بابتسامه خافته وقالتله
- تعالى اعرفك...
التوى ثغر هشام ساخرا
- لا متعرفين من زمان...

ثم تحرك بشموخ وتجاهل ميان ليجلس على المقعد المقابل لزيدان وساله
- والله زمان يا عمدة...
هندم سترته المُلقاه على كتفيه تحت بدلته وقال
- شوفت يا سيوفى الزمان دوار كيف، حذرتك من قبلها..
- و المفروض كنت أخاف؟!
ثم وجه سؤاله ناحية الشاذلى
- هو إيه الحوار يا منصور بيه؟!
مدت له ميان كأس النبيذ
- اشرب الاول..
فغمز لها بطرف عينه
- مانتى لسه قايله إنى مش قده..
- ده ٥% كحول بس...

رمقها بعدم تصديق كأنه تذكر نفس الجملة سمعها من قبل
- فاكر إنى سمعت الجملة دى قبل كده!
تراجعت ميان بحرص مغمغمه
- اللى يريحك...
فصدحت زعابيب هشام المحمله باتربة المكر
- بس اى اللى لم الشامى على المغربى يا منصور بيه..
ارتشف منصور كأس النبيذ وقال ممازحا...
- الوحده الوطنيه...
فتدخل الصياد بشك
- هو ده اللى هيساعدنا...
انتقلت انظار هشام إليه بفظاظة
- انا ليه شامم ريحة تريقه فى كلامك يااااا، مش الصياد بيه بردو..

قطمت ميان الحوار وهى تجلس بجوار مهجة وقالت
- بالمختصر ياهشام، فى بضاعة قاعده فالبحر اكتر من اسبوع مش عارفين ندخلها الحدود المصرية خاصة إن الحكومه مفتحه عيونها قوى علينا، هتقدر تعمل كده...
لم يدهشه الامر نهائيا، فحافظ على ثباته وسألها
- سلاح، وذخائر؟! واجهزة تجسس وغيره وغيره، مش كده!
رد الصياد
- صفقة العمر ولو وصلت بسلام يبقي طاقة القدر اتفتحتلك...
فكر هشام لحظات وهى يتكأ للخلف وقال
- ندخلها...

فاتسعت ابتسامه ميان بفرح
- كنت متأكده إن ثقتى فيك فى محلها...
تجاهل ابداء اعجابها به ووجه نظره للصياد
- افتكر إن الميه هتكدب الغطاس...
فقهقه زيدان بمكر، ورحب به
- والله وجيه اليوم اللى يبقي هدفنا فيه..
- المصلحة تحكم جنابك...
وثب الشاذلى بهيبته وهو يلوح بسيجارته البنية وقال
- حلو، كل ده حلو، بس اللى مش حلو بقي إنك مندهشتش ياسيادة المقدم..
حافظ هشام على اتزانه.

- هندهش ليه؟! زيدان بيه وسمعته سابقاه، والصياد بيه حماه واكيد كلهم على قلب واحد، والهدف اللى يجمع اتنين يجمع تلاته، فأنا ربطت الخيوط ببعضها واهو تخمينى طلع صح...
- بس اللى مش صح بقي إن البضاعة اتمسكت امبارح، والست عايده هانم راحت فالرجلين..
هدوئه كان مثيرا للدهشه على عكس الجمر الذي قُذف على قلوب البقية، ذهلت ميان
- حضرتك بتقول ايه يابابا...
حدجها محذرا: استنى يا ميان...

تحرك بين صفوفهم وشرع بالتحدث عن انجازاته العظيمه فى المعمار وخدمات الدوله وغيرها من المشاريع العملاقه وتكوين ثروته وافتخاره بذكاءه واعمالها الى أن نهى نشرته بجملة لسعت قلب هشام بالقلق..
- يعنى اقدر اترجم الواحد من عيونه...
وقف زيدان معارضا
- يعنى ايه اتمسكت، وازاى حاجه تدخل البلد من غير تأمين...
فاردف الشاذلى بهدوء
- ما هو ده اللى جايبكم عشانه، ونعرف ازاى الحاجة دخلت من غير ما تتأمن...

هتفت مهجة بعدم تصديق
- يعنى ايه! مفيش فلوس...
واكمل زيدان
- ولا بضاعه؟! طيب ومعاد التسليم؟!
- كل ده سهل، ثقتنا فى حضرة الظابط كبيره، ولا انت شايف ايه يا هشام بيه؟!
اجابه بثقة
- شايف إن فى موضوع اهم لسه حضرتك بتلف حوليه وماقولتهوش...
لمعت عيون الشاذلى معجبا بذكاءه وواصل
- تعجبنى وانت جايب من الاخر...
- مش بحب المقدمات...
الشاذلى بهدوء: تقدر ترجعلنا اللى وقع فى ايدين الحكومه..
سخر من طلبه وقال.

- وهى فى حاجه بتقع فى ايدين الحكومه بترجع!
صاح الشاذلى معجبا
- عليك نور، يعنى مستحيل، بس اللى مش مستحيل إننا ناخد حقنا من اللى عمل كده..
ميان بدهشه
- بابى، حضرتك عارف مين عمل كده...؟!
تابع الشاذلى تحركاته الخافته الى ان وصل وراء هشام وشاور له لاعلى نحو الطائره التى تزوم فوقهم
- شايف الطايره دى مش هيركبها غير اتنين وبس، وهوووب هيكتو من البلد، بصراحه أنا مش عارف مين هما بالظبط...

ثم اخفض نبرة صوته الماكره ووضع كفه على كتفه
- ممكن انا وميان، مهجه وجوزها او ابوها، ممكن أنت وووووو
ثم اشار لاحد الحرس بفتح الباب المغلق امامهم، ففلحظة ظهر طيف رهف المرتعبه وهى مكبلة الايدى وعلى فهمها شريط لاصق...
- اختك صح؟! متعرفش انا عملت إيه عشان احوشها عن الرجاله دول امبارح...
لم يستطع تقبل الصدمه الاولى حتى سقطت على صدره الصاعقة بظهور فجر تحت قبضة يد الحارس صاحب البنيه الضخمه واكمل الشاذلى.

- او الحلوة مراتك، اللى بعتها تتجسس على زيدان فى قصره...
تلاقت الاعين الجاحظة ببعضها فلاول مرة يشعر بنفسه مكبل الايدى واللسان، امتدت يد الشاذلى فى خصر الحارس ليخرج سلاحه ويصوبه ناحية رأس هشام وصراخ
- واخرهم بضاعة تمنها يساوى تمن البلد كلها تدخل الحدود برساله منك من تليفون ميان بتى، اللعبة انتهت ياسيادة المقدم، الداخليه هتخسرك..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة